من خلق الله؟ سؤال الفلسفة والعلم بين العلية والإمكان

audio
"من خلق الله؟" هو السؤال الذي يتكرر على ألسنة المؤمنين والمشككين على حد سواء، ويتخذ موقعًا محوريًا في النقاشات الفلسفية والعلمية عبر العصور. في هذا المقال، نستعرض هذا السؤال من منظور علمي وفلسفي، معتمدين على أفكار الدكتور عدنان إبراهيم

سؤال يحير العقول

من خلق الله؟” هو السؤال الذي يتكرر على ألسنة المؤمنين والمشككين على حد سواء، ويتخذ موقعًا محوريًا في النقاشات الفلسفية والعلمية عبر العصور. في هذا المقال، نستعرض هذا السؤال من منظور علمي وفلسفي، معتمدين على أفكار الدكتور عدنان إبراهيم وآراء أبرز العلماء والفلاسفة مثل كانط، سبنسر، وبرتراند راسل. سنتناول إشكالية العلة الأولى، أزلية الكون، والإمكان الذاتي، مستندين إلى المنطق العلمي والفلسفي لإظهار مدى انسجام الإيمان بالله مع العقل.

العلية والعلة الأولى: جذور السؤال الفلسفي

الفيلسوف الألماني كانط في كتابه “نقد العقل المحض” والفيلسوف الإنجليزي هربرت سبنسر اتفقا على أن قانون العلية يطلب تفسيرًا لكل معلول. سبنسر يرى أن الإيمان بالله كعلة أولى لا يفسر شيئًا لأنه ينتهي إلى نقطة يُفترض أن تكون ذاتية التفسير، مثل المادة الأزلية عند الملاحدة. لكن هل هذا صحيح؟

الدكتور عدنان إبراهيم يوضح أن هذا النقد يقوم على صياغة خاطئة لقانون العلية. فالعقل لا يطلب علة لكل موجود، بل لكل ظاهرة أو لكل ناقص ومحتاج. الله، من هذا المنظور، ليس محتاجًا لعلة لأنه واجب الوجود، وجوده عين ذاته، على عكس الكون والمادة اللذين يحملان صفات الإمكان والاحتياج.

أزلية الكون: العلم يفند الأساطير

اعتقد العلماء في القرن التاسع عشر أن المادة أزلية، لكن هذا الاعتقاد تم دحضه في القرن العشرين بفضل نظريات مثل الانفجار العظيم (Big Bang) والقانون الثاني للديناميكا الحرارية. يقول الدكتور عدنان: “لو كان الكون أزليًا، لبلغ التوازن الحراري منذ زمن بعيد، ولما وُجدنا اليوم.”

الاكتشافات العلمية، مثل إشعاع الخلفية الكونية (Cosmic Background Radiation)، أكدت أن الكون له بداية تعود إلى حوالي 13.7 مليار سنة. هذا يعني أن فكرة أزلية المادة أصبحت “أسطورة”، كما وصفها الدكتور عدنان، والعلم يدعم فرضية أن للكون بداية تحتاج إلى مسبب خارج عنه.

الإمكان الذاتي وواجب الوجود: حل فلسفي دقيق

الفلاسفة الإسلاميون، مثل ابن سينا، قدموا مفهوم “الإمكان الذاتي” لشرح احتياج المعلول إلى علة. الإمكان يعني أن وجود الشيء ليس ضروريًا بذاته، بل يحتاج إلى علة تنقله من حيز العدم إلى حيز الوجود. هذا يفسر لماذا يحتاج الكون إلى علة، بينما الله لا يحتاج، لأنه واجب الوجود.

الدكتور عدنان يوضح: “الله هو الكيان الوحيد الذي وجوده عين ذاته، فلا انفصال بين الماهية والوجود فيه، بينما الكون يحمل في ذاته صفة الاحتياج.” هذا الطرح الفلسفي ينقض مزاعم الملاحدة بأن الإيمان بالله يقوم على الصدفة.

الأكوان المتعددة: تعقيد غير ضروري

للهروب من فكرة الإله، اقترح بعض العلماء نظرية الأكوان المتعددة (Multiverse). لكن هذه النظرية تواجه نقدًا كبيرًا بسبب تعقيدها وعدم قدرتها على تفسير نشوء القوانين التي تحكم الكون. الفيلسوف وعالم الرياضيات روجر بنروز وصف هذه النظرية بأنها “في منتهى التعقيد”، مما يجعلها أقل بساطة من فرضية الإله الواحد.

وفقًا لمبدأ نصل أوكام (Occam’s Razor)، يجب تفضيل الفرضيات الأبسط التي تفسر الظواهر بوضوح. الإيمان بإله واحد كلي القدرة والعلم هو تفسير أكثر انسجامًا مع هذا المبدأ.

العلم والإيمان في انسجام

السؤال “من خلق الله؟” ليس مجرد لغز فلسفي، بل هو بوابة للتأمل في أعمق قضايا الوجود. الفلسفة والعلم معًا يدعمان فكرة الإله كعلة أولى، واجب الوجود، ومصدر لكل القوانين والنظم في الكون. الرد على هذا السؤال ليس فقط في إثبات وجود الله، بل في بيان أن وجوده هو التفسير الأبسط والأعمق للكون.

كما يقول الدكتور عدنان إبراهيم: “كل ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات.” ووجود الله هو الذات التي تفسر كل عرض. العلم والفلسفة، إذن، ليسا عدوين للإيمان، بل هما دليلان على صدقه وجماله.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: