إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ۩ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ۩ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ۩ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ۩ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ۩ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ۩ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ۩ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ۩ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ۩ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ ۩ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ۩ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ۩ قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ۩ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ۩ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ۩ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ۩ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ۩ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ۩ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ۩ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
بتعليقٍ نبدأ، تعليق على الأحداث المُؤسية المُفجِعة المُحزِنة في مصر الكنانة، وحتى لا نُطوِّل لأن موضوع الخُطبة سيأخذ في اتجاهٍ آخر أُحِب أن أُشير بكلماتٍ عجلى قصار إلى بعضِ هذه الحقائق والملاحظ.
أولاً يُعلِّمنا درس تاريخنا الإسلامي وعبر هذا التاريخ بطوله الذي يمتد على أكثر من ألف وأربعمائة سنة – خطه يتجاوز هذه المدة، أي ألف وأربعمائة سنة – أن ما كان يحدث أن تُنتهَك حرمات الأمة داخلياً وأن يُعتدى على حيوات الناس داخلياً بحيث يُقتَلون ويُذبَحون ويُنهَبون ويُروَّعون ويُشرَدون – إذا استثنينا ظلم السُلطة وهو ظلمٌ مُهيمين للأسف ومُقيم – إلا على أيدي الفرق من أمثال الحشاشين والقرامطة والملاحدة والزنادقة والخرَّامية والبابكية إلى آخر هذه الفرق المعروفة، فهذا حدث عبر التاريخ الإسلامي، ولذلك بكلمة هؤلاء في الحقيقة وفي الجوهر بل في القلب من الحقيقة امتدادٌ لهذه الفرق، لم يحدث أن فرقاً إسلامية مِمَن يدينون دين الحق ويرون أنفسهم مُكوِّناً عضوياً من مُكوِّنات هذه الأمة أنهم كانوا يستحلون العدوان عليها وعلى أفرادها بهذه الصورة إلا من هؤلاء، ولذلك علينا أن نكون واضحين وألا ننجر ونغتر ويُموَّه علينا بالعناوين كأن يُقال أن هذا الجهاد، أي جهاد؟ جهاد في الأمة؟ إن صح ما سمعنا وصح ما أُشيع أن التفجير الأخير في المنصورة في مصر الحبيبة قامت به – إن صح – الجماعة المُسماة بجماعة أنصار بيت المقدس فيا خيبتنا ويا فرحة عدونا،بيت المقدس يُحرَّر بإحراق مصر وبقتل أبناء مصر، ويتحرَّر بيت المقدس ما شاء الله، طريقة في الجهاد عظيمة وغير مسبوقة، انتبهوا لأن يجب أن تكون الأمور واضحة لدينا – واضحة تماماً أمام أعيننا – الآن، كيف نُحرِّر بيت المقدس بقتل إخواننا المصريين الآمنين بالجُملة وبالتفصيل؟ طبعاً والفتاوى جاهزة فانتبهوا، الفتاوى التي تبثها فضائيات الفتنة وفضائيات المُؤامَرة موجودة، وبالحتم وبالتأكيد هى مُؤامَرة على هذه الأمة، قيل اقتلوا كل مَن كان في السُلطة وكل مَن تعامل مع السُلطة وكل مَن تعاون مع السُلطة من العسكريين والمدنيين والعلماء والجاهلين، وأظن انكم جميعاً سمعتم هذه الفتوى ورأيتموها غير مرة، وهذا معناه إذناً مفتوحاً بالقتل العربيد وبالقتل مُنفلِت العقال، وهذا شيئ غريب، يُوشِك أن يكون إذناً أحياناً – وسوف نرى – بقتل ربما نصف أو ثلاثة أرباع الشعب، فإذا كان ثلاثة أرباع الشعب يُؤيِّدون السُلطة – مثلاً – فليُقتَلوا، وهذا أمر عجيب، هذه فتاوى – ما شاء الله – وهذا فقه، هذا فقه الفتنة وفقه الجريمة، وعلى كل حال هذا الملحظ الأول.
نأتي إلى الملحظ الثاني، فكروا معي بهدوء حتى نتبين الحقائق وحتى لا نُخدَع مزيد انخداع، فهؤلاء لديهم مشروع، وهذا المشروع يستبطن وعداً – وعد مُعين – خاصاً به، هذا المشروع يجد روحه وأساسه في السُلطة وفي سُدة السُلطة، فعلينا أن نصل إلى السُلطة لنتحكم بمفاصل الدولة ومُقدَّرات الشعب، وهذا إسمه مشروع إسلامي لتحكيم شرع الله ولتطبيق شرع الله في الأرض، فهذا مشروع إسلامي، وطبعاً نحن لم نُجرِّبهم هذه التجربة الطويلة أو الواضحة – هؤلاء الذين يقتلون ويُفجِّرون ويذبحون ويُكفِّرون – ولكن انتبهوا إلى أننا نعرف هذا من غير أن نُجرِّبهم، ولسنا بحاجة – لا قدر الله – إلى أن نُجرِّبهم، نحن نعرف بالقطع واليقين عن ماذا سيتكشَّف هذا المشروع وإلى ماذا سيؤول وأين سيتجه مساره، نعرف هذا تماماً، هل تعرفون كيف؟ لأنهم الآن في المرحلة التي يُسمونها الاستضعاف التي تُقابِل مرحلة التمكين لم يُمكَّن لهم في الأرض الآن، لم يُمكَّن لهم من رقابنا ومن مفاصل دولنا ومن مُقدَّرات شعوبنا ومن ثم هم – ما شاء الله – يتوسلون هذه الوسائل لكي يصلوا، فانتبهوا لأن هذه منطقية بسيطة جداً، بالله عليكم لو وصل هؤلاء وتمَّكنوا وصاروا في سُدة السُلطة وبيدهم مفاتيح النفوذ والقوة ماذا سيفعلون؟ إذا كانوا الآن في مرحلة الاستضعاف ومرحلة المُطارَدة يفعلون هذا ويستحلون الدماء بأبسط الأسباب بل بلا سبب أصلاً، فكيف لو وصل هؤلاء فعلاً إلى السُلطة وتحكموا وأصبحت مقاليد الأمور وتصاريفها بأيديهم؟ لو أصبحت مفاتح الأمور بأيديهم ماذا سيفعلون؟ عليكم أن تُفكِّروا جيداً، ونحن طبعاً نعرف أن بالذات الجماهير لديها القدرة التنظيرية والقدرة النقدية والقدرة على فهم التنظير ضعيفة ومُضمحِلة وشبه معدومة، هل تعرفون لماذا؟ لأن هذه المنابر لم تُعوِّد الناس أن يستخدموا عقولهم وهى لا تُحبِّذ هذا، لا تُحبِّذ أن تكون الأمور واضحة ومنطقية وسلسة أمام الناس، هم يُحِبون أن يُغرِّروا بالناس وأن يُزيِّفوا ويُموِّهوا الحقائق، لماذا؟ لأنهم لا يتأتى لهم التلصص إلا في ظلام الجهل، فهم لا يتلصصون حتى على وعي الناس إلا في ظلام الجهل وإلا في غيبة الوعي، وهذا الملحظ مُهِم فعلينا أن نُفكِّر فيه طويلاً وكثيراً.
ثالثاً وأخيراً نحن نُوقِن أن هؤلاء في جوهرهم ليس لديهم مشروع أصلاً وليست هذه طريقة مَن لديه رسالة، هؤلاء بكلمة واحدة مُجرَّد أناس انتحاريون، هم مُنتحِرون لأنهم كفروا بالحياة، لا يرون شيئاً في الحياة أصلاً يستحق التقديس والتقدير والتبجيل والاحتفاء به، وطبعاً للمرةً رابعة يُموِّهون هذه الروح المُظلِمة السوداء اليائسة من الحياة والمُستقيلة من الحياة بطبقة وبقشرة زائفة دينية، فيُقال هذا جهاد في سبيل الله وفي سبيل الإسلام ومشروع الإسلام،ولذلك خطر لي وأختم بهذا أن على الأمة أفراداً وجماعاتٍ أن تتظاهر بما سأذكره الآن، عليها أن تتظاهر بشكل واضح وصاخب بإعلان البراءة من هؤلاء، يجب أن يسمعوا من الأمة أننا بكم كافرون ولهذه المسالك المشؤمة النكراء مُنكِرون فما عُدتم تنتمون إلينا، نحن لانُؤمِن بكم ولا بطريقكم، إسلامنا أرحب وأرحم وأعظم وأكرم من أن تعبثوا به هذا العبث كله، وإسلامنا أجل وأعمق وأدق من أن يُؤخَذ عن أفواه الحمقى والمُغفَّلين والمدسوسين والمأجورين، فلستم أنتم مَن يُعلِّموننا ديننا أبداً، ولذلك النبي – عليه الصلاة والسلام – حين كان يُخطيء مثل سيف الله المسلول خالد بن الوليد – رضوان الله عليه فيقتل أحدهم خطأً – أي بطريق الخطأ – ماذا كان يقول؟ يقول مُباشَرةً اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، ولا يقول بارك الله فيه لقد أخطأ خالد، لكن نحن نسمع الآن عن فلان الذي فجَّر نفسه وقتل مَن يقول رحمة الله تعالى عليه وغفر له لقد أخطأ، يا ما شاء الله على المنطق، هو يقتل عباد الله جُملةً وتفصيلاً ثم تترحم عليه وتستغفر له، لكن لا غفر الله للجهل ولا غفر الله للحماقة ولا غفر الله لهذا التلصص على ديننا وهذا التسور على ديننا وهذا الاغتيال والاختطاف لديننا، ولذلك علينا أن نُعلِن البراءة، واقترح أن يسير الناس في بلاد العُرب والمسلمين ألوفاً وعشرات ألوف ومئات ألوف وملايين ليقولوا نحن نبرأ منكم، نحن منكم براء ولا نُؤمِن بكم، هكذا يجب أن نتظاهر لكي يعلم هؤلاء حجمهم ولكي يعلموا أنهم لم يقعوا منا موقعاً، فنحن لا نُحِب هذه المسالك ولا نُحِب هذه الطرائق ونُحِب لهم أن يعودوا إلى رشدهم، والله يا إخواني حدَّثني أحد إخواني من العامة – إنسان بسيط عامي – قائلاً ألا يفهم الواحد من هؤلاء أن ليس بينه وبين أن يهوي في جهنم سوى ضغطة على زناد؟ فقلت له هم – والله العظيم – لا يفهمون، ما بين الواحد منهم وبين أن يهوي في جهنم سبعين خريفاً وربما خالداً مُخلَّداً فيها أبدا كما أخبر الله في كتابه إلا أن يضغط بزناد لتنطلق رصاصة تخترق دماغ أو قلب إنسان بريء، ومن ثم إذا فعلت هذا فأنت انتهيت ويجب أن تفهم هذا، لكن طريقة هؤلاء المُجرِمين – هؤلاء مُجرِمون بإسم الإسلام – أنهم يقولون لدينا فتوى، هل نقتله في حشد من الناس؟ هذا الحشد يكون أحياناً في مسجد يُعبَد فيه الله والمفروض أن مَن دخله كان آمناً لأنه بيت الله، تقول الآية الكريمة وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ۩، فهل يُقتَل في حشد من الناس في مسجد؟ قالوا حكم مَن حوله ومَن معه ومَن يحضر له حكمه، فليُقتَلوا معه، ومن ثم يذهب هذا يُفجِّر نفسه، ما شاء الله على الفقه، ما شاء الله على الدين، وما شاء الله على التعمق في الدين، أنا أقول لكم لقد جعلتم دين الله لعنة!
إخواني وأخواتي:
لنُدلِف الآن إلى موضوعنا، أحد إخواننا كما أُخبِرت عنه شاب صغير عبثت برأسه شكوك واغتالت إيمانه تساؤلات حائرة لم تجد لها عنده ولديه جواباً فألحد، لكنه ما عتَّم أن عاد ليقول لا يُمكِن الاستمرار في الحياة بإلحاد، فأنا مُصِر الآن على أن أجد جواباً عن هذه الأسئلة التي اغتالت إيماني والتي تلاشى بسببها إيماني فضاع الإيمان ضياعاً وفي رأسها لماذا خلق الله الموت؟ لماذا الموت؟ لماذا يصنعنا – كما قال عمر الخيام – ثم يُحطِّمنا؟ لماذا يصوغ هذا الكأس ثم يُكسِّره؟ هذه الأسئلة ولنكن صرحاء مع أنفسنا ومع الحقائق مشروعة، فهذه أسئلة مشروعة بل فيها جانب إنساني، نحن لا ننظر إلى التسليم التام المُطلَق الذي لم يُعقِب ولم يتل بحثاً مُضنياً وجاداً عن الحقيقة وكشف الشُبهات والخروج من وجوه الريب، فلا نصف مثل هذا التسليم إلا بالتسليم العاجز اللإنساني، لأنه يتعارض ويأتي على الضد من وعلى – وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ۩ – طبيعة الإنسان أي منها، طبيعة الإنسان أن يتساءل وأن يرتاب، ولما كان هذا الإنسان المُزدوِج المصنوع والمصوغ من بدنٍ وروح – هذه النظرة الدينية على كل حال، بدن ينتمي إلى هذا العالم وروح أو نفس في الحقيقة إلى عالم الغيب أو ما وراء الغيب – كان لابد أن يتساءل وأن يرتاب وأن يطرح أسئلة بشأن مثل هذه القضايا بالذات، أما الذي لا يفعل ويُوهِمك أن يُسلِّم تسليماً مُطلَقاً – لا يرد عليه تساؤل ولا تشكك – واضح أنه فقد شيئاً عظيماً طائلاً من إنسانيته، فليس هذا هو الإنسان، وهذه الأسئلة المفروض أنها لا تُخيف ولا تُزعِج ولا تُقلِق لأنها ذات طبيعة إنسانية، ولذلك قضية الموت الدين بحثها بإسهاب وتكلم فيها كثيراً، مَن يُحصي الأحاديث التي تحدث فيها الأنبياء والرسل وخاصة الخاتم – عليه الصلاة وأفضل السلام – عن الموت؟ كثيرةٌ جداً، والقرآن تحدث عن الموت في مواضع كثيرةٍ جداً، فهذا هو الدين، والفلسفة لا تزال معنية بالموت، والشعراء والادباء والفنانون بل الإنسان بما هو معنيٌ جداً بالموت، وكيف لا يكون معنياً جداً بهذا الذي يأتي كبوابة لهوة العدم أو بوابة لحياةٍ أكثر اندياحاً وأوسع وأكثر رحابة؟ كيف هذا؟ وكيف أيضاً لا يكون معنياً وحياته قصيرة وإذا أُضيفت إلى عدم يُعانِق اللانهائي أو إلى خلود هو جوهر اللانهاية؟ وهى حياة – كما قلت – قصيرة – ستون أو سبعون أو مائة سنة ولذلك هى قصيرة جداً – وإذا وُضِعَت في البسط على مقامٍ فيه اللانهائية غدت صفراً، أليس كذلك؟ لا شيئ، هذا صفر Zero، فيجب أن يكون الإنسان معنياً بهذه القضية، وهذا أمر طبيعي جداً، ونحن نتفَّهم هذا، ولكن أول ما نُجيب لكي لا نُطوِّل بالمُقدِمات أول ما نود أن نُجيب به عن هذا التساؤل هو القول بأن هذا التساؤل في حقيقته أكبر مما يبدو بكثير، فابننا هذا أو أخونا الذي طرح هذا التساؤل الذي أشقاه وأضناه وأخرجه من باحة الإيمان إلى ضياع الإلحاد لم يُدرِك هذا، ونسأل الله له ولنا ولجميع الناس الهداية والنور والرشاد، اللهم آمين.
اللهم لا تُشقِنا بالإنكار والإلحاد والشكوك التي لا تجد جواباً ومتِّعنا باليقين والإيمان وسكينة الإيمان وبرد اليقين. اللهم آمين، فهذا لا يُستطاع إلا بالله تبارك وتعالى، قال الله مَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَلَا هَادِيَ لَهُ ۩ وقال أيضاً وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ۩.
أيها الإخوة والأخوات:
هذا السؤال في الحقيقة أكبر بكثير مما يبدو عليه، لماذا؟ لأننا حين نتساءل بصدد الحكمة من الموت ولماذا كان الموت؟ ونُريد أن ننفيه ونتطلع إلى أن يكون منفياً فإن في الحقيقة هذا سؤالٌ بصدد تقريباً كل ما نعرف والعالم كله كما نعرفه، فهو اقتراحٌ بعالم آخر مُختلِف تماماً، ومن حُسن الحظ هذا العالم موجود، ولكنه ليس هذا العالم، إنه عالم الآخرة، وهو موجود طبعاً، لأن هذا السؤال إما أن يطرحه مُلحِد وإما أن يطرحه مُؤمِن صار بسببه – كما رأينا – إلى الإلحاد، فإن طرحه مُلحِد له جواب، وإن طرحه مُؤمِن كان جوابه مُختلِفاً، وهذا السؤال إن صيَّره مُؤمِن وصار به انتهى به إلى الإلحاد نقول له من حُسن الحظ – وهذا عزاؤنا كمُؤمِنين – هذا العالم موجود، ولكنه ليس هذا العالم، هل تُريد هذا العالم كما هو الآن وكما تحياه وتعيشه وتُحِبه؟ لكن واضح أن هذا المُتسائل الذي صار إلى الإلحاد ليس مُتشائماً، هو مُتفائل جداً وهو مُعجَب جداً بهذه الحياة ومُعجَب جداً بهذه النشأة ومُعجب جداً بهذا العالم كما هو،وواضح بلا أي شائبة ودون أدنى شائبة تنقص أن خبرته في الحياة تقريباً شبه مُنعدِمة، لأن هذا العالم أيضاً كما يعرفه كثيرون وكما يعرفه أكثر البشر الذين يعيشون عالم فيه مواجع وفيه مرائر وفيه آلام وفيه تباريح وفيه مظالم وفيه سخافات وفيه اختلالات، والله العظيم وجوه من الخراب والفساد والضياع، وكان سيكون هذا العالم أسوأ بليون بليون بليون مرة لو لم يكن هناك ثمة موت، فالحمد لله أن هناك موتاً طبعاً،واضح أن الخبرة هنا مُنعدَمة لأنها خبرة شاب صغير وهذا أمر طبيعي، هذا شاب صغير وليس فيلسوفاً وليس إنساناً مُعمَّراً عاش ثمانين وتسعين ومائة سنة لكي يعرف الحياة ويحلُبها أشطُرها بحلوها ومرها ويعجم عيدانها، هذا شاب صغير غرير في بدايته، لكن لماذا هذا أيها الإخوة؟ أن يُنفى الموت من هذا العالم يعني أولاً أن المُعاناة ستستمر إلى ما لا نهاية، هناك وجوه من المُعاناة، هناك الشيخوخة وهناك آلام والتباريح وهناك الأوجاع والجروح وهناك النقص في الأطراف بسبب الحروب أو الأمراض وهناك أدواء سيعيش أصحابها بها إلى ما لا نهاية، ولكم أن تتخيَّلوا إنساناً يعيش مُعوَّقاً إلى ما لا نهاية لأنه ما من موت لكي يُرحَم به، تخيَّلوا إنساناً يعيش تباريح وأوجاعاً ومُؤلِمة جداً حتى لا تكاد تُفلِح المُسكِّنات في تسكينها وإذهابها ويعيش إلى ما لانهاية، تخيَّلوا إنساناً يعيش في قبضة ظالم، لا الظالم يفنى ولا المظلوم يُفلِت، ويبقى المسكين في السجن والزنزانة، ومثل هذا الدراكولا Dracula – مثل نيرون Nero وكاليجولا Caligula ومثل يزيد بن معاوية أو تيمورلنك أو هولاكو أو هتلر Hitler أو فرانكو Franco أو موسوليني Mussolini – يعيش بلا نهاية ويكتسب قدرةً مُتصاعِدة مُتراكِمة مُتنامية على الشر والتدميرية بشكل لا مُتناهٍ، فكل يوم تزداد شريته وتتعاظم تدميريته ولا يتناهى لأنه ما من موت في هذا العالم، فكيف ستكون الحياة؟ عتبة الألم أين ستصير؟ عتبة الألم كما يعرفها الأطباء أين ستصير؟ أين سيذهب مسار المُعاناة؟ المُعاناة الآن في هذا العالم الذي تكشَّف عن رحمة كبيرة أيضاً لو أحسنا فهمه وتعمقه – فيه رحمة أكثر مما تتخيل بل هو فيض الرحمة وفيض الرحمانية الإلهية الربانية – مسارها معروف لأنه ينتهي إلى الموت، فعند حد مُعين الموت يُنهي كل شيئ ويحل المشاكل ويأتي بالراحة أياً تكن عاقبة الموت في المنظور النسبي، ولكن بغير موت أين سيتجه مسار المُعاناة؟ أين ستقف عتبة الألم ؟أين؟ هذا شيئ غريب، فالأمر في ازدياد لا نهائي، ثم أن مَن قال لك أن هذا الكوكب مُؤهَّل ولائق بأن يتسع إلى أعداد لا مُتناهية من البشر؟ كيف يُمكِن هذا؟ هذا مُستحيل، فهو الآن بهذا العدد فيه مشاكل كُبرى، بعضها زائف وبعضها حقيقي – أكثرها زائف وأقله حقيقي – بسبب التظالم، لكن ماذا لو استمرت الحياة بلا نهاية دون أن يغتالها الموت ودون أن يتطفَّل عليها الموت؟ في الحقيقة هو لا يتطفَّل ولا يستأذن، كما قال الأديب والعالم الألماني الكبير جوته Goethe ثلاثة لا يستأذنون – يدخلون البيوت بلا استئذان – هم الديون والشيخوخة والموت، فهم لا يستأذنون، يدخلون بلا استئذان، وهذا أمر عجيب، فمن حماقة الإنسان أنه يظن أن الموت يُساوَم ويُفاوَض، فالموت لا يُساوَم – الموت لا مُساوَمة معه – أبداً فانتبهوا، لو كان هناك ثمة مُساوَمة مع الموت كان الذين سينجحون دائماً أن يُضيفوا أعماراً بلا عقوداً إلى أعمارهم هم الأغنياء جداً والنافذون جداً والأباطرة والملوك والأمراء الكبار وأصحاب المليارات، هؤلاء سيعيشون لأنهم سوف يُساوِمونه، وفي الحقيقة مع وضوح وانكشاف وصراحة هذه الحقيقة وفاقعيتها إلا أننا تقريباً كلنا بحمقنا نُساوِم الموت وخاصة الشيوخ – ليس شيوخ الدين وإنما يُراد بالشيوخ الكبار في السن – والمرضى حتى من الشباب، فهم يُساوِمون الموت، ما هو إلا أن يشعروا لالدبيب الرهيب للموت حتى يبدأوا في ماذا؟ في نذر النذور – لله علىّ نذر كذا وكذا وكذا – وحتى يبدأوا في إعلان التوبة والإقلاع عن المعاصي وصرف أقدار – تزيد أو تنقص من حالة إلى حالة – من الأموال في صدقات وتطوعات وتبرعات وحتى يبدأوا في رد الحقوق أو بعضها إلى أصحابها وفي كذا وكذا، وكما يقول المثل الكونفوشيوسي الصيني حين يدنو الموت من العصافير تشيخ وتهرم وتزوي وتذبل فيها جذوة الحياة وتُصبِح زقزقتها حزينة، ويُذكِّرنا هذا بأغنية البجعة، يُقال أن البجع قبل أن يموت يُغنِّي أغنية وحيدة يتمية حزينة جداً وجميلة جداً ثم يُفارِق الحياة، وهذه إسمها أغنية البجعة Swan، يقول المثل الكونفوشيوسي كذلكم فإن الإنسان – إن بني آدم جميعاً – حين يدنو منه الموت تستحيل ألفاظه إلى حكمة، أي يُصبِح حكيماً، فيتحدَّث بالحق ويتحدَّث بالفضيلة ويُصبِح – ما شاء الله عليه – حكيماً، علماً بأن هذه إحدى الحكم من الموت، فهناك حكمة جميلة جداً وهى أن الموت لمَن فهمه وأحسن استلهامه -خير معوانٍ للإنسان لكي يُعدِّل ويُعيد النظر في منظوره إلى الحياة والعيش وفي منظوره إلى الوجود، ووالله العظيم كانت ستفقد الحكمة أكثر أشطارها ومُعظَم أجزائها لو وُجِدَ هذا الوجود بحياة بلا موت، تقريباً ستبحث عنها ولن تجدها – أي هذه الحكمة – أبداً، أما الذي يُولِّد وقادر على توليد واستيلاد هذه الحكمة باستمرار فهو هذا الرهيب الذي لا يُمكِن التحديق فيه كما قال سرفانتس Cervantes، حيث قال أمران لا يُمكِن التحديث فيهما هما الشمس والموت، فهم يخافون من هذا، وهناك الآن في الأدبيات الغربية – بل في العلوم الغربية – علم كامل إسمه علم الموت والاحتضارThanatology، وهذه الكلمة مُأخوذة من Thanatos، وعلم الموت والاستحضار يبحث في تغير واستحالة المُؤشِّرات الحيوية كلها قبل أو قُبيل وأثناء وبعد الموت، وكذلك يبحث في العقابيل والتوالي والنتائج والمُترتِبات النفسية السيكولوجية والدينية الروحية والأخلاقية العاطفية والقانونية والاجتماعية السوسيولوجية للموت، فهذا علم من العلوم كامل إسمه علم الموتThanatology.
أبو التحليل النفسي النمساوي سيجموند فرويد Sigmund Freud هو الذي صك مُصطلَحين قما بابتكرهما، مُصطلَح غريزة الحياة المعروف بالإيروس Eros، وفي القلب منها النشاط الجنسي، لكنه ليس كل شيئ هو وإنما في القلب منها، والإيروس Eros هى غريزة الحياة ولا تعني غريزة الجنس وما إلى ذلك، وإنما تعني غريزة الحياة بشكل عام وفي القلب منها النشاط الجنسي، لكن كم تكلَّم فرويد Freud عن الإيروس Eros؟ تقريباً مُعظم تحليلاته عن الإيروس Eros، مُعظم الأعمال الكاملة – Gesamtwerk – لفرويد Freud تدور عن الإيروس Eros، لكنه تكلَّم أيضاً عن غريزة الموت Thanatos، وكم تكلَّم عن غريزة الموت؟ تكلَّم كلاماً ضئيلاً جداً جداً، حتى قال بعض تلاميذاته أن ربما الذي دفعه إلى الكلام في غريزة الموت هو الرعب من شبح الجهل، أي أن يكون جاهلاً بهذا الشيئ، لكنه لم يتكلم فيه بما يُضيف علماً حقيقياً، ففرويد Freud كان عاجزاً أن يُحدِّق في الموت، لم يُحِب أن يُحدِّق في الموت لأنه خاف طبعاً، وهذا على مُستوى عالم كبير مثله، لكن هذا هو الموت وهو شيئ رهيب، يكفي أن تقول الموت وكفى لكن هذا الموت لمَن يفهم، أما أصحاب القلوب الغُلف لن يفهموا، وطبعاً بعض الناس يقول لك أنا لا أهتم بالموت ولا أُبالي، فأنا عندي موقف لا مُبالاة تامة من الموت، أحضر جنازات وأرى الأشلاء والدماء وأسمع عن مَن مات من الأقرباء ومن البعداء ولا يهمني هذا ولا يتحرك فىّ شيئ، وأنا أقول له هذا يحدث لأنك فقدت إنسانيتك، فالتفكير في الموت وفلسفة الموت والتساؤل بصدد الموت من مُختَّصات الإنسان، وهذا الآن يُقرِّره كثير من الفلاسفة، وهو الذي ورد عن رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – حين قال لو أن البهائم تعلم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سميناً، فالنبي يُقرِّر – هو ليس فيلسوفاً وإنما هو نبيٌ رسول – أن التفكير بالموت والتساؤل بصدده وأشكلة الموت والتعاطي مع الموت كإشكال حقيقي من مُختَّصات الإنسان، فهذا يختص به الإنسان أو النوع الإنساني فقط، إذا لم يكن عندك هذا الشيئ سيكون من الواضح أنك قريب إلى الجماد أو إلى شيئ آخر لن نذكره لأننا لا نُحِب أن نُهين عباد الله، أما الإنسان كإنسان فهو يتساءل باستمرار، وهناك فلاسفة كل فلسفتهم وقفوها وكسروها على الموت وعلى أشكلة هذا الموضوع وعلى الكلام في هذا الموضوع، فالموضوع من أخطر وأعظم الموضوعات على الأطلاق، إنه ما يُقابِل الحياة وما يُقاِبل الوجود وما يُقابِل وجودنا المحيي المعيش.
نعود إذن ونقول أيضاً أن هذا السؤال هو في الحقيقة أكبر بكثير مما يبدو، حتى لو عاش هؤلاء الشيوخ والعجزة وكسور بني آدم فسوف يعيشون في ألم، هناك مَن فقد رأسه في الحرب ولكنه يعيش لعدم وجود موت، ومِن ثم مَن فقد رأسه سوف يعيش بلا رأس، وهناك مَن هو بلا أطراف وبلا أيدي ولكنه سوف يعيش بشكل لا نهائي وأنا أقول لكم هناك مُشكِلة أخرى أصعب بكثير وهى كيف سيُعيد هؤلاء مُلاءمة أنفسهم وثقافاتهم وأعرافهم وتقاليدهم مع كل جيل جديد؟ الحياة دفقٌ مُستمِر، نعم يُوجَد حمل مُستمِر وأرحامٌ تدفع ولكن لا تُوجَد أرضٌ تبلع، إذن لا يُوجَد ابتلاع فكيف سيُعيد الإنسان مُلاءمة نفسه مع هذه الأمور مع الأخذ بعين الاعتبار أن العلم يتقدَّم والتقنيات والفلسفة والمنظور والآراء وأشياء أُخرى كثيرة؟ هل سيُكتَب على هؤلاء العجزة الواهنين البالغ عمر الواحد منهم مليون سنة ومائة ألف سنة أن يُعيدوا برمجة أنفسهم ومُلاءمة أنفسهم باستمرار؟ ما هذا الشقاء؟ ما هذا العناء؟ هل يستطيع الواحد منهم هذا؟ وهل قدراته أصلاً العقلية والعصبية تُؤهِّله وتُمكِّنه ليفعل هذا؟ كيف ستكون الحياة؟ كيف سيتعايش هؤلاء البشر مع بعضهم؟ هذه مسألة غريبة، فالذي يطرح هذا السؤال يبدو أنه فعلاً مسكين، فهو يُريد حياة بلا موت وفقط، لم يُفكِّر في عقابيل هذا السؤال ولم يُفكِّر في دلالات هذا السؤال أو دلالات هذا الاقتراح، لكن الموضوع أكبر بكثير، وللأسف الوقت يسير سريعاً، ومِن ثم لنُدلِف إلى نُقطةِ أخرى ولنأت إلى نُقطةٍ أخرى، فالموت – كما قلت لكم – مُهِمٌ جداً لهذه الحياة، لماذا؟ لأن منطق الحياة منطق تداولي، مُداوَلة بين الحياة والموت ولا أقول العدم فانتبهوا، هذا المنطور مُختلِف، لكن هناك مُداوَلة، وهذا يتبع خُطة، خُطة لدى مَن؟ سوف نستبين!
يكتب الشاعر الإسلامي الكبير والفيلسوف الرياضياتي الكبير عمر الخيام قائلاً:
مُذِ ازْدهَرَتْ بِالْبَدْرِ وَالزُّهْرَةِ السَّمَا إِلَى الآنَ لَمْ يُوْجَدْ أَلَذُّ مِنَ الْخَمْرِ.
فَيَا عَجَبِي مِنْ بَائِعِ الرَّاحِ هَلْ يَرَى أَعَزَّ مِنَ الصَّهْبَاءِ إِنْ بَاعَهَا يَشْرِي.
فهو يقول مُذ تعلقت في صفحة السماء الزهرة والقمر لم ير أحدٌ أنفس ولا أغلى من الخمر الخالص ويزدادُ عجبي من بائعه، فالذي يبيع هذا الخمر – أي بائع الخمر – يبيعه ليشتري بثمنه ماذا؟ قال هذا أحمق لأن ليس هناك ما هو أنفس من الخمر الخالص، وواضح أن هذا الاعتراض هو اعتراض ذو طابع أدبي وفني وليس اعتراضاً فلسفياً فكرياً جاداً، لماذا؟ لأنه ما كان ينبغي ولا ينبغي الخلط بين شارب الخمر وبين بائع الخمر، فشارب الخمر الهدف لديه الخمر ذاتها أو ذاته – علماً بأن الخمر تُذكَّر وتُؤنَّث – فقط، أما بائع الخمر فالهدف عنده ثمن الخمر وليس الخمر، أي اختلفت الأهداف، فلماذا تستعجب أنت؟ العجب من بائع خمر لا يبيعها، لأن كيف يكون بائعاً؟ هنا ينتفي أن يكون بائعاً، فهدف بائع الخمر أن يبيعها طبعاً، أن يأخذ البدل – المال – وأن يتنامى هذا البدل مع كل مُبادَلة، وكذلكم الحياة ومنطق الحياة هو المُبادَلة، ولذلك يأتي الآن السؤال: لماذا تصوغ الإنسان يا رب وتخلقه ثم تهدمه؟ الآدمي بنيان ربه، ملعونٌ مَن هدمه، والموت هدم ، فلماذا تهدمه؟ لماذا تصوغه ثم تهدمه؟ هذه مُبادَلة، لأنه لولا فراغ الكأس ما تأتى ملؤها ثانيةً، أليس كذلك؟ قال الله أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً ۩، فعلى هذا الجيل أن يُولِّي ليستقبل قطار الحياة جيلاً آخراً ولينزلوا في محطةٍ تالية وهكذا، فهذا منطق مُبادَلة لأن هنا تُوجَد هدفية، وواضح أنها هدفية ربانية، قال الله أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ۩، فلابد من الرجعة، لكن السؤال الآن هو هل الموت هوة عدم أم باب وجودٍ أرحب وأوسع؟ ما هى فلسفتك في الحياة؟ هذا شيئ آخر، كيف ترى الموت؟ هل تراه وفقاً لهذا أم لذاك؟ إن كنت تراه هوة عدم فأنا أقول لك ببساطة أن لا عزاء لك، والله لا عزاء ومن ثم أنت انتهيت، وكان الله في عونك لأنك لا تُؤمِن به، وهذا شيئ فظيع مُخيف خاصة في حق الناجحين، في حق المُتشائمين أمثال المعري وشوبنهاور Schopenhauer و المُنتحِرين طبعاً الموت خير من هذه الحياة لأن الحياة بالنسبة لهم لعنة، لكن في حق الناجحين الذين أسعدهم الله بحظوظ من السعادة في هذه الدنيا إذا كان الموت هومة عدم فهذه لعنة وهذا شقاء لا نهاية له، وفي حقنا نحن المُؤمنين – بفضل الله تبارك وتعالى – الموت هو بوابة وجود أرحب، ونحن نُحِب أن نُبرِّهن هذا، وهذا جواب الذي سأل هذا السؤال وكل مَن سأله، وأنا أقول لكم أنهم ضمنياً يتحدثون مُستسلِفين فلسفة عن أن الموت هوة عدم، ولذلك يتساءل باعتراض الواحد منهم قائلاً لم يصوغ ثم يهدم أو ثم يكسر؟ لم نكون ثم نفنى؟ لكن مَن قال لك أننا نُكسَّر وأننا نفنى؟ نحن نفهم أننا لا نُكسَّر ولا نُهدَّم، نحن نُحرَّر ونُعتَق، ومن هنا الفيلسوف العارف يقول مُنذ نزلت جوهرةُ الروح والتصقت بصدفة البدن كان الإنسان الذي صاغه الله من ماء الحياة، وبعد أن تكاملت جوهرة الوجود طارت مُخلِّفةً الصدفة وراءها لتقتعد مكنها في درة تاج المُلك، فهذا تحرير، ولذا عينية ابن سينا تذهب في هذا الاتجاه، فهذا تحرر وتحرير وليس بوابة عدم وليس طريقاً إلى الفناء واللاشيئ أبداً، لكن قد يقول لي أحدهم الآن هذا مُجرَّد كلام، فكلامك يا عدنان شعر وفلسفة وفكر، وهذا كله كلام فارغ، فمن أين أتيت بهذا؟ لكن تعرفون لماذا أقول هذا؟ هناك دين الآن إسمه دين العلم وهو دين وثني،وهذا الذي يتكلَّم بإسم العلم يقول لك هذا لم يثبت علمياً، من أين لك أن الروح موجودة أصلاً؟ هذه مادة في مادة وهذا كون مُغلَق مُكتفٍ بنفسه، فلا يُوجَد شبح – Ghost – في الآلة – Machine – مثلما قال جيلبرت رايل Gilbert Ryle، فالفيلسوف البريطاني جيلبرت رايل Gilbert Ryle قال The Ghost in the Machine لكن هذا المُلحِد يقول لك لا يُوجَد شبح – Ghost – في الآلة – Machine – أصلاً، بمعنى أنها تسير كما تسير الآلة بمنطقها الآلي الميكانيكي وليس بقوة روحانية فيها أو جن ضابس فيها كما ظن شارلمان Charlemagne حين بعث له الرشيد الساعة المشهورة، فهو ظن أن فيها جناً وعفاريت، فهذا منطق ميكانيكي، وكذلك هذا الجسم والوعي والإدراك والفهم وهذه الروحانية الزائفة والتأمل وكل هذامن مقتضيات ومن توالي عمل الجسم بقوانين الجسم الفيزيائية والكيمياوية والكهربائية والهرومانية وغيرها فقط، لا أكثر من هذا، فلا يُوجَد شبح – Ghost – في الآلة – Machine – أبداً، وهذا غير صحيح لأن الأمر أعقد من هذا بكثير، فهذا كذب على الناس وهذا تغرير وخداع الجماهير والشعوب – والله – من أجل أن تسود فلسفة ماركسية أرثوذوكسية صارمة صراطية تُلغي كل شيئ، وهذا كله باطل، وطبعاً نحن نحتاج ليس فقط إلى خُطبة بل إلى مُحاضَرات ومُحاضَرات لكي نُثبِت منظورنا الديني، لكننا سنُحاوِل الآن فيما تبقى – أقل من ربع ساعة تقريباً – أن نُثبِت هذا وأن نُشير إلى إثبات هذا.
أولاً نحن كمِليين وكمُؤمِنين ننظر إلى هذا العالم وإلى هذه الدنيا وإلى هذه النشأة على أنها بمثابة الرحم لعالم آخر أوسع، فهذا رحم لعالم آخر، تماماً كما كان الرحم – أي رحم الأم – رحماً لهذه الدنيا ولهذه النشأة، لكن قد يقول لي أحدهم الآن أن هذا هو الشيئ نفسه، فهذه أيضاً تشبيهات ومجازات، لكن هذا غير صحيح، فالأمر حقيقي، هل تعرفون لماذا؟ هل كان الطفل في رحم أمه وجوداً أم عدماً؟ كان وجوداً، هل كان في نطاق الحياة أم الموت؟ في نطاق الحياة، كان هذا الجنين يحيا ويعيش تماماً، لكن العجيب جداً أن هذا الجنين كان يتمتَّع بجهاز تنفسي كامل – برئتين وقصبة هوائية وكل أعضاء هذا الجهاز التنفسي – ولم يستخدمه ثانية واحدة في الحياة الجنينية، ولو استخدمه مرة واحدة لهلك، فهو إن فعل هذا يهلك مُباشَرةً، والعجيب أنه حين زايل الرحم وانفصل عنه وأتى إلى هذا العالم اضطر مُباشَرةً في أول لحظاته إلى استخدام هذا الجهاز، ولو لم يستخدمه لهلك من فوره، وهذا شيئ غريب!
معنى هذا – هذا المعنى الرحمي وهذا المجاز Metaphor أو المجازية الرحمية – أن الذي رتَّب وصنع وهيأ هذا الجهاز في المرحلة الرحمية أنفذ إلينا رسالة ليقول لنا أن هذا الرحم بوابة إلى عالم أوسع، وهذا ما يُهيء لهذا العالم وللعيش في هذا العالم، ومن هنا قد يقول لي أحدكم هذا كلام جميل، فهل لدينا نحن الآن كبشر نعيش في رحم الدنيا أجهزة مثل هذه؟ نعم وهى واضحة تماماً بفضل الله تبارك وتعالى، إنه جهازنا الروحي الذي جعل من مُختَّصاتنا التفكير في الموت والتساؤل المُستمِر بصدد الخلود والرعب والرهبة من العدم والفناء، فلماذا إذن؟ الحيوانات لا تفعل فلماذا نحن نفعل هذا؟ لأن في الحقيقة هناك ازداوجية، هناك جزءٌ منا أو شطرٌ منا – وهو الشطر الأنفس والأكرم والأخطر أهمية – لا ينتمي إلى هذا العالم وهو الذي يجعلنا ويحملنا باستمرار على أن نُفكِّر بصدد الموت وبصدد ما بعد الموت باستمرار، ونحن لا نستطيع إلا أن نفعل هذا، وأنا أقول لكم أن كل فرد – والملاحدة في رأس هؤلاء – لا يُؤمِن بالآخرة ويرى أن الموت بوابة عدم وهوة عدم يعيش شقاءاً وتمزقاً ذاتياً، لكن كيف هذا؟ وبسبب ماذا؟ ليس بسبب أنه لا يُؤمِن فقط وإنما بسبب شيئ أكثر جوهرية وتكوينية، وهو شيئ يتعلق ببنيته، فهذا الشقاء وهذا الضنى والضنك الذي يعيشه يعكس حالة التعارض والتشاكس بين حقيقته التكوينية وبين طريقة تكفيره واعتقاده، فتكوينياً مخلوق هو مثل الجنين في الرحم وعنده جهاز تنفسي وعنده جهاز روحاني ويطوق إلى الخلود ويُفكِّر فيما بعد الموت ويُرعَب من الفناء رغماً عنه، علماً بأن هذا البنيان التكويني سماه مونتسكيو Montesquieu صاحب روح القوانين ثقب الله، فهو قال هناك ثقب أو حفرة في دماغنا إسمها ثقب الله، فرغماً عنا نضطر إلى أن نُفكِّر في هذه القضايا، ووافق على هذه التسمية المُلحِد الكبير جان بول سارتر Jean-Paul Sartre وقال هذا إسمه ثقب الله أو ثقب الرب، فأنت لا تستطيع إلا أن تفعل هذا، أنت مُرغَم أن تُفكِّر بهذه الطريقة، فهذا جهاز روحاني، وما أجمل ما قال مولانا جلال الدين الرومي حين قال لكي ينام الفيل مُطمئناً عليه أن تُراوِضه أحلام أرض الهند، فالحمار لا يحلم بأرض الهند لأنه لم يغترب عنها يوماً، أما الفيل فأصله من أرض الهند ولذا دائماً تعروه في أحلامه، ونحن نحلم باستمرار بماذا؟ بأرض الغيب، بالجنة وبالنار وبما بعد هذه الحياة وبالخلود وبما له علاقة باللامحدود لا إله إلا هو!
كارل جوستاف يونج Carl Gustav Jung يكتب في سيرته الذاتية – أنتم تعرفون يونج Jung – أمراً هاماً، فانتبهوا لأن هذا التعبير أو هذه العبارة أو هذه القولة مُهِمة جداً، حيث قال أهم سؤال يُواجِه الإنسان وعليه أن يجد في وجدان جوابه هو هل هو مُتصِلٌ في حياته باللامحدود أم مُنفصِل عنه ؟ ثم يقول يونج Jung وإذا أدرك الإنسان أن هذا اللامحدود هو الأهم – هو يخجل من أن يقول الله، وثنيو العلم سوف يعبترونه أُصيب بالهبل وسيُقال أنه مُتأخِّر ومُتدين، فهم لا يتحدَّثون عن الله طبعاً وإنما عن العلم فقط، لكن هكذا كانوا للأسف الشديد – ينتفي كل مظهر للعبثية في تفكيره، أي تُصبِح الحياة هادفة وغائية، ومن ثم سلوكك حين تتكلم وحين تفعل وحين تصدق وحين تكذب وحين تأخذ وحين تُعطي يتغير، نظرتك إلى المُتعة وإلى الشهوة وإلى السُلطة وإلى المال وإلى الحياة وإلى الموت وإلى كل شيئ تتغير تماماً، وهذا معنى الإيمان بالله، ولذا هذا شيئ خطير وهو أخطر مما نظن، فهذه ليست لعبة نتخذها لكي نُبرِّر بها الجريمة والعبث والانتهازية، لكن الموضوع مُختلِف تماماً، فهذامن أجلنا نحن، لا من أجله هو لا إله إلا هو، وهذا هو معنى الإيمان باللا محدود.
يُوجَد شيئ مُهِم جداً يا إخواني، مُؤسِّس علم النفس أو أحد كبار مُؤسِّسي علم النفس والذي لاح الإلحاد في كثير من كتاباته وأفكاره ونظرياته ويليام جيمس William James الأمريكي – أبو البراجماتية Pragmatism هو ويليام جيمس William James – عنده كتاب أنا انصح بقرائته إسمه ألوان أو ضروب من الخبرة الدينية The Varieties of Religious Experience، فماذا يقول فيه؟ يتحدَّث عن مُهِمة تجربة ذاتية – وهذه مُهِمة التجربة الذاتية على كل حال – قائلاً مررت بتجربة شخصية ذاتية أورثتني يقيناً لا يتزعزع إلى الأبد، فما هذا يا ويليام جيمس William James؟ قال أن هناك خلف الوعي الذي نتعاطى معه – الوعي العادي اليومي والذي يُسمى في العادة بالوعي المنطقي – أشكالاً وصوراً من الوعي أوسع بكثير وهى مُهِمة جداً لإدراك معنى ومغزى الحياة، والسؤال الأهم بصددها كيف نصل إليها؟ كيف نحفزها؟ وكيف نُنشِّطها؟ وما زاد ويليام جيمس William James في هذا الكتاب الماتع شيئاً على ما أبدع في التعبير عنه بشكل أكثر فصاحة وبلاغة الإمام أبو حامد الغزالي، الذي كان لا يفتأ يُردِّد دائماً في كل مُناسَبة: اعلم أيها المُعتكِف في كهف العقل أن من وراء طور العقل أطواراً أخرى – أي للوعي وللإدراك وللفهم – العقل بالقياسِ إليها كالحس بالقياس إلى العقل، فدائرة الحس صغيرة جداً إذا ما قايسناها بدائرة العقل، ثم يقول أمامنا أبو حامد – قدًّس الله سره – ودائرة العقل صغيرة جداً إذا قارنها بدائرة ما وراء العقل، وهذا نفس كلام ويليام جيمس William James!
هناك مسألة مُهِمة الآن وهى مسألة الذين يقتربون من الموت والتي سنعرض لها بجُمل، وهناك مسألة أخرى وهى مسألة الذين يخرجون من أبدانهم وهم أحياء، وهذا سيُقال لكي نعرف هل يُوجَد موت أم لا يُوجَد وما معنى الموت وما هى فلسلفة الموت وهل هى باب وجود أرحب أم هوة عدم سحيق ماحق، فهناك ما يُعرَف بتجربة مُشارَفة الموت أو تجربة الاقتراب من الموت Near-death experience،وطبعاً مَن يقرأ في الكتب المُختَّصة يعلم أن الألوف من الناس خبروا هذه التجربة – Near-death experience – طبعاً، وفي حالات المرض الشديد تقريباً شبه ماتوا ثم لم يموتوا، أي أنهم اقتربوا من الموت كأنهم شامموه، فهم اقتربوا منه وتاخموه أو تاخمهم ثم زايلهم لكي يتركوا لنا الرسائل، وهذا من رحمة الله – لا إله إلا الله – الذي لم يكتف فقط بالخبر الوحياني، وقال لنا أنا سأُتيح لكم خبرات مُهِمة عاشاها فلاسفة كبار وشعرا وفنانون وعسكريون ومن جميع طبقات الشعوب، علماً بأن تجارب الخروج من البدن والاقتراب من الموت كل الثقافات عرفتها عبر العصور ولا تزال تعرفها، لكن العلم الوثني الذي يُريد أن يُوثِّن حياتنا وأن يُكفِّرنا بكل ما له مغزى ومعنى حقيقي في حياتنا لا يهتم بهذه الأشياء، ويُحِب دائماً – والله العظيم – أن يُهيل عليها التراب وأن يطوي عنها كشحاً وأن يُسدِل عليها ستراً باستمرار، لكن الموضوع خطير والعلم لا يُقدِّم لنا العزاء، فحين نفقد هذه الأشياء العلم لا يُقدِّم لنا العزاء، والعلم لا يُقدِّم لنا الحكمة الكافية لنعيش به!
إذن لدينا تجربة مُشارَفة الموت أو الدنو والقرب من الموت التي خبرها وعاشها ألوف أو مئات الألوف من البشر في كل زمانٍ ومكان، ولن أُحدِّثكم عما قرأت فبوسع أي واحد منكم أن يقرأ عشرات الكتب في هذا الموضوع، والكتب كثيرة جداً ومُوثَّقة، وبعضها ألَّفها أساتذة جامعيون ومُحترَمون جداً في تخصصاتهم، أي أن هذا ليس كلام صحافياً أبداً، هذا كلام علمي، لكنني سأُحدِّثكم عن تجارب لأُناس أعلمهم شخصياً، ومنهم سيدة تونسية تُقيم هنا في فينا – لا أدري ربما إن كان زوجها اليوم حاضراً معنا أم لا – حدث معها حادث سيارة مُروِّع، وكتب الله لها – تبارك وتعالى – منه النجاة بحيث أن الشرطة والناس تعجَّبوا جداً كيف نجت، علماً بأن هذا كان قبل سنين، ثم أنها طلبت أن تلتقي بي، لماذا؟ لكي تُحدِّثني بشيئ هى تراه عجباً، لأنها طبعاً في هذه القضايا شبه أمية، فهى لم تقرأ شيئاً ولم تسمع شيئاً عن هاته الموضوعات،وهذا مُهِم جداً فلا يُمكِن أن نقول أنها استوحت هذا الشيئ أو أن هذا كان نوعاً من الإيحاء الذاتي، فهى لا تعرف هذا الشيئ ولا تسمع به أصلاً، وأنا مُتأكِّد الآن أن منكم مَن لم يسمع بهذا من قبل، فلا يعرف أن هذا الشيئ يحدث مع الذين يُشارفون الموت، ولكن هذا موجود ومُوثَّق، وعلى كل حال قالت لي أنها سوف تُحدِّثني عن شيئ غريب جداً حصل لها، فقلت لها ما هو؟ علماً بأنها عاشت تجربتين: تجربة الخروج من الجسد – The Out-of-Body Experience – وتجربة مُشارَفة الموت، فيبدو أن روحها خرجت من جسدها لما شارفت الموت، وقالت لي يا أخي حين حدث هذا الحادث لا أدري ما الذي حصل، فقد دخل فيها المُضاد Gegen، ثم قالت أن العجيب جداً هو أنني رأيت نفسي خلف مقود السيارة، فأنا أرى نفسي وأنا مُغمى علىّ والدماء تسيل مني، رأيت نفسي وكنت في حالة من الذهول، وكنت في نفس الوقت في حالة من التعجب والتساؤل، كيف هذا؟ كيف أرى نفسي؟ كيف أرى بدني؟ لقد رأيت نفسي، ثم قالت وإليك ما هو الأعجب – وتقريباً هذا الأعجب يتكرر في مُعظم الذين خبروا تجربة مُشارَفة الموت – الآن، فما هو؟ قالت لي شُحِذ – هذا تعبيري العلمي الآن – وعيي بطريقة لم أخبرها من قبل، بحيث أنني في ذلكم الوقت عرفت كل ما ترتب علىّ في حياتي – والله العظيم – وعرفت الصلوات التي تركتها وبعض النقود التي أخذتها من بعض الناس دَيناً ولم أُرجِعها، فكل شيئ كان حاضراً أمامي، فأنا ابتسمت لأنها تظن أن هذا سيهولني وربما أميل إلى عدم التصديق، لكنني قلت لهاهذا الشيئ طبيعي وأنا قرأت فيه كتباً، فقالت هذا عجيب، فقلت لها هذا يحدث مع ألوف غيرك، وهو يحدث باستمرار!
أخ ليبي آخر حدث معه نفس الشيئ، شارف الموت لكن كيف؟ كان يمشي على جسر قديم خشبي مُهتريء وفي لحظة مُعينة سقط من الجسر فتعلَّق بخشبة، ومن هنا كان يُحدِّث عما حصل وهو يظن نفسه الفريد أيضاً والوحيد الذي عاش هذه التجربة، فقال في هذه اللحظة وأنا مُعلَّق بين السماء والأرض – طبعاً يسَّر الله له بعد قليل مَن أنقذه وإلا كان سقط وانتهى، لكن هذه تجرب مُشارَفة الموت الآن، وكان من المُمكِن في لحظة أن يقع وينتهي لأن المسافة عالية جداً – رأيت تماماً كل الفروض وكل الصلوات التي لم أصلها، فكنت أعرفها تماماً، فهذا ربما لم يُصل خمسة آلاف صلاة لكنه كان يعرفها، أي أنه يعرف هذه الفروض ويعرف في أي يوم وفي أي ساعة في لحظة كان عليه أن يُؤدي الفرض، تقول الآية الكريمة فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ۩، لا إله إلا الله، وهذا يتكرر تقريباً مع مُعظم الذين خبروا هذه الخبرة، وتجربة الخروج من الجسد تجربة عجيبة وقد حدثت أيضاً لأعداد هائلة من الناس، وسأذكر لكم بعض المشاهير هنا في الغرب لأن في الشرق يقولون لك نحن صوفية ودراويش ومن المسلمين وما إلى ذلك، لكن هذا حدث هنا في الغرب، وبعضهم كانوا شبه ملاحدة وبعضهم علمانيون وبعضهم مُتدينون وأدباء وفلاسفة، وهذا يحدث خاصة مع الأدباء والشعراء والمُفكِّرين المُبدِعين، فالآن سأذكر لكم بعض هذه القائمة، لكن أنا سأحكي لكم كما وعدتكم تجربة عشتها أنا شخصياً مع رجل صالح قبل بضعة أشهر، فهذه كانت آخر تجربة لي، حيث كنت أجلس ويجلس معي شخصٌ آخر، وهذا الرجل الصالح كأنه غاب عن الدنيا، وهو رجل كبير في السن – رجل شيخ هرم كبير في السن – وأعرف أنه من الصالحين وهذا ثابت لدينا بفضل الله، فغاب هكذا الرجل ونحن ظنناه نام، ثم كأنه عاد إلينا في هذه اللحظة وهو يقول أين؟ لماذا لا يُوجَد أي أحد؟ ما الذي حدث؟ أين هم؟ ليسوا هناك، فقلنا له عن ماذا تتحدث؟ ألم تكن نائماً؟ فقال لم أكن نائماً، أنا زرت البلد، وهذا هو معنى الخروج من الجسد، وفي يوم من الأيام كتب شهيد الإشراق وفيلسوف الإشراق المقتول الشهاب السهروردي يقول نحن لا نعد حكيماً مَن لا يستطيع أن يتجرد من بدنه حياً، فأنت تصل إلى الحكمة عند هذا الفيلسوف الإشراقي إذا استطعت أن تخرج من بدنك وأنت حي من غير الموت المعروف وتعود إليه، ومن ثم أنت حكيم، أما إذا لم يكن عندك هذه القدرة فأنت لست حكيماً، وهذا أمر غريب، فهل كان الشهاب السهروردي يُمارِس هذا؟ يبدو أنه كان يفعل هذا، لأن هناك رواية رجَّحها بعض الدارسين أن الرجل حين حكم عليه صلاح الدين – رحمة الله عليه وغفر له – بالموت بضغط الفقهاء المُقلِّدين الظاهرية طبعاً وإلا ابنه الملك الظاهر كان يُحِب الشهاب السهروردي كثيراً جداً لذكائه وزهده – كان رجل زاهداً وذكياً جداً وقد مات وهو عمره أربع وثلاثين سنة الرجل، أي أنهم قتلوه وهو شاب – اختار أن يموت بطريقته، الرواية المُرجَّحة عند بعض الدارسين أنه اختار هذا وقال اتركوني في غرفة ثم عودوا إلىّ بعد سويعة، وحين عادوا وجدوه قد ماتـ فيبدو أنه خرج من بدنه ثم آثر ألا يعود، وهذا شيئ غريب، لكن هو كتب هذا رحمة الله تعالى عليه، فإذن هذا موجود، وعلى كل حال مُحدِّثي الذي كنت أجلس معه قال أنا لم أكن نائماً، فقلت له أين كنت؟ ما الذي حصل؟ قال أحببت أن أُلقي نظرة على البيت – هذا البيت يبعد ثلاثة آلاف كيلو متر، أي أنه في قارة أخرى – فذهبت إلى الطابق الذي يعيشون فيه ولم أجد أحداً، ثم تجولت في الغرف ولم أجد أحداً – انتبهوا لأنه رأى كل شيئ – وبعد ذلك ذهبت إلى الطابق الذي يعلوه ولم أجد أحداً ثم نزلت إلى المندرة في النهاية ولم أجد أحداً، وهذا شيئ غريب، فقلنا عجيب، ثم أجريت اتصالاً بنفسي وفعلاً لا أحد في المنزل، وبعد نهار حدث اتصال فقالوا نعم نحن بالأمس من الوقت الفلاني إلى الوقت الفلاني لم نكن في البيت لأننا كنا في المكان الفلاني، علماً بأن هذا يحدث معه بشكل مُتواتِر، فكلما أراد يفعل هذا، إذن الروح تخرج – بإذن الله – وتذهب إلى قارة آخرى وإلى عالم آخر، وهنا في الدراسات العلمية الغربية يقولون الذين زاولوا ويُزاوِلون ويعيشون ويخبرون تجربة الخروج من البدن يتسع منظورهم بشكل مُثير جداً، بحيث يُمكِن أن يتسع لرؤية تفاصيل كثيرة مُحيِّرة على مُستوى مدينة مثل لندن، فالواحد منهم يراها كلها في نفس اللحظة، هو لا يرى – مثلاً – جمعاً مُبارَكاً كهذا وإنما يرى المدينة كلها وشوارعها والناس وما إلى ذلك في لحظة واحدة، حيثما وجَّه التفاته أو انتباهه يرى ما يُريد، فمنظوره واسع جداً للرؤية، ولذلك من فلاسفة العلم الكبار في القرن العشرن السير آرثر إدينجتون Sir Arthur Eddington والسير ويليام جيمس Sir William James – هذا سير Sir وهذا سير Sir أيضاً برتبة فارس في العلم – والفيزيائي الألماني الشهير جداً فيرنر هايزنبرج Werner Heisenberg الذين أكَّدوا على أن المنظور الذي يتعاطى مع الوجود ومع الحياة – حياتنا هذه – ومع الكون والذي يرى أن ازدواجية المادة والروح – أي المادة والروح – خرافة انحدرت من الماضي البعيد والسحيق هو منظور محدود للغاية، وهو منظور مادي طبعاً، فمَن يقول بالمادة فقط وبآثار المادة هو شخص مادي، لكن يقول ثلاثة هؤلاء الذين ذكرتهم لكم – أي إدينجتون Eddington وجيمس James وهايزنبرج Heisenberg – وهم من كبار العلماء على الإطلاق وهم علماء ماديون ويشتغلون بالفيزياء أن هذا المنظور من الواضح جداً أنه محدود للغاية، فهذا منظور جاهل ومنظور محدود، لأن المسألة أعقد من هذا بكثير!
لو أخذنا على مُستوى علم التشريح وعلم الفسيولوجيا – Physiology – وعلم الأعصاب وعلم الدماغ – مثلاً – السير شرينغتون Sir Sherrington المعروف -الذي درس الطب يعرف مَن هو شرينغتون Sherrington – نجد أن شرينغتون Sherrington كان يقول دائماً لا يُمكِن أن نُفسِّر الوعي بأنه من مفاعيل الدماغ، هذا غلط فهذا شيئ وهذا شيئ، فالوعي شيئ مُفارِق، وأنت تراه مُحايثاً لأن هذا مُمكِن بطريقة التوسل والآلية وليس بطريقة الإنتاج والصنعية، فالمسألة مُعقَّدة، أيضاً السير جون إكليس Sir John Eccles – جون إكليس John Eccles حائز على جائزة نوبل Nobel – قال لا يُمكِن تفسير الوعي الإنساني بالكيمياء والفيزياء، فالمسألة تتعلق بشيئ ما ورائي، وهؤلاء من كبار العلماء على الإطلاق، فإذت هذا المنظور.
وعدتكم أن أذكر لكم بعض الغربيين الذين خبروا تجارب الخروج من البدن، في القرن التاسع عشر الشاعر الإنجليزي العظيم ويليام وردزورث William Wordsworth – أنتم تعرفون Coleridge Wordsworth – حدث معه هذا، فوردزورث Wordsworth عاش هذه الخبرة وكتب عنها، الشاعر تنيسون Tennyson عاش هذه الخبرة، جورج ألين George Allen عاش هذه الخبرة، في القرن العشرين فرجينيا وولف Virginia Woolf عاشت هذه الخبرة، إرنست همنجواي Ernest Hemingway صاحب لمَن تُقرَع الأجراس عاش هذه الخبرة، فهمنجواي Hemingway كتب لأحد أصدقائه ذات مرة وقد أصابته جروح بالغة أو بليغة – علماً بأن هذا في مُذكِّراته – يقول كأن روحي أو شيئاً ما انسل من بدني وخلاج من سلاسة، كما تسحب منديلاً من إحدى جوايا الجيب، ثم قال ورأيت نفسي، وبعد ذلك هذا الشيئ الذي خرج رجع إلىّ، ثم لم أمت أكثر من ذلك، فهكذا عبَّر همنجواي Hemingway قائلاً ثم لم أمت أكثر من ذلك، لأنه يعرف أن هذا موت، شيئ خرج مني ورأيت بدني وبعد ذلك رجع لي فعاود ودخل مرة أُخرى،ولذلك هو قال ثم لم أمت أكثر من ذلك، المجري اليهودي آرثر كوستلر Arthur Koestler صاحب كتاب جذور الصدفة وكتاب القبيلة الثالثة عشر عاش هذه التجربة، ويليام جيرهاردي William Gerhardie عاش هذه التجربة، علماً بأن غيرهم العشرات مِمَن عاشوا هذا لكن أنا أذكر لكم المشاهير فقط، الأديب المُتميِّع الماجن دي إتش لورنس D. H. Lawrence صاحب عشيق الليدي تشاترلي Chatterley عاش هذه التجربة، وكثيرون يعيشون هذه التجربة، لكن حتى لا أُطيل عليكم أُحِب أن أختم بكلمة:
صدِّقوني الموت جميل جداً وتحفة للإنسان الصالح، وصدِّقوني نحن لا نخاف الموت ولا نرهب الموت ولا نستطيع أن نُحدِّق فيه لأننا لا نستطيع أن نُحدِّق في نوايانا وفي أهدافنا وفي مُخطَّطاتنا وفي أعمالنا، أما الذي يُحِب أن يُحدِّق في أعماله وأن يتفحَّص نواياه وأن يبحث عن جذوره لا يخاف هذا، لكن البشر عموماً يكرهون من يحفر على جذورهم، فكل الناس تقريباً إلا هؤلاء المُستبصِرين يكرهون من يبحش على جذورهم ويُعرِّفهم بحقيقة نواياهم المدخولة ويُحاوِل أن يُعطيهم لفتة إلى الوعي الذاتي، أي أن تكون واعياً حتى بدوافعك، فهم يكرهون هذا ويُحِبون من يكذب عليهم ويُموِّه، ولكن الذين يفعلون هذا بكل حرية وبكل انكشافية يكون الموت تحفة لهم كما قال عليه الصلاة وأفضل السلام.
كتب ذات مرة صمويل جونسون Samuel Johnson – المُؤلِّف لقاموس اللغة الإنجليزية – يقول الرجال الفضلاء لا يخافون الموت، إنهم ينتظرونه، ماذا قال الإمام عليّ السلام؟ الإمام عليّ قال موت الصالح راحةٌ لنفسه – هو يُحِب هذا – وموت الطالح راحةٌ للناس، وهناك أدبيات عند المسلمين – الحمد لله – يُمكِن أن تقرأوا فيها هذه الأشياء، فهم يقولون لك أن لديهم علم الموت Thanatology، لكن نحن لدينا أدبيات بالألوف – بفضل الله تبارك وتعالى – ترصد وتُسجِّل وتُوثِّق ماذا كان يقول الصالحون والطالحون والطواغيت والعادلون حين يحتضرون، وهذه أدبيات كبيرة جداً، والشيخ عبد الرحمن خليف التونسي – رحمة الله عليه – عنده كتاب لطيف جداً في هذا الشيئ يتحدث فيه بهذا الصدد وهو في حوالي أربعمائة صفحة، فذكر ماذا قال هذا وماذا قال هذا، ودائماً ما نجد أن الصالحين الفضلاء من البشر يُحِبون الموت ويستقبلونه بكل فرحةٍ ونشوة،
الإمام الغزالي يقول أخوه أحمد: الغزالي في صبيحة يوم وفاته بعد أن صلى الفجر وتلا ورده استأذن – أي بالانصراف – فتركته، علماً بأن عنده الكفن، ثم عُدت إليه وإذا به يقول مرحباً بالدخول على الملك، ومدَّد نفسه ثم فترة وإذا به غادر هذا العالم، والإمام عليّ يقول موت الصالح راحةٌ له وموت الطالح راحةٌ للناس، أي سوف تستريح منه البلاد والعباد، فأصلحوا ما بينكم وبين الله وأصلحوا أنفسكم لا مواعظاً وخطباً وإنما أصلحوا أنفسكم على مُستوى النوايا والأهداف والغايات والسلوك، ثم يا ألف مرحباً وحَيَّهَلا بالموت، أهلاً وسهلاً بالموت في أي لحظة بإذن الله.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم اهدِنا فيمَن هديت وعافنا فيمَن عافيت وتولنا فيمَن توليت، اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا برحمتك يا أرحم الراحمين، جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أعِنا على ذكرك وشُكرك وحُسن عبادتك، اللهم ارزقنا برد اليقين ولذة النظر إلى وجهك الكريم في غير غراء مُضِرة ولا فتنة مُضِلة برحمتك يا أرحم الراحمين، أجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أذهِب عن بلادنا الوباء والبلاء والمحن والفتن برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اهِد شبابنا – أبناءنا وبناتنا – وجنِّبهم الفتن وعُد بهم إلى دينهم وإلى رُشدِهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله، وأقِم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (27/12/2013)
أضف تعليق