أواصل مراجعاتي على الحلقة التاسعة من برنامج صحوة في الإجابة عن سؤال موضوح الحلقة: هل انتقص الفقهاء من حقوق المرأة؟ ولضيق وقت البرنامج الذي لم يتسع لطرح أهم القضايا المتعلقة به في حلقة واحدة، فلم يتح الفضيلة الدكتور عدنان إبراهيم أن يُلقي الضوء عليها، رغم أنّي أشرتُ إليها في مداخلتي لأستمع إلى رأي فضيلته فيها، أستأذن المفكر والفقيه الدكتور عدنان إبراهيم ، ومعد ومقدم البرنامج الإعلامي القدير الدكتور أحمد العرفج في تسليط الضوء على قضيتيْن هامتيْن ظلم فيها الفقهاء المرأة، بل ظلموا الإسلام لنسبة ظلمهم هذا إلى الإسلام ،وشرعه، وأكثر من هذا أساءوا إلى الخالق جل شأنه فيما أقروه ونسبوه إليه ، وهما استرقاق الأسيرات وإباحتهن لما يقعن في أسره باعتبارهن ملك يمين، وحرمان إناث من الميراث بالتعصيب بالذكور، وحرمان أولي الأرحام ( وهم الأقارب من جهة الإناث)على الإطلاق من الميراث في بعض المذاهب، أو توريثهم في حال عدم وجود أصحاب فروض، أو عصبة ذكور، إضافة إلى أخطائهم في فهم آيات المواريث.
وسأبدأ بمواصلتي الحديث عن الأسيرات ومفهوم ملك اليمين.
فكم نحن في حاجة إلى إعادة تفسير القرآن الكريم يُراعى فيه مدلولات الكلمات والمصطلحات ضمن سياقها في الآيات القبلية والبعدية ليتضح لنا المعنى الحقيقي للآيات، وقد رأينا اجتزاء الآيات من سياقها، والتفسير الجنسي لها، أوقع المفسرين في أخطاء جسيمة، مثل أخطائهم في تفسير ملك اليمين بسبايا الحروب من النساء واسترقاقهن وإباحة اغتصابهن حتى إن كنّ متزوجات بعد استبرائهن بحيضة واحدة، فأوصلنا إلى أن تلغي أنظمة وقوانين دولية ما أثبته وكرره المفسرون من إباحة الخالق ما حرّمته تلك القوانين، وإقرار العلماء المسلمون تحريمها؛ لذا رأيتُ أن أقف هذه الوقفات التأملية في بعض الآيات الوارد فيها مصطلح(ملك اليمين) خاصة أنّ هذا المصطلح وارد في(15) موضعًا، لكل موضع سياقه ومدلولاته.
فعند التأمل في مدلولات:
(ما ملكت أيمانكم)في قوله تعالى:(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)[1] نجدها وردت في السورتيْن في سياق واحد، وهو صفات المؤمنين على مر العصور إلى قيام الساعة، فإن كان ملك اليمين، يعني سبايا الحروب، كما فسّرها المفسِّرون، فهل يعني كل المؤمنين لديهم جوار من سبايا الحروب ،ويكشفون عوراتهم لهن؟
ثم أنّ المؤمنين تشمل الذكور والإناث، فالخطاب هنا جاء بصيغة العموم فإن كان معنى ملك اليمين في هذه الآيات كما فسرها المفسرون، بالعبيد والجواري من أسرى الحروب لا يتفق مع سياقها الذي يتحدث عن صفات المؤمنين، فالتفسير الجنسي(لفروجهم حافظون إلّا على أزواجهم وما ملكت أيمانهم)لا يتفق مع هذا السياق لأنّ هذه الآية لم تستثن الذكور، وتخصهم بتلك الصفات. فهذا يعني ينطبق على الإناث أيضًا؛ لأنّ الآية لم تستثن الإناث عن فعل ذلك.
وهذا يكشف لنا خطأ الفهم، وخطأ التأويل.
ومدلول كلمة(فروجهم) في الآية لا يدل على العلاقة الجنسية بالسوءة، لأنّ هذه الآية وما قبلها ،وما بعدها تصف المؤمنين ذكورًا وإناثًا، وإن كانت تعني العورة وبإباحتها للأزواج وملك اليمين من الجواري من سبايا الحروب، طبقًا لتفسير المفسرين لها، فهذا يعني إباحة ذلك للنساء مع من ما ملكت أيمانهن من الذكور، وهذا يُبيّن لنا خطأ فهم المفسّرين لهذه الاية.
فلنبعد عن التفسير الجنسي للآيات الذي حرص المفسرون عليه في تفسيرهم لآيات ملك اليمين، فقد يكون معنى ( إلّا ما ملكت أيمانهم) من يقومون على تطبيبهم وخدمتهم ورعايتهم في حال مرضهم، ممّا يتطلب كشف عوراتهم لهم.
فهذا المعنى الذي يستقيم مع سياق الآيات ،والذي يشمل المؤمنين( ذكورًا وإناثًا)الموعودين بالجنة.
إنّ كلمة فرج في اللغة لها عدة معان غير السوءة، منها شقوق وفتوق، كما في قوله تعالى: (وما لها من فروج)[2]وقوله(وإذا السماء فرجت)[3]،أي: انشقت، والفرَج: انكشاف الغم. يقال: فرّج الله عنك، وقوس فرج: انفرجت سيتاها، ورجل فرج: لا يكتم سره، فمدلول كلمة (فروجهم) في الآية لا يدل على العلاقة الجنسية بالسوءة، لأنّ هذه الآية وما قبلها ،وما بعدها تصف المؤمنين ذكورًا وإناثًا، وإن كانت تعني العورة وبإباحتها للأزواج وملك اليمين من الجواري من سبايا الحروب، طبقًا لتفسير المفسرين لها، فهذا يعني إباحة ذلك للنساء مع من ما ملكت أيمانهن من الذكور.
فلنبعد عن التفسير الجنسي للآيات الذي حرص المفسرون عليه في تفسيرهم لآيات ملك اليمين، فقد يكون معنى(فروجهم)غير معنى السوءات، وبالتالي يتضح لنا معنى(ملك اليمين)، مع مراعاة أنّ هذه الآيات تصف المؤمنين ذكورًا وإناثًا على حد سواء، ولا يوجد فيها استثناءات.
نتأمل مدلول(وما ملكت أيمناكم) في قوله تعالى والخطاب هنا بصيغة العموم أي يشمل الذكور والإناث معًا:(وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا)[4]تعني الإحسان إلى أزواجكم الذين تحت وصيتكم ورعايتكم وإشرافكم، فسياق الآيات السابقة لهذه الآية تتحدث عن القوامة في الزوجية والنشوز، والإصلاح بين الزوجيْن.
جعل ملك اليمين شركاء في الأموال في قوله تعالى:(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[5]
أي ما ملكتم من حق رعايتهم والإشراف والإنفاق عليهم من أزواج وبنين وحفدة شركاء معكم فيما رزقناكم من مال، فأنتم وهُمْ فيه سواء، فكيف تخافون مقاسمتهم ممّا رزقناكم، ويؤكد هذا المعنى هذه الآية:(وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)[6]، فسياق الآيات السابقة للآية(28)من الروم تتحدث عن أنّ الزوجية سكن ومودة ورحمة، وفي سورة النحل الآية تتحدّث عن التفضيل في الرزق، بين الزوجين، فالزوج بطبيعة وظيفته الفطرية هو المكلّف بالإنفاق على زوجه وأولاده، فهو متفرّغ في المقام الأول لعمله، وما يدخل عليه من مال يرده إلى زوجه وأولاده بإنفاقه عليهم، فهنا مدلول(ما ملكت أيْمانُكم)من هم تحت إشرافكم ومسؤوليتكم ورعايتكم من زوجة وبنين وحفدة، وهذا ما تبينه الآية التي بعدها(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)
أمّا(مّا ملكت أيمانُكُم) في قوله تعالى:(وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[7]
سياق هذه الآية وما قبلها يتحدث عن تزويج(وأنكِحوا)(وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا)فمدلول(مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) يتعلق بالتزويج أي بناتكم، أو من هن تحت رعايتكم وإشرافكم إن أردن الزواج( الكتاب)فزوجوهم(كاتبوهم) ولا تكرهونهن على البغاء إن أردن تحصنًا بالزواج، بمعنى إن عضلتموهن ورفضتم تزويجهن، لتستفيدوا من خدمتهن لكم، فستكرهوهن على ممارسة البغاء لإشباع رغباتهن.
أمّا في الآية(58)من سورة الأحزاب(يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرّاتٍ مّن قَبْلِ صَـلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مّنَ الظّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ)فمدلول(ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم(أزواجكم، والذين لم يبلغوا الحُلم من أولادكم ومن يقومون بخدمتكم)ثلاث فترات وهي وقت استراحة الانسان وتحلله من ملابسه لغرض النوم وهي من قبل صلاة الفجر(الليل)وحين تضعون ثيابكم اي تخلعونها لأجل الراحة والنوم فترة الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء، ولا ننسى أنّ الخطاب هنا بصيغة العموم يشمل المؤمنين من الذكور والإناث معًا. ونلاحظ هنا قوله تعالى( الذين) ولم يقل(الائي، أو اللاتي)، فالذين تشمل الذكور والإناث ممن هم تحت رعايتكم وإشرافكم، وممن يتولون خدمتكم.
،7، 8 فدلالة(وما ملكت أيمانكم) في الآية(36 من سورة النساء الذين يقعون تحت وصيتكم ورعايتكم وإشرافكم، كما نجد مدلول(وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ)في الآية(55)من سورة الأحزاب لا يختلف عن مدلول(أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ) في(31) من سورة النور، فالأولى تتحدث عن ما يُباح لأمهات المؤمنين رضوان الله عليهن إبداء زينتهن لهم، ومعروف أنّ بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلو من المماليك ذكورًا وإناثًا، فلن يكون معنى(ولا ما ملكت أيمانهن)المماليك، كما فسرّها المفسرن، وكذلك(أو ما ملكت أيمانهن)في الآية(31)من سورة النور التي تشمل النساء المسلمات، فلن يكون المماليك، لأنّ ليس بيوت كل المسلمين بها مماليك، كما أنّ القرآن للناس كافة عبر العصور والأزمان إلى أن تقوم الساعة، والله يعلم في سابق علمه أنّ الرق سيُلغى، لأنّه عارض بشري، وحرص على تجفيف منابعه بتحريم استرقاق الأسرى والسبايا فمدلولها في الآيتيْن الذين يقعون تحت وصيتهن ورعايتهن واشرافهن ممن ليس لديهم شهوة وغريزة وميل للنساء مثل اليتامى من الأطفال دون سن الاحتلام، ولكن للأسف نجد بعض المفسرين لم يميزوا هذا، فنجد الإمام الطبري اعتبر دلالتهما المماليك، فقال:” قال:- يقصد ابن زيد- وكان أزواج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لا يحتجبن من المماليك. وقوله(وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) من الرجال والنساء، وقال آخرون: من النساء”. مع أنّه يعلم بخلو بيته صلى الله عليه وسلم من المماليك.
- وفي الآية 50 من سورة الاحزاب(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
إنّ لكلمة أحلّ عدة معاني منها: أحلَّ الشَّيءَ محلّ العناية: أولاه وقتَه واهتمامَه وعنايتَه
فكلمة(أحللنا)في هذه الآية لا تعني إباحة للنبي صلى الله عليه وسلّم المذكورات في الآية الزواج بهن، فزوجاته هنّ تلقائيًا حلال عليه، وقد جاء في الآية ذكر(وبنات عمك وبنات عماتك)وبنات عمّات والرسول صلى الله عليه وسلم متزوجات وله أعمام كثيرون بناتهم متزوجات لكنه قال(وبنات عمك ذكروا من أعمامه العباس وحمزة، وهما أخويه من الرضاعة، فبناتهما لا تحلان له، وعمّه أبو طالب عنده أم هانئ لم تكن مهاجرة، والآية حدّدت(اللاتي هاجرن معك)أما(وما ملكت يمينك)فهي تعني هنا بناتك، لأنّ عندما تكون( ملك اليمين)تعني الزوجة الكتابية يسبقها(أو)ولكن في هذه الآية)لم يقل(أو)، وإنّما قال(و)فيكون بذلك معنى الآية عليك يا أيها النبي تولي اهتمامك وعنايتك بزوجاتك وبناتك اللاتي كنّ ممن أنعم الله عليك بهنّ، وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ..)
- (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ)
(إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ)هنا تعني زوجاتك الاتي ملكت وطئهن بعقد شرعي فأنّهن مستثنات من التحريم ..
خلاصة القول: إنّ ملك اليمين لا علاقة لها بأسيرات الحروب، وإنّما تعني طبقًا لسياق الآيات ومدلولاتها، الزوجان، أو الزوجة الكتابية أطلق عليها ملك اليمين، ولم يطلق عليها زوجة لعدم التماثل في العقيدة ـــــ لأنّ من معاني الزوج: القرين والنظير والمثيل ــــــ أو البنات والأولاد والأطفال واليتامى، ممن هم تحت رعاية وإشراف ومسؤولية من تعهد برعايتهم.
وهكذا يتضح لنا كم أخطأ المفسرون والفقهاء في فهمهم لمصطلح(ملك اليمين) الوارد في (15) موضعًا)وفي فهمهم للآيات الخاصة بالأسرى، التي بنوا أفهامهم على فرضية خاطئة، وهي نسخ تلك الآيات، فجعلوا النساء الأسيرات مملوكات يُبعن ويُشتريْ ،وتستباح أعراضهن لمن يملكونهن بدون عقد زواج، وذلك إمعانًا في إهانة المرأة وإذلالها، ونسبوا ما ذهبوا إليه إلى الخالق جل شأنه، وإلى شرعه ، والله وشرعه بريئان ممّا نسبوه إليه.
وكنتُ أتمنى أن تُفرد حلقة لتصحيح مفهوم ملك اليمين من عالم علّامة مثل الدكتور عدنان إبراهيم.
ثالثًا: أمّا جاء في مداخلتي عن شراك العصبة الذكور الإناث في ميراثهن بإدخالهم في الميراث رغم أنّ آيات المواريث لم يرد ذكر فيها للعصبة الذكور، وضع الروايات الحديثية التي استندوا عليها، وحرمان أولي الأرحام من الميراث لأنّهم الأقرباء من جهة الإناث، وكنت أهدف من هذا إعادة النظر في منظومة المواريث للأخطاء التي وقع فيها المفسرون والفقهاء وعلماء علم الفرائض في فهم آيات المواريث أدت إلى إيجاد ما سُمي بالعول، واعتمادهم على أحاديث ضعيفة وموضوعة لإدخال العصبة الذكور في الميراث وحرمان الإناث ممن هن على نفس درجة القرابة، ولكن – كما يبدو- ضيق الوقت لم يُتح لفضيلة الدكتور عدنان أن يُبيّن كل هذا، وإن كان أوضح حقيقتيْن هامتيْن :
أولهما: بيانه أنّ الأنثى هي الأساس في احتساب حظوظ الميراث، كما يتضح من قوله تعالى (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)( فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) وأنّ الذكر تابع لها، وحظّه من الميراث يتوقف على عدد الإناث – وهذا تكريم إلهي للمرأة، التي حُرمت من الميراث في الشرائع والأديان السابقة للإسلام، بل كانت من الميراث في بعضها- كما في الجاهلية العربية. وهذه قاعدة أساسية في فهم آيات المواريث، ولو استوعبها المفسرون والفقهاء لما وقعوا في أخطاء جسيمة عند وضعهم لمنظومة المواريث، وهذا ما سأبيّنه في هذه المراجعات.
ثانيهما: مطالبته بإعادة النظر في نصيب الزوجة التي أسهمت في تكوين ثروة زوجها بعملها وجهدها؛ إذ كيف تُحرم من نصيبها الذي أسهمت في تكوينه، ويكتفى بإعطائها من ميراث زوجها حظها الشرعي ، وهو الربع إن لم يكن للزوج أولاد، والثُمن، إن كان له أولاد؟ ، بل نجد من الفقهاء قالوا برد باقي الميراث إلى بيت المال، بعدما تأخذ الزوجة حظها إن لم يكن للمتوفى ورثة من أصحاب الفروض، وعصبة ذكور.
إنّ من أخطاء خطابنا الديني المعاصر أنّه اعتبر أنّ تفسير القرآن الكريم، واستنباط الأحكام الفقهية منه حكرًا على القدامى، وأنّ ما وصلوا إليه حقائق مسلّم بها، ومن ثوابت الإسلام، ومن يُوضِّح أخطاء القدامى في فهمهم لبعض الآيات القرآنية، واستنادهم على أحاديث ضعيفة وموضوعة لتأييد ما ذهبوا إليه أُتهم بالجهل والعلمنة واللبرلة، وأنّه ينفذ أجندة غربية، وذلك لمصادرة أي تصحيح للمفاهيم، أو اجتهاد في التفسير واستنباط الأحكام، رغم أنّ أخطاء بعض المفسرين في الفهم ترتب عليه إصدار أحكام فقهية خاطئة، وإنشاء علوم مبنية على تلك المفاهيم الخاطئة كإنشاء ما أُطلق عليه بعلم الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، مع أنّه لا يوجد في القرآن ناسخ ومنسوخ، وبناء علم الفرائض في المواريث على فهمهم الخاطئ لآيات المواريث فأوجدوا ما يُسمى بالعول، والتعصيب بالذكور، كما استندوا على أحاديث مرسلة وضعيفة فحرموا بموجبها ورثة من حقوقهم في الميراث، وورّثوا من لم يرد ذكرهم في آيات المواريث بما أسموه تعصيبًا، وحجبًا بالتعصيب، فمثلًا ورّثوا ابن الابن، وحرموا بنت الابن من الميراث، وورثوا الإخوة لأم، وحرموا الإخوة الأشقاء، وورثوا ابن الابن، وحرموا ابن البنت، أو بنتها، وورثوا العم، وحرموا العمة، وورثوا ابن العم، وحرموا بنت العم، أي عادوا إلى الجاهلية بتوريث الذكور دون الإناث، ونسبوا كل هذا إلى شرع الله، والله برئ ممّا نسبوه إليه. فأخطاء بعض المفسرين والفقهاء في فهم آيات المواريث(النساء:11، 12، 176)أدّى بهم إلى إيجاد ما سمي بالعوْل أي زيادة حظوظ الورثة عن أصل المسألة، ممّا ساعد دعاة الإلحاد إلى جر بعض شباب الإسلام إلى الإلحاد لأنّ هذا العول جعلهم يصفون الله جل شأنه أنّه يجهل أبسط قواعد الحساب التي لا تخفى على الطفل(تعالى الله عمّا يصفون)وبنوا قولهم هذا ليس على نص الآيات القرآنية، وإنّما على تفسير المفسرين لها، ونسبوا خطأ المفسرين إلى القرآن، قائلين:” إنّ طريقة توزيع الميراث في القرآن لا يقوم بها شخص متمكن من الحساب؛ إذ يعاني من ظاهرة العول والرد، التي تنشأ من الإصرار على الاكتفاء بعمليات الحساب الأربع، حيث ينتج فائض في التركة بعد التوزيع يتم رده، أو نقص في التركة يتم استرداده. وقد أعددتُ دراسة عن العول، وحللتُ جميع مسائله دون حاجة إلى عوْل، لأنّ العول وجد بسبب فهم خاطئ لآيات المواريث، ويعود خطأ الفهم إلى:
- أنّهم لم يستوعبوا قاعدة أنّ الأنثى هي الأساس في احتساب حظوظ الميراث، فعندما تتحدّث الآية عن إناث، لماذا يُفترض عدم وجود ذكور؟ مع أنّه عند ذكر الأم، يقابلها(الأب)، والبنت يقابلها (الولد)، والأخت يقابلها(الأخ)
- اعتبار البنتيْن، وما فوق من أصحاب الثلثيْن، وهذا خطأ فادح، فالله جل شأنه يقول(فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)ولم يقل اثنتيْن وما فوق كما هو المعمول به في مدونات الأحوال الشخصية ، وفي علم الفرائض( المواريث)
- لم يفرقوا بين الكلالة بوجود الزوج، أو الزوجة، في الجزء الثاني من آية(12)والكلالة بدون وجود زوج، أو زوجة(الآية:176)
فالمجال لا يتسع للحديث عن العول والحجب والتعصيب وأولوا الأرحام في الميراث، ولكن لابد لنا من وقفة تأمل، واستعادة قراءة آيات المواريث ومدلولاتها.
وسأبدأ بالآية(11): (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا.) وعند تأملنا لها نجد:
- أنّ الأولاد تشمل الذكور والإناث (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)
- أنّ الأنثى هي الأساس في احتساب الحظوظ، وأنّ الذكر تابع لها، وحظّه من الميراث يتوقف على عدد الإناث.
- يتحدث الجزء الأول من الآية(11)عن حالة عدم وجود أبويْن علـى قيد الحياة، ووجود ولد ذكر، وأنثيين(لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)وإن كنّ فوق ابنتيْن اثنتيْن(فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)، أي فوق اثنتين، وذكر واحد، وليس اثنتيْن وما فوق- كما يُدرّس في علم الفرائض، ووارد في مدونات الأحوال الشخصية–فالباقي للولد،(وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ)والباقي للولد بعد أخذ أصحاب الفروض حظوظهم أي أحد الزوجيْن؛ لأنّه في هذه الحالة لن يكون من أصحاب الفروض. فلماذا نفترض أنّ الثلثين إن كان له أكثر من ابنتيْن وعدم وجود ولد ذكر، والنصف للبنت مع عدم وجود ولد ذكر، ولا نفترض عدم وجود أبويْن في حالة وجود ثلاث بنات وما فوق، وولد ذكر واحد، خاصة أنّ الآية أشارت إلى وجود ابن ذكر في أولها، فكيف يختفي الولد الذكر فجأة؟
- الجزء الثاني من الآية ينتقل إلى عدم وجود ذرية، ووجود أبويْن، إذًا أوّل الآية يتحدث عن حظوظ الأولاد ذكور وإناث في حال عدم وجود أبوين، والجزء الثاني من الآية يتحدث عن حظوظ الوالدين في حالة عدم وجود الأولاد:
-(فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)والولد هنا أي ذرية تشمل ذكور وإناث، وليس ولد بمعنى ذكر، كما نلاحظ لم يقل لأبيه، بل قال لأمه، والأب(ذكر)تابع للأم(الأنثى)فإن كان لأمه الثلث، فلأبيه كذلك، وذلك في حالة عدم وجود ذرية له.
-(فإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)لم يقل لأبيه، بل قال لأمه، والأب (ذكر)تابع(للأنثى)فإن كان لأمه السدس، فلأبيه كذلك إن كان له ذرية.
- وقد اختتم جل شأنه الآية(11)بقوله:(آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)وهذا يؤكد على أنّ الآية تتحدث عن حظوظ الوارثين في حالتيْ وجود أولاد(ذكور وإناث)وعدم وجود والديْن، وحالة وجود والدين وعدم وجود أولاد. فأين الأعمام في الآية حتى ندخلهم بالتعصيب في الميراث؟ والقسمة هنا لا تحتاج إلى عول.
التأمل في الآية (12) من سورة النساء
الجزء الأوّل منها: يتحدّث عن حظَّي الزوجَيْن في حال وجود والدَيْن، وعدم وجود أولاد، فللزوج نصف ميراث الزوجة (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)..
الجزء الثاني : يتحدّث عن حظَّيهما في حال وجود الوالدين والأولاد، فللزوج الربع إن كان لهما أولاد، بينما للزوجة الربع من إرث زوجها إن لم يكن لهما ذرية، وإن كان لهما ذرية فلها الثمن (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)..
الجزء الثالث: يتحدّث عن النوع الأول من الكلالة (مَنْ لا ولد له، ولا والد) مع وجود الزوج، وله أخ، أو أخت، أو أكثر من ذلك (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْن).
التأمل في الآية (176) من سورة النساء
الآية (176) تتحدّث عن النوع الثاني من الكلالة، مع عدم وجود الزوج، وله أخت، أو أختان، أو إخوة وأخوات (يسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ). * فحظوظ الأخوة فقط إن وجدوا في وجود الزوج: – فرض سبحانه للذكر والأنثى حظوظًا متساوية (الأخ والأخت) في الحدّ الثالث من حدود الله، فإن كان أخًا واحدًا، أو أختًا واحدة فالحظُّ هو السدس، وإن كانوا مجموعة إخوة فهم شركاء في الثلث. أيّ أنّ الثلث هو الحد الأعلى لإرث الإخوة في هذه الحالة، والباقي (الثلثان) للزوج. – إذا توفي رجل لا أصول له، ولا فروع، له زوجة وأخ، يأخذ الأخ السدس -بحسب الآية- ويذهب الباقي كله إلى الزوجة. ولا محل هنا لتطبيق قاعدة (للذكر مثل حظ الأنثيين)، لأنّ هذه القاعدة مخصوصة بحالات سبق توضيحها، وليست قاعدة واجبة المراعاة في كل الحالات الإرثية، كما قال ابن سيرين، وتابعه فقهاء على هذا حتى وقتنا الحاضر. في حالة الكلالة، مع عدم وجود الزوجة: – (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ)، وللأخ النصف الباقي.. (فإنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ).. (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).. فإن تُوفيت امرأة عن أخ، أو عن أخت دون زوج، فالتركة كلها في هذه الحالة للأخ، أو للأخت (الآية 176)، ولا محل هنا لتطبيق قاعدة السدس، لأنّه حد مخصوص بحالة بعينها، فإذا تغيّرت معطيات الحالة تغيّر الحكم بالضرورة. ونحن نجد مفسرين وفقهاء، وعلماء فرائض لم يُفرِّقوا بين الكلالة مع وجود الزوج، أو الزوجة، ومع عدم وجوده، فالشقيقتان لا ترثان الثلثان في حالة وجود زوج، أو زوجة، ولا تصبحان من أصحاب الفروض، إنّما ترثان ما بقي من حظ الزوج، أو الزوجة، وبذلك لا يكون في المسألة عوْل، أو تعصيب، فقسمة المواريث تجري ضمن نظام يقوم على قواعد ثابتة لا تختلف، وإعمالها يؤدي حتمًا إلى إعطاء أصحاب الفروض حقهم من غير زيادة ولا نقصان، وتماماً كما هو مفروض لهم في القرآن دون اللجوء إلى العول، الذي لم يأت ذكره لا في الكتاب ولا في السنة، ومرد هذا الخلل يعود إلى التعصيب الذي لم يرد نص قرآني بتوريثه، مع ثبوت عدم صحة الروايات المنسوبة للرسول صلى الله عليه بتوريث العصبة من الذكور.
والأسئلة التي تطرح نفسها:
كيف يُحرم من الإرث من هم على درجة قرابة واحدة للمتوفي لكونه أنثى، فتُحرم بنت البنت أو ابنها بينما ترث بنت الابن، وتُحرم بنت الأخ الشقيق، بينما يرث أخاها بالتعصيب، ويرث ابن العم، وتُحرم أخته، ويرث ابن الأخ، ولا يرث ابن الأخت، ويرث ابن الأخ العمة ولكنها لا ترثه؟
ثمّ كيف يتم تقسيم المواريث، وهناك اختلاف في الفروض والعصبة والأرحام بين المذاهب، فنجد في المغرب، اعتبروا الزوج والزوجة من الفروض، بينما اعتبرت دول أخرى الزوجان من ذوي الرحم، في حين استقرّت الفتوى في المملكة العربية السعودية على اعتبار الإرث بين الزوج والزوجة ليس من الرحم، ولكن بالزوجية، فيكون كل واحد منهما كواحد من المسلمين، فيُعطى المال المتبقي من نصيب أي منهما لبيت مال المسلمين إذا لم يكن للميت وارث من الفروض، أو العصبة، وهذا أمر غريب، فقد يكون الميراث قليلًا، وربعه لا يكفي لمعيشة الزوجة الأرملة، ولا يوجد لها دخل إلّا ما تركه زوجها من ميراث، فكيف يودع مال زوجها في بيت مال المسلمين، وهي في حاجة إليه، وقد جاهدت وكافحت معه في تكوينه، وقد تكون ساهمت بمالها الخاص في تنميته، فلماذا لا ترث كل الميراث في حالة عدم وجود أبويْن وإخوة وأخوات؟
وكيف يختلفون حول من هم أصحاب الفروض، وآيات المواريث قد حددتهم؟
إنّ تفضيل العصبات من الذكور على الإناث في الميراث رغم مساواتهم في درجة القرابة تمييز ضد المرأة من موروثات الجاهلية التي لا يقرّها الإسلام، فلا توجد نصوص من القرآن والسنة الصحيحة تنص على ذلك.
وهذا يبين لنا أن ما تم إقراره في كتب الفرائض ومدونات الأحوال الشخصية بشأن ميراث ذوي الأرحام مسائل اجتهادية من علماء بشر، قد يُصيبون، وقد يُخطئون، وليس لنا أن ننسب اجتهاداتهم إلى شرع الله، ونعتبرها من ثوابت الإسلام، لا تقبل النقاش والانتقاد، وعلينا الالتزام بها ،وكأنّها قرآن منزل، مع أنّ بالتزامنا بها نكون خالفنا ما جاء في القرآن الكريم الذي أقر العدل ودحر الظلم، وساوى بين الذكر والأنثى في حق الميراث، بل جعلها الأساس في احتساب حظوظه، تكريمًا لها، وتعويضًا عن الظلم الذي ألحقته بها الشرائع السابقة للإسلام، وذكر أولي الأرحام في موضعيْن (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِين) [الأحزاب : 6] (وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الأنفال: 75]
وختامًا: أتساءل: ألمجرد اجتهاد من شخص قد يُخطئ وقد يُصيب يُحرم أحب النّاس إلينا من أقاربنا من الميراث؟
ألم يأن الأوان لنصحح هذا الخلل الواضح في منظومة المواريث؟
فكما تبيّن لنا من خلال ما سبق بيانه مدى الخلل في منظومة الميراث التي وضعها علماء وفقهاء المواريث ، طبقًا لمفاهيم خاطئة لآيات المواريث ، واستنادًا على أحاديث وروايات ضعيفة وموضوعة، لتحقيق أهداف سياسية بتوريث العصبة الذكور من جهة، وتمسكًا بالموروثات الجاهلية التي تحرم الإناث من الميراث من جهة أخرى.
وعلى علماء الأمة الإسلامية وفقهائها أن يعيدوا النظر في منظومة المواريث المعمول بها الآن، ويصححوا ما فيها من أخطاء التي ترتب عليها ظلم كبير أُلحق بالإناث بصورة خاصة، بل الأكثر من هذا إساءة إلى الخالق جل شأنه بإيجاد العول، وإلى عدله بإيجاد العصبة الذكور وحرمان أولي الأرحام من الميراث. وهذه أمانة أضعها في أعناق فقهاء الأمة سيُسألون عنها يوم القيامة.
[1] . المؤمنون: 5،6، والمعارج: 29، 30. [2] . ق: 6. [3] . المرسلات: 9. [4] . النساء : 36. [5] . الروم: 28. [6] . النحل: 71. [7] . النور: 33.
أضف تعليق