إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين المُجاهِدين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الكريمات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ۩ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ۩ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ۩، ما هي أولى صفات هؤلاء الذين يُحِبهم الله – تبارك وتعالى – ويُحِبونه؟ أولى صفاتهم – أيها الإخوة والأخوات – الذلة على المُؤمِنين، أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ۩، ثاني هذه الصفات العزة على الكافرين، وثالث هذه الصفات الجهاد في سبيل الله من غير أن يخافوا لَوْمَةَ لائِمٍ ۩.
إذن في رأس هذه الصفات صفة التواضع، صفة الذلة، الذلة للإخوان، لإخوان المِلة، لإخوان الدين، هذه أول صفة تُرشَّح صاحبها لمقام محبوبية الله – سُبحانه وتعالى -، أن يكون محبوباً عند الله – تبارك وتعالى -.
وفي المُقابِل مَن لم يتصف بهذه الصفات فبعيد وبعيد جداً – أيها الإخوة والأخوات – أن يكون من أهل محبة الله – سُبحانه وتعالى -، وبلا شك أن مَن جعل الله لهم – عز وجل – وداً ومحبةً أنهم يُكرَمون مزيد كرامة، ويُؤمَّنون مزيد أمن يوم القيامة، ويُصرَف عنهم من وجوه السوء والفزع والخوف والبلايا والمحن في الدنيا والآخرة ما لا يُصرَف عن سواهم، وهذا واضح بيّن.
النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – صاحب الخُلق العظيم، بشهادة مولاه الكريم – سُبحانه وتعالى -، وليس وراء شهادة الله من شهادة، وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ۩، وقد كان يُمكِن أن يقول كريم، لكنه قال عَظِيمٍ ۩، لأنه خُلق جليل كبير ضخم، من أي الجوانب نظرت إليه وجدت أُفقاً لا يُطاوَل، وجدت أمداً لا يُبلَغ، كان سيد المُتواضِعين، كان سيد المُتواضِعين لإخوانه وأتباعه وأمته، وهو مَن خاطبه مولاه – سُبحانه وتعالى – بقوله وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۩، وهو القائل – بأبي وأمي هو، عليه الصلاة وأفضل السلام – ألا أُخبِركم بمَن يحرم على النار أو بمَن تحرم النار عليه؟ هكذا الحديث نفسه! قال ألا أُخبِركم بمَن يحرم على النار أو بمَن تحرم النار عليه؟ قالوا بلى يا رسول الله، هؤلاء مُحرَّمون على نار جهنم! قال كل قريب هيّن سهل ليّن، المُتواضِعون! ما معنى قريب؟ تستطيع أن تُحدِّثه، تستطيع أن تسأله، تستطيع أن تنصحه، تستطيع أن تعترض عليه، تستطيع أن تتكلَّم معه، وتستطيع أن تطلب إليه الطَلِبة، قريب! هو يُعطيك من نفسه أنه قريب، وأنه هيّن، وأنه بسيط، غير مُتكلِّف، على عفويته، على تلقائتيه، كما كان النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -.
النبي الذي كان يخطب – ولعله كان يخطب من يوم جُمعة – ويرى الحسن والحُسين وقد أقبلا يعثران في ثوبين أحمرين لهما، فلم يحتمل، يقطع خُطبته وينزل، ويأخذهما ثم يقول صدق الله، أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۩، لقد رأيت هذين الصبيين، يقول فلم أحتمل، قلبه لم يحتمل، يقطع الخُطبة؟ نعم، وقطعها أيضاً، وهذا عجيب، من أعجب ما نقرأه في سيرته وسُنته، أي عالم، أي خطيب، أي واعظ، وأي مُربٍ فعل مثل هذه الفعلة الكريمة؟ ولو فعلها لأصبحت سُبة ووصمة، ولانتقده الناس عن آخرهم، لجهلم! لأنهم يُحِبون المراسم، يُحِبون الهيئات، يُحِبون البروتوكولات Protocols، يُحِبون القوانين التي قننوها هم هكذا في اجتماعياتهم وهيئاتهم الاجتماعية، وهذا كلام فارغ، كله لا قيمة له للأسف الشديد، الدين الصحيح هو دين الفطرة، دين العفوية، ودين التلقائية.
في الصحيح – في صحيح مُسلِم وغيره – عن أبي رفاعة – تميم بن أُسيد رضيَ الله عنه وأرضاه – الآتي، يقول أبو رفاعة أتيت النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – وهو على منبره يخطب الناس، خُطبة! قال فقلت يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه، يتكلَّم والرسول يخطب! قال فقلت يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه، قال فقطع النبي خُطبته، ونزل من على منبره، حتى إذا صار إلىّ جاءوا إليه بكرسي، فُوضِع له – هذا في الصحيح، في مُسلِم، ليست أسطورة، قصة حقيقية، حديث صحيح – الكرسي، فجلس وشرع يُعلِّمني مما علمه الله، الدين عقائده كذا، شعائره كذا، عباداته كذا وكذا، علَّمه! بأبي وأمي هو، ما أعظم تواضعه! بأبي وأمي هو، ما أحسن تعليمه! وما أعظم وما أكرم تربيته لأصحابه أيضاً! أصحابه لم ينتهروا هذا الرجل، لم يقل أحد اسكت يا رجل، اسكت، صه، كيف تقطع رسول الله؟ سكتوا، الأمر لرسول الله، وهم يتعلَّمون، لم يجدوا غضاضة في ذلكم.
يقول أبو رفاعة – تميم بن أُسيد رضيَ الله عنه وأرضاه – حتى إذا علَّمني قام وأتم خُطبته من آخرها، أي من أين قطعها، عاد إلى المنبر وخطب في الناس، الله أكبر، الله أكبر، ما هذا التواضع؟! تواضع عجيب جداً، لم يُسمَع ولا يُسمَع بمثله قط، لم يُسمَع بمثل هذا التواضع قط، يقطع خُطبته ويُعلِّم رجلاً جاء يسأل عن دينه، لم يجد في هذا غضاضة.
الآن بعض الناس يغضب لو كان يُحاضِر – مثلاً – وجاء أحد يُريد أن يُصافِحه، مُستحيل! يغضب جداً، كيف تقطع المُحاضَرة وربما تُصوَّر؟ بالعكس! خُلق الإسلام الصحيح يقول لك قُم، اقطع المُحاضَرة، وصافحه أو سلِّم عليه وكلِّمه ثم عُد، هكذا التواضع، كُن هيّناً قريباً سهلاً ليّناً، من غير تكلف، كيف لا وهو – عليه الصلاة وأفضل السلام – أيها الإخوة والأخوات كان يفعل ذلك؟ وقد سُئلت عائشة عنه في حديث عبد الله بن بُسر الصحيح، قال سُئلت عائشة – أم المُؤمِنين، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين – عن رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – ماذا كان يفعل حين يكون في بيته؟ قالت كان يكون في مهنة أهله، فإذا نُوديَ إلى الصلاة خرج إلى الصلاة، في مهنة أهله! وهذا في الصحيح، ما معنى في مهنة أهله؟ أي إنه ربما يُساعِدهم في الطبخ، يُساعِدهم في تقطيع بعض الأشياء، في قم القمامة، وفي تدبير أمور المنزل، في مهنة أهله! فيما تفعله زوجته يفعله هو – عليه الصلاة وأفضل السلام -.
هذا نبي، رسول، مُؤسِّس دولة، وقائد أمة، لا يُوجَد في التاريخ كله شخصية تُقارِبه أصلاً، وهكذا كان، في مهنة أهله! مُتواضِع جداً، لا يرى أن هذا لا يجوز، نحن رُبينا على طريقة ترى أن من العيب ومما لا يليق ولا يجوز أن يدخل الولد – الابن الشاب مثلاً – على أمه وهي في المطبخ، لا يجوز هذا بالرجال، عُنجهية فارغة، أفكار فارغة رُبينا عليها – والعياذ بالله -، أورثتنا عُبية جاهلية وحمية جاهلية، ليست من دين الله في شيئ، والنبي كان في مهنة أهله، في مهنة أهله – عليه الصلاة وأفضل السلام -.
تصفه عائشة – رضوان الله تعالى عليها -، وتقول النبي كان يخصف نعله، إذا تخرَّق يخصفه، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويرقع دلوه أيضاً، هكذا كان النبي، بنفسه! بنفسه يفعل هذه الأشياء، وطبعاً بلا شك كان الكل حريصاً على أن يكفوه هذه الأشياء، لكنه يتواضع لله، يُحِب هذا التواضع، والتواضع من ماذا؟ من أين اشتقاق التواضع؟ من قولهم وضع نفسه، هذا هو! وضع نفسه، فهو يتواضع، أي يُحاوِل دائماً وبازدياد أن يضع نفسه أقل مما تستحق، هكذا!
خرج في سفر – عليه الصلاة وأفضل السلام – وطلب إلى أصحابه أن يُصلِحوا له شاة أو بالأحرى أن يُصلِحوا شاةً لهم جميعاً، فقال أحدهم يا رسول الله علىّ ذبحها، وقال الآخر وأنا علىّ سلخها، وقال الآخر وأنا علىّ طبخها، قال هو – عليه الصلاة وأفضل السلام – وأنا علىّ جمع الحطب، ولعله الأشق، قالوا يا رسول الله نكفيك، قال أعلم أنكم تكفونني، ولكني لا أُحِب أن أتميَّز على أصحابي، فإن الله – تبارك وتعالى – يكره من العبد أن يتميَّز على أصحابه، الله يكره هذا، لا يُحِبه! لا يُحِب أن تكون مُتميِّزاً، تجلس والكل يخدمك، الكل يسعى في راحتك، لا! اسع أنت أيضاً معهم، كُن واحداً منهم.
كان النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – لا يتخيَّر المجلس، يجلس حيث انتهى به المجلس، أليس كذلك؟ للأسف نحن نفعل الآتي، وهذا – والله – مما يسوء، يسوءني ويسوءكم، ودائماً نجد غضاضة في هذا الشيئ، ويا ليت أننا نتخلى عن هذا الشيئ، لأنه تقليد للأجانب، تقليد لغير المُسلِمين، تقليد لمَن لا يستن بسُنة رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، في الأحفال – أقولها بوضوح – والاجتماعات العامة دائماً يُحجَز الصف الأول والثاني والثالث لأصحاب الهيئات، وهذا غير صحيح، ليس من الدين، الذي يأتي أولاً يجلس أولاً، والذي يأتي آخراً يجلس آخراً، حتى وإن كان كبيراً أو صغيراً، إلا أن يُفسِح الناس له ويعزمون عليه، هذا شيئ آخر، يُحِبون أن يُكرِموه بمجالسهم، هذا شيئ آخر، الرسول كان يقبل التكرمة، لكن لا يُحجَز له حتى وإن أتى في آخر الناس ثم يتقدَّم ويتخطى ويأتي ليجلس والمكان فارغ، هذا ليس من أخلاق رسول الله، ليس من سُنة محمد بن عبد الله ولا من هديه – عليه الصلاة وأفضل السلام – للأسف، وهكذا تدخلنا العُنجهية والعجرفة والكبر دون أن ندري، هذا غير صحيح، كل واحد فينا يجلس حيث انتهى به المجلس، فلنتواضع لله، ولنتواضع لأنفسنا، ولماذا التميز؟ ليس من دين الله أن نتميَّز هذا التميز كله، غير صحيح!
كان يجلس – عليه الصلاة وأفضل السلام – حيث انتهى به المجلس، حتى ما يعرفه الذي يراه لأول مرة، وربما سأل ما محمد؟ أي مَن محمد؟ ما وأين محمد؟ ما محمد فيكم؟ لا يعرف، لأنه ليس في صدر المجلس، ليس له عرش وكرسي لا يُخطئه أن يجلس فيه دائماً، لم يفعل هذا أبداً، هكذا كان – عليه الصلاة وأفضل السلام -.
والأغرب أنه كان إذا آتاه أحد الناس يُؤثِره بمجلسه، وربما يدفع إليه الوسادة التي كانت تحته، الله أكبر! يأخذ الوسادة ويُعطيها له، كما فعل مع عدي بن حاتم، وهذا في الصحيح أيضاً، هكذا كان – عليه الصلاة وأفضل السلام -.
بلغ من تواضعه أنه كان يركب الحمار، الحمار! وعادة الملوك والكُبراء والعلية أنهم يختصون أنفسهم بركوب ماذا؟ الأفراس، الخيول فقط، لا يركبون الحمير، النبي كان يركب الحمار، وهذا ثابت عنه – عليه الصلاة وأفضل السلام -، كان يركب الحمار، يقول أنس – وهذا حديث صحيح – جاء النبي من قريظة – أي بعد معركة قريظة – وهو على حمار، وحبله من ليف، وإكافه من ليف، الإكاف على الحمار كالبردعة للفرس أو للحصان، قال إكافه – أي بردعته – من ليف، والنبي يركب عليه، على حمار!
في الترمذي وغيره يقول جُبير بن مُطعِم تقولون في التيه، كان يُتهَم جُبير – عليه الرضوان والرحمة – بأنه يتيه، بأنه تزدهي نفسه، فيه كبر، هكذا بعض الناس يتهمون! قال تقولون في التيه، وقد ركبت الحمار، ولبست الشملة، وحلبت الشاة، وقد قال رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن فعلها فقد برئ من الكبر، لست مُتكبِّراً، أنا أركب الحمار، يقول لهم هذا جُبير، لكنه ربما يعتز برجولته وبإسلامه، وهذا شيئ والكبر شيئ آخر، الاعتزاز! حتى التكبر على بعض المُتعجرِفين والمُتكبِّرين وأصحاب البأو والزهو أحياناً يكون صدقة، وهو مُستحَب وفيه آثار – غير أثر -، نعم! لكن التواضع لمَن؟ للطيبين، لأهل العفاف، ولأهل الكفاف، قال وقد قال رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن فعلها – أي هذه الخلال الثلاث – فقد برئ من الكبر، ركوب الحمار ولُبس الشملة وحلب الشاة، قال وأنا أفعلها، فكيف يُقال في التيه وفي الكبر؟ نعم، هكذا!
عمر بن الخطاب – لتقرير هذا المعنى الذي ذكرته قُبيل قليل – هو الذي قال حين وُلي الخلافة في خُطبة مُتقدِّمة من الخُطب الأوائل في صدر خلافته، قال أما الشدة التي تعرفون فقد أُضعِفت، لست عمر الجبّار الأول، أنا الآن أعلاكم مقاماً في الدنيا، لكنني ضعيف أمام الحق، وضعيف أمام أهل الحق، أما الشدة التي تعرفون فقد أُضعِفت، ولا تكون إلا على أهل الظلم والعدوان على المُسلِمين، نعم شديد أنا على الظلمة والمُعتدين، شديد جداً! أما أهل الدين والقصد فأنا أتواضع لهم أكثر مما يتواضع بعضهم لبعض، وما بقيَ من تلك الشدة فأنا أضع خدي – يقول عمر فأنا أضع خدي – على الأرض لأهل العفاف والكفاف، إلى هذه الدرجة أنا مُتواضِع – يقول – لكنني شديد على الظلمة، على العادين، وعلى الباغين، أما هؤلاء فلا، أنا أضع خدي لهم تواضعاً – رضي الله عنه وأرضاه -، هكذا!
النبي إذن كان يركب الحمار من تواضعه – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وهكذا فعل إخوانه وخلفاؤه من بعده، الإمام عليّ كان يركب الحمار، غداة استُخلِف رآه الناس يركب حماراً، وقد كان رجلاً طوالاً، يركب حماراً تخط رجلاه الأرض، فاستغرب الناس! أمير المُؤمِنين يركب على حمار؟ على حمار، لأن نبيه ركب الحمار، لِمَ لا؟ تواضع، تواضعوا لله، كان يركب الحمار.
وإذا ركب الدابة أو الفرس – عليه الصلاة وأفضل السلام – ربما أردف خلفه، وهذا أيضاً من بالغ تواضعه، أي يُركِب خلفه على الدابة بعض الناس، تواضع! لا يركب وحده، يُردِف، وتعلمون أنه أردف ابن عباس في الوصية المشهورة والتي شُرحِت في كُتب، أردف مُعاذ بن جبل في الحديث المُخرَّج في الصحيحين، حديث التبشير معروف، حق الله وحق العباد! أردفه خلفه، قال كنت ردفه على حمار يُقال له عُفير، قال على حمار، انتبهوا! قال كنت ردفه على حمار يُقال له عُفير، والحديث مُخرَّج في الصحيحين، وأردف الفضل بن العباس – ابن عمه العباس – خلفه، أردفه خلفه وحمل قُثم وهو أخو الفضل، قُثم بن العباس، أردف الفضل وحمل قُثم بيديه أمامه، قال الراوي أو العكس، إما حمل الفضل وأردف قُثم أو حمل قُثم وأردف الفضل، شك الراوي، على كل حال حمل أحدهما وأردف الآخر، وربما أردف أيضاً بعض نسائه كما فعل مع صفية بنت حيي لما أعتقها وتزوَّجها، أردفها وحوى عليها تحويةً هكذا – عليه الصلاة وأفضل السلام -، تواضع! تواضع عجيب جداً منه – عليه الصلاة وأفضل السلام -، شيئ لم يُسمَع بمثله، لأنه كان صغيراً في نفسه، ومن دعائه اجعلني في نفسي صغيراً وفي أعين الناس كبيراً، كانت الملوك تهابه، كان رُسل الملوك إذا رأوه لأول مرة يرتجفون، يُرعَدون، يأخذهم الخوف، هكذا! فربما قال لأحدهم هوِّن عليك، لست ملكاً ولا ابن ملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش، لم تكن تأكل اللحم الطازج – كما يُقال -، وإنما اللحم القديد، شرائح اللحم التي تُجفَّف أيام التشريق في الشمس، وهذا من رديء طعامهم، من رديء طعامهم ولا يأكله إلا الفقراء والمعوزون المعدومون، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد، هكذا يتواضع ويهضم نفسه – عليه الصلاة وأفضل السلام -.
الحكايا والقصص والأحاديث الثابتة عنه كثيرة جداً في هذا الباب – عليه الصلاة وأفضل السلام -، كثيرة جداً! هو سيد المُتواضِعين، ويقبل أيضاً ويسمع السوء، ويسمع التجريح ويصبر، ويتمثَّل ويحتدي الأنبياء من قبله، يقول رحم الله أخي موسى، لقد أُوذيَ بأكثر من هذا فصبر، وأنا أصبر على الكلام وعلى قلة الأدب وقلة الاحتشام من بعض الناس، أصبر! فالأنبياء من قبلي أُوذوا أيضاً بالكلام وبالفعال، وهذا من تواضع – عليه الصلاة وأفضل السلام -.
وقد كان يُشدِّد النكير على أهل الكبر والزهو والبأو، ويُخوِّف، يُخوِّف من مصائرهم، يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – فيما أخرجه الترمذي وغيره، يقول لا يزال الرجل يذهب بنفسه، أي أنا وأنا، ينتفخ دائماً، كل يوم عن يوم يزداد، ما شاء الله! يظن أن الله ما خلق مثله، خلقه من ذهب وخلق الناس من قشر، يقول لا يزال الرجل يذهب بنفسه، حتى يُكتَب في الجبّارين، فيُصيبه ما أصابهم، وما الذي أصاب الجبّارين – والعياذ بالله -؟ الخسف في الدنيا، خسف الله بهم – والعياذ بالله -، وفي الآخرة – والعياذ بالله – لهم عذاب خاص، في الحشر – في أرض المحشر – وفي جهنم – والعياذ بالله -، لهم أودية خاصة، يُعذِّب بها الله المُتكبِّرين والمُتجبِّرين من عباد الله.
في الترمذي وابن ماجة أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان له قصعة، لا يستقل بحملها أقل من ثمانية رجال، قصعة كبيرة، يُثرَد فيها الثريد، يحملها ثمانية رجال، لا أقل من ثمانية رجال، تُدعى الغراء، يقول الراوي فأوتيَ بها صباحاً حين أضحوا، أي في وقت الضحاء، فلما سجدوا – يعني صلاة الضحى، قال فلما سجدوا، أي من الضُحى – التفوا حولها، فلما رآهم النبي قد تكاثروا جثا على ركبتيه، هكذا يجلس ليأكل، يجثو على ركبتيه، لا يتربَّع ولا يجلس على كرسي أبداً، يجلس وهو يجثو كالعبيد، كالناس المملوكين، جثا على ركبتيه وقال لهم كلوا، كلوا من أطرافها، ودعوا أعلاها، يُبارَك لكم فيها، فجاء أعرابي ورآه يجلس هذه الجِلسة، والجِلسة هنا اسم هيئة، ليست اسم مرة، أي جَلسة، وإنما جِلسة، للشكل! رآه يجلس هذه الجِلسة فقال انظروا، ما هذه الجِلسة؟ الأعرابي استغرب، مُستحيل! هذا الرجل قائد أمة، أيجلس هذه الجِلسة؟ قال ما هذه الجِلسة؟ يجلس كالعبد! فقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إنما آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، لقد جعلني الله عبداً كريماً، ولم يجعلني جبّاراً عنيداً، قال أنا فخور بهذا، أنا عبد، عبذ ذليل لله وكريم عند الناس وكريم أيضاً في نفسي، لكنني عبد ذليل لله – تبارك وتعالى -.
أشرف ألقاب رسول الله العبد، لذلك نعته الله بوصف العبودية الكاملة في أشرف مقاماته التي رُفِع إليها، سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ ۩، أليس كذلك؟ وأيضاً في الوحي، وأيضاً حين يُوحي إليه، عَلَى عَبْدِهِ ۩، سُبحانه وتعالى، هكذا! الحمد لله، قال لقد جعلني عبداً كريماً، ولم يجعلني جبّاراً عنيداً، أنا فخور – قال – بهذا، وأعرف أنني أجلس كما يجلس العبيد، وآكل كما يأكلون، وأتقصَّد ذلك وأتعمَّده، أُريد هذا! صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم.
أيضاً رآه أحدهم يجلس هذه الجِلسة فعجب، وقال إنها جِلسة العبيد، فقال وهل عبد أعبد مني؟ قال أنا عبد، أنا أكثر مَن يستحق أن يُقال إنه عبد لله، عبد! يستحضر دائماً عبوديته لله، من أين يأتي الكبر والزهو والبأو والغطرسة والعُنجهية؟ من أين؟ من نسيانك مقامك، أليس كذلك؟ من نسيانك مقامك تحت مجد الله، تحت سُلطان الله، تحت عظمة الله، وتحت كبرياء الله، فتظن نفسك شيئاً، لكن مهما استحضرت عبوديتك لله ترى نفسك لا شيئ، لا شيئ! أي عدم، فتكون فعلاً هيّناً قريباً سهلاً مُتواضِعاً وغير مُتكلِّف.
وهذه النفس خبيثة يا أحبابي، يا إخواني هذه النفس خبيثة جداً، ما أخبث منها! لو حاسبناها لعلمنا هذا، شيئ عجيب، لا تتركنا لحظة، يقول أحد الصالحين والله إن كنت لألبس الثوب بثلاثة دراهم فيدخلني شيئ من الكبر فأنزعه، ثوب حقير – قال – هذا، لكن يكون جديداً، فأرى في نفسي شيئاً، هكذا الإنسان أحمق! ولذلك كانت العرب تُسمي المُزدهي المُتكبِّر الأحمق، العرب كان تُسميه هكذا، مَن هو الأحمق عند العرب؟ المُتكبِّر، لأنه لا يتكبَّر إلا أحمق، لا يظن نفسه شيئاً إلا أحمق لا يعرف مقامه، أليس كذلك؟
رأى مُطرِّف بن عبد الله بن الشخير – رضيَ الله عنه وأرضاه، أحد أعلام أولياء هذه الأمة – المهلب، رآه مرة – أي هذا القائد الأُموي الشهير – وقد لبس – والعياذ بالله – ثياب شُهرة، فهو يختال فيها، مثل الطاووس، والعرب تُسمي المُتكبِّر طاووساً، لأن الطاووس لا عقل له، جمال بلا عقل، غبي جداً، أحمق الطاووس، هذا هو الطاووس، لا عقل له، وهذا مثل الطاووس، فقال له يا رجل – أي المُطرِّف بن عبد الله بن الشخير قال له – هذه مِشية يكرهها الله – تبارك وتعالى -، أتمشي تختال هكذا؟ هذه مِشية يكرهها الله – تبارك وتعالى -، قال الحارس أما تعرف مَن هو؟ قال أعرف، أوله نُطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وهو بينهما حشوه العذرة، فتطامن له المهلب، وغيَّر من مِشيته، ما معنى أما تعرف مَن هو؟ هذا مَن؟ مَن سيكون؟
الحمد لله على الفضائيات اليوم، رأينا الملوك ورأينا الحُكّام حين يدلون في قبورهم، ما أذل منهم ولا أصغر! أليس كذلك؟ ما أذل منهم ! بالعكس والله، نحسد ونغبظ الفقراء والمساكين والمُهانين حين يدلون في قبورهم، ربما سيكون لهم من مظلوميتهم، من فقرهم، ومن انكسار خواطرهم ما يشفع لهم عند الله – تبارك وتعالى -، ما يُحنِّن الرحمن الرحيم الحنّان المنّان عليهم، لكن هؤلاء – والله الذي لا إله إلا هو – لا نغبطهم أبداً، ولا نتمنى – والعياذ بالله – أن نكون مثلهم وأن ننتهي هذه النهاية أبداً أبداً، هكذا!
وأي عبد أعبد مني؟ يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام -، عن ابن عباس – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، يقول جاء النبي – في الحجة – وطلب السقاية، فقلنا يا رسول الله هذا يتخوضه الناس، لا نُعطيك من هذا الماء ولا بهذه الكأس، هذا ماء يتخوَّضه الناس، أي يخوضون فيه، يضعون أيديهم هكذا وما إلى ذلك، أي هذا الماء قد يكون مُلوَّثاً وقد يكون مُعكَّراً، اعتكر بكثرة التخوض، نأتيك من البيت بماء، قال لا، أُريد أشرب من هذا الماء، أُريد أشرب – أي أُريد أن أشرب – من هذا الماء.
في الحديث الآخر عند الطبراني وغيره عن ابن عمر قال كان النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – يبعث ليُؤتى بالماء من الحياض، وهي البرك التي يُعَد فيها الماء للوضوء، وطبعاً هذه أيضاً ينوبها أشياء كثيرة، ينوبها أشياء كثيرة أقلها أيدي الناس، كان النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – يبعث ليُؤتى بالماء من الحياض، فيُقال له ما تعرفون، فيقول لا، أُريد منها، يقول ابن عمر رجاء بركة المُسلِمين، يُريد أن يتبرَّك، رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – يُريد أن يتبرَّك، وبعض الناس يأنف أن يشرب بعد أخيه، أخ مُسلِم نظيف، طاهر، يُصلي معك، لا! إذا شرب من الإبريق فهو لا يشرب، لأنه يأنف، هو أنظف من رسول الله، وربما أعظم، أستغفر الله العظيم! ما هذه؟! هذه العُنجهية من الشيطان، كلها من الشيطان ومن الحُمق ومن قلة العقل، ونبينا يُحِب أن يشرب من حيث يشرب المُسلِمين، يرجو بركتهم – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -، شيئ عجيب!
لا نستطيع أن نحصر الأمثلة، يُمكِن أن نتحدَّث أكثر من ذلك بكثير عن تواضع رسول الله، لأن حياته كلها حياة المُتواضِع لله – تبارك وتعالى -، المُتواضِع للمُؤمِنين، الهيّن السهل القريب الليّن، الذي خفض جناحه، ووطّأ أكنافه – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وهكذا كان إخوانه وأحبابه وخِلصانه وخُلفاؤه من بعده.
أبو بكر الصدّيق – رضيَ الله عنه وأرضاه – نأتي بنُبذ وشذرات سريعة عنه، كان قبل أن يُستخلَف يحلب المنائح والشياه لأهل حيه، ليس لعائلة واحدة، لكل الذين لا يستطيعون أو لا يعرفون ذلك، يحلب لهذه وهذه وهذا وهذا وهذا وذاك، وهو الصدّيق! صدّيق الأمة الأكبر، رضيَ الله عنه وأرضاه، وقدَّس الله سره الكريم، فلما استُخلِف قالت إحدى جواري الحي وسمعها أبو بكر – شاء الله أن يسمعها – الآن لا يحلب لنا بعد، انتهى! أصبح خليفة، ليس إنساناً عادياً، فسمعها، قال لا والله، بلى سأحلب لكم، وإني لأرجو الله ألا يُغيِّرني ما دخلت فيه عن خُلق كنت عليه، الله أكبر! رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، ربانيون! هذا هو الدين، هكذا فهموا الدين هم، ليس الدين مراسم وهيئات وألقاب وسُمعة وشرف على الناس، لا! الدين عبودية، الدين تقرب إلى الله، وتزلف إلى الله.
كتب وهيب بن الورد – هذا الولي الصالح، رضيَ الله عنه وأرضاه – إلى مكحول – العلّامة الشامي الكبير، والمُحدِّث الخطير الجليل -، كتب له يقول أما بعد يا مكحول، فاعلم أنك أصبت عند الناس شرفاً ومنزلةً بظاهر عملك، فاجهد أن تعمل عملاً في الباطن والخلوات تُصيب به منزلةً وُزلفىً عند الله، واعلم أن المنزلتين تُنازِع إحداهما الأُخرى، كلما أحببت الشرف عند الناس والمنزلة وحُسن الصيت والأحدوثة نقص حُبك لمثل ذلك عند الله – تبارك وتعالى -، تغدو لا يعنيك أن تكون عند الله كريماً، المُهِم عند الناس، هذا الذي يعنيك، ولذلك قد تُفرِّط في أشياء كثيرة، وتُفرِّط في مُحاسَبة نفسك، وتُفرِّط حتى في إغضاب ربك أو في إرضائه – تبارك وتعالى -، والعكس صحيح، كلما اجتهدت وكان وكدك أن تُرضيَ الله وأن تتزلَّف إلى الله وأن تتقرَّب إليه لم يعد يعنيك من أمر الناس شيئ، سواء شرفت في أعينهم أو سفلت، لا يعنيني! المُهِم كيف أنا عند الله – تبارك وتعالى -، يقول وهيب واعلم أن إحدى المنزلتين تُنازِع الأُخرى، مُستحيل! لا يجتمعان.
ولذلك النبي قال ما ذئب ضارٍ أُرسِل في زريبة غنم – توقَّعوا زريبة غنم فيها مائة من الشياه أو الأغنام السمان الحسان، ما شاء الله! ويأتي ذئب ضارٍ وجائع، قال جائع، ويُرسَل في هذه الزريبة، ماذا سيفعل فيها؟ سيُفسِد أكثر ما هنالك – بأفسد لها من الحرص والشرف – أي الحرص وحُب الشرف، أن تكون شريفاً، أن تكون كريماً، وأن تكون عالياً – في دين المُسلِم، أخطر شيئ! الحرص على الدنيا ومحبة الشرف، أن تكون عالياً، أن يكون لك مكانة خاصة، يفسد دينك بالكُلية إفساد هذا الذئب لزريبة غنم وهو جائع ضارٍ، نسأل الله السلام وحُسن الختام.
ولذلك قال أبو بكر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – إنا وجدنا الكرامة في التقوى، الذي يُريد الكرامة يجدها في التقوى، من أين أخذها؟ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۩، والغنى في اليقين، أتُريد أن تكون أغنى الناس؟ ليعظم يقينك في الله، فأنت أغنى الناس – إن شاء الله -، والشرف – أتُريد الشرف والعلو؟ في ماذا؟ – في التواضع، قال بالتجربة هكذا وجدنا الشرف في التواضع، هذا لمَن أحب هذه الصفات.
أيها الإخوة:
فعلاً المُتكبِّر والمُزدهي أحمق، هل تعلمون لماذا؟ هو يرى نفسه عالياً فوق الناس، وكل الناس – حتى بُسطاء الناس – يرونه حقيراً، لا قيمة له، وفي نفوسهم يزدرونه ويحتقرونه، حتى لو كان فعلاً من أهل الغنى وأهل العلم وأهل السُلطان، لكن النفوس تحتقره، أليس كذلك؟ تحتقر هذا، أي مَن هذا؟ ماذا يُريد؟ هو بشر في الأخير ضعيف، وتعرض له عوارض البشرية، كل يوم يدخل الحمام، الله أعلم كم مرة! أليس كذلك؟ يعتل ويمرض، فيروس Virus بسيط يجعله يرشح ويترشَّح منه أشياء يستقذرها الإنسان، أنت إنسان، تبقى إنساناً ضعيفاً، لِمَ تتكبَّر علينا؟ فليس لك عند العباد إلا الاحتقار، فهذا هو! ومن هنا كان حُمق المُتكبِّر، نسأل الله السلامة والتسديد.
هذا أبو بكر، أما عمر – رضيَ الله عنه وأرضاه – أيضاً فالحكايا عنه والآثار كثيرة جداً، أي عمر، وتعلمون قصة طلحة مع عمر، طلحة بن عُبيد الله التيمي، الشهيد الحي! يقول طلحة رأيت عمر دخل منزلاً حين أصبح، بعد الغلس بقليل، دخل منزلاً ثم خرج، ثم دخل آخر، فقلت لأعلمن ما هنالك، فلما كان اليوم التالي دخل، قال فدخلت خلفه بعد أن انصرف، فإذا بعجوز مُقعَدة – أي مشلولة – عمياء، عجوز! فقلت يا أمة الله ما يُريد هذا الرجل الذي يدخل عندك كل يوم؟ قالت والله لم أدر مَن هو، ولم يُعرِّفها بأنه عمر، أمير المُؤمِنين، لأنه يفعل هذا لله، يعمل لله هو، ليس لكي تروي بعد ذلك عنه، كأن تقول والله أمير المُؤمِنين كان يأتي إلىّ، لا يُريد هو كل هذا، وهذه هي الشطارة، هذه البطولة في الدين، إذا أردت أن تعمل شيئاً خفياً فاجعله خفياً فعلاً، لا يعلمه إلا الله، لا يكون عندك أمل أن زوجتك ستروي هذا عنك بعد ذلك، لكي نذكرك الآن في الخُطب كما نذكر هؤلاء الصالحين، مسكين أنت! الله لا يُخادَع، بعض الناس يقول لك نعم أنا أفعل هذه الأشياء، وإن شاء الله زوجتي ستُحدِّث النساء، وهن سيُحدِّثن أزواجهن، وسيعرفون أنني من الذين يقومون الليل ويُجرون دموعهم ويخشون الله، مُنافِق، مسكين، وجاهل، لا! اعمل لله فقط.
لذلك قال أحدهم أعلم – يُحدِّث عن نفسه – مَن بكى لله أربعين سنة على وسادته ولم تعلم به زوجته، حتى زوجته لم تكن تعلم أنه يبكي من خشية الله كل ليلة، يقضي أكثر الليل في البكاء من خشية الله، زوجته لم تشعر به، لم تحس به، لأنه مُخلِص، يفعل هذا لله فقط، ليس لشيئ آخر، هكذا!
قالت لا أدري مَن هو، إلا أنه يأتيني كل يوم أو كل غداة بما يُصلِحني ويُميط عني الأذى، فخرج طلحة يقول ثكلتك أمة طلحة، أعثرات عمر تتبع؟ أي ماذا ظننت؟ هل ظننت أن له عثرات؟ أتُريد أن تكشف خبيئه السيء؟ ثكلتك أمك طلحة، أعثرات عمر تتبع؟
الجارود بن المُعلى كان مع الفاروق يوماً، والفاروق يتكئ عليه، كان مُجهَداً أو مريضاً ويتكئ عليه، إذ مرت امرأة كبيرة، عجوز! قالت يا عمر، فوقف لها، وهو أمير المُؤمِنين، قالت يا عمر، فوقف لها، وقف لامرأة، قالت له يا عمر، كنا نعرفك عُميراً، ثم صرت عمر، ثم صرت بعد عمر أمير المُؤمِنين، فاتق الله يا عمر، فإن مَن خاف يوم الوعيد قرَّب منه خوفه البعيد، وإن مَن خشيَ الموت خاف الفوت، فاتق الله يا عمر واعدل في الرعية، فبكى عمر، أجرى دموعه مُباشَرةً من هذه الموعظة القصيرة الجريئة من امرأة حكيمة مُفوَّهة، فقال لها ابن المُعلى صه يا أمة الله، لقد أبكيتِ أمير المُؤمِنين، قال اسكت، فإنك لا تدري مَن هي، ويحك! إنها خولة بنت حكيم التي سمع الله لشكايتها وقولها من فوق سبع رقاع، فعمر أحرى أن يستمع إليها، أمير المُؤمِنين يستمع لامرأة عجوز، لامرأة عجوز! هكذا كان مُتواضِعاً – رضيَ الله عنه وأرضاه -، وهو الذي قال ما قال، وهكذا كانوا.
أما تواضع ربانيي هذه الأمة وأما تواضع علماء هذه الأمة فشيئ عجب، يكفي فقط لكي نعرف عظمة هذا الدين وسر اليقين والولاية التي تميَّز بها هؤلاء أن نقرأ نماذج يسيرة من سير هؤلاء، لنعلم أن هذا الدين فعلاً هو الدين الحق، وأن الربانية ليست إلا في هذه الأمة، وأن الهدي المُستقيم ليس إلا في رجالات هذه الأمة.
الإمام الخطيب البغدادي أهل العلم بلا شك قرأوا له ويسمعون به، قال فيه الحفّاظ – على ما أذكر كالحافظ الذهبي، والله أعلم، فربما نسيت – كل مَن أتى بعده مِن العلماء والمُحدِّثين عيال عليه، علّامة ما خلف بعده مثله، الخطيب البغدادي – صاحب تاريخ بغداد، رحمة الله تعالى عليه – لقيه أحد طلبة العلم، قال أنت الحافظ الخطيب؟ الحافظ! ليس حافظ القرآن وإنما حافظ السُنة، يحفظ عشرات الآلاف – إن لم يكن مئات الآلاف – من الأحاديث بالأسانيد، قال أنت الحافظ الخطيب؟ قال لا، كيف تقول لي الحافظ؟ أنا أحمد بن عليّ بن ثابت، انتهى الحفظ إلى الدارقطني، أنا إنسان عادي، أنا ابن أبي، سمى نفسه باسمه – رضيَ الله عنه وأرضاه -، ما هذا؟ انتهى الحفظ إلى الدارقطني، أتقول لي الحافظ؟ لا! الحفظ قُبِر مع الإمام أبي الحسن الدارقطني، انتهى الحفظ إلى الدارقطني، أنا لست الحافظ، أنا فلان الفلاني، ابن أبي.
نُظِّر الإمام شيخ البخاري وشيخ مكة سُفيان بن عُيينة – رضيَ الله عنه وأرضاه – بالإمام مالك بن أنس وهو إمام دار الهجرة، قيل سُفيان مثل مالك، سمعها سُفيان، فهل فرح بها؟ هل سُرَّ بها – أنهم جعلوه كمالك -؟ هز رأسه ضحكاً وقال:
وَابْنُ اللَّبُونِ إِذَا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ الْبُزْلِ الْقَنَاعِيسِ.
ابن اللبون هو ولد الناقة إذا أتم الثانية ودخل في الثالثة، لا يزال ضعيفاً، والبازل جمعها البُزل، والبازل هو الذي أتم الثامنة ودخل في التاسعة، إذا وُضِعا في حبل واحد لا يستطيع ابن اللبون أن يقفز قفزة البازل، قال أنا مثل مالك؟ أنا ابن لبون، وهو بازل، أنا لا شيئ.
سُفيان – عليه الرضوان والرحمة – بن عُيينة شيخ البخاري، هو الذي كان يقول لو قيل أخرِجوا خيار هذه القرية لأخرجوا مَن لا نعرف، لا يرى نفسه من خيارها، يقول خيارنا أُناس مستورون، لا يعرفهم إلا الله، وهذا يعني أنه لا يحتقر أحداً من عباد الله، من المُمكِن أن يكون إنسان جاهل فقير مسكين من أولياء الله، ويكون أعظم إيماناً وأعظم صلاحاً وأعظم منزلةً عند الله من علماء كبار جداً، لو قيل أخرِجوا خيار هذه القرية لأخرجوا مَن لا نعرف.
أبو الحجّاج المزي – قدَّس الله سره الكريم – كان عصرياً لابن تيمية، وابن عبد الهادي، وابن كثير، وابن القيم، وهو شيخهم، ولا قياس – كما قال الذهبي – بين ابن تيمية وأبي الحجّاج في الحديث، أبو الحجّاج أعلم بكثير في علم الحديث، علّامة الإسلام في عصره في علم الحديث والرجال، وهو صاحب تهذيب الكمال في أكثر من خمسة وثلاثين مُجلَّداً، أعجوبة الدهر كان في العلم، فاختبروه يوماً، اختبره ابن عبد الهادي بماذا؟ بقلب الأسانيد، مثلما فعلوا مع الإمام البخاري، يأتونه – مثلاً – بعشرة أحاديث، ويجعلون أسانيد هذه لمتون أُخرى، وهكذا! حتى يختبروا حفظه، فقال بكل تواضع لست أنا، ذاك البخاري، أي هل تظنون أنني أفعل مثله؟ قال أنا لا أفعل مثله، أي لست هناك، لست هناك ولست كما تظنون، لست أنا، ذاك البخاري، يقول الحافظ ابن كثير – رحمة الله تعالى عليه – فكانت – والله – أحب إلينا وإلى نفوسنا من لو أنه رد كل سند إلى متنه، التواضع! يُعلِّم الناس كيف يكون تواضع العلماء.
الإمام تقي الدين السُبكي – قدَّس الله سره الكريم – هو شيخ الإسلام وأعجوبة الدهر أيضاً، ويُقال بلغ درجة الاجتهاد المُطلَق، وليس الاجتهاد المُنتسب في مذهب الشافعي، هذا أبو الحسن السُبكي – قدَّس الله سره الكريم -، يقول أحدهم دخل السُبكي علينا في القاهرة، فإذا عنده أربعة عشر علماً، لم يسمع العلماء بأسمائها، أي علماء مصر، هو جاء من الشام، أسماء العلوم التي عنده – غير هذه العلوم العادية المعروفة عند الناس – لم يسمع العلماء بأسمائها، كان إماماً في أربعة عشر علماً أُخرى، العلماء لا يعرفون أسماءها، بحر علم، أوقيانوس، مُحيط!
لما جاء إلى الشام مُنطلِقاً من مصر مرةً في زيارة سأل أين كان الإمام النووي يُدرِّس؟ وتعرفون النووي، صاحب رياض الصالحين، وصاحب المجموع شرح المُهذَّب والأذكار، قال أين كان الإمام النووي يُدرِّس؟ الرجل الصالح، قدَّس الله سره الكريم، شيخ مشايخ المُسلِمين، الإمام النووي! قالوا كان يُدرِّس في الأشرفية هنا، وهنا كان يقف يُصلي، فكان أبو الحسن السُبكي يحرص على أن يُصلي في مكانه، ويضع ويُمرِّغ خده في هذا المكان، ويُنشِد باكياً، يقول:
وَفِي دَار الحَدِيث لطيف معنى على بُسط لَهَا أصبو وآوي.
عَسى أَنِّي أمس بَحر وَجْهي مَكَاناً مَسّه قدم النواوي.
ما هذا التواضع؟! ما هذه الربانية؟! رضيَ الله عنهم وأرضاهم، شيئ عجب، شيئ عُجاب، شيئ عُجاب فعلاً، وهكذا فليكن التواضع لله، ولتكن هضيمة النفس، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله، يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزة، ومَن تواضع لله رفعه الله.
كتب هارون الرشيد – الخليفة الملك – إلى الإمام مالك وهو إمام دار الهجرة – رحمة الله عليهما جميعاً – يقول له يا أبا عبد الله قد نزلنا بضاحية المدينة، فائتنا في قصرنا نتعلَّم منك، ملوك نحن وخلفاء كبار، تعال وعلِّمنا في القصر، فكتب إليه الإمام الجليل الذي كرَّم العلم فكرَّمه، وصان وجهه فصان كرامته أيضاً، أي العلم، كتب إليه يقول بعد الحمد والصلاة على رسول الله أما بعد فيا أمير المُؤمِنين اعلم أن العلم يُؤتى ولا يأتي، وإن رثت علينا فاعلم – هذه أيضاً معلومة ثانية، ضعها عندك في الحساب، وإن رثت، أي ابطأت علينا، جئت مُتاخِّراً إلى الدرس، قال له تعال إلى المسجد – لم نسمح لك أن تتخطى رقاب العباد، تأتي مُبكِّراً – تُبكِّر للعلم – وإلا تقعد حيث انتهى بك المجلس، فأتى هارون الرشيد – صاحب مقولة الغمامة، أمطري حيث شئتِ – مُتأخِّراً، أتى مُتأخِّراً، راث فعلاً على المجلس، فجلس حيث انتهى به المجلس، ولكن على كرسي، فرآه مالك، فلم تُعجِبه، لم تقع منه موقعاً حسناً، الناس جلوس على الأرض، لماذا أنت بالذات تجلس على كرسي؟ مالك كان طبعاً كمُحدِّث يُوضَع له الكرسي، لكن أنت مُستمِع، اجلس كالناس، فغيَّر الموضوع وكان الموضوع عن فرائض الصلاة، وأخذ في شرح حديث ومَن تواضع لله رفعه الله، فاستحيا واستكان الرشيد، وأخذ الكرسي فقذفه خارج الباب وجلس، فابتسم الإمام مالك – رضيَ الله عنهم وأرضاهم -.
أُولَئِكَ آبَائي فَجِئْني بمِثْلِهِمْ إذا جَمَعَتْنا يا جَرِيرُ المَجَامِعُ.
نسأل الله أن يُعيد علينا من بركاتهم، وأن يُحقِّقنا بأسرارهم، وأن يجمعنا بهم في يوم الدين، تحت ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم.
أما بعد، أيها الإخوة:
كلمة أختم بها هذه الخُطبة، قد يسأل بعضهم وكيف أعرف نفسي؟ أمُتكبِّر أنا أم مُتواضِع؟ بسؤال واحد، سل نفسك إذا أقدمت على شيئ أو كففت عنه، لِم أقدمت؟ ولِمَ أحجمت؟ فإن كان ذلك لتثبيت منزلة نفسك عند نفسك فأنت مُتكبِّر، ولذلك اعمل بهذا العكس تماماً، بعكس القصد تماماً.
بعض الناس يستكبر أن يبدأ إخوانه بالسلام، يقول، والشيطان يقول له لا، دعه هو يُسلِّم عليك أولاً، لأنه مُتكبِّر، نقول له أنت مُتكبِّر، والنبي قال إن من رأس التواضع أن تبدأ مَن لقيت بالسلام، ولذلك النبي كان من سُنته أنه يبدأ مَن لقيَ بالسلام، هو يبدأ مُباشَرةً، يقول السلام عليكم.
بعض الناس – نفس الشيئ – لا يمد يده يُصافِح، يُريد أن الناس تمد أياديها لتُصافِح، لأنه مُتكبِّر – والعياذ بالله -، نقول له مُتعجرِف يا رجل أنت، ومَن كان في قلبه مثقال ذرة من كبر لا يدخل الجنة، لا يدخل الجنة!
في صحيح مُسلِم الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمَن نازعني واحداً منهما قذفته في النار، وفي رواية عذَّبته كما في الصحيح، هكذا! لا تفعل هذا، لا يليق بالمُسلِم أن يكون لديه ذرة من كبر، فمهما حدَّثتك نفسك بأنني سأفعل هذا أو سأترك هذا لحفظ منزلة النفس فأنت مُتكبِّر، افعل العكس تماماً، افعل العكس تماماً وسوف تتعوَّد – إن شاء الله – التواضع، تواضع!
نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُخلِّقنا بأحسن الأخلاق، وأن يُجمِّلنا بأجمل الفضائل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم اهدِنا واهدِ بنا، اللهم اجعلنا هُداةً مُهتدين، غير ضالين ولا مُضِلين، أرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم ارحمنا في شهر رمضان، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها في شهر رمضان، دقها وجلها، قديمها وحديثها، صغيرها وكبيرها، يا رب العالمين، اللهم واعتق فيه رقابنا من نار جهنم، ورقاب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وجيراننا وصديقنا ومشايخنا وقراباتنا وكل مَن له حق علينا بفضلك ومنّك ورحمتك يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين.
اللهم إنا نسألك في هذا الشهر الكريم في هذا اليوم الكريم من هذا المُقام الكريم أن تنصر الإسلام وأن تُعِز عبادك المُسلِمين، اللهم مَن أراد بالإسلام وبالمُسلِمين خيراً فكُن له خير مُعين، ووفِّقه وأيِّده يا رب العالمين، ومَن أراد به وبهم شراً فخُذه أخذ عزيز مُقتدِر، فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم أدِر عليهم دائرة السوء، وأرِنا فيهم تعاجيب قدرتك، اللهم أنزِل عليهم بأسك الذي لا يُرَد عن القوم المُجرِمين، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، ورد كيدهم إلى نحورهم يا رب العالمين، واكفنا شرهم بما شئت وكيف شئت، إلهنا ومولانا، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، يا رب العالمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، قوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.
(31/10/2003)
أضف تعليق