شاءت إرادة الحق سبحانه ، أن تجئ معجزاته التى تؤيد صدق رسله فى البلاغ عنه ..بطريقة تناسب تطور البشرية ، ودرجة نضجها .
ففى البدء لم تكن البشرية قد أستقام نضجها العقلى ، وكمل فكرها … فكانت المعجزات المادية القائمة على منطق الإستدلال العقلى المباشر والبسيط ، والتى تدهش العقول ..وهى معجزات الأنبياء السابقين ، كمعجزة تعطل خاصية الإحراق مع سيدنا إبراهيم وتحول النار ، ومعجزة العصا واليد وشق البحر وتعطيل قانون السيولة والإنسياب لسيدنا موسى ، ومعجزة الولادة و الكلام فى المهد وإحياء الموتى وشفاء بلا سبب ما عضل من الأمراض لسيدنا عيسى عليه السلام .. فكل تلك المعجزات وغيراها كانت معجزات مادية تساير طبيعة عصورهم ومستوى عقولهم ..
فلما بلغت الإنسانية سن الرشد العقلى ، وأستقام نضجها ..جاءت معجزة القرآن ، المعجزة العقلية الخالدة .
فلم يعد يناسب البشرية معجزات تدهش العقل فتشل حركته ..بل لابد من معجزة عقلية تستنفر طاقاته وملكاته ..لتنسجم مع طليعة الطموح العقلى الارتقائى ، وتستفتح عصر النهضة العلمية والفكرية والنضج العقلى .
يقول العالم الأمريكى ” ميشيل هارت ” (ومما يلاحظ على معجزة النبى محمد أنها كانت كتابا ..وأول كلمة نزلت من القرآن كانت أقرأ .. وهذا كله يعنى ان معجزة هذا النبى كانت تتصل بالفكر ، وكانت افتتاحا لعصر النضج العقلى وإيذانا ببدايته)
معجزة القرآن وكيف تختلف : –
لاشك أنه أستبان من مقدمتنا تلك أن هناك إختلافا جوهريا بين معجزة القرآن الكريم ومعجزات الأنبياء السابقين ..لا أقول إختلافا فى الدرجة ، بل فى النوع والطبيعة ..والأدلة النقلية والعقلية على هذا كثيرة ومتنوعة ..فمن الأدلة النقلية ماجاء فى الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى الله عنه ..أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( مامن الأنبياء إلا أعطى مامثله آمن عليه البشر ، وإنما أعطيت كان الذى أوتيت وحيا أوحاه الله إلى ..فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ) ..قال بن حجر العسقلانى فى الفتح فى شرح هذا الحديث ( أى معجزتى وهى الوحى الذى أنزل على ..وهو القرآن )
ومن الأدلة العقلية الإستقرائية على تمايز معجزة القرآن عن معجزات الأنبياء السابقين يمكن حصرها فى أربعة وجوه :
الوجه الأول :
تختلف معجزات القرآن عن معجزات الرسل السابقين فى أن معجزات السابقين كانت حسية مادية ..تقع مرة واحدة ..من رأها فقد آمن بها ، ومن لم يرها صارت خبرا موقوفا على صدق من نقله … أما معجزة القرآن فهى معجزة عقلية متجددة خالدة إلى أن تقوم الساعة .
فهى كما يقول إمامنا الشعراوى ( يستطيع كل واحد أن يقول : محمد رسول الله . وهذه معجزته وهى القرآن ) .
ويقول الإمام محمد عبده ( أن القرآن الكريم وهو المعجز الخارق …دعا الناس إلى النظر بعقولهم ..فهو معجزة عرضت على العقل وأطلقت حق النظر فى أنحائها ، ونشر ما أنطوى فى أثنائها ) .
ويقول الباحث العالم الأمريكى ( ميشيل هارت ) : ( فإذا كانت معجزة نوح هى الطوفان … وكانت معجزة إبراهيم هى تحول النار حين ألقى فيها برد وسلام …وكانت معجزات موسى هى شق البحر والعصا واليد ..وكانت معجزات المسيح هى إحياء الموتى وشفاء مالايشفى من الأمراض …فلقد كانت كلها مادية ومؤقتة بزمان محدد هو زمن النبى الذى وقعت فى عصره ، ولهذا اختفت هذه المعجزات بموت من مات من هؤلاء الأنبياء …أما معجزة النبى محمد فلم تزل فى أيدينا كل يوم . إنها القرآن الكريم ) .
الاستاذ وليد قرني المحامي
أضف تعليق