وسم -ألفرد نورث وايتهيد
ألفريد نورث وايتهيد،Alfred North Whitehead الحاصل على وسام الاستحقاق (OM) وعلى زمالة الجمعية الملكية (FRS) (المولود في 15 من فبراير 1861م – 30 من ديسمبر 1947م)كان عالمًا رياضيًا وفيلسوفًا إنجليزيًا. وقد كتب في الجبر والمنطق وأسس الرياضيات، وكذلك في فلسفة العلوم والفيزياء والميتافيزقيا والتعليم. أشرف وايتهيد على أطروحات درجة الدكتوراة لكلٍ من برتراند راسل وويليام فان أورمان كوين، ومن ثَم أثر في منطق الفلسفة التحليلية، بل وجميع عناصرها في الواقع. وقد شارك في تأليف مبادئ الرياضيات الحديثة مع راسل، وكذلك في وضع الأطروحة الميتافيزيقية العملية والواقع.
كان ألفـرد نورث وايتهد من فلاسفة الواقعية المحدثة neo-realism. ولد في رامسغيت Ramsgate بجزيرة ثانت شرقي ساحل كنت Kent بإنكلترا، من أب قسيس أنغليكاني، فكان لنشأته الدينية واتصاله بالمجتمع الريفي وإحساسه بالطبيعة أثر واضح في فلسفته. درس الرياضيات والتاريخ والآداب الكلاسيكية (اللاتينية واليونانية)، ذلك بعد إتقانه منذ الصغر كلا اللغتين اللاتينية واليونانية، الأمر الذي سهل له قراءة الترجمة السبعينية للعهد القديم.
بدأ حـياته الجـامعية بدراسة الرياضيات البحـتة والتطبيقية في كـلية ترينيتي Trinity College بجامعة كامبريدج (1880ـ1884)، فبرز فيها وعين محاضراً بالجامعة نفسها (1885ـ1910). وكان رسل [ر] Russell من أبرز تلاميذه، ثم زميلاً وصديقاً له. انتقل إلى لندن لتدريس الرياضيات التطبيقية في كلية الجامعة (1910ـ1914)، ثم صار أستاذاً في الكلية الامبراطورية للعلوم والتكنولوجيا حتى عام 1924، وفي أثناء تلك الفترة شغل وايتهد عدة مناصب أكاديمية، منها عميد لكلية العلوم في جامعة لندن، ورئيس للمجلس الأكاديمي للتربية والتعليم، وعضو في الجمعية الملكية، ولاحقاً زميل في الأكاديمية البريطانية، إلى أن دعته جامعة هارفرد الأمريكية أستاذاً للفلسفة، وبقي هناك حتى وفاته، وفيها أتم تطوير فلسفته الميتافيزيقية والأنطولوجية. وقد منح نوط الاستحقاق عام 1945.تكشف فلسفة وايتهد عن بعض التداخل بين مراحل تطوره الفكري الثلاث، تمثلت في محاولته للجمع بين عالم المنطق الرياضي وعالم الطبيعة والعالم الخلقي والديني والجمالي والاجتماعي، فبدأ بمهاجمة التصور
التقليدي للرياضيات، التي يُنظر إليها على أنها علم العدد والكم فقط، أو علم الكم المنفصل والمتصل، ثم تبنى فكرة فريغه [ر] Frege القائلة إن الرياضيات نتيجة تلزم عن بعض العلاقات المنطقية الصورية، وهذه العلاقات هي التي تعطي الأنساق الاستنباطية خاصتها الصورية، والتي
تجعلها أشبه بالقوالب التي يمكن ملؤها بـ«القيم» المناسبة، المأخوذة من عالم الخبرة والتجربة. فطور هذه الفكرة في كتابه «مبادئ الرياضيات» ليرد بها الرياضيات إلى المنطق، واستفاد منها في بحثه للمفاهيم الرياضية في العالم المادي، وتصوره لفلسفة الطبيعة، فرفض آراء نيوتن [ر] الكلاسيكية التي تفسر العالم بأنه جزئيات أو ذرات تشغل حيزاً من المكان والزمان. ورفض رأي آينشتاين[ر] أن المكان علاقة بين أشياء
فيزيائية وقال إن المكان علاقة بين أحداث مدركة بالحس مباشرة، فأرجع نسبية المكان إلى الإدراك الحسي، وليس إلى الواقع الموضوعي في الطبيعة، كما قال بأن للعالم خطوطاً من القوة لها اتجاهات ومسارات من الأحداث تعترض بعضها بعضاً، متأثراً بالكشوف العلمية في الفيزياء الموجهة vector physics وفي الديناميات الإلكترونية electrodynamics ومفهوم المجال. وأطلق على منهج خطوط القوة المتداخلة في مجالات اسم «المنهج المنطقي الطبولوجي» ووصفه بأنه منهج التجريد الشامل يصف به الترابط بين أجزاء الطبيعة على أساس تحديد إطاراتها المنطقية، وبهذا جعل وايتهد الهندسة تجريداً لوقائع الحياة.
ويتجلى إسهامه في الفلسفة في كتابه «الصيرورة والواقع»، وتبدأ بالفلسفة العضوية philosophy of organism التي يعدها أساساً لتفسير الكون، وقد جاءت معالجته لهذه الفلسفة معقدة نتيجة لاستخدام مصطلحات وتعميمات مأخوذة من علوم عديدة، كعلم الأحياء وعلم
النفس الاستنباطي، حيث جمع بين الأفكار المنطقية والرياضية والطبيعية والبيولوجية والسيكولوجية وكذلك الأفكار الجمالية والدينية في إطار واحد ينتهي إلى مبادئ ميتافيزيقية هي غاية في التعميم، وهذا التعميم يتجه من الجزئي إلى الكلي، ويقوم على الوصف أكثر مما يقوم على الاستنباط deduction وهو منهج البحث الفلسفي، ويسميه منهج التعميم الوصفي، وبموجبه تمكن وايتهد من وضع ثبت مقولات بالتصورات التي تحكم فلسفته العضوية، وصنفها في أربع مقولات: مقولة الأقصى (ويندرج فيها الله)، ومقولات الوجود، ومقولات التفسير،
والالتزامات المقولية categorical obligations.
وباستثناء التأثير الكبير الذي تركه وايتهد بما أنتجه في المنطق الرمزي بالاشتراك مع رسل، فإن سائر عمله قد ظل في مجموعه ضرباً من التفكير المنطوي على ذاته ولم يترك إلا أثراً ضئيلاً في الفكر الفلسفي المعاصر.