برنامج صحوة من أهم البرامج الدينية التلفزيونية المقدمة في رمضان هذا العام، وقد حرصتُ على مشاهدته، لأنّه يهدف في مضمونه إلى بعث صحوة فكرية لفهم صحيح الإسلام الذي اختطف منا لغلبة الموروثات الفكرية والثقافية الجاهلية التي فُسّر بموجبها كثيرًا من الآيات القرآنية وبُنيت عليها أحكام فقهية، ونجم عنه ما عليه الدول العربية الآن من تناحر وقتال وتفجير فيما بيننا، وتكفير بعضنا البعض،وقسم من شبابنا كان ولا يزال قودًا لهذه التناحرات والتفجيرات، بينما صار قسم آخر منهم كافرًا بالله وملحدٍا، ومع هذا نجد من يُحارب أية محاولة للتصحيح، ومنها الضغوط الممارسة على هذا البرنامج، والمطالبة بإيقافه، وهذه كبرى الإشكاليات التي تواجه ناقدي الخطاب الديني المُنجز من قبل البشر لمخالفته الخطاب الإلهي المُنزّل، فالمعارضون يُفضِّلون بقاء الخطاب الديني المنجز على حاله لأنّه يوافق أهواءهم، ونتيجة لتلك الضغوط افتقد البرنامج الجرأة المطلوبة في المواجهة عند طرح بعض القضايا؛ إذ وجدتُ ضيف البرنامج الدائم المفكر الدكتور العلّامة عدنان إبراهيم متحفظًا في إجاباته عن أسئلة معد ومقدم البرنامج الإعلامي المهذّب الدكتور أحمد العرفج، كما تبيّن لي أنّ الدكتور عدنان قد خرج عن هدف البرنامج في بعض ما طرحه من خلال إقراره لبعض الأحكام والقضايا التي تحتاج إلى تصحيح من ذلك ما جاء في حلقة” فوضى الوعظ، فمع احترامي وتقديري للمفكر الفقيه الدكتور عدنان إبراهيم، فأنا لا أتفق معه في الآتي:
أولًا: قوله إنّ للزوج إرجاع مطلقته بدون علمها ورضاها وهذا يخالف قوله تعالى : (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[البقرة : 230]
فالله جل شأنه لم يعط للزوج حق إرجاع مطلقته الرجعية بدون علمها ورضاها، وهذا واضح من سياق الآية التي جاء بصيغة المثنى(أي الزوجين)بينما نجده جاء بصيغة المفرد في كلمة(طلّقها)لأنّ الذي طلّق الزوج، ولكن عند الإرجاع جاءت الصياغة بالمثنى لتشمل الزوج والزوجة، ولكنّ فقهاءنا كعادتهم أعطوا للزوج حقًا ليس له على حساب الزوجة. فقالوا للزوج يرجع زوجته المطلقة طلاقًا رجعيًا بدون علمها ورضاها، مخالفين بذلك الآية الكريمة مخالفة صريحة. مع أنّ الله جل شأنه أكد في نهاية الآية على أنّْ موافقة الطرفيْن من حدود الله(يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ولكن كما يبدو نحن قوم لا يعلمون!
فإعطاء الزوج حق إرجاع زوجته الرجعية بدون علمها ورضاها من أخطاء الفقهاء المخالفة للقرآن ، فكيف يردد الدكتور عدنان هذا الخطأ؟
ثانيًا : إقراره لما يُسمى بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم بعرضه رواية موضوعة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه مر بمسجد فوجد رجلًا يقص، فقال له:” أتعرف الناسخ من المنسوخ؟” قال:” لا”
قال:” أتعرف المحكم والمتشابه؟” قال: :”لا” ، قال:” أتعرف الزاجر الآمر؟” قال: “لا”، فأخذ بيده فرفعها وقال:” أيّها الناس هذا يقول أعرفوني أعرفوني ” وفي رواية أخرى قال لقاصٍ آخر :”هلكت وأهلكت.”
وقلت رواية موضوعة لأنّ:
1 – لا يوجد ناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم، فقد أخطأ بعض المفسِّرين في فهم آية:(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)[البقرة: 106] وخطأهم دفعهم إلى تجرؤهم على كلام الله، وشرعه بإيجاد ما أسموه بالناسخ والمنسوخ ليوافق المعنى الذي فهموه، أو أرادوا فهمه، وأخضعوا الناسخ والمنسوخ لما يريدونه، فألغوا منه ما يريدون إلغاؤه من أحكام، مع أنّه لم يرد نص أو تصريح من الرسول صلى الله عليه وسلم بنسخ آية من القرآن الكريم، فقد حصروا فهمهم للآية على القرآن الكريم، وفاتهم أنّ المقصود شريعة موسى بنسخ آيات منها طبق الأصل، أو انسائها بخير منها؛ إذ نجدهم خرجوا عن معنى النسخ اللغوي، فجعلوا النسخ في القرآن أربعة:
نسخ التلاوة والحكم معًا، وما نسخ حكمه، وبقيت تلاوته، وما نُسخت تلاوته وبقي حكمه ،وما نسخته السنة!
وبأقوالهم هذه تلاعبوا بالقرآن الكريم، وصوّروا الخالق بأنّه متردد في أحكامه وتشريعاته، وأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم يُعدّل عليه، ويُلغي أحكامه، وهم بهذا ألغوا أزلية كتابة القرآن كاملًا في اللوح المحفوظ، وأنّه من عند الله، وهذا ما يقوله الملحدون؛ إذ أوجد المفسرون والقائلين بالناسخ والمنسوخ مبررًا يُساعد من يسعوْن إلى دفع شباب الإسلام إلى الإرهاب، أو الإلحاد إلى الإيقاع بهم في هذيْن المستنقعيْن، والحقيقة التي ينبغي أن يدركها الجميع أنّه لا وجود لناسخ ومنسوخ في القران الكريم، والذي يقول به غير مؤمن بكامل ما جاء في القرآن الكريم، تلاوة وحكمًا، وينطبق عليه قوله تعالى:(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)[البقرة: 85]
2 – ما سمي ب” النّاسخ والمنسوخ في القرآن الكريم” تأسس في أوائل القرن الثاني الهجري، وقبل بداية هذا القرن لم يكن للناسخ والمنسوخ أي وجود، فقد ظهر على الساحة الإسلامية مع ظهور الحركات والمذاهب الإسلامية المختلفة التي حاول أصحابها من خلال القول بالناسخ والمنسوخ في القرآن أن يدعموا أفكارهم ومعتقداتهم وآراءهم التي قد تختلف في بعض الأحيان، أو تتعارض مع الشريعة الإسلامية والآيات الصريحة في القرآن، وذلك بالقول: إنّها نسخت بآيات أخرى قد يكون بعضها ثابتاً ومدوناً في القرآن، أو لا وجود لها، فزعم أصحاب هذه المذاهب والمدارس الفكرية أنّ هناك آيات منسوخة غير مثبتة بالقرآن، ولكن العمل بها ساريا وهى جزء من الشريعة الإسلامية كآية الرجم، وابتدعوا لذلك أحاديث وروايات.
وهذا ادعاء خطير، وأمر جلل فتح المجال للكثير من هذه المدارس لتأسيس معتقدات وأحكام مخالفة تماماً لأحكام القرآن الكريم الواضحة. ومن ثم ظهرت أحكام فقهية معارضة ومناقضة لأحكام القرآن الكريم.
3.ما بنى علماء الناسخ والمنسوخ علمهم عليه باطل؛ إذ أسندوا ذلك إلى بعض الصحابة رضوان الله عليهم، فإن كان لم يرد عن الرسولr نص أو تصريح بنسخ آية، فكيف علم الصحابة بها، والرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ؟
ولذا نجدهم اختلفوا في الآيات الناسخة والمنسوخة، وفي عددها، فمنهم مَن قال إنّ عدد الآيات المنسوخة(293)آية، ومنهم قال(247)،ومنهم قال(218)،ومنهم قال(214)، ومنهم قال(213)،ومنهم قال(210)، ومنهم قال (200)وبعضهم قال(134)، وغيرهم قال(66)، وهناك من قال 22)، وغيرهم قال(20)[انظر: كتاب الآيات المنسوخة في القرآن الكريم للدكتور عبد الله بن محمد الأمين الشنقيطي] وهذا الاختلاف دليل على عدم وجودعلم باسم “الناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم، فالعلم ثابت يقيني وليس بظني، والنّاسخ والمنسوخ، كما هو واضح مبني على ظنون وروايات لا صحة لها نُسب بعضها إلى بعض الصحابة، والقرآن الكريم يقيني وكل آراء القائلين بالناسخ والمنسوخ ظنية مبنية على أقوال بعضهم البعض، وربط بعضها بأحداث تاريخية معينة، أو بأسباب النزول التي اختلفوا فيها أيضًا، أو لتحقيق أهداف سياسية، والعقائد لا تُبنى على ظنون، وما ثبت بيقين لا يبطل بظنون” والقرآن يقين كما نتفق جميعاً كمسلمين، ونعلم أنّ الله قد تعهد بحفظه، ومكتوب منذ الأذل في اللوح المحفوظ، فنزول آيات القرآن مثبتة في اللوح المحفوظ، والقول بنسخها وإزالتها من القرآن المتلو، ينفي هذه الأبدية للوح المحفوظ، ويجعلها فرضية وهمية،وهذا ما يقوله” الملحدون”، وهذا أحد مكامن خطورة القول بالناسخ والمنسوخ أي ببطلان أحكام بعض آيات القرآن؛ إذ يثير الشكوك في صحة القرآن الكريم، وأنّه من عند الله، وكان من أسباب إلحاد بعض شباب الإسلام؛ إذ وجدوا أنّ قضية الناسخ والمنسوخ تتصادم مع آية(وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)[النساء: 82]والكم من الآيات التي يقولون طالها النسخ والتغيير والتبديل والزيادة والنقص، وتحويل الحرام حلالًا، والحلال حرامًا تُثبت أنّ في القرآن اختلافاً كثيراً، ممّا جعل الملحدين يقولون:” إنّ القرآن بهذا قد حكم على نفسه بأنّه ليس من عند الله”(تعالى الله عمها يصفون)، ولأنّ النسخ- كما يقول الإمام محمد أبو زهرة – يقتضي أن تكون آيتان في القرآن موضعهما واحد، إحداهما مثبتة والأخرى نافية، ولا يمكن الجمع بين النفي والإثبات، وما ادّعى النسخ فيه التوفيق بينهما سهل ممكن، وما أمكن التوفيق فلا نسخ، وقد اشتركنا في كتابة التفسير مع بعض العلماء، ولم نجد آيتيْن متعارضتيْن، ثمّ يمكن التوفيق بينهما، وقد طُبع ذلك التفسير، وسمي ب” المنتخب” طبعته إحدى الجامعات الإسلامية.[الإمام محمد أبو زهرة: تمهيد زهرة التفاسير: ص 41]
هذا وممّا يجدر ذكره أنّ الإمام أبي زهرة ينفي وجود ناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم .[انظر تمهيد زهرة التفاسير، ص 40، 41]
إلّا أنّنا نجد الملحدين حكموا على القرآن الكريم من خلال ما ورد عن النّاسخ والمنسوخ، أي أنّهم لم يٌعملوا عقولهم في البحث عن الحقيقة، وكل أحكامهم على القرآن الكريم خاصة، والإسلام عامة مبنية على أقوال العلماء والمفسرين والفقهاء والمحدثين بكل موروثاتهم الفكرية والثقافية، وأهوائهم السياسية التي لا صلة للإسلام بها، وذلك لأنّ هناك من يوجه بعض شبابنا إلى الإلحاد، فظاهرة إلحاد بعض شباب الإسلام عملية مخططة ومُمنهجة، وجد واضعوها ومنفذوها في كتب تراثنا ما يُساعدهم على ذلك، فلو كان الشباب الملحد أعمل عقله، وبحث وفكّر، كما يدعي أنّ عقله لا يقبل ما يقرأه، لما حكم على الإسلام بما هو موجود في كتب التفسير والحديث والفقه، وعلوم القرآن الكريم، ولمحصّ ودقّق كما أفعل أنا وغيري من المفكرين لتصحيح المفاهيم، وإعادة الإسلام من مختطفيه، وبيان حقيقة هذا الدين الذي شوهه أولئك.
ثالثًا: تحميل الدكتور عدنان إبراهيم الوعاظ وحدهم ما آل إليه حالنا وانضمام بعض شبابنا إلى الجماعات الإرهابية وتبرئته للعلماء مع أنّ من العلماء المعاصرين والقدامى من يتحملون مسؤولية ذلك أيضًا، وكتبهم تشهد على ذلك، وفي مقدمتهم علماء الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، وعلماء علم المواريث الذين لم يفهموا آيات المواريث فأوجدوا العول الذي أدى ببعض شبابنا إلى الإلحاد، كما نجدهم أشركوا العصبة الذكور في الميراث، وحرموا أولوا الأرحام من جهة الإناث، والقائلين بذلك من مفسرين ومحدثين وفقهاء قدامى ومعاصرين، فهم شركاء مع الوعاظ عمّا يقوله الملحدون بوهمية حفظ القرآن في اللوح المحفوظ، وأنّه ليس من عند الله بناسخه ومنسوخه، وأنّ ما يقوله ويفعله داعش فعله محمد وأصحابه، وأنّ قطع الدواعش للرؤوس، وسبيهم النساء، وبيعهن جواري، وسرقاتهم ونهبهم وتدميرهم، وإخراج المسيحيين من ديارهم وأوطانهم، إن لم يدفعوا الجزية عملًا بالفتاوى التكفيرية ،وبالناسخ والمنسوخ، مثل القول إنّ آية (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[ التوبة:5]والتي أطلقوا عليها آية السيف، ومع أنّها تتحدث عن مشركي مكة، إلّا أنّهم جعلوها ناسخة لجميع الآيات التي تنظم تعاملنا مع من يقاتلوننا، ومن بيننا وبينهم عهود ومواثيق، وكذلك آيات الحرية في الدين والعقيدة، والتسامح والتعايش مع ذوي الأديان والملل المختلفة، وجميع الآيات الآمرة بالصبر والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والرحمة والتسامح مع أهل الكتاب، بل نجدهم قالوا بنسخ الآيات التي تحفظ حقوق الأسرى ليسترقوهم بجعلهم عبيدًا وإماء ، كما نجد من الفقهاء من بنوا أحكامهم الفقهية على الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم؟
فكيف لا يتحمّل أمثال هؤلاء العلماء مسؤولية انضمام بعض شباب الإسلام إلى الجماعات الإرهابية وتفجير أنفسهم وأهليهم؟
بل يتحملون مسؤولية إلحاد بعض شباب الإسلام لنسبة للإسلام ما ليس فيه، وإلباسه لباس التشريع الإلهي!
عذرًا على الإطالة، ولكن طبيعة ما أستوقفني ممّا أُثير في حلقة” فوضى الوعظ” يتطلب ذلك.
عن صحيفة أنحاء نص المقال الأصلي
صراحة الدكتورة محقة الى حد كبير فقد لحظت بعض ماذكرت خاصة موضوع الالحاد فاصلاح الذي يقوم به الشيوخ لم يعالج بشكل كاف هموم شباب هل لان شيوخ كثير منهم تقدم في السن ام لعدم معانتهم من ازمتنا الذي نعانيها نحن الشباب فنجدهم يعمدون الى حلول عاجلة بطريقة مبعثرة كما نحس بلغة الاستعلاء من خلال معالجة مشاكل واستهانة باخرى لقد تبين لي ان شيوخ مثل الشعراوي والغزالي ورشيد رضى ومفكرين مثل مصطفى محمود كانو اكثر جيدية في معالجة هموم الشباب لان اوراحهم سامية وشابة هذا مايجلهم يلمسون همومنا بشكل افضل و اكثر اقتدارا