من فقه تسبيح الخالق سبحانه

video

مقدمة: تسبيح الله بين الدين والعلم

لطالما كان التسبيح مفهومًا محوريًا في التصور الديني الإسلامي، حيث يعكس تنزيه الله سبحانه وتعالى عن أي نقص أو شبيه. ولكن في ظل التطور العلمي الحديث، يمكننا أن نتناول التسبيح من زاوية فلسفية وعلمية تُعمِّق فهمنا لهذا المفهوم، وتُرينا كيف أن الانبهار بآيات الله في الكون يمكن أن يكون مدخلًا لفهم أعظم قوانين الفيزياء والفلك.


التسبيح والتنزيه في القرآن: نظرة تحليلية

يُقدِّم القرآن الكريم مفهوم التسبيح بوصفه عملية مستمرة تقوم بها جميع المخلوقات، كما ورد في قوله تعالى: “يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ” (الجمعة: 1). هذا التسبيح ليس مجرد أذكار لفظية، بل هو تعبير عن الخضوع المطلق لله من خلال وجود منظم ودقيق يخضع لقوانين ثابتة.


الكون ككتاب مفتوح للتسبيح

إن الكون، منذ لحظة نشأته وفقًا لنظرية الانفجار العظيم، يخضع لقوانين دقيقة بشكل مذهل. فعلى سبيل المثال، حسابات روجر بنروز حول احتمالية نشوء الكون عن طريق الصدفة تشير إلى رقم مذهل وهو (1/10^(10^231))، ما يعكس استحالة نشوء هذا الكون بغير تخطيط وتقدير.

كما أن العلماء وجدوا أن تسارع تمدد الكون لو اختلف بنسبة 1/10^18 من الثانية لما وُجِد الكون أصلاً، مما يدل على دقة الخلق، وهو ما يشير إليه القرآن حين يقول: “وخلق كل شيء فقدره تقديرًا” (الفرقان: 2).


التسبيح والتقديس: كيف يختلفان؟

يخلط البعض بين مفهوم التسبيح والتقديس، فالتسبيح يعني تنزيه الله عن أي نقص، بينما التقديس هو تعظيم الله ورفعه عن أي مشابهة. هذه المفاهيم العميقة تكشف كيف أن الدين الإسلامي يضع قواعد دقيقة لمنهج التفكير العقلي، بحيث لا يمكن تشبيه الله بأي مخلوق.


تنزيه الله بين العلم والفلسفة

يعتبر العلماء أن القوانين الطبيعية التي تحكم الكون هي تعبير عن نظام إلهي دقيق، لكنها في ذات الوقت تدل على أن الله لا يخضع لهذه القوانين. فعلى سبيل المثال، الزمن والمكان مخلوقان، وهذا يعني أن الله غير مقيد بهما. ستيفن هوكينج نفسه أقرَّ بأن الكون لم يكن فيه زمان أو مكان قبل الانفجار العظيم، وهذا يتفق تمامًا مع العقيدة الإسلامية القائلة بأن الله “كان ولم يكن شيء معه”.


تسبيح الكون: من الذرات إلى المجرات

لو نظرنا إلى أدق مستويات المادة، فسنجد أن الإلكترونات والبروتونات تتحرك ضمن مدارات دقيقة جدًا لا تحيد عنها، وكأنها تسبّح بحمد ربها دون انقطاع. هذا النمط من الحركة المنظمة يمكن رؤيته على نطاق واسع في دوران الكواكب حول النجوم، وفي الطريقة التي تتمدد بها المجرات وفق قوانين محسوبة بدقة مذهلة.


دور الإنسان في التسبيح

بخلاف الكائنات الأخرى التي تسبح تلقائيًا، يمتلك الإنسان إرادة حرة تجعله قادرًا على إدراك عظمة الخالق وتسبيحه عن وعي. يقول الله تعالى: “وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ” (الإسراء: 44)، مما يعني أن التسبيح موجود في كل شيء، لكن الفهم البشري قاصر عن إدراكه إلا في حدود.


تسبيح الله كمنهج للفهم الكوني

يُعد التسبيح في الإسلام أكثر من مجرد ذكر لفظي، بل هو رؤية شاملة للعالم تُظهر التناسق العجيب في الكون. هذا التناسق ليس عشوائيًا، بل هو نتيجة تخطيط وتقدير إلهي دقيق، كما أثبتت العلوم الحديثة. ومن هنا، فإن التسبيح هو وسيلة الإنسان للتقرب من الله عبر التأمل في خلقه والتدبر في آياته الكونية، وهو بذلك جسر بين العلم والإيمان.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: