إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَحَبِيبَنَا ونَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ :
وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ۩ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ۩ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ۩ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى ۩ فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ۩ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى ۩ وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى ۩ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لّا يَبْلَى ۩ فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ۩ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ۩ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ۩ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ۩ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ۩ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ۩ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
حكايةُ آدم أبينا الأول – عليه الصلاة وأفضل السلام – حكاية عهد ونسيان وميل وعصيان ولا جرم فهو إنسان وأول الناسِ هو أول ناسٍ، قال الله وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ۩، وليس النسيانُ هنا بمعنى الذهول والغفلة أي عدم التذكر وإن قال به جُملةٌ من المُفسِّرين فالأرجح أن هذا التفسير غالط لعدم التئامه بقوله تبارك وتعالى على لسان الملعوم إبليس وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة ۩، فكيف يُقال إنهما نسيا العهد مع الله بألا يأكلا من هذه الشجرة وقبل أن يغويا ذكَّرهما اللعين بقضية الشجرة والنهي عن الأكل منها؟!
فلا يُقال إن النسيان بمعنى الذهول والغفلة وعدم التذكر لأن في رأيي أن هذا التفسير غالط، والله – تبارك وتعالى – أعلم وأحكم، الله قال على لسان إبليس أنه قال وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة – إذن هما لا يزالا يذكران العهد أو هما منه على ذُكرٍ –
إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ ۩، علماً بأن هذه الآية من سورة الأعراف، ولكنه قال أيضاً في سورة طه هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لّا يَبْلَى ۩، إذن ما معنى النسيان؟!
النسيان هنا مجازعن التضييع، ونحن لا نزال كعرب إلى يوم الناس هذا نستعمل النسيان بهذا المعنى في كثيرٍ من كلامنا فنقول “ونسيت نعمة أبويك”على أنه لم ينس نعمة أبويه ولكن المُراد ضيَّعت حق هذه النعمة أو ضيَّعت شُكر هذه النعمة، وكقولنا “نسيت نعمة الأستاذ والشيخ فكفرت بهذه النعمة” وهو لم ينس، أو كقولنا ”
نسيت ما فعل لك فلان وما أسدى إليكَ من أيادٍ بيضاء” وإلى آخر هذه الجُمل، إذن هذا مجاز العرب تعرفه، ولذلك أنتهزها فرصة فقط لكي ألفت وأُنبِّه على أنه لا يجوز لعربيٍ لا يعرف العربية حيث ضيَّع فصيحها وضيَّع مُعجَمها فهو غارقٌ إلى الآذان بل إلى النواصي أوغارق بكليته في الرطانة واللُكنة والعجمية أن يأتي بعد ذلك ينحى باللوم ويتهم كتاب الله تبارك وتعالى – أفصح الكلم وأبلغه – بالتناقض فيقول: القرآن مُتناقِض لأنه هناك يقول مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة ۩، فهما منها على ذُكر، ثم يأتي هنا ويقول فَنَسِيَ ۩، هذا ليس بكلام الله وإلا فما هذا التناقض؟!
أعوذ بالله من العجل على جهل، هذا المُعترِض يعجل وهو جاهل ثم يأتي يتبجَّح على رب العالمين وعلى نبيه وعلى علماء هذا الدين، فنعوذ بالله من غرور الجهل، هذا كلامٌ معروفٌ في القديم والحديث يُسمى بمجاز عن التضييع، علماً بأنني قلت مرة كنظرية وأنا منها على يقين أن ما من كلمة أو ما من معنى يغبى ويشتبه على مُفسِّره إلا وحله وكشفه في كتاب الله لمَن تأمَّل، جرَّبت هذا في عشرات المواضع وصح معي على الأقل في حدود ما جرَّبت وهذا شيئٌ عجيب، هذا هو العجب في كتاب الله، ومن هنا نجد أن في السورة ذاتها وفي السياق الكريم ذاته بُعيد قليل يقول الله قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًاقَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۩،فما معنى النسيان هنا؟!
التضييع، أي ضيَّعتها ولم تعمل بحقها ولم تبخع لها أصلاً.
ثم يقول وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ۩، ولكن كيف تُنسَى ۩ وهو يُخاطِبه؟!
بمعنى ستُهمَل وتضيع، فأنت ضائع وأنت فُرط وأمرك فُرط وقد كنت من المُفرَطين، إنهم في الآخرة من المُفرَطين، علماً بأن هذا المعنى – كما قلت – في السورة ذاتها وهذا شيئٌ عجيب جداً، فالقرآن عجيب لا يفتأُ يأتي كل حينٍ بعجيب، فاللهم علِّمنا منه ما جهلنا وذكِّرنا منه ما نُسّينا وافتح علينا فيه بالحق وأنت خيرُ الفاتحين.
علماء البلاغة المُختَصون بهذا الباب يقولون “هذا مجازٌ شائعٌ معروفٌ مأنوسٌ يُدعى إطلاق الملزوم وإرادة اللازم”،وهو – كما قلت – كثيرٌ جداً في كلام العرب، إطلاق الملزوم ولا يُراد الملزوم ذاته وإنما يُراد لازمه، فنأتي إلى إشكالية النسيان إذن حيث أن النسيان هو الملزوم، وبالتالي يتأتَّى من هذا المعنى اللازم ويترتب عليه التضييع، فلازم النسيان هو التضييع، فمَن نسيَ شيئاً ضيَّعه لأنه ناسٍ له، وأقصد بالنسيان هنا النسيان الحقيقي أي الذهول والغفلة بالكلية عن الشيئ، فطبعاً مَن نسيَ شيئاً ضيَّعه، ولكن ليس المُراد هنا الملزوم بمعنى الذهول والغفلة وإنما المُراد اللازم وهو التضييع والإهمال، فهذا هو وهذه هى اللغة العربية، وهذا مثل قوله – تبارك وتعالى – في البقرة إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ ۩ ومن هنا قديأتيك بعض المُتنطِّعين ليقول لك مُعترِضاً: كيف أن الله لا يستحي؟!
ما هذا الكلام؟!
كيف يجرؤ صاحب هذا الكلام – أي محمداً وليس بصاحبه إنما هو صاحبهُ على طريق التبليغ وليس على طريق التأليف والإبداع لأنه مُتلقيه – على وصف رب العالمين بأنه لا يستحي؟!
نحن نقول له بدورنا اربَعْ عَلَى ظَلْعِكَ وأقصر من جانب جهلك لأن هذا مجاز، هذا من فصيح الكلم وبليغ التعبير حيث يُطلَق الملزوم ولا يُرادُ وإنما يُراد لازمه، فالملزوم هو الحياء أو الاستحياء، ومَن استحيى مِن شيئٍ تركه ولم يأته، فاللازم إذن هو الترك وبالتالي يُصبِح معنى الآية “إن الله لا يتركُ أن يضرب مثلاً ما ولو كان مثلاً بالبعوضة” فيستوي المعنى على سوقه للفاهم الدرس، اللهم فهِّمنا وعلِّمنا.
قال الله وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ۩ أي لم نجده ذا عزمٍ، بعضهم قال “النسيان على وجهه – وهذا غالط كما قلت – وبالتالي معنى وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ۩ أي عزماً على المعصية، فلم يكن عامداً ومن ثم هذه ليست جريمة عمد مع سبق الإصرار والترصد”، وهذا غلط وهذا غلط، إنما النسيان ما أوضحنا وكشفنا عن وجهه، ومعنى وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ۩ أي لم نجده ذا عزمٍ أو لم نجده قوي العزيمة، وهذا كقوله تبارك وتعالى وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ۩، فالإنسان مخلوق من ضعف ولذلك تحتوشه وجوه النقائص والمُؤاخَذات والمعاتب لأنه كائن ضعيف وكائن ناقص وكائن مُعجَل، قال الله خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ۩، والآن السؤال هو ما عساه يكون السبب في عصيان آدم؟!
طبعاً يُقال إنه أُغريَ بالخُلد أو بالملكية، أي أُغريَ بأن يكون ملكاً أو أن يكون خالداً لا يأتي عليه الفسادُ والفناء، وعلى القول الراجح أن آدم – عليه السلام – نبيٌ من أنبياء الله – تبارك وتعالى – لأن الله أوحى إليه وظاهر الآيات أنه خُوطِب، ولكن يبدو في الظاهر أن الذي خُوطِب مُباشَرةً بغير ملك وهو ملك الوحي هو موسى، ولكن ليس في آيات القرآن ما يُفيد اقتصار هذا على موسى، قال الله مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ۖ ۩، فقد يكون موسى وآدم أيضاً من هؤلاء والله أعلم، وعلى كل حال هذه مسألة عقدية أخرى، فآدم نبي من الأنبياء كيف يُمكِن أن يُغرى بهذا الشيئ فيقع في المعصية والغلط؟!
علماً بأن هذا بحد ذاته لا يقوى وإنما يُضاف إليه طولُ العهد، فليس كما يفهم بعض الناس – للأسف صرَّح بهذا بعض المُفسِّرين وأنا أظن أن هذا أيضاً غالط – أن الله – تبارك وتعالى – أخذ عليه صباحاً فلم يأت عليه العصر – أي المساء – إلا وقد وقع في المعصية، وهذا بعيد جداً من النبي آدم – عليه السلام – وإنما نقول أن السبب راجع لبُعد العهد، حيث طال عليه العهد في الجنة فحصل له نوع من الإلف وحصل له نوع من التكيف، وهذا يُورِث الملل والسآمة، ولكن علينا أن ننتبه إلى أن هذا لا يصح ولا يستقيم إلا على قول – وهو قولٌ قال به جماعاتٌ أيضاً من العلماء والمُحقِّقين – مَن قال “هذه الجنة التي أُخرِج منها أبوانا ليست جنة الآخرة وإنما جنة في الدنيا”، لأن جنة الآخرة مُحال أن تلحق فيها ساكنها السآمةُ والملل، فمن المُفترَض أنه لا يملُ ولا يسأم، ولو قد صح هذا لكان وعداً ضمنياً لنا – و يا له من وعد أشبه بالوعيد – بأننا سنسأم وسنمل، ولكن هذا لا يُوجَد في الجنة التي لا فيها لغوب ولا فيها حزن ولا فيها سأم ولا فيها لغوٌ، إذن هذا يُرجِّح فيجوز أن يكون ويصح أن يكون ويسوغ أن يكون أحد مُرجِّحات قول مَن قال “هذه الجنة المذكورة هى جنة دنيوية وليست جنة الآخرة”، والمسألة معروفة جداً طبعاً في كتب العقيدة حتى انتهى بعض كبار المُحقِّقين كالإمام ابن قيم الجوزية إلى التوقف فيها بعد أن ذكر حُججاً كثيرة لهؤلاء وقابلها بنظائر كثيرة للفريق المُعاكِس ثم توقَّف بعد ذلك، وهذا يدل على تواضع هذا العالم الذي كان علَّامة ومُحقِّقاً كبيراً، حيث كتب صحائف كثيرة في المسألة وليس وجهاً أو وجهين ثم قال بعد ذلك بكل تواضع “رأيي أنا هو أنني لا أدري، الله أعلم، قد تكون جنة في الدنيا وقد تكون جنة في الآخرة”، فلم يجزم ولم يقطع القول، وهذا من تواضع المُحقِّقين ومن تواضع العلماء – أكرمني الله بإياكم بتواضع المُتعلِّمين – ولكن على كل حال هذا يلتئم بهذا القول ولا يلتئم بالقول الثاني أنها جنة أُخروية أو جنة سماوية، والله – تبارك وتعالى – أعلم.
إذن لحقه شيئ من الملالة أو من السآمة فتكيَّف ولم يعد يرى أن هذه الجنة تُعَد شيئاً بديعاً جداً جداً جداً ويستحق فأراد أن يُجرِّب شيئاً جديداً وأكل من هذه الشجرة لعله ينال بعض هذا الوعد الإبليسي للأسف، ولكن ما الذي يدل على هذا في نفس السورة أيضاً؟!
علينا أن ننتبه إلى شيئ عجيب جداً، حيث رجع موسى إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ۚ ۩ ولكن على ماذا ومن ماذا؟!
من عبادتهم للعجل بعد أن أجرى الله على يديه من أجلهم ولأجلهم من المعاجز ما تعلمون جميعاً، قال الله فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ۚ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ ۩، إذن هناك عهد، والموضوع هو أنهم طال عليهم العهد، فالقرآن شيئ عجيب – والله العظيم – جداً لأنه أتى بهذا في السورة ذاتها، إذن هنا عهدٌ وهناك عهدٌ، قال الله وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ ۩، ولكن آدم ضيَّع ونسيَ ولم يحفظ العهد وكذلك بنو إسرائيل ضيَّعوا ونسوا ولم يحفظوا العهد، ولكن السبب في بني إسرائيل مُصرَّح – أي مُصرَّح – حيث قال لهم موسى أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ ۩ مع أنه ليس بالعهد الطويل ولكنهم كانوا هكذا لأن هذه هى طبيعة الإنسان – كما قلت – الضعيفة، فربما طال إلى أشهر وربما إن طال أكثر لم يكن ليتجاوز بضع سنين، الله أعلم لأن كل هذا تكلف، قال الله أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ ۩ إذن السبب هو طول العهد، ولذلك قال في الأنبياء بَلْ مَتَّعْنَا هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ۗ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ۩، فسبب الإعراض والكفر وبطر النعمة هو طول العهد، تماماً كما قصَّ عزَّ من قاصٍ وحاكٍ علينا من نبأِ أهل سبأ حين قال لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ۩حتى قال تبارك وتعالى فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ – وفي قراءة بعِّد – بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ۩، فالله – تبارك وتعالى – طرَّق لهم طرقاً سالكة ومناهج واضحة يسيرون فيها في الأرض، قال الله وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۩، ومعنى قُرًى ظَاهِرَةً أي قرى مُتصِلة، فلا يُغادِرون قرية أو مدينة حتى يأتوا على قرية أخرى، وهذا إشارة إلى الأمن من جهة وإلى أمان الإنقطاع فلن تنقطع بك السبيل، ولذلك هم يحلون أو يقيلون – من القيلولة – في مدينة أو قرية ويبيتون في أخرى، فلم يكن مُسافِرهم مُحتاجاً إلى حمل زاد أو ماء وإنما يُسافِر هكذا ومعه ربما بعض المال وركوبته ولكنه لا يحمل ولا زاداً ولا ماءً أبداً لأنها قرىً مُتصِلة باستمرار فيُوجَد أكل وثمار ونُزل وربما أشياء أشبه بالفنادق أو الخانات – الله أكبر – وهذه نعمة عظيمة، ومن هنا قال الله وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۩، ومعنى عبارة وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۩ في فهمي والله – تبارك وتعالى – أعلى وأحكم أنها مضبوطة عمرانياً بما لا يشق على المُسافِر وبالتالي وهو يسير وينتقل يعلم أنه – مثلاً – بعد نهار أو نصف نهار سيكون في قرية أخرى، وهكذا كانت مُتقارِبة بشكل دقيق بل كانت مُهندَّسة وهذا شيئ عجيب، يقول الله وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ۩ولكن لم يُعجِبهم هذا، لم يُعجِبهم الأمان والاتصال والعمران بل أرادوا أن يعيشوا كما يعيش الناس المحرومون، قال الله على لسانهم بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ۩، كأنهم يقولون نحن لا نُريد هذا ونُريد المشقة، فهذا هو الإنسان الكفور بالنعمة، فعوضاً أن يشكرها يكفر بها ويراها أشبه بالمحنة والنقمة، ومن هنا قالوا لا نُريد هذه النعمة، وهذا أيضاً كحال بني إسرائيل وما يتعلَّق منّ وسلوى حيث أيضاً لم يُعجِبهم هذا فقال الله على لسانهم لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ ۩، فهم يُريدون مثل هذه الأشياء ومن هنا قال موسى أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ ۩، علماً بأن الباء تدخل على المُبدَل منه طبعاً، وهذه قاعدة نحوية بسيطة جداً جداً ومع ذلك يُخطيء فيها بلا تحيف مُعظم الكاتبين والمُتحدِّثين، وجرِّبوا هذا حين تقرأون لهم، والله أنا وجدت أن مُعظم مَن يكتب يُخطيء في هذا ويُدخِل الباء على على البدل وليس على المُبدَل منه، وهذا خطأ فظيع، يقول الشاعر
ولي كبدٌ مقروحة ٌ من يبيعني بها كبداً ليست بذات قروح
أبى الناسُ وَيْبَ الناس لا يَشترونها ومن يشتري ذا علة ٍ بصحيح
إذن الباء دخلت على المُبدَل منه، على الشيئ الذي سوف تتخلى وليس على البدل، إذن البدل هو “علةٍ”، والمُبدل منه هو “بصحيح”وليس العكس، لكن العرب تعرف هذا، وعلى كل حال الله قال أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ ۩ إلى آخر الآية، وقال أيضاً وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ۩، وهذا شيئ مُخيف، فهذه موعظة في حق المجموعات وفي حق الأمم والشعوب، وهى أيضاً بلا شك من باب أحرى موعظة في حق الأفراد، فإذا كانت هذه أمماً وشعوباً ولكن الله – تبارك وتعالى – أباد خضراءها فماذا عن الأفراد؟!
علماً بأن هاته الأمم هى التي طلبت هذا ومن ثم لا تقل لي أن هذا ظلم، هذا ليس ظلماً بل هذا هو العدل لأنهم هم مَن طلبوا هذا ومن هنا الله أعطاهم ما طلبوا، وإلا ماذا سيُعطيهم؟!
حين كفروا وبعد أن كفروا بنعمة الله وبارزوه بالعصيان لم يروا له عليهم فضلاً ليشكروه، لم يروا له عليهم نعمةً يسترجحونها ليشكروها بل استخفوها فكفروها، فبماذا يُجازيهم إذن؟!
من جنس عملهم، ومن هنا هو أعطاهم ما طلبوا، قال الله فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۩ وقال أيضاً وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ۩، فهى لم تكفر بالله لأنها تقول لا إله إله ولكنها كفرت بالنعمة وقالت أنها لا تُريدها، قال الله وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ۩، علماً بأن تلك في النحل وهذه في القصص، وهذا شيئ عجيب أن يكون حال الأمم هكذا كحال الأفراد!
ما معنى بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ ۩؟!
البطر فُسِّرَ بمعنيين، أولاً فُسِّرَ بالكبر والتكبر حيث تكبَّرت على النعمة، وطبعاً هناك ملزوم وهناك إرادة لازمه، فالكبر أو التكبر مجاز ملزوم يلزم منه الاستخفاف بما استكبرت عليه أو بمَن استكبرت عليه، فيستخف بالنعمة ويقول: ما هذه النعمة التي لا تُساوي شيئاً؟!
وبالتالي لا يرى الأمن شيئاً بل يعتبره ليس بنعمة، وكذلك الماء والهواء الطيب والرزق الدار والمعيشةٌ الدارة لا يراها ذات قيمة ويعتبرها شيئاً عادياً لا يُريده، فعجيب إذن هذا البطر، علماً بأن فعل بَطِرَ فعل قاصر – أي فعل لازم غير مُتعدٍ – من باب فَرِحَ، فَرِحَ يفرح وبَطِرَ يبطرُ بطراً فهو بَطِرٌ، ومن هنا يُقال “فلان أشِرٌ بَطِر”، ويقول الله بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ ۩، ومن هنا أيضاً قولهم “وما أمطرت حتى أبطرّت” يعني السماء، فالذي قال هذا إذن يعلم طبيعة العباد في كفرهم للنعمة، ومن هنا قال وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ۩، فلم يقل لظالمٌ كافر وإنما أتى بصيغة المُبالَغة فقال لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ۩، فهو ليس بكافر فقط وإنما هو كثير الكفر للنعمة فربما يكفر النعمة الجليلة الظاهرة الجزيلة، ومن هنا هو كَفَّارٌ ۩ فهو لا يكفر صغار النعم بل يكفر أيضاً كبارها وجسائمها وعظائمها، مثل نعمة الصحة وهى نعمة عظيمة كبيرة ومع ذلك يكفرها كثيرٌ من الناس على الرغم من أنها من أعظم النعم بعد نعمة الحياة والإيمان، فيكفر بنعمة الصحة ويستخدم صحته وعافيته في ظلم الناس أو في معصية الله، فما هذا؟!
هذا كفرٌ عجيب غريب – والعياذ بالله – حقيقة، قال الله إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ۩، إذن فعل بَطِرَ هو فعل قاصر لازم لكن لماذا قال بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ ۩ وأصبح مُتعدياً حيث أن له مفعول؟!
مَعِيشَتَهَا ۖ ۩مفعول به، ولكن ماذا عن الفعل قاصر؟!
هذا باب من أبواب النحو عليكم أن تحفظوه جيد جداً اسمه التضمين، حيث أن الفعل إذا ضُمِّنَ معنى فعل آخر وكان هذا الفعل الآخر مُتعدياً يتعدى هذا الفعل القاصر على التضمين، فماذا ضُمِّنَ هذا الفعل القاصر اللازم في قوله بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ ۩؟!
أي كفرت معيشتها، فكفر فعل مُتعدٍ، ومن هنا معنى بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ ۩ فعلاً، أي كفرت نعمة هذا العيش الآمن الدار، وبالتالي حين بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ ۩ أهلكها الله طبعاً كما أهلك مَن قبلها ومن هنا قال فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ ۩، الآن المسألة التي تُعَد مُدخَلاً إلى موضوعنا هى:لماذا تفعل الشعوب والجماعات والأمم والأفراد هذه الأشياء؟!
نوع من أنواع العمى، والعمى وصفٌ وُصِفَ به الفردُ ووُصِفَت به الجماعات في مواضع كثيرة من كتاب الله تبارك وتعالى، ونفى الله أن يستوي الأعمى والبصير في مواضع كثيرة أيضاً من كتاب الله تبارك وتعالى، فعتب الله وأنحى باللائمة وبكَّت على أقوامٍ لا يرون ومن هنا الآيات التي فيها ” أَوَلَمْ يَرَوْا ۩، أَفَلا يَرَوْنَ ۩، أَوَلا يَرَوْنَ ۩” كثيرةٌ جداً في كتاب الله وابحثوا عنها في المُعجَم المُفهرَّس أو حتى في الجوجل Google لتعلموا أنها حقاً كثيرة، فالله يقول أن هؤلاء لا يرون لأنهم عُمي، قال الله وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ۩.
العلم الحديث والأبحاث الدقيقة العلمية المُختصَّة حتى التجريبي منها لم تجد عبارة خيراً أو كلمة خيراً أو لفظة خيراً من لفظة العمى، فتُسمي هذا العمى – Blindness – مثل العمى الإدراكي والعمى اللاإدراكي وعمى التغيير وعمى التحيز، حيث يُوجَد أنواع من العمى ومن هنا نحن سنتحدَّث في هذه الخُطبة – بإذن الله وحوله وتوفيقه – عن وجوه من العمى لفت إليها كتاب الله – تبارك وتعالى – والعلم أيضاً أثبتها ولفت إليها وحقَّق القول فيها فنحن لا نُريد أن نكون عُمياناً لأن الأعمى يفشل مع الله، إذن يفشل ويخسأ في امتحان الأبد طبعاً، فالأعمى الكافر بالنعمة يُعَد مسكيناً لأنه لا يرى الله ذا فضلٍ عليه في ليله ونهاره وحله وقراره وفي كل نفس من أنفاسه، لا يراه ليكون عبداً شكوراً وتزداد عليه النعم لأن الزيادة مقرونه بالشكر، قال الله وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ – انتبه إلى القسم بلام القسم – لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ ۩، أي بالنعمة وليس بالله لأن الكفر يأتي في مُقابِل الشكر، فزيادة النعم مقرونة بالشكر ومن قال الله لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ ۩ ، قال الله في الحديث القدسي الجليل “أهل شكري أهل زيادتي”، إذن الزيادة مقرونة بالشكر، فاللهم اجعلنا من أهل شُكر نعمتك على الوجه الذي يُرضيك عنا ومنا، ثم يقول في القرآن الكريم وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ۩والعياذ بالله تبارك وتعالى، فهذا إذن يخسر في امتحان الأبد ويكون من المتعوسين الخائبين، ويخسر أيضاً في امتحانات الدنيا حيث يخسر مع زوجه أو تخسر هى مع زوجها ويخسر مع صديقه ومع أستاذه ومع جيرانه ومع أحبابه ومع إخوانه، يخسر لأنه لا يعرف قيمة النعمة التي هو فيها لأن طال عليه العهد، فحين خطب هذه الزوجة رآها أجمل الفتيات وقد تكون فعلاً فتاة من أجمل فتيات بلدتها أو مدينتها، وكان مُستعِداً أن يدفع قلبه زمُهجته مهراً لها، ثم قبلت به وقبل أهلها ولكن بعد خمس سنوات أو عشر سنوات لم يعد يراها جميلة على أن الناس كلهم يرونها من أجمل الجميلات لكن هو لم يعد يراها جميلة، لم يعد يرى لها أي ميزة، والعكس صحيح فهى رآته رجلاً تاماً كاملاً وطاقت وتمنت أن يكون زوجاً لها فكان ولكن بعد عشر سنوات أو أقل أو أكثر من الزواج لم تعد تراه رجلاً ذا مزايا، بل تراه لا شيئاً وترى أن ألف مَن يتمناها غيره، إذن هى بطرت النعمة وبطر هو النعمة، وطبعاً هذه الزيجات فاشلة فتنتهي إلى الفشل وإلى الطلاق، والأكيد والأرجح أنه بعد سنة أو أقل أو أكثر من الطلاق يعضُ أصابع الندم، يندم نَدَامَةَ الْكُسَعِيِّ ولات حين مندم فتكون قد تزوَّجت أو يكون قد تزوَّج بغيرها وانتهى كل شيئ، فالآن يعود يراها أجمل الجميلات وأحسن الزوجات وأفضل النساء ولكن بعد أن ضاع الوقت، والسبب في هذا هو الشيئ نفسه لأنه تكيَّف وطال عليه العهد، وهذا إسمه عمى التأثير أو تحيز التأثير Impact Bias، وأنا أُحِب أن أُسميه تحيز التكيف أو عمى التكيف Adaptation Bias or Blindness، فالتكيف إذن شيئ خطير جداً – علماً بأنني أشرت إليه في خُطب السعادة – خاصة في الحياة الزوجية، ولكن علينا أن ننتبه إلى أن التكيف – كما قلت – له وجوه فهو سيف ذو حدين، فمن وجوه الخطيرة أنه يُبلِّد الإحساس ويُبلِّد الشعور، ومن هنا تقول العامة “كثرة المساس تُبلِّد الإحساس”،
علماً بأن العامة تُصيب وتُخطيء ومن هنا قالوا “القريب من العين قريب من القلب”، ولكن هذا ليس دائماً، فهنا اللاتين كانوا يقولون “أن تكون بعيداً وحبيباً خيرٌ من أن تكون قريباً وبغيضاً”، لأن كثرة القرب – مثل لاتيني من القرن الرابع عشر الميلادي – تُولِّد الازدراء والاستخفاف، فكما قلت هو لم يسترجح النعمة فيشكرها بل استخفها فكفرها، فهذا هو الازدراء والاستخفاف ومن هنا قالوا “كثرة القرب تُولِّد الازدراء”، وهذا المعنى صحيح مائة في المائة، ويُنسَب إلى سيدنا رسول الله – علماً بأنني أشك أن هذا حديث، وعلى كل حال إن كان حديثاً فهو من جهة السند ضعيف، فذكره أبو نُعيم في الحيلة وابن عدي في الكامل في الضعفاء وابن عساكر في تاريخ دمشق، وهذه مصادر للضعف بشكل عام – أنه قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – أزهدُ في عالمٍ أهله وجيرانه، وهذا صحيح إلا ما ندر حيث أنك تجد العالم يأتيه الناس من أسقاع المعمور ومن أطراف الأرض فيُسافِرون إليه جناح الدواب قديماً وعلى جناح الطائرات حديثاً ولكن أهله لا يهتمون به بل يُوشِك ألا يروه عالماً أصلاً، فأهله وجيرانه لا يرون فيه أي مزية وهذه من قلة الحكمة، ومن هنا علينا أن ننتبه إلى أن السبب في هذا ليس فقط لأنه يُلابِسهم في أصابحهم وأماسيهم أو أصابيحهم وأماسيهم ويرونه في جده وهزله لأن هذه الأسباب لا تفعل في الحكماء بل تفعل في الناس العاديين ولا نُقابِل الحكيم بشيئ آخر ولكن نقول أنها تفعل في الناس المعياريين القياسيين – Standard – ولا تفعل في الحكيم، وبغض النظر هل كان مطلوباً من العالم ألا يضحك وألا يهزل وألا ياكل وألا ينام في حين أن الأنبياء كانوا يضحكون ويمزحون ويأكلون الطعام ويمشون فِي الْأَسْوَاقِ ۩؟!
هل أنت تُريد من العالم أن يكون ملاكاً؟!
ومع ذلك تجد مَن يقول بما أن الرجل هذا يأكل ويشرب ويضحك فلن نتأثَّر به ولن نعترف له بأنه من العلماء، وهذا – كما قلت – تفكير الناس العاديين وواضح أنه بعيد من الحكمة، ومن هنا قيل “من شدة القرب الحجاب”، فعوض أن تعرف قدر هذا العالم ومثابته وما يجب له من التوقير والاستفادة منه ومن علومه أنت تذريه وتستخف به وبالتالي يخفى ويغبى عليك هذا كله وتعمى عن مزاياه، ففعلاً إذن من شدة القرب الحجاب، ومن هنا إذا قرَّبت يدك إلى عينك جداً لن تعد ترى شيئاً فعلاً، فيجب أن تُبعِدها قليلاً لكي تتمكن من أن ترى بوضوح، إذن يُقال من شدة القرب الحجاب ويُقال أيضاً المُعاصَرة أصل المُنافَرة، فكونه يعيش في عصرنا يُعَد سبباً لعدم الاعتراف به، فكيف إن كان هذا الرجل يعيش في عصرك وبلديك فيعيش في نفس البلد؟!
كيف إن كان قريناً لك في نفس السن أو في السن نفسه؟!
مُستحيل أن ترى فيه شيئاً.
سنضرب مثلاً على هذا علماً بأن الأمثلة كثيرة جداً طبعاً، من لطيف ما روى ابن عساكر في تاريخ دمشق أن سليمان الأحول لقيَ ذات يومن عكرمة – أي عكرمة البربري تلميذ ابن عباس الشهير – ومعه ابنٌ له، ثم يستحدثه حديثاً فيُحدِّثه بالحديث – طبعاً بإسناده – فيقول له: يا عكرمةُ، يا شيخنا وهل يعلم ابنك من هذا العلم؟!
فقال “لا”،أي أنه سأله عن مدى فهم ابنه لهذا العلم فقال أنه لا يعلم ولا يعرف شيئاً، فهوتائه عن كل هذه الموضوعات، فابني هذا ماحٍ أبيض، ومن هنا استغرب سليمان الأحول وتساءل عن السبب، فقال له: ألم تسمع قول رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – أزهد الناس في عالمٍ أهله وجيرانه ؟!
أي لأن هذا من أهلى فهو لا يراني عالماً ولا مُحدِّثاً بل لا يأبه بي ولا لي.
الإمام الأعظم وشيخ الإسلام في وقته أو شيخ أهل الكوفة على الأقل أبو حنيفة – رحمة الله تعالى عليه وروَّح الله روحه في أعلى جنان الخُلد – نبؤه أروع، فالإمام الأعظم أبو حنيفة أمه لم تكن تقنع بقوله، أي لم تكن تراه عالماً، فإذا عنَّ لها سؤال – فتوى أو سؤال في مسألة علمية – تُحرِّج عليه أن يحملها إلى الفقيه العلَّامة الإمام عمر بن ذر وهو مُجرَّد واعظ ولا أعتقد أنكم سمعتم به من قبل، هذا كان واعظاً وليس إماماً من أئمة العلم بل مُجرَّد واعظ يُرقِّق القلوب لأنه صاحب رقائق مثل مشائخ المنابر اليوم في أكثر البلاد الإسلامية حيث تجدهم يصرخون ويخبطون ويلطمون ويُمزِّقون ولا يفعلون شيئاً أكثر من القصة هذه حيث لا يُوجَد علم وتحقيق وفهم، ومن هنا كانت تقول له أمه “احملني إلى عمر بن ذر الشيخ الإمام لأسأله”، فيحملها على الدابة من باب البر بها ولا يغضب عليها ثم يأتي بها إلى الشيخ عمر بن ذر الذي هو أحد تلاميذ أبي حنيفة الذي تعلَّم منه ولازال يتعلَّم ويجلس في مجالسه فهو يعلم قيمة هذا العلم المُحقَّق الرهيب الصعب المُأصَّل، ومع ذلك يأتي أبو حنيفة بأمه إليه ويقول له “يا شيخ أمي تسألك السؤال الفلاني”، فيقول: يا إمام كيف هذا؟!
أتسألني أمك وأنا من تلاميذك وأنت شيخنا وإمامنا؟!
فيقول له “أبت إلا أن أحملها إليك وأن أسألك”، أي أنها تستحي ومن ثم كلَّفت ابنها أن يسأله، فيقول: ما هو السؤال إذن يا إمام طيب؟!
فيقول له “كذا وكذا”، ثم يقول له: يا إمام كيف الجواب؟!
أي ما هو الجواب؟!
كأنه يقول أنا لا أعرف شيئاً فأنا مُجرَّد واعظ وليس فقيهاً، ومن هنا يُريد الجواب حتي يفتيها، فيقول له “الجواب كيت وكيت وكيت”، فيرفع صوته يقول “سألتني يا أبا حنيفة عن كذا وكذا والجواب هو كيت وكيت”، فترضى أمه وتطيب نفسها وتقول له “بارك الله لك ورضيَ الله عنك لقد سمعنا الجواب من الشيخ العالم”، فّإذن أزهدُ الناس في عالمٍ أهله وجيرانه، لكن علينا أن ننتبه إلى أن التكيف وعمى التكيف لا يقع فيه الشخص الحكيم.
أبو حامد الغزالي في أكثر من كتاب وخاصة في كتابه المُنقِذ من الضلال الذي تُرَجِمَ إلى لغات عالمية أوقفنا ولفتنا إلى أن الحكيم طالب الحق المُحقِّق لا يصرفه عن مُلاحَظة حقية الحق وحقية الحقائق أنها تصدر من مُخالِف أو تصدر من عدو أو تصدر من رجل يُزدرى عليه – أي مزريٌ عليه – لأن هذا لا يهم كثيراً، ومن هنا حتى لو إبليس قال الحق ونطق بالحق نحن سنُوافِق لأن النبي علَّمنا هذا حين قال لأبي هُريرة “صدقك وهو كذوب”، فملعون الشيطان وكذَّاب ولكنه هنا كان صادقاً، ولذا النبي وضع هنا علامة صح وقال لأبي هُريرة “صدقك وهو كذوب” بعيداً عن العصبية والمُعانَدة،علماً بأن آية الكرسي عندها مزية عظيمة في الحفظ من الشياطين، فاللهم احفظنا بحفظك واكلأنا في ليلنا ونهارنا.
الإمام الآلوسي في روح المعاني لاحظ أن الفرق الإسلامية يُوشِك أن يكفر بعضهم مُخالَفةً وكياداً وإغاظةً للآخر المُخالِف وقال “يا لله، يا لله للدين ولعباده المسلمين”، أو كما قال: أإذا قال المُعتزِلة “لا إله إلا الله” كفرنا؟!
أي أنه يقول أنهم مُعتزِلة وأنت – مثلاً – سُنياً وتُريد أن تُخالِفهم في كل شيئ، ولكنهم من أهل لا إله إلا الله، فهل معنى هذا أنك سُتخطيء في التوحيد وتكفر لكي تُغيظ المُعتزِلة؟!
فالإمام الآلوسي لاحظ من الفرق الإسلامية أنهم يُحاوِلون أن يُخطِّئوا وأن يُعانِدوا المُخالِف في الصغير والكبير وهذا لا يجوز، فالحق حين يظهر على لسان أيٍ كان نقول له “أصبت وأحسنت”، وإن أظهره تخطئةً لنا وتقويماً وعلمنا أنه نطق بالحق وقوَّم بالصدق قلنا له “صدقت وأحسنت ما شئت ونعشك الله بالحق كما نعشتنا”، فهذا هو المُؤمِن وهذه هى صفة المُؤمِن المُتواضِع لله الذي يعلم أن الله قال وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ۩ وقال أيضاً وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ۩، ولا مُشكِلة في هذا، فلا يُوجَد رجل يُسمى بشيخ العلماء ولكن الجميع لابد وأن يتعلَّم، إذن – كما قلنا – أزهد الناس في عالمٍ أهله.
سنتحدَّث الآن عن أبي الفرج بن الجوزي ولكن قبل أن نتحدَّث عنه سنبدأ بالإمام أبي محمد بن حزم – رحمة الله عليه – وفقاً للترتيب، وأين ابن الجوزي على أنه على الرأس والعين من أبي محمد بن حزم؟!
ابن حزم إمام لا يُشق له غبار ومن ثم حُقَّ للمسلمين أن يُفاخِروا به الدنيا فهو مفخرة من مفاخر هذه الأمة المُوحِّدة وأعجوبة – والله – من أعاجيب الدهر.
أبو محمد بن حزم كان لا يُؤبَه به كثيراً في بلدته بل ويُعادى ويُنصَب له العداء، فلا يرونه شيئاً كبيراً ويرون أشياخاً أصغر منه بمراحل فلكية في بلاد أخرى خاصة بلاد المشرق ويقولون عنهم أنهم أئمة ومشائخ على عكس إمامهم ابن حزم الذي يعيش معهم في نفس البلدة ولذلك كتب قصيدة ماتعة مألومة عن هذا، وهى قصيدة تنضح بالألم وتطفح بالأسى يقول – رحمة الله تعالى عليه وروَّح الله روحه – فيها:
ﺃﻧَﺎ ﺍﻟﺸَّﻤﺲُ ﻓِﻲ ﺟَﻮّ ﺍﻟﻌُﻠُﻮﻡِ ﻣُﻨِﻴﺮَﺓٌ ﻭَﻟَﻜِﻦَّ ﻋَﻴﺒِﻲ ﺃﻥَّ ﻣَﻄﻠَﻌِﻲَ ﺍﻟﻐَﺮﺏُ
أي أن عيبي أنني أندلسي طلع من الغرب ولم يطلع من أي بلد في الشرق مثل مصر والعراق والشام، ومن ثم لا يعتبرونني شمساً للعلوم.
وَلَوْ أَنَّنِي مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ طَالِعٌ لَجَدَّ عَلَى مَا ضَاعَ مِنْ ذِكْرِيَ النَّهْبُ
أي لو أن مطلعي كان من الشرق لعُرِفَت كل مزاياي ولعدَّدوها، ولكن عيبي أنني أندلسي من الغرب، فأهلُ الغرب لا يأبهون بي ولا يرون لي حقاً ولا يقرون لي بفضلٍ .
وهذا هو ابن حزم، أما ابن الجوزي فأتى بعده ولكن ليس بكثير، أي بزُهاء مائة سنة وأزيد بقليل، وكان يشتكي أيضاً- رحمة الله تعالى عليه – أهل العراق على أن الخليفة وأم الخليفة كانوا مِمَن يحضرون مجلس وعظ ابن الجوزي الذي كان يحضره مئات الألوف، لكن بشكل عام طلَّاب العلم والعلماء الكبار لا يعترفون به ويضعون من قدره ويقولون عنه “مُجرَّد واعظ” وهو في حقيقة الأمر مُؤلِّف وأديب وواعظ ومُحدِّث ومُفسِّر ومُؤرِّخ، فكان أعجوبة – رحمة الله عليه – أيضاً، ومع ذلك يقول:
يرون العجيبَ كلامَ الغريب وقولَ القريب فلا يُعجب
علماً بأن العجيب لا تعني الغريب ولكن الكلام الذي يُثير الإعجاب ومن ثم يجب أن ننتبه إلى هذا المعنى، فالمُعجِب أو الكلام المُعجِب هو الذي يُثير الإعجاب والتقدير، ومن هنا يُريد أن يقول أن الرجل لابد وأن يكون غريباً وليس من أهل البلد حتى يُمدَح، أما إذا كنت قريباً لهم ومن أهل البلد فلا يُعجِبهم قولك، فهذا هو معنى قوله “وقولَ القريب فلا يُعجب”، تماماً كما تقول العامة “زمَّار الحي لا يُطرِب” على الرغم من أنه زمَّار – Piper – جيد ويعرف الزمر على أحسن ما يكون ولكنه لا يُطرِب، فالعيب ليس فيه ولكن السبب هو أن أهل البلد يعرفونه، ولذلك علينا أن ننتبه إلى أن الإنسان هو هذا الكائن الجحود، فهناك مئات التعريفات للإنسان ولكن من ضمنها تعريف لديستوفسكي Dostoevsky عرَّف فيه الإنسان قائلاً “الإنسان هو الكائن الجاحد الماشي على قدمين”، أي أن الإنسان في جوهره كائن جاحد، وهذا التعريف في جوهره قرآني حيث قال الله إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ۩، أي أن الإنسان كَفَّارٌ ۩بالنعم، فأكبر كائن جاحد هو الإنسان، ثم “سلّ نفسك وواسها عن جحد الجاحدين نعمتك وإنكارهم فضلك بأنهم أسبق إلى جحد نعمة الله وفضله” أي أنهم يجحدون نعمة الله وبالتالي سيكون أمراً طبيعياً أن يجحدوا نعمتك بعد حين قد يطول أو يقصر فأنت بشر مثلهم، لذا ديستوفسكي Dostoevsky يقول “الإنسان هو الكائن الجاحد الماشي على قدمين”، أما السري الرفاء فيقول “فالمَنْدلُ الرطْبُ في أوطانه حطَبُ”، علماً بأن المندل هو نوع من النباتات والعود طيب الريح جداً، ولكنه يقول أن هذا المندل في أوطانه وحيث يكثر تعده الناس تعده نوعاً من العيدان على الرغم من أنه في البلاد الأخرى يُباع بأثمان – ما شاء الله – باهظة لكن في بلده لا يُعرَف له قيمة.
قال الشاعر:
لا عيب لي غير أني من ديارهم وزامر الحي لا تشجي مزامره
أي أن لا عيب فيّ غير أنه من أهل بلدتهم، وهذا مثل قولهم “زمَّار الحي لا يُطرِب”.
إذن هذا هو عمى التكيف الذي يُفشِل علاقتك بالله ويُفشِل علاقتك بزوجتكَ – أي بزوجكَ – ويُفشِل علاقتكِ بزوجكِ ويُفشِل علاقتكَ بأبنائكَ ويُفشِل علاقتكَ بوالديكَ وبأبيكَ وأمكَ، فلا ينبغي لك أن تتكيَّف في هذه الشؤون والسياقات، حاذر من هذا وحاول دائماً أن تُحارِب هذا التكيف، ومُحارَبة التكيف تكون بالحكمة، فعليك أن تُحارِبه إذن لا تُصاب بعمى التكيف، علماً بأنه يُوجَد سبب آخر من أسباب العمى غير سبب التكيف فنحن كائنات مُتكيِّفة ومن ثم علينا أن ننتبه إلى هذا، نحن نتكيَّف مع أي شيئ حتى ولو كان الموت، فترى المرء أو ترى الرجل بعد سنتين وأحياناً بعد سنة من وفاة ابنه وحيده أو ابنها وحيدها تضحك ويضحك ويأكل ويشرب ويُمارِس حياته، وطبعاً هو كان يظن وهى كانت تظن وأنا أظن – نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، اللهم عافنا بفضلك ومنّك، ما سُئل الله شيئاً أحب إليه من العافية – وأنت تظن أنك – لا قدَّر الله وأبعد الله عني وعنكَ المحنة – إن فقدت ولدك الوحيد أنك ستموت ولن تعيش بعده، ولكن حين حصل عشت، وبعد حين من الدهر يطول أو يقصر بحسب طبيعة البشر سوف تُمارِس حياتك بشكل طبيعي.
الباحث مشهور جداً جداً جداً في علم التكيف بريكمان Brickman – فيليب بريكمان Philip Brickman – في أوائل السبعينيات كان يظن أن البشر بعد حين يعودون كلهم إلى سوية انفعالية مُعيَّنة – Emotional Normality – ولكن بيِّنَت الأبحاث اللاحقة بعد ذلك وهى أبحاث أدق طبعاً وأكثر منهجيةً أن البشر يعودون إلى سويات وليس إلى سوية واحدة، وذلك لأن عند كل واحد منا نُقطة اعتدال أو نُقطة حياد – نُقطة حيادية – أو نُقطة اتزان أو حيادية انفعالية تختلف عن نُقطة الآخر، فنُقطتك تختلف عن نُقطتك ونُقطتي تختلف عن نُقطتها وهذا هو الصحيح، لكن في نهاية المطاف كلنا نعود إلى سوياتنا، أي أن لكلٍ منا نُقطة توازن أو حيادية انفعالية لابد وأن يعود إليها وهذا من رحمة الله طبعاً، وهناك أثر جميل جداً – علماً بأنني لا أُصحِّحه فلعله يكون أثراً إسرائيلياً بل هو أثر إسرائيلي، ولكنه أعجبني لأن المعنى سليم فلا تعترض علىّ بخُطبة الضلع لأنني أحكي الأثر فقط دون أن أُصحِّحه، لكن الذي ألَّف هذا الشيئ كان واعياً بهذه النُقطة النفسية العميقة – يقول “حين خلق الله – تبارك وتعالى – آدم قالت الملائكة يا رب هكذا يمل ويسأم، أي أنه يعيش كطرزان في الغابة وحده، فقال الله أخلق له زوجاً، فخلق حواء، فأصبح هناك آدم وحواء ولكنهما سوف يملان أيضاً لأنهم لا يرون إلا بعضهم البعض ومن ثم سيقع الملل، فقال الله سوف أخلق لهما الذرية، أي واحد من واحد وواحد من واحد – قال الله في سورة حم، أي الشورى يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ ۩ – فقالوا تضيق عنهم الأرض، أي أن الأرض ستمتليء، فقال إني جاعلٌ موتاً، فقالوا لا يهنأهم العيش، أي لا يهنأهم العيش بسبب الموت حين يفقد أحدهم ابنه أو ابنته، فقال إني جاعلُ نسيانَ”، لو كان الذي ألَّف هذا الأثر يعيش في العصر الحالي لقال إني خالقٌ تكيفاً Adaptation أو النسيان، فعلينا أن ننتبه إلى أن النسيان ضرب من التكيف، فأنت تتكيَّف بفعل بعض العوامل، وأهم العوامل المُؤثِّرة في التكيف هى النسيان طبعاً، فأنت تُحاوِل ان تنسى ما أحزنك ولو كان نسياناً جزئياً وليس تاماً أو شاملاً، فالنسيان أو التناسي إذن ضرب من ضروب التكيف أو آلية من آلالات التكيف طبعاً، فإن لم تنس فعليك أن تتناسى أو تتغافل وهكذا، فقوله “إني جاعلٌ نسيانَ” يُعَد كلاماً حكيماً وعميقاً، علماً بأن الترمّل أو التطلّق من أصعب الأمور أيضاً تكيفاً، فليس سهلاً طبعاً على الإنسان أن يفقد زوجته أو أن تفقد زوجها، ولكن عموماً الأبحاث تُشير إلى أن خمس سنوات غير كافية للمُترمِّل أو المُطلَّق ليعود إلى حالته الحيادية لأنه سيظل مُتأثِّراً سلباً وليس إيجاباً بما وقع له، وعلمياً يصل عدد سنوات التأثر هذا بغض النظر عن نوعه إلى ثماني سنوات في المُتوسِّط، أي يلزم المُطلَّق ثماني سنوات لكي يعود إلى سويته النفسية ولذلك قبل أن تُطلِّق فكِّر كثيراً لأن هذه الخُطوة لن تكون نُزهة جميلة جداً، سوف تختل أوضاع كثيرة في حياتك وسوف تتعب نفسياً واجتماعياً طبعاً، فأنت في حاجة إلى ثماني سنوات حتى تعود إلى السوية الانفعالية وتُجدِّد اكتشاف معنىً للحياة يجعلها تستحق أن تُعاش ببهجة وبسعادة، وهذا كثير جداً ولكنك في نهاية المطاف سوف تتكيَّف ولو بعد ثماني سنوات، وهذا المعنى فيه شيئ مؤسٍ ومُحزِن ولكنه جميل، وهذا الشيئ أُعبِّر عنه بكلمة واحدة وهى أن الحياة لا تتوقَّف، فإذا فهمت معنى أن الحياة لا تتوقَّف – صدِّقني – سيكون هذا أحد العوامل الحافزة والمُساعِدة لكي تعمل لنفسك بصدق، ومعنى أن تعمل لنفسك بصدق أن تُحسِن عبادة الله – تبارك وتعالى – وأن تُحسِن التقرّب من الله وأن تُحسِن التودد إلى الله، لا تُضِع حياتك فقط في العمل للناس والتودد للناس وطلب وجه الناس وطلب المدحة والمقام والسُمعة عند الناس، صدِّقني الأمر لا يستأهل كل هذا، فحتى لوأصبحت زعيماً ففي نهاية المطاف الزعماء يموتون والعلماء يموتون والأجواد من الأغنياء يموتون والسوقة والعامة يموتون وكل أحد سوف يموت، فحتى لو قدَّرت أنك ستُصبِح زعيماً عظيماً لبلدك وستُحرِّر فلسطين ففي نهاية المطاف ستُحرِّرها وستمون أيضاً، وحين تموت – صدِّقني – سيبكون عليك لمدة يوم أو يومين وسيُعلِنون حداداً قد يصل إلى أربعين يوم ولكن بعد خمس أو ست سنوات سيقل مَن يذكرك، ستُذكَر في المُناسَبات وسيُقال “الذكرى الخمسية الأولى لموت الزعيم” بل سيأتي بعدك زعيم آخر وسيُصفَّقون له ويُرقَصون ويُهلَّلون، فكما يُقال “الناس ترقص للقرد في دولته”، أما أنت فقد ذهبت ودرجت.
عملوا تجربة على تحيز التأثير – Impact Bias – ووضح شيئ غريب حيث أن الناس لا يُحسِنون تقدير مدى انفعالهم سلباً وإيجاباً بإزاء خيارات وقرارت كثيرة، بمعنى أنهم – مثلاً – يقولون لك “لو فاز المُرشَّح الفلاني سوف نُدمَّر وسوف تُدمَّر البلد وسيضيع الوطن والدين وستكون مُصيبة المصائب، فإياكم أن تعملوا على أن يفوز وإلا انتهى كل شيئ” ويفوز المُرشَّح الثاني ولكنهم بعد قليل يقولون لك “والله الخيرة فيما اختاره الله يا أخي، الوضع لا يزال سليماً، وما أدرانا ما الذي كان سيحدث لو فاز ذاك”، أي أنه يُوجَد شيئ من التنطّع الديني والأصولية، علماً بأنني أتحدَّث عن تجارب وليس عن افتراضات من عندي، وإنما عن تجارب علمية في هذا الموضوع بالذات الذي يتعلَّق بفوز مُرشَّح سياسي آخر غير مرغوب فيه، فالناس يتقبَّلون هذا ولا تقف الحياة، وكذلك أنت قد تقول “إن لم أحصل على هذه الترقية وقد بذلت ما لم يبذله من الجهود سائر المُوظَّفين سوف أتحطَّم وسأُدمَّر”، ولكنك لا تحصل عليها بل ويحصل عليها مَن لم يبذل شيئاً، ستمر فترة بسيطة ثم تتكيَّف وستقول “وضعي هذا أفضل وأحسن لأنه عمله يُعَد مُرهَقاً جداً جداً وربما علاقته مع الأعلى في السلم الوظيفي جعلته حتى مُذَلَّاً ومُهاناً، أما أنا فوضعي أفضل لأنني مع إخواني ومع أحبابي”، إذن الإنسان يتكيِّف أكثر مما يظن ومن هنا يقول العلماء “نحن نُسيء تقدير صلابتنا”، أي أننا لا نعرف كم نحن صلاب شداد أقوياء ومن ثم نستطيع أن نتجاوز المحن بشكل عادي ومُمكِن جداً، ولكننا نُسيء هذا التقدير ودائماً ما نُسارِع بالقول أننا سوف نتحطَّم ونذوب ونُستهلَك ولكن حين يحصل ما كنا نخشاه لا نتحطَّم ولا نذوب ولا نُستهلَك.
يقول العلماء أنك قد خبرت قبل ذلك الامتحان امتحانات ومحناً كثيرة واجتازتها – ما شاء الله – بعلامات عالية، فلماذا لا تزال مُصِرَّاً على تقدير درجة تحملك وصلابتك؟!
هذا هو الإنسان الذي دائماً ما يعمى عن التقدير السليم حتى ولو كان لنفسه، فكيف يكون تقديره للآخرين إذن؟!
إذن تحيز التأثير مُهِم جداً وهو أحد أسباب العمى عن تقدير الأشياء تقديراً دقيقاً،
وهناك شيئ آخر إسمه تحيز التركيز أو عمى التركيز أو وهم التركيز Focusing Illusion، فما معنى وهم التركيز؟!
العالم كاهنمان Kahneman – دانييل كاهنمان Daniel Kahneman أو دان كاهنمان Dan Kahneman – الحائز على جائزة نوبل Nobel في السيكولوجي Psychology مِن أكثر العلماء الذين تحدَّثوا عن وهم التركيز أو عن عمى التركيز وله أبحاث طويلة في هذا الصدد، ويرى كاهنمان Kahneman أن السبب في عمى التركيز أو وهم التركيز أو ضلال التركيز أنك حين تحكم على أي شيئ أو تجترح قراراً في أي مسألة تُركِّز على جانب وتعمى عن سائر الجوانب، وهذا يعود إلى طبيعة الإنسان الضعيفة، فالإنسان لا يستطيع إلا أن يكون كذلك لأن ليس لدينا منظورات كلية لنفعل هذا، ومن هنا الله وحده الذي يرى كل شيئ من جميع الجوانب، ولذلك الحكم العدل وحده هو الله، فلا يُوجَد مَن هو عدل بالمُطلَق حتى ولو كان نبياً، هذا مُستحيل ومن هنا كان النبي يعرف أشياء ويجهل أشياء وهو الذي قال “وإنما أقضي على نحو ما سمعت، فمَن قضيت له بحقٍ هو لأخيه فإنما أقطع له قطعة من النار، فليأخذها إن شاء أو فليدعها”، أي كأنه يقول لك أنا ليس حكماً عدلاً أو مُطلَقاً بل الله هو العدل المُطلَق، أما أنا فأقضي وفق الشريعة على نحو ما أرى وأعلم ولكنني لا أعلم كل الأشياء، وكذلك الحال مع سائر البشر، ونحن من هؤلاء البشر الضعاف المحدودين النسبيين وبالتالي نحن نرى شيئاً ونعمى عن سائر الأشياء، فأحياناً في القرار السلبي نرى فقط الجانب السلبي وفي القرار الإيجابي نرى فقط الجانبي الإيجابي، فحين تذهب إلى خِطبة فتاة يُعجِبك – مثلاً – شكلها الظاهري فأنت تُركِّز على هذا الجانب فقط، علماً بأنه علينا أن ننتبه إلى هذه النُقطة التي تختص بالرجال للأسف الشديد ولن نقول بالذكور، فالرجل أكثر شيئ يُؤثِّر فيه للأسف في المُتوسِّطات هو الشكل الظاهري، فقد يتقدَّم لخطبة فتاة لأن شكلها الظاهري يُعجِبه جداً، ولكن أين الحسب والنسب والدين والأخلاق يا رجل؟!
هذه الأشياء لا تهمه وليس لديه مُشكِلة فيها، ومن ثم يقول لك هى تُصلي وتضع نصف طرحة ولكن أهم شيئ أنها جميلة، لأن المظهر الخارجي يُؤثِّر كثيراً في الرجال، أما النساء فهى أقل تأثراً بالمظهر الخارجي ومن هنا النساء تكون – سُبحان الله – أكثر عقلانية منا النساء، وقال لك “ناقصات عقل ودين”، فليس دائماً أن النساء ناقصات عقل، فنحن أصبحنا ناقصي عقل بهذا الترديد الببغاوي للنصوص، فعلينا أن نفهم أنهن لسنا كذلك دائماً بدليل أنهن في مثل هذه القرارات أعقل منا بشكل عام وبالتالي نحن أقل عقلاً منهن في هذه الجُزئية، وبالتالي عليك ألا تنظر إلى الجمال الحسي الظاهري فقط لأن هناك جوانب أُخرى مثل أن تكون الثقافة مُناسِبة وأن يكون التعليم مُناسِباً وإلا لن تجد معها بعد ذلك الأنس الفكري والتجانس، سوف تتحدَّث معاها وهى لا تفهم شيئاً لأنهم غير مُثقَّفة، وستذكر لهذه المسكينة مُصطلَحات وأشياء وسوف تهز رأسها وهى لا تفهم شيئاً وبالتالي ستبدأ تغضب منها على الرغم من أن هذا ليس ذنبها وإنما ذنبك أنت لأنك آثرت أن تأخذها وهى حاصلة على ثانوية أو إعدادية فقط ولم تأخذ فتاة حاصة على مُؤهِّل جامعي، ولذلك يُضرَب المثل بالذات في هذا الموضوع بما يُسمى في علم النفس بمُغالَطة الجنة Paradise Fallacy، فمُغالَطة الجنة تعني أنك تجترح قراراً بناءاً على رؤية جانب أو جوانب مُحدَّدة فقط وتُغفِل سائر الجوانب أن تنظر إليها وأن تعتبرها، ثم تكتشف هذا وبالتالي تشعر أنك وقعت في ورطة، وأول أو أشهر مثال على الجنة الزائفة أو مُغالَطة الجنة هو الحب من أول نظرة، فيقول لك أحدهم أنه رأى فلانة وأعجبته ووقع حبها في قلبه من أول نظرة، على الرغم أن المرء من خلال أول نظرة لن يقع إلا على الجمال الحسي فقط وهذا غير كافٍ، وهناك مثال آخر على مُغالَطة الجنة الزائفة أو في مُغالَطة الجنة وهو أنك قد تشتري بيتاً لأنه أعجبك بسبب كثرة مرافقه ولأنه واسع جداً ومُجدَّد أو جديد فلم يُبن أصلاً إلا من ثلاث سنوات فضلاً عن أن ثمنه مُمتاز ولكن هذا غير كافٍ، فأنت لم تنظر – مثلاً – إلى موقع المنزل – Location – وهو شيئ مُهِم جداً جداً جداً ولم تنظر إلى المُواصَلات خاصة لو لديك أولاد وبنات يذهبون إلى الجامعة والمدرسة وإلا سوف تُدمِّرهم في المواصلات التي قد تستغرق منهم ما يقرب من ثلاث أو أربع ساعات يومياً، وهناك معايير أُخرى ينبغي أن تنظر إليها مثل الجيران ومدى الوثوق بهم وما إلى هنالك، وهذا يُفضي بنا الآن إلى الحديث عن شيئ آخر إسمه عمى التغيير Change Blindness، فما هو عمى التغيير إذن؟!
في تجارب طبعاً لدان سيمونز Dan Simmons في هذا المجال وذلك لأن سيمونز Simmons يُعَد أستاذاً رائداً فيه، وأعتقد أن كلكم تقريباً شاهد تجربة الغوريلا Gorilla التي تعبث في ملعب كرة السلة، فالبطل في هذه التجربة هو دان Dan – أو دانيال Daniel – سيمونز Simmons الذي أحضر فريقاً لكرة السلة وطاب منهم أن يرتدوا الفانلات البيضاء، وأحضر فريق آخراً – أي الخصم – وطلب منهم أن يرتدوا الفانلات السوداء، وطلب من المُشارِكين في التجربة أن يحسبوا عدد مرات تمرير كرة السلة من الفريق الأبيض، فرأى الناس ذلك وقالوا العدد، ثم سألهم عن أنهم لاحظوا شيئاً غير عادي أو غير مُعتاد Unusual، فقال نصف العدد على الأقل أنهم لم يروا شيئاً ومن ثم أعاد الفيلم لهم وأظهر لهم أن كان هناك رجلاً يرتدي لباساً أسوداً بشكل كامل على هيئة غوريلا Gorilla، وكان هذا الرجل يتراقص بين الفريقين ويُلوِّح بيده للكاميرا Camera ثم اختفى في الكواليس، فحين رآوا ذلك صُعِقوا وقالوا نحن لم نر هذا إلا الآن، علماً بأن هذا طبعاً له علاقة بالتركيز، فأنت كإنسان ركَّزت على شيئ ولم تُركِّز على شيئ آخر ومن ثم أُصيبت بالعمى، فلو أنك قرَّرت – مثلاً – أن تشتري سيارة فورد Ford سوف ترى أن الدنيا كلها مُمتلئة بالسيارات الفورد Ford، وستستعجب من هذا وتقول أنك لم تر في شوارع فيينا فورد Ford من قبل لأن كل السيارات كانت مرسيدس Mercedes أو بي أم BM، فكيف امتلأت الدنيا بالفورد Ford يا ربي؟!
فأنت الآن ترى أن كل السيارات ماركة فورد Ford لأنك قررت أن تشتري فورد Ford وبالتالي سترى أن هذه الماركة مُنتشِرة بكثرة في العالم علماً بأنك كانت موجودة أصلاً فهى لم تزدد من أجلك ولكن أنت لم تكن تُعنى بها فلم تُركِّز عليها!
في فيلم له علاقة بتجربة سيمونز Simons كان في عام ألفين وستة إسمه ما وراء الدعوى Beyond the Call علماً بأن الذي كتبه وأخرجه هو أدريان بيلك Adrian Belic فكان هو الكاتب والمُخرِج معاً، البطل أو أحد أبطال الفيلم كان إسمه روبرت Robert وكان يُشاهِد فريق كرة قدم من كمبوديا وكانوا يلعبون بطريقة مُمتازة وقوية لكن لفته شيئٌ عجيب وهو فعلاُ شيئ يُثير الإعجاب حيث أن أحد اللاعبين كان لديه رجل واحدة ومع ذلك كان يلعب كرة قدم ويُسدِّد الضربات، فاستغرب من هذا جداً ثم تمَّ عجبه حين لاحظ أن كل أعضاء الفريقين بساق واحدة، فهو لم يُلاحِظ هذا في الأول لأنه لم يكن يتوقَّع هذا، ومن ثم أنا أدعوكم لمُشاهَدة هذا المقطع العجيب من هذا الفيلم.
نأتي الآن إلى مثال أكثر دقة للتعبير عن عمى التغيير ضمن تجربة أجراها سيمونز Simons وشركاؤه حيث قال لك “جرِّب – وهو فعل هذا ونجح – أن تذهب إلى الاستقبال – Reception – في أي فندق – Hotel – وسوف تجد أن مُوظَّفة الاستقبال – Reception – ترتدي نظَّارتين وشعرها أشقر ومُتوسِّطة الطول وأن
الزبائن أو العملاء أو الضيوف النازلون لن يُلاحِظوا أن هذه المُوظَّفة سيتم استبدال غيرها بها – علماً بأن الباء تدخل على الشيئ المتروك المُستبدَل – حين تنزل إلى أسفل لتلتقط قلم وقع منها على الرغم من أن هناك اختلافات كثيرة بين المُوظَّفتين وإن كان يُوجَد في الجُملة قواسم مُشترَكة تتعلَّق بالطول وبارتدء النظارة وبلون الشعرها الذي غالباً ما يكون أشقراً لكن في نهاية المطاف هذه شخصية أخرى، ومع ذلك مُعظم العملاء لن يُلاحِظوا هذا التغيير، وكذلك الحال مع الرجال فمُعظَمهم لم يُلاحِظ مُطلَقاً هذا ولم يضعوا أي احتمال لهذا وهذا شيئ غريب”.
هذا هو ما يُسمى بعمى التغيير، أي أنك تعمى ولا تُلاحِظ التغيير وهذا شيئ خطير جداً علماً بأننا جميعاً لدينا عمى التغيير ولكن على مُستويات مُختلِفة، والسبب فيه أن البشر كُسالي ويميلون تسهيلاً على أنفسهم أن يهدروا التفاصيل، فنحن كائنات كسلانة وعلى الرغم من أن عقولنا ضخمة وقوية إلا أنها محدودة أيضاً ولا تستطيع أن تتعاطى مع التفاصيل في كل شيئ وخاصة في الأشياء التي لا تهمنا بشكل مُباشِر ووقتي وآني، ولذلك نُهدِر كل هذه التفاصيل ونتعاطى مع الآخرين أو مع الوقائع بمنطق بمنطق التفييء، أي أننا لا نتعاطى مع الأشياء على أنها آحاد وأشخاص وكل شخص لديه فرديته واستقلاله ومزاياه وإنما على أنهم فئات، ومن ثم أنت في هذه الحالة أنت لم تتعاط مع هذه المُوظَّفة على أنها المُوظَّفة الفلانية ذات الخصائص الفلانية لأن هذا لا يهمك، ولكن تعاطيت معها على أنها مُوظَّفة استقبال لأن هذا هو المُهِم بالنسبة لك، أما ما يتعلَّق بشكلها وبلباسها فلا يهم بالمرة ولكن المُهِم هو أنها ضمن فئة – أي Category بالإنجليزية و Kategorie بالألمانية – إسمها ” فئة موظفو الاستقبال”، ومن ثم سيقول لي أحدكم أن هذا هو بالضبط الذي نُمارِسه نحن اليوم كمسلمين ولكن على نُطق مُختلِفة وواسعة وخطيرة وكارثية ما أدي إلى وجود الكثير من الكوارث التي نعيش فيها، فيقول – مثلاً – الواحد منا هذا سُني وهذا شيعي، وحتى إن قلت له يا رجل هذا شيعي ولكنه يُحِب الصحابة سيقول لك لا يهمني هذا، ففي العراق وفي غير العراق يُقتَل المرء على إسمه، فإذا كان إسمك عمر سوغ يقتلك الشيعي وإذا كان إسمك عليّ أو حسين سوف يقتلك السُني وهذا شيئ مُرّعِب، فحتى لو قلت لهذا القاتل يا رجل هذا إسمه عليّ ولكنه يُحِب أبا بكر وعمر مثلما كان عليّ – عليه السلام – الحقيقي يحبهم سيقول لك هذا لا يهمني، علماً بأن هذه التصنيفات لا تقتصر على السُنة والشيعة فقط فنحن نقول هذا سُني وهذا شيعي وهذا عربي وهذا غير عربي – علماً بأن هناك أُناس لديهم مواقف من العرب – وهذا كُردي وهذا غربي وهذا شرقي، الغربيون – مثلاً – يُقتَلون في البلاد العربية خاصة في المُنتجَعات وفي الفنادق – Hotels – بحُجة أنهم غربيون، حتى وإن قلت له أن هذا الغربي أتى من لندن وهى العاصمة الوحيدة في العالم التي خرجت فيها أكبر مُظاهَرة مليونية في العالم ضد الحرب على العراق سيقول لك هذا لا يهمني، المُهِم عندي أنه غربي Western.
إذن نحن نتعامل بطريقة الفئات، وبالتالي قد نجد أشخاصاً – مثلاً – عندهم موقف من النساء فيقول لك أحدهم أن هذه امرأة ومن ثم سوف يتخذ موقفاً ضدها، وحتى إن قلت له أن أمك امرأة وأن هناك نساء النبي ومريم وآسية وغيرهن فلن يقتنع على الرغم من أن هذه المرأة مُختلِفة وذلك لأنه كان هذا الرجل المغدور، أي كان زوجاً مغدوراً أو خطيباً مغدوراً فلديه تجربة صعبة مع النساء ومن ثم أخذ موقف من جنس النساء وهذا غير صحيح، لكن هذا الحال يحدث أيضاً مع بعض النساء حيث تتخذ إحداهن موقفاً من كل الرجال وتسبهم وتدّعي أن ليس لديهم أمان، وهذا غير صحيح فليس كل الرجال كذلك بل أن مِن الرجال مَن كانوا أنبياء ونحن رجال وفينا الخير أيضاً، أي أن ليس جميع الرجال غدرة وفجرة فهذا عيب، ولكننا هكذا اعتدنا على أسلوب الفئات Categories.
الآن أُريد أن أختم بالخُلاصة أو بالدرس الذي أُريد أن أُمرِّره عبر هذا الكلام، وهو درس بليغ وبالغ الأهمية إن شاء الله تبارك وتعالى، فإذا أدركنا كبشر عبر العلم وعبر الدين وعبر الوقائع وعبر تجاربنا المعيشة أننا فعلاً نُعَد بشراُ قاصرين وضعفاء وليس عندنا القدرة أو الاستعداد والرغبة أن نخوض وأن نغرق في بحر من التفاصيل في أمور لا تهمنا لتخفَّفنا من الكثير من مشاكلنا، ولذلك أنا أستغرب من الذي يقول أن ليس لديه استعداد أن يفتِّش في كل تاريخ الشيعي العقدي والمسلكي ليعرف مدى قربه أو بُعده من أهل السُنة ولكن عنده استعداد أن يقتله، فأنا أقول له “خيَّبك الله”، وكذلك الحال مع مَن يقول أن ليس لديه استعداد أن يُفتِّش في فكر الوهابية السُنة الملاعين الوحوش لكن عنده استعداد كشيعي أن يقتلهم فقط، ومن هنا أقول له “خيَّبك الله” لأنك أخيب من أخيك.
الدرس إذن هو أنه ينبغي عليك كإنسان أن تبدأ من هذه النُقطة مُعترِفاً بقصورك وبضعفك وبنسبيتك وبمحدوديتك لأن هذا شيئ جيد، لكن الذي ليس جيداً بالمرة وعلى طول الخط هو أنك تتعاطى وتتعامل وتسلك وتنشط كإله يتمتَّع بالعلم المُطلَق وبكلية القدرة ومن ثم تتصرَّف على هذا الأساس، أنت لست كذلك لأنك انطلقت من مُنطلَق وسلَّمت به يُفيد بأنك ذلك الكائن الضعيف الذي لا يُحيط علماً بكل شيئ ولا يقدر ولا يستعد ولا يرغب في أي تفاصيل وهذا شيئ جميل جداً جداً جداً وبالتالي عليك أن تسلك بناءاً على هذا، فحين يُطلَب منك أن تحكم في شيئ لا علاقة لك به قل: الله أعلم، أنا لست مُتخصِّصاً في هذا لأنني لم أدرس الفرق والأديان والمذاهب، فلماذا أحكم إذن؟!
حتى وإن قيل لك “هؤلاء كفّار يا رجل” فعليك أن تقول: لست أنا الذي أُكفِّر، أنا لست شيخ الإسلام أو علّامة هذا العصر لأفعل هذا، فكيف تطلب مني أن أُكفِّر فرقة كاملة من فرق المسلمين تعد بالملايين أو بمئات الملايين؟!
أهل السُنة – مثلاً – مئات الملايين، والشيعة أيضاً ملايين وقد يكونون أيضاً بالمئات، فمَن قلَّل عددهم قال أنهم وصلوا إلى مائة وعشرين مليون ومَن بالغ قال أنهم وصلوا إلى أربعمائة مليون وفي هذا مُبالَغة واضحة طبعاً، لكن على كل حال هم بالملايين، فكيف لديك يا رجل الاستعداد والجرأة والجسارة وعدم الخوف من الله وعدم التحسب لآخرتك لتحكم على هذه الفرق كلها بأنها كذا وكذا مع إقرارك بأنك لست من أهل التخصّص وأنك لم تدرس ولم تعرف ولم تُحقِّق؟!
ما القضية إذن؟!
ما الذي يحصل؟!
هذا نوع من التألّه الزائف، فالواحد منهم يلعب دور الإله وهو مُعترِف بمُقدِّمات إنسانية مُغرِقة في الإنسانية وفي الضعف البشري وفي المحدودية وفي المشروطية البشرية، فلماذا تلعب هذا الدور إذن؟!
قبل أيام – والله العظيم – سمعت أحدهم يصف شعباً كاملاً بالملايين بأنهم نصَّابون شحَّاذون، وهو رجل فاضل أو شخصية فاضلة ويُصلي ويصوم تطوعاً ويقوم الليل، فقلت له: يا رجل أما تتقي الله؟!
ويعزّ علىّ جداً هذا ولكن يعزّ علىّ أنه يدخل جهنم طبعاً وأن أسكت والله سائلي، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولكن عليك أن تنتبه إلى ضرورة أن تكون وديعاً وأن تقول النصيحة بشكل لطيف جداً جداً جداً وأن تتودَّد إليه بأسلوب طيب، فلا يجوز لك أن تفعل هذا بالسيف، وهكذا فعلت معه بشكل طيب واقتنع – الحمد لله – مُباشَرةً وأعلن توبته وتاب إلى الله وهذا سرَّني لأنني أُحِبه، ولكن ذلك بعد أن قلت له: هل تعلم أن صلاتك وقيامك لليل من سنين طويلة وكل ما تفعله من خير وهو كثير بفضل الله حسب ما يبدو لنا ربما ترجح به هذه السيئة وحدها؟!
فقال: كيف يا رجل؟!
قلت له: أنت للتو اغتبت شعباً من كذا وكذا مليون، فليس يبعد يوم القيامة أن يأتيك هؤلاء الملايين كلهم يُطالِبونك كلٌ بحقه، فيقول لك أحدهم أنا من هذا الشعب الذي وصفته بالشحَّاذين الدجَّالين ولم أكن كذلك فأعطني حقي، فلو كل واحد من هذا الشعب – ما شاء الله – الذي قد يصل عدده إلى ثلاثين مليون أو سبعين أو تسعين مليون أخذ منك حسنة لن يتبقى لك – والله – شيئاً وستذهب إلى الجحيم، فهل عندك كل هذه الحسنات؟!
فاصفر وجهه واحمر لأنه يخاف الله – الحمد لله – وقال لي “أستغفر الله”، فقلت له “استغفر الله ولا تعد إلى مثلها إياك”، ثم إنني على المُستوى الشخصي قلت له: والله لي أصدقاء من هذا الشعب الكريم فلان وفلان وفلان وفلان وفلان وهم – والله – من أعف الناس نفوساً ومن أكرم الناس، فهم ليسوا كما تصف أبداً ولا يُمكِن أن يكونوا كذلك، فلماذا تُعمِّم يا رجل؟!
هذه إذن خطيئة عمى التغيير، لأننا نُحِب أن نتعامل مع الحقائق الموضوعية ومع البشر على أنهم فئات صلبة بغير الدخول في التفاصيل، ثم نقفز لكي نلعب دور مَن يُعطي أحكاماً تقويمية قطعية نهائية تُساهِم – كما قلت – في قطع مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ۩ وفي تلغيم بلادنا وفي تلغيم نفوسنا وفي تلغيم مُستقبَلنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (18/3/2016)
عندي طلب بسيط من الدكتور عدنان….. بالله عليك اكثر من تلاميذك
لوسمحت اخي اريد التواصل مع الدكتور / عدنان شخصياً هل من سبيل لهذا .. بدون تعطيل في مسئلة يهمني ان يحيط بها علماً او ان يكون لديه علمً بها فيعطيني جواب يشفي به وسلوس الشيطان .. لك احترامي انتظر جوابك
هذا شيء جميل
بآسم الله الرحمان الرحيم
يمضي الإنسان حياته بحثا عن لحن يحكي قصة كلمات تختزل و تحتقر وتهين الانسان
فينتهي مهزوما تفترسه دموع الحزن و الصمت
في عالم يبدو بعيدا جدا…
…….لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) سورة لقمان
الحزن قدر من الأقدار خلف أفق واسع لا علاقة له بكلمات البشر.
السلام عليكم
هل بمكنني تفريغ الخطبة نصا وإرسالها إليكم ؟؟؟؟ رغبة مني في المساهمة
هل ممكن إعطائي بريد الموقع حتى أرسلها لكم حال الانتهاء منها .
بارك الله فيكم
ليلى
بارك الله فيك Leila
ايميل ادارة الموقع: post.adnanibrahim@gmail.com
جزاكم الله خيرا و زادكم علما و نشاطا وبارك الله فيكم .
بحثت عن الفيلم الذي تحدث عنه الدكتور لم أجده ولم أجد اسم المخرج والممثل هل لكم أن تساعدوني وشكرا
السلام عليكم ،
لدي رغبة ملحة في قرارات نفسي ،،وأحببت ان يشاركني اخواني في الموضوع …
متى تنتهي كل هذه الحروب والمجازر من على وجه البسيطة ؟؟؟
ويعم الأمن والسلام ونعيش كلنا مهما أختلفت مذاهبنا واتجاهاتنا ومللنا
في سلم ومحبة
في احد من الاخوة الكرام عنده جواب ؟؟؟؟
أم ريان سؤالك ذكرني بالجنة لم أتدخل لأجيبك. و لا تعتبري كلامي جوابا الا أن الكائن الذي ابتكر اللغة هو الذي يخرب الأرض لا غيره بحسب ما استقر في ضميري و أنا أقرأ السؤال هو أنه عندما نفهم الإنسان جيدا و نكف عن الظلم …فالقتل بالسلاح ما هو الا ظاهر لما تستبطنه النفوس ، نحن نقتل بعضنا بعضا منا من يدري و منا من لا وعي لديه بما تفعل فيه خبايا نفسه ، بدون أدنى شك أقول أننا كلنا مجرمون و نتقاسم مسؤولية كل الحروب على الأرض لا يوجد كائن بريئ في هذه الدنيا و هذا لأن الشر يبدأ بعدم احترام الآخر و الاشكال ليس افناء البدن بل الحد من حرية الآخر بحصره في اطار معين فكريا…. و هنا يبدأ الظلم …للأسف ليس من السهل أن يعدل الانسان …نحن خلفاء الله في الأرض و الأرض تدور حول العدل الذي يسعى اللإ نسان الى تحقيقه ….. لا أفهم في ااسياسة وولا أفهم في أي شيء لكن أشعر بعمق الظلم حين يصيبني كإنسان لم أنسى يوما أن الله خلقني و البشر هم بشر مثلي تعرضوا للتأطير مثلي ومورس عليهم العذاب مثلي لكن تبقى الكلمات خطيرة تهمش الانسان و تصنع الحرب و تقضي على الحرب و تجلب اليأس
الحقيقة كل الحقيقة يعلمها الله نحن كبشر نتخبط في الوهم أحيانا و أحيانا نصيب في جوانب مستمرة التغير يعني أننا لن ندرك الا أوجها ضئيلة من الحقيقة .السلم حين يحل في النفس البشرية سيحل على الارض لا يهم متى لكن كيف ….ان لم يتحقق العدل ربما سيفنى الجنس البشري بتحوله الى حيوان و تتحول الارض الى مسكن آمن وافر ة يعيش في الشجر و النبات والبحار و الانهار في حب و وآم.
تصحيح جملة :
تصنع الحرب و تقضي على الحب
أرجو من الاخوة الكرام ان يدلوني كيف احصل على رقم الدكتور عدنان ابراهيم ،،،جزاه الله عنا خير الجزاء
وجزى الله كل من ساعدني …
شكرًا جزيلا لتعليقك اخي او اختي ،
وانا معكم في بعض ما قلتموه وخصوصا ان الحق والحقيقة الكاملة لا يعلمها الا الله سبحانه وتعالى ،،،،
وان السلم حين يحل في النفوس البشرية سيحل على الارض لا يهم متى او كيف …فالجزاء من جنس العمل .
وأدعو المولى عز وجل ان يعيد مجد هذه الأمة بالعلم والإيمان وحسن الخلق ..
أكرر شكري وامتناني لكم
العفو أختي
عندما طرحت السؤال استفسرت عن المجازر و الحروب التي تقع وجه البسيطة و عندما دعوت كانت دعوتك تخص الأمة الاسلامية فقط .
1 هل الامة الاسلامية هي من تقطن وحدها هذه البسيطة ؟
2 هل أفهم أنها هي السبب في الحروب و المجازر في الكرة الأرضية ؟
3 أم أن دعوتك تتضمن مفهوم أن المنقد الموعود للعالم هم المسلمون ؟
على كل حال الحروب عاشها الانسان في كل الديانات وأنا كنت أقصد البشر بصفة عامة
و الله سبحانه و تعالى لا يفرق بين مسلم و غيره الا بالعمل الصالح.
أسأل الله أن تعم هدايته على البشيرية جمعاء و أن يهدي المسلمين للنظر في حالتهم و اصلاح و انقاد أنفسهم أولا و الكف عن ازدراء الدنيا ولعب دور المنقد و هم غرقى.
السلام عليكم
شكرًا لردكم مرة اخرى على التعليق
وانا فعلا دعوت الله ان يعيد مجد هذه الأمة وقصدت
الاسلامية طبعا
لانها أمة التوحيد والتوحيد دين كل الأنبياء والمرسلين.
لكن هذا لا ينفي ان ندعو مع الامم الاخرى ،بل ومع البشرية جمعاء
بالهداية والرجوع الى باريها ،وهذا ما افعله فعلا في صلواتي ومناجاتي..
لكن الا ترون معي ان رجوع هذه الأمة لتعاليم دينها وأخلاقها هو دعوة للبشرية جمعاء للدين الحق دين الفطرة ودين العقل ؟
الا ترون معي ان جمال وعظمة هذا الدين حين يتجسد في افعال حقيقية
لمعتنقيه ان كثير من الامم ستفكر فيه حتى وان لم تعتنق الاسلام فعلا ؟
هناك إشكال كبير و عقدة يعاني منها المسلمون تتمثل في كونهم لا يستطعون التخلي عن فكرة دعوة العالم الى دين الاسلام و هي الفكرة كلها خطأ أو قائمة على معتقد خاطئ و هو حب ااسيطرة و الهيمنة على العالم الذي يرجع أصله ليس للدين بل للغريزة الحيوانية القابعة في الانسان البدائي الذي لا يشغل عقله بل يعتمد على تأويل خاطئ لفهم خاطئ لللآسلام. من عمل صالحا فلنفسه و من أساء فعليها .رجوع الأمة للدين بالكاد سيجعلها تصحو من رقدتها أو موتتها لترى الحطام من حولها ، لماذا نربط الاسلام دائما بالدعوة ؟ الاسلام يعاش و لا يصدر كبضاعة لو أن الفرد تربى على احترام دينه و نفسه و فردانيته لما تجاوز ذاته ليتسلط على الآخر و فرض معتقده عليه، الحقيقة هي أن المسلمين يمشون في الاتجاه المعاكس تماما لغاياة و مقاصد الدين و هي الحفاض على الانسان كإنسان أولا ،،،الإنسانية تكاد تنعدم بسبب اندثار و تشضي الفرد الواعي بذاته ، الاسلام تعرض للتشوه و المسخ ليتوارث عبر الاجيال و يقولب شخصيات هزيلة جدا لا تجيد الا السعي لتحطيم الآخر لأن المركز الذاتي معندهاش ضائع كما هو معنى الإسلام …بآختصار لا أرى أن المسلمين من واجبهم أن يدعوا العالم الى دينهم بل من واجبهم أن يصلحوا أنفسهم و الدين هو خيار لأنفسهم هم أولا لاؤأعتقد أن الله جعل أو سيجعل مصير العالم على يد أمة دون أخرى لكن ثمة قوانين عميقة في الوجود لو كنا فعلا منسجمين مع أنفسنا لأدركنا عمق البعد عن الاسلام و لأدركنا حجم الكارثة التي نحن مقبلون عليها الحقائق موجودة و مكتوبة و حية و لا تتطلب أدنى جهد لقراءتها يجب أن يكون الفرد واقعيا دون أن يتوه في ظلمات الاحلام الواهية المسلمون في جحيم و ينتظوهم الجحيم جلبوه على أنفسهم ،للأسف بالغباء أشعلو النار على أنفسهم كالمجانين ليدخل العالم في حالة هستيرية من القتل و الدمار الله وحده يعلم متى ستنطفئ نيراها ……..إن كان ثمة ما شيء وجب فعله فهو الرجوع الى الله حقا و ليس نفاقا و ادعاءا الله يتعامل ع قلوبنا وليس مع ادعاءاتنا و جنوننا يجب أن نكون صالحين و أن نعمل الخير و نبي أنفسنا أولا لنكف الشر عن العالم و الله يتكفل بحفظنا يجب أن نعلم أن الله حي و يعلم ما في الصدور و الخلق كل الخلق خلقه والله لا يحب العدوان.
السلام عليكم
احترم ردكم واقبل اي رأي اخر حتى وان كان فيه بعض الغموض ،
وقد يكون تقصيرا في فهمي انا شخصيا ان رأيت ردكم غامضا بعض الشيء ،
لذا سأترك المناقشة لغيري …..
أكرر لكم شكري واحترامي ودعواتي….
سأحاول تلخيص بعض الجمل لاحقا الآن أنا مشغولة ….حين أتفرغ سأوضح ما قصدته في كل كلمة كتبها شكرا.
عموما أعتذر إن كان كلامي غامضا بآختصار المسلمون يعيشون حالة تشظي بسبب الفهم الخاطئ للإسلام فكيف يمكنهم أن يصلحوا العالم ..الاسلام من المفروض أن يحقق الأمن و السلام في النفس لتبسط في الأرض بمعادلة بسيطة يمكن أن نستنتج إن كنا فعلا نؤمن بالله حقا أن الإسلام الذي يدين به الناس مزور و ليس إسلام محمد و لهذا لم يثمر الا الدمار .لكل صادق مع نفسه تعمق في رؤية حقيقة العالم العربي و حقيقة الأسر العربية سيهرب من هول ما يرى صورة (لن أصفها الآن) .لكنها فضيعة جدا .إن كنا نقبل و نسلم أن الإسلام يثمر هذه الثمار المنكرة فنحن في وهم عظيم …… كيف ندعو الغرب الى دين ينتج مجتمعا متخلفا مرييييييضا ؟ و إن كان لا بد من تبادل ثقافي يجب أن نعرف بمنتوج سليم لدين حقيقي يوحي بقابلية للتعايش فالآخر لن يقبل التواجد في كوكب واحد مع من يهدد وجوده زعما منه امتلاك الحقيقة و هو واقعيا لا يملك شيئا الا الفراغ و لا يملك حتى الدفاع عن نفسه …الغرب كالشرق في نظري متطرف لنزعة الشر و هذا سيبب الإبادة للمسلمين لأن الغرب مسلح و قوي و المسلمون يتملكون ذريعة إبادتهم و هي تصريحهم العلني بوجوب قتال العالم الكافر و هو الغرب ….
كلامك جميل وبليغ . لولا انك تخرج عن الموضوع وتتشعب وهذا من عيوب فرط الثقافة ياحبذا لو تكتبها فقرات لا تحيد عنها حتى يحصل النفع بجوهر الموضوع .
اللهم صَل وسلم وبارك على سيدنا محمد …كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا ابراهيم وعلى ال سيدنا ابراهيم في العالمين انك حميد مجيد …
نستطيع أن نخرج بنتيجة أن الشكر أنجع وسيلة لنفي العمى بكل وجوهه ذلك لأنه موجب لرضوان الله و هو قضية المؤمن الكبرى التي تتفرع عنها و تندرج تحتها كل النواحي { و إن تشكروا يرضه لكم } و من هذه النواحي المتفرعة ما تفضلتَ به عن سبأ عندما كفرت بأنعم الله أذاقها الله لباس الجوع و الخوف و مزقها كل ممزق أي ذاقت الفرقة و التشرذم
و هنا فائدة كبيرة لمن يهتمون بشأن الوحدة و السبل إليها و كيفية تحقيقها فالقرآن يبين لنا بشكل واضح أن كافري النعم و جاحديها يشتت الله شملهم و يمزقهم كل ممزق أي يتفرقون من جميع النواحي الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية بخلاف شاكري النعم فإنه سبحانه يوحد شملهم و يقوي صفهم ، و ناحية ثانية تتفرع عن الشكر هي التواضع و عدم الكبر فهؤلاء عندما جعل الله في طريق سفرهم قرى ظاهرة من الفقراء الذين هم أدنى منهم في المستوى المعيشي فاستكبروا و طلبوا من ربهم أن يباعد بينهم و بين أسفار أولئك المساكين فاستأنف الله سخطه عليهم بعد أن جربوه في تبديل الجنتين بجنتين ذواتي أكل خمط أي أنهم لم يعتبروا من الدرس حق الاعتبار
فما هي إلا مدة من الزمن إلا و أساؤوا مرة أخرى بالاستكبار و لو كانوا قوماً شاكرين لما استكبروا إذ أن الشاكر يعترف بأن الفضل لله في كل النعم و بالتالي لا يستكبر على أي من شرائح الناس فهو في يوم من الأيام كان مثلهم و لولا فضل الله لما ترقى ، فأصل الدواهي كلها هو قلة الشكر فتّح الله أبصارنا لنجد متعة الحياة الحقيقية برضى الله الذي وحده يعين العبد على الإستكثار من وجوه البر ليسلكها و أذاق الجميع حلوى [ كول واشكور ] لكن للأسف لم يستمر مفعول هذه الأكلة ربما خلَفَ من بعد الذين اخترعوها خلفٌ أضاعوا الشكر و ما كانوا شاطرين إلا بالأكل …. ( شكراً جزيلاً على خطبة أحلى من الكولوشكور ) …
السلام عليكم
للاخت صبا كلامك راقي ينم عن ثقافتك العالية وروحك الشفافة .
زادك الله من علمه، وأغدق عليك من منابع العلم والمعرفة والحكمة ،
لا تحرمينا من تعليقاتك الجميلة والمفيدة ..
لك مني اخلص الاحترام والتقدير
ام ريان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أم ريان
..بعد أن تناولت قلما وورقة لأكتب جملا في محاولة لفهم ما كتبته, لأني فعلا أحيانا لا أفهم بالضبط ما أكتب الا أنني أكون شبه واثقة من قصديتي ههههه منذ نهاية الأسبوع الماضي وأنا أفكر… تغيرت أشياء كثيرة في رأسي….ليس بسبب تفكيري لكنني قرأت أشياء كثيرة لأبحث عن جمل مفتاحية لأقفال كانت برأسي و لنقل بقلبي أيضا هههههه سألت وتسائلت عن أشياء كثيرة سألت عن الورق وعن الحروف ………….فآنتهيت الى سكون أجابني بدوره عن حيرات كنت بداخلها …. لكل بداية نهاية …نحن كبشر محدودون في الزمان و المكان كل ما يمكن أن نفعله هومحاولة فهم أرشيف البشرية المتراكم في السطور لكن الاشكال هو في الفهم نفسه كيف نفهم ؟ البشر أحيانا يصبح مقززا فعلا عندما يمنح حريته للأخر برؤيته الحياة بعين الآخر لا بعينه هو.
الله خلق كل فرد على حدا و خلق له عينين و أذنين و رأسا كي يرى العالم من حوله بحواسه هو و يفهمه بدماغه هو لا بدماغ غيره لأن الله لم يخلقنا عبثا …خلقنا لحكم يعلمها هو لكن لو تمكنا من استيعاب خيالنا و تصديق الحقيقة الكامنة في أعماقنا بأن العالم يمكن أن يكون أفضل مما هو عليه الآن و أننا نحن من نختار و نقرر شكل العالم الذي سنحيا فيه …و ذلك بقطع الطريق على الأشرار بأيقاض الحقيقة القابعة في أعماق النفس البشرية لتنسجم مع حقيقة الوجود و الطبيعة التي خلقها الله بأسلوب متكامل و عميق لا يفقهه أعداء البشرية …. الاسلام دين متكامل وتكامله يكمن في تحقيق الحرية الكاملة للآخر…للتعايش في سلام …الجنون هو المفاهيم الوحشية التي تشوه صفاء الفطرة اليشرية بتسلطها على الحقيقة لتغيرها و تشوهها ليصاب الانسان بالعمى والقسوة ودماغه لا يفقه الا الكراهية …لا تنشأ الحرب الا عندما تتشرب الأنفس الشر فتعدم حقها في السلام ………………………………………………………………………………………………………………
لعل العالم يخرج من كابوس الحروب بالعلم فحين يستيقض الوحش من رقدته وكلنا وحش وهذه حقيقة تثبتها الحروب.الانسان يصنع و ينمو ان لم يقتله صاروخ أو فكرة مسمومة في الطريق
…………………………………………………………………………………………………………….
مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ
……………………………………………………………………………………………………………………………….
بالعلم تحيا الانفس و تعمر الأرض ويعيش الخلق في أمن و سلام.
……………………………………………………………………..
نعيش عدة مستويات من الخيال لكل خيال طريق منه ما يمكننا من ربط الصلة بالواقع و منه ما يمكننا من التعرف على ذواتنا و منه ما يجيب على أسئلتنا بمنحنا أسئلة أخرى ومنه ما يربط الأزمان ببعضها و يضخ الحياة للمسقبل و هناك خيال يحملنا الى الأرض التي تمكننا من رؤية العالم كل العالم لنبكي دمعات ساخنة و نحزن حزنا عميقا يغلق بعده ستار فصل من فصول حياتنا نستعدل للأرض الحقيقية أرض الحق و الحقيقة .
السلام عليكم ورحمة الله
اختي الكريمة beerra ddii
أشكرك جزيل الشكر ليس فقط على المقال، ولكن انك أتعبت نفسك لتوصيل هذا الكم من المعلومات …وإعادة شرح كلامك بطريقة مبسطة
رغم انك لست مضطرة لذلك .فهذا لطف منك
وهذا ان دل على شيء فانه يدل على نفس متواضعة واخلاق طيبة
جزاك الله خيرا اختي واقولها من قلبي …
وانا حين تركت المناقشة لغيري ليس لأنني لم افهم كلامك، ولكن لأنني لست في المستوى الثقافي الذي يؤهلني لاستمر في المناقشة .
لانه وبكل بساطة تعليمي متوسط ولا اتقن التعبير عن كل ما يلوج بخاطري ،
لكنني اعشق العلم والاطلاع لدرجة الشغف رغم ظروف عملي واولادي الذين يأخذون مني جل وقتي. ههههه
بارك الله فيك وفي كل مجهوداتك
وفي كل عقل متدبر منصف… وقلب حكيم حليم …
أكرر شكري الخالص ولَك مني اصدق الدعاء
اختك ام ريان
بالمناسبة مقالك جميل جدا وسوف احاول قراءته عدة مرات علني استوعب بعضه فضلا عن جله ..ههههههه
بصراحة أنا من أشكرك لأنني كنت في ورطة ههههه وسؤالك جاء في الوقت المناسب …و لأكون صريحة كنت أحدث نفسي علني أجد خيطا أجيب به عن بعض الأسئلة التي كان علي لم شملها في موضوع ….أنا مثلك أختي أحب العلم و مستواي دون الموسط الا أنه ليست لدي مسؤولية ….أعانك الله على تربية أولادك وباركك الله و منحك القوة و الصبر على اتمام مهامك فالتربية شيء صعب أليس كذاك ؟ تحياتي الخالصة ….شكرا مرة أخرى على السؤال .
تحياتي وسلامي للاخت صبا ،كل يوم انتظر تعليقك فلا تطيلي انتظاري هههههه
اللهم امين.
شكرًا اختي على الدعاء الجميل ،وكم هو راءع ان يدعو لك إنسان في ظهر الغيب وانت لا تعرفه ،سبحان الله احساس يهز الكيان وأجده في قمة الانسانية والرقي …
اما عما قلته عن مستواك دون المتوسط فأنا لا اصدق هذا وأجده تواضعا كبيرا منك في حق نفسك .
انا عني شخصيا اقرأ تعليقك مرات ومرات علني أستطيع فهم بعض الجمل وفهم ما وراء السطور.
اُسلوب جميل ،وينم عن ثقافة عالية جدا، ومازاده جمالا غموض كلماتك الذي يجعلني أفكر عشر مرات كي اخرج بمفهوم قصدته انت او ربما لم تقصديه أصلا ،،،هههههه
على العموم متمنياتي لك بالمزيد من العلم والتعلم وان يحقق الله لك آمالك
واهدافك ….كلها
وأما عن المسؤولية، فرغم انها صعبة انا اسمها فقط يخيفني هههههه
لكنها تبقى شيئا جميلا في حياتنا فحاولي ان تجدي لك مسؤولية تخيفك قليلا ههههههه
سأكون داءما في انتظار تعليقاتك الغامضة والجميلة ههههههه
اختي Beerra di
السلام عليكم ورحمة الله
انتظر تعليقاتك الجميلة …وكل يوم انظر في المنتدى لعلني أجدك كتبت
تعليقا او ردا او لعلك فتحت موضوعا نتناقش فيه كلنا لتعم الفائدة ..
ام انك وجدت مسؤولية تشغلك فانشغلت عنا ههههههه
الى الأخت beerra dii
السلام عليكم ورحمة الله
انتظر تعليقاتك الجميلة….
وكل يوم انظر في المنتدى لعلك تكوني ارسلت تعليقا او ردا او موضوعا جديدا نتناقش فيه كي تعم الفائدة ،،،،،
ولكن على مايبدو انك انشغلت بمسؤولية اشغلتك عنا ههههههه
السلام عليكم و رحمة الله أم ريان كيف حالك بخير
هههه عندما قلت ليست لدي مسؤولية قصدت المسؤولية العائلية التي لا تمكنك من التخلي عن بعض ساعات العمل أما
كمسؤولية عامة فلا بد أني مسؤولة عن نفسي و عن أشياء كثيرة خاصة و عامة و عموما أنشطتي لا تنقضي و ليس لدي الفراغ الحمد لله كل شيء أفعله لدي فيه غاية و هدف من العمل و اللهو و اللعب مع قطي الى المشي في الشارع أو ركوب الأمواج و بالنسبة للتعليق فأنا فعلا أشعر أنني لست في مستوى التعليق و حقيقة أعتبر كلامي مجرد ثرثرة أطرق بها باب أوهامي لأوقضها و لأفضح نفسي أمام الناس هذا كل ما أفعله و لي في هذا غاية أيضا و هي حسب أوهامي أن نحدد أنا و نفسي في جلساتنا الطويلة مستوى جنونني و نوعه داخل هذا العالم و ما هي أبعاد و حقيقة خيالي ههههههههههه …..لقد كتبت تعليقا في خطبة عبقرية الالحاد شيء من لا شيء ….أنا أشكرك أختي على حسن ظنك بي … ربما كلامي يبدو جميلا بالتسبة لكي لكنه حفنة من الثغرات التي تملأ رأسا مصدعا ليس هذا تواضعا و لا شيء انني أصف ما أعرف, أحيانا أستعمل صفحة عدنان ابراهيم كوسيلة لربط بعض حبال مخيلتي بالواقع ……و بكل صدق و أنا أكتب هذه الكلمات أرتجف خجلا و حياءا و توقيرا لموقع عدنان ابراهيم و في بعض الأحيان تملأني الشجاعة لأغرد كالمجنون دون أن أنتبه الى كلماتي .
شكراً جزيلاً على هذا اللطف أخواتي و إني لجدّ سعيدة بمتابعتكم تعليقاتي و بالغ الشكر للدكتور عدنان الذي يستخرج أفضل ما عندنا بهذا الموقع الرائع … ما استجد من ملاحظتي في هذه الخطبة و الكلام عن التكيُف هو سبب معصية آدم و خروجه من الجنة حيث قال الدكتور أنه بسبب السآمة و الملل أراد أن يغير الروتين الذي هو فيه لذلك توجه و زوجه نحو الشجرة فأكلا منها عسى أن يحظيا بجديد مختلف عما اعتادا عليه .. لكن السؤال هو لمَ كان السأم و الملل ؟ ؟ .. ذلك لأن الله تعالى قد علم آدم الأسماء كلها لكنه لم يعلمه بعد أسماءه الحسنى التي لا يبلغ العبد معرفتها إلا عبر التجربة و المعاناة كما أن الجنة التي كان فيها لا تتميز بالرفاهية الزائدة بل هي مقتصرة على مقومات الحياة الأساسية لقوله تعالى فيها { إن لك ألا تجوع فيها و لا تعرى و أنك لا تظمأ فيها و لا تضحى } نلاحظ أنه تعالى وصفها بالنفي لا بالإيجاب لأنه أراد أن يتم النعيم فيها لكن بأسلوب و طريقة تتعلق بآدم نفسه عبر هبوطه للأرض و ندمه و شوقه لذلك المقام الرفيع عند ربه و محاولة التعرُّف على ربه من خلال تلك المعاناة و فعلاً كان ذلك فالذي حصل هو أن اتسعت آفاق آدم المعنوية و انتقلت من [ أسماء هؤلاء ] أي العلم بظواهر الأمور و مسمياتها إلى العلم ببواطنها و حقائقها نتيجة معرفته بأسماء ربه و رب الجنة و رب كل شيء ، و من هنا نعرف أن حالة آدم تطورت عن ذي قبل مع أنه كان في جنة بدائية نوعاً ما و لذلك قال تعالى في حديث قدسي عمن أتاه تائباً صادقاً : ( علم عبدي أن له رباً يأخذ بالذنب و يغفر أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت له ) فكيف نعرف اسمه الغفور إذا لم نقع في معصية ؟ و كيف نعرف اسمه الكريم الجواد الوهاب قديم الإحسان وواصل الإحسان بالإحسان إذا لم نمر بتجربة تبين لنا كرمه و أنه لا يسلب عبداً شيئاً إلا ليعطيه خيراً مما أخِذ منه ؟ و كيف نعرف أنه أحكم الحاكمين إذا لم نتعاور مسالك تُعرّفنا هذه الحكمة التي عرفها عباده الأخيار { فما يكذبك بعد بالدين * أليس الله بأحكم الحاكمين } و هكذا كل أسمائه سبحانه لا تُعرَف إلا بخوض معتركات الحياة بكل ما فيها من حلو و مر و يسر و عسر و دموع و ضحكات و لذلك من أحصاها دخل الجنة فلا أحد يحصيها إلا بمعرفته بحقائقها لذلك يستوجب الجنة .. و هذه هي الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده فقال : { لنحيينه حياةً طيبة } و اسم [ طيبة ] أي فيها من الحيوية و الروعة ما ينفي كل بؤس و سأم أو ملل كيف يسأم و كل لحظة يعرف فيها معنى جديداً للحياة و يعرف حقيقة جديدة عن الله تعالى و أسمائه و صفاته ؟ إنها مفاتيح الرزق الحسن و المتاع الحسن و الفضل و المنة { و أن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجلٍ مسمى و يؤتي كل ذي فضلٍ فضله } فلكل ذي فضل نسخته الخاصة منه كما قال الدكتور عدنان : لكلٍ منا نسخته الخاصة من الإيمان .. إنها الحياة الحقيقية التي وعد ربنا بها من اتبع هداه { فإما يأتينكم مني هدىً فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقى } أي لا يضل و لا تختلط عليه الأمور كما حصل سابقاً مع آدم حيث زين له الشيطان { و دلاهما بغرور } و لذلك نبّهنا تعالى فقال { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطينَ أولياء للذين لا يؤمنون } فهل تساءل أحدنا لماذا هذا التنبيه و قد حصل ما حصل و انتهى فما الفائدة ؟ أليس هذا إشارة إلى أن كل منا يخوض تجربة آدم و في النهاية إما يرجع لجنة المعرفة أو يمكث في بوتقة نفسه لا يقتحمها ليعرف ما وراءها و هذا المعنى تتضمنه الآيات من سورة التين { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون } و هي نفس المراحل التي مر بها آدم : { أحسن تقويم } متناظرة مع جنة آدم ـ { رددناه أسفل سافلين } متناظرة مع هبوط آدم الأرض ، { إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات } متناظرة مع العودة و الرجعة إليه سبحانه بعد حصول المعرفة به و بأسمائه و صفاته و السعادة بعبادته جل و علا ( على طريقة [ التناظرات في القرآن ] لحضرة الدكتور ) .. كما نلاحظ أيضاً أن العاقبة عبّر عنها البيان الإلهي بالنفي لا بالإيجاب فلم يقل مثلاً : لأسعدنّه سعادة ما بعدها سعادة بل قال { لا يضل و لا يشقى } ذلك لأن السعادة و الحياة الطيبة تتطلب منا جهوداً و كدحاً و تشميراً يختلف عن الجهد المبذول لعاقبة لا نضل فيها و لا نشقى .. إنها فعلاً جنتان { و لمن خاف مقام ربه جنتان } { و من دونهما جنتان مدهامتان } و كأن هاتين الجنتين أراد ربنا أن نكتشفهما نحن بقدراتنا التي أعطانا الله إياها و ميزنا بها عن باقي مخلوقاته فمعنى { مدهامتان } أي شديدتا السواد فيريد ربنا سبحانه أن نكتشفهما نحن بما وهبنا من طاقات ليتبدد سوادهما و تُنيرا بنور الله بعد معرفتنا به و تقربنا إليه سبحانه عبر الطاعات و المبار المختلفة و معرفة النفس و مواجيدها و تزكيتها قدر الإمكان لتصير مطمئنة به و بذكره سبحانه و راضية مرضية بإذنه جل و علا ، إنها الجنة التي تتجاوز التعبير عنها بأنها ( لا و لا و لا و لا ) إلى جنة فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذ الأعين أما الخلود فيبقى ليوم القيامة { و أنتم فيها خالدون } و فيها مالا عينٌ رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر … فيا لعظمة القرآن ! إنه خطة متكاملة للاستثمار في الإنسان عبر الحياة لا لتجميع الحسنات فقط من قراءة حروفه و لو أن هذا حاصل طبعاً إلا أن الغاية منه أعمق و أكبر بكثير من مجرد تجميع الحسنات .. ليتنا نتعرف عليه أكثر لتغدوَ حياتنا أروع من الروعة ذاتها فما تقرب المتقربون إليه سبحانه بشيءٍ أعز عليه من تقربهم بكلامه سبحانه .. جعلنا الله و إياكم من أهله و حزبه و رفقائه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسُن أولئك رفيقا ….
مقال في قمة الروعة اختي صبا جزاك الله خيرا وفتح عليك بما يفتح على عباده العلماء
لقد عدت بشوق كبير لقراءة تعليقاتكم الراءعة بعدما غبت طويلا
ام ريان