أود أن أوضح حقيقة هامة قبل أن أُبيِّن مراجعاتي على حلقة :” هل الفتوى توقيع عن الله؟” أنّ هذه المراجعات لا تقلل من قيمة وقدر وعلم الفقيه العلامة الدكتور عدنان إبراهيم، ولكنّ القصد منها التوقف عند بعض القضايا لمراجعة بعض ما طرح فيها، مادام الهدف من طرحها إحداث صحوة بتصحيح ما فيها من مفاهيم مغلوطة، ومن هذه المفاهيم اعتبار الفتوى توقيع عن الله جل شأنه؛ إذ استوقفتني إجابة الدكتور عدنان عن سؤال الإعلامي القدير الدكتور أحمد العرفج:
هل تتفق مع الإمام ابن القيم عندما سمى كتابه ” إعلام الموقعين بأنّ الفتوى توقيع عن الله؟
فجاء جواب الدكتور عدنان :” لست أتفق فقط بل أعبر عن شدة إعجابي بهذا التوفيق الذي سيق لهذا الإمام الجليل” ثم أشار إلى أنّ شيخ الإسلام شهاب الدين القرافي 684 ” شبّه ونعت المفتي بأنّه ترجمان عن رب العالمين”
ومع تقديري لما قاله الدكتور، فأنا اختلف معه فيما ذهب إليه، وأرى :
أولًا: أنّ الإمام الجليل ابن القيم قد خانه التوفيق في هذا المسمى، لأنّه لا يجرؤ مخلوق التوقيع عن الخالق جل شأنه ، وإن كان الله جل شأنه لم يُفوّض أنبياؤه ورسله المعصومين من الخطأ التوقيع عنه ، فكيف يُفوِّض الإمام ابن القيم البشر بذلك؟ فالله جل شأنه هو العالم بقصور فهمهم وبتحكم الأهواء فيهم، وعدم تحررهم من موروثات مجتمعاتهم الفكرية والثقافية في الجاهلية، والتي لم يتحرر منها الإمام ابن القيّم ذاته ؛ إذ نجده قال في كتابه ” إعلام الموقعين عن رب العالمين:” إنّ السيد قاهر لمملوكه، حاكم عليه، مالك له، والزوج قاهر لزوجته، حاكم عليها، وهى تحت سلطانه وحكمه شبه الأسير.” [ ابن القيم: إعلام الموقعين ، ج2 ص106. طبعة بيروت سنة 1973م.]
فهل من يحمل مثل هذا الفكر يُوقع عن الخالق جل شأنه ؟؟
هل هذا هو حكم الخالق جل شأنه؟
ثانيًا: قد حدّد الله مهام أنبيائه ورسله التي لا تتعدى عن البلاغ والإنذار، ولنقرأ معًا هذه الآيات:
﴿أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾([سورة المائدة الآية: 67]
﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً * الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ﴾[ سورة الأحزاب الآية: 38- 39]
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾[سورة النحل الآية: 125]
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾[سورة آل عمران الآية: 159)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾[الإسراء:105]
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[سبأ: 28 ]
﴿تبارك الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا. ﴾[ الفرقان:1]
﴿فإن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾ [النحل : 82]
﴿ ومَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾[ النور:54النور]
فلا توجد آية في القرآن الكريم فيها تفويض من الله لأنبيائه بالتوقيع عنه ، بل نجده جلّ شأنه يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ ﴾[ القصص: 56]
ويقول جل شأنه : ﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ. ومَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ [ يونس : 99-100]
ثالثًا: لو اعتبرنا الفتوى توقيع عن الله فهي تكون ملزمة وليست مُعلمة، مع أنّها كما قال الدكتور عدنان:” مُعْلِمة وليست مُلزمة”.
رابعًا: إن كانت الفتوى توقيع عن رب العالمين ، فهذا يعني تُنسب للخالق جل شأنه كل الفتاوى الخاطئة والتي تقلل من شأن المرأة وتسلبها كثير من حقوقها، وتنتقص أهليتها فيما عدا عند تطبيق عليها الحدود والقصاص والتعزيرات، وفيما عدا ذلك تجعلها تحت الوصاية الذكورية من الميلاد إلى الممات، وكذلك الفتاوى التكفيرية والتي تدعو إلى قتال غير المسلمين إلى أن تقوم الساعة للفهم الخاطئ للجهاد الذي فسروه بمقاتلة المناوئ للدعوة، الذي لا يريد أن يدفع الجزية، والذي لا يريدك أن تنشر الإسلام، هذا هو فهمهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنّ محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى)[ رواه البخاري ومسلم]
ولكن هذا الحديث تنفي صحته كل آية من الآيات التالية:(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ)[يونس:99-100](فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر)[لكهف:29(َلكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6](لوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا[الرعد:31](إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت)]القصص:56](إنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ)[الشورى:48](لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)[الغاشية:22]
فأخذ بهذه الرواية لاعتقادهم بصحة جميع أحاديث الصحيحين، ولقولهم بأنّ هذه الآيات بقيت تلاوتها ونُسخ حكمها، فهل هؤلاء وأمثالهم الذين جعلوا علاقة المسلمين بغيرهم من الأمم على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم في قتال معهم إلى أن تقوم الساعة يملكون حق التوقيع عن الله، وما يفتون به يخالف حكم الله، وقوله : (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات: 13]
إضافة إلى مخالفة الحديث للواقع التاريخي، فهو لا يتفق مع “صحيفة المدينة” التي كانت بينه عليه الصلاة والسلام بين سكان المدينة، وقد تضمنت بنودها احترام حرية التدين لسكان المدينة على اختلاف دياناتهم.
كما لا يتفق مع واقع الحروب التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم مع مشركي مكة واليهود، فقد كانت حروبًا دفاعية، وليست هجومية. وقد ارتكب كتاب السيرة والمؤرخون القدامى والمحدثون خطًأ فادحًا بإطلاقهم على حروب كفار قريش ويهود المدينة وخيبر للرسول صلى الله عليه وسلّم بغزوات الرسول، فهو لم يغزو، وإنّما صدّ هجوم الغزاة.
وهم بقولهم هذا يعززون فرية نشر الإسلام بحد السيف، لأنّهم حصر مفهوم الجهاد في سبيل الله بالقتال في سبيل نشر عقيدة التوحيد، ومجاهدة الكفار بدعوتهم وقتالهم، فالإسلام لم ينتشر بالقتال، وإنّما بحسن المعاملة بدليل دخول كثير من البلاد الآسيوية والإفريقية في الإسلام عن طريق التجار المسلمين، فلم تكن غاية الفتوحات الإسلامية فرض الإسلام، وإنّما كانت غايتها حماية دولة الإسلام في الجزيرة العربية من الأخطار التي تهددها من الإمبراطوريتيْن الفارسية والبيزنطية، فقد أمّن الفاتحون المسلمون سكان البلاد المفتوحة على أديانهم وكنائسهم ومعابدهم وأموالهم، حتى اللغة العربية لم تُفرض عليهم بدليل لم يتم تعريب الدواوين إلّا في سنة مائة هجرية، أي بعدما تعلم سكان البلاد المفتوحة اللغة العربية نتيجة اختلاطهم بالقبائل العربية التي رافقت الجيوش الفاتحة، واستقرت في تلك البلاد واختلطت بسكانها، وتصاهرت معهم.
فهل أمثال هؤلاء ممن يتصدون للفتوى يُعتبرون موقعين عن رب العالمين لمجرد أنّ الإمام ابن القيهم قرر ذلك ، وهم يتركون آيات قرآنية بدعوى نسخها لعدم فهمهم آية (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )[ البقرة: 106] ويستندون على أحاديث ضعيفة وموضوعة لمخالفتها للقرآن الكريم؟
بل نجدهم أفتوا بفتاوى تخالف القرآن الكريم مخالفة صريحة ، والأمثلة كثيرة، منها:
- نسخهم لآية الوصية بدعوى أنّ آيات المواريث نسختها، ولحديث موضوع ” لا وصية لوارث، وأقول حديث موضوع لقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين)[البقرة:180]
وأكّد على أهمية الوصية، وعلى حرمتها في الآية التي بعدها:(فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم)
قد كتب الله عزّ وجل علينا الوصية بنفس الصيغة التي كتب علينا بها الصلاة والصيام والقتال، فكيف بعد كل هذا يلغونها؟
- الخطأ في مفهوم الحور العين
الصورة التي صوّرها خطابنا الديني للحور العين بأنّهنّ نساء يفوق جمالهن الوصف وعد الله بتزويجهن لأصحاب الجنة من الرجال، واستغلت الجماعات الإرهابية المسلحة هذه الصورة في التغرير بالشباب، ودفعهم لقتال من كفروهم من المسلمين، وقيامهم بعمليات انتحارية، فهم يُقاتلون ليس في سبيل الله، ولكن من أجل إشباع شهواتهم في الدنيا والآخرة. في الدنيا باغتصاب من يقع في أيديهم من نساء وفي الآخرة الفوز بحور العين، والمتأمل في الآيات الوارد فيها الحور العين وسياقها ودلالتها نجد أنّ القرآن لم يحدد ماهيتهم، فجاء في وصفه لهم(كأمثال اللؤلؤ المكنون)فلم يحدد هنا ماهيتهم، بينما حدّد ماهيتهن عند وصفه لنساء الجنة بقوله(كأنهن بيض مكنون)أمّا قوله:(وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ)[الدخان:54]تعدَّت بالباء. فانتقل المعنى من الزوجية الدنيوية إلى الأُنْس بالجمال الذي هو قمة ما نعرف من اللذات، ولا علاقات جنسية في الآخرة؛ لأنّنا سنُخلق خَلْقاً جديداً غير هذا الخَلْق الذي نعيشه، بدليل أنّك تأكل في الجنة ولا تتغوَّط، وهذا المعنى هو الذي يتفق مع حال أبينا آدم وأمنا حواء عليهما السلام، فكانا زوجيْن في الجنة، ولكنهما لم يتناسلا إلّا عندما خرجا منها، فعندما وَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ ظهرت سوآتهما أي كانتا مخفية غير ظاهرة تمهيدًا لخروجهما من الجنة.
- فهم الخاطئ لآيات المواريث، من ذلك خطأهم في فهم قوله تعالى : (فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ) ففهموها إن كانتا اثنتين وما فوق، وبسبب هذا الخطأ في الفهم ، وأخطاء أخرى أوجدوا العول الذي ليس له ذكر في القرآن الكريم ،وفي الأحاديث النبوية، فلم لم يكن موجودًا في عهد النبوة، والذي استغله مخططو إلحاد شباب الإسلام في دفع بعض شبابنا إلى الإلحاد بقولهم له ” هذا ربكم لا يعرف العمليات الحسابية التي يعرفها تلميذ الابتدائية( تعالى الله عمّا يصفون)
- مفهومهم الخاطئ للأسرى وملك اليمين، وإباحة الأسيرات بلا زواج وتحويلهن إلى جوار مع أنّ الله جل شأن لم يبح معاشرة الأمة من قبل مالكها إلّا بعقد زواج في قوله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُم)[ النور: 32] وهذا سأبين المفاهيم الخاطئة للأسرى وملك اليمين في مراجعات حلقة اليوم إن شاء الله.
وأخيرًا أقول إنّ كلمة التوقيع عن رب العالمين جرأة على الخالق جل شأنه لا أقبلها، ولا أدري كيف قبلها واستحسنها العلماء من القرن الثامن الهجري/ الثالث عشر الميلادي إلى يومنا هذا؟
نحن نقدر علماء الدين ونُجلهم، ولكن لا يصل إلى درجة تقديسهم ، وتقديس فتاواهم باعتبارها توقيع عن رب العالمين!
عن صحيفة أنحاء
يا سلام على النقد البناء
أما بعد..
لو سمحت لي الدكتورة الفاضلة بملاحظة لما فهمته من أن الفتوى توقيع عن الله .. فهمي المتواضع هو بمعنى المسئولية و التكليف و ليسى التشريف و مَن يقوم بالفتوى يقوم باختيار القيام بهذه المهمة حين يلمس في نفسه القدرة عليها و يتحمل مسئوليتها و عبأها كواجب لأن المسلمين يحتاجون الإستفتاء في أمور دينهم أيما حاجة في عصرنا و في العصور السابقة و اللاحقة، هذه المسئولية تأتي من الأسفل إلى الأعلى بمعنى أنها ليست تفويضآ من الله لأحد بل العكس هي حاجة للمسلمين اضطر العلماء لملئها فأخذو على عاتقهم إعطاء الأجوبة و الحلول، و يترتب عليها مسئولية عظيمة فقيل توقيع عن الله لما لها من مهابة و قد يرهب الكثيرون القيام بها فجاء الرسول موضحآ أجر من يفتي بأنه أجره إن أخطأ مرة و إن أصاب مرتين حتى يشجع الناس أن يتعلمو و يتأهلو للقيام بهذه المهمة الجليلة التي تتطلب شروطآ عظيمة أعظم حتى من الشروط الواجب توافرها حتى في رؤساء الأمة.
الله سبحانه و تعالى وضع لنا نظامآ و جعل لنا الفتوى سبيلآ لإيجاد الحلول و الأجوبة في تفاصيل حياتنا لآخر الزمان و التنوع يجعل هناك حلآ لكل عيال الله و يعلم كل من المفتي و المستفتي أن هنالك يوم سيقفون فيه بين يديه عز و جل ليتحمل كل مسئوليته فتأتي بمعنى الإستخلاف و يأتي التوقيع باختيارنا و نؤجر عليه لقيامنا بقضاء حاجة للمسلمين و لا يعني بأي حال التفويض من الله للمفتين.
ثم إن ضرب الأمثلة لسوء فهم كتاب الله و تعاليمه لا يزيد الحاجة إلى أن ينبري مَن هم مؤهلين للفتوى للقيام بدورهم و عدم ترك الساحة للمسيئين إلا تأكيدآ و هي بالنهاية مسئولية عظيمة و واجب لا بد من الاضطلاع به.
أرجو أن يتسع صدرك لتعليقي و اقبلي الإحترام.