إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً. الحكمة
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ۩ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ۩ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ۩ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۩ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ۩ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ۩ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ۩ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفاضلات:
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ – سُبحانه وتعالى – ۩، يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ۩، هذه الحكمة التي لا يُؤتاها إلا ذو حظ عظيم، مَن حظيَ بنعمة مِن الله جزيلة سابغة، ومَن ارتقى شرفاً سامقاً، فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۩، اختلف السادة العلماء في المُراد بها على نحو من ثلاثين قولاً، أقاويل كثيرة، والشيئ إذا تعددت الأقوال فيه فإما أن يدل ذلك على التباسه وانبهامه، وإما أن يدل على شرفه وعلو مقامه، وما نحن فيه هو من القبيل الثاني، وإن كانت أكثر أقاويل السادة العلماء والعارفين بهذا الشأن بعضها من بعض قريب، فقد نحى أكثرهم منحى ذكر الأفراد والمصاديق على أنها تُعادِل التعريف، وليس كذاك، وليس به، إنما هي أفراد ومصاديق.
فحري أن نبدأ بإنعام النظر في المعنى اللُغوي لهذه الكلمة: الحكمة، الحكمة مصدر من الإحكام، أحكمه يُحكِمه حكمةً، فهي مصدر من الإحكام، وأصل هذه المادة كما قال العلّامة ابن فارس في مُعجَم مقاييس اللُغة المنع، أصل مادة حكم – الحاء والكاف والميم – المنع، ومنه الحاكم، أي القاضي، فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ ۩، أي اقض بينهم، في الصحيحين إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، أي القاضي، الحاكم هو القاضي، فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ ۩، اقض بينهم، ومنه الحاكم، أي القاضي، لأنه يمنع من الظلم، فالقضاء الأصل فيه أن يمنع من الظلم، وأن يُحِق الحق، وأن يضع الأمور في أنصبائها.
ومنه الحَكَمَة على وزان أو وزن قَصَبَة، وهي التي تُوضَع – أجلكم الله – في فم الدابة، لماذا؟ لتمنعها، لأن أصل المادة المنع، الحَكَمَة للدابة هي التي تمنعها من الجماح، أن تجمح بصاحبها، فتُلقيه أو تنفر به عاديةً، يمنعها أو تمنعها الحَكَمَة من الجماح، وتُذلِّلها لراكبها، هذه هي الحَكَمَة، فأصل هذه المادة يدور على معنى المنع، فعادل العقل، لأن العقل فيه معنى ماذا؟ الربط والمنع، ومنه العقال، وهذا عجب، عجب لمَن تأمَّله، لأن تذييل الآية من سورة البقرة بقوله – جل مجده – وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ۩ مُشير إلى هذا، يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ۩، هذا المعروف في أفانين البلاغة بالتذييل، ذيَّل الآية بقوله وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ۩، جمع لُب، ولُب الشيئ هو جوهره وباطنه، وجوهر الإنسان وباطن خيره عقله، أُولُو الْأَلْبَابِ ۩ هم أصحاب العقل الرجيحة، أصحاب العقول الرجيحة أي الراجحة الرصينة، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ۩، فكأنه – سُبحانه وتعالى – أشار من هذا الطرف إلى أن الحكمة لا يُؤتاها إلا عاقل، فالحكمة لا تُجامِع الجهل، ولا تُجامِع الحماقة.
فحري إذن أن نتبيَّن العلاقة بين العقل والحكمة، لأنني وجدت أنفاراً من السادة العلماء عادلوا بينهما ورادفوا، فجعلوا الحكيم هو العاقل والعاقل هو الحكيم، وليس به، هذا ليس صحيحاً، بل بينهما علاقة العموم والخصوص، كيف؟ لا حكيم إلا وينبغي أن يكون عاقلاً، لكن يُمكِن أن يكون عاقلاً دون أن يُؤتى الحكمة، يُمكِن أن يكون عاقلاً ويُقصِّر به عقله عن أن يرتقي هذا المُرتقى الصعب، الذي يُشبِه أن يكون هبةً إلهيةً، ولذلك الله – تبارك وتعالى – أكثر في كتابه العزيز من التعبير في هذا الصدد بعبارة الإيتاء، وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۩، قال الحسن البِصري – قدَّس الله سره – بلغ أربعين سنة، قال بَلَغَ أَشُدَّهُ ۩، وبلوغ الأشد والاستواء هو بلوغ الأربعين، لقوله – تبارك وتعالى – في حق الإنسان الصالح – اللهم أصلِحنا بما أصلحت به الصالحين – حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۩، قال – سُبحانه وتعالى من قائل – حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ ۩… الآية الكريمة! قال الحسن بلغ أربعين سنة، آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۩، قال آتَيْنَاهُ حُكْمًا ۩، والحُكم هو الحِكمة، نفس الشيئ ونفس المادة، الحُكم هو الحِكمة.
أيضاً قال – تبارك وتعالى – في حق يحيى بن زكريا – عليهما الصلوات والتسليمات – وَآتَيْنَاهُ ۩، والشاهد الإيتاء، وَآتَيْنَاهُ ۩، آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۩، يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ۩، قال وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ۩، قال وَآتَيْنَاهُ ۩، مسألة وهبية، يُوشِك ألا تكون كسبية، ولذلك مَن يُؤتى الحكمة قد يُؤتاها في صغر سنه كما قال – تعالى -، إلا أن تُفسَّر الحكمة في هذا المورد بخصوصه وفي نظائره بالنبوة، وإليه ذهب جماعات من المُفسِّرين، قالوا الحكمة هنا النبوة، فيخرج عما نحن فيه، فيُصبِح الموضوع موضوعاً آخراً.
الإيتاء إذن، قال وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ۩، هل تنبَّهتم؟ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ ۩، قال وَآتَاهُ ۩، إنها شيئ يُؤتى، إنها من فضل الله – تبارك وتعالى -، أما العقل فشأن آخر، العقل منه ما هو مطبوع، ومنه ما هو مكسوب، أي مُكتسَب ومُجتلَب، فيُمكِن أن يكون المرء عاقلاً، لكن ليس بالضرورة أن يكون حكيماً، أما الحكيم فلا يكون حكيماً إلا وهو عاقل، فالحكمة شيئ أخص من العقل، والعقل أعم منها، علاقة العموم والخصوص المُطلَق كما يقول المناطقة، علاقة العموم والخصوص المُطلَق! هذا أعم مُطلَقاً، وهذا أخص مُطلَقاً من الذي عمه.
ولذلك بعض العلماء – وهذا ضرب من اختلافهم – فسَّروها بالنبوة، نعم! بعض الموارد القرآنية تُعين عليه، وبعضها تُشير إليه، ومَن ذهب هذا المذهب رجَّح في بعض الموارد أن يكون – مثلاً – لُقمان – عليه السلام – نبياً، رجَّح أن يكون لُقمان نبياً، قالوا لأن الحكمة المُؤتاة هي النبوة، وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ۩، أي النبوة، وإشارة إلى نبوته خفية، أي من طرف خفي، هي قوله – تبارك وتعالى – وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ ۩، هكذا! فكأنه يقول هذا مما أُوحيَ إليه، وهذا وحي إلهي، والله هنا هو الذي تصدَّر الحديث، هو الذي يتحدَّث، لا إله إلا هو! فكأنه يقول هذا من جُملة ما أوحينا إلى هذا النبي الحكيم، وإن اختلفت النبوة عن الحكمة بالعموم والخصوص، وهذا هو الأرجح، ورجَّحه الحافظ ابن الكثير، ومِن المُحدَثين بل المُعاصِرين يُوشِك العلّامة الإمام ابن عاشور في تحريره وتنويره، الحكمة أعم من النبوة، والنبوة أخص، والنبوة رأس الحكمة، أعلاها وأخصها، النبوة أعلى الحكمة وأخصها، طبعاً وأشرفها وأعلاها قدراً بلا امتراء.
فبعضهم عادل بينهما، أي رادف، وبعضهم قال هذه أعم وهذه أخص وأشرف، وهذا الأشبه، ليست دائماً الحكمة هي النبوة، ليست دائماً! أحياناً تُفسَّر بالنبوة، قال مُجاهِد بن جبر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، المُفسِّر التابعي الجليل الجبل، من جبال العلم – الحكمة ليست بالنبوة، قال لا، ليست بالنبوة، إنما هي الفهم في دين الله، لكن يدور الأمر على ماذا؟ على النبوة، وكأن هاته الآيات إذا جُمِعن بعضهن إلى بعض ترامين إلى تقرير غاية لائحة، هذه الغاية هي أنه مسدود الباب على كل مُبتغٍ الحكمة من غير مهيع النبوة، من غير سبيل النبوة، يُمكِن أن يُصيب غير تابعٍ لنبي – الذي لا يتبع نبياً – حظاً من أقسام الحكمة، يُمكِن أن يُصيب حظاً، لكن أن يستوفي حظه ويكون الرجل الحكيم التام الكامل فلا، لا! لماذا؟ لأن رأس الحكمة – كما هو شائع بين العوام وهو حديث ضعيف، لكنه معناه صحيح قرآناً، فلا شك في تقرير حقيقته – مخافة الله، رأس الحكمة مخافة الله، لكن ما في كتاب الله رأس الحكمة شُكر الله، ليس المخافة، وهذا الفرق بين كلام البشر وبين كلام رب البشر، لا إله إلا هو!
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۩، مُباشَرةً! أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۩، مَن كان حكيماً فجدير وقمين أن يكون من الشاكرين، لأن الشُكر رأس الحكمة، قال السادة العلماء – علَّمني الله وإياكم أيها الإخوة والأخوات – مبدأ العلم وغايته شُكر الله، هكذا! هذا مبدأ العلم – العلم الرباني – وغايته التي ينتهي إليها، البداية فيه والنهاية شيئ واحد، وهو شُكر الله، وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ۩، إذن قليلٌ منهم الحكيم.
ولنعد، قال الإمام مالك – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – ومثله منقول أيضاً عن
، إن الحكمة هي الفهم في كتاب الله، وفي صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري – قدَّس الله سره – قال ابن عباس – رضيَ الله تعالى عنهما – ضمني رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً – إلى صدره، يا حيهلاً، يا هنيئاً له، يا هنيئاً له! قال ضمني – صلى الله عليه وسلم – إلى صدره، وقال اللهم علِّمه الحكمة، الله أكبر! فمن هناك إذن، من هناك، من هناك تعلَّم وعُلِّم هذا الصبي المُعلَّم في صغر سنه الحكمة، فكان يُفتَح عليه المغالق ما ينبهم وجهه ولا يلوح على كبار الرجال من الصحابة أحياناً، من أين؟ من دعوة رسول الله، دعوة! اللهم علِّمه الحكمة، نسأل الله أن يُعلِّمنا الحكمة والتأويل، وأن يُفقِّهنا في الدين، فمَن يُرِد الله به خيراً يُفقهه في الدين كما خرجاه في الصحيحين.
ابن عباس فسَّرها هكذا، الإمام مالك – رضوان الله تعالى عليه، أي مالك بن أنس الأصبحي الشهير – قال الحكمة هي الفهم في دين الله، ويقع في قلبي – قال هكذا يخطر لي – أنها ما يقذفه الله – تبارك وتعالى – في قلوب أوليائه من فضله ورحمته، خواطر إلهية، معانٍ، وفتوحات إلهية، يُؤتاها بعض الناس بطريق القذف الإلهي، بطريق انشراح الصدر، بالنور الذي يُقذَف في قلب العبد الصالح، اللهم اجعلنا منهم بفضلك ومنّك، شيئ عجيب، وهذا يُحيله إنساناً آخراً، وخلقاً سوياً تاماً كاملاً – بإذن الله تبارك وتعالى -، قال هذه الحكمة كما أفهمها، والله – تبارك وتعالى – أعلم.
لهم أقاويل كثيرة كما قلت، زُهاء ثلاثين قولاً، لكن أجمع هاته الأقاويل ولعله الناظم الذي تنتظم فيه كل هذه الأقاويل، وهو أجدرها، وهو الذي رجَّحه مُعظَم السادة العلماء، أن الحكمة هي الصواب في القول والعمل، أي في العلم والعمل، ولا يُصيب المرء في عمله إلا إن كان ماذا؟ صائب العلم والفهم طبعاً، لأنه لا عمل بلا علم، قال الإمام البخاري وبَّوب في صحيحه وكم له من هاته اللطائف والدقائق التي تخفى على كثيرين! هذا في تراجم أبوابه كما قيل، قيل فقه الإمام البخاري في تراجم أبوابه، ترجم وبوَّب فقال العلم قبل العمل، قال الله – تعالى – وَقُلِ اعْمَلُوا ۩، وَقُلِ ۩، والقول لا يكون إلا بعلم، وَقَالَ صَوَابًا ۩، لا يُوجَد قول بجهل، لا يُوجَد قول بالتحكم والعنديات في شرع الله، وَقُلِ ۩، مَن المأمور بالقول؟ رسول الله، ولا يقول إلا حقاً، ولا ينطق إلا صواباً، إذن القول قبل العمل، والقول بعلم، فالعلم قبل العمل، لابد من هذا.
ولذلك قالوا عمل بلا علم لا يكون، كيف يكون هذا عملاً؟ لأن العلم كالجادة، العلم كالطريق، كالمهيع! فإن لم يكن ثمة طريق فكيف تسلك؟ على ماذا تسلك؟ على التعاسيف، مَن ليس أمامه طريق ناهجة ومهيع واضح كيف يسلك؟ التعاسيف، يسير هنا قليلاً، ويسير هنا قليلاً، ثم يرتد على الأثر، فيسير هناك، ثم هنالك، ويتخبَّط هكذا، حتى تأتيه منيته وهو يتخبَّط، لأنه ليس من أهل الفهم الصائب ولا العلم النافذ ولا البصر المُحكَم في دين الله، لابد من البصر، هكذا!
قالوا عمل بلا علم لا يكون، وعلم بلا عمل جنون، حماقة! لماذا تتعلَّم؟ لماذا تكد نفسك وتُتعبِها وتدأبها وأنت لا تُريد العمل؟ استكثاراً من حُجج الله عليك؟ أو آستكثاراً من حُجج الله عليك؟ العاقل لا يستكثر من حُجة الله عليه، مثل هذا العلم لعل الجهل يكون أحياناً خيراً منه، إن لم يُفض إلى عمل وإلى توبة صادقة فالجهل أفضل، لأن الحُجة ستكون له ألزم، ستلزمه حُجج الله – تبارك وتعالى -، وسيندم ولات حين مندم يوم القيامة، اللهم اجعلنا مِمَن علم وعمل.
يُروى عن عيسى – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن علم فعمل بما عمل فذاك الذي يُدعى حكيماً في الملكوت، هذا هو الحكيم، إذن الصواب في العلم والعمل إيقاع العمل على وفاق أو على وفق ماذا؟ على وفق العلم الصحيح النافذ المُحكَم الراسخ، هذا هو، هذه هي الحكمة، ولذلك الحكمة – وهذا جِمَاعها وجُمّاعها – وضع الشيئ موضعه، وتنزيل الأمور منازلها بالقسط والعدل المُستقيم، الحلم في موضع الحلم، الانتصاف في موضع الانتصاف، الصمت في مواضعه، الكلام في محله، العطاء حيث يلزم، المنع حيث يقوم الداعي، كل شيئ في مكانه، حتى النظر! ولذلك الأحمق مَن لا يعمل بهذا، ولكن هذا يُفضي إلى سؤال، مَن هو الذي يُقابِل الحكيم؟ مِن الصعب أن نقطع بالجواب، وأحسب أن من المُتعذِّر أن تقطع بالجواب، لماذا؟ لأننا قلنا العاقل قريب معناه من معنى الحكيم، لكن الحكيم أخص، والعاقل أعم، العاقل أعم! العاقل يُقابِله الجاهل، ويُقابِله الأحمق بالحري، لأن الجاهل يُقابِل العالم، أما العاقل فيُقابِله الأحمق، إذن الأحمق لا يُقابِل الحكيم، والجاهل يُقابِل العليم، ولا يُقابِل الحكيم، إذن مَن؟ مَن؟ مَن الذي يُقابِل الحكيم؟ صعب جداً الجواب، صعب جداً! يُقابِله أكثر من واحد وأكثر من معنى، فالحُمق في قُبالته، يُقابِله! الجهل في قُبالته، وكذلك المكر، الغش، الحسد، البُغض، الهوج، والغضب، إلى آخر هاتيكم المرادي والمهالك والمتالف، كلها تُقابِل الحكمة، فتحصَّل أن الحكمة معنى جامع، معنى كبير!
قد يقول قائل إذن هذه الحكمة هي التي تُصيِّر المرء كاملاً، إي، إي وربي، ولا يكون كاملاً إلا مَن كان حكيماً، لا يُمكِن أن يُقطَع لرجل بكمال وهو لم يستتم الحكمة، أما مَن ثبت وتبرهن أنه حكيم في الرجال فهذا هو الكامل، لا كمال بلا حكمة، لأن الحكمة هي الكمال، تُقابِل كل هاتيكم المتالف – كما قلنا – والمرادي والمهالك، تُقابِلها جميعاً، تُقابِلها جميعاً وفُرادى أيضاً بوجه من الوجوه، ولا يُقابِلها شيئ واحد بعينه من هاتيكم السلبيات والمرادي، لا! لأنها خُلق جامع، وضع كل شيئ في موضعه.
سيبرز مَن يقول إذن مِن الحكمة أن تعرف كيف تُدبِّر طعامك وشرابك، إي، نعم، هذا من الحكمة، أن يكون لديك ثقافة تغذوية، كيف تأكل؟ كيف تشرب؟ كيف تصوم؟ ماذا تأكل؟ وماذا تترك؟ هذا من الحكمة، لأن وضع الشيئ في موضعه من مُقتضيات الحكمة، يقول أحدهم هل أي إنسان مُصاب بالتُخمة ليس حكيماً؟ يستحيل! النبي ذكر هذا على أنه من علامات الساعة، ثم يفشو فيهم السمن، يأكلون كل ما اتفق، لأنهم فقدوا الحكمة، وفقدوا التدبير، وفقدوا العقل، أما الحكيم فهو الذي يزم نفسه، ولا يُتبِعها هواها، ولا يُعطيها الأماني، وإلا فالأماني هي رأس مال النوكى، والنوكى هم الحمقى – والعياذ بالله -، والحُمق مهلكة، لا! هل تدبير النوم ينطبق عليه هذا؟ نعم، من مُقتضيات الحكمة، تعرف متى تنام ومتى تستيقظ وكم تنام، لا تنام كيفما اتفق، لأنك فاضي أشغال كما يقول العامة، الحكيم لا يكون فارغ أشغال، مُستحيل! لماذا؟ لأنه يضع الشيئ مواضعه، كل ساعة من عمره بل كل نفس يُحاسِب نفسه عليه.
كان الأسلاف الصالحون – رضوان الله عليهم – يُحاسِبون أنفسهم ويُحاقِقونها ليس على الساعات، على الأنفاس، على الأنفاس وعلى اللحظات، كل لحظة لها قيمة، هذه مُخرَجة من كنوز الغيب، ومُهداة إليك من الله – تبارك وتعالى -، مَن يستحقها؟ أبداً! هذا محض تفضل إلهي، كل لحظة نعيشها هذه فضل – والله – من الله، وعمر جديد يُضاف إلينا، ينبغي أن نُحدِث فيه عملاً، شُكراً لله، اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۩، وأن يكون هذا العمل شُكراً لله، لأن الحكمة رأسها كما قلنا ماذا؟ الشُكر، لأن الحكمة رأسها الشُكر! هذا هو، فلابد أن تُحاسِب نفسك على كل شيئ، ليس الساعات فقط، يا ليت نحن نُحاسِب أنفسنا على الأيام، يا ليت بعض الناس يُحاسِب نفسه على الشهور التي تضيع سبهللة، يا ليت بعض الناس يُحاسِب نفسه على السنين، تمر السنون تلو السنين ولا يُحاسِب نفسه، ويأتي الأحمق لأنه خلو من الحكمة يحتفل كما يقول بعيد ميلاده، عيد ميلاد ماذا؟ كيف غبر العام عليك يا رجل أو يا امرأة؟ يا أمة الله كيف غبر؟ كم مرة تركت صلاتك؟ كم غيبة اغتبت بها عباد الله؟ كم كذبة كذبت – والعياذ بالله -؟ كم مهلكة؟ كم مهواة ترديت فيها؟ هذا كله لا تحسبه، وتأتي تحتفل، فرح أنت بأنك قضيت عاماً في هاته المتالف والمعاصي والمساخط الإلهية – والعياذ بالله -، ما هذا؟ حُمق – والعياذ بالله -.
مثله في الحُمق إن لم يُرب عليه حُمقاً وتساخفاً مَن يفرح ويُؤمِّل أن يُمَد له في المُهلة، يقول إن شاء الله سأعيش طويلاً، أنا كنت قبل أيام في المشفى، واصطنعوا لي الــ Checkup، أي الفحص الكامل هذا، الحمد لله كان Ideal أو Optimal، كله كان مُمتازاً، أحسن شيئ، ما شاء الله، أحسن شيئ، أحمق هذا! من أحمق عباد الله، فماذا؟ فهو يُؤمِّل أن يعيش – إن شاء الله – طويلاً، هو كالمُتأكِّد بالمُناسَبة أنه سيعيش ثلاثين سنة قادمة وأربعين، وبعضهم ربما يُؤمِّل حتى في المائة وهو في الخمسين، يُؤمِّل في هذا، يُريد أن يعيش هكذا، وسيدخل جينيس Guinness للأرقام القياسية، هكذا يُؤمِّل! يا أخي نسأل الله أن يُطيل عمرك وأن يُحسِّن عملك، ليس على هذا المُعوَّل يا مسكين، هنا تبرز الحكمة وتتميَّز أو تنماز من الحُمق والسخف، كيف؟
ما فائدة العمر أن يطول وأنت لا تستثمره في طاعة الله؟ والله خيرٌ لك ألا يطول، والله لو أوتيت شيئاً من الحكمة لعلمت أن تموت الساعة خيرٌ لك، لماذا؟ لأنك ستموت بذنوب أقل، لكن المُصيبة أن يطول عمرك وأنت لم تُحدِث توبة ولم تعد إلى الله ولم تُرجِع الحقوق إلى أصحابها ولم تأخذ نفسك بالجد والمُجاهَدة والرياضة بما يُرضي الله – تبارك وتعالى -، ماذا تُريد من العمر يا مسكين؟ أتُريد أن تأتي مُثقَلاً يوم القيامة بأوزار جديدة وبذنوب تعجز الجبال عن حملها – والعياذ بالله -؟ لماذا تفرح بالعمر؟ لأنك فقدت الحكمة، لا تفرح بالصحة وحدها، انتبه! افرح بها إذا استخدمتها في الطاعة، نعم، أنا صحيح، أستطيع أن أُصلي أزيد، أن أقوم الليل، أن أتنفَّل، وأن أسعى إلى مرضاة الله، فأزور المرضى، أُشيِّع الجنائز، أزور إخواني في الله، أُصلِح بين الناس، أعمل بجد وشرف، أكسب بعرق جبيني رزقي ورزق أولادي، وأسعى في الخيرات دائماً والمبرات، يا حيهلاً، يا مرحباً بمثل هذه الصحة وهذه العافية، هذا شيئ طيب – بإذن الله -، وهذا من شُكرها، لكن أن تكون عافية وأن يكون عمر وأن تكون أيام وليال بلا شُكر فلا، مسكين أنت، كل هذا في صحيفة الشمال – والعياذ بالله -، في ديوان السيئات يا مسكين.
هذا من حُمق الناس، والشيطان يغرهم، الغَرور – والعياذ بالله -، احظ! احظ واسعد، أنت محظي مسعود – الحمد لله -، لأنك صحيح مُعافى في بدنك وفي عقلك وسيطول عمرك، كل هذا لا يدعو إلى الفرح، انتبهوا! كل هذا لا يدعو إلى المسرة – والله العظيم -، العمل الصالح هو الذي يدعو، التوبة، استغلال كل لحظة، ومَن شك في هذا الكلام أنا أوصيه أن يأتي المشافي، والمشافي هنا ملأى بالمُسلِمين والمُسلِمات، وأن يسأل مريضاً أمهله الأطباء بضعة أسابيع أو شهور، ليسأله عن رأيه في الدنيا وجمع الأموال ومُتعها ولذائذها وخيراتها، سيقول له اترك كل هذا، لا تكن أحمق مثلي – والعياذ بالله -، عليك بطاعة الله، قال الصالحون والله لو نُشِر ميت من قبره وأوصى العالمين لقال لهم صلاة ركعتين خيرٌ من الدنيا وما فيها، صلاة ركعتين خيرٌ من الدنيا وما فيها وما عليها من يوم خلقها الله إلى أن يرثها وما عليها ومَن عليها، صلاة ركعتين! نحن نُفرِّط حتى في الفرائض، الله أكبر يا أخي، لا تُوجَد حكمة، لا نضع الشيئ موضعه، ضعوا كل شيئ موضعه، اقدروا الله حق قدره، هذا من مُحاوَلة وضع الشيئ موضعه، فليُعامَل الله كما ينبغي أن يُعامَل الرب الكبير – لا إله إلا هو -، ثم ليُعامَل البشر كما ينبغي أن يُعامَل البشر، مَن كان ولياً لله أدنيناه ودنونا منه، وقرَّبناه واقتربنا منه، وأحببناه وابتغينا حُبه، وازدلفنا بهذا إلى الله، هذه المُعامَلة الصحيحة، بغض النظر غنياً كان أم فقيراً، صغيراً كان أم كبيراً، عربياً كان أم أعجمياً، لا يهمنا هذا من أهل التقوى، من أهل ولاية الله، لا إله إلا هو! مَن كان فاسقاً فاجراً أعملنا فيه شرع النصيحة والوصاة – بإذن الله – بُحسن النية وصدق القصد – بإذن الله – والدعاء له بظهر الغيب، ولكن لا نُحِبه ولا نُحِب أعمال هذه، بالعكس! نحن نقلوه من أجلها، نقلوه ونتباعد منه ونتجافى.
قال الإمام أبو حاتم بن حبان البُستي – صاحب الصحيح المشهور، رضوان الله تعالى عليه – في روضة العقلاء، قال – رحمة الله عليه – ومن علامات الحُمق أو الأحمق التي ينبغي على كل عاقل أن يتفقَّدها فيمَن خفيَ أمره سرعة الجواب وترك التثبت والهذر في الكلام ومُخالَطة الأشرار ومُجافاة الأخيار، هذا أحمق، هذا لا يعرف الحكمة، أتُخالِط الأشرار وتترك الأخيار؟ هل تعرفون لماذا؟ لأن الأخيار يُذكِّرونه بما لا يُحِب، الأخيار يُذكِّرونه بتقصيره في العبادة وهو مُقصِّر، ولذا لا يُحِب، فهو يُخالِط الأشرار الذين لا عبادة لهم أصلاً إلا قليلاً ربما أحياناً، يُخالِطهم فيشعر بالسلوان وبالعزاء، يقول على الأقل أنا أفضل منهم، أحمق هذا، أحمق! لأن الحكيم في شأن الدين ينظر إلى مَن هو أدنى أو إلى مَن هو أعلى منه؟ إلى مَن هو أعلى، انتبهوا! في شأن الآخرة وفي المُسابَقة إلى الله لا ينبغي أن يرضى أحدنا أن يكون أحد سبقه إلى الله.
قال أحد الصالحين والله لو أن امرأً سمع بأن رجلاً أو امرأً آخراً سبقه إلى الله فانقضت مرارته فهلك لكان قليلاً، أي أن يموت من الحسرة، لماذا يسبقني؟ لماذا يتعبَّد الله أكثر مني؟ وطبعاً لا جواب، أنا أقول لك لا جواب عندك ولا عندي، ويوم القيامة لن يكون لنا معذرة، الله سيقول لك أنا متعتك أكثر مما متعته، وعمرتك أكثر مما عمرته، أنت عشت أكثر وأطول، وأتيتك ما لم أوته، لكن هو عبدني أكثر منك، لماذا؟ ما عساك تُجيب ربك – تبارك وتعالى -؟ تقول له يا ربي ألهاني، ماذا ألهاك؟ ماذا ألهاك عن رب العالمين؟ ماذا ألهاك عن سعادة الأبد وعن آخرتك يا مُسلِم ويا مُسلِمة؟ ماذا ألهاك يا رجل؟ الحماقة! لم تُؤت الحكمة، ولم تتسبَّب لكي تُؤتاها، لأن الله يُمكِن أن يأذن في لحظة بأن يُؤتيك الحكمة، فتُخلَق خلقاً جديداً – بإذن الله تبارك وتعالى -، وتُولَد ولادةً أُخرى، وتُصبِح الإنسان الرزين الثقيل الحكيم الذي يضع كل شيئ موضعه، الحريص الحرص كله أو جد الحرص على العلم والعمل.
ما حرص الناس اليوم على العلم؟ أروني، لا يُوجَد حرص، إلا مَن رحم الله، وقليل ما هم، اليوم حرص طلّاب العلم والعلماء على العلم قليل قليل قليل، لو ذكرنا نماذج من حرص أسلافنا من الأئمة الشوامخ والعلماء الأكابر لعلمنا أنما نلعب بالعلم اليوم، نحن نلعب، لا نطلب علماً، هذا لعب اسمه، أين طلب العلم؟ لا يُوجَد، لماذا؟ لأننا لسنا حراصاً أو لسنا حريصين أن نرتفع إلى مقام الحكماء، الذين أوتوا الخير الكثير والثواب الجزيل – بإذن الله تبارك وتعالى -، علم يتبعه عمل، لابد من علم يتبعه عمل، فذاك الذي يُدعى حكيماً في الملكوت.
العاقل ينظر في أمر الآخرة والدين إلى مَن هو فوقه، وفي أمر الدنيا إلى مَن هو دونه، مَن منا مَن يفعل هذا؟ مُعظَم عباد الله عكسوا القضية، في أمر الدين ينظر إلى مَن هو دونه، يقول لا، هل أنا أقيس نفسي بالعلماء الكبار والأولياء الصالحين المُؤيَّدين؟ لا، هذه خُطة بعيدة صعبة، ما شاء الله! أهذه همة؟ الهمم الهوامد والنفوس الخوامد والمروءات النيام لا كانت ولا كان أصحابها، همم هوامد، نعم! نفوس خوامد، نائمة، غير يقظانة، عميانة، لا تُبصِر، ومرواءات نيام، لا مروءة عندهم، لا غيرة، لا مُنافَسة، فلا كانت ولا كان أصحابها، لا كان حملتها – والعياذ بالله -، قال عمر بن الخطاب – قدَّس الله سره – لا تقعدن بك همتك، فما رأيت أعجز بالرجل من أن يقعد عن المعالي، قال أعجز عباد الله هذا، الذي ليس له همة تحدوه وتحفزه وتبعثه على اكتساب المعالي، فلماذا لا تكتسب كما اكتسبوا؟
من حماقة بعض الحمقى أنه إذا رأى مزيةً لأحد عباد الله من الكملة أو الذين يُقارِبون – أي الكمال – أو خصيصة فإنه يقول في نفسه أستطيعها ولكنني لا أُريدها، هذا لحماقتك، وقد تصدق، قد يُمكِن أن تكون لو أنك اجتهدت ودأبت وواصلت فعلاً الليل بالنهار والنهار بالليل، قد يُمكِن أن تُصيب هذا الحظ، وربما تبزه وتتفوَّق عليه، لكنك لم تفعل، ومع قعودك تُعزي نفسك بكل صلف بأنك لا تتنافس ولا تغار، لأنك لا تُريد ولم تُجرِّب، لحماقتك يا حبيبي، لحماقتك!
قال الإمام عليّ – عليه السلام – وقدر كل امرئٍ ما كان يُحسِنه، قدرك في النهاية في الدنيا كما في الآخرة غداً بين يدي الله – انتبه – ما تُحسِنه، نعم! فرق بين رجل يُعد بألف رجل، وبين رجال بالألوف بل بالملايين تمر بلا عداد، ليس لهم أثر، ليس لهم وزن، الواحد منهم كالألف، والألف كالواحد، نفس الشيئ! الواحد منهم – انتبه – كالألف منهم، والألف منهم كالواحد، لأنهم جميعاً سلبيون، بلا أثر، وهناك رجال نُبلاء في الدنيا كما في الآخرة – بإذن الله، وانتبه، اللهم اجعلنا جميعاً منهم وجمعاوات، أقول جمعاوات لأخواتنا أيضاً، جميعاً وجمعاوات منهم ومنهن -، بعض الناس يعيش ويموت عظيماً نبيلاً في الدنيا – هناك النُبلاء، يقول لك سير أعلام النُبلاء، فهذا يعيش نبيلاً، له شأن وله صيت في الخير بإذن الله – ويُبعَث يوم القيامة نبيلاً عظيماً، هذا هو طبعاً، بعض الناس يُحشَرون راكبين، بعض الناس! بعض الناس يُحشَرون على منابر، على منابر يُحشَرون، لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ۩، وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ۩، في ظل عرش الرحمن قائلون جالسون، والشمس من رؤوس الخلائق على ميل Mile، مقدار ميل Mile، لماذا؟ هؤلاء عظماء، دأبوا أنفسهم وكدوها وأتعبوها في الدنيا، ليسوا كالذين قطعوا الليل والنهار في النوم والراحة والدعة والأماني والأحلام، أحلام اليقظة وأحلام المنام، كما قلنا رؤوس أموال المفاليس، لا! هناك عمل، قال أبو الطيب (المتنبي) :
هوَ الجَدّ حتى تَفْضُلُ العَينُ أُختَهَا وَحتى يكونُ اليَوْمُ لليَوْمِ سَيّدَا.
قال:
هوَ الجَدّ حتى تَفْضُلُ العَينُ أُختَهَا وَحتى يكونُ اليَوْمُ لليَوْمِ سَيّدَا.
هكذا بإذن الله – تبارك وتعالى -، بعض الناس تُخامِره حسرة وربما غيرة غير حميدة أن يكون رأى أحد الناس وبالأمس القريب – ربما قبل عشر سنين أو عشرين سنة – كان مثله أو دونه في العلم والصلاح، فيراه اليوم بعد عشر أو عشرين سنة وقد رُفِع مقامات علية، فصار يُشار إليه بالبنان، ويُنعَت بنعوت العالمين والصالحين، فيغار ولا يُحِب أن يتواضع ولا يعترف، لا عليك أن تعترف أو لا تعترف، انتهى! هذه حقائق جديدة، هو واصل وأنت قعدت يا مسكين، فوصل وأنت قُطِع بك، الجد والاجتهاد! هذه خزائن، الأيام خزائن، الساعات خزائن، ينبغي أن نملأها بما فيه خير الدنيا والآخرة، املأوا خزائنكم، لا تُقصِّروا، ما من يوم ينشق فجره إلا ويُنادي – في الأثر، يُنسَب إلى الحسن البِصري وإلى غيره – يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزوَّد مني، فإني لا أعود إلى يوم القيامة، لا تُوجَد أيام تعود، لا تُوجَد ساعات تعود، انتهى! هذا سهم الزمان، في اتجاه واحد، أي Einbahn-، في اتجاه واحد ولا يعود، انتهى! هذا غير موجود، كل يوم أنت أكبر وأضعف وأعجز، كل يوم! كل يوم أنت تدنو من القبر بالمُناسَبة، سُبحان الله.
من عجيب أمر الإنسان أنه مُذ تطرحه أمه من رحمها كل ساعة يقترب من قبره، عجيب – والله – أمر الحياة هذه، عجيب! كل ساعة يحدث هذا، أي مع أول ساعة لو قدَّر الله له أن يعيش ثمانين سنة يكون عمره كم؟ ثمانين سنة، بعد سنة يكون عمره تسعاً وسبعين، أي تسعاً وسبعين سنة، ماذا بعد سنتين؟ الطفل عمره سنتان، إذن عمره الآن كم؟ ثماني وسبعين سنة، ينقص مع كل ساعة، وكلنا هكذا، إذن مساكين أمثالنا، نحن الآن في الأربعين والخمسين، كم أمامنا؟ القليل يا حبيبي، ربما ما بقيَ إلا الأقل أو القليل أو ربما ما يُعادِل، فانتبه يا أخي، انتبه، انتبه واستعن بالله – تبارك وتعالى – على قساوة القلب، على وإظلام البصيرة، استعن بالله، اسفح واسفك الدموع الغزار الصادقة، واطلب إليه – تبارك وتعالى – أن يفتح عين بصيرتك.
قالوا وعين البصيرة العلوم منها كالمرائي للبصر، عين البصيرة العلوم، ليس الطب والكيمياء والفيزياء، العلوم الإلهية، العلوم الربانية، علوم اليقين والصبر والخشية والشُكر والتوكل والاعتماد والرجاء والمحبة والشوق، هذه العلوم، العلوم منها، أي حقائق العلوم الربانية، إزاء عين البصيرة ومن عين البصيرة كالمرائي من البصر، كيف هي المرائي في البصر الآن؟ واضحة تماماً، مذكورة! هذا فلان وهذا علان، هذا أحمر وهذا أخضر، هذا متر في متر وهذا متر في نصف متر، كل شيئ واضح، أمام عين البصيرة المعاني الإلهية في مثل هذا الوضوح – بإذن الله تعالى -، اللهم اجعلنا من أهل البصيرة، الأمور واضحة!
وقد قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – في حديث عمران بن حُصين، أي يرويه عمران بن حُصين -، قال – صلى الله عليه وسلم – إن الله يُحِب البصر النافذ عند حلول الشهوات، والعقل الكامل عند نزول الشُبهات، احفظوه! هذا من الحكمة، ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ۩، هذا من الحكمة المُوحاة إليه، وإن كان الحديث ضعيفاً إسناداً، لكن معناه صحيح بلا امتراء، الله يُحِب البصر النافذ عند حلول ماذا؟ الشهوات، عند الشهوة يكون لديك بصيرة قلبية، تعرف أن شهوة ساعة لا يُمكِن أن تعدل سعادة الأبد، ولا يُمكِن أن تقوم بغضب الرب، لا إله إلا هو! لا يُمكِن هذا، هل أشتري غضب الله بلذة ساعة مع امرأة أو غير امرأة، مع مجلس، ومع الفسقة والبطّالين؟ هل أفعل هذا من أجل لذة ساعة أو نصف ساعة أو أقل أو أكثر؟ لذة العمر كله لا تُجدي، لو كان العمر لذة واحدة مُتصِلة – والله الذي لا إله إلا هو – لا يقوم هذا بشيئ من غضب الرب، الذي لا تقوم لغضبه السماوات والأراضون، هل تظنون أن السماوات والأراضين من العرش إلى الفرش تقوم لُحيظة لغضب الله إذا غضب؟ أبداً، فكيف تقوم أنت يا مسكين؟ أتستطيع أن تقوم أمام غضب الله؟ لذلك لا بصيرة لك أو لهذا الأبعد، جنبَّكم الله هذا العثار، لا بصيرة له، ولذلك يهجم على الشهوة مُباشَرةً، ويقول الله غفور رحيم، ومنهم مَن يتواقح ويكفر فيقول بزيادة دبوستين، أستغفر الله العظيم، أي يقول نعم، أنا أقوم لغضب الله، وأنا أصبر على حر نار الله، وأدخل النار وأستزيد ضربة دبوستين، لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ۩، ما هذا الكفر؟ هذا يكفر، يكفر وهو لا يدري، ولذلك من وضع الأمور مواضعها أن نقول له كفرت يا مُسلِم، جدِّد عقدك على زوجتك، أنت تهزأ بربك، وتستخف بعذابه وعقابه، نعم! فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ۩، هذا لا يخاف وعيد الله، لأنه لا يُؤمِن بالقرآن، ما آمن به، لو آمن به وتلاه وفهمه ما قال هذه الكلمة – والعياذ بالله -، نعوذ بالله من زلات اللسان وزلقات الجنان، كفر! كفر كفرة صلعاء شنعاء، بزيادة دبوستين، يقول له لا أخاف منك ولا من نارك ولا مما أعددت، الله أكبر، الله أكبر، سنرى! وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ۩.
جِسْمِي على الشَّمْسِ ليْسَ يَقْوَى ولا عـلى أهْـوَنِ الحَـرَارَة.
فكَيْفَ يَـقْوَى على جَحيمٍ وقُودُها النَّاسُ والحِجَارَة؟
أيها الكذّاب أنت – والله – لا تصبر على حر شمعة، والله! جرِّبوا هذا، هل يصبر؟ مُستحيل، سيموت صراخاً وصياحاً من الألم، يدّعي أنه يستزيد من عذاب ملائكة الله في جحيم الله، هكذا تفعل المعاصي بصاحبها، تتنزَّل به إلى الكفر، المعاصي بريد الكفر، يبدأ يستهتر ويستخف حتى يعود وينقلب كافراً وهو يدري أو لا يدري – والعياذ بالله -، نعوذ بالله من الحور بعد الكور، نعوذ بالله من العمى والردى – والعياذ بالله -.
نعود أيها الإخوة، إذن هذا من الحكمة، نعود حتى نلم بعضاً من أطراف موضوعنا، إذن الحكمة جُمّاعها وضع الشيئ مواضعه، وتنزيل الأمور منازلها، سيد مَن أوتيَ الحكمة مَن هو؟ صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ۩، وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۩، الحكمة سيد مَن أوتيها بتمامها واستوفى حظه منها – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله وصحبه وأتباعه أجمعين – رسول الله.
من حكمته أنه كان حليماً، وربما اشتد أحياناً إزاء بعض الناس، أحياناً يسيرة جداً في وقائع محفوظة عنه تقريباً، وهذا من حكمته، لماذا؟ لأن بعض الحلم كما قال الحماسي في ديوان الحماسة إذعان، لأن بعض الحلم كما قال الحماسي إذعان، وبعض الحلم إذعان، أما استخدام الحلم في سائر الأوقات فهو قُطب العقل، قُطب رحى العقل استخدام الحلم في سائر الأوقات، رسول الله كان يحلم عن مُعظَم عباد الله من الكفّار والمُنافِقين وغِلاظ وأفظاظ المُسلِمين، أعرابهم وحضرييهم، يحلم عنهم، انتبهوا! يُقال حلم عنه وليس عليه، لكن جهل عليه، فحلم عنه، احفظوها، يحلم عن مَن يجهل عليه، والعجيب لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، لأنه حكيم، أوتيَ الحكمة.
روى البخاري ومُسلِم – رضوان الله تعالى عنهما – في صحيحهما من حديث أنس – رضيَ الله تعالى عنه -، قال كان أبو ذر الغفاري – رضوان الله تعالى عليه – يُحدِّث أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – كان يقول بين أنا في بيتي بمكة – طبعاً في سياقات أُخرى هذا ليلة المعراج أو الإسراء والمعراج – إذا فُرِج سقف بيتي، فنزل جبريل، ففرج عن صدري، وأوتيَ بطست من ذهب، مليء حكمةً وإيماناً، فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، هنيئاً له – صلى الله عليه وسلم -، الله أكبر، طست من ذهب، من عالم الملكوت، جاء إلى عالم المُلك في لحظة صمدانية فتحية وهبية لدُنية، وأُفرِغت الحكمة والنور والعلم في صدره في لحظة واحدة، فزاده الله حكمةً إلى حكمة – صلى الله عليه وسلم -، أُفرِغ في صدره.
فهذا النبي علَّمنا أن نحلم عن عباد الله، هذه هي القاعدة، وأحياناً أن نُقابِل جهلهم بجهل، لأن بعض الجهلاء – والعياذ بالله – لا يُجدي معهم إلا مثل هذا، الأحمق جاهل، والجاهل والأحمق كما قال حكيم إذا أحسنت إليه أساء إليك، وإذا أسأت إليه أحسن إليك، وإذا رحبت به اغتر، وإذا أعرضت عنه اغتم، وإذا انتصفت منه – إذا انتصفت منه بظلمه – رضيَ، وإذا أنصفته فلم تظلمه ظلمك، الله أكبر! ما هؤلاء؟ يُوجَد – نعم – هذا الطرز، هذا الطراز من الناس موجودون، وهم قلة – لا كثَّر الله في العالمين من أمثالهم -، منكوسون معكوسون في كل شيئ، شيئ غريب، هؤلاء لا يُمكِن أن تحلم عنهم وأن تلقى الخير، يزداد الفتق ويتسع الخرق على الراتق أو الراقع، لا تستطيع! وليس من مرقع، أحياناً ليس من مرقع، يزداد الخرق والفتق على الراقع، وما من مرقع، فماذا تفعل؟ تُعمِل فيهم هذا الهدي المُحمَّدي أحياناً، تقفهم عند حدودهم بالحزم، هنا هذا من العقل، كما قال الأول:
لئِنْ كنتُ مُحْتاجاً إلى الحِلْمِ إِنَّني إِلى الجَهْلِ في بَعْضِ الأَحايينِ أَحْوَجُ.
ولِي فَرَسٌ لِلْحِلْمِ بالحِلْمِ ملْجَمٌ ولِي فَرَسٌ للْجَهْلِ بالجَهْل مُسْرَج.
فمَنْ شاء تَقْوِيمِي فإِنِّي مقَوَّمٌ ومَنْ شاء تَعْويجي فإِنِّي مُعَوَّج.
قال كل شيئ في موضعه، الحلم في موضعه، الجهل – وليس بجهل هو، هو من مُقتضى الحلم أيضاً – على بعض مَن يجهل أو على صنف من الجهلاء مُعيَّنين هو مما يقتضيه العقل والتدبير والحكمة أحياناً، والرسول علَّمنا هذا في مرات يسيرة – صلى الله عليه وسلم – مع هؤلاء، كان يضع الشيئ مواضعه في كل شيئ من أمر دنياه وأُخراه – صلى الله عليه وسلم -، لا يُفرِّط، ولا يحيد، ولا يُضيِّع، ولا يُقصِّر، لا إفراط ولا تفريط، لا وكس ولا شطط، إنما هي المعدلة وخُطة الوسط، حتى في الوصاة كان يمنحها عباد الله، كان يُخالِف بين وصاياه، يُبيِّن ويُنوِّع بحسب المُستوصي المُسترشِد المُستبين، أوصني يا رسول الله، قال لا تغضب، كرَّر عليه ثلاثاً، وهو في كل ذلكم يقول لا تغضب، لأنه حدس بنور النبوة وبفراسة النبوة أنه أمام إنسان غضوب، خفيف، يُمكِن أن يستخفه أي شيئ، وبعض الناس هكذا، مثل الملح على مقلاة، في لحظة يفور، ما هذا؟ هذا من الحمق، انتبهوا! هذه صفة الأحمق، لا يُقال الأحمق أهوج، لكن كل أهوج بالأحرى أحمق، قد يكون أحمق ولا يكون أهوج، لكن الأهوج أحمق، الهوج حمق، قال – تعالى – وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ۩، كُن جبلاً، كُن راسخاً، لماذا أنت خفيف؟ تقول هو قال لي كذا وكذا، الوقت مُتسع، لم تقم القيامة، اترك هذا، حتى يفرغ، وحتى ينتهي، ثم تأتي أنت، وتدفع عن نفسك بفصل القول والخطاب في وقته، وحلمك عن الجاهل كما قال الإمام عليّ – عليه السلام – يُكثِّر أنصارك عليه، احلم، لن تُغلَب ولن يضيع حقك، لا تهتج، وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ ۩ – الله يقول -، كُن رزيناً، أين الرجال الرصينون الرزينون@ الثقلاء العقلاء؟ أين؟ قل – والله – أن يُروا إلا في كتاب أو تحت التراب، إِنَّا لِلّهِ ۩، هكذا!
وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ۩، فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۩، الشاعر يصف أحد الخفيفين جداً، يقول:
لَو أن خِفَّةَ عَقْلِهِ في رِجْلِهِ سَبَقَ الغَزالَ ولَمْ يَفُتْهُ الأرنَبُ.
يقول عقله خفيف، أخف من رجل غزال أو أرنب، خفيف! كلمة تطير به، يُقال له قالوا عنك كذا وكذا، يُجَن جنونه، لماذا؟ يبدأ يسب، يشتم، يغتاب، ويلعن، قال قالوا عنك، انتبه! وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ ۩، إشاعات! هذا اسمه تدبير الإشاعة، كيف نتعامل مع الإشاعات، مع الأقاويل، ومع النمائم؟ كيف نتعامل مع النمائم والأقاويل؟ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ ۩، أي إشاعات تتعلَّق بحالة السلم والحرب، مِنَ الأَمْنِ ۩ تتعلَّق بحال السلم، أَوِ الْخَوْفِ ۩ تتعلَّق بحال الحرب، في حال الحرب وعسكرة الوضع والوقت، وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۩، المذاييع، الله لا يُحِب المذاييع، النبي قال ويل لأقماع القول، مَن هم أقماع القول؟ الذين يسمعون ويُذيعون الكلام مُباشَرةً، في صحيح مُسلِم كفى بالمرء إثماً أن يُحدِّث بكل ما سمع، وفي رواية كذباً، أي كفى بالمرء كذباً، قال هذا كذّاب، ما هي حُجتك؟ زعموا، وفي الصحيح بئس مطية الرجل زعموا، أسوأ مركوبة تركبها مركوبة زعموا، يقولون، يُقال، كيف تقول يُقال وخاصة إذا كانت المقالة في حق الأكابر من عباد الله؟!
ولذلك قال ابن حبان ومُجافاة الأخيار والوقيعة فيهم من علامات الحُمق ومُجافاة الحكمة، ألا تُخالِط الأخيار وأن تقع في أعراضهم أيضاً، أي لا تستفيد منهم ولا من عقلهم ولا من علمهم ولا من تجاربهم وتقع في أعراضهم أيضاً، للحُمق! معجون بطينة الحُمق – والعياذ بالله -، انتبه إلى هذا، هكذا!
قال أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۩، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ۩، في شأن عسكري لا نتكلَّم ونُثير في الناس الخوف والفزع، لا نتكلَّم، وإنما نُحيل الأمر إلى العسكر، إلى الجيش، إلى أعلى سُلطة عسكرية في الدولة، هي تعرف وتُدبِّر، في أمر مدني نُحيله إلى السُلطة المُختَصة، إلى الجهة المُختَصة، تستطيع أن تُميِّز الحق من الباطل، والخاثر من الزُباد، وتضع الأمور في نصابها، فينتهي كل شيئ، لا تكن من المذاييع، أي مذاييع القول، تسمع كل شيئ وتتكلَّم وتُردِّد، إياك من هذا، إياك! وخاصة في الأكابر كما قلت.
على كل حال فالنبي قال لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب، أوصني يا رسول الله، أوصاه النبي حتى دون أن يستوصيه، قال أحسِن خُلقك للناس، قال كان آخر ما أوصاني به حين وضعت رجلي في الغرز – مُعاذ بن جبل – أن قال يا مُعاذ أحسِن – أي حسِّن – خُلقك للناس، وصية! أنت رجل كامل وعالم، ازدد من هذا، المُعامَلة! المُعامَلة وشرف المُعامَلة ورقي المُعامَلة، كُن عبداً راقياً، أوصى ثالثاً فقال له إياك وما يُعتذَر منه، الله أكبر، كم نحن أحرياء بهذه الوصية ومُحتاجون إلى أمثالها! إياك وما يُعتذَر منه، قال أحد الصالحين لي أربعون سنة لم يبدر منه ما يُحوِجني أن أقول لأخي اعذرني واغفر لي، لماذا؟ لم يُخطئ، لا يُخطئ في حق أحد، ترون هذا مَن يكون؟ ما هو نعته وصفته؟ ما هي صفته؟ صفته أن لسانه من وراء قلبه، هذا القلب وهذا اللسان، لا يتكلَّم كلمة، لا يقول شيئاً، ولا يتقدَّم إلى أمر بقول، حتى ماذا؟ حتى يُجيل نظر قلبه فيه مرة ومرات ومرات ومرات، وينظر هل فيه مصلحة؟ هل فيه خير؟ هل فيه رضا الرب – تبارك وتعالى -؟ هل صحت فيه النية والعزيمة والقصد؟ إن كان كذلك أنفذناه فقلنا – بإذن الله -، هذا قول كله خير ونور، إن لم يكن كذلك أمسكنا وسكتنا، كظمنا! هذا رجل عاقل، إياك وما يُعتذَر منه.
ترى بعض الناس وقد يكون من الكُبراء في العلم أو العمل أو الرتُبة وما إلى ذلك يغلط في المجلس الواحد عشرين مرة ويعتذر عشرين مرة، يا رجل أنت لم تعد كبيراً، أنت أصبحت الآن لا شيئ، والله أصبحت لا شيئ، ما الذي يُحوِجك إلى هذا؟ وبعض الناس يعتذر إلى مَن هو دونه علماً وعملاً وسناً وقدراً، ويأتي يقول له سأُقبِّل رأس وأُقبِّل يديك يا أخي – إن شئت -، لماذا تُقبِّل؟ لأنك غلطت عليه، أخطأت في حقه، وسفهت، لماذا؟ لأن لسانك قبل قلبك، بعض الناس لسانه قبل قلبه، أمام قلبه، قدام قلبه، لا يخطر على قلبه شيئ خاطر إلا نطق به لسانه، الله أكبر، حماقة! النبي قال إياك وما يُعتذَر منه، فكِّر.
أنا أعلم مِن بعض عباد الله مَن هم ليسوا كذلك، والله يا إخواني أحدهم قبل أن يتكلَّم بكلمة أو بجُمل – خمس أو ست جُمل، والمضمون واحد – يُؤخِّر هذا أشهرا، أشهراً! يُؤخِّره لخمسة أو ستة أشهر، يتحيَّن موعده ووقته حتى لا يُؤذي أخاً له في الله، ليس جُبناً ولا خوفاً ولا تملقاً، إنما أدباً، هكذا أدَّبه الله بهذا الأدب العالي، حكمة! هذه مَن يُؤتاها يُؤت خيراً كثيراً، وبعض الناس – كما قلت لكم – كملح على مقلاة، تصله كلمة في التو واللحظة يبدأ يُحاقِق ويُحاسِب، ما هذا يا أخي؟ ويتورَّط، لماذا؟ استأن بنفسك، أعط نفسك مُهلة، خُذ وقتك يا رجل، وتثبَّت، ولذلك من علامات الحكيم التثبت والتريث، ليس من مذاييع القول.
وأوصى رابعاً بالصلاة، وأوصى خامساً ببر والديه، ووأصى بغير ذلك، وصاياه كانت مُختلِفة، للأسف أدركنا الوقت، وطبعاً نحن نحتاج إلى سلسلة خُطب، ولن نفي إلا بجُزء يسير – أيسر من اليسير وأنزر من المنزور – من مقام تبيان حكمته – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -، لكننا مُحتاجون إليها، لكن نُؤكِّد من هذا على هذا الخُلق الحكيم العالي، لم يكن – صلى الله عليه وسلم – يجبه الناس ولا يلقاهم ولا يُواجِههم بما يكرهون، لا! وإنما كان يُعرِّض، فيقول ما بال أقوام وما بال أقوام، واللبيب بالإشارة يفهم، هذا اللبيب، اللبيب بالإشارة يفهم ويعتدل، فماذا عن الأحمق الخالي من الحكمة؟ يغضب، يقول أنا المقصود، هذا الكلام تعريض بي، والله لا سمعت ولا فعلت، يا أحمق ما هذا؟ لا! إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، ماذا نفعل؟ هذا لا يرى نفسه إلا كاملاً، لا يرى نفسه إلا معصوماً.
بالأمس أُحدِّث إخواني عن رجل شرَّفني الله – والله – بمعرفته، هذا الرجل كان يُتقِن ست لُغات، وعنده دكتوراة في علم في الطب البيطري، وعمل وزيراً، وعمل سفيراً، وهو حافظ لكتاب الله، ويُتِم قراءته كل ثلاثة أيام مرة من زُهاء عشرين سنة، ويقوم الليل كل ليلة بجُزئين ونصف من كتاب الله من عشرين سنة، والله العظيم! ومُرتبه الله أعلم كم هو بالضبط، لكن وقتها كان يصل إلى زُهاء سبعين أو ثمانين ألف شلن نمساوي، يتبلَّغ منه بزُهاء ثلاثمائة شلن فقط، والباقي ماذا عنه؟ وليس له حساب في البنك Bank، قال ادخره في بنك الآخرة، يتصدَّق به كله، هل تُصدِّقون أن في عصرنا أمثال هؤلاء؟ هذا كان أخاً شرَّفني الله بمعرفته، والله يا إخواني لأشهد أنه في إثر مُعظَم الخُطب يأتيني، كنت أنصرف من الخُطبة فيأتيني ويقول يا شيخي أنا المقصود، يقول لي يا شيخي وهو في سن والدي، أنا لا يُمكِن أن أقول له يا أخي، لا يُمكِن! وهذا – انتبهوا – من الحكمة والأدب، إذا رجل في حُكم والدك أو في سن والدك قال لك يا أخي أو يا صديقي فلا تقل له يا أخي، هذا من الحُمق، قل له يا والدي، يا سيدي، يا أبا فلان، عظِّمه لسنه، انتبه وكبِّر، النبي قال كبِّر، أعط الكبير حقه، الكبير في السن وفي القدر وفي المنزلة وفي العلم وفي الصلاح، ولا تستغل قوله، لا تقل هو يقول لي صديقي، فهو صديقي إذن، أهو صديقك وهو مثل أبيك؟ هو في سن والدك فكيف تقول صديقي؟ عيب، انتبه! بعض الناس هكذا، يُخاطِب العالم بهذه الطريقة، يكون أحدهم عالماً، ويقول له يا أخي، كيف تقول يا أخي؟ هذا ليس أخاك، قل له يا سيدي، يا مولانا، يا شيخنا، يا أستاذنا، إن كان أستاذاً لك فإياك أن تقول له يا أستاذ، هذا من قلة الأدب، قل له يا أستاذي، انتبه! هذا حق التواضع، لا تقل له يا شيخ، قل له يا شيخي، لأنه شيخك، اعترف بهذا، وهذا من الأدب، العلماء قالوا مِن قلة الأدب مع مَن علَّمك أن تقول له يا شيخ، لا تقل يا شيخ، قل يا شيخي أو يا شيخنا، لا تقل له يا صديقي ويا أخي لأنه يقول لك أنت صديقي وأنت أخي، هذا من تواضعه، وهذا أيضاً من حكمته.
هذه الأشياء تحتاج إلى أدب، هذه اسمها اللباقة واللياقة، اللياقة في المُعامَلات، والدين يُعلِّمنا هذا، على كلٍ قال لي أدخرها في بنك الآخرة، إثر مُعظَم الخُطب يأتيني وقد تغيَّر لونه وتغيَّرت حاله، محزوناً مكروباً، يقول لي يا شيخي أنا المقصود، أنا المُنافِق، فأقول له أعوذ بالله يا دكتور فلان، والله أنت تعلم رأيي فيك وحاشاك، يقول ولكن ينطبق علىّ يا أخي هذا، ينطبق علىّ، إِنَّا لِلّهِ ۩، ويذهب المسكين، يذهب يُحدِث توبة، والله أعلم ماذا يفعل بنفسه، وأنا طبعاً مُستحيل أن أقصده، أنا ظني به أنه العكس تماماً، لكن هو يُطبِّق هذا على نفسه لصلاحه، لا يرى من نفسه إلا النقص، قال القُطب الرفاعي مَن لم ير من نفسه النُقصان فكل أوقاته نُقصان، أي إنسان يرى نفسه كاملاً وتثقل عليه النصيحة والعتب ولا يُريده فيه نقص في عقله وفي حكمته، بالعكس! تواضع، تواضع واقبل، وإن كنت تظن أنك مهضوم ومظلوم فبيِّن عن حُجتك ولا تتأخَّر، هذا واجبك أيضاً، انتصف لنفسك، ولكن بالحكمة أيضاً، وضع الأمور في مواضعها، ولا تخلط الأشياء، تكلَّم فيما يُفيد، في اللُباب والجوهر، وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ۩، انظر إلى هذا، قال الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ۩، الهذر لا يُجامِع الحكمة، كثرة الكلام وتشقيقه وتطويله لساعات لا يُجامِع الحكمة، الحكمة يُجامِعها فصل الخطاب، تكلَّم بكلمات فاصلات جامعات مانعات، تُبيِّن بها وجه القضية، ثم ينتهي كل شيئ، وهذا أيضاً من الحكمة، هذا من الحكمة!
فصلى الله على مُعلِّم الناس الخير، وصلى الله على مُعلِّم الناس الحكمة، أحكم العالمين، وأعبد العارفين، وأصدق النبيين والمُرسَلين، وأوصلهم للرحم، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، فيا فوز المُستغفِرين!
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أخرجا في الصحيحين من حديث ابن مسعود – رضيَ الله تعالى عنهم -، قال قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالاً، فسلَّطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويُعلِّمها الناس، كما قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – فيما يُروى عنه قلب ليس فيه حكمة كبيت خرب – والعياذ بالله -، كما قال – وأختم به، الحديث الذي ذكرناه في الجُمعة المُنصرِمة – أيما عبد أو مَن أخلص لله وفي راوية العبادة أربعين ليلة أو قال أربعين يوماً أجرى الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
نسأل الله أن يُعيننا على إخلاص العبادة قولاً وعملاً وحالاً وهمةً وعزيمةً، أزيد من أربعين، بل أربعين سنة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وأحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً، اللهم افتح مسامع قلوبنا لذكرك، وارزقنا عملاً بكتابك واتباعاً لسُنة نبيك – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارزقنا خشيتك بالغيب والشهادة، وارزقنا كلمة الإخلاص والقصد في كل أحوالنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩، قوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
أضف تعليق