إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – تبارك وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۩ ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى ۩ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ۩ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ۩ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ۩ وَأَعْطَى قَلِيلا وَأَكْدَى ۩ أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى ۩ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ۩ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ۩ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ۩ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى ۩ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ۩ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى ۩ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
ثمة مُشكِلة لا كسائر المشاكل، إنها مُشكِلة أساسية ورئيسة، أصلية وجوهرية وعامة شاملة، تُحيل أعظم ما بين أيدينا نعمةً إلى أسوئه نقمةً، تُحيل الدين الذي ما شرعه الله – تبارك وتعالى – إلا لهداية الفرد والجماعات، إلا لهداية الأفراد والأمم، وتطييب حياتهم وتحسين بواطنهم وظواهرهم، إنها مُشكِلة الارتباط المُنفَك بين الاعتقاد والقول من جهة وبين الأعمال من الجهة الأُخرى.
لعلكم طالعتم أو مر بكم في الأيام القريبة الماضية خبر الدراسة التي أجراها معهد جالوب Gallup الأمريكي الشهير حول الشعوب العربية والبُلدان العربية، فإذا هي أكثر شعوب العالم تديناً فيما يبدو يظهر، والمُفارَقة أن الشعوب أنفسها – أعني العربيةَ – هي في مُقدَّم الشعوب الأكثر فساداً وانحطاطاً أخلاقياً في باب الرشوة والمحسوبية، التزوير والخداع والغش على جميع المُستويات، والفساد السياسي والمالي والإداري والتحرش الجنسي – إلى آخر القائمة الطويلة – في المُقدِّمة، مُفارَقة!
كيف يُمكِن أن تكون أكثر الشعوب تديناً وتكون بهذا الانحطاط الأخلاقي المُزري المُهين؟ هل يُمكِن أن يُؤخَذ من هذا أن الدين هو سبب هذا الانحطاط؟ مُستحيل لمَن عرف الدين، مُستحيل أن يكون الدين سبباً في انحطاط الشعوب والأفراد، إذن ما الحكاية؟
الحكاية أحبتي – إخواني وأخواتي – أن الإنسان لا يُمكِن أن يسير في هذه الحياة بغير نظرية، مهما بدت مُهلهَلة ومُفكَّكة وغير مُتسِقة مع عناصرها ومع مُكوِّناتها، والاتساق شرط أساسي في قوة ومقبولية أي نظرية علمية أو غير علمية، بغض النظر مهما بدت هذه النظرية التي يسير المرء وفقها ويُفرِغ عنها مُهلهَلة ومُفكَّكة وغير مُتسِقة لكن المرء لا يسير إلا بنظرية، لماذا؟ لأن الإنسان إخواني وأخواتي لا يُمكِن أن يعيش بغير نظرية، وأعني هنا بين قوسين (الإنسان الفاسد المُنحرِف)، نحن حديثنا عن هذا الإنسان الفاسد والذي يُبرِّر ويُسوِّغ أو – قبل أن نتحدَّث عن التبرير والتسويغ – الذي يتزامل – باب المُنازَلة، أصبحت مثل السندروم Syndrome، مُتزامِلة! تدين ظاهري كبير وفساد عظيم عريق، مُتزامِلة والعياذ بالله! أعراض مُرتبِط بعضها ببعض، هذا الذي يتزامل ويتظاهر تدينه – بدرجة مُقلِقة ومُؤذية من الانحطاط والفساد المسلكي والأخلاقي، لا يُمكِن لهذا الإنسان الفاسد أن يعيش بغير نظرية، لابد له من نظرية، هل ترون وتظنون أن المُخادِع – مثلاً – أو النهّاز – أي الانتهازي المُتلوِّن الحربائي، الآكل على كل المواد، الذي لا مبدأ له يُقيم عليه ولا قيمة يخدمها، بل يستخدم القيم والمبادئ والأشخاص وكل شيئ في سبيل تحقيق مصالحه ومنافعه، هذا هو الانتهازي أو النهّاز كما يُقال – يُواجِه نفسه عارياً على أنه نهّاز خسيس واطئ، شخص واطئ – كما نقول – لا يعتصم بعروة القيم ولا يُقيم وزناً للأخلاق والمبادئ المُعظَّمة وخاصة إذا كانت دينية؟ لا يُمكِن، لديه دائماً – ابحث عنها في أحد جيوبه – نظرية ينطلق من خلالها ويسير وفقها، هذه النظرية تسمح له أن يرى نفسه دائماً على أنه الذكي في عالم لا يعيش فيه إلا الأذكياء، يقول أنا ذكي! أما الآخرون المُعتصِمون بعروة القيم فهؤلاء هم السُذج والدارويش، وباللُغة العامية الهُبلان، أي الهُبل والبُله من الناس، هؤلاء بُله! الله ما طلب منا أن نكون بُلهاً، الله أثنى على العقل ونشده مرات كثيرة، أليس كذلك؟ فلابد أن نكون عاقلين، فأنا ذلكم العاقل، على أنني طيب في عالم يكثر فيه الخبث، وأنا لا أفعل ما أفعل ولا أنتهز وأفترص ما أفترص من النُهز والفرص إلا في سبيل الخير، وتُفتِّش ترى أنه يعمل الخير، لكنه حتماً خير قليل جداً جداً جداً في بحر شر كثير، كذلكم الحال – حتى لا نُطوِّل بالمُقدِّمات – مع الكذّاب، مع الشهوان المُتجرئ المُتجاسِر على هتك حُرمات الله وخرق حدود الله وتعديها، إلى آخر سلسلة السفلة والمُنحَطين من الناس، كلهم يعيشون بنظرية!
هل تناول الدين هذه القضية؟ نعم، تناولها في عشرات الآيات ومئات الأحاديث، لدينا ألوف الأدبيات الإسلامية من كلام الصالحين من الصحابة والتابعين والأئمة والسالكين والعارفين والوعّاظ والمُذكِّرين، ألوف ألوف ألوف! لو أحسنا أن ننتفع بها لتغيَّر حالنا، لكن قبل أن نُحسِن أن ننتفع بها نقول لو أردنا أن نُحسِن، إِنَّ اللَّه مَعَ الَّذِينَ اِتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ۩، هل حصلت الإرادة أصلاً؟ هل حصلت الإرادة أساساً؟ هل نُريد أن نكون أفراداً فضلاء شرفاء وأولياء صالحين؟ هذا أهم شيئ، هل حصلت الإرادة؟ يبدو أنها غير صالحة، لو حصلت لأبصرنا رُشدنا، مَن حصلت مِنه هذه الإرادة مُباشَرةً يُبصِر رُشده، لأن الله هادي أهل السماوات والأرض، مُحالٌ على مَن اسمه الهادي – لا إله إلا هو – وهو هادي الخلق جميعاً أن يمنع هدايته عمَن أرادها وصدق في إرادتها، المُشكِلة دائماً منا!
الدين تعرَّض لهذه القضية – أيها الإخوة والأخوات – تحت عنوان الغرور، نبَّهت مائة مرة – لأن هذا للأسف من الأخطاء العامية السائدة – على أن الغرور لا يعني الكبر، لا يعني العجرفة، لا يعني العُجب بالنفس، لا! الغرور هو الجهل والاختداع، أن تكون مخدوعاً، تعيش خدعة كبيرة، هذا يعني أنك مغرور، مُغرَّر بك، أكبر المُغرِّرين النفس والشيطان وبعد ذلك أشياء أُخرى كثيرة، هذا معنى الغرور، لا تُفكِّروا فيه على أنه الكبر والعُجب، لا! هذا موضوع آخر، موضوع آخر تماماً! هذا من أخطاء العامة، هذا هو الغرور، نوع جهل والعياذ بالله، الغرور – كما قال السادة العلماء – نوع جهل يُوجِب النظر إلى الباطل على أنه حق، مُغتَر هذا! يظن الباطل حقاً ويظن الصحيح غلطاً، مغرور بالجهل! يظن نفسه مُحسِناً من حيث هو مُسيئ جداً، يظن نفسه ناجياً من حيث هو مُتعرِّض بأكثر من سبب ومن أكثر من وجه للهلكة والعياذ بالله، يظن نفسه من المُستحَقين أن يكونوا من أهل الرجاء على أنه حقيقٌ بأن يكون من أهل الخوف والخشية الشديدين لكثرة ما احتطب في حبل المعاصي، لكثرة ما يُسيء ويتجارأ على رب العالمين، مغرور! إذن هذا مغرور يا إخواني.
إذن هذا هو الغرور الذي ألَّف فيه السادة العلماء كُتباً، من أحسنها كُتيب صغير للإمام الغزّالي على أنه من أجمعها ومن أفضلها، بكلمة واحدة ليس لأنه أكثر تفصيلاً، بالعكس هو كُتيب صغير، أوراق معدودة! دائماً في مثل هذه المواضع لصدق وخلوص قصد ونية المُؤلِّف، وهو الإمام حُجة الإسلام الغزّالي، الذي قل أن تنظر في صفحة واحدة مما كتب إلا تعود بفوائد كثيرة، القلب! أنا أتحدَّث عن فوائد في القلب، في الرو، وفي النفس! ليس عن فوائد علمية فقط تتزيَّن بها بين الناس، تتشدق بها، تعمل بها واعظاً على المنابر، لا! فوائد تُعيدك إلى الله تبارك وتعالى، قوة سر الإمام رحمة الله عليه، صدق هذا الرجل! الصدق هذا يخترق القرون عبر ألف سنة، لا يزال يفعل فعله حين تُطالِع كلمات الإمام الجليل رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، وهناك آخرون يظهر من كلامهم أنهم أكثر تحصيلاً في الباب على الأقل أو فيما يختص بمسألة مُعيَّنة وأكثر تذويقاً وزخرفةً للألفاظ وجلباً للنصوص من الكتاب والسُنة والأشعار وأقوال الصالحين وحكاياهم، لكن لا شيئ يتحرَّك، النية لم تكن لله!
مرة أُخرى إذن نعود إلى الغرور، إذن هي قضية الغرور، ألَّف فيها الإمام الغزّالي كُتيبه الشهير، ألَّف فيها الإمام عبد الوهاب الشعراني – رحمة الله عليه – كتابه الشهير أيضاً، فما هي القضية؟ ونُريد فقط أن نتعاطى مع بعض الأبواب، بعض المسائل، مسائل الغرور والعياذ بالله!
طبعاً ما ضل أبوانا وما عصيا الله إلا بالغرور، فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ ۩، اختدعهما اللعين لعنة الله تعالى عليه، لكن – كما قلت – ليس الغرور ومَن يغر هو الشيطان وحده – لعائن الله عليه مُتتابِعة – فهناك النفس أيضاً والآخرون، المُجتمَع والناس يغرونك، وإن المغرور لمَن غرَّرتموه كما قال سيدنا عمر، الناس أحياناً يُصوِّرونك على غير ما أنت فتُصدِّق فتغتر، لا! ولذلك الصالحون أجمعوا على أن الصالح العاقل العامل على الحزم – لا الساكن إلى الغرور إنما العامل على الحزم الذي يصدر عن خُطة الحزم، هذا أحزم الناس، أكيس الناس، أذكى الناس – مَن لا يترك يقين نفسه في نفسه لشك الناس فيه، الناس يقولون ويعتقدون أنك من الصالحين، من أهل الله، مِمَن يُتبرَّك بدعائهم بظهر الغيب، اترك هذا! والناس يُحدِّثونك قائلين رأيناك في المنام ورأينا لك ولك ولك ولك، اترك هذا! إياك أن يُغرِّروك، أنت تعرف نفسك أكثر من أي واحد آخر، دائماً أحرص على أن تُجدِّد هذه المعرفة، على أن تصقل مرآة هذه المعرفة، لكي يتسنى لك أن ترى نفسك في مرآة مُستوية كما أنت وبحجمك وبأخطائك، بسوادك وببياضك، بضوئك وبظُلمتك، بصحيحك وبغالطك، هذا هو! أهم شيئ أن تكون بصيراً على نفسك، لماذا؟ ليقوم من هذا حائل وحائل وحائل دون الاغترار، دون أن تُغَر يا مسكين، تُغرّر بنفسك، أبداً! ومن هنا التفتيش والمُراقَبة والمُحاسَبة واتهام النفس بشكل يقظ واعٍ، لماذا؟ لأن مُرادي في النهاية أن أنجو، مُرادي أن يرتفع ذكري عند الله – تبارك وتعالى – في الملأ الأعلى، لا علىّ من الناس، مُرادي أن يُحِبني الله وإن أبغضني الخلق طراً ثم أن أنجو غداً إن شاء الله تبارك وتعالى، هذا هو! هذا مُرادي، لذلك لابد أن أكون صادقاً مع نفسي.
من أبواب الغرور أيضاً التأنس بالبشر، صدِّقني في هذا ما دمت مُتأنِّساً بالبشر أو لا أُنس لك إلا بالبشر، بعض الناس لا يستطيع أن يجلس مع نفسه ساعة أو سويعة، بعض الناس لا يستطيع أن يعمل عملاً ثم يخبأه، لا! لابد أن يُظهِره للناس، لأنه لا يأنس إلا إذا عرف الناس ماذا عمل، يقول تصدَّقت بهذا أو أقوم الليل أو أفعل هذا أو أتكفَّل بالأيتام أو قلت كذا وكذا، ما هذا؟ لا أُنس لك بالله، لا أُنس لك بالله بالمرة! أُنسك بالبشر.
يرتاح إذا عمل الناس، مسكين هذا! هذا يوم القيامة يأتي ولا شيئ له، ثبت في الأحاديث هذا، يُقال له خُذ أجرك مِمَن راءيتهم، أنت عملت هذا من أجلهم، من أجل أن يروك، وقد رأوك! عندي لا يُوجَد أجر، أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، لا يُمكِن أن يُسوّى بين الله وبين الخلق أياً كان هؤلاء الخلق، حتى وإنا كانوا من الأنبياء والمُرسَلين، العمل لله، لكن هذا غرور، غرور بسبب الأُنس وطلب الذكر والرفعة والمحمدة عند الناس، وما عليك من الناس يا رجل؟ الغرور!
إذن هي قضية الغرور، الغرور أبو النظريات التبريرية التسويغية لكل ما نحن فيه من خبال، لكل ما نحن فيه من رياء ونفاق وانقلاب للأمور رأساً على عقب في باب الدين، لهذه المُفارَقة المُؤذية – كما قلت – المُقلِقة، أننا أحسن الناس قولاً إذا تعلَّق الأمر بالدين طبعاً، لكن في غير الدين يختلف الأمر، وبالمُناسَبة لسنا أحسن الناس قولاً حتى في الدين، نحن حين نذهب نُدافِع عن الدين نحن من أبذأ الناس قولاً، انظروا إلى فيسبوك Facebook وتويتر Twitter، انظروا إلى هذا العالم، من أبذأ الناس، أقول هذا لكي أكون صادقاً مع نفسي، لا أُحِب أيضاً أن أُجامِلكم أو أُجامِل نفسي، من أبذأ ومن أقبح الناس قولاً، هم المُسلِمون والعرب بالذات ربما، يحدث هذا في وسائل التواصل الاجتماعي ويُقال هذا دفاعاً عن الدين ودفاعاً عن الحقائق، كذب! هذا الغرور، الدين لا يجعل صاحبه سافلاً مُنحَطاً بذيء اللسان شتّاماً عيّاباً سبّاباً، مُستحيل! الدين يجعل صاحبه مُهذَّباً لطيفاً رقيقاً إلفاً ومألوفاً، الدين أخلاق، وما وُضِع في ميزان العبد يوم القيامة شيئٌ أُثقل من خُلق حسن، والرجل ليبلغ بخُلقه الحسن ما لا يبلغه الصائم القائم، أحاديث كثيرة صحيحة عن رسول الله، صلى الله عليه وآله ومَن والاه، لكن على كل حال ما نزعمه من قول حسن واعتقاد حسن، وبلا شك أن اعتقادانا في الله – تبارك وتعالى – وفي الرُسل وفي باب النبوات وفي الآخرة أحسن اعتقاد، والاعتقاد الذي هو مناط النجاة بإذن الله تبارك وتعالى، فكيف أحسن اعتقاد وأقوال حسنة فيما يبدو أو يُراد لها أن تبدو حسنة وأفعال مُنحَطة وسلوكات قبيحة جداً؟ ما الحكاية؟ الحكاية تتعلَّق بالغرور، الغرور! فلنبدأ نُؤشِّر إلى بعض النقاط، وهذا الموضوع لا ينتهي، لكن نُريد أن نضرب مثلاً بأنماط منه وبنماذج، وعليها قيسوا! للمرء أن يقيس، ولو ذهب المرء يتفقه طيلة عمره في هذا الباب – والله – ما كان كثيراً، وهذا من أفضل الموضوعات على الإطلاق، أن يتفقه المرء في هذا الباب، وبالمُناسَبة المُجاهَدون في الله تبارك وتعالى – الأولياء والصُلحاء والعُرفاء والعُبّاد وطبعاً الصحابة والتابعون والأئمة العظام في الدين – هم فقهاء عظماء جداً في هذا الباب، فقهاء جداً! كانوا يتفقهون فيه باستمرار، ويعتبرونه جوهر الفقه.
حين سُئل أبو حنيفة – أبو حنيفة سيد الفقهاء في الظاهر، أي فقه الظاهر، الحلال والحرام، في القضايا والحكومات – ما الفقه؟ قال معرفة النفس ما لها وما عليها، رضيَ الله عنه وأرضاه، لم يقل معرفة الحلال والحرام والحكومات والقياس والاستحسان أبداً، قال الفقه الحقيقي يكون بمعرفة النفس ما لها وما عليها، وهذا هو الفقيه، فقد تجد عامياً لا يفك الخط فقيهاً أي فقيه! وقد تجد فقيهاً من أهل الظاهر دبَّجت يراعته عشرات المُجلَّدات جاهلاً من أجهل الجهلاء بمعنى الفقه! لماذا؟ لأنه يسلك كأجهل جاهل، لا كواحد من العلماء، كأجهل جاهل! يكذب ويغش ويخدع وخاطره دوّار على مدار الساعة في الدنيا وشهواتها ومناصبها ومنازلها، ويُعادي ويُوالي ويُصارِم ويُواصِل ويأخذ ويترك، كل هذا بما يُحقِّق الرفعة له والتصدر والإمارة والسيادة والمحمدة عند الناس والمال أحياناً، ما هذا؟ هذا أجهل جاهل!
وفي مثل هؤلاء – اللهم لا جعلتنا منهم بحق لا إله إلا الله – قال أبو الدرداء ويلٌ لمَن لم يعلم مرة وويلٌ لمَن علم سبع مرات، تعلم ولا تُطبِّق، ما شاء الله! تعلم ولا تُطبِّق، بماذا وصف الله – تبارك وتعالى – الأعز؟ بإنه شفاء، أشفية وأدوية! الآيات القرآنية أدوية وأشفية، لكن بالله هل ينفع شفاء أو ينجع دواء على الوصف فقط؟ أيكون هذا فقط على الوصف؟ تأخذ وصفة طبية وتحفظها كما هي، تقول نعم هذا هو الدواء الناجع والشفاء الكافي المُغني، تأخذه ثلاث مرات في اليوم بعد كل وجبة بمقدار خمس وأربعين دقيقة إلى ساعة، ثم تكتفي بهذا، هل يُمكِن أن تشفى؟ يتبيغ بك داؤك، يتمادى بك مرضك وعلتك حتى تهلك.
مُعظَم هؤلاء المغرورين في هذه الأمة – وما أكثرهم! اللهم لا جعلتنا منهم – كذلك، يظنون أن المسألة مسألة أن تتكلَّم في الدين، أن تعرف الأشياء، أن تتحدَّث عنها، أن تعظ بها وتتكلَّم في دقائق، أن تُؤلِّف فيها، ثم ينتهي الأمر، كذب! قال – تبارك وتعالى – قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ۩، لم يقل قد أفلح مَن علم علم التزكية وعلَّمه ودبَّج فيه المُصنَفات أبداً، ما أفلح! بل خسر وخاب وارتكس وانتكس والعياذ بالله، وإنما مَن تَزَكَّىٰ ۩، ولذلك رب عالم – كما قلت لكم – دبَّج عشرات آلاف الصحائف ربما أو آلاف الصحائف في هذا العلم النفيس الشريف العالي ولم ينتفع وكان طريقه إلى جهنم، ورب عامي جاهل لا يفك الخط – كما نقول، أمي المسكين – سمع من كلم هذا العالم بضع كلمات أو بضع جُمل فنفعه الله بهن ما شاء أن ينفع، فمهد لنفسه بهن طريقاً إلى الجنة ورفعة المقام عند الله تبارك وتعالى، يا ما أسعده! عجيب، أهذا بكلمات؟ بكلمات، وهذا مُجلَّدات لم تنفعه، لأنه لم يفهم، فهم أن العلاج والدواء والشفاء على الوصف، لا على العمل، وما كان العلم إلا للعمل، علم بلا عمل ما فائدته؟ حُجة زائدة عليك يوم القيامة، فقط هذه الفائدة، الفائدة: حُجة زائدة عليك، وقد يستفيد به غيرك وتهلك به أنت، بئست الصفقة! صفقة المغبون، صفقة الأحمق، هذا شيئ زائد على الحمق والعياذ بالله، الناس ينجون به وأنا أهلك به، شيئ غريب، حمق!
ولذلك العقل كل العقل أن تعلم وتعمل، وإن كان مِن هؤلاء مَن يعلم ولا يعمل ويصد الذين يعملون، لماذا؟ لأنه أقام نفسه مثالاً سيئاً – والعياذ بالله – بما يفعل وبما يقول، فالناس قالت نحن أفضل من هذا، يا أخي هذا شيخ الشيوخ، هذا عالم العلماء، وهو يفعل هذا! وهنا يأتي قول عيسى – عليه الصلاة وأفضل السلام وسائر إخوانه الأنبياء والمُرسَلين – مثل عالم سوء كمثل صخرة سدت فم الوادي – أي فم تيار الماء -، لا هي شربت الماء – لأنها صخرة، ليست أرضاً طيبة – ولا تركته يخلص إلى الزرع، وهكذا عالم السوء، لا انتفع بعلمه ولا ترك الناس ينتفعون، لماذا؟ لأنه أقام نفسه قاطع طريق، أقام نفسه أسوأ مثال على ما ينبغي أن يتأدى إليه العلم وينتهي إليه علم العالم، هو يعمل هذا، هل نحن سنكون أفضل منه؟ انتهى! وهذا من الغرور أيضاً، من غرور هذا العالم الجاهل ومن غرور هؤلاء العوام الجهلة أيضاً، الله – تبارك وتعالى – ما كلَّفكم إلا أنفسكم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۩، وإن كان أعلم العالمين! أنت تعلم أنه مُبطِل وأن الحق ما تحصَّل لديك من علم قليل، اعمل به، سر عليه ولا تكن من المُغتَرين، لن يشفع لك هذا!
على كل حال نأتي إلى الأنماط التي وعدنا بذكر بعضها وضرب المثال بها يا إخواني، من أكبر أبواب الغرور الاتكال على النسب، وهذا موجود وتلمسونه في أمثال هؤلاء بالذات الذين لهم نسب شريف، خاصة إذا كان من أهل البيت، تجدون عندهم نوع عُجب، لا أتحدَّث عن الجميع، وإنما عن بعض هؤلاء، تجد في بعض هؤلاء نوع عُجب، أننا شيئ آخر غير الناس، أنا أختلف عنكم، أنا لي نسب شريف، يا حيهلاً! هذا النسب الشريف شيئ يُوضَع على الرؤوس ويُخضَع له ما تظاهر أو مهما تظاهر بالعمل الصالح، بما يدفع عن شرف هذا النسب ويُصدِّقه ويُبرهِنه، أما إن انضم إليه العكس من المعاصي والجسارة على الحُرمات فنقول لهذا النسيب – صاحب النسب – يا ويلك، يا ويلك مرتين! يا ويل الناس العاديين مرة ويا ويلك مرتين، لأنك لم تقم بحق هذا النسب، هناك مَن يتكلون على النسب، هذا موجود للأسف الشديد يا إخواني، وعندهم قياس – يُوجَد قياس ضمني – خاطئ، يقولون بما أن آباءنا وأجدادنا كانوا من الصالحين وأهل الله وأولياء الله المُقرَّبين ومن أحباب الله كما نقول نحن فمَن أحب أحداً أحب ذُريته، مَن أحب رجلاً أحب أولاده وأحفاده، وهذا قياس باطل، هذا قياس إن صح في البشر لا يصح مع رب البشر، أتعرف لماذا؟ غرور، هذا الغرور! لأنك تقرأ القرآن من أوله إلى آخره وتجد ما يُعارِض هذا القياس الباطل الفاسد، محبة الله – تبارك وتعالى – ليست من جنس محبة البشر، ما رأيك؟ محبة الله لمَن يُحِب ليست من جنس محبة البشر، كما أن غضب الله وكره الله لمَن كره ليس من جنس كره وغضب البشر، هذا شيئ لائق بالله، البشر قد يُحِبون عن حاجة وعن فاقة وعن ضعف وعن اضطرار وعن خمسين ألف شيئ، الله بكل سهولة – ما أعظم القرآن! وما أجمله! نظرية القرآن مُتكامِلة في كل شيئ – يُحِب مَن آمن به وأطاعه، ويكره مَن كفر به وعصاه، انتهينا! نظرية واضحة جداً، واحد أطاع الله وليس ذا نسب شريف، ابن زنا يا سيدي، واحد ابن زنا، ابن حرام! وأطاع الله، ماذا عنه؟ له المنزلة العُليا عند الله تبارك وتعالى، لأنه أطاع الله، وبالحري يصير هذا من أحباب الله ومن أولياء الله ومن السبّاقين عند الله، وواحد نسيب شريف – أي من النسل الشريف، وبلا شك شريف هذا النسب – ولكنه – والعياذ بالله – جريء جداً على الكبائر قبل الصغائر، ماذا عنه؟ هذا بغيض إلى الله، كريه عند الله، لن ينفعه هذا كله!
أما سأل هذا المُغتَر وأمثاله أنفسهم ماذا فعل آدم لابنه؟ والظاهر في كتاب أهل الكتاب وحتى في كُتب تفسيرنا وبعض الأحاديث لدينا أنه كان ابناً مُباشِراً لأبيه، فقابيل هذا – قاتل أخيه – كان ابناً مُباشِراً، ليس ابن ابن ابن آدم، لا! هو ابن مُباشِر له، من صُلب آدم مُباشَرةً، ماذا فعل آدم وهو أبو البشر الكريم على الله؟ المشهور والراجح أنه نبي من الأنبياء، آدم! لأنه أُوحيَ إليه وتلقى كلمات من الله، تلقى الهُدى من الله، فهو نبي – عليه السلام – في المشهور ولم يقع عليه إجماع، ماذا فعل النبي لابنه حين قتل؟ قال تعالى فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ۩، انتهى كل شيئ! آدم لم يفعل له شيئاً، وكل نفس تُقتَل إلى يوم القيامة على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول مَن سن القتل، لم ينفعه أبوه!
ما سألوا أنفسهم ماذا فعل نوح – وذكرت هذا في الخُطبة السابقة – لابنه بعد أن خدم الله في الدعوة تسعمائة وخمسين سنة؟ ما سألوا أنفسهم؟ ما سألوا ما أغنى إبراهين عن أبيه آزر عابد الأوثان؟ ما أغنى؟! فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۩، قال تَبَرَّأَ مِنْهُ ۩، استغفر له قبل أن يُنهى عنه، فلما تبيَّن له وقف وقطع الاستغفار، ما سألوا أنفسهم ماذا فعل نوح ولوط لزوجتيهما الكافرتين؟ لا شيئ، فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ۩، هذا هو! هذا حُب الله وكُره الله، الله يُحِب مَن أطاعه، يكره مَن عصاه، انتهى كل شيئ! لا فلسفة ولا كذب ولا غش ولا غرور وتغرير للناس بنسب وغير نسب!
قد تقول لي بنفس الطريقة أيضاً الانتساب إلى المذاهب والطوائف، أنا من أهل السُنة والجماعة، أكثر البشر المُسلِمين! على أهل السُنة والجماعة، يا حيهلاً بالسُنة والجماعة، أنا من شيعة أهل البيت، يا حيهلاً بشيعة أهل البيت، هذا لا يُمكِن! القاعدة واحدة، آمنت وأحسنت العمل أهلاً وسهلاً، أحبك الله، آمنت ولم تُحسِن العمل أبغض الله ما أسأت فيه وربما أبغضك الله إن رجحت سيئاتك بحسناتك يا مسكين شيعياً كنت أو سُنياً أو إباضياً أو زيدياً أو بلا عنوان وبلا كذا وكذا، هذا كله لا معنى له عند الله!
افهموا دينكم كما هو، إياكم أن يغركم بالله الغرور، سواء كان هذا التغرير باسم العلم أو باسم التصوف أو باسم الزُهد أو باسم الشيعة أو باسم السُنة أو باسم الفلسفة أو باسم هوى النفس، ويا ما أكثر أبواب هوى النفس عند العامة بالذات يا إخواني! ليس العلماء فقط بل وحتى العوام، العامي!
سُئلت مرة لماذا يميل الناس إلى التشدد؟ فقلت لسائلي – في برنامج صحوة قلت هذا لسائلي – لا، يميلون إلى التشدد ما تعلَّق الأمر بغيرهم، مُعظَمهم إن تعلَّق الأمر بهم يبحثون ويُنقِّرون عن أوهى الرُخص دليلاً، يُريد الواحد منهم رُخصة بأي معنى، رُخصة يستبيح بها الربا، رُخصة يستبيح بها عقد زواج عجيب جداً يُوشِك أن يكون زناً مُقنَّعاً باسم الشرع، لا يهمه! رُخصة يتغوَّل بها أموال اليتامى والمساكين وأموال المساجد وأموال أصحاب الحقوق، لا تُوجَد مُشكِلة عنده، رُخصة يمنع بها زكاة ماله، بطريقة مُعيَّنة يفعلون هذا، العامة! والعجيب أن هذا العامي – عامي جاهل، أتكلَّم عن الجاهل في الدين وإن يكن حتى طبيباً أو مُهندِساً، لكنه في الدين جاهل، أنا أتكلَّم عن العامي في الدين – في دين الله – تبارك وتعالى – حين يتعلَّق الأمر بما يهواه وبما يشتهيه يتنطع في مُخالَفة أكبر الفقهاء، والله العظيم! ترون هذا ليل نهار، أنا أرى هذا ليل نهار، تقول له الأئمة الأربعة يا أخي والستة والسبعة والثمانية والتسعة – الأئمة التسعة – فيقول لك لا يا أخي، دين الله يُسر يا أخي، ليس هكذا، نحن كذا وكذا، شيئ عجيب، ما هذا؟ في ماذا؟ في ماذا تأخذ أنت يا مسكين، يا عامي؟!
رحمة الله على إمامنا الشافعي حين قال:
ومنزلةُ السفيهِ من الفقيهِ كمنزلةِ الفقيه من السفيهِ.
فهذا زاهدٌ في قربِ هذا وهذا فيهِ أزهدُ منه فيهِ.
إذا غلبَ الشقاءُ على سفيهٍ تنطَّعَ في مخالفةِ الفقيهِ.
لأنه شقي، غلبت عليه الشِقوة والعياذ بالله، فحط رأسه برأس العلماء الذين قضوا أربعين وخمسين وستين سنة قضوها في العلم وتحقيق المسائل واستلهام الله الحق، جاء هو أفهم منهم وأشطر منهم، وهذا دائماً في كل العصور يا إخواني، هذا من الغرور، غرور العامة بدينها وبالله تبارك وتعالى.
أبو الوفاء بن عقيل أحد نجوم سماء العلم الإسلامي رحمة الله عليه، صاحب الفنون، يُقال في ثمانمائة مُجلَّد، شيئ رهيب، مُرعِباً هذا الرجل كان، أبو الوفاء كان مُرعِباً، من أذكى البشر ومن أعلم الناس وأوسع الناس دائرة، ومن أفصحهم وأرشقهم عبارة، حين تقرأ له تجد الشيئ العجيب، عجيب الرجل هذا، عجيب! موسوعة حية حقيقةً، أبو الوفاء بن عقيل – رحمة الله تعالى عليه – الذي قضى حياته كلها في طلب العلم، حتى أنه حدَّث عن نفسه قائلاً أنا الآن في عشر الثمانين – حدَّثتكم عن هذا مرة – ولا آكل – طيلة حياته – كما يأكل الناس، لم يأكل الخُبز كما نأكله، لماذا؟ قال مضغ الخُبز هذا يأخذ وقتاً، أنا عندي علم، عندي علم وأُريد أن أتعلَّم، أريد أن أفهم كل شيئ، كان يسف الدقيق سفاً ثم يُتبِعه الماء، أي أن الأكلة كلها تأخذ معه ربما ثلاث دقائق، تأخذ دقيقتين أو ثلاث دقائق ثم يرجع إلى الكُتب، هذا المسكين للأسف يتنطَّع في وجهه السُفهاء العامة، يقولون لا، نحن نفهم أحسن منك، يا ما شاء الله! قال بالحرف – رحمة الله عليه – قد بلغت ما بلغت وإن أدخلت يدي في صنعة صانع – أي أدّعي أنني أعرف كيف أُخيِّط أو كيف أقص كالطرزي أو أعرف كيف أرقع نعلاً كالإسكاف، أي جزمة أعزكم الله، أدخل يدي في أي شيئ، أكون سمكرياً مثلاً أو أي شيئ – قيل لي ليس هذا مما تُحسِن، فإن قلت لهم أنا عالم – أنا رجل ذكي وعندي مخ كبير، أنا أفهم وأحذق، أنا ذكي Clever – قيل لي بارك الله لك في علمك، ليس هذا من شُغلك، أي لا تضع يدك في شيئ لا تفهمه، أفسدتها علينا! يقولون له أفسدت الصنعة علينا حتى وإن كان من أذكى البشر! قال والذي هم فيه عمل حسي، صناعات حسية لو تعاطيتها أحسنتها، عندي من الذكاء ما يجعلني أُحسِن هذا العمل لو أردت، أتعاطى معه في شهر أو شهرين ثم أُصبِح أحسن فيه من أي أحد، لأنه ذكي، قال والذي أنا فيه عمل عقلي – لا يُحسِنه كل أحد، عمل دقيق مُجرَّد، شيئ صعب يحتاج إلى مواهب خاصة، كل واحد يُمكِن أن يصير إسكافاً، أليس كذلك؟ وطرزياً وما إلى ذلك، لكن لا يصير كل أحد عالماً وفيلسوفاً ومُفكِّراً وفقيهاً وأصولياً، صعب! مواهب إلهية هذه، لأنها بالعقل – ومع ذلك نُفتيهم فلا يقبلون فتوانا، يقولون لا، غير مُقنِع كلامك، حلو والله! هذا من قديم، انظروا إلى هذا، هذا أبو الوفاء بن عقيل، وإلى الآن الأمور ما تتغيَّر، ما القاسم أو الجامع المُشترَك؟ الغرور، ما الغرور؟ أن الإنسان يُريد أن يخدع نفسه، هذه الفتوى من العلّامة الكبير هذا لم تُوافِق هوىً في نفسه وقد وقف هو حراً – مثل الدابة الحرون – مع هوى نفسه، يقول أُريد أن أُحقِّق الشيئ هذا، أُريد أن آكل هذا الحرام وسآكله، ائتوني بأي رُخصة، هيا! إذا لم يجد يذهب ويترخَّص، يصير هو فقيهاً، يا ما شاء الله! غرور، هذا الغرور طريق إلى جهنم، اتقوا الله، هذا طريق إلى جهنم.
العامة يا إخواني أيضاً يتكلون كثيراً جداً – حتى العامة والآن الخاصة للأسف الشديد – على الرجاء، يقولون الله بر رحيم غفور عفو كريم، لا إله إلا هو، لا تضره معاصينا ولا تنفعه طاعاتنا، ما المُشكِلة إذا عبدناه أو ما عبدناه وعصيناه؟ هل هو سيُضَر بسببنا؟ نحن ذرة في الكون، نحن حبة رمل، لا شيئ! مَن نحن؟ يأتيك الواحد منهم وهو يدّعي أنه رجل مُتصاغِر في ذاته وأنه يعرف مقام الله العظيم، لكن لو عرفت مقامه لأطعته يا كذّاب، أليس كذلك؟ كذّاب مُخادِع ومغرور، لو عرفت مقامه – لا إله إلا هو – ما تجرأت على أن تُعانِده في أمره ونهيه، أليس كذلك؟ لبخعت مُباشَرةً لأمره، قال لا، قال مَن أنا إلى الله لا إله إلا هو؟ لا يضره ولا يُفيده، أنا المسكين الضعيف، مَن أنا حتى يُؤاخِذني؟ مَن أنا حتى يُعاقِبني؟
على ذكر هذا السؤال الأبله المغرور – سؤال مغرور ومُغرَّر به – أحسن مَن أجاب عنه مرة أُخرى أبو الوفاء بن عقيل بطريقة عجيبة جداً، سمع مرةً رجلاً من العامة يقول مَن أنا حتى يُعاقِبني؟ مَن أنا حتى يُؤاخِذني وهو مَن هو؟ فقال له أنت مَن؟ إذا أمات الله الخلق جميعاً ولم يبق إلا أنت دخلت في قوله يَا أَيُّهَا النَّاسُ ۩ وكنت به مُخاطَباً، أف! يا الله، هذا العقل، أرأيتم العقل؟ هؤلاء هم العلماء، هؤلاء هم العارفون بالله حقاً، قال له أنت مَن؟ أتقول مَن أنا ومَن أنا؟ أنت الذي لأجلك أرسل الله الرُسل ونبأ الأنبياء وأنزل الشرائع، أنت مُخاطَب بقوله يَا أَيُّهَا النَّاسُ ۩، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ۩، يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ ۩، أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ۩، الله لم يخلقنا عبثاً، أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ۩، ما معنى عَبَثًا ۩؟ وما معنى سُدًى ۩؟ قالوا مُهمَلاً هملاً، لا يُؤمَر ولا يُنهى، غير صحيح! الإنسان مأمور ومنهي تشريفاً له، هذا تشريف! الله شرَّفه بأن قال له أنت لك اعتبار عندي، لك مكانة، أنا ناظر إليك يا عبدي، أطعني أُحِبك وأرفعك وأُسعِدك في الدنيا والآخرة، ولا تُعانِدني ولا تعصني أُبعِدك وربما لعنتك وأهلكتك، أنت داخل في قوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ۩، يَا أَيُّهَا النَّاسُ ۩، يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ ۩، ابخع لأمر الله، كُن مُتواضِعاً وكُن فاهماً، قال مَن أنا ومَن أنا؟ مُتواضِع جداً أنت! كذب وغرور، أنت تقول هذا لا تواضعاً ولا معرفةً بقدر الله – وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۩ – وإنما تسويغاً للجراءة على الله في أمره ونهيه، ما هذا الغرور؟ غرور وجهل وكذب، أرأيتم؟ غرور! مرة أُخرى الغرور.
بعد ذلك – كما قلت – يقول الرجاء كذا وكذا، لابد أن يكون لنا رجاء، ونقول نعم طبعاً، الرجاء والتأميل وعدم القنوط من رحمة الله من أخلاق المُؤمِنين، ولا يقنط من رحمة الله إلا كافر، هذا جميل لكن الرجاء ما هو؟ ما هو الرجاء؟ هل عرفت حد الرجاء؟ هل تملك تعريفاً له؟ هل طلبت تعريف الرجاء؟ الرجاء ما كان مع عمل أو بعد عمل، وما كان مما يُسمى رجاء على غير عمل فهو الغرور، ما رأيك؟ بإجماع أهل الله، كل رجاء بغير عمل أو بعمل سوء إنما هو الغرور، الرجاء بعد أن تعمل، تعمل ثم ترجو، إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۩، قال – تبارك وتعالى من قائل – وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا ۩، لم يقل يأتون ما أتوا، وإنما قال يُؤْتُونَ مَا آتَوا ۩، أي يفعلون أفعالاً طيباً، يُوجَد فرق بين يُؤْتُونَ مَا آتَوا ۩ وبين يأتون ما أتوا، الأخيرة هذه تشمل الطيب والخبيث طبعاً، فلان أتى إلىّ أمراً عظيماً، أي جريمة كبيرة، هذا هو طبعاً! لكن إذا قلت أسدى إلىّ أو آتاني فإنني أعني شيئاً حسناً، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ۩ أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ – اللهم اجعلنا منهم – فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ۩ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۩، يا سلام! القرآن عظيم، هذه النظرية وليس نظرياتنا، نضع نظرية في جيب ونظرية في جيب ثانٍ ونظرية في جيب ثالث، ثم نمشي مُنقلِبين، قلبنا الدين رأساً على عقب كذباً وغروراً واختداعاً وخداعاً، لا! القرآن نظرية واضحة.
قالت أمنا عائشة – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها – يا رسول الله أهذا الذي يزني ويسرق ويفعل ويفعل وهو وجل؟ قال كلا يا ابنة الصدّيق، لم تفهمي الآية – قال لها – أنتِ، الله لم يقل هذا، الله لم يقل يأتون ما أتوا، قال يُؤْتُونَ مَا آتَوا ۩، قال بل هو الذي يُصلي ويصوم ويتصدَّق ويخشى ألا يُقبَل منه، لأنه إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۩.
هذا يفعل هذه الأشياء الطيبة ثم يرجو وعنده خشية ألا يُقبَل منه، يرجو! قال سُفيان الثوري – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – ما عمل من عملي ظهر للناس وأنا أعتده شيئاً، لا شيئ! ليس بشيئ، كل شيئ ظهر مني – كخُطبة مثل هذه – لا يُعَد شيئاً، هذا لا شيئ! لا تقل لي هذه قبلها الله أو هذه خُطبة عظيمة، هذا كلام فارغ، ليست عظيمة وليست بشيئ، مَن أدراني؟ صليت بالناس فبكيت وأبكيت، هذا لا شيئ، لماذا إذن؟ قال لأن الإخلاص من أمثالنا عزيز، هذا سُفيان الثوري، الله أكبر! هذا هو طبعاً، شيئ يظهر للناس، الناس يرونه ويقولون ما شاء الله هذا شيئ عظيم، ما شاء الله عليه، هو تقي خاشع فاهم ومُتحمِّس للدين، هو يقول بالحق ويُغامِر بنفسه، قال لا شيئ، وفعلاً لا شيئ! الشيئ الذي يُمكِن أن ترجو ثوابه الذي يكون بينك وبين الله تبارك وتعالى، كما قال أبو عبد الله الأنطاكي – رضيَ الله عنه وأرضاه – مَن فضلت سريرته على نيته – اللهم اجعلنا على هذا الوصف بحق لا إله إلا الله، محمد رسول الله – فهو الفضل – هذا الفضل من الله، ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ۩، ومَن استوت سريرته مع علانيته فذلك العدل – الأمور تسير، ذلك عدل – ومَن فضلت علانيته سريرته فذلك الجور، ظالم! يعيش ظالماً، ليس مُحسِناً، ليس من المُحسِنين، فانظر يا أخي وانظري يا أختي لنفسك، من أي الفرق الثلاثة أنتَ وأنتِ؟
بعض الناس سريرته أحسن من علانيته، يُظهِر للناس ما يُظهِر وهو قليل من عمل الصالحات، ويكون حريصاً على ذلك، أبو حنيفة كان كذلك، أبو حنيفة – هذا الإمام الفقيه العظيم – كان يضحك ويأكل الحلوى ويلبس أحسن لباس ويمزح في الدروس، إنسان عادي! حين تراه تقول هذا شخص عادي، ويترك البكاء والخشوع والمُناجاة والإقبال على الله لليل، من حيث لا يراه إلا الذي خلقه، لكن للأسف بعض الجيران لأنه إمام عظيم يُحِبون أن يتجسَّسون عليه، يُريدون أن يعرفوا ماذا يفعل في الليل فيسمعونه، ربما سمعوه وهو يبكي بشدة، يقول جاره لو سمعته لقلت يموت الساعة، سوف يموت! أكيد سوف يموت الرجل هذا، وفي النهار ضحك وما إلى ذلك!
إذا ذكرنا هذا فإننا نقول من أبواب الغرور وأنماط الغرور التي تشيع بين العامة – أي بيننا، هل تعرفون ما هو؟ – أنهم يميلون إلى توقير واعتقاد مَن يُظهِر الخشوع والزُهد والتقلل والخضوع ويتزيا بأزياء الصالحين، يقولون هذا الرجل ما شاء الله عليه، وخاصة إذا كان من الزاهدين، كان فقيراً وضعيفاً ومُنكسِراً! قال أبو الفرج بن الجوزي – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – ومِن حُسن حظ هؤلاء أنهم لم يُخلَقوا في زمان محمد، صلى الله على محمد وآل محمد، لماذا؟ قال لأنهم لو رأوا محمداً وكثرة زوجاته وحُبه للحلوى والعسل لما عظم في صدورهم، أهذا محمد؟ انظروا إلى ابن الجوزي، انظروا إلى العلماء الذي يفهمون، قال حتى النبي نفسه لو رأوه لما كبَّروا في نفوسهم، يُريدون الكذب، يُريدون المظاهر، يُريدون التمثيل، تمثيل! وبالمُناسَبة هذا التمثيل يسوغ على مُعظَم العامة.
إمامنا حُجة الإسلام الغزّالي – رضوان الله تعالى عليه – في كتابه العظيم الكشف والتبيين في غرور الخلق أجمعين تحدَّث عن غرور الناس كلهم مُؤمِنهم وكافرهم،تحدَّث عن هؤلاء الذين يرتضون من أحوال ومسالك أهل الله بالزي والهيئة والمنطق وحفظ الأقوال، يحفظ الواحد منهم كلمات، قال سيدي أبو القاسم الجُنيد – قدَّس الله سره – وقال الإمام عبد السلام بن مشيش وقال الباز الأشهب عبد القادر الجيلاني – رضوان الله عليه – وكذا وكذا، يحفظ كلمات وأشياء كأنه حقَّقها وعاشها وهي من أحواله ومقاماته، خاصة طبعاً مع الزي هذا والهيئة والتخشع الظاهر، على أنه قلبه – والعياذ بالله – قلب غير سليم، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ۩ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ۩، قلب مريض! كل هذا يفعله – الإمام الغزّالي قال – حيلة يحتال بها على الرفعة عند الناس – في أعين الناس – وعلى أموال الناس، يُريد أموالهم ويُريد أن يُرى فيُقال ما شاء الله، هذا ولي كبير، يُقبِّلونه ويقولون له يا سيدنا ويا مولانا، تقبيل وتعظيم! قال كذّاب، قال فمثل هذا كمثل عجوز السوء – امرأة عجوز سيئة أكل الدهر عليها الدهر وشرب – سمعت أن الأبطال والشُجعان الكُماة الفُرسان يُثبَتون – تُثبَت أسماؤهم في الديوان، أي ديوان الجيش والعسكر عند الملك أو عند السُلطان – فتزيَّت بزيهم – ذهبت ولبست لباس الفُرسان، وهي عجوز مريضة، لكنها لبست لباس الفارس وما إلى ذلك – وذهبت فسُجِّلت في الديوان، ولما عُرِضَت على السُلطان تم اختبارها فإذا بها عجوز سوء، لا تعرف تحمل حتى السيف! فقيل لها أما تستحين يا عجوز السوء؟ يا عجوز الشؤم أتهزأين بالسُلطان؟ فأمر السُلطان بأن تُقذَف بين رجلي الفيل، فداسها حتى ركضها، قال ركضها حتى ماتت، سيُهلِكها السُلطان! لا تستهزئ بالله، تلبس لباس الصالحين، تتزيا بزيهم، تأخذ طريقتهم في الظاهر، والقلب مريض، القلب خرب، الخاطر يهيم في أودية الدنيا وشهواتها، ما هذا الكذب؟ العكس هو الصحيح! خل ظاهرك مثل ظاهر أي واحد، وخل الباطن باطن ولي، باطن عارف بالله باطن رجل موصول الحبل بالله تبارك وتعالى، هذا حقك! هذا حقك لو أردت النجاة.
أكثر من هذا يا إخواني – انتبهوا فالآن هذه نُقطة خطيرة جداً – الآتي، بعض الناس يأخذ من الدين ما يُطاوِع هواه، مما هو في حد ذاته أمر طيب مُستحسَن، فالصلاة – ما شاء الله – طيبة، هل أحد يتكلَّم بسوء عن الصلاة؟ وكذلك الصوم، قيام الليل، قراءة القرآن، ذكر الله، التسبيح والتحميد والتهليل والاستغفار والصلاة على النبي، كله طيب! أليس كذلك؟ لكنه يأخذ من الدين ما يُوافِق هواه ويتحاشى ما لا يُوافِق هواه مما هو ضعيف المُجاهَدة في لنفسه، قليل الرياضة! مثل ماذا؟ مثل رجل غني، أليس كذلك؟ رجل غني الله ابتلاه بالغنى، جميل! أول ما ينبغي أن يدأب هذا الغني نفسه فيه ما هو؟ أن يتقرَّب إلى الله بشكر نعمة المال، ابتلاك بالأموال، أنت مُبتلى، أنت داخل اختبار يا حبيبي، داخل اختبار! الله ابتلاك بالأموال، انظر أين تُنفِق هذا المال، من أين أتيت به؟ وأين تُنفِقه؟ لكنه يقول لا، هذا المال! لا يُحِب حتى الوعّاظ والعلماء الذين يتكلَّمون في القضية هذه، يُحِب مَن يتكلَّمون ويقولون صل على النبي وإذا دخلت السوق وقلت لا اله الا الله وحده لا شريك له له المُلك وله الحمد يُحيى ويُميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيئ قدير تُكتَب لك ألف ألف حسنة ويُمحى عنك ألف ألف سيئة وتُرفَع لك ألف ألف درجة ويُبنى لك بيتاً في الجنة، يُحِب هذا جداً جداً، ويضعه في لوحة يضعها على مكتبه أو يُعلِّقها خلفه، فضل التسبيح والتحميد والتهليل، فضل الصيام، فضل صلاة الضُحى، فضل قيام الليل، اترك هذا كله! كل هذا غير مُفيد الآن لك، المُفيد لك إنفاق المال، ماذا فعلت في المال؟ هذا اختبارك، أليس كذلك؟
شخص عنده اختبار طبي يا سيدي، عنده اختبار نُسج Histology، الآن مادة النُسج، هذا اختباره، لكنه تركها وحفظ ديوان الشافعي، سوف يرسب! ماذا يفعل بديوان الشافعي في اختبار النُسج Histology؟ لن ينفع هذا، يقول أنا حفظته، حفظته على أحسن طبعة مُحقَّقة، وهذا جيد جيد جيد، جيد من الذين يدرسون مواداً أدبية وجيد للذين عندهم اختبار في الشعر، لكن هو عنده اختبار في النُسج، وأنت عندك اختبار في المال، ليس في قيام الليل وصلاة الضُحى والذكر والسبحة، لا! هل هذا واضح؟
هذا الدين، انظر إلى هذا، حين تفهم سوف تقول لي بالطريقة هذه سُدت علينا الأبواب كلها، والله ما عُدنا نقدر على أن نروغ روغان الثعلب من أي بُويبة، لا يُمكِن! هذا الدين، الدين سد لأبواب الغرور، تغرير النفس والكذب على النفس! هذا الفقه الحقيقي إذا أردت الدين.
قيل لولي الله بشر بن الحارث الحافي – رضوان الله تعالى عليه – الولي الكبير العظيم فلان – وكان من الأغنياء – أخذ بحمد الله في الصوم والصلاة والقيام، فقال ترك حاله ودخل في حال غيره، قال ليس هذا المُناسِب له، أرأيت؟ هؤلاء الناس كانوا يفهمون، لم يكونوا صوفية وأولياء مُصابين بالهبل ودراويش، كانوا فقهاء وفلاسفة، فلاسفة النفس هؤلاء، فلاسفة الطريق إلى الله، أتُريد أن تذهب إلى الله؟ تعلَّم من هؤلاء الناس، قال ترك حاله وأخذ في حال غيره، قالوا له ما معنى الكلام هذا؟ لم نفهم قصدك! قال حاله أن يُنفِق المال ويُعطي المساكين والمحاويج، الله غني عن صومه وصلاته مع إمساكه المال قال، مع إمساكه المال! طبعاً أما إذا أعطى المال طبعاً وصلى وصام فهذا أللبأ وابن طاب، أي نور على نور، يا حيهلاً، أحسن وأحسن طبعاً، هذا يتفوَّق على مَن يُصلي ويصوم من الفقراء، يُصلي ويصوم ويقوم وعنده مال ليُعطيه لله، يا أهلاً وسهلاً.
بشر بن الحارث هذا نفسه قال له أحدهم يا إمام جمعت ألفي درهم، عندي ألفا درهم، قال لِمَ؟ قال للحج، لأحج بها بيت الله المُكرَّم، قال أحججت يا أخي من قبل؟ قال نعم، هذه حجة تطوع، وهذان ألفان، ألفا درهم كان مبلغاً كبيراً قديماً، ماذا قال له بشر؟ قال له يا أخي اقض الدين عن مدين، لا تقل لي حج ولا تقل لي عمرة، حججت من قبل حجة الفريضة، هناك أُناس مدينون غارمون، قال له يا أخي اقض الدين عن مدين، قال لا تطيب نفسي إلا بالحج، هل أكذب عليه؟ قال له، لست مُستريحاً قال له، أُريد الألفي درهم للحج، الله هكذا حبَّبني في الحج، فقال له ما هو إلا أنك تُحِب أن تروح وتجيء ويُقال الحاج، قال له هذا كذب، في وجهه هكذا قال له، قال له ما هو إلا أنك تُحِب أن تروح وتجيء ويُقال الحاج، بعض الناس حج ويُقال له حاج فيقول لا، هذه لا تنطبق علىّ، لأنني حججت واسمي الحاج، يُسموني كلهم الحاج، فأنا لا أطلب هذا، لا! أنت تطلب شيئاً ثانياً وأنت تعرفه، تطلب أن يُقال هذه الحجة العاشرة، تطلب أن تُسأل في كل محفل وفي كل مُنتدى كم حججت حجةً يا فلان؟ فتقول إحدى عشرة حجة بحمد الله تبارك وتعالى، وماذا عن ما يجري حولك؟ ماذا عن الفقراء والمساكين والناس الذين يحتاجون الدُريهمات؟ أين أنت منهم؟ أي دين هذا؟ أتدّعي أنك مُتدين وأنك تعرف الدين؟
أرأيتم؟ العلماء لم يتركوا هذه الأبواب كلها، كلها أبواب مفتوحة ومدروسة بحمد الله تبارك وتعالى، فإياكم، إياكم أن تُغرِّركم أنفسكم أو يغركم بالله الغرور والعياذ بالله تبارك وتعالى.
من أنماط الغرور إخواني وأخواتي – وهذا نمط مُهِم جداً أيضاً، ركزوا معي أيضاً فيه، وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۩ ـ باطن الإثم، الناس يتساهلون فيه جداً، بل لا يكادون يرغبون في التفقه في هذا الباب، يقولون لا، دعنا مع الظاهر، الإثم الظاهر! الحمد لله لا زنا فنزني ولا نسرق ولا نقتل ولا ولا ولا، جميل! وهذا مطلوب طبعاً ولا فضل لك فيه، هذا طريق النجاة، إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ۩، لابد من أن تجتنب الكبائر، ليست لعبة هذه، هذا ليس على قد هواك، أليس كذلك؟ واليوم قرأنا من النجم وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ۩ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ ۩، الصغائر هذه مُكفَّرة – بإذن الله – كما تعلمون، لكن باطن الإثم، ماذا عنه؟ الحسد، الكبر، العُجب بالنفس، إرادة السوء بالآخرين، حُب الرياسة والتميز، أن يكون للواحد منهم ميزة واعتبار على الآخرين، إلى آخر القائمة اللعينة، سر الهلاك وجوهر الهلاك باطن الإثم!
أنا يا إخواني وأخواتي سألفتكم إلى شيئ كلكم تعرفونه، لكن ربما لم نلتفت إليه من هذه الزاوية، ما معنى أن يقول الصادق المصدوق – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – لا يدخل الجنةَ مَن كان في قلبه مثقال ذرة مِن كبر؟ حديث مُرعِب! كيف هذا؟ يتحدَّث عن مثقال ذرة؟ مثقال ذرة، لن تدخل الجنة إلا بعد أن تُطهَّر من هذا الكبر، هذا لا يعني أنك ستظل في نار جهنم، حاشا لله، لكن هناك موازين، هذه كلها موازين وهذا من الذنوب، الكبر ذنب باطن أم ذنب ظاهر؟ سيقول لي أحدكم أنه ظاهر، لأن هناك مَن يمشي بتكبر، لكن لا، انتبه! قلنا في الخُطبة السابقة أن هذا ليس صحيحاً أبداً، الكبر! قد تجد إنساناً يلبس أحسن لباس ويرفع رأسه ويُعتَد بنفسه – يقول هذا الشيئ بفضل الله عندي فيه كذا وكذا، أنا حقَّقت هذا الموضوع الحمد لله، درسته في خمس سنوات وعندي شيئ لم أُسبَق إليه – فتقول أف، ما هذا المُتكبِّر؟ هو ليس مُتكبِّراً، هذا اسمه اعتداد، اعتداد بالنفس! لا يُوجَد عالم إلا وهو مُعتَد بنفسه، أرأيت الغزّالي العالم؟ كان هكذا حتى في كُتيبه هذا، وقال لك أنا سأكشف لك عن هذا بأفصح عبارة وأوجز كذا وكذا، اعتداد! كيف؟ أنت؟ قال لك نعم، أنا سآتي لك بشيئ لم يمر عليك، هذا ليس كبراً، لا! هذا اعتداد، يعرف ما قيمة النعمة التي أنعم الله بها عليه، هذا اسمه اعتداد، فيلبس جيداً ويحترم نفسه ويحترم الناس، هذا مُعتَد وهذا عادي، ليس عليه مُشكِلة، والنبي سُئل يا رسول الله الرجل يُحِب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، أهذا من الكبر؟ قال ليس من الكبر، البس أحسن لباس، ليس عندنا مُشكِلة، اركب أحسن سيارة، اسكن فؤ قصر، وقد لا تكون مُتكبِّراً، وبالمُناسَبة العكس صحيح، اخضع للناس وصفّر وجهك هكذا وظهرك اثنه قليلاً وادّع الخضوع وقد تكون من أكبر المُتكبِّرين، يا سلام! وقلنا هذا مرة، يا سلام على مُعلِّم الناس الخير، صل الله عليه وآله، قيل له يا رسول الله إذا هذا ليس كبراً، فما هو الكبر بالذات الذي ذرة منه تمنع الدخول المُباشِر إلى جنات النعيم والعياذ بالله؟ قال الكبر بطر الحق وغمط الناس، وفي روايات غمص الناس، قال بطر الحق، هناك مَن تراه مُتخشِّعاً مُتزهِّداً مُتفقِّراً مسكيناً وكلما قال أنا يقول أعوذ بالله من كلمة أنا، أي أن هذا الرجل يخاف من هذه الكلمة، لكن هذا بالذات حين تُناقِشه في مسألة وتُثبِت عليه الحُجة يقول لا، لا يرضى أن يخضع، لأنه مُتكبِّر! هذا الذي حين يظهر له أنه كان مُخطئاً في قول أو اجتهاد لا يقدر بتاتاً على أن يأتي ويقول أستغفر الله، أنا كنت غلطان، اتضح أنني لا أفهم هذا الشيئ ولا أفهم كذا وكذا، لا يقولها وهو يتخشَّع وينحني للناس، هل فهمتم؟ هذا المُتكبِّر، وبالمُناسَبة هذا الذي يتخشَّع ويقول أعوذ بالله من كلمة الله يستكبر، قال وغمط الناس أو غمص الناس، ماذا يعمل الأخ؟ الأخ طبيب جرّاح، يقول له كيف حالك يا أخ؟ لا، قل له كيف حالك يا دكتور؟ لماذا تقول له يا أخ؟ هذا أخ وهذا أخ وهذا أخ، نحن نقول لك إنه طبيب جرّاح فقل له يا دكتور، لكن هذا صعب عليه لأنه مُتكبِّر، يُريد أن يغض من قدره، لأنه ليس دكتوراً، فصعب جداً أن يقول له يا دكتور وهو طبيب جرّاح مسكين من خمس عشرة سنة يعمل في الطب والجراحة، هذا صعب على قلبه جداً، ثم يأتي ويخشع في الصلاة، والله هو كذّاب! بعزة ذات الله إنه كذّاب، هل فهمتم؟
بالمُناسَبة حين تقرأون للإمام أبي حامد وغير أبي حامد تستغربون أن من دلائل المُخلِصين أنهم يُنزِلون الناس منازلهم، ما علاقة الإخلاص لله بهذا؟ هذا هو، الإخلاص هو هذا، هكذا يُوجِب التواضع الحقيقي، سأُسمي الدكتور دكتوراً والمُهندِس سأقول له يا بشمهندس والعالم سأقول له يا مولانا أو يا سيدي، كل واحد سأُسميه بحسب رُتبته بغض النظر عن أي شيئ، والله ما جمع لي كل شيئ، هو دكتور وأنا لست دكتوراً، لا بأس! ما المُشكِلة في هذا؟ هو دكتور وليس شيخاً مثلاً، فلا يأخذ أحد كل شيئ في الدنيا، ما هذا الجنون؟ لذلك قال الفُضيل بن عياض مَن أحب الترأس على الناس – وبالمُناسَبة هذا هو الكبر، هناك مَن يرى نفسه فوق الناس، لا يعترف للناس بأي ميزة، هو وفقط – أحب أن يتنقصهم، يُحِب أن يتنقص الناس، حتى حين يكتب لك عيدية يقول لك السلام عليكم ورحمة الله، كل عام وأنتم بخير، أتمنى لك كذا وكذا، مَن؟ يُخاطِب مَن هو؟ فليقل كل عام – مثلاً – يا فلان أو يا بشمهندس أو يا دكتور وأنت كذا وكذا، لكن هذا صعب على نفسه، لأنه ليس بشمهندساً ولا دكتوراً فلا يُحِب أن يكتبها، هذا إذا تقصَّد طبعاً، لأن هذا غير الذي عنده عبارة واحدة يبعثها للكل، فهذا شيئ ثانٍ، لكنه إذا تقصَّد فهو مُتكبِّر، اعرف نفسك أنك تسعى في الهلاك يا مسكين، وقيامك لليل أمس وبكاؤك بين الناس – والله – لن ينفعك لأنك مُتكبِّر، مُتكبِّر! أنزل الناس منازلها، أكرم الناس، النبي كان إذا أتاه كريم قوم أكرمه، وكان يقول أكرموا كريم قوم إذا أتاكم، بعض الناس النبي كان يقوم لهم، النبي نفسه كان يقوم ويقف، لا تقل لي نهى عن القيام، فهو نهى عن قيام الأعاجم، حين يأتي رجل كبير فيقفون له ثم يجلس ويظلون واقفين، هذا الممنوع، أما أن أقف احتراماً لرجل مُحترَم فهذا شيئ آخر، لم أقتنع يوماً بصراحة بهذا وأرى فيه شيئاً غير طبيعي وغير فطري، يأتينا رجل كبير في السن – بلغ سبعين أو ثمانين سنة – له شيبة بيضاء وهو رجل صالح من أهل الله وقد يكون من العارفين وقد يكون من العلماء العاملين بعلمهم أيضاً، وأنا ولد مفعوص – كما يُقال – جالس، عمري في حدود العشرين سنة، وأُسلِّم عليه وأنا جالس، مَن علَّمكم قلة الأدب هذه؟ قالوا الدين، لا! أنتم فهمتم الدين بشكل غالط، النبي قام للناس وقال قوموا لسيدكم، لسعد بن مُعاذ! أليس كذلك؟ افهموا الدين بشكل صحيح، الدين لا يُمكِن أن يُنمي فينا عواطف ومشاعر الكبر واحتقار الناس والغض والغص وغمط الناس أبداً، فقال الفُضيل بن عياض مَن أحب الترأس على الناس أحب أن يتنقصهم، ويغضب إذا ذُكِرَ عنده أحد بخير، ما رأيكم؟ لا يُحِب هذا، لا يُحِبه! هو وفقط، إذا كان عالماً – مثلاً – وقلنا له – والله – فلان – ما شاء الله – عالم فاضل فإنه يقول فاضل ماذا؟ وهم ماذا؟ ويبدأ يخوض في سيرته، جرِّب أن تدخل على الفيسبوك Facebook وأن تذكر عالماً آخر مُنافِساً بخير، تبدأ البوستات – المنشورات Posts – والأشياء في الظهور ثم يخوضون في سيرته، لا يُعجِبهم هذا، لأنهم يُحِبون فكرة نحن وفقط، كبر والعياذ بالله! لا علاقة له بالدين، ولا بطريق المُخلِصين.
نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُجنِّبنا مُهلِكات الظاهر والباطن، وأن يجعلنا مِمَن تحاشى مِن الذنب الظاهر والباطن، وأن نكون بذلك من الفائزين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسَلَّم تسليماً كثيراً.
إخواني وأخواتي:
إذا كانت ذرة من الكبر تحول دون دخول الجنة دخولاً مُباشِراً فمعنى هذا رُغم أن الأمر يوم القيامة بالوزن والموازين ومَن ثقلت موازينه – أي الحسنات – أفلح وأنجح ومَن خفت موازينه خاب وخسر واعتبط – والعياذ بالله، انتبهوا – إلا أن هذا لا ينبغي أن يفتح عليكم باب غرور باعتقاد صحيح أن الله – تبارك وتعالى – يُضاعِف الحسنة، أقل تضعيف عند الله ما هو؟ حين تأتي بحسنة واحدة يُضاعِفها إلى عشر أمثالها، هذا الأقل! ويُمكِن أن يُضاعِف بعد ذلك العشرة إلى سبعين أو سبعمائة أو سبعة آلاف أو سبعة ملايين لمَن يشاء، أليس كذلك؟ إياك أن تغتر بهذا فتقول فمن أين أهلك؟ كيف أهلك؟ الحسنة بعشر أمثالها في أدنى تضعيف والسيئة بمثلها أو يغفر، أليس كذلك؟ السيئة بمثلها أو يغفر، فمن أين أهلك؟ لا! يُمكِن أن تهلك – والعياذ بالله – من بابين، الباب الأول أنك تحفظ الطاعات والحسنات وتتغافل عن السيئات، أي حسنة عملها – لو تصدَّق بألف يورو مثلاً قبل عشر سنوات – لا ينساها طيلة حياتها، يقوم ويحلم وينام وهي في باله، أعطى ألف يورو ولم ينسها، لكن هناك غيبة ونمية وكذب وشهادة زور وسب وشتم وقذف في أعراض الناس وما إلى ذلك، يفعل هذا كل يوم، يمشي في الطريق هذا وينسى كل ما يفعل، هل هذا واضح؟ هذا الباب الأول، يحفظ هذه ويتغافل عن تلك، الباب الثاني أنك لا تدري أن الحسنة وإن ضُعِفت بمليون ضعف قد ترجح بها سيئة مما تتصاغره وتتحاقره وهو عند الله عظيم جداً كما رأينا في الكبر، التكبر! نعم أنت تُصلي وتصوم وتتصدَّق لكنك لا تقدر على أن تخضع للحق، لا تقدر على هذا أبداً، تقول لا! وخاصة حين يكون خصمك أقل منك، أقل منك رُتبةً أو شُهرةً أو مزيةً أو نسباً أو مالاً أو قبولاً عند الخلق، أقل منك! من العامة قد يكون، لا تقدر على هذا ويكبر عليك، فأنت مُتكبِّر، ما أدراك أن هذا الكبر – والعياذ بالله – يرجح بكل حسناتك يا أخي؟ هناك ذنوب مُخيفة كالغيبة، غيبة الناس! ذكر الناس بما يكرهون وإن كان فيهم من الكبائر الغليظة، الله أعلم ما سيئات الغيبة، ترجح بكم؟ ترجح بكم مليون حسنة؟ ما أدراك؟ فإياك أن تتعرَّض لغضب الله من هذين البابين، وإياك أن تكون من المُغتَرين!
أختم وقد أطلت عليكم بالنصيحة، بعض الناس أخذ على نفسه – وهذا شيئ طيب من حيث الأصل – أنه لابد أن ينصح لأن النبي صح عنه في الحديث المشهور الدين النصيحة، قلنا لِمَن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المُسلِمين وعامتهم، يظن أن النصيحة هي أن تتكلَّم، افعل ولا تفعل، هذا يجوز وهذا لا يجوز، مع أن جوهر النصيحة أن تنصح له في القول إذا قلت، بمعنى ماذا؟ أنت الآن – مثلاً – أخذت على أخيك في هذا المجلس شيئاً، إذن ذهبت إليه ولفته قائلاً يا أخي أنا لاحظت عليك كذا وكذا فتِّش نيتك ألف مرة، خاصة إذا كان هذا الأخ بينك وبينه – كما يُقال – حساسية، حساسية مُعيَّنة! فأنت تُريد أن تُسجِّل عليه نُقطة، تُريد أن تُعيِّره، وتُخرِج التعيير في مخرج النصيحة وصورة النصيحة، أٌقول لك الله عليك رقيب وبك بصير وعلى كل نفس بما كسبت قائم، لا إله إلا هو! أنت ما نصحت، أنت غششت وانتقمت واشتفيت، أنت مغرور، مُغرَّر بك، فحتى النصيحة لابد أن يُنتبَه إليها، حين تُوجِّه شيئاً وتقول شيئاً لابد أن تكون فيه النية خالصة لله، لا لحظ النفس، كذلك الغضب لله، لابد أن يكون لله وليس للنفس، الأحسن من هذا أن تكون النصيحة إرادة الخير بالمنصوح مهما أبهظك هذا ومهما أحرج، وافهم تفصيل هذا!
اللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرَّجته، ولا كرباً إلا نفَّسته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أسيراً إلا أطلقته، ولا مديناً إلا قضيت عنه دينه، ولا حاجةً لنا فيه صلاح ولك فيها رضا إلا أعنت على قضائها وإنجاحها بمنك وفضلك يا رب العالمين.
ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا وأن نعمل صالحاً ترضاه، وأصلح في ذُرياتنا، إنا تُبنا إليك وإنا من المُسلِمين.
اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا وما جنينا على أنفسنا، اغفر لنا ولوالدينا، وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميع قريبٌ مُجيب الدعوات.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (30/6/2017)
صح الله لسانك كم اتمنى ان اتواصل معى الدكتور عدنان ابراهيم او احصل على رقم خاص به لان معي موضوع كبير سوف يرعب العالم
فهذا الموضع عباره عن اكتشاف الابعاد كم عددها وكم اطوالها واكتشاف زمن لكل بعد ووزن الابعاد تستطيع من خلال هذه الابعاد رسم صوره خاصه مرعبه بالكون
وهيا رسم هيكل للسموات السبع وابعاد السموات السبع من خلال البعد الاول سوف ترى السماء الدنيا والكواكب بداخلها والنجوم وهذه معلومه من خلال هذه الدراسه ان السماء ليست ثابته فهيا تتمدد وتكبر الى ان تنشق وتصبح بشكل ورده بدليل قوله ((والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) اتمنى ان اتواصل معى الدكتور عدنان كونه الشخص الوحيد الذي يفهم بهذه النضريه المرعبه (هيا نضريه الرقم سبعه )ليست الغشاء فنضريه الغشاء تعتبر البعد الاول بينما نسبيه انشتاين تعتبر البعد الثالث
اتمنى ان اساعد الدكتور عدنان ابراهيم كي يستطيع ان يصل الى بعد محدد بدراسته فابعد بعد ان يوم عند ربك كالف سنه مما تعدون والله اعلم فهذا البعد بعد السموات السبع = 10 اس 10 اس 10اس 100فهذا البعد المرعب يعادل مسافه مائه الف سماء وتكون عدد الابعاد مائه الف بعد ولكن المهم هو الابعاد الرئيسيه بمعنى بعد السماء السابعه عن الارض والله اعلم فهناك ثلاثه ابعاد بعد السماء السابعه الى الجنه واما بقيه الابعاد فهيا بعد الجنه فهذه نضريه مرعبه سوف اقوم برسم الصوره والابعاد ورسم السموات السبع انشا الله خلال العشره الايام القادمه وهذا سوف يسهل البحث والدراسه للدكتور عدنان ابراهيم
اللهم أسكن الدكتور و من أعان على نشر هذا الدرس جنة الخلد