وسم -هيغل
هو غيورغ فيلهلم فريدريش هيغل الذي ولد في فورتنبرغ في العام 1770 من عائلة برجوازية صغيرة. تلقَّى في البدء تعليمًا كلاسيكيًّا مكثفًا؛ ثم، بدءًا من العام 1788 وحتى العام 1793، دَرَسَ الفلسفة وعلم اللاهوت في مدرسة توبنغن الإكليريكية، إلى جانب بعض أشهر معاصريه، كشيلنغ وهولدرلن. ونشير هنا إلى أنهم كانوا جميعًا آنذاك شديدي التحمس للثورة الفرنسية.
في العام 1818، عُيِّن هيغل أستاذًا للفلسفة في جامعة برلين – لكنه قبلئذٍ مارس العديد من الأعمال كي يعيل نفسه وأسرته: عمل كمدرس خصوصي، ثم كصحفي، ثم كمدير ثانوية في نورمبرغ؛ وأخيرًا عمل أستاذًا في جامعة هايدلبرغ، قبل أن ينتقل إلى برلين، حيث ذاع صيته وتبلور فكره تبلورًا كاملاً، فقام تلاميذه بتدوين دروسه، ثم استُخدِمَت هذه التدوينات بعيد وفاته لتدعيم ما ألَّفه من أعمال.
فالفكر عند هيغل يتجاوز، من حيث مفهومه، ما كان يمثله، في نظر سابقيه، كصفة من صفات الروح الإنسانية. الفكر عنده يتجاوز هذا المفهوم ليتحول إلى محرِّك للواقع برمَّته. انطلاقًا من هذا الفهم، كانت مقولته الشهيرة القائلة: “كل ما هو منطقي حقيقي، وكل ما هو حقيقي منطقي.” كذلك، من هذا المنظور، صار بالإمكان نعت فلسفته (التي تؤكد على تطابق الروح والكائن) بالفلسفة المثالية المطلقة. لكن هذا التطابق الذي لم يكن جليًّا في بداية التاريخ، حيث كانت نقطة البدء، أصبح واضحًا الآن عند نقطة الوصول، بعد أن اجتاز الفكر جميع المراحل التي مكَّنته في نهاية المطاف، وعبر ارتهاناته المتتالية، من أن يتجلَّى تجليًا كاملاً: فالمطلق ما هو في النهاية إلاَّ ما هو في الواقع.
في العام 1807، في مؤلَّفه دراسة في فينومينولوجيا الروح Phénoménologie de l’esprit، رسم هيغل ملحمة الوعي – هذا الذي كان، في كلِّ وقت من أوقاته، ينفي ما سبقه، ليرتقي، عبر هذا النفي، إلى درجة واقع أعلى متمِّم. لذلك ترانا ننطلق مبتدئين من ذلك “اليقين المحسوس” لنصل إلى “المعرفة المطلقة”: وهذه كانت البانوراما التي صوَّبها وعي معاصر – وعي هيغل نفسه – الذي أعاد مراجعة مسيرة الروح الإنسانية برمَّتها، من خلال سعيها التدريجي إلى وعي مفهوم الحرية. ويصبح هذا الفهم الإجمالي صفة خاصة من صفات فيلسوفنا الذي كان أول من تفهم القانون الخفي الموجِّه للواقع وللفكر، الذي أصبح في وسعه، بالتالي، تجسيد شمولية المعرفة في سائر المجالات – وبشكل خاص في مجال الفلسفة، من خلال مفْصَلَة المنظومات الفلسفية السابقة كافة، للتوصل إلى نظام نهائي يتجاوزها جميعًا، عبر استيعابه لحقائقها الجزئية، موصلاً بذلك الفلسفة إلى تفتحها الكامل، وفي نفس الوقت إلى نهايتها الحتمية.
من هذا المنظور، متجاوزًا جميع واضعي المنظومات، يمكن النظر إلى هيغل كـ”آخر الفلاسفة”، ذاك الذي أعلن عن استبداله بالفلسفة معرفةً يتم التوصل إليها عن طريق التطبيق الصارم للجدلية – هذه (أي الجدلية) التي هي، في نفس الوقت، قاعدة الفكر والواقع معًا. لأنه، من هذا المنظور، كانت قطيعة هيغل مع مجمل الموروث الميتافيزيقي الذي لم يحتفظ منه إلا ببعض الثوابت العائدة إلى هيراقليطس واسبينوزا. فالكائن، من منظوره، لا يحتوي من الواقع بمقدار ما يحتوي من العدم. من هنا كانت بعض قواعده التي قد تبدو مشينة وغير مقبولة بنظر المنطق الكلاسيكي، كتلك التي تقول، مثلاً وليس حصرًا: “إن مفهوم الكائن يكافئ العدم من حيث انعدام مضمونه. وعلى العكس من هذا، في المقابل، وكانعكاس للفراغ، فإنه يمكن اعتبار العدم كائنًا في حدِّ ذاته، إن لم نقل إنه الكائن بسبب نقائه.” لأنه لا وجود للواقع إلا في قلب الصيرورة (بمعنى التاريخ) وعبرها، الناجم عن “الفعل السلبي” وشميلة synthèse الكائن والعدم: أي أن التناقض الذي لم يكن مقبولاً بنظر الفلاسفة الذين سبقوه أضحى، مع هيغل، محركًا للفكر وللواقع. وما ذاك إلا لأنه فعَّال فعلاً في صيرورته، حيث يتحول كلُّ شيء إلى ما لم تكن عليه حالُه بعد، بحيث لا يبقى تمامًا كما كان عليه. من هذا المنطلق، تزول أية أهمية للكائن وللعدم “المحض” أو المنعزل؛ إذ وحدها تبقى مهمةً لعبةُ تفاعلهما.
هذا المنطق الجدلي، المبيَّن بشكل خاص في كتاب علم المنطق، ليس شكليًّا، لأنه المنطق الذي يحوِّل العالم في حدِّ ذاته ويطوِّره: فهو أونطولوجيا فعلية، وخطاب حول الكائن التاريخي.
وهذا المنطق هو الذي طبَّقه هيغل في تعليمه البرليني، حين أعاد استعراض سائر مجالات الحياة والثقافة، مضفيًا عليها مضمونًا جدليًّا – مضمونًا جعل من التاريخ والدين والفن والفلسفة لحظات واسعة ومتتالية يتجلَّى من خلالها التموضُع التدريجي للروح الإنسانية.
هكذا، مثلاً، يبيِّن كتاب مبادئ فلسفة الحق كيف تتحقق الروح كحقٍّ يحدد إرادة الظاهر؛ ثم بعدئذٍ تأتي المناقبية لتحقق استبطان العزيمة؛ وهذا هو العائق الأول الذي يجب على “المناقبية الموضوعية” أو “الحياة الأخلاقية” تجاوزُه. وتلك (أي الحياة الأخلاقية) تنقسم بدورها إلى ثلاث لحظات هي: العائلة، المجتمع المدني، والدولة، التي هي “التجسيد العملي للفكرة الأخلاقية الموضوعية”.
وتمر الروح “عبر تحققها المحض” بثلاث مراحل هي: الفن، الدين، والفلسفة أو العلم، حيث الدين والفلسفة يعبِّران تعبيرًا متكاملاً عن المطلق: في البداية من خلال البيان؛ ثم بشكل شديد التصور – وعندئذٍ، “يتم شطب كلِّ عنصر دخيل على المعرفة، وتبلغ هذه الأخيرة حدَّ التساوي الكامل مع ذاتها”؛ وأخيرًا، حين يتم تخطِّي جميع التأملات، تتجلَّى الروح المطلقة تجليًا كاملاً.
لقد حققت المنظومة الهيغلية الواسعة، والطموحة بما لا يقارَن، نجاحًا كبيرًا في بداياتها. ثم تبع هذا النجاح شيء من النسيان، حتى أواسط القرن التاسع عشر ومجيء ماركس، الذي كان تقريبًا الشخص الوحيد الذي (على طريقته) كان مازال يعتبر نفسه حينذاك منتسبًا إلى هذه المنظومة. هذه المنظومة التي استعادت نفوذها في القرن العشرين، من خلال أعمال متنوعة لسارترولوكاتش وهنري لوفيفر وإريك فايل وماركوزي. أما الجمهور الفرنسي، فقد بدأ بالاهتمام به جديًّا بدءًا من العام 1930. وإذا كانت الفلسفة المعاصرة تبتعد عنه بسبب ارتيابها، على ما يبدو، من الأفكار الشمولية الكبرى، فإن منظومته تبقى ملزِمة لنا كحدٍّ أدنى، ورغم كلِّ شيء، بأخذ البُعد التاريخي للواقع بعين الاعتبار.
الدراسة الفلسفية التمهيدية
هي في الواقع نوطات هيغل الشخصية، التي كتبها عند تحضيره دروس الفلسفة للسنوات الثلاث الأخيرة لجيمناسيوم نورمبرغ، الذي كان فيلسوفنا قد عُيَّن مديرًا له في العام 1808. وميزة هذه الحواشي أنها تقدم بخطِّ يده موجزًا مكثفًا لفكره وبرنامجًا عمليًّا لما سيطوِّره بعدئذٍ (ما عدا هاهنا تاريخ الفلسفة التي كان يتخوف من أن تبدو تعسفية للطلاب).
حيث يقدِّم الدرس الأول (المعد للصف التمهيدي) عقيدة الحقوق والواجبات والدين. أما “الصف الأول” فيحظى بملخَّص لـ”دراسة ظاهرة الروح والمنطق”: حيث يظهر الوعي، بادئ ذي بدء، ظهورًا محسوسًا، ثم بوصفه إدراكًا حسيًّا وفهمًا ذهنيًّا، قبل أن ننتقل إلى دراسة وعي الذات في حدِّ ذاته – فهو الرغبة، ثم جدلية الحوار بين السيد والعبد، فالوعي الكوني للذات. وهو في النهاية ولوج الوعي كـ”شكل أعلى للتماهي بين معرفة الشيء ومعرفة الذات”، حيث المعرفة حقيقية، وليست فقط مجرد يقين ذاتي. أما المنطق، فهو يدرس، على التوالي، الكائن والجوهر والمفهوم الذي يتخذ شكله النهائي في الفكرة، كتعبير عن “وحدة الروح والمفهوم”.
أما الدرس الأكثف فهو ذاك المخصص لطلاب “الصف الأعلى”. حيث نبدأ بتناول فكرة المفهوم بمزيد من التفصيل (من منظورَي المنطق – الحكم والقياس – والأونطولوجيا). هذا وتتعمق الموسوعة الفلسفية (القسم الثاني للدرس) في مفهوم المنطق الأونطولوجي من خلال استعراض خاص للصفات الأساسية لآلية عمل الجدلية (كالعلاقة بين الكلِّ وأجزائه، والفعل والفعل المتبادل)، ثم من خلال المنطق الذاتي (العودة إلى الحكم والقياس) واستعادة “مذهب الأفكار”.
يلي هذا استعراضٌ سريع للعلوم الطبيعية (الرياضيات والفيزياء والبيولوجيا) يسبق الجزء الأخير المخصص لـ”علم الروح”: حيث إن وصف أبعادها الأساسية الثلاثة (الإحساس والتصور والتفكير) يتبعه تحققها التدريجي كمعرفة – في البدء من خلال الروح العملية (القانون والأخلاق ونظرية الدولة)، وفي النهاية من خلال الثلاثية الكبرى للفن والدين والعلم التي تثبت “تحققها المحض”.
ونسجل هنا الأهمية الفائقة لهذه النوطات المدرسية، من حيث إنها تقدم أسُس الفكر الهيغلي في مختلف المجالات. حيث إننا، على الرغم من جفافها وتجريدها الكثيف (الأمر الذي لا ييسِّر قراءتها)، نجد فيها الترسيم المجمل الأساسي لمنظومة هيغل، مما يجعل بالإمكان استعمالها كفهرس عام موجِّه في دراسته.
علم الجمال أو الإستيطيقا
وهي الدروس التي ألقاها هيغل في برلين، وجُمِعَتْ في العام 1832، ثم أُغْنِيَتْ بعدئذٍ بإضافة مخطوطات مكمِّلة.
فالجمالية الهيغلية – وهي ليست معيارية – تقدم مثالاً جيدًا على كيفية فعل الجدلية عبر التاريخ (وخاصة حين يتعلق الأمر بتاريخ الفن): لأن الغاية هي بناء النظرية الفلسفية للفن وتبيان معانيه العميقة. لكن الإعلان عن هذه الأخيرة لا يمكن له أن يتحقق ما لم يفرض الفن طبيعته الخاصة بالكامل، أي عندما يحقق غايته. عندئذٍ – وعندئذٍ فقط – يصير في وسع الخطاب الفلسفي التصوري استكمال المسار من خلال دفع المضمون خطوة إضافية إلى الأمام.
بحسب هيغل، ليس في وسع الفن أن يعكس المطلق إلا عَكْسًا حدسيًّا ومحسوسًا: فالعمل الفني هو “التجلِّي المحسوس لفكرة” – ذلك الوسيط بين الإدراك الحسِّي للشيء العادي (الذي يتمايز عنه بحكم كونه لا علاقة له بالرغبة) والإدراك التصوري الصافي (الذي يبتعد عنه بفعل ماديته). وهذا يشرح لماذا “لا يجد الفن، البعيد عن كونه الشكل الأعلى للروح، كمَالَه إلا في العلم”. لكن الفن يحمل، مع هذا، بصمات الروح والحرية – لهذا نجد أن هيغل، خلافًا لكانط، لا يقبل بوجود جمال “طبيعي”؛ ما يعني، بالتالي، أنه لا يمكن تبسيطه إلى مجرد نَسْخ للطبيعة أو محاكاة لها، أو اختزاله إلى مجرد قدرة تقنية.
إن كون العمل مكونًا من سفحين – أحدهما محسوس والثاني عقلي – يحدِّد ما بينهما ثلاث علاقات ممكنة، تُقابِل اللحظات الثلاث الكبرى في تاريخ الفن، حيث يلخِّص كلٌّ منها، على نحو ما، روح ثقافة ما، ويتحقق تحققًا مميزًا في الفن بشكل خاص.
وهكذا، عندما يستولي الجانب الحسِّي على الفكرة، فإننا نجد أنفسنا ضمن مجال الفنِّ الرمزي (فالرمز مبهم دائمًا، حيث يمكن لشكله أن يولِّد عدة معانٍ): وهذه حال الفن المصري – وذروة موسيقاه متمثِّلة في أبي الهول الذي يجسد الوظيفة الرمزية.
بينما يمتاز الفن الكلاسيكي بتوازن الجانب المحسوس مع الجانب العقلي. وهذا ما تجسده، على سبيل المثال، المنحوتات اليونانية التي تبين مثالية الجمال الطبيعي – لكن، في المقابل، نجد أن ما تقدِّمه التراجيديا اليونانية، من خلال تسلسل مؤلِّفيها الثلاث، هو ملخَّص لتاريخ الفن، حيث يمثل إسخيلوس الرمزية، بينما يمثل سوفوقليس الكلاسيكية؛ أما إفريبيدِس فيمثل الرومانسية.
ونجد أن الفن الرومانسي (المتوافق مع الثقافة المسيحية) يعبِّر عن تجاوز المضمون للشكل. فالفكرة غنية إلى حدٍّ لا يمكِّن المادة من استيعابها استيعابًا كاملاً. وتتحقق هذه المرحلة الأخيرة في عدة فنون، كالرسم والموسيقى والشعر، حيث يشكل هذا الأخير (أي الشعر) الفن الأكثر عقلانية بين الفنون، لأن المادة فيه تنمحي تقريبًا، بما يجعل بالإمكان صنع شميلات جزئية من كلِّ الفنون الأخرى: فالشعر الملحمي يبيِّن الجوانب التشكيلية والتصويرية؛ أما الشعر الغنائي فيغتني بالموسيقى؛ بينما يجمع الشعر المسرحي، أخيرًا، جميع هذه الصفات الروحية. ونشير هنا إلى أن الشعر، بلا ريب، لا يبلغ حدَّ نقاء المفاهيم، لكنه يمتاز عن غيره من الفنون بأن أداته هي اللغة فقط، مما يعطيه نقاء لا يضاهى في عالم الفن: فالشعر، على طريقته، يعلن قرب سيادة العلم.
إن هذه الإستيطيقا، الغنية بتحليلات عميقة لأعمال كثيرة ومعانيها ووسطها الثقافي، قد أثَّرتْ، إلى حدٍّ كبير، على علماء الجمال (ككروتشي وفوسيلون)، كما أثرت على النتاج الفني في حدِّ ذاته (فالسوريالية استخلصت منها، مثلاً، ضرورة أن تصبح جميع الفنون “شاعرية”). تبقى المشكلة ما تعلنه هذه الجمالية من “موت الفن”، لأنه من الواضح أن الفن مازال مستمرًا. لكننا نخطئ إن اعتقدنا بأن هذا البقاء يتعارض مع المفهوم الهيغلي لتاريخ الفن – لأنه قد يكون من الأفضل، ربما، أن نتساءل فيما إذا كانت الأعمال الحديثة تحقق الاهتمام بـ”تجلٍّ محسوس للفكرة”.
نصوص أخرى لهيغل: حياة يسوع (1795)، فينومينولوجيا الروح (1807)، علم المنطق (1812-1816)، ملخص موسوعة العلوم الفلسفية (1817)، مبادئ فلسفة الحق (1821).
نصوص طُبِعَتْ بعد وفاته: دروس في فلسفة التاريخ، دروس في فلسفة الحق، دروس في فلسفة الدين.
وكان لهيغل العديد من الأتباع في أثناء حياته؛ لكن نفوذه الحقيقي في ألمانيا لم يتجاوز العام 1850، حيث حلَّتْ محلَّه الروح الوضعية.
ومن المعتاد أن نميز في الفلاسفة الذين حاولوا تطوير منظومته بين جناح “يميني” (كميشليه وغالِبير وروزنكرانتس) وجناح “يساري” – كان الأوْزَن، لأنه ضمَّ خاصة كارل ماركس الذي طغى عمليًّا على محاولات شتراوس والأخوين باور وفويرباخ، الذين كانوا يعتبرون أنفسهم ثوريين، حتى جاء ماركس ونَقَدَهم مفندًا، خاصة في كتابه الإيديولوجية الألمانية، حيث بيَّن أنهم مازالوا في الواقع مثاليين.
وهكذا، في قلب الماركسية، تطورت الهيغلية كفكر نقدي حي: فكُتُب لينين (دفاتر حول الجدلية) ولوكاتش (تاريخ الوعي الطبقي) وك. غروس (الماركسية والفلسفة) تبيِّن، بطُرُق مختلفة، مدى خصب الجدلية – حتى حين كانت تُستعمَل لمواجهة التفسيرات الرسمية والجامدة للماركسية.
وأيضًا، يمكن أن نصنِّف كهيغلية أعمال مدرسة فرانكفورت، وأعمال ماركوزي، وذلك ضمن فهمها للواقع، بتناقضاته القادرة على توليد إيجابياتها من خلال حركتها.
أما في فرنسا، فلم يكن هيغل محبوبًا إبان حياته؛ كما أنه لم يُفهَم فهمًا جيدًا (كان كوزان قد نصح له آنذاك بأنه إن رغب في نيل تفهم الجمهور الفرنسي، يجب عليه كتابة ملخَّص واضح لفكره)، حيث شُوِّه فكرُه من منظور سياسي عبر إعلاء القومية ومفهوم الدولة. وباستثناء السورياليين، فقد ظل مجهولاً لدى الجمهور الفرنسي حتى بداية ثلاثينيات القرن المنصرم، حيث ما بين عامي 1930 و1939 عقد ألكسندر كوجيف حلقة دراسية حول المفهوم الهيغلي لـ”نهاية التاريخ”. بعد هذا، ونتيجة لتفسيرات متعددة، ولَّد فكر هيغل توجهات متعددة، سواء حين كان يجري التأكيد على علم الجدال لديه، حيث أثر على فوسيلون في فرنسا وكروتشي في إيطاليا)، أو فيما يتعلق بالأنثروبولوجيا، أو في السياسة (حيث أثر على هنري لوفيفر)، أو فيما يتعلق بالأهمية التي كان يعزوها إلى الوعي الذاتي. كما نجد له أثرًا واضحًا عند فلاسفة مهمين، كسارتر وجورج باتاي.