أواصل مراجعاتي على برنامج صحوة الرمضاني الذي أذيع في قناتي روتانا خليجية ومصرية، وقّدمه الدكتور أحمد العرفج وضيفه الدائم المفكر الدكتور عدنان إبراهيم.
ومراجعاتي في هذا الجزء ستكون تكملة لمراجعاتي حول ما أثير في مداخلة الحلقة عن الأدب الإسلامي ، وتعليق الدكتور عدنان إبراهيم عليها بقوله : ” الإسلاميون خاضعون لوهم الاكتفاء، ويظنون أنّه بما أنّ هذا الدين كامل إذا نحن يمكن أن نبني سياسة واقتصاد وعسكرية إسلامية ، وإدارة إسلامية ، وأدب إسلامي ..، ومشروع الأدب الإسلامي أجهض، وكل هذه الأوهام ما هي إلّا فقّاعات..”
ولقد بيّنتُ في الحلقة الماضية ما حواه القرآن الكريم من علوم، مع وضعه أسس المنهج العلمي ، وخصائص منهج التفسير الإسلامي للتاريخ، وتوقفتُ عند العسكرية الإسلامية.
العسكرية الإسلامية
عند الحديث عن العسكرية الإسلامية لابد أن تتحدث عن جهود اللواء محمود شيت خطّاب في تأصيل العسكرية الإسلامية، واللواء محمود شيت خطّاب عضو في مجمع اللغة العربية العراقي ، وهذا يُعطي لكتابه المؤلف من جزئيْن في حوالى (1100) صفحة عن المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم ثقلًا كبيرًا من متخصص عسكري لُغوي، ليؤكد أنّ العسكرية الإسلامية حقيقة واقعة مثبتة في القرآن الكريم، إضافة إلى العديد من المؤلفات منها: العسكرية العربية الإسلامية، الصديق القائد، الفاروق القائد، عمرو بن العاص، خالد بن الوليد المخزومي، قادة فتح المغرب العربي، قادة فتح مصر، القتال في الإسلام، جيش النبي، الشورى في المواثيق والمعاهدات النبوية ومضات من نور المصطفى، قادة فتح الجزيرة، قادة فتح فارس، إرادة القتال في الجهاد الإسلامي، الشورى العسكرية النبوية، قادة النبي، قادة فتح السند وأفغانستان، قادة الفتح الإسلامي في بلاد ما وراء النهر، قادة الفتح الإسلامي في بلاد أرمينيا، سفراء النبي صلى الله عليه وسلم ، عقبة بن نافع الفهري، قادة فتح بلاد الشام، قادة فتح بلاد الروم، قادة فتح بلاد الأندلس، وغيرها الكثير، فليس من المعقول أن تكون كل هذه المؤلفات من نسج الخيال؟
خطط خالد بن الوليد العسكرية تدرس في الأكاديميات العسكرية العالمية
خالد بن الوليد رضي الله عنه من أشهر القادة العسكريين على مستوى العالم فيما يخص الخطط العسكرية بشكل عام وخطط الانسحاب المتقنة بشكل خاص، حيث قاد أول حرب خارجية يخوضها المسلمين وهي غزوة ”مؤتة”، بعد استشهاد قادة الجيش الثلاثة بالتوالي، زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة.
غزوة ”مؤتة” التي صمد فيها ثلاثة آلاف مقاتل مسلم أمام مائتي ألف من الروم ، ستة أيام كاملة، وفي اليوم السابع قام قائد الجيش خالد بن الوليد بانسحاب تكتيكي ناجح وبأقل الخسائر.
حيث أظهر ”بن الوليد” سيف الله المسلول كما اطلق عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مهارة نادرة في إنقاذ جيش المسلمين، من خلال مَكيدة حربية، فقد أدار المعركة نهارًا بشكل طبيعي، وفي الليل أمر مجموعة من المسلمين بأن يخرجوا إلى خلف الجبال ليعودوا فجرًا مثيرين للغبار رافعين أصواتهم بالتكبير والتهليل، فيظن الروم بأنّ مددًا قد أتى للمسلمين.
وقام بحيلة عسكرية فريدة من نوعها، مازالت تدرس في الأكاديميات العسكرية العالمية إلى الآن، إذ غير الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة والمقدمة مؤخرة والمؤخرة مقدمة، لتختلف الوجوه على الروم، ليعتقدوا على غير الحقيقة أن مددًا عسكريًا قد أتى لجيش المسلمين.
أسس علاقات المسلمين بغيرهم [1]
ومن أسس علاقات المسلمين بغيرهم المسالمة والأمان، فهو لا يجيز قتل النفس لمجرد أنّها تدين بغير الإسلام، ولا يبيح للمسلمين قتال مخالفيهم في الدين لمخالفتهم في عقيدتهم، بل يأمر أتباعه معاملة مخالفيهم بالحسنى، ومبادلتهم المنافع ويوضح هذا قوله تعالى : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) [2]
ويقول جل شأنه {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً}[3]
والإسلام حريص على السلم يقول تعالى (يا أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين)[4]
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا إنّ إيمانكم يوجب عليكم أن تدخلوا في السلام العام، فلا تعتدوا على أحد لم يعتد عليكم ولم يقاتلكم. وفي هذه الآية رد كاف على المستشرقين خاصة مرجليوث وبرنارد ولويس، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يحارب كفار قريش ويعترض قوافلهم إلا لأنّهم حاربوه وحاربوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم وأخذوا أموالهم، وكذلك اليهود نقضوا العهود والمواثيق، وتحالفوا مع كفار قريش ضد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسلمين فأعلن بنو قينقاع تحديهم ومحاربته، أما بنو النضير حرضوا قريشًا وتآمروا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، وبعد جلائهم عن المدينة ألبوا الأحزاب على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، وحرضوا بني قريظة على نقض العهد، ووضعوا المسلمين في وضع سيئ، وأصبحوا بين فكي كماشة، فكان قتال يهود خيبر من أهم سبل الأمان لأنّهم كانوا يعدون العدة للتوجه إلى المدينة، وقتال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فشل الأحزاب، وكانوا يحرضون القبائل عليهم، ويعدون العدة لقتال المسلمين في المدينة، ومن حرص الإسلام على السلم أنّه إذا كان في حرب مع أعدائه وطلبوا السلم والصلح فيستجاب إلى طلبهم يقول تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) [5]
ومن نظم الإسلام الدالة على السماحة في أثناء الحرب: أنّه يبيح لأفراد وجماعات من الدول المحاربة أن تتصل بالمسلمين وتدخل ديارهم، وتقيم فيها في حماية قانون يعرف في التشريع الإسلامي باسم “الأمان” والإسلام يقرر عصمة المستأمنين، ويوجب على المسلمين حمايتهم في أنفسهم وأموالهم ما داموا في ديار الإسلام، يذهب أبعد من ذلك فتراه يمنحهم أنواعًا من الامتيازات، ويعفيهم من بعض ما ينفذه على المسلمين من أحكام، والهدف من هذا الأمان الذي شرعه الإسلام أن يهيئ الفرص للمستأمنين لدراسة حقيقة الإسلام وإدراك أغراضه من واقع المجتمعات الإسلامية بهدف نشر الدعوة وحماية الفارين من الظلم وتوفير الأمن لهم، يقول تعالى: (وإن أحَدٌ من المشركين استجارك [6]فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه)[7]
بل نجد أنّ الإسلام أعطى للفرد ذكراً أو أنثى حق الإجارة لفرد أو جماعة من الناس[8] وأمانه وعهده لقوله صلى الله عليه وسلم “ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم” وقوله “قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ” والإسلام لم يشترط في ذلك التشريع، إلاّ ما يضمن للمسلمين أمانهم، هذا وممّا تجدر الإشارة إليه أنّه ليس من حق الفرد أن يأوي محاربين قد أتوا بغرض إثارة الفتنة أو التجسس على المسلمين أو للقيام بأعمال إرهابية؛ إذ لابد من التحري والتأكد من سلامة نية من يأويه، كما أنّه من حق الحاكم إبطال أمان الفرد ، إن كان يتعارض مع مصلحة المسلمين.
ومن أسس علاقة المسلمين بغيرهم عقد العهود والمواثيق واحترامها، وذلك لفض المنازعات بالطرق السلمية، ولقد أحاط الإسلام المعاهدات بكل صنوف الاحترام، وهيأ لها كثيراً من الضمانات ،ممّا جعل المسلمون يرتفعون بها فوق مصالحهم وشهواتهم وعواطفهم، فليس لازمًا في تشريع الإسلام أنّه إذا قضت الظروف بنزاع بينه وبين خصومه أن يخيرهم بين الإسلام والجزية، والحرب فليست هذه الحالات الثلاث التي كانت تعرض على الأعداء، إذ نجد اتفاقات وعهودًا وحالات سلام كانت قائمة بين المسلمين ومن يجاورهم من الأمم بغير أن يشترك لذلك حالة من الحالات الثلاث .
إذا رجعنا إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم نجده قد عقد عهودًا ومحالفات بقصد نشر دعوة الإسلام فليس الحرب هي الهدف والغاية، وإنّما هو نشر الإسلام (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) ويقول جل شأنه (لا إكراه في الدين) والهدف هو الوصول بهذه الدعوة إلى الظهور بالوسائل السلمية .
لهذا أوجب القرآن على المسلمين الوفاء بعهودهم في كثير من الآيات قال تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)[9]
وذكر جل شأنه أنّ من صفات المؤمنين الحافظين وعودهم ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون )[10]
وقد وصف الله جل شأنه الذين لا يلتزمون بالعهد أنّهم من شر الدواب، يقول تعالى (إنّ شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون. الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون) [11]
ولا يهدف الإسلام من المعاهدات سيطرة ولا تملكًا ولا استعمارا ، ولا لغش الشعوب وخيانتها وخداعها، وإنمّا من أجل إقرار السلام وحقن الدماء يقول تعالى (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً. إنّ الله يعلم ما تفعلون. ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة )[12]
أي لا تكونوا في إفساد عهودكم والعودة إلى تجديدها كالمرأة الحمقاء التي تنفش غزلها بعد إبرامه وإحكامه، ولا يجوز أن تقوم عهودكم على الفساد والغش لكي تكون أمة أقوى من أمة، أي أكثر مالاً ورجالاً وقوة ممّا يجعلها أرجح[13] ،بل أمر الله جل شأنه الوفاء بالعهد حتى لو أدى ذلك المسلمين إلى عدم نجدة إخوانهم الذين يقيمون في بلد غير إسلامي معاهد لهم، مع أنّ الله جل شأنه يعتبر المسلمين أمة واحدة على اختلاف أجناسهم وألوانهم وبلادهم، وأي عدوان على شعب أو طائفة هو عدوان على المسلمين جميعًا، ولكن احترام العهود والمواثيق من المبادئ والقيم السامية التي حرص الإسلام على غرسها في نفوس المسلمين للالتزام بها يقول جل شأنه (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) [14]
وعودة منا مرة ثانية إلى الإصحاح العشرين من سفر التثنية نجده ينص على عدم احترام اليهود للصلح مع أعدائهم إن عقدوا صلحًا معهم، ويدعوهم استبعاد عدوهم واستباحة أرضه “حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح فإن جابتك إلى الصلح، وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ،ويستعبد لك ” فشتان بين شريعة الإسلام وبين شريعة اليهود المحرفة !!.
هذا وإن أخل المعاهدون بالمعاهدة، فالمسلمون في حل من عهودهم معهم يقول تعالى (وإن نكثوا أيمانهم [15]من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون)[16]،وكذلك إذا لمسوا من أعدائهم أمارات الخيانة فيجوز قتالهم مع إخبارهم بذلك مثلما حدث من بني قينقاع يقول تعالى (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين )[17]
القانون الدولي استقى أحكامه من الإسلام
هذه أهم مبادئ الإسلام في الحروب وفي علاقات المسلمين بغير المسلمين محاربين أو معاهدين أو مستأمنين، وأحكام الإسلام في الحروب استقى منها القانون الدولي أحكامه، وبعقد مقارنة بسيطة بينهما نجد هذا واضحاً في:
- لقد قرر القانون الدولي أنّ الدولة التي تضطر إلى إعلان الحرب على دولة أخرى يجب عليها قبل بدء القتال أن تعلن للدولة الأخرى بميعاد الحرب، والغرض من هذا عدم الأخذ على غرة والوقاية من الغدر.
وجاء في الشرع الإسلامي أنّه يجب على المسلمين قبل البدء بقتال الكافرين أن يبلغوهم دعوة الإسلام، فقد ثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ما قاتل قوماً حتى دعاهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم، وبهذا كان يأمر قواده ، ففي صحيح مسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبعض قواده : ” إذا لقيت عدوك من المشركين دعهم إلى إحدى ثلاث فأتيهن أجابوك ، فاقبل منهم وكف عنهم : الإسلام أو الجزية أو القتال “.
- قرر القانون الدولي أنّ الرعايا غير المسلمين المنتظمين في الجيش لا يعدون محاربين، ولا يجوز إلحاق الأذى بهم، وأنّ وصف المحاربين خاص بكل جندي أو محارب .
والشريعة الإسلامية قررت ذلك، فقد جاء في القرآن : (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا )[18]
ومن الاعتداء أن يحاربوا من لا يحاربهم كأبناء أعدائهم ومرضاهم وشيوخهم ورجال دينهم. روى رباح بن ربيعة أنّه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها، فمر رسول الله أصحابه بامرأة مقتولة فوقف أمامها، ثمّ قال: “ما كانت هذه لتقاتل! ثم نظر في وجه أصحابه ، وقال لأحدهم ” الحق بخالد بن الوليد فلا يقتلن ذرية ولا عسيفاً[19] ، ولا امرأة ” رواه مسلم .
وأوصى الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه في غزوة مؤتة، وهو يتأهب للرحيل : ألا تقتلن امرأة ولا صغيرًا خدعًا[20] ، ولا كبيرًا فانيًا، ولا تحرقن نخلًا ،ولا تقلعن شجرًا ولا تهدموا بيتًا” ،وعن ابن عباس: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال “لا تقتلوا أصحاب الصوامع “.
أمّا في شريعة اليهود المحرفة فإنّها تأمر بقتل كل الذكور ؛ إذ جاء في سفر التثنية الإصحاح العشرين “.. إن لم تسالمك بل عملت معك حرباً، فحاصرها وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأمّا النساء والأطفال والبهائم ،وكل ما في المدينة كل غنيمة تغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك “.
- لقد منع القانون الدولي الإجهاز على الجرحى، وتعذيب العدو والفتك به غليلة، واستعمال القنابل والقذائف والأسلحة التي تزيد من التعذيب، وحرّم تسميم الآبار والأنهار والأطعمة ، كما أنّه أوصى باحترام جثث القتلى، ومنع التمثيل بها مهما كانت جنسية أصحابها.
والإسلام حرّم هذا أيضًا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ عيّن أميراً على جيش، أو على سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيراً، ثم قال “واغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ، ولا تحتلوا ، ولا تقتلوا وليدا ” ” رواه مسلم “.
وإذا مثل الأعداء بالمسلمين فالأفضل عدم مجاراتهم في هذا التمثيل ، ويدل على هذا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما مثل المشركون في موقعة أحد بحمزة ابن عبد المطلب، وانتزعت هند بنت عتبة كبده، كما مثلوا بغيره من الشهداء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لئن أظفرنا الله بهم يومًا من الدهر لأمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب” فأنزل الله عليه هذه الآيات (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. واصبر وما صبرك إلا بالله)[21]
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:” بل نصبر[22] ” .
ولقد أوصى أبو بكر رضي الله عنه – أول خليفة للمسلمين – قائده أسامة بقوله :” لا تخونوا ، ولا تغلوا ، ولا تغدروا، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة، ولا تقهروا نخلًا ، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة.
.5 قرر القانون الدولي قواعد في حسن معاملة الأسرى وعدم مسهم بأذى، فلا يجوز قتلهم ولا جرحهم، ولا إساءة معاملتهم أو تحقيرهم إذا سلموا أنفسهم، أو صودرت حريتهم .
والشريعة الإسلامية حثت على تكريم الأسرى عامة، وجعلت ذلك من البر الذي هو علامة الإيمان، فقد ثنى الله على المؤمنين الذين يحسنون إلى الأسرى بقوله تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا)[23]
وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بحسن معاملة الأسرى “أحسنوا أسراهم” ولقد خير الإسلام الإمام بين إطلاق سراح الأسرى دون مقابل أو فدائهم بالمال حسبما تقتضيه المصلحة: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء )[24]، وقد منَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الأسرى ، أي أطلق سراحهم بدون مقابل وفادي بالمال، وبتعليم الأسرى أبناء المسلمين الكتابة [25].
هل كل هذا مجرد وهم وفُقّاعة؟
ننتقل الآن إلى الإدارة في الإسلام
لفظ إدارة مشتق من الفعل (أدار)، وقد جاء في موضعٍ واحد في القرآن الكريم؛ حيث قال – تعالى -:﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ ﴾ [26] واللفظ الذي استخدمه المسلمون للدلالة على معنى الإدارة هو لفظ (التدبير)، كما ورد لفظُ التدبير في آياتٍ كثيرة، منها:﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾[27] ، كما يرى أنَّ لفظ (تدبير) أكثرُ شمولاً وعمقًا، مُؤيدًا في ذلك رأيَ محمد المبارك الذي يرى أنَّ لفظ (تدبير) أشملُ وأعمُّ، ويشتمل على ضرورة التمعن والتفكير في الأمور، والحرص على اختيارِ أفضل الطُّرق لتأدية الأعمال، وبما أنَّ لفظةَ إدارة لفظة مَحدودة الاستعمال، وتعني التنفيذ؛ لذا كان يطالب باستخدام لفظة (تدبير)، كمصطلح إسلامي للإدارة الإسلامية، إلاَّ أنَّ الدكتور المطيري وَجَد أنَّه لا حَرجَ من استخدام لفظة (إدارة)؛ لأمرين[28]
أولاً: كلمة الإدارة وردت مقترنة بالتجارة.
ثانيًا: مرونة الإدارة الإسلامية، واستخدامُها عباراتٍ وألفاظًا يصعب تَجاهُلها، مع التأكيد على استرجاع معنى التدبُّر، أو التدبير، والإشارة إلى ذلك في الكتابات الإدارية.
أيضًا هناك مئات المؤلفات في الإدارة في الإسلام، أمضى مؤلفوها سنين عديدة من أعمارهم في تأليفها بناءً على أسس وقواعد حقيقية، وليست وهمية.
للحديث صلة.
[1] . د. سهيلة زين العابدين حمّاد: السيرة النبوية في كتابات المستشرقين” دراسة منهجية تطبيقية على المدرسة الإنجليزية ، ج4، موقف مستشرقي المدرسة الإنجليزية من التشريعات المدنية- رسالة دكتوراة- معد الطبع. [2] – الممتحنة : 8. [3] – النساء : 90. [4] – البقرة : 208. [5] – الأنفال : 61. [6] – الاستجارة طلب الجوار وهو الحماية والأمان، فقد كان من أخلاق العرب حماية المستجيرين والدفاع عنهم . [7] – التوبة : 6. [8] – عفيف طبارة : روح الدين الإسلامي، ص 407. [9] – الإسراء : 34. [10] – المؤمنون :8. [11] – الأنفال : 55-56. [12] – النحل : 91- 92. [13] – عفيف طبارة : روح الدين الإسلامي ،ص 409. [14] – الأنفال : 72. [15] – نكثوا إيمانهم : أي نقضوا عهودهم . [16] – التوبة : 12. [17] – الأنفال : 58. [18] – البقرة : 190. [19] – عسيفًا : أجيرًا. [20] – ضِرعًا : أي ضعيفًا. [21] – النحل : 126- 127. [22] – عفيف طبارة : روح الدين الإسلامي ، ص 399- 400. [23] – الإنسان : 8-9. [24] – محمد : 4. [25] – عفيف طبارة : روح الدين الإسلامي ، ص 399- 400. [26] . البقرة : 282. [27] . السجدة: 5. [28] . حزام ماطر المطيري، “الإدارة الإسلامية: المنهج والممارسة”، ص 52
أضف تعليق