لقد أثارت شخصية عدنان إبراهيم حفيظة الكتّاب والمشايخ وجمهور الناس في الآونة الأخيرة، وذلك بعد ظهوره في برنامج «صحوة»، الذي تناول طرح قضايا فكرية وفلسفية تختص بالجانب الديني، ولكن أكثر من كتب في ذلك لم يحللوا شخصية عدنان إبراهيم علمياً، بل أن أكثرهم انساق خلف جموع الناس بمواقع التواصل الاجتماعي، التي تدفعها بعض المنظمات بتقنية علم الاجتماع السياسي الحديث!
إن المعيارية في نقد عدنان إبراهيم لابد أن تكون علمية تخصصية، لأن محل النقد ليس موضعاً عاماً، أو قضايا ذوقية تبنى على الإحساس والميول الذاتية، ولا يفهم من طرحي هذا انني جئت مدافعاً عن عدنان إبراهيم في هذه المقالة، ولكنني جئت لأفك الحزمة التي حزمها بعض المشايخ مع نقدهم لعدنان إبراهيم، فربطوا بعض القضايا التي أثارها عدنان إبراهيم بسلبية شخص عدنان، مما خلق حولها سياجاً نفسياً لا يجعل القارئ العربي يقترب من هذه القضايا.
الاصطياد في الماء العكر
لقد شاهدت أكثر المقاطع والتسجيلات التي تحدث فيها عدنان إبراهيم، ووجدت أن أكثر ما طرقه كان مطروقاً قبله، ولعل قبول الكثيرين لطريقة طرحه، هو الذي أثار حفيظة بعض خصومه، كما أن هفوات عدنان إبراهيم ساهمت في خلق مساحات لخصومه، وسمحت لهم بفرصة الاصطياد في الماء العكر.
ومن المفارقات أن الطرح الذي يطرحه عدنان إبراهيم، في هذا البرنامج الذي عرض خلال رمضان على روتانا خليجية، بتقديم د. أحمد العرفج، قد طرح الكثير منه في التاريخ الإسلامي، ولكن تم رفض هذا الطرح لأسباب ظاهرة، وأهمها أن عدنان إبراهيم اصطدم بشريحة كبيرة تقطن العالم الإسلامي، وهي شريحة التيار السلفي، وللأسف أن عدنان قد أظهر عداءه وكرهه لهذا التيار صراحة على المنبر، ومن خلال بعض اللقاءات التلفزيونية في ذات الوقت الذي كان مهذباً مع من ليس من أبناء جلدته، وهذا ما أثار حفيظة المتعاطفين مع الفكر السلفي.
لكن إذا ما جئنا الى نوع القضايا التي طرحها الدكتور عدنان إبراهيم والمادة العلمية، ونتائجه التي وصل إليها، أو نظرنا لعلمية عدنان إبراهيم؛ فأقل ما يقال عن ذلك أنه يستحق الاحترام علمياً أكثر من كثير من العلماء والمشايخ، ممن يصفق لهم الجمهور في كل ميدان، للأسف اننا جمهور في قضايانا الفكرية نتفاعل مع الحركة والصوت، ونتعامل مع قضايانا الفكرية بعاطفة وسماع أكثر من تعاملنا بالعقل والبرهان، فمن قرأ في الفلسفة الإسلامية سيجد أن عدنان إبراهيم سلفياً بجوار بعض الفلاسفة الإسلاميين، ولكن التعود على نمطية معينة وفكر سائد قد روج له بطريقة أو أخرى يجعل بين المتلقي والحقيقة حجاباً.
إبداع لا ينفي الزلل
وبحكم التخصصية في مجال العلوم الشرعية، فإن عدنان إبراهيم متقن لعلوم الآلة؛ فهو متقن للنحو وأصول الفقه والمنطق، وغيرها من العلوم التي يحتاجها طالب العلوم الشرعية، كما أن له اطلاعا بالكتب الشرعية على مختلف فنونها، ومكتبته عامرة بالكتب مع تنوع الطبعات على حد معرفتي بذلك، ولكن لا يعني أنه موسوعي في كل العلوم، لأن مما هو معلوم أن العالم الشرعي مهما كان ملماً بالعلوم لابد أن يغلب أحد العلوم على الأخرى في قراءاته، فتجده متخصصاً في جانب ما، ويظهر إبداعه في ذلك الجانب، كما أنه يسقط ويزل في بعض العلوم، وهذا الشيء ملاحظ في التاريخ الإسلامي كحال الإمام أبي حامد الغزالي، وابن رشد الفيلسوف في علم رواية الحديث، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، ومما يلاحظ على الدكتور عدنان إبراهيم أنه لحق بأبي حامد الغزالي وابن رشد في هذا الباب، ولا يعني أن عدنان لا يميز بين صحيح الحديث من سقيمه، ولكن يتضح عدم التخصصية والتعمق في هذا المجال عند طرحه لبعض القضايا الجدلية على الصعيد الفقهي والتاريخي معاً.
اتفاق الأضداد
ومن المستغرب من بعض منتقدي عدنان إبراهيم أنهم انتقدوه في قضايا هم يؤمنون بها، ولكن لو تكلم بها غيره لقبلوها، لا سيما في مواضيع الكرامات وبعض الأطروحات الميتافيزيقية، بل إن كتب السادة العلماء قديماً وحديثاً مشحونة بقصص أشبه ما تكون بضرب من الخيال، غير أنها تصدق، لأنها صدرت من شخص يطمئن القلب له، بينما إذا صدر الكلام عن مثل عدنان إبراهيم، فيكون الكلام مصنفاً مع الخرافات والخزعبلات، ولعل قصة الصحابي الذي اختطفته الجن، المروية في «صحيح البخاري»، خير مثال لذلك، ونحن نتكلم على مستوى أصح الكتب التراثية، التي تم تنقيحها تنقيحاً علمياً طيلة عدة قرون، ولا أخال القارئ يجهل الكتب التاريخية وكتب السير والطبقات والتراجم والعقائد، التي غصت بآلاف القصص التي لا يصدقها العقل ولا الدليل، بل وتصطدم في كثير من الأحيان مع الكتاب والسنة، وتصطدم مع الثوابت الشرعية، ومع ذلك لم يتهم من كتبها من الأئمة في إمامتهم وفي عدالتهم وفي صدقهم.
وما أسرع الفتاوى التي انطلقت لتضليل الدكتور عدنان إبراهيم، وبعد ذلك نتساءل عن أسباب التكفير والتفجير والإرهاب، ونحن نصر على أحادية التفكير، ونصرُ على عدم خلق مساحة للتفكير والتطوير، ومن الغريب في الأمر أن يتفق المتضادان أصولاً ومنهجاً لنقد عدنان إبراهيم، فتجد الشرعيين متضامنين مع الماديين، واللاإسلاميين ضد هذا الإسلامي، بل وفي نفس القضايا التي كانوا يتناحرون عليها بالأمس، ونفس القضايا التي سيتناحرون عليها في المستقبل!
ضحية الصدام
من الصعب أن أقف على كل قضية تحدث عنها د. عدنان، والتدليل على أن ما طرحه لا يخلو من العلمية والتفكير والبرهان، لأن المقام ضيق بين هذه الحروف، ولكن ما أردت إيضاحه أن عدنان إبراهيم سقط ضحية اصطدامه ببعض التيارات والأشخاص، وأن الصخب الجماهيري الذي ثار عليه لا يمثل الحقيقة، فأحداث السنوات الأخيرة هي خير شاهد لنا على أكذوبة الإعلام وتسيير الجماهير، فقد قلب الإعلام موازين دول، وغير مجرى تاريخ وشوه حقائق وأرقاماً، فلن يصعب على هذا الإعلام طمر شخصية فلسفية كعدنان إبراهيم، وعلى مر التاريخ يحارب الساسة ومن خلفهم الفلسفة، لأن أسئلة الفلسفة وقحة، وهم لا يتحملون وقاحة الفلسفة، أما عدنان إبراهيم فهو مثقف عربي مسلم مهتم بقضايا واقعه وزمانه، يصيب ويخطئ، فلا داعي أن يثار كل هذا الصخب ضده، بل ينتقد في خطئه ويحمد على ما أصاب فيه.
إن مشكلة برنامج «صحوة» هو اسم البرنامج وزمانه في روزنامة التاريخ، فالأمة نائمة منذ زمن طويل، ولا تحتاج لصحوة، لأن النائم يصحو في ذات المكان الذي نام فيه، وأمتنا نامت منذ قرون، ما نحتاج له هو التجديد وغربلة الأصول والفروع، فليس كل شيء قديم يصلح لإعادة إنتاجه من جديد، فبعض القديم قد يكون مكانه للمحرقة لكي لا يلوث الأرض، كما أن الجديد يحتاج لجرأة وترك مساحات للحوار وعدم التشنج، فليتفضل عدنان إبراهيم وغيره في طرحهم، ولا ضرورة بأخذ كل نتائجهم وكل ما وصلوا إليه، ولابد أن يكون التفكير الجماعي حاضراً بيننا، فالتفكير الفردي لا يصلح أمة، وطريق الصحوة والتجديد لا يهتدى إليه بشخص واحد، فالذي لا يرد كلامه قد رحل إلى الرفيق الأعلى.
أضف تعليق