طليعة التبيان (طليعة مُفصَّل البيان في حال ابن أبي سُفيان)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
نُكمِل – إن شاء الله – مع الحافظ أبي الفيض الغُماري رحمة الله تعالى عليه، هناك كتاب في مُجلَّدين كبيرين اسمه البحر العميق في مرويات ابن الصدّيق وهو أبو الفيض أحمد الغُماري، في المُجلَّد الأول في الصحائف من ثماني وأربعين إلى خمسين يصف مُعاوية بالطاغية ويلعنه ويقول قبَّحه الله، ويقول مُعاوية كان يُطمِع الناس بالأموال الطائلة ويأمرهم بوضع الأحاديث في ذلك وفيهم – من هؤلاء الذين يُطمَّعون بالأموال – مَن هو منسوب إلى الصُحبة ومعدود في جُملة الصحابة.
ويقول عن الصحابة ومن تعظيم جنابهم الأقدس وحماهم الأطهر تنزيههم عن إدخال المُنافِقين والفجرة فيهم، وعدهم مِن زُمرتهم مثل مُعاوية وأبيه وابنه والحكم بن العاص – وكان الأقوم أن يقول مثل مُعاوية وأبيه والحكم بن العاص وابنه، لأن يزيد ليس معدوداً في الصحابة، فهذا من المُؤكَّد أنه تطبيع – وأقرابهم – أي قراباتهم – قبَّحهم الله ولعنهم فإن عد هؤلاء من جُملة الصحابة بعد تكذيب خبر الله ورسوله بكفرهم ونفاقهم حطٌ من قدر الصحابة رضيَ الله عنهم – هذا كلام صعب، قوي جداً، يقول هؤلاء قبَّحهم الله ولعنهم الله، قال عدهم في الصحابة بعدما تحدَّث الرسول عن نفاقهم وكفرهم يُعَد حط من مرتبة الصحبة كلها، لا يجوز أبداً، يجب أن نُميِّز، هذا كلام الحافظ -، وعلم سيرة الفاجر اللعين مُعاوية ومُعانَدته لله ورسوله واستخفافه بأمرهما واستهزائه بالشريعة المُحمَّدية وسفكه الدماء البريئة.
نأتي الآن إلى أخيه الحافظ أبي الفضل عبد الله بن الصدّيق الغُماري، الإمام المُمتحَن الذي سُجِن في سجون عبد الناصر، وبعد ذلك عاد إلى المغرب، عالم فقيه مُتفنِّن في العلوم، وهو رجل صالح وذاكر، معروف الحافظ أبو الفضل عبد الله بن الصدّيق، عنده كتاب لطيف جداً موجود على الشبكة يُمكِن حتى أن تقرأوه اسمه نهاية الآمال في صحة وشرح حديث عرض الأعمال، أن الأعمال – أعمال الأمة المُحمَّدية – تُعرَض على نبي الله في برزخه الشريف، في البداية يُقدِّم له أبو الفيض أخوه في الصفحة السابعة وفي طبعة أُخرى في الصفحة الرابعة، هذه الصفحة الرابعة، قال أبو الفيض ثم إني استغربت منك – يقول لأخيه أبي الفضل عبد الله – عد الحديث – أي حديث الحوض، الذين يُزادون عن حوض رسول الله – من المُتشابِه الذي ﻻ ﻳُﻌﻠَﻢ ﻣﻌﻨﺎﻩ، ﻣﻊ ﺃﻧﻨﺎ ﻧُﺠﺰِﻡ – الذين لم يسمعوا منا نقول لهم هذا قلناه مائة مرة، النبي يتحدَّث عن جماعة من أصحابه يُزادون عن حوضه، فيقول أصحابي أصحابي، وفي رواية أُصيحابي أُصيحابي، فيُقال أنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا يرجعون القهقهرى، أي مُرتَدين على أعقابهم، في رواية عند مُسلِم فأقول سُحقاً سُحقاً، هذا حديث الحوض وهو في الصحيحين طبعاً، هو في الصحاح وفي موطأ مالك – ﺑﺄﻧﻪ ﻓﻲ ﻣُﻌﺎﻭﻳﺔ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻣِﻤَﻦ ﺣﺎﺭﺏ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺧﺮﺝ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻓﻌﻞ ﺍﻷﻓﺎﻋﻴﻞ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻳﻘﻮﻝ – لأنهم يعرفون أنه في مُعاوية – ﻻ ﺃﻟﻮﻡ ﺃﺳﺘﺎﺫﻧﺎ ﻣﺎﻟكاً ﻋﻠﻰ ﺷيئ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﺫﻛﺮﻩ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﺤﻮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮطأ، ﻭﻫﺬﻩ – يقول أبو الفيض – ﻣﻦ ﻫﻨﺎﺕ ﺍﻷﺋﻤﺔ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ، ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﺣﺪَّﺙ ﺑﻪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻻ ﻳُﻼﻡ ﺃﺣﺪٌ ﻋﻠﻰ ﺭﻭﺍﻳﺘﻪ ﺑﻞ ﻳُﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﻛﻪ ﻭﺗﻀﻴﻴﻌﻪ – ﻭﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ أن ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ فهم أن ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﻣُﻌﺎﻭﻳﺔ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﻤُﺮﺗَﺪﻳﻦ، لو كان في المُرتَدين لماذا يعتب على مالك؟ طبعاً لعنة الله على كل المُرتَدين، لكن هو في مُعاوية وأصحابه، على اعتبار أنه صحابي وعنده أحاديث وإلى آخره – قلت – مَن الآن؟ أبو الفضل عبد الله بن الصدّيق صاحب الكتاب، صاحب نهاية الآمال – أنا أجزم أيضاً بأن حديث الحوض في مُعاوية وأصحابه.
هذا رأي عبد الله بن الصدّيق رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، أيضاً له الحاوي في الفتاوي، له طبعة في دار الأنصار بمصر، أنا عندي هذه الطبعة، في الحاوي في الفتاوي، الجزء الثالث، الصحيفة الثانية والثلاثون يقول الحافظ عبد الله بن الصدّيق مُعاوية أسهم في قتل الحسين عليه السلام لأنه كان يُريد أن ينفرد بالمُلك ويجعله وراثة في بني أُمية، وهو من مُسلِمة الفتح الطلقاء، ومُسلِمة الفتح نوعان، نوعٌ حسن إسلامه فكان صحابياً فاضلاً مثل حكيم بن حُزام وعتّاب بن أسيد، ونوعٌ لم يحسُن إسلامه مثل مُعاوية وأبيه وبُسر بن أرطأة السفّاك عامل مُعاوية على اليمن، وليس كل صحابي فاضلاً بل فيهم مُنحرِفون عن الجادة مثل سمرة بن جُندب والمُغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص وجرير بن عبد الله البجلي ورئيسهم مُعاوية الباغي بنص الحديث.
أخيراً عن أبي الفضل عبد الله بن الصدّيق – رحمة الله عليه – قال في كتابه القول المسموع في الهجر المشروع في صفحتي أربع عشرة وخمس عشرة وكان الخلفاء الراشدون رضيَ الله تعالى عنهم يُعطون الصحابة أُعطياتهم المُستحَقة لهم في بيت المال، يُقسِمونها بالعدل مع مُراعاة مَن له يدٌ في الإسلام – سيدنا عمر وعثمان، أبو بكر وعليّ لا، كانت التسوية وهي الخُطة الصحيحة -، فلما جاء مُعاوية آثر أعوانه بالعطاء وفضَّلهم على الأنصار الذين أثنى الله عليهم في القرآن – فضَّل جماعة الشام وجماعة الطُلقاء على أنصار الله ورسوله، شيئ غريب، واستأثر دونهم – فذكَّره أبو أيوب بالحديث الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم بخصوص الأثرة – ستلقون أثرة من بعدي فاصبروا حتى تلقوني على الحوض، وفعلاً استُئثر دونهم – ليتعظ مُعاوية ويرجع ويتوب، ولكنه لم يرجع بل استمر على غيه – انظر إلى هذا، يقول استمر على غيه – وقال أنا أول مَن صدَّقه – أنا ذكرت لكم الحديث بطوله، قال له بماذا أوصاكم؟ قال بالصبر، قال فاصبروا، قال له أنا أول مَن صدَّقه، يستهزيء يا أخي، كما يعتب عليك أحد مثلاً ويقول رأيت في المنام مُناوَشة بيني وبينك وكأنك بصقت في وجهي، فتقول له وها قد بصقت في وجهك وصدَّقت منامك، أي أنك تسخر وقد بصقت في وجهه، يُعاتِبك ويقول لك والله رأيت هذا في المنام، أو رأيت مثلاً أحد الصالحين يقول لي احذر فلاناً فإنه سيبصق في وجهك، فتبصق في وجهه وتقول أنا صدَّقته وبصقت في وجهك، شيئ عجيب يا أخي، منطق طُغياني، وقال أنا أول مَن صدَّقه، أي بالاستئثار، الله أكبر-، يعني أنه أول حاكمٍ صدَّق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقاً عملياً حيث آثر أعوانه بالعطاء، وهذه جرأة قبيحة تُؤذِن بأنه كان لا يُقيم لكلام الرسول – صلى الله عليه وسلم – وزناً. لا يهتم بكلام الرسول، لا تقل لي الرسول وما الرسول، هذه مُشكِلتك!
أنا نسيت أيها الإخوة أن أتلو عليكم شيئاً يتعلَّق بموقف الإمام عبد الرزّاق بن همام بن نافع الصنعاني، الإمام الكبير، يقول عنه الحافظ الذهبي في النبلاء: الحافظ الكبير، عالم اليمن، هذا روى عنه مَن؟ روى عنه شيخه سُفيان بن عُيينة، لجلالته شيخه يروي عنه، وروى عنه الإمام أحمد ويحيى بن معين وإسحاق بن رَاهُويَهْ وعليّ بن المديني شيخ البخاري، وطبعاً هؤلاء من مئات رووا عنه، لكن هؤلاء أجل مَن روى عنه، أعني هؤلاء الكبار.
رفع الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم كتاباً وقال هذا الإمام أبو جعفر العقيلي في الضعفاء الكبير، المُجلَّد الثالث، في الصحيفة مائة وتسع يقول حدَّثنا أحمد بن زكير الحضرمي، قال حدَّثنا محمد بن إسحاق بن يزيد البصري، قال سمعت مخلد الشعيري يقول كنت عند عبد الرزاق – أي الصنعاني صاحب المُصنَّف، فهو عنده كتاب اسم المُصنَّف في عشر مُجلَّدات كبيرة – فذكر رجل عنده مُعاوية، فقال لا تُقذِّر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان.
هذا عبد الرزّاق، لذلك اتُهِمَ بالتشيع، وهو إمام سُني كبير، هذا صاحب المُصنَّف، كيف يكون مُتشيّعاً؟ بأي طريقة؟ وهذه ذكرها الذهبي في النبلاء، نفس الحكاية، لكن لماذا أتينا بالعقيلي؟ مصدرها العقيلي فنأتي بالمصدر، الذهبي أخذه عن العقيلي، رجل ذكر اسم مُعاوية فقال له لا تُقذِّر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان، مُجرَّد ذكر اسمه تقذير للمجلس، هذا عبد الرزّاق رضيَ الله عنه وأرضاه.
انتهينا من آل الغُماري رضوان الله تعالى عليهم، نأتي الآن إلى الإمام المودودي، أبو الأعلى المودودي تعرفونه، مُؤسَّس الجماعة الإسلامية في الديار الهندية التي تُعَد الآن بعشرات الملايين، من أوسع الجماعات الإسلامية انتشاراً على الإطلاق، إمام جليل رحمة الله تعالى عليه، سنرى الإمام المودودي ماذا كتب في هاته المسألة.
رفع الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم كتاباً وقال أن اسمه الخلافة والمُلك، ثم استتلى قائلاً طبعة دار القلم – الكويت، ألف وتسعمائة وثماني وسبعون، الطبعة الأولى، من حُسن الحظ هذا الكتاب نزل على الشبكة العنكبوتية قبل أشهر، فهو موجود الآن ومُتاح، وهذا لا يُطبَع إلا قليلاً، هذه الطبعة تقريباً الوحيدة التي طُبِعَت في ثماني وسبعين ثم لم يُطبَع، لماذا؟ ويقول لك سيدنا مُعاوية ورضيَ الله عنه وما إلى ذلك، ولكن يتحدَّث عن أخطائه بشكل واضح، قال لك سيدنا ويترضى عنه لكن هذه أخطاؤه، يتحدَّث من الخلافة إلى المُلك، هذا الانقلاب الرهيب في حياة الأمة، والكتاب كله عن هذا، اسمه الخلافة والمُلك، كيف انقلبت الخلافة إلى مُلك وضاعت الأمة إلى اليوم؟ إن شاء الله تعود الخلافة الراشدة – بإذن الله تعالى – على منهاج النبوة إن شاء الله، فيتحدَّث عن بداية التغيير ويتحدَّث عن الشورى في زمن أبي بكر وزمن عمر وإلى آخره، وعن ما حدث أيام سيدنا عثمان وتوليته لبعض أقاربه وإلى آخره، وتحدَّث عن قرابات عثمان ثم تحدَّث عن الطُلقاء، لأن عثمان جماعة كثيرة من أقاربه كانوا من الطُلقاء أيضاً، يقول إن أفراد هذه العائلة – عن بني أُمية – الذين ارتقوا في عهد عثمان كانوا جميعاً من الطُلقاء – قال جميعاً، أرأيت؟ – والمُراد بالطُلقاء تلك البيوت المكية التي ظلت إلى آخر وقت مُعادية للنبي عليه الصلاة والسلام وللدعوة الإسلامية فعفا الرسول عنهم بعد فتح مكة ودخلوا في الإسلام. ومُعاوية والوليد بن عقبة ومروان بن الحكم كانوا من تلك البيوتات التي أُعطيت الأمان وعفا الرسول عنهم. أما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فقد ارتد – أي منهم، طبعاً هذا أخو سيدنا عثمان – بعد إسلامه وكان واحداً من الذين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في فتح مكة بقتلهم حتى ولو وجدوا تحت أستار الكعبة، وكان سيدنا عثمان رضي الله عنه قد سارع إليه وجاء به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فعفا عنه لأجل خاطر عثمان لا غير، وبالطبع – يقول المودودي – ما مِن أحد يقبل أن يُعزَل السابقون الأولون الذين خاطروا بأرواحهم في سبيل رفعة الإسلام فارتفع لواء الدين بتضحياتهم وأن يحكم الأمة بدلاً منهم مثل هؤلاء الناس …. هكذا بهذا التعبير، يقول أمثال مُعاوية والوليد ومروان وعبد الله بن سعد، قال ما هذا؟ كيف يتأخَّر الصحابة الأجلاء من المُهاجِرين والأنصار ويحكم هؤلاء الطُلقاء؟ وفعلاً غير مقبول، وهو شيئ غير معقول أيضاً، إلى أن يقول في الصحيفة السابعة والسبعين المودودي المُطالَبة بدم سيدنا عثمان والتي قام لها فريقان أحدهم فيه السيدة عائشة وطلحة والزُبير والثاني فيه مُعاوية بن أبي سُفيان ومع احترامنا لقدر الفريقين ومنزلتهما إلا أنه لا مندوحة من القول بأن موقفها كليهما من الناحية القانونية – أي الشرعية – لا يُمكِن استصوابه بأي حالٍ من الأحوال، فذلك العصر لم يكن عصر النظام القَبلي المعهود عن الجاهلية حتى يُطالِب بدم المقتول فيه مَن شاء وكيف شاء – هذا كان في القَبليات، الآن هناك خلافة، دولة مركزية، دولة مُنظَّمة هي التي تفعل كل شيئ، لا تقل لي ابن عمي وأخي وما إلى ذلك، ليس لك علاقة أنت الآن، تُوجَد دولة، لكن ذاك كان في النظام القَبلي، وهذا كلام صحيح – وإنما كانت هناك حكومة ذات نظام ونسق فيها قانون وتشريع لكل دعوى، وكان حق المُطالَبة بدم المقتول في يد ورثته الأحياء وكانوا موجودين – ليس مُعاوية، أولاد سيدنا عثمان كانوا موجودين، أي الورثة، ما علاقتك أنت؟ وهذا مُهِم لكي تفهموا الحقيقة وتفهموا كيف كانت الخدعة الأموية، كيف خدع مُعاوية الأمة بقميص عثمان، ما علاقتك أنت؟ – ولو كانت الحكومة تتساهل في القبض على المُجرِمين وتقديمهم للمُحاكَمة عن قصدٍ فلا شك أنه كان في مقدور الآخرين مُطالَبتها بالتزام العدل والإنصاف ولكن هل ما فعله الفريقان – يقصد فريق عائشة وطلحة والزُبير وفريق مُعاوية وجماعته – هو السبيل في مُطالَبة أية حكومة بالتزام العدل والإنصاف؟ وأي سند في الشريعة أمكنهم الاستدلال به على رفض الحكومة الشرعية من أساسها لعدم امتثالها لمُطالبتهم تلك؟ – انظر إلى هذا السؤال الذكي، حتى لو افترضنا أنه حصل هذا هل هذا يُعطيكم العذر أن تنقضوا البيعة وتنكصوا العهد وتعتبروا كأن الإمام عليّ ليس الإمام الحق؟ قال أين هذا؟ بأي دليل شرعي هذا؟ – وإذا لم يكن سيدنا عليّ خليفةً شرعياً فلم كانوا يُطالِبونه بالقبض على المُجرِمين ومُعاقَبتهم؟ – هو الخليفة، فإذن تناقضتم أنتم – وهل كان سيدنا عليّ زعيماً قَبلياً يقبض على مَن شاء ويُعاقِبه دون أي سند قانوني؟ – ولذلك حتى هؤلاء الإخوة المُدافِعون عن مُعاوية يقولون إلى اليوم لا يُعرَف بالضبط مَن الذي قتل عثمان، الشخص الذي فعل هذا غير معروف، وهذه مُشكِلة كانت أمام الإمام عليّ، فعلاً مَن الذي قتله؟ مَن الذي وضع السيف فيه؟ غير معروف، كلها روايات مُضطرِبة وكلام فارغ، غير معروف بالضبط مَن الذي قتله، مثل قضية القذّافي اليوم فلا أحد يعرف، ولا تشبيه، حاشا لله طبعاً، لكن غير معروف إلى الآن مَن الذي باء بإثم قتل سيدنا عثمان رضوان الله عليه -، والتصرف الذي كان لا قانونياً ولا مشروعيةً هو تصرف الفريق الأول، إذ أنهم بدلاً من التوجه إلى المدينة ورفع دعواهم هناك حيث يُقيم الخليفة والمُجرِمون وورثة المقتول وحيث كانت تتم إجراءات المُحاكَمة ساروا إلى البَصرة وجمعوا الجيوش وحاولوا الاقتصاص لدم عثمان فنتج عن هذا إهراق دم عشرة ألوف – قيل هذا، أقل ما قيل ثمانية آلاف، وقيل حتى عشرين ألفاً في الجمل، هو قال عشرة آلاف، وهذا وسط – بدلاً من إراقة دم فرد واحد واضطرب نظام الدولة وعمتها الفوضى، فلعمري إن هذا لسبيلٌ لا يُمكِن اعتباره إجراءً شرعياً لا في نظر قانون الله وشرعته فقط بل حتى في نظر أي قانون من القوانين الدنيوية، والتصرف غير القانوني الذي يفوق هذا كله بدرجات ودرجات تصرف الفريق الثاني – يقول المودودي تصرف عائشة وطلحة والزُبير غير قانوني وغير شرعي، لكن الذي يفوقه في عدم القانونية وعدم المشروعية بدرجات ودرجات تصرف الفريق الثاني – (يعني مُعاوية) الذي قام يطلب القصاص لسيدنا عثمان لا بصفته مُعاوية بن أبي سُفيان – أي قريب عثمان – بل بوصفه حاكم الشام – نُحاوِل أن نفهم – فرفض إطاعة الحكومة المركزية واستخدم جُند الولاية في تحقيق غرضه هذا وليته طالب سيدنا عليّ بتقديم قتلة عثمان إلى المُحاكَمة ومُعاقَبتهم وإنما طالب بتسليمهم له ليقتلهم بنفسه – يضع العصا في الدواليب كما يُقال، Put a spoke in wheel – كل ذلك أشبه بالفوضى القَبلية التي كانت فيما قبل الإسلام لا بالحكومة المُنظَّمة التي كانت في عصر الإسلام، وحق المُطالَبة بدم عثمان كان لورثة عثمان الشرعيين ولم يكن لمُعاوية، ولو جاز لمُعاوية المُطالَبة به بناءً على ما بينهما من صلة فبصفته الشخصية لا بصفته والي الشام، فمُعاوية بن أبي سُفيان هو قريب سيدنا عثمان، أما ولاية الشام فلم تكن قريبته، لقد كان من حقه بصفته الشخصية أن يستنجد بالخليفة ويُطالِب بالقبض على المُجرِمين ومُحاكَمتهم ولكن لم يكن له أي حق على الإطلاق بصفته والياً أن يرفض طاعة الخليفة الذي بُويع بطريقة شرعية والذي كانت ولاية الدولة كلها عدا ما كان تحت إمرة مُعاوية – أي الشام – تعترف بخلافته وأن يستخدم جيش الولاية التي كان يحكمها في مُواجَهة الحكومة المركزية ويُطالِب على الطريقة الجاهلية الخالصة – أرأيت؟ يقول الجاهلية الخالصة، ليس لها علاقة بالإسلام أبداً، لا تقل لي اجتهد فأخطأ، قال لا يُوجَد موضع للاجتهاد، هذه جاهلية خالصة – بتسليم المُتهَمين لا إلى القضاء بل إلى مُدّعي القصاص ليقتص منهم بنفسه.
في الصفحة الثالثة والثمانين يتحدَّث عن المرحلة الخامسة من التدهور، يقول عندئذٍ كان أول ما فعله عليّ رضيَ الله عنه بعد اضطلاعه بمنصب الخلافة هو عزل مُعاوية عن الشام في المُحرَّم عام ست وثلاثين وتنصيب سهل – كتب سمبل وطبعاً هو سهل – بن حُنيف في مكانه غير أن هذا الوالي – المُهِم أنه رجع لأنه طبعاً خشى أن يُقتَل، وعاد المسكين مُباشَرةً – الجديد ما إن وصل إلى تبوك حتى جاءته عُصبة من فرسان الشام وقالت له إن كان عثمان بعثك فحيهلاً بك، وإن كان غيره فارجع – أين عثمان؟ عثمان استُشهِد – فكان هذا علامة واضحة على أن ولاية الشام ليست على استعداد لأن تُطيع الخليفة الجديد فأرسل سيدنا عليّ رجلاً آخر ومعه رسالة منه إلى مُعاوية – والله هذا يقرأه الإنسان بحزن يا إخواني، والله العظيم، كم لقيَ عليّ من هذه الأُمة! وإلى الآن مَن يدفعون عن هؤلاء الناس يقولون علىّ حتى أخطأ، لم يكن دقيق السياسة، لم يكن كذا وكذا، لم يُهادِن مُعاوية وكذا، وبعد ذلك يُحمِّلونه بعض أو كل تبعات ما حصل بعد ذلك، ثم يقولون هذا هو وعليّ في خلافته لم تحصل فتوحات، لم يحصل أمن، اضطرب حبل كذا، لم يفتح الله على الأمة وحصل هرج، بسبب مَن؟ بسبب مَن يا جماعة؟ حسبنا الله ونعم الوكيل، أتُحمِّلون عليّاً هذا أيضاً؟ بعد أن فُعِلَ به كل ما فُعِل تُحمِّلونه المسئولية، أي مسئولية الفشل، وبعضهم يتحدَّث عن الخيبة، بمُصطلَح الخيبة، يقول خيبة أصابت الأُمة، كأن عليّاً هو الذي سبب هذه الخيبة، شيئ مُحزِن جداً، ظلم صارخ، فحسبنا الله ونعم الوكيل، بدل أن يقولوا مَن سبب هذا ومَن هو سبب كل هذه البوائق ونحجه وندمغه قالوا اجتهد فأخطأ ورضيَ الله عنه وأرضاه وممنوع أن تتكلَّم فيه – فلم يرد عليه وإنما أرسل في صفر عام ست وثلاثين توماراً مع رسول من عنده إلى سيدنا عليّ، فلما فضه عليّ رضوان الله عليه لم يجد فيه شيئاً – فارغ – فسأله ما وراءك؟ قال ورائي أني تركت قوماً لا يرضون إلا بالقود وتركت ستين ألف شيخ يبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق – سنة كاملة يا إخواني في تاريخ الطبري وغيره مُعاوية يضع قميص عثمان المُمزَّق رضوان الله عليه على المنبر ويجلس حوله الشيوخ الشاميين ويبكون ويُطالِبون بالثأر، تعبئة وتجييش عاطفي لسنة كاملة حتى صار أهل الشام طبقاً واحداً، قلوبهم مُعتَلة ملآنة على مَن؟ على مَن اتهمه مُعاوية بقتل عثمان وهو عليّ، قال لهم عليّ هو الذي قتله، عليّ له يد وضلع في قتله، فعليّ قال لهم أنا؟ لعنة الله على قاتل عثمان، قال لهم لعنة الله على مَن قتل عثمان، أنا؟ لكن هكذا أفهم أهل الشام، أن هذا القصاص منه، وهذا شيئ غريب، ستون ألف شيخ يبكي -، فسأله سيدنا عليّ مِمَن؟ – أي يُريدون القود مِمَن؟ – قال من خيط نفسك – أي منك، أنت المُتهَم، هذا معنى قوله من خيط نفسك، أي منك، من روحك أنت، منك شخصياً، وهذا تعبير عربي فصيح، قال له من خيط نفسك -، والمعنى الصريح لهذا أن والي الشام – عن مُعاوية – لم يحد عن طاعة الخليفة فحسب بل يُريد استخدام جيش ولايته في قتال الحكومة المركزية وأنه يبغي القصاص لدم عثمان لا من قتلته بل من الخليفة نفسه، كل ذلك كان نتيجة تولية مُعاوية قرابة سبعة عشر عاماً مُتصِلة على ولاية بعينها كانت من الناحية الحربية – الشام – غاية في الأهمية، ولهذا أضحت الشام بالنسبة له دولة أكثر منها ولاية في الدولة الإسلامية، ولقد ذكر المُؤرِّخون عزل عليّ لمُعاوية على نحو يفهم القارئ منه أن عليّاً كان فيه غير عاقل بالمرة – أي هذا العزل، لماذا عزلته؟ سبَّبت لنفسك مُشكِلة كبيرة – وأن المُغيرة بن شُعبة كان ينصحه ويُرشِده ويقول له لا تتعرَّض لمُعاوية، لكنه رفض بجهله رأي المُغيرة فأثار مُعاوية واستجلب المُصيبة في حين أن سير الحوادث – يقول المودودي – الذي نراه من التواريخ التي كتبها هؤلاء المُؤرِّخون أنفسهم إذا ما تدبَّره أحدٌ من ذوي البصيرة السياسية فسيُدرِك حتماً أن تأخّر سيدنا عليّ في عزل مُعاوية عن ذلك الحين خطأٌ فاحش – المودودي يقول أحسن شيئ كان ينبغي أن يفعله عليّ هو أن يعزله من أول ساعة، لا يُبقيه ساعة واحدة في الشام، انظر إلى إنصاف المودودي رحمة الله تعالى عليه -، فبخُطوته هذه اتضح على الفور مركز مُعاوية – يقول المودودي حين عزله عرفنا مَن هو مُعاوية وماذا يُريد وماذا ينتوي، انكشفت خبيئته – ولو بقيَ موقفه مُستتِراً أكثر من هذا لكان ستره الخداع وهو أكثر خطورة…. إلى آخره، الله أعلم ماذا كان سيفعل!
في الصحيفة السادسة والثمانين يتحدَّث عن معركة صفين طبعاً ويقول وفي أثناء المعركة وقع أمرٌ بيَّن للناس أي الفريقين كان على حق وأيهما كان على الباطل، ألا وهو استشهاد سيدنا عمّار بن ياسر وهو يُقاتِل مُعاوية مع جيش عليّ، وكان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمّار حديثاً معروفاً لا يخفى على أحد من الصحابة – مُتواتِر – وقد سمعه كثيرٌ منهم وهو يقول له تقتلك الفئة الباغية – علم من أعلام النبوة، صلى الله على رسول الله، الحديث مُتواتِر، هذه ليست تواريخ، مُتواتِر يا جماعة في بناء المسجد مقدمه من المدينة المُنوَّرة، أول ما قدم ألم يبنوا المسجد النبوي؟ عمّار كان يحمل الأحجار وما إلى ذلك، النبي رآه وقال ويح ابن سُمية تقتله الفئة الباغية، وهذا عجيب وهو في صحيح البخاري، ويقول عمّار أعوذ بالله من الفتن، علم من أعلام النبوة، كيف رأى النبي هذا؟ من خلف ستر رقيق، يا الله! من يوم بناء المسجد رأى النبي كل هذا أمامه وأعطانا إنذاراً، أعطى العقول يا حبيبي إنذاراً لكي تفهم، النبي قال يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار، فهو أفهمنا حتى لا نقول مُعاوية اجتهد فأخطأ، قال دُعاة النار، النبي قال أنا أُسميهم دُعاة النار فكيف تقول اجتهد فأخطأ؟ حسبنا الله، والله لا أدري ما هذا، أعان الله إخواننا الدُعاة والعلماء الذين يقولون اجتهد فأخطأ، كيف سيكون موقفهم بين يدي رسول الله يوم القيامة؟ النبي سيقول أنا قلت لكم دُعاة نار وأنتم قلتم اجتهد فأخطأ، أجيبوا الرسول حينها بتأويلاتكم السمجة الباردة -، وفي مُسنَد أحمد والبخاري ومُسلِم والترمذي والنسائي والطبراني والبيهقي وأبي داود الطيالسي وغيره من كتب الحديث روايات لهذا الحديث رواها أبو سعيد الخُدري وأبو قتادة وأم سلمة وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبو هُريرة وعثمان وحُذيفة وأبو أيوب الأنصاري وأبو رافع وخُزيمة بن ثابت وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمُار بن ياسر وعديد من الصحابة الآخرين رضوان الله عليهم أجمعين ونقل ابن سعد في الطبقات هذا الحديث بعدة أسانيد، ولقد اعتبر جمعٌ من الصحابة والتابعين مِمَن ترددوا في أمر الحرب بين علي ومُعاوية – هناك أُنس ترددوا، محمد بن مسلمة، أسامة بن زيد، سعد بن أبي وقاص، عبد الله بن عمر، هؤلاء كانوا مُعتزِلين، لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، وكذلك خُزيمة بن ثابت، حتى خُزيمة صاحب الشهادتين كان يقول لا أضل، أنا عندي علامة أراها ومن ثم أعرف، وقد رأيت العلامة يا خُزيمة، قال مع عليّ، واستشهد مع عليّ، خُزيمة بن ثابت استُشهِد مع عليّ، قال هناك علامة، سوف أرى مَن الذي سيقتل عمّار، هو الباغي الظالم، وبعد ذلك سأُقاتِله، قال أنا لا أضل، لكي لا تضلوا عن ربكم – اعتبروا استشهاد عمّار علامة فرَّقت بين مَن هم على الحق ومَن هم على الباطل، يقول أبو بكر الجصاص – الرازي الحنفي، علماً بأن هناك انحرافاً أُموياً عن الأحناف، كل مَن عنده نفس أُموي يكره أبا حنيفة وأتباع مدرسته، لماذا؟ لأن في أبي حنيفة وأتباعه انحرافاً عن مُعاوية، وهذا معروف، كلام للجصاص وللبزدوي وحتى لسيدنا أبي حنيفة، يُوجَد له بعض الكلام، والآن نرى هذا الكلام عن الجصاص مثلاً في أحكام القرآن – وأيضاً قاتل عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه وأرضاه الفئة الباغية بالسيف ومعه من كبراء الصحابة وأهل بدر مَن قد عُلِمَ مكانهم وكان مُحِقاً في قتاله لهم، لم يُخالِف فيه أحد إلا الفئة الباغية التي قابلته وأتباعها، وقال صلى الله عليه وسلم لعمّار تقتلك الفئة الباغية، وهذا خبرٌ مقبول من طريق التواتر حتى أن مُعاوية لم يقدر على جحده لما قال له عبد الله بن عمرو – كتب ابن عمر وهي ابن عمرو طبعاً، حتى أنه قال في مرة من المرات ألا تكف عنا سفهيك هذا؟ ظل عبد الله بن عمرو يُحدِّث بأحاديث ومُعاوية يُجَن، قال لأبيه كف عنا سفيهك هذا، لا يُريد أن يسمع حديث الرسول، في الحقيقة هو لا يُريد أن تسمع الناس، هو لا يهمه لكن لا يُريد من الناس أن تسمع، وإلا تحدث فتنة لأنهم يعرفون أنه مُبطِل باغٍ، اسكت فلا تُوجَد أحاديث في هذه القضايا – إنما قتله مَن جاء به – مَن قال هذا؟ مُعاوية، ابن عمرو قال له النبي قال تقتله الفئة الباغية وانتهى الأمر، قال له لا، نحن لم نقتله، وإنما قتله عليّ، قال كيف قتله عليّ؟ قال لأن هو الذي أتى به، ولو أبقاه جالساً في بيته لما مات، فعليّ قال ما شاء الله على الفقه، هذا معناه أن الذي قتل الصحابة الأجلاء سواء مصعب وسواء حمزة هو الرسول، هذا هو المعنى، وذلك عندما أخرجهم إلى أُحد، هذا يعني أن هو الذي قتلهم، فأُسكِت مُعاوية، ما هذا التأويل السمح؟ علماً بأن هذه سماجة مُعاوية في رد أحاديث الرسول، يرد وكأنه أمر عادي ولا يهمه شيئ، وهذا أيضاً موضع ثالث، أرأيتم؟ يرد وكأنه أمر عادي دون أن يخاف، وهو يفهم هذا، هل حديث الفئة الباغية لا يعرفه مُعاوية؟ مُتواتِر وهو يعرفه جيداً، من المُؤكَّد أنه سمعه مائة مرة، لكن عنده يُعَد أمراً عادياً، قال قتله مَن أتى به، الله أكبر يا مُعاوية، الله أكبر يا مُعاوية – رواه أهل الكوفة – والآن يُوجَد حديث خامس لما قال الخلافة بعدي ثلاثون ثم تصير مُلكاً عضوضاً، هل تعرف ماذا قال؟ رضينا المُلك، قال رضينا بالمُلك، هذا حديث، يا ربي عليك يا مُعاوية، الرسول يُحذِّر ويقول الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضاً، قال قد رضينا بالمُلك، نحن نُريد المُلك، هكذا كان يُقابِل الرسول، وهذه الأشياء سوف نأتي بها في حلقة وحدها، مُعاوية بإزاء رسول الله، كيف يُقابِل السُنة؟ كيف يُقابِل محمداً عليه السلام؟ شيئ مُزعِج جداً – وأهل البصرة وأهل الحجاز وأهل الشام – يقول الجصاص هذا الحديث كل البلاد تعرفه وذكر حتى أهل الشام، قال رواه أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الحجاز وأهل الشام، كيف يجهله مُعاوية؟ يعرفه لكن لا يُباليه -، ويقول ابن عبد البر في الاستيعاب وتواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تقتل عمّاراً الفئة الباغية، وهذا من أخباره بالغيب وأعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وهو من أصح الأحاديث، وذكر هذا ابن حجر في الإصابة وكتب في موضعٍ آخر وظهر بقتل عمّار أن الصواب كان مع عليّ واتفق على ذلك أهل السُنة بعد اختلاف كان في القديم – ما المُراد بالقديم؟ قديم بني أُمية وأيام سُلطانهم، قيل ليس شرطاً وما إلى ذلك لكن حين ذهب الخوف والفزع اتفق أهل السُنة على أن الحق كان مع عليّ ومُعاوية هو المُبطِل، وذلك حين ذهب زمن الخوف، أرأيت؟ قال الخلاف كان في القديم -، وكتب الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية في ذكر واقعة قتل سيدنا عمّار بن ياسر أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قاله لعمّار تقتله الفئة الباغية يظهر منه أن عليّ وفئته كانوا على الحق وأن مُعاوية وفئته هم الفئة الباغية – الآن يأتينيا حافظ كالحافظ دُحيم ويُحدَّث عن الفئة الباغية، وقد جاء ذات مرة إلى العراق فقال مَن الفئة الباغية؟ قالوا له أهل الشام، قال ابن الفاعلة مَن يقول الفئة الباغية مُعاوية وأهل الشام، هذا حافظ من حفّاظنا، افهموا وخُذوا هذه الفائدة، سوف نأتي بها في حلقة أُخرى إن شاء الله بالمصدر، قال دُحيم ابن الفاعلة، كلام خطير، لماذا هو خطير؟ لأن في الحقيقة الرسول تركها علامة، فكيف تقول هذا؟ لا يعجبه، مثلما رد إمامه مُعاوية الحديث وقال قتله مَن أخرجه هذا رده هكذا حتى بغير تعلة، قال مَن يقول أن مُعاوية وأهل الشام هم الفئة الباغية هو ابن الفاعلة، انظر حتى إلى الأدب الذي عنده، حسبنا الله ونعم الوكيل، هذا الهوى حين يغلب على القلوب، فإنه يُعمي -، وكان من أسباب امتناع الزُبير عن خوض معركة الجمل أنه تذكَّر حديث رسول الله هذا ورأى عمّار بن ياسر في جيش عليّ رضيَ الله عنه، غيره أنه حين وصل خبر استشهاد سيدنا عمّار إلى أسماع جُند مُعاوية وردد سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور والده ومُعاوية أوَّل مُعاوية هذا الحديث على الفور فقال أنحن قتلناه؟ إنما قتله مَن جاء به، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل تقتل عمّاراً الفئة التي تأتي به إلى ميدان القتال وإنما قال تقتله الفئة الباغية، وبالطبع قتلته فئة مُعاوية لا فئة عليّ رضيَ الله عنه، وفي ثاني يوم من استشهاد سيدنا عمّار – كان العاشر من صفر – دارت معركة عنيفة كاد ينهزم فيها جيش مُعاوية … طبعاً يأتي موضوع رفع ما تعرفون والتحكيم فنترك هذا.
نأتي الآن إلى الصفحة الثانية والتسعين، يقول غير أن همة أهل العراق انهارت – الإمام عليّ يطلب العودة إلى القتال وما إلى ذلك وانهارت همة أهل العراق للأسف – ثم ظهرت فتنة الخوارج لتُضيف إلى سيدنا عليّ مزيداً من المتاعب، وأفلت من يديه زمام مصر وشمال أفريقية بتدابير مُعاوية وعمرو بن العاص وانقسم العالم الإسلامي في حقيقته إلى حكومتين مُتناحِرتين مُتحارِبتين ثم استُشهِد سيدنا عليّ آخر الأمر – في رمضان سنة أربعين للهجرة – وصالح الحسن مُعاوية – سنة إحدى وأربعين – فخلا الجو لمُعاوية تماماً، أما الأحداث التي تلت ذلك فكثيرٌ مِمَن كانوا يرون المعارك بين عليّ ومُخالِفيه مُجرَّد فتنة – قالوا فتنة لكن الآن عرفوا أنها لم تكن كذلك، هل كانت فتنة؟ – نظروا فيها – أي في الأحادث التي وقعت بعد ذلك – فعرفوا خير معرفة ما ضيَّع سيدنا عليّ حياته في سبيل إقامته – عرفوا لماذا كان يُقاتِل عليّ إلى آخر لحظة حتى مات، ذهب الإسلام، بدأ الإسلام يذوب، أرأيت؟ هذا أبو الأعلى المودودي رحمة الله عليه، عرفوا لماذا كان يُقاتل عليّ وقد مات في سبيل هذا – والمصير الذي ضحى بروحه في سبيل إنقاذ الأمة من السقوط فيه – سقطت الأمة فيه طبعاً بفعل مُعاوية لما خلا له الأمر، وهو ماذا؟ جعلها ملكية والاستبداد بها ثم إنهاء الحكم الشوروي وجعله حكماً وراثياً مُلكياً عضوضاً، عليّ كان يعرف أن هذا سوف يحدث وسوف تنتهي هذه الأمة، وقد انتهت إلى اليوم، هذا كلام المودودي -، فقال عبد الله بن عمر – بدأوا يندمون، لماذا نحن لم نُقاتِل مع عليّ؟ لو قاتلنا معه لانتصر وغلب مُعاوية ومن ثم لما سقط الإسلام هذه السقطة، ضاع وانتهى الأمر، ولات حين مندم – في آخر حياته ما أجدني آسى على شيئٍ من أمر الدنيا إلا أني لم أُقاتِل الفئة الباغية قال يا للخسارة، وسعد أيضاً ندم، أكثرهم ندم -، ويروي إبراهيم النخعي أن مسروق بن الأجدع كان يتوب ويستغفر لقعوده عن مُسانَدة سيدنا عليّ رضيَ الله تعالى عنه، وقضى عبد الله بن عمرو بن العاص حياته نادماً أشد الندم على قتاله جُند عليّ مع مُعاوية …. وقد تأوَّل، قالوا له لماذا قتلته وأنت تعرف الأحاديث؟ قال النبي ذات مرة قال لي أطِع أباك يا عبد الله، فأخذها بدون تأويل، قال أبي أمرني أن أخرج فخرجت، كان من المفترض أن يقوم بعمل مُحاكَمات للنصوص، أليس كذلك؟ هذا ما كان ينبغي أن يفعله.
المرحلة الأخيرة – يقول المودودي المرحلة الأخيرة، انتهى أمر الخلافة وأصبح مُلكاً عاضاً شرساً طاغوتياً للأسف – كان امتلاك مُعاوية لأعنة الحكم مرحلة انتقالية – مأساة فعلاً، وهو يتحدَّث بأسلوب مأساوي – على طريق تحول الدولة الإسلامية من الخلافة إلى المُلك، ولقد فهم أهل البصيرة تلك المرحلة فقالوا نحن على أبواب المُلك – ذهبت الخلافة -، لذلك نجد سعد بن أبي وقاص يُخاطِب مُعاوية بعد البيعة فيقول له السلام عليكَ أيها الملك – عرف الأمر، لا تُوجَد خلافة، قال له أنت ملك -، قال وما عليك لو قلت يا أمير المُؤمِنين؟ قال والله ما أُحِب أني وليتها بما وليتها به – قال له هل أنت سعيد بنفسك؟ قال له والله أنا لا أُحِب أن أكون مكانك بهذه الطريقة التي وصلت بها والثمن الذي دفَّعتنا إياه، قال له لا أُحِب هذا، هل أنت سعيد بهذا؟ -، وكان مُعاوية نفسه يفهم هذه الحقيقة أيضاً فقال ذات مرة أنا أول الملوك – وسوف نرى في الدرس المُقبِل ربما أنه قال قد رضيت بالمُلك -، بل أن ابن كثير يقول إنها لسُنة أيضاً أن يُلقَّب بالملك بدل تلقيبه بالخليفة – سُنة عن النبي، لأن النبي قال هذا وبشَّر به أو حذَّر وأنذر – لأن النبي صلى الله عليه وسلم تنبأ بذلك فقال الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون مُلكاً، إذا أردت أن تتبع السُنة لا تُسمه أمير المُؤمِنين، لا تُسمه خليفة، قل أنه ملك، الملك مُعاوية، ثيوفانس Theophanes عندي تاريخه بالإنجليزية، ثيوفانس Theophanes حين يتكلَّم يٌسميه الـ Leader الخاص بالـ Saracens، ويُسميه أيضاً الـ King، وقد قرأته بالإنجليزية، أحياناً يُسميه الـ Caliph لكن في عدة مرات يُسميه القائد ويُسميه الملك، ملك السراسنة، يقول هذا عن مُعاوية، فهو كان ملكاً، الرجل كان يعيش ملكاً وبنى القصور ولبس كالملوك، حياته كانت كحياة الملوك، الإمام مالك صاحب المذهب نقل عنه الذهبي في تاريخ الإسلام أنه قال كان مُعاوية يفعل كذا وكذا وإذا دخل المسجد يُرفَع له ثوبه، يقول مالك وذلك من الكبر، يُرفَع ثوبه كالملوك، لم يكن خليفةً مُسلِماً بالمرة، الرجل كان ملكاً، كان يعيش كالملوك، وخاصة كملوك الروم، وأحب هذا الشيئ وفرح به، فهو كان ملكاً وكان يتصرَّف كملك وليس كخليفة مُسلِم سُني أبداً، يُرفَع ثوبه له ويدخل، ثم أنه نتف الشيب، قال ونتف الشيب عدة مرات، والنبي نهى عن نتف الشيب، هذا ممنوع، لكنه نتفه لأنه يُريد أن يبقى شاباً، مثل حسني مُبارَك الذي يصبغ بالأسود والقذّافي الذي كان يلبس باروكة ونتفها الثوّار، نتفوها – سلمت أيديهم – للقذّافي، المُهِم أنه كان ينتف الشيب، يقول الإمام مالك بن أنس فيما ينقله الذهبي في تاريخ الإسلام وإذا دخل يُرفَع له ثوبه، قال مالك وذلك من الكبر، الإمام مالك اتهم مُعاوية بالكبر، فليُكفِّروا الإمام مالك لأنهم تكلَّم في صحابي، المُهِم أنه قال وهذه المُدة انتهت في ربيع الأول عام واحد وأربعين هجرية حين تنازل الحسن رضيَ الله تعالى عنه عن الخلافة لمُعاوية …. في الصفحة الخامسة والتسعين يقول بعد ذلك كتب مُعاوية إلى مروان بن الحكم والي المدينة – واليه طبعاً على المدينة – يقول – هذا موضوع يزيد الآن – إنني كبرت سني ودق عظمي وأُريد أن أستخلف خليفة في حياتي فاسأل الناس ما قولهم في ذلك؟ فعرض مروان الأمر على أهل المدينة فاستحسنوه، وكتب لهم مُعاوية بعد ذلك إني قد استخلفت يزيد – لم يقل لهم مَن وإنما سأل فقط، فقالوا له فليستخلف ثم قال لهم يزيد -، فعرض مروان ذلك على أهل المدينة وخطب في المسجد فقال إن الله أرى أمير المُؤمِنين في يزيدَ – في يزيدَ طبعاً بالفتح، مُعظَم هؤلاء الذين يردون علىّ يقولون في يزيدٍ وإن يزيداً، يجهلون حتى مباديء الصرف – رأياً حسناً وإن – إن وليس أن – يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر – قلت لكم في الصحيح وعند أبي حاتم في التفسير والنسائي سُنةً أبي بكر وعمر، هكذا قال – فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق وقال كذبت يا مروان وكذب مُعاوية، ما الخيار أردتم لأمة محمد ولكنكم تُريدون أن تجعلوها هرقلية، كلما مات هرقل قام هرقل، إنا أبا بكر والله ما جعلها في أحدٍ من ولده ولا من أهل بيته، فقال مروان خُذوه، فهو الذي أنزل الله فيه وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا ۩، ففر سيدنا عبد الرحمن ولجأ إلى حُجرة السيدة عائشة رضيَ الله تعالى عنهما، فلما علمت بذلك صاحت كذب مروان والله ما نزلت فيه، إنما نزلت في فلان ابن فلان ولو شئت أن أُسميه لسميته – منهم، أرأيت؟ من المروانية ومن آل أبي العاص، يقول النبي ليسوا من أوليائي – ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صُلبه، وكما رفض عبد الرحمن بن أبي بكر في ذلك المجلس الذي عقده مروان قبول يزيد رفضه سيدنا الحسين بن عليّ – أقول كعدنان عليه السلام – وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزُبير رضيَ الله عنهم أجمعين حين إذن … وبدأ يتكلَّم عن قضية الاستخلاف، ونحن سنتكلَّم عن موضوع استخلاف يزيد في حلقات أو في حلقة، يقول في النهاية هكذا قُضيَ على نظام الخلافة الراشدة قضاءً مُبرَماً – يقول المودودي بعد استخلاف يزيد انتهت الخلافة – وأخذت العائلات الملكية مكان الخلافة ومن بعدها إلى يومنا هذا لم تقم للمُسلِمين خلافة يرضونها، أما مُعاوية فمحامده وأفضاله معروفة وعلى العين والرأس وشرف صُحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم واجب الاحترام ونحن لا نُنكِر فضله – علماً بأن المودودي في النهاية يُجِيب لأنهم شنوا حملة شعواء في الهند عليه بسبب هذا الكتاب، فأجاب عن بعض الانتقادات حيث قالوا كيف تتكلَّم في الصحابة وكيف تنتقد مُعاوية وكيف كذا وكذا، هذا كله ممنوع، حين تتكلَّم تترضى وتذكر مناقب فقط، أي نقد ممنوع، وهنا الرجل يترضى عليه لكنه قال سأذكر الأخطاء – في توحيد العالم الإسلامي تحت راية واحدة من جديد وتوسيع دائرة نفوذ الإسلام في العالم أكثر من ذي قبل ومَن يطعن فيه فقد تعدى وتطاول ولكن يجب أن نقول ونقول فحسب عن خطئئه أنه خطأ لأن اعتبار خطئه صواباً معناه أننا نُعرِّض مقياس الصواب والخطأ إلى خطرٍ كبيرٍ …. إذا جعلت أخطاءه صوابات لأنه صحابي وفعل وفعل هذا يعني أن المعايير نفسها والمباديء سوف تختل عند الأمة، كما قلت لكم تربوياً هذا خطير، تربوياً خطير جداً هذا يا أخي، تقول لي الصحابي غير معصوم ومهما فعل مغفور له ولا يُسأل ويدخل الجنة بطريقة مضمونة، هذا كلام خطير جداً من الناحية التربوية يا أخي.
الآن آخر شيئ، سنقرأ من المودوي – رحمة الله تعالى عليه – الفرق بين الخلافة والمُلك، هل يُوجَد فرق؟ كله حكم، قال لا، تُوجَد فروق، أول فرق التغير في قانون تنصيب الخليفة، متى بدأ بالله عليكم هذا؟ طبعاً هو ذكر هذا هنا، لكن متى بدأ؟ مع مُعاوية ويزيد، قبل ذلك كانت الأمور كلها تسير بالشورى وأخذ رأى الأمة، لكن مع مُعاوية اختلف الأمر، هذا أول شيئ، ومن ثم أصبح مُلكاً وليس خلافةً، يقول لقد بدأ المُلك بتغير هذه القاعدة ولم تكن خلافة سيدنا مُعاوية رضيَ الله عنه من نوع الخلافة الراشدة الذي يُعيِّن فيه المُسلِمون خليفتهم فلا يصل إلى الحكم إلا برضاهم ومشورتهم لأن مُعاوية كان يُريد أن يُصبِح خليفة بأي حال من الأحوال ولذلك قاتل إلى أن اعتلى الخلافة، كما أن خلافته لم تكن عن رضا من المُسلِمين – انظر إلى هذا الكلام من المودودي رحمة الله تعالى عليه، وعلى كل حال نيته عند الله، هو يترضى ويقول له سيدنا، هل يفعل هذا مُدارءةً؟ هل كذا وكذا؟ لا نظن بهذا، نحن لا نفعل هذا، أنا أرى أنني أكثر اتساقاً مع نفسي، لن أترضى عليه ولن أقول سيدنا، سأقول عقيدتي وفهمي بحسب فهمي للدين بوضوح، لا أقول ثلاثة أرباع الحقيقة وأتسامح في الربع المُتبقي، لماذا؟ لكن هذا رأيه ونحترمه رحمة الله تعالى عليه، ومع ذلك هو ينتقد ويقول نفس الكلمات – ولم يختره الناس اختياراً حُراً – قيل عام الجماعة يا أخي والحسن تنازل له، نعم تنازل له لكن هل تعرف لماذا؟ هل فعل هذا حُباً وكرامةً له ولأبي سُفيان؟ تنازل له لأني أتى بمائتي ألف له وهنا يُوجَد مائتا ألف، وهؤلاء كما قال عمرو بن العاص لن ينصرفوا حتى تقتل كل فئة أمثالها، مذبحة ربما يذهب فيها مائتا ألف من المُسلِمين، فلا تُوجَد فائدة، لآخر لحظة مُعاوية يقول الذبح الذبح، لابد من القتال، يا مُعاوية اتق الله، لكن لا فائدة، فالحسن تنازل، قال سأتنازل لحقن الدماء، رضوان الله عليه وعليه السلام، من المُؤكَّد أنه حق دماء مئات الألوف، لكن بصراحة أيضاً المصير كان سيئاً جداً جداً، هذا المصير، انقلبت إلى مُلك وخاب السعي، شيئ فظيع، قيل لا، هل أنت أفهم من مُعاوية؟ هل أنت أفهم من الحسن؟ هل أنت أفهم من الصحابة؟ عام الجماعة وتوَّحدت الأمة، لكن يا جماعة اقرأوا التاريخ، والله شيئ لا يُصدَّق، هل تعرف مثل ماذا؟ كما يحصل الآن في فلسطين مثلاً مع إسرائيل، يقولون لك يا أخي حماس رضيت، رضيت بحدود سبعة وستين، وكأنها رضيت ما شاء الله عن طواعية، ليس لأن العالم كله مُتألِّب ضدها وضد الشرعية وضد كذا وهي تُريد أن ترضى على الأقل بأقل الهم والعدو لا يرضى، كأن حماس مبدئياً تُريد هذا وهذا فقط حقها والباقي يذهب كله، حنانيك! بعضُ الشر أهوَن من بعضِ، لكل حالة حُكمها، لكن هم يُصوِّرون لك عام الجماعة وكأنه كان عن رضى وسماح وطواعية من الحسن وعن حُب وعن صفاء ما شاء الله، هذا غير صحيح، والله العظيم هذا كذب على التاريخ واقرأوا التاريخ، المودودي واضح، قال خلافة مُعاوية لم تكن عن رضا من المُسلِمين ولم يختره الناس اختياراً حُراً – إنما تأمَّر عليهم بقوته وسيفه، فلما رأى الناس أنه صار خليفة عليهم بالفعل لم يكن أمامهم أي مفر – سياسة الأمر الواقع – غير مُبايَعته، ولو أنهم أحجموا عن بيعته لما تنحى عن الحكم …. بل لكان كذا، ولذلك ماذا يقول؟ ولقد كان سيدنا مُعاوية يعرف موقفه هذا خير معرفة فقال في خُطبة له في المدينة في بداية عهده أما بعدُ فإني والله ما وليت أمركم حين وليته وأنا أعلم أنكم لا تُسرون بولايتي ولا تُحِبونها وإني لعالم بما في نفوسكم من ذلك ولكني خالستكم بسيفي هذا مُخالَسةً – قال هذا بالسيف، أنا أفهم هذا – وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فارضوا مني ببعضه… أي أنا لا أقوم بكل الحق، سأُعطيكم بعض الحق وهذا سيكون جيداً، يقول المودودي هكذا كانت بداية التحوّل ثم استحكم وتعمَّقت جذوره بعد ولاية عهد يزيد لدرجة أنه لم يتزلزل يوماً واحداً من وقتها وإلى إلغاء مُصطفى كمال أتاتورك للخلافة في القرن الحالي – أي أن هذه مُصيبة كما قلنا في بداية كارثتنا، وقد استمرت ثلاثة عشر قرناً، شيئ مُزعِج جداً جداً، ثلاثة عشر قرناً ولا زالت، إن شاء الله الثورات تضع لها حداً بإذن الله، هذه تونس إن شاء الله، وهي البداية بعون الله – فانشق بذلك طريق دائم للبيعة الجبرية ومُلك العائلات العضوض ومن يومها إلى يومنا هذا لم تبد في حظ المُسلِمين أي فرصة للعودة إلى الخلافة الانتخابية.
الفرق الثاني: التغير في طريقة عيش الخُلفاء، كيف كان الخليفة زاهداً وما إلى ذلك وكيف أتى بعد ذلك ما شاء الله الترف والبذخ والقصور والحور والنساء والحريم والعبيد والخصيان، علماً بأنه يُقال أول مَن اتخذ الخصيان مُعاوية، يُقال هذا وسوف نرى، لكن نكتفي – إن شاء الله – بهذا القدر في هذه الحلقة على أن نلقاكم – إن شاء الله – في حلقة قادمة.
(تابعونا في الحلقات القادمة)
أضف تعليق