على مدار الست أو الخمس السنوات الأخيرة، والمَرجَل يغلي؛ مرجل “رجال” الدين وكنسيتهم الإسلامية المزوقة، يحاربون من يخالف طرائقهم المندرسة، ويعقدون مجالس للغزو التشويهي وانتقاص المخالف والذبح والسلخ، والتقليل من حجم الآخر وقدره، وفي ذات اللحظة النكير الكبير على ما أُحدث، والتشدد الصارخ حيال ما أُبديَ. أمراء حرب، لا علماء حب، علماء تطابق لا علماء إنصاف، لعلي أنعتهم بالعلماء؛ وهم كذلك، ولكن النقص في الشريف قبيح! يتعاضدون ويتحامون ببعضهم، وكأن الدين هو ذلك العالم أو تلك الثلة من العلماء، دون أن تجد الفرادة، أو النقد من أحدهم لأحدهم أو لمجموعهم، متطابقون تماماً، لا ينقصهم غير السعي على نحو يثير شفقة الثكلى على ما بها من شفقة، السعي لتضليل هذا، وإسقاط ذاك، هذا وذاك؛ اللذان ليسا من مجموعهم المنظوم، وفكرهم المتناسق الفرداني.
إن العوام في تلاقٍ غرائبي، وفي تلاقح مخل، ببعض من ألمعت إليهم من العلماء، فحجج العامي كحججهم، وترداد العامي كتردادهم، وكأنهم في معزل عن ذواتهم وأمتهم، فضلاً عن سبر غور ما يقتطعونه من الإشاعات العامية الضحلة. فمن يصدق أن هيئة كبار العلماء تردد ما قاله ذلك العامي على صفحة الفيسبوك يوماً! فتلقي بها كقنبلة في وجه المثقف قبل غيره، فلا يكون لها من أثر، غير دخانها الذي تتآكله الرياح، وترمي بثقلها من خلف ستائر سميكة، وجدار أصم، دون أن تخلع ستائرها الحائلة، وتنتشل الحق من براثن الظلال الذي تدعيه، فما القيمة المبتغاة من وراء الدعاوى العريضة إذا ما كانت بلهاء، وما وزن من ينادي بميزان الله، إذا ما كانت عنده موازين العباد مرجوحة الكفة.
إن تحشيد الطغام؛ عين “التخصص” الذي نادوا إليه، كما أن الطغام هم المتخصصون الذين صاحوا بهم أن هلموا، فكان اللعن والتقبيح والقذع الأصلع يتجاوز كل التخصصات، بل يتجاوز الطغام أنفسهم، فقد ظهر في رأس كل واحدٍ منهم ألف قرن من قرون الوهم الديني، والغيرة العمياء الباطشة، ولا عجب؛ فالدين أفيون الشعوب.
تجاوز الظلم مداه، وعلماء الحرب ينظرون من وراء تلكم الستائر إلى معارك أمتنا التي يؤججونها، وكأن ليس لهم من دور سوى صب الزيت على النار، دون أن يطفئوا تلكم النار بأفواههم، إذا ما صوبوها نحو الفوهة التي تتصاعد منها. انفخوا بصدق تحت ذلكم المرجل الذي تغلي من تحته النيران، حتى نستوعب تلازمية أقوالكم وأفعالكم، بل حتى تمتازوا بالواجب المناط بكم، في ظل ميزة الأسماء الرنانة التي تتملكونها، والفتاوى المطولة التي تطلقونها.
إن الفرق ما بين أبي محمد الشيخ الجليل عدنان إبراهيم، وما بين أولئك، أنه رجل يتناقض، أو كما يحلو لهم وصفه، بينما هم لا يتناقضون، وذلك لأنه رجل بحاثة على مدار الساعة، وهم يغطون في النوم على مدار الساعات، كما أنه إذا أخطأ اعترف بخطئه بكل شجاعة وإقدام، أما أولئك فلم يخطئ منهم أحد إلى اليوم! أو على الأقل لم أسمع لأحدهم ذلك الاعتراف بالخطأ؛ رغم استماعي الكبير منذ كنت. فهل سمعتم أنتم؟. من يلبس البشت ويرتدي معه التكشير والتثاقل في آن، ليس كمن يلبس الكرفتة والبدلة البهية الرائقة، وبراءة الإخلاص ولين الجانب يسابقانه إلى منبره، ولأننا أبناء الأمّة التي لا تخطئ ولا تتناقض!، شنع عليه كبارها وصغارها، وقالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر، بينما هو من حيث التحقيق أجدر على التشنيع بهم وبمنهجهم البليد الطارد لأبسط معايير الوعي.
إن كتاب “تحذير المؤمنات من لبس البنطلونات” وكذا كتاب “الرد الصاعق على مجيزي الأكل بالملاعق” لم يعودا اليوم يشغلان الشباب، إنما أصبح يشغلهم نظرية دارون، وفلسفة نيتشه، وفيزياء الكم، وكتاب المحلى لابن حزم، وفتاوى ابن تيمية، وهمع الهوامع للسيوطي. لقد أصبح شباب هذه الأمّة كباراً، بعد أن وجدوا المُثل العلمية الباذخة كامنة في أبطالهم من العلماء الجهابذة الأفذاذ، فها هو عدنان إبراهيم يفعل في هذا الجيل ما لم تستطيعوا فعله على مدار عقود. فمنذ صباي الباكر وأنا أستمع إليكم، محاضراتكم وأقوالكم، وفتاواكم، فضلاً عن وعظكم الذي تكدس في رأسي، وذلك على مدى 23 سنة، لماذا برأيكم في بضعة أشهر أصبحت عدنانياً؟ لماذا برأيكم بعد خمس سنوات من عدنانيتي؛ أصبحت أنقدكم؟ ما سر هذا التسرب من أقفاصكم؟! لعلي قلت أقفاصكم، لأن تلكم الأقفاص تجاوزتها المعرفة كما تجاوزتكم، ولأنكم مع شديد الأسف تتحدثون إلى العالم بلغة يابسة، وبعقلية خامدة، لا يعتركها سوى سطوع النجوم البهية، التي لا بد لها أن تعمي القابع في ظلام قفصه الكبير، فيحولق بناظريه والغُبن يملأ رئتيه، ويقول عن ذلك السطوع البادي من السماء أقاويل الويل كلها، إن من استطاع أن يصنع للآخرين أقفاصاً من الفهم والعلم، فبالحَتْم أنه قد صنع لنفسه قفصاً قبل الناس جميعاً.
تتهمون الشيخ الجليل بما ليس فيه، وتختلقون الإثم دونما دليل، فمن سابٍّ للصحابة هكذا بالمجمل!، إلى مسيء لعائشة رضي الله عنها!! إلى مشكك في الصحيحين!!!، وكل ما ذكرنا وما لم نذكر، ليس إلا أقاويل ليس لها دليل من قبيل، فإذا ما كان قد تحدث في معاوية، فلماذا تعدون ذلك سابقة في منأى عن أكابر العلماء الذي قالوا وزادوا في معاوية، ولِمَ لا تحذرون من كتبهم، أو تردون عليهم في الكتب؟
كذلك الصحيحين، أما أمنا عائشة رضي الله عنها فلم يذكرها الشيخ الفاضل بسوء.
ما بالنا نحاول أن نرضيكم على كل حرفٍ ينطقه، وعلى كل فكرة يمضيها، ها هو صوته البديع يدوي في كل الدنيا، أن تفضلوا للمناظرة والمحاججة، هاتوا برهانكم، أوقفوني بالعلم الذي تكفِّروني وتضللونني بسببه أو هكذا تزعمون، فأنا أخاطب الشباب به لا بسواه، قوموا إليَّ بكبيركم، حتى إذا ما فذذته؛ فذذتكم جميعاً، فصغاركم سيكون لكم من بعدهم تعِلّةً ومقولة، وهذا ما لا أقبله، بل ائتوا جميعكم دونما مثنوية، فأنا أبن الاعتزاز، وفي قلبي الشجاعة والإيمان والعلم.
شتان ما بين منطق النور ومنطق الظلام، فمنطق الظلام يحتج بياسر الحبيب على عدنان إبراهيم، وكان الأولى بذلك المنطق المتهالك أن يحتج بأبي طالب على محمد صلوات ربي وسلامه عليه، فإذا ما فرضنا جدلاً بأن ما قيل في عدنان من قِبل ياسر الحبيب قيل في الفوزان، فهل يعقل أن يقبل الناس ما قاله ياسر الحبيب في الفوزان؛ لأن ياسر الحبيب قال!، ويتخذونها حجة ليس لها من راد!!، أي سطحية هذه، وأي استدلال باردٍ هذا؟!
تتجلى الفوارق، ويتضح جنون الحسد والبغي، فمن محذِّر من الضلالات، دون محذر من مالك القناة، أو هكذا أصبحت الناس تسخر من هذا التهافت المحزن، ومن مستدل بهراء لا ينسلك في عقل محترم، إلى منطق النور الداعي للمناظرة بكل أدب وتقدير، فلا شتيمة متبادلة، ولا تضليل للآخر، ولا انفعالات صبيانية كما نرى بعض الدعاة المتلفعين بطربوش العلماء، فقط دعوة للمناظرة، فأي رقيٍ هذا؟ وأي ثقة تلك؟! وأي شجاعة ومعرفة التي يحتقبها هذا العلامة الدهقن العارف بالله؟!
المصدر: هافينغتون بوست
مقالة قصيرة بعنوان :
نظرتي للعالَم السياسي بعيون العالِم عدنان إبراهيم
من جهة يقال أن اليهود لا يؤمنون بالإنجيل، بكل الأناجيل، قانونية أو غير ذلك، لا يؤمنون بالمسيح أساسا، و لن يؤمنوا به. من جهة أخرى يقال أنه في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، تستعد الطوائف المتحدة المسيحية اليهودية للحرب الهرمكدية، كل هذه التكثلات الأورثودوكسية البروتستانتية التوراتية التلمودية (و هي تجوقات متطرفة و تجمعات أصولية و ذات إيديولوجية صهيونية) تحشد السلاح الجبار و العتاد البثار، و تؤمن بضرورة تجميع يهود العالم ليتوجهوا إلى إسرائيل، ثم سينتقلون مستقبلا من الملة اليهودية الإبراهيمية إلى الملة المسيحية اليسوعية، و هم لا يؤمنون بالمسيح أصلا و لا بعودته و لا هم يحزنون. كل هذا عبارة عن سفسطة سريالية و هذيان، لأن ما فسرته علوم الرياضيات و الفيزياء في القرنين الماضيين، لم تستطع الفلسفة و الثيولوجية شرحه في خمس آلاف سنة فارطة. الحقيقة هي أن معظم من يحوز على السلطة و الحكم، إلا من رسَّخ الله إيمانه و كان من الناجين، يصير شيطانا عتيا، يسحق البلاد و يمحق العباد، حتى و إن بدا رائعا وديعا بريئا مثاليا ذكيا مثقفا مبدعا، و يتحدث بمنطق صائب، لأن الثيوقراطية إن لم تكن دهاء مفرطا يستعمل لتطويع الناس أو إستعبادهم، فهي هراء و غباء، تبادر بإلغاء الآخر و دفنه حيا. هذه الإشكالية كائنة في كل الديانات و الشعوب و الحضارات، القديمة و المعاصرة. و بالتالي يفهم الإنسان و يقتنع لماذا تحرم إسرائيل و دول الغرب إنتاج القنبلة النووية تحريما مطلقا عن العرب، لكن من الواضح كذلك، أن جل الدول الغربية المتقدمة لا ترغب بالتورط في حرب عالمية ثالثة ما عدا روسيا، و يمكن التوقع أنه بعد الإنهيار الكلي المحتمل للإمراطورية العالمية الأمريكية و تفككها السياسي و الإجتماعي، لن تبسط أي إمراطورية جديدة سيادة عالمية، و لن تتمكن أي دولة طموحة، مهما كانت قوتها و أفكارها و نظرياتها و توجهاتها، من السيطرة الشاملة على العالم في المستقبل القريب أو المتوسط، و ربما حتى البعيد.
مقال شجاع و صريح!
ما احوجنا لاعلام راقي متحر للصدق! شكرًا لكاتب المقال مستعملا فنون اللغة و التعبير بأسلوب شائق و ممتع رغم الحزن الذي نشعر به لغياب الأدب في التحاور بين العامة و ايضا للأسف غياب علمائنا الأفاضل لتذكير الناس بقواعد أدب التحاور و الخلاف
و لكن لعله خير و لخير ! ربما الكثير منهم سيتقدمون للأخذ بايدي “العامة” لمستقبل افضل في هذا المجال
أتمنى من الدكتورعدنان و المختصين (علم نفس علم اجتماع إعلاميين ….) ان يعالجوا هذا الامر ببعض المحاضرات المباشرة عليه
دمتم بحول الله و قوته