أواصل مراجعاتي على برنامج صحوة الرمضاني الذي قدمه الدكتور أحمد العرفج وضيفه الدائم المفكر الدكتور عدنان إبراهيم.
في خضم التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة، والتي تستهدف تقويض بنيانها جاءت إباحة المجمع الفقهي بمكة المكرّمة لزواج المسيار في دورته الثامنة عشرة التي عقدت في الفترة من 10- 14 ربيع الأول عام 1427ه، الموافق 8إلى 12 إبريل عام 2006 ضربة قاضية لكيان الأسرة في الإسلام.
هذا الزواج الذي عطَّل أحكام الزواج والطلاق والخُلع والتعدد في الإسلام، وقضى على النظام الأسري .
فلو أردنا تطبيق أحكام الزواج والطلاق والنفقة والخُلع والتعدد في الإسلام على هذا الزواج لا نجدها تنطبق عليه ، لأنَّه يفتقر إلى الأسس والشروط والأحكام التي بُنيتُ عليها تلك الأحكام التي وضعها الخالق جلّ شأنه ، ممَّا يؤكد على عدم مشروعيته ، للخلل الواضح في بنيانه، وفي عام 2010 صدر لي عن مكتبة العبيكان كتابًا بعنون “زواج المسيار” وتحت العنوان وضعتُ هذا التساؤل : هل تنطبق عليه أحكام الزواج والطلاق والخلع والتعدد والأسرة في الإسلام؟
وقد أجبتُ عن السؤال في طيات الكتاب، والسؤال ذاته أوجهه للمفكر الدكتور عدنان إبراهيم الذي استوقفتني مقولته عن زواج المسيار أنّه مستوفٍ لشروط صحة الزواج (شروط الانعقاد وشروط الصحة ، وشروط النفوذ، وشروط اللزوم) وأنّ الإشهار يتوفر فيه بوجود الولي وشهادة الشهود، طبقًا لرأي الجمهور
ومع احترامي وتقديري لرأي الدكتور عدنان إبراهيم ، استأذنه في بيان الآتي:
عند بحثنا لمعنى كلمة مسيار في معاجم اللغة لا نجد لها معنى سوى أنّ كلمة مسيار مشتقة من التسيار؛ أي كثرة السير، والمسيار كثير التسيار والسفر. وفي لسان العرب والمحيط أنّ التَّسيار هو من مصادر الفعل؛ سار يسير، تعبيرًا عن الكثرة، ومعنى كلمة مسيار حسب اللهجة المحلية لأهل الخليج العربي، تعني “المرور وعدم المكث الطويل”
وهذا المعنى الذي يحمله ” زواج المسيار” فمن معناه يُبيْن لنا عدم توفر شرط التأبيد الذي هو من شروط صحة العقد أي أن تكون صيغة الإيجاب والقبول مؤبدة غير مؤقتة، كما يفتقد هذا الزواج شرط الإشهار والإعلان إذا حدث تواطؤ بين الزوج والشهود على كتمان الزواج عن الناس ، أو عن جماعة وأهل منزل ، أو زوجة قديمة، وعند المالكية يدخل هذا في حكم زواج السر؛ إذا لم يكن الكتم خوفاً من ظالم، أو نحوه ،وحكمه أنَّه يجب فسخه إذا دخل بالمرأة [1].
وحالات زواج المسيار أغلبها تقوم على السرية والكتمان، وبالتالي نجد :
أولًا : أنّ زواج المسيار لا تتوفر فيه أركان وأحكام الزواج ، التي ألخصها في التالي:
1.الديمومة والإستمرار : فهو من اسمه الذي يعني المرور السريع وعدم المكث الطويل ، وقد يترك زوج المسيار زوجه ،ولا يعود إليها!!!!
2.الإشهار : فهو في هذا الزواج غير مستوفي الأركان لأنَه يقتصر على محيط البيت الذي تعيش فيه الزوجة فقط ، ويشترط الزوج عدم علم أحد من أهله بهذا الزواج ، ويحرِم على زوجته المسيارة الاتصال بأهله، فالزوج عندما يذهب إلى زوجته المسيارة يتلفت يُمنة ويُسرة قبل أن يدخل بيتها، وهذا ذاته يضع الزوجة في محط شبهة من جيرانها ، والأنكى أمام أولادها؛ إذ كيف سيكون وضعها أمام أولادها من زوج آخر، وهم يرون هذا الرجل الغريب الذي يدخل بيتهم ليقضي وطره مع أمهم، ثُم يخرج !!! وهذا يعني عدم توفر الشرط الثامن من شروط الزواج وهو عدم التواطؤ على الكتمان ، بالتالي يدخل في نطاق نكاح السر ، وهو محرم.
3.السكن والمودة والرحمة : يقوم الزواج في الإسلام على أركان ثلاث هي : السكن والمودة والرحمة ، ويوضح هذا قوله تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[2] ، وقوله تعالى ( لتسكنوا إليها) جاء للسكون القلبي ، ولم يقل جلَّ شأنه “لتسكنوا عندها” ، يٌقال : سكن عنده للسكون الجسماني ، لأنّ كلمة “عنده” جاءت لظرف المكان ، وذلك للأجسام ،وكلمة “إلى ” جاءت للغاية ، وهي القلوب، وزواج المسيار قائم السكن فيه السكون الجسماني ، وليس السكون القلبي ، فهو خال من السكن ،لأنَّ السكن لا يتوفر بالمرور السريع ، وإنَّما يتوفر بالمعاشرة والتآلف ، كما أنَّه خال من المودة والرحمة ، فأية مودة هذه ، وأية رحمة ؟ ، والزوج غير مسؤول عن زوجته ، وعمَّا يحل بها ، فإن مرضت لا تجده بجانبها ، وإن تعرَّضت لأي حادث ، أو إن فقدت عزيزاً لديها لا تجده بجانبها ، إنَّ الزواج ليس علاقة جنسية فقط ، وليس لقضاء الوطر فقط ، كما هو عند البهائم والحيوانات ، إنَّه عشرة وسكن ومودة ورحمة ، وحماية وحنان ودفء ، ولباس لكل منهما الآخر وكل هذا مفقود في زواج المسيار، فالله جل شأنه يقول : ( هُنَّ لباسٌ لكم وأنْتُمْ لِبَاسٌ لهنَّ ) فالزوجان ستر كل واحد منهما للآخر ، فهما من الناحية الجسدية ،ستر وصيانة ،وهما على الدَّوام ستر روحي ، فليس أحد ستر لأحد من الزوجييْن المتآلفيْن كل منهما يحرص على عِرض الآخر وماله ونفسه وأسراره أن ينكشف منها شيء فتنهبه الأفواه والعيون ، وهما كذلك وقاية تغني كلاً منهما عن المنافسة وأعمال السوء ، كما يقي الثوب لابسه من أذى الهاجرة والزمهرير . ومادامت العلاقة بينهما وثيقة إلى هذا الحد فقد وجب أن يلتقيا ليكون كل منهما لباساً لصاحبه يزينه ويكمله ، ويلتصق به للوقاية والستر ، وهذا المعنى مفقود أيضاً في زواج المسيار ، فهو لا يحقق الإحصان للزوجة لأنَّ الإحصان ليس في قضاء وطر الرجل وقتما يريد ، وإنَّما في الحماية والوقاية والمودة والرحمة، فزواج المسيار ما هو إلاَّ دعارة مقنعة تلبس لباس الشرعية، وهو مفتقد للرحمة، لأنَّه يستغل ظروف المرأة التي تضطرها قبول هذا الامتهان لأنَّها أرملة أو مطلقة تريد رعاية أولادها. وفات أصحاب الفضيلة العلماء الذين أباحوا زواج المسيار ، وذكروا هذا المبرر لقبول هذا النوع من الزواج أنَّ من أسباب إباحة الإسلام التعدد، هو الزواج بالأرامل والمطلّقات لرعايتهن ورعاية أولادهن ، والرسول صلى الله عليه وسلم تزوج من المطلقات والأرامل لهذه الغاية , وكذا أصحابه رضوان الله عليهم ،ولم يتزوجوهن زواجاً مسياراً للتنصل من رعاية أولادهن ، أين هي الرحمة التي يقوم عليها هذا الزواج؟
إنَّ استغلال ظروف الأرامل والمطلقات ، وطلب منهن التنازل عن أساسيات الحياة ، ما هو إلاَّ بخس للناس أشياءهم ، وقد نهى الله عن ذلك في قوله تعالى : (ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ)[3]
4.المسكن: من حق الزوجة على زوجها ، ومن شروط الزواج توفير المسكن للزوجة ،وإنْ تنازلت عن حق السكن ،فهذا تنازل عن مقتضيات العقد ،وإن كان الزوج ملزم يتوفير السكن لزوجه المطلقة وأولاده منها ( وأسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) فمن باب أولى أن يوفر لها المسكن ، وهي في ذمته، وليس كون الزوجة غنية ، أو موظفة تتنازل عن حقوقها في السكن والنفقة ، فالرجل مسؤول عن النفقة على زوجته حتى لو كانت غنية.
5.الإحصان: لا يتحقق للزوجة بقضاء وطر الزوج منها ، والزوج هو أصلاً محصن لأنَّه متزوج من زوجة أخرى ، ولكن زوجة المسيار تفتقر إلى الإحصان الذي قيل أنَّه أُبيح هذا الزواج من أجل تحقيقه .
6.النفقة القائمة عليها القوامة : فكيف تتنازل زوجة المسيار عن نفقة زوجها لها ، والزوج لا يتنازل عن قوامته ، وأحد شرطي القوامة الإنفاق ، يقول تعالى : ( الرِّجال قوَّامون على النِّساء بِمَا فضَّل اللهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) ، فالرجل في زواج المسيار لا يتحمل أعباء النفقة ولا مسؤولية رعاية الأسرة ، ولا اتفق مع الذين اعتبروا دفع زوج المسيار الصداق يعد إنفاق من ماله، ولهذا يستحق القوامة بمجرد الدخول قبل النفقة اليومية . فالصداق لا يعتبر نفقة ، لقوله تعالى : ( وَآتُوا النِّساء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) [4]والنِّحْلة ( بكسر النون وسكون الحاء ) في اللغة تعني العطاء الذي لا يقابله عوض ، فلفظ نحلة هنا يبيِّن لنا مدى حرص الإسلام على جعل المهر دليل المحبة والمودة والرحمة ، وليس ثمناً للاستمتاع ، وفي هذا غاية التكريم ، ولكن الذين اعتبروا المهر نفقة، اعتبروه ثمنًا للاستمتاع ، لأنّهم قرنوا النفقة بالاستماع ، كما سبق وأن بينّته في الجزء الأول من مراجعاتي على حلقة الزواج التي كانت عن ” تعريف الزواج” ، فالمهر هدية وهبة من الله ، ولا يدخل في نطاق الإنفاق بدليل أنَّ للمرأة نصف المهر إن مات زوجها ، ولم يدخل بها ، فبأي حق تقوم للرجل قوامة عليها ، وهو لا ينفق عليها ، و لا على أولادها ، بل ولا على أولاده منها إن أنجبت؟؟
وبأي حق يرثها ، وهو لم يكن مسؤولاً عنها في حياتها ،لا من حيث الإنفاق ولا الرعاية ولا توفير المسكن لها ؟؟
ثُمَّ أنَّ هذا الزواج سوف يلزم المرأة بالعمل حتى لو لم تكن قادرة على العمل ،لأنَّها ملزمة بنفسها وأولادها.
ولقد غاب عن فقهائنا أنَّ الرجل ملزم بالنفقة على المطلقة طوال فترة العدة ، ومكلف بالنفقة عليها طوال فترة حملها إن طلقها وهي حامل ، وملزم أيضاً بالنفقة عليها طوال فترة رضاعها لابنه إن كانت ترضعه ، وعليه أيضاً أن يعطيها أجر الرضاعة ، فكيف إن كانت في ذمته؟؟؟؟
7.الإنجاب : وهو أحد ثمار الزواج المادية ، ومن أهم غايات الزواج ،وذلك للتناسل والحفاظ على النوع البشري من الانقراض ، يقول تعالى : ( واللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لكم مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِين وَحَفَدة وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطيِّبَات)[5] ، وبه يتحقق معنى قوله تعالى : (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ )
فالغاية من الزواج هي التناسل ، ويستعير له من النبات صورة الحرث والإنبات ، فالاتفاق على عدم الإنجاب يتنافى مع غاية الإسلام من الزواج ، وللأسف الشديد أنَّ المجمع الفقهي تجاهل تماماً هذا الجانب الذي يكون أحد أهم شروط زوج المسيار، وإذا حملت الزوجة يُذِلُّها زوجها، وقد حدث مثل هذه الحالات في مجتمعنا السعودي ، وقد يلزمها بقذف رضيعها عند أبواب أحد المساجد ، أو دور الأيتام !!!
ومن يدري فقد يكون من اللقطاء الموجودين في دور الأيتام من ضحايا زواج المسيار؟؟
8.العدل بين الأولاد إن وجدوا، أي إن وجد أطفال نتيجة هذا الزواج ، فالعدل لا يتحقق لهم بينهم وبين أخوانهم من زوجة أبيهم ، فأب المسيار لا يكون مسؤولاً عن رعايتهم وتربيتهم والإنفاق عليهم ، في وقت يكون مسؤولاً عن تربية ورعاية أولاده من زوجه المتزوجة زواجاً عادياً ، وفي هذا ظلم لهؤلاء الأولاد ، والإسلام نهى عن التفرقة بين الأولاد ولو بقبلة واحدة ،وإن كان للمرأة الحق في التنازل عن حقوقها ،فليس من حقها أن تتنازل عن حقوق أولادها ، كما أنَّ هذا الزواج سيوجد لدينا عائلة الوالد المنفرد الموجودة الآن في أوروبا وأمريكا المقتصرة على الأم التي ترعى أولادها ، والناتجة عن العلاقات غير الشرعية، بل نجد أنَّ الأولاد الذين يأتون من العشيقة والصديقة بدون زواج شرعي يكون الأب مسؤول عن نفقة أولاده ، ويكون مسؤولاً عن توفير السكن والنفقة لأمهم ولهم بعكس زواج المسيار الذي لا يلزم الأب بالنفقة والإسكان والرعاية ، كما أنَّ أولاد المسيار سيحرمون من حقهم في الميراث من أبيهم ، لأنَّ أسماءهم وأسماء أمهاتهم لن تكون مدرجة في بطاقة أحوال الأب ، وقد يتحايل أولاد الزوجة الأولى ، ويثبتون عدم بنوة هؤلاء الأولاد لأبيهم ، وعدم زواج أم أولئك الأولاد بأبيهم خاصة وأنَّ الجدّان والأعمام والعمات لا يعرفون شيئاً عن هؤلاء الأولاد؟
9.صلة الرحم بأهل الزوجين : هذا الجانب مفتقد تماماً في زواج المسيار ، فزوجة المسيار محرم عليها التعرف على أهل زوجها ، أو الاتصال بهم ، وكذا أولاد المسيار ، فهم يُحرمون من جدهم ، وجدتهم لأبيهم ،وأعمامهم وعماتهم ، ولا يتم التعارف والتزاور بين أهل زوج المسيار ، وأهل زوجة المسيار ، حتى زوج المسيار لا يكون هناك تواصل بينه وبين أهل زوجته ، فهو إن كان يدخل بيت زوجته كاللص يتلفت يمنة ويُسرة لئلاَّ يراه أحد ، فكيف سوف يوصل أهل زوجته؟؟؟
10.صيانة سمعة الزوجة أمام أولادها إن كان لها أولاد ، وأمام جيرانها المحيطين بها : بلا شك هذا الزواج يضع الزوجة في وضع في امتهان واحتقار لها ، فينظر لها أنَّها امرأة فراش ، وقد يترك هذا النوع من الزواج أثر سلبي على الأولاد بنين وبنات ، وقد لا يفرقون بينه وبين الدعارة ، فالبنات قد يمارسن الدعارة ، مادامت أمهن قد رضيت لنفسها أن تكون امرأة لرجل لا يريدها إلاَّ لقضاء وطره منها فقط!!
ألم يفكر أصحاب الفضيلة العلماء الذين أباحوا المسيار على إحداث مثل هذا الأثر على أولاد زوجة المسيار؟؟؟
وقد لا يعلم الجيران بأنَّها متزوجة زواج مسيار لأنَّ الزوج لا يريد أن يعرف أحد بزواجه منها ، ويظنون بها الظنون …
11.يفتقر إلى المحافظة على كرامة المرأة ،فهو يمتهن المرأة الامتهان كله ،وينظر إليها انَّها خلقت لمتعة الرجل فقط ،وهذا يتنافى مع قوله تعالى : ( ولقد كرَّمنا بني آدم)،ومع قوله صلى الله عليه وسلم (خياركم خياركم لأهله ..) وقوله ( استوصوا بالنساء خيراً ) [6]
وهكذا يتضح لنا كيف أنَّ زواج المسيار عطَّل الكثير من أحكام وأركان الزواج،
ثانيًا : لا تنطبق عليه أحكام الطلاق، فهو يفتقر إلى الآتي :
1.بقاء المطلقة الرجعية في بيت الزوجية بعد وقوع الطلاق لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرًا، يقول تعالى في الآية الأولى من سورة الطلاق : ( يا أيُّها النَّبيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النٍَّساءَ فَطَلَّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وأَحْصُوا العِدَّة واتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ ومنْ يتِعدَّ حُدُودَ اللهِ فقد ظَلَمَ نفْسَه لا تَدْري لعلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْراً)
وهنا أسأل أصحاب الفضيلة العلماء الذين أباحوا زواج المسيار هل إذا وقع طلاق في زواج المسيار تنطبق عليه أحكام هذه الآية ؟
إذا كانت الزوجة مقيمة في بيتها وليست في بيت زوجها ، كيف سيتحقق الهدف من إبقاء الزوجة في بيتها عند وقوع الطلاق وهو ما جاء في قوله تعالى : ( لا تدري لعلَّ الله يُحدث بعد ذلك أمراً)؟
وهو أن يزول ما بينهما من تباعد وتتصافى القلوب ، وتعود المياه إلى مجاريها ، ثمَّ أنّ الله جل شأنه اعتبر إبقاء الزوجة في بيت الزوجية بعد وقوع الطلاق ، وعدم إخراجها منه حد من حدود الله ، ومن يتعد على حدود الله فقد ظلم نفسه.
2.النفقة : كما نعرف فإن أحكام نفقة المتعة ، والنفقة على المطلقة وعلى أولادها الواردة في آيات قرآنية قطعية الدلالة لا تنطبق على مطلقة المسيار وأولادها لأنَّه زواج قائم على عدم الإنفاق من قبل الزوج.
3.أحكام الحضانة لا تنطبق على أولاد المسيار ،لأنَّ الأب متخل تماماً عنهم نفقة ورعاية وحضانة وتربية.
وهكذا نجد زواج المسيار قد عطَل أحكام الطلاق والنفقة والحضانة التي وضعها الخالق جل شأنه حفاظاً على حقوق الزوجة الطليقة وأولادها. [7]
ثالثًا: عطّل أحكام الخلع
1.إن أرادت زوجة المسيار مخالعة زوجها المسيار ،هل تنطبق أحكام الخُلع على هذا الزواج؟
فالخُلع مأخوذ من قوله تعالى : ( هُنَّ لباسٌ لكُمْ وأنتم لباسٌ لهُنَّ) ، ولا يتحقق هذا المعنى في زواج المسيار .
2.إن كان زواج المسيار لم يتم فيه دفع مهر، فعلى أي مبلغ تخالعه ؟ والمفروض عند المخالعة أن تدفع جزءاً من المهر ،أو المهر كله ، لما جاء في حديث زوجة قيس بن ثابت.
3.إن خافت الزوجة عدم القيام بواجبات الزوجية فتخالع الزوج ، لقوله تعالى :
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[8] فأية واجبات زوجية التي تخشى زوجة المسيار من عدم قيامها بها ، وهي ليست عليها أية واجبات إلاَّ إذا طلبها للفراش؟؟؟
- وأحكام الخُلع في حضانة الأولاد لا تنطبق على زواج المسيار ، لأنَّ أب المسيار غير مسؤول عن هؤلاء الأولاد نفقة ، ورعاية ،وتأمين السكن لهم.
وهكذا نجد أنَّ زواج المسيار قد عطَّل أحكام الخُلع ، ومن المتناقضات الغريبة أنَّ المجمع الفقهي في نفس دورته التي أباح فيها زواج المسيار أعطى للمرأة حق الخُلع!!!
رابعًا: لا تنطبق عليه أحكام التعدد ؛ إذ يفتقر إلى :
1.المبيت: من شروط التعدد العدل بين الزوجات في المبيت والسكن والنفقة ،وإن خاف من عدم تمكنه من تحقيق العدل فلا يقدم عليه ،ويوضح هذا قوله تعالى : ( فإنْ خِفْتُمْ ألاَّ تعْدِلُوا فَوَاحِدة)،ثُمَّ يقول : ( ولنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا)،وإن قاس أصحاب الفضيلة العلماء تنازل أم المؤمنين السيدة “سودة بنت زمعة” عن ليلتها للسيدة عائشة رضي الله عنها ، أنَّ للزوج التنازل عن حقها في المبيت ، فهو قياس خاطئ ،لأنَّ زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيدة سودة كان زواجاً عادياً ، ولم يشترط عليها التنازل، وكانت أكبر سناً منه عليه الصلاة والسلام ، فهي عندما تنازلت عن ليلتها ، فقد كانت كبيرة السن، والرسول صلى الله عليه وسلم قد تزوجها شفقة بها ، ولأنَّها أرملة ومسنة ، وسيدة مسنة عندما تتنازل عن حقها في المبيت العلاقة الجنسية لا تعني عندها ضرورة تلبي رغبات الجسد مثل سيدة في الثلاثين ، أو في أوائل الأربعين ، وزوجة المسيار في الغالب تكون في هذه السن فكيف يتحقق لها الإحصان ،ويُطلب منها التنازل عن ليليتها. وهي في سن الثلاثين وما بعدها؟
فقياس أصحاب الفضيلة العلماء تنازل أم المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنها عن ليليتها للسيدة عائشة، قياس ليس في محله.
- العدل بين الزوجات في السكن والنفقة . وهو من شرط التعدد، مفتقد تماماً.
وهكذا نجد أنَّ زواج المسيار قد عطّل شروط التعدد وأحكامه التي وضعها الخالق جل شأنه.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما مستقبل الأسرة في زواج المسيار؟
للأسف الشديد إنَ زواج المسيار لا يتوفر فيه نظام أسري ، وليس فيه كيان أسري البتة، للأسباب التالية :
1.قيامه على تحقيق هدف واحد فقط لا غير، وهو قضاء وطر الرجل متى شاء بشرط عدم الإنجاب، وهذا لأنّ جمهور الفقهاء نظروا إلى الزواج أنّه عقد شرعي لاستمتاع الرجل بالمرأة غير المحرّمة عليه بنسب أو صهر ، أو رضاع.
2.وإن كان هناك إنجاب ، فأب المسيار لا يكون ملزماً بالنفقة على أولاده من هذا الزواج.
3.من أسباب اشتراط الزوج على المرأة أن يكون زواجه بها مسيار هو أنَ لها أولادًا من زوج سابق ، في الغالب يكون متوفيًا، وهو لا يريد أن يتكفل برعايتهم والإنفاق عليهم، أو لديها والدين كبيريْن في حاجة إلى رعايتها ، والزوج لا يريد أن تتولى زوجه رعاية والديها ، وإن أرادت فليكن زواجه بها مسيار، وهذا يكشف لنا جانب مهم في شخصية الرجل الذي يقدم على هذا الزواج، ويقبله على نفسه، وهي الأنانية المفرطة، وحب الذات، وانعدام النخوة والرجولة والشهامة، واعتبار الزوجة خلقت لخدمته وخدمة أهله ومتعته فقط ، فهو إن كان له أولاد من زوجة سابقة يلزم زوجه برعايتهم ، وإن كانت أمه أو أبوه ، أو كلاهما في حاجة إلى رعاية، فهو في أحايين كثيرة يسكنهما في بيته ، ويلزم زوجه بخدمتهما، في حين هو يتنصل عن رعاية والدي الزوجة إن كانا في نفس ظروف والديه، بل لا يريدها أن ترعاهما إلاَ بشرط أن يكون زواجه بها مسيار، وهو غير ملزم بنفقتها، وتوفير السكن لها، وغير ملزم بالمبيت معها ، ولا يشهر زواجه بها، وقد لا يوثقه، وقد لا يدفع لها مهراً!!!
4.لا يوجد أب يرعى الأولاد، والرعاية والنفقة، وكل مستلزمات الحياة على الأم، أي أولاد المسيار أيتام رغم وجود الأب على قيد الحياة، وأوجد أسرة الوالد المنفرد الموجود في الغرب نتيجة العلاقات غير الشرعية!!!
5.لا توجد صلات وروابط بين الإخوة من زواج المسيار بالإخوة من الزواج العادي ،لأنَه محرَم عليهم الاتصال بهم، ولا توجد أيضاً صلات وروابط بين أولاد المسيار وأهل أبيهم.
6.أولاد المسيار محرومون من حنان ورعاية الأب وحمايته، وتوجيهه، بينما يتمتع بهذه الحقوق إخوتهم من الزوجة المتزوجة زواجاً عادياً .
كل هذا سيؤثر فيهم، وقد ينشأون ناقمين على الدين الإسلامي الذي أُبيح باسمه للأب أن يظلم أولاده ، كما سينقمون على المجتمع الذي أقر هذا الزواج ، وسيكونون ناقمين على آبائهم الذيْن من أجل إرضاء شهواتهم ظلموهم هذا الظلم.
وأخيرًا أقول :
إنَّ استئثار الرجال بالفتوى على مدى قرون عدة، ومن ثم استئثاره بعضوية المجامع الفقهية أدى إلى إصدار فتاوى هي في الغالب لمصلحة الرجل على حساب المرأة، وآخرها إصدار المجمع الفقهي بمكة المكرّمة فتوى تبيح زواج المسيّار في دورته الثامنة عشرة التي عقدت في الفترة من 10- 14 ربيع الأول عام 1427ه، الموافق 8إلى 12 إبريل عام 2006م بعد إصداره فتوى تُحرِّمه في دورته التي عقدت عام 1422هـ!
وهو زواج مستحدث لا يستوفي شروط وأركان الزواج. والمفروض عند إصدار أي فتوى خاصة إن كانت صادرة من مجمع فقهي أن يتم دراسة أبعاد الموضوع المطروح من كل الجوانب، وأن تشارك جميع الأطراف التي لها علاقة به، وأن يبحثه الخبراء المختصون، ويناقشونه مع الفقهاء، وعندما يطرح موضوع “زواج “، فهناك شريكان فيه، هما “رجل وامرأة”، ولكن المجمع الفقهي بمكة المكرّمة اكتفى بسماع رؤية الرجل، ولم يسمع إلى الشريك الآخر في القضية، وهي المرأة. والبحوث التي قدمت عن زواج المسيار، ونوقشت في المجمع هي بحوث تقدم بها علماء رجال، ولم نجد عالمة وفقيهة طلب منها تقديم دراسة فقهية عن زواج المسيار، والحضور لمناقشته مع أعضاء المجمع، وعندما قلتُ هذا القول للدكتور محمد النجيمي في أحد البرامج التلفزيونية ، قال لي سألنا بعض النساء ، فقلتُ له : لقد أشركتكم من يوافقنكم الرأي بإباحة المسيار لأنّهن ممن يرددن أقوال الفقهاء التي درسنها وحفظنها، ولم يعملن عقولهن في التدقيق والتمحيص فيها لمعرفة مدى موافقتها للكتاب والسنة الصحيحة.
كما لم نجد المجمع الفقهي طلب من اختصاصيين واختصاصيات في علم الاجتماع تقديم دراسات عن زواج المسيار، وآثاره في الكيان الأسري، وفي المجتمع، ومدى انعكاسه على الأولاد سواء كانوا أولاد مسيار، أو أولاد زوجة المسيار من زوج سابق؟
لم يطلب بحثاً لدراسة الأسباب التي دفعت المرأة للقبول بأن تكون زوجة مسيار، ومردود هذا الزواج عليها، وقد قبلت أن تتنازل عن حقوقها في الإشهار، وفي المسكن والنفقة والمبيت. الزوجة التي قبلت أن تكون امرأة للفراش فقط، ليقضي منها وطره من تزوجته زواجًا مسيارًا، تلك الزوجة التي قبلت أن يكون زواجها من زوجها سراً لا يعلمه أحد من أهله، ولا أحد من معارفها وصديقاتها، ولا يوضع اسمها، واسم أولادها منه، في حالة قبوله الإنجاب منه في بطاقة العائلة، وقد تأتي أعياد، لا يوجد الزوج معها لأنّه سافر مع زوجه الأولى وأولاده منها، أو أنّه يسافر في عطلة الصيف مع زوجه الأولى، ولا يحق لها أن تطالبه بالسفر معه، فكيف يكون شعورها بالظلم والقهر لعدم العدل بينها وبين زوجه الأولى؟ وما موقفها أمام أولادها، هي تستقبل رجلًا في غرفة نومها ساعة أو ساعتين في اليوم، أو الأسبوع ليقضي وطره منها، ثم يخرج؟
وما شعورها إن مرضت أو مرض أحد أولادها في منتصف الليل، ولا تجد زوجها الى جانبها، ولا تستطيع أن تطلبه لينقلها هي أو طفلها إلى المستشفى؟
أمور كثيرة لابد من طرحها، ومناقشتها من كل الجوانب قبل إباحة زواج جعل من الزواج زواجاً لمتعة الرجل الجنسية فقط، كزواج عالم الحيوان، وليس عالم بني آدم، زواج يؤكد أنّ الرجل ينظر الى المرأة، أنّها جسد خلق لمتعته فقط.
إنّ زواج المسيار زواج بدعي مستحدث، ظهر قبل عقدين، أحدثه بعض الرجال الممتهنين للمرأة والمستغلين ضعفها وظروفها، وجهلها بحقوقها، وعدم قدرتها على المطالبة بأي حق لها إن علمت به، فهي ترّبت على التنازل عن حقوقها، والخطاب الديني رباها على أنّ عليها واجبات تجاه الرجل، ولكن ليس لها حقوق عنده، وربى الرجل على أنّ له حقوقاً عند المرأة، وليس عليه واجبات تجاهها، فهو يطالبها في زواج المسيار بأن تتنازل عن حق النفقة، ولكن في أحيان كثيرة لا يتنازل هو عن القوامة، مع أنّ القوامة مشروطة بالنفقة، وتوضح هذا الآية الكريمة: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)ّ، ولا يعتبر المهر جزءاً من النفقة، لأنّ المهر هدية وهبة من الله للمرأة يوضح ذلك قوله تعالى: “وآتوا النساء صدُقاتهن نِحْلة)، والنحلة في اللغة الهبة والعطية، والنفقة واجبة على الزوج حتى لو كانت المرأة غنية، وإن كان الرجل ملزماً بالنفقة على المطلقة طوال عدتها، وإن كانت حاملاً إلى أن تضع حملها، بل هو مكلف بالنفقة عليها طوال فترة الرضاع إن كانت ترضع وليدها، وعليه أن يدفع لها أجرة الرضاع. كما عليه أن يوفر لها السكن هي وأولادها ما دام أولاده عندها يوضح هذا قوله تعالى: “وأسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم”، فكيف يقوم زواج على التنازل عن هذه الحقوق؟
وكما سبق بيانه فإنّه يفتقر إلى أحكام الزواج والطلاق والخلع والتعدد والأسرة في الإسلام.
إنّه كزواج المحلل ظاهره صحيح، لأنَه يتم بعقد بولي وشاهدين وباطنه فاسد، فهو لا يقوم على الأسس والأركان التي يقوم عليها الزواج في الإسلام لبناء أسرة قويمة، صحيحة البنيان، فهو كما رأينا يفتقر إلى الإشهار والديمومة والاستمرار، والسكن والمودة والرحمة والمبيت والنفقة والسكن، والإحصان، والعدل بين الزوجات وبين الأولاد، كما يفتقر إلى الإنجاب في أحوال كثيرة، إضافة إلى كل ذلك، فهو يفتقر إلى صلة الرحم بالإخوة ،وبأهل الزوجين، وصيانة سمعة الزوجة أمام أولادها وجيرانها، ومعارفها، والحفاظ على كرامة المرأة وحقوقها.
فهل بعد كل هذا نقول إنّ زواج المسيار مباح لأنّه مستوفي شروط عقد الزواج؟
أرجو من المفكر الدكتور عدنان إبراهيم أن يعيد النظر في حكم إباحة زواج المسيار.، وأن لا يقصر نظرته على استيفاء شروط العقد ، وإغفال تحقيق المقاصد من الزواج التي افتقرها هذا الزواج ، وما هو على شاكلته.
وأكرر توصياتي في كتابي ” زواج المسيار”
1.دعوة المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي إعادة النظر في فتوى إباحته لزواج المسيار وزواج الفرند لمنافاتهما شروط وأركان الزواج ،ولتعطيلهما لأحكام الزواج والطلاق والخُلع والتعدد ،ولقضائهما على كيان الأسرة ،وخطورتهما على مستقبل الأولاد والأجيال القادمة .
2.أن تقدم دراسات ميدانية للمجمع الفقهي بمكة المكرمة ،ولجميع المجامع الفقهية في عالمنا الإسلامي توضح آثار زواج المسيار على تربية الأولاد وأخلاقياتهم ،وعلى الكيان الأسري ، ومدى تماسك الأسرة.
3.أن تضم المجامع الفقهية إلى عضويتها نساء عالمات وفقيهات في الشريعة الإسلامية ،وعالمات في القانون وعلم النفس ، وعلم الاجتماع ، والتاريخ والطب والاقتصاد والإعلام ، وسائر التخصصات العلمية ،لأنَّ الفتوي تتطلب مناقشة أهل العلم والخبرة في القضية المطروحة للفتوى قبل الإفتاء بها ، كما أنَّ الفتوى في حاجة إلى معرفة الطرف الآخر الشريك في موضوع الفتوى للتكامل النظرة لها ، ولا يتحقق ذلك إلاَّ بمشاركة المرأة إلى جانب شقيقها الرجل.
[1] . الشرح الكبير مع الدسوقي ،2/236-237. [2] . الروم : 21. [3] . الأعراف : 85. [4] . النساء : 4. [5] . النحل : 76. [6] .د. سهيلة زين العابدين حمّاد: زواج المسيار، الطبعة الأولى 2010، مكتبة العبيكان، الرياض- المملكة العربية السعودية. [7] . المرجع السابق. [8] . البقرة: 229.
السلام عليكم.
أتابع مقالاتك باهتمام كبير،سيدتي ، و كلما قرأت مقالا ،لا أملك الا أن أرفع قبعتي احتراما لكلامك.
على الارجح ،أمتنا و مجتمعاتنا ،لا تقبل الرأي و الرأي الاخر، و هي أمة عصية على التغيير بشكل كبير(إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ )…هذا ان تحدثنا عن عصبية لمذهب أو فريق….أما عن المرأة ؟؟؟؟؟فحدث و لا حرج.
أمة دأبت على وأد بناتها في الجاهلية، ثم لما حرم الدين وأدها، وئدت بالحياة،كيف لا ،و هي التي تعيش حبية الجدران مذ أن تولد، سجن مدى الحياة،مؤبد بلا ذنب أو جريرة الا أنها ولدت أنثى..ثم يسومونها سوء المعاملة و سوء العذاب،وحتى نيتها فهي ناقصة على الدوام،فهي محل الفتنة و الشر الذي لابد منه،و لذلك لا بد من اخفاءه في أبعد مكان، و كتم صوته، و مع كل هذا الشر في المرأة،فهي كائن مستباح،نستمتع به،و ننجب الأولاد،و نستبدله…و هكذا.
نهضتنا بحاجة الى امرأة ،و لن يخبر أي رجل ما تكابده المرأة ، العبيد حررهم جورج واشنطن و ليس ابن جرير أو الطبري أو حتى صلاح الدين…..و كما لايمكن الا للمرأة أن تلد انسانا جديدا،و تخرجه الى الحياة، فليس لمثل هذه النهضة و الهبة الانسانية الا امرأة.
فكرنا العابث ،و تاريخنا المزور بحاجة اليك و الى أمثالك..و بارك الله في دكتورنا الفاضل.لكنه يبقى رجلا ، و نهضتنا تحتاج الى الرجال أكيد، لكن تحتاج الى الشطر الاخر لاكتمال المعادلة الانسانية،و الا ستبقى معادلة الاستخلاف بلا حل.