بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المُرسلين؛ سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما.
إخوتي وأخواتي/
بعون الله تبارك وتعالى بدءا من هذه المُحاضرة، سيدور الكلام على الموقف الإسلامي، في قضية أو ملف العلم والدين.
الموقف الإسلامي؟ نعم؛ لأن المسلمين تقريبا رُبع البشرية، ولهم نص مُقدس، ولهم تاريخ حضاري باذخ وشامخ وماجد، أسهموا به في الحضارة المُعاصرة، بعلومها وأفكارها وفلسفاتها، بلا شك!
فلذلك حري بهم أن يكون لهم موقف في هذه القضية! ثم لا يخفاكم أنهم كسائر البشر يعيشون في هذا العالم، تأثروا كثيرا أو قليلا بهذه الحضارة، وبهذا العلم الغربي الحديث، ولا زالوا مُتأثرين به، بلا شك! سلبا وإيجابا. فقمين أو قمن أن يُبلوروا مواقف فكرية فلسفية في ملف العلم والدين.
حتى أكون واضحا معكم ومُكثفا ومُركزا:
أولا لن أن أتكلم عن الموقف النظري للنص المُقدس، الكتاب والسُنة، من العلم. هذا معروف ومُمهد للجميع تقريبا. ليس هذا ملفنا، هذا ليس ملفنا!
ثانيا لن أتكلم لا قليلا ولا كثيرا عن تاريخ العلم في الإسلام، ولا حتى عن مُساهمات المسلمين أو العلوم الإسلامية في العلم الغربي الحديث. هذا موضوع آخر، وذو صبغة تاريخية، ذو صبغة تاريخية محضة، تاريخ الأفكار! تاريخ الأفكار والعلوم! وفيه دراسات وكُتب كثيرة، في الشرق والغرب.
فقط أكتفي بالإشارة إلى أن الموقف الغربي كان إلى مطلع القرن العشرين مُعتصما بالجحود والنُكران! كان موقفا قوامه العنصرية، الممزوجة بالجحود، أو الجحود الممزوج بالعنصرية والنُكران:
المسلمون لم يكونوا أكثر من ساعي بريد! فقط هم قدموا إلينا الفكر والفلسفة والعلوم الغربية. أي اليونانية! اليونان هذا يُعتبر تابعا للغرب، من الغرب! جغرافيا وتاريخيا.
فقط المسلمون سُعاة؛ سُعاة بريد! هكذا! لم يُقدموا؟ لم يُقدموا أكثر من هذا! ترجموا، ونحن ترجمنا أعمالهم إلى اللاتينية، وأجزاء منها إلى العبرية، فقط! واستفدنا منها في الغرب هنا، ثم واصلنا طريقنا، بمناهج مُختلفة تماما، حتى عن مناهج المسلمين!
للأسف، يؤسف أن تقرأ هذا لأحد أعلام فلاسفة المسلمين في العصر الحديث، وهو المرحوم الدكتور زكي نجيب محمود! وحتى في المرحلة الإصلاحية الثانية في حياته، التي أعاد فيها بعض أو كثيرا من الاعتبار للتراث العربي الإسلامي، إلا أنه للأسف الشديد تورط فيما لا ينبغي ولا يجمل به كمُفكر وفيلسوف كبير، فادّعى أن العلوم الإسلامية لم تُساهم أيضا في علوم أوروبا الحديثة بشيء ذي بال!
ماذا؟ قال لم تُساهم! قال وأنتم تُخطئون في فهم حتى مُصطلح العلم! العلم في العصور الوسطى عموما، الإسلامية بشكل خاص طبعا؛ لأن هم أهل العلم، وحتى المسيحية بشكل أقل بكثير، كان لا يزيد – فيما زعم زكي نجيب محمود، كان لا يزيد على ماذا؟ – على تعليق حواش وهوامش على المتون!
عجيب! هذا العلم؟ هذا علم الخوارزمي، وابن النفيس، وأبي الحسن بن الشاطر، والقوشجي؟ وحتى علم ابن سينا في الطب، وابن زهر؟ هذا؟ والبيروني؟ هذا هو العلم يا زكي نجيب محمود؟ لكن – الحمد لله – تصدى له مُفكر، لا يُقرن به زكي نجيب محمود في اختصاصه!
زكي نجيب محمود فيلسوف، وهو وكيل الوضعية المنطقية في العالم العربي، عاش ومات على ذلك! أما الذي تصدى له، فهو الدكتور العالم – لأنه عالم في الرياضيات، هو! هو عالم في الرياضيات كبير -، العالم ومؤرخ العلوم المُعتمد عالميا؛ الدكتور رشدي راشد – بارك الله فيه -.
وهذا موسوعاته في تاريخ العلم الإسلامي شيء عجب! فقط عن الرياضات التحليلية خمس مُجلدات كبيرة! ويكتب بنفس أكاديمي صارم، في مُنتهى الجدية والعلمية!
أنحى باللاءمة بشكل واضح علي زكي نجيب محمود، واعتبر أن كلامه هذا لا قيمة علمية له بالمرة، كلام رجل يتكلم في غير فنه، وفي غير تخصصه، بما لا يدري! كلامه – يقول – كله كلام فارغ هذا، كله كلام فارغ!
ومن أسف أن يكون الدكتور زكي نجيب محمود، فيما يقول الدكتور رشدي راشد، وكلاهما مصريان، أن يكون الدكتور زكي نجيب محمود مُجرد امتداد للنغمة والتيمة الأوروبية العنصرية، وخاصة في المدرسة الفرنسية، لتأريخ الفكر والعلوم!
المدرسة الفرنسية التي كان يُعد أبا لها، وأبا كبيرا فيها، الفيلسوف والمُفكر والمؤرخ إرنست رينان Ernest Renan! العنصري، المعروف بعنصريته! صاحب الثُنائية المعروفة! أن العقل الآري بطبيعته مُبدع! الآن على فكرة علم الأعصاب ودراسات الإبداع وكذا، لا تؤمن إطلاقا بهذا النفس العنصري.
الآن لو أي عالم صدر عن هذا النفس، في قليل مما يكتب، ستلحقه معرة عظيمة جدا! وسوف ينقلب عليه المُجتمع العلمي تماما! وحدث هذا مع صاحبي كتاب مُنحنى الجرس؛ لأنهما صدرا عن نفس عرقي قليلا في تقييم الذكاء والعبقريات بين الشعوب! هذا لا علاقة له بالعلم، هذا كلام غير علمي بالمرة!
لكن في القرن التاسع عشر، الأوروبي بالذات، ما شاء الله! العنصرية كانت في ذروتها، في أوجها! وأحد العنصريين هو إرنست رينان Ernest Renan، وغوبينو Gobineau، توماس كارليل Thomas Carlyle، عصر العنصرية هذا كان! يفتخرون بذلك!
قال لك العقل الآري بطبيعته عقل مُبدع، عقل مُبدع! عقل مُخترع، عقل فلسفي عميق، وRational! منطقي، عقلاني، وواقعي! العقل السامي بطبيعته عقل غير علمي، وغير فلسفي، وغير قادر على التحليل والتركيب والاختراع! ما هو؟ قال لك هو Symbolic، وSpiritual. أي عقل روحاني ورمزي! ليس أكثر من هذا! يا سلام!
واضح أن زكي نجيب محمود وأمثاله للأسف الشديد ما زالوا بالقصور الذاتي ماشين مع هذه التيمة ومع هذه الثُنائية الساقطة العنصرية! وظنوها صحيحة وأن العرب عجزوا! يا سيدي ليس العرب، يا سيدي الحضارة العربية، التي هي حضارة إسلامية، على فكرة مُعظم أعلامها، الذين ساهموا في العلوم والفنون والأفكار، من غير العرب! ولكي نكون واضحين أيضا بصراحة مُعظمهم آريون.
إلا تقول لي أعاجم فرس؟ آريون! السلام عليكم. معناها أنت يا إرنست رينان Ernest Renan داخل في ورطة علمية، من جميع الجهات، وعلى جميع المُستويات!
أي هو ظن، كأنه ظن، أن حضارة المسلمين والحضارة العربية حضارة عرب، والعرب جنس سامي، والساميون من نعتهم كذا وكذا! لا يا سيدي، مُعظم آباء العلوم وأعلام العلوم والفكر في الحضارة الإسلامية ليسوا عربا! مُعظمهم آريون! ما رأيك؟
هل يلزك هذا أن تعترف للحضارة الإسلامية بقيمتها؟ لم يفعل، ولا يُريد أن يفعل؛ لأنه مُتعصب ضد الشرق، هو مُتعصب ضد الشرق، مُتعصب ضد الإسلام!
وعلى كل حال، المُجادلة التي وقعت بينه وبين المُصلح الكبير جمال الدين الأفغاني – رحمة الله عليه – مشهورة جدا، ومطبوعة، وحُققت تحقيقات كثيرة! التي هي مُحاورة حول العلم والدين! بين إرنست رينان Ernest Renan وجمال الدين الأفغاني. وحصلت هذه في باريس!
والعجيب أن جمال الدين الأفغاني بحسب الظاهر كتب الرد على رينان Renan في الصحف طبعا الفرنسية بالفرنسية! بعض المُفكرين العرب قال لك ما أدرى جمال الدين الأفغاني بالفرنسية؟ هو لا يدريها، ولا يحذقها، ولم يتعلمها!
بعض المُعاصرين، من زملاء الأفغاني، الذين جالسوه وفاتشوه وكاشفوه، أكد أن الأفغاني هو الذي كتب المُراجعة وبالفرنسية! وربما روجعت له ونُقحت، نعم! ودرس الفرنسية في شهرين! ماذا؟ في شهرين! عبقري! أحد العباقرة! يُوجد!
قال أنا شخصيا كنت عنده في بيته، وعلى الطاولة إلى جانبه كتاب كبير بالفرنسية! لكن كتاب هو في الفكر الشرق أقصوي، عن الكونفوشيوسية وكذا والبوذية! فقلت له وأنت يا سيد تقرأ مثل هذا؟ قال ولِمَ لا؟ قال فأجلسني عنده، فلم تمض سحابة النهار، حتى كنا أنهينا الكتاب! الأستاذ يقرأ منه بالفرنسية – قال -، ويشرح لي.
قال وبكل تواضع أقول شرح جُملا وتعابير – أنا الخبير من سنوات طويلة في الفرنسية. قال – لا أعرفها. هكذا يكون فتح الله على العباقرة الكبار! شيء مُذهل! فالأفغاني رد على رينان Renan وألزمه حده، ولن نتكلم عن المُحاضرة هذه، قصة طويلة، وموضوع آخر!
نعود إلى ما كنا فيه، أقول إلى مطلع أو إلى القرن العشرين للأسف الشديد كان الفكر الأوروبي في تأريخ العلوم مزيجا من العنصرية، المُتحالفة مع الجحود والنُكران! نحن لم نُقدم شيئا! متى بدأ التغير؟
وعلى فكرة ليس فقط ضد الشرق الأدنى أو الشرق القريب، ضد الشرق عموما! أي حتى الشرق الأقصى. أوروبا لم تكن كذلك! أوروبا كان عندها هذا الضيق على فكرة، وما زالت!
في أوروبا عندهم ضيق الصدر هذا! نحن وفقط! نحن مُميزون! نحن شعوب الله المُختارة! نحن أذكى، نحن موئل العبقرية، نحن كل شيء! إذا لم نقدر عليه، فلا أحد يقدر عليه. أي نحن وفقط!
ليس صحيحا، بالعكس! أنتم فترة محدودة وقصيرة جدا في تاريخ الحضارات البشرية، بالمعيار الزمني! الكرونولوجي. انظر، العلم الحديث كم عُمره هذا؟ أربعمائة سنة! في القرن السابع عشر، القرن الثامن عشر، القرن التاسع عشر، إلى آخره! أربعمائة سنة! الثورة العلمية في القرن السابع عشر، أربعمائة سنة!
هناك حضارات عُمرها ستة آلاف سنة، وسبعة آلاف سنة، وهي التي أسست للعلوم، وأسست حتى لبعض الصناعات والاختراعات الكُبرى، وفي رأسها الحضارة الصينية!
تغير المشهد – بحمد الله تبارك وتعالى – مع مُنتصف القرن العشرين، مع مُنتصف القشرين! مع شخصيتين عظيمتين! أعظم شخصيتين هما على فكرة في باب تأريخ العلوم!
وهو جورج سارتون George Sarton، المؤرخ الأمريكي، من أصل مجري، جورج سارتون George Sarton! كتابه الشهير؛ تاريخ العلم، في ست مُجلدات ضخمة! مكث فيه زُهاء ثنتين وعشرين سنة، ينشر فيه! عمل جبار!
هذا العمل أنصف الحضارة الإسلامية إلى حد بعيد جدا، واعترف بمُساهمتها التي لا يُمكن أن تُنكر، بل وصف الحضارة – كما ذكرت لكم من سنوات – الإسلامية بأنها يُمكن أن تُوصف مُنجزاتها ومنتوجاتها، لكن لا يُمكن أن تُفسر تفسيرا مفهوما! بين قوسين، يقول ماذا؟ بإعجازية.
مُعجزة! يُوجد شيء غير مفهوم فيها! كيف استطاعوا أن يفعلوا هذا؟ قال أنا لا أفهم، أنا مؤرخ العلم الأول في العالم لا أفهم كيف استطاعوا ذلك! يُوجد لُغز كبير! هذا مَن؟ جورج سارتون George Sarton!
ويأتي إليك الآن بعض أبناء المسلمين، وبنات المسلمين – طبعا يُوجد نفس عجيب جدا! كم يُحزنني! وكم يؤسيني! -، لا يُريدون الاعتراف للإسلام وأعلام الإسلام، حتى بدءا من رسول الله، بأي شيء! قال لك نحن لا نسوى شيئا!
وعلى فكرة، لا يدري الذي يتكلم أن هذا لا يسلخه من حقيقة كونه ماذا؟ عربيا في نهاية المطاف، أو شرقيا إن كان غير عربي! ستظل شرقيا! هذا لن يُلحقك بذوي الجلود الشقراء البيضاء والعيون الزرقاء أو الشهلاء، لا! ستبقى شرقيا، وستظل في مكانك.
هذا التحقير للذات، وهذا الإزراء على النفس، وجلد الذات هذا، لا يجعلك تُضيف إضافة، ولا يُنظر إليك بعين الرضا. هذا التهديم لا يُمكن أن يعني بناء! أنت تهدم، تهدم في نفسك!
وعلى فكرة، الحمد لله لسنا ملزوزين أن نستمع إلى أمثالك، لست مؤرخ العلم رقم واحد ولا رقم مئة! أليس كذلك؟ في هذه الأبواب سنستمع نحن إلى الغربيين، غير المسلمين، وهم مؤرخو العلم رقم واحد واثنان وثلاثة في العالم!
فجورج سارتون George Sarton كسر هذا الطلسم اللعين الجحودي العنصري بكتابه وإسهاماته – بفضل الله تبارك وتعالى -. وعلي فكرة، أول ما فتح برنامج رسالات الدكتوراة في أمريكا، أول مُلتحق وأول حائز على دكتوراة كان تركيا، وبأمر أتاتورك Atatürk!
قال له تذهب إلى هناك، وتتعلم، وتأتي بدكتوراة في تاريخ العلم! من سارتون Sarton. عملها واحد تركي – بفضل الله -، ليس أوروبيا. فعندنا، عندنا – الحمد لله – هذه الإرادة.
الشخصية الثانية: جوزيف نيدهام Joseph Needham. نيدهام Needham هذا المؤرخ العظيم، الذي كتب أيضا مُجلدات ضخمة، في تاريخ العلم والحضارة في الصين، الشرق الأقصى الآن، غير الإسلامي هذا.
ولأول مرة يفتح الأعين الأوروبية على إسهام الصين المقدور، والذي ينبغي أن يكون مشكورا، لا مكفورا مستورا، في الحضارة أيضا الحديثة الغربية. قال لهم أين؟ الصين. قال لهم! الصين. أفادوا البشرية عموما، ونحن من هذه البشرية.
فالحمد لله صار لدينا خط جديد، مسار علمي، مسار أكاديمي جديد، وبدأت تتكاثر هذه الكتابات. يُوجد منها كتابات لطيفة جدا جدا وجميلة! يُوجد حتى أفلام وثائقية، يُوجد أفلام وثائقية عن إسهام الحضارة الإسلامية، مبنية على بعض الدراسات العلمية! مثل كتاب مصباح علاء الدين.
من أجمل الكُتب التي تُقرأ في هذا الباب الآتي! هذا إذا قال لي أحدهم – وطبعا الكُتب بالعشرات – رشح لنا كتابا نقرأه بسرعة هكذا، في ثلاث أو أربع ساعات، ويكون مُمتعا ولاذا وسهل الهضم والتمثل في هذا الباب؟
اقرأ كتاب كيف صنع الإسلام العالم الحديث؟ من أروع ما يكون! كتاب في حوالي ثلاثمائة صفحة أو ثلاثمائة وخمسين صفحة، ويُمكن أن تقرأه في بضع ساعات! كيف صنع الإسلام العالم الحديث؟
هذا الكتاب أكد مديونية أوروبا للإسلام، حتى في باب الأزياء، وفي باب الرقص، والغناء، والإتيكيت، وآداب المطبخ، فضلا عن الطب، والهندسة، والحيل، والميكانيك، والفلك، والفيزياء، والرياضيات، شيء عجيب! لمؤرخ أجنبي مُنصف. الحمد لله بدأ هذا يتكاثر، فلا مجال لهذا الجحود أن يُردده بعض العرب وبعض المسلمين.
فكما قلت لكم لا أُريد أن أتكلم عن هذا الباب؛ تاريخ العلوم الإسلامية، لا أُريد! هذا موضوع كبير جدا جدا، فيه مُصنفات كثيرة، وذات طبعا مناهج وأنفاس مُختلفة. اليوم سنتحدث عن شخصية تُمثل مدرسة بحيالها، وهو البروفيسور المعروف على نطاق عالمي سيد حُسين نصر.
عنده كتاب ألفه قبل زُهاء خمسين سنة، عن العلم في الإسلام! كتاب عجيب! ومُزود أيضا بالصور الجميلة البهية! وله نفس خاص في تأريخ العلوم في الإسلام، سنتعرف عليه حين نتحدث عن مدرسة سيد حُسين نصر – إن شاء الله -، في هذه المُحاضرة، أو التي تليها.
فإذن هذا الموضوع يُترك لمكانه، ليس له علاقة ماسة بموضوع اليوم، ليس له علاقة ماسة!
ثالثا لن أتحدث أيضا – مع أن الحديث في هذا الموضوع الثالث من أمتع ما يكون! ومن ألزم وأوجب ما ينبغي! – عن موضوعة كيف أستقبل المسلمون العلم الحديث؟ هل استقبلناه بالأحضان من أول يوم؟ هل أخذناه وتمثلناه ولم نُمانعه، أم أننا رددناه وتنكرنا له ورفضناه واشمئززنا منه وازوررنا عنه؟
موضوع مُهم جدا، لا بُد أن يُدرس بشكل سليم وعلمي! وهذه ليست موضوعات إنشائية، هذه موضوعات تأريخ أيضا، موضوعات تأريخ أفكار، وتأريخ استجابات.
طبعا موجود أيضا دراسات مُحترمة في هذا الباب، وإن كنت ضيقة النطاق! أي بعضها مثلا تتحدث عن موقف السلطنة العثمانية، وفي مرحلة زمانية مُحددة، من العلم الأوروبي. جيد، مُفيد، هذا يُفيدك كثيرا! وطبعا حين تقرأ هذه الدراسات، سينكشف عنك حجاب الوهم؛ أن المسلمين – بفضل الله تبارك وتعالى – ليس لهم مُشكلة مع العلم الحديث.
الآن دخلنا في المواعظيات، دخلنا في اللُغة الوعظية! التي ستسمعها من ألف شيخ وشيخ، ومن ألف إسلامي، للأسف الشديد! وهي لُغة غير أكاديمية، وغير علمية، وغير دقيقة، بالمرة! أن المسلمين ليس لهم مُشكلة مع العلم الحديث، بل هم الذين أسسوا هذا العلم، وما هذا العلم إلا بضاعتهم رُدت إليهم، والقرآن حث على العلم، والنبي حث على العلم، والعلماء كذلك!
هذه لُغة إنشائية، هذه ليست لُغة علمية. أنا أُريد ليس لُغة معيارية، أُريد لُغة حقيقية تأريخية. كيف استقبلناه حقا؟ لا! الموضوع ليس على هذا النحو الوردي الذي قد تخال وتتوهم! الموضوع علمي دقيق، ولا بُد أن يُبحث فيه، وأن يُتكلم فيه كثيرا! لكي نعرف مواطئ أقدامنا وأين أخطأنا وأين أصبنا!
لأن في الحقيقة هذه الاستجابة لم تكن على ما ينبغي في كل مرة وفي كل حالة، بل أحيانا كانت استجابات مُتشنجة جدا، أضرت بالعالم الإسلامي، وبوضع العلم والفكر في العالم الإسلامي، إلى اليوم!
سوف تقول لي ما هذه المُبالغة؟ ليست مُبالغة! هذه حقيقة، أو بعض الحقيقة! ولكي أُعطيك مثالا واحدا فقط، اذهب واقرأ كيف استجاب المسلمون لاختراع الطباعة، للمطبعة؟ المطبعة! مُخترع هذا، كان مبنيا على علم! إذن كيف استجابوا له؟
أكثر من ثلاثمائة سنة، وهم يرفضون هذا الاختراع، ويُحرمون طباعة المصاحف فيه، وطباعة الكُتب الدينية به، بل صدر قانون يُقال السُلطان نفسه أمر بترسيمه! هذا القانون رسمه! أن مَن يُضبط ومعه منشورات – أي Press – مطبوعة بالمطبعة الحديثة يُعدم! إعدام! لا إله إلا الله! ما قضيتكم؟
وتخيل أنت في هذه الفترة طبعا ما حصل! اختُرعت الطباعة، وكانت كُتب العلماء وفلاسفة الطبيعة، مثل بويل Boyle، ومثل نيوتن Newton، وأمثال هؤلاء! وغاليليو Galileo، طبعا من قبلهم، تُطبع بالمطابع، ألوف النُسخ! وتُتاح للناس، بأبخس الأثمان! صار الكل يستطيع أن يقرأ في هذه الثورة الجديدة.
وأما المسلمون، فلا زالوا يستنسخون! إذا أردت كتابا، إما أن تنسخه بيديك، وتقضي فيه شهورا طويلة، إذا كان كتابا كبيرا، أو تستنسخه أحدا من الناس، وتدفع له مالا كثيرا، قد تعجز عنه!
أخّر حركة العلم لدينا بطريقة مُريعة ومُخيفة! تخيل! من أكبر أسباب استبحار العلم والفكر، وحتى الثورات الفكرية والثورات الحقيقية السياسية، في أوروبا، المطبعة! ما رأيكم؟ تأثير المطبعة فوق ما نتخيل! ثلاثمائة سنة، ونحن نتنكر له!
مرصد تقي الدين في تركيا تم هدمه، وهو آخر مرصد إسلامي! يقول مؤرخو الفلك والمراصد الأوروبيون من أسف أن مرصد تقي الدين كان من حيث الإعدادات أو المُعدات – أي ال Equipments – المُتوفرة فيه، ومن حيث ال Personal أو الصف العلمي أو الكادر العلمي المُتوفر فيه، لا يقل عن مرصد تايكو براهي Tycho Brahe في أوروبا!
هكذا قالوا! ليس كلامي، أنا ليس عندي هذه الخبرة لكي أعرف ما مرصد براهي Brahe، كيف كان وكذا، ليس عندي! ولا عندي معلومات مُفصلة عن مرصد تقي الدين! مؤرخو هذا الباب هم الذين قالوا! كان لا يُضارعه ولا يُساميه إلا مرصد تايكو Tycho – الدنماركي – براهي Brahe! أستاذ يوهانس كيبلر Johannes Kepler!
تم تهديمه بأيدي المسلمين – بفضل الله تبارك وتعالى -؛ لأنهم ما عادوا يُفرقون بين التنجيم وعلم الفلك، اختلط عليهم الأسترولوجي Astrology بالأسترونومي Astronomy! كله حرام، هيا كسّر! تخلف!
ويأتي إليك اليوم شيخ، وقد يكون دكتورا، يقول: والحمد لله الإسلام غير الكنيسة، ونحن مع العلم مُمتازون، وطيلة حياتنا مُمتازون! كلام فارغ، كلام إنشائي، ليس له أي معنى، عيب، والله عيب الكلام هذا! فنحن مُساهمة منا نقول هذا!
هذه الحلقات كلها مُساهمة بسيطة في شحذ الوعي واستثارته وحفزه؛ لكي نبدأ نرى الأشياء بحجومها القريبة من الطبيعية، حجومها الواقعية، كما هي! لا نُريد أن نُزين ما ليس بزين.
على كل حال، فأيضا هذا الموضوع لا أُريد أن أخوض فيه، وحقه أن يُخاض فيه! موضوع مُهم جدا جدا! لكن هذا له مجال آخر. إذن في ماذا أُريد أن أخوض؟
أيضا رابعا – وهذه كلها احترازات – لا أُريد أن أُسجل استعراضا وتقصيا لمواقف مُعظم المُفكرين والعلماء المسلمين، عربا كانوا أم غير عرب، ذا أمر يطول! وآتي بواحد واحد منهم!
ما موقف – مثلا نفترض – الأفغاني من العلم؟ ما موقف محمد عبده؟ ما موقف محمد رشيد رضا؟ ما موقف السير سيد أحمد خان؟ ضياء كوك ألب في تركيا؟ ما موقف محمد إقبال في الهند؟ ما موقف المودودي؟ ما موقف الندوي؟ ما موقف حسن البنا؟ سيد قطب؟ فلان؟ علان؟
لا! ذا أمر يطول جدا، وغير مُفيد لنا هنا! موقف محمد فريد وجدي؟ عبد العزيز البشري؟ مصطفى عبد الرازق؛ شيخ الأزهر؟ انس! الشيخ شلتوت؟ ألوف، ألوف المُفكرين والعلماء!
ذا أمر يطول جدا، وليس من غرضنا أيضا! تعرفون لماذا؟ لاعتبار علمي أيضا، لاعتبار علمي وجيه فيما أرى، وهو أن الذي يهمنا، وينبغي الاهتمام به مزيد اهتمام، المواقف التي تحولت إلى تيارات Streams! المواقف التي تحولت إلى مدارس فكرية! هو هذا!
أما مواقف شخصية، فهذه مثل موقفي ومثل موقفك وموقفه، ليست مهمة كثيرا! لا تهمنا كثيرا! إلا بقدر ما تُساعد على إضاءة ما يتعلق بالتيار والمدرسة. فيما عدا ذلك، لا تهمنا! لا تهمنا في هذا الباب! واضح؟
لذلك نحن نعرف في ماذا نحن نشتغل، وفي ماذا نتكلم؛ لكي نُحدد كلامنا. ولذلك على فكرة كلامنا اليوم لا يصح ولا يجمل أن يُعارض بمثل: يا أخي هذا الكلام غير صحيح! إن كان هذا الكلام قال به – مثلا نفترض – سيد حُسين نصر، أو ضياء الدين سردار، أو الفاروقي، وجماعة أسلمة المعرفة، فالأستاذ الدكتور فلان الفلاني، الشهيد فلان الفلاني، قال غيره!
لا يا سيدي، لا تستطيع أن تُعارض تيارا ومدرسة فكرية برأي فرد، لم ينجح رأيه أن يستحيل إلى شبه تيار أصلا! لا يهمنا! ووضع العلم الآن، وموقف الأمة منه، واضح أنه لم يتحدد برأي هذا الفرد الذي تُعول عليه أنت!
هل فهمت ما قصدت؟ هكذا التفكير العلمي! مع أنه قد يكون من ناحية نظرية وتنظيرية أقوم قيلا، أليس كذلك؟ وأمتن، وأكثر اتساقا، من الآراء التي بُنيت عليها هذه المدرسة أو ذلك التيار! مُمكن جدا! لكن نحن نتكلم الآن بلُغة علمية؛ لأننا نُريد أن ندرس هذه المُشكلة، ونُريد أن نستشرف وجوه الحل!
لأن القضية على فكرة ليست ترفا، ليست ترفا وليست خيارا! أن نحن – والله – وما اخترنا! أي الأمر بحسب الخيرة! إذا أحببنا أن نلحق بالعلم، نُساهم، يكون لنا موقف، فنعم. لم نُحب، لا تُوجد مُشكلة!
ما هذا؟ كيف لا تُوجد مُشكلة؟ يُمكن أن يكون ثلاثة أرباع التخلف الذي تُعانيه، اقتصاديا وتقنيا وفنيا وعسكريا وثقافيا، بسبب تخلفك العلمي، ثلاثة أرباعه على فكرة! سبعون أو خمس وسبعون في المئة! بسبب التخلف العلمي!
وإياك أن تحلم بأنك يُمكن أن تتغلب، وأن تبذهم، وأن تسبقهم، في أي باب من هذه الأبواب، وأنت لا تزال مُتخلفا علميا، مهما صليت، ومهما صمت، ومهما كنت تقيا ومُتصوفا وعارفا بالله! هذا لا يتعارض مع سُنن الله.
كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ *، كله عطاء إلهي! العلم، والفكر، والكشوفات، والاختراعات، والنظريات، والتقنيات، كلها عطاء إلهي! قال وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا *. هذه الأسباب المؤتاة! العلم والتقنيات هي ماذا؟ الأسباب المؤتاة، التي آتاها الله، رب العالمين، بعض عباده!
لماذا؟ لا لأنهم كانوا أتقى منا، ولا أذكى منا، ولا أنبل منا، ولا أهدى إلى الحق في باب الديانة والخلاص الأُخروي منا! بل فقط لماذا؟ لأنهم أتوا البيوت من أبوابها، وتوسلوا الأشياء بأسبابها. والله قال لك سُنة كونية! سُنة هكذا من سُنن الله!
على فكرة، حتى كلمة سُنة في كتاب الله ليست كما تظن مدرسة الإعجازيين ومدرسة إسلامية المعرفة أو أسلمة المعرفة تتعلق بقوانين الطبيعة! غير صحيح. حين تقرأ الموارد اليسيرة جدا لسُنة الله – مثل وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ * كذا، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا * -، تجد أنها دائما تتحدث عن ماذا؟ عن القوانين الاجتماعية والتاريخية! ليس الطبيعية!
طبعا هذا ليس معناه أن القرآن لم يتضمن إشارات إلى القوانين الطبيعية! إشارات قوية، لا تقل عن هذه قوة! لكن كلمة سُنة في الاستعمال القرآني، ربنا هكذا أرادها، يُعبّر بها عن ماذا؟ قوانين الاجتماع والتاريخ! ليس قوانين الأجرام والمادة والطبيعة! لا! لكي نكون واضحين.
فهذه سُنة، ولا بُد أن نحترم السُنن، التي علمنا الله أنها لا تبديل لها ولا تغيير. يأتي ألحد الملاحدة، ويأتي البيت من بابه، ومعه مفتاح القفل، سيُفتح له. ويأتي أتقى الأتقياء، ليأتي إلى البيت من غير بابه، لن يجد بابا، سينطح رأسه بالحيط، أليس كذلك؟ أو يأتي الباب بمفتاح آخر، لن يُفتح له!
والعالم لا يُدار بالمُعجزات! أليس كذلك؟ العالم لا يُدار بالمُعجزات والعجائبيات! أيضا يُدار بالسُنن. على المسلمين أن يُوقروا السُنن، وأن يحترموا السُنن؛ احتراما لقول مُسننها – لا إله إلا هو – وَلَنْ تَجِدَ *.
وَلَنْ *! انظر، بالنفي، المؤبد عند الزمخشري، خطأ طبعا، لن لا تُفيد تأبيد النفي، لكن هذه صيغة شديدة في النفي، وإن لم تكن تُفيد تأبيده.
وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا *، وأيضا تَحْوِيلًا *. لا تبديل، لا تحويل! السُنن ماضية، كالسيف القاطع، الصارم، البتار! علينا أن نحترمها، وأن نتعلم أن نحترمها.
فإذن أعتقد الآن أنني أبرأت ذمتي، بإيضاح حدود بحثي، سأتكلم أين؟ وأتكلم في ماذا؟ واضح يا إخواني؟ وما يُتوقع مني؟ سأتكلم في هذه الحدود. فلا تنتظر مني: لماذا لم تتكلم عن وجهة نظر الشيخ فلان، المُفسر فلان، العلّامة فلان؟
أنا أتكلم عن التيارات والمدارس، ليس عن الآراء الفردية، التي من الصعب حصرها وعدها! بالمئات! بعدد المُفكرين والعلماء سوف تجد مواقف إزاء العلم الغربي هذا! لا تعنيني الآن، على الأقل هنا، لا تعنيني!
انتهينا. ندخل الآن في موضوعنا:
سأُحدثكم عن ثلاث مدارس، فقط! وطبعا بمُجرد الآن أن أسرد لكم هذه المدارس، ستُلاحظون مُلاحظة!
المدرسة الأولى: مدرسة البروفيسور الأمريكي، من أصل إيراني، والذي لا زال مُقيما، ويُدرس إلى الآن – مد الله في عُمره وبارك في فُسحته -، البروفيسور الدكتور سيد حُسين نصر، المولود – على ما أعتقد – ألف وتسعمائة وثنتين وثلاثين، ولا زال حيا – بفضل الله تبارك وتعالى -.
مُفكر كبير، وفيلسوف، سأُعرف به، حين أتحدث عن المدرسة. هذا عنده مدرسة، سوف أحكي لكم ما اسمها؟ ما مبانيها؟ ما طريقتها؟ أي ما قضيتها؟ والأهم؛ ما موقفها من العلم الحديث؟
عندها موقف؟ عندها موقف طبعا! مدرسة هذه، مدرسة! مدرسة وتيار ومُنتشر في البلاد الإسلامية الأُخرى أكثر بكثير مما يعرفه العرب! أي في ماليزيا، إندونيسيا، عند الهنود! يعرفونه جيدا! العرب آخر ناس للأسف يعرفون هذا الرجل، معرفة قليلة شحيحة بهذا الرجل ومدرسته!
المدرسة الثانية: مدرسة ضياء الدين سردار، المُفكر البريطاني، من أصل باكستاني، المولود ألف وتسعمائة وإحدى وخمسين. مُفكر كبير، Polymath! في سنة قريبة – لا أدري ألفين وماذا، طبعا في الألفية الثالثة – صُنف كواحد من أهم مئة شخصية مؤثرة في بريطانيا! ليس بين المسلمين، بشكل عام!
لأن كتاباته تُغطي طيفا واسعا، في مجالات السياسة، استشراف المُستقبل أو المُستقبليات، العلم وتاريخ العلم وفلسفة العلم، الحداثة وما بعد الحداثة ونقدهما! وكتابات دينية أيضا إسلامية! كتابه عن مكة وغيره!
رجل Polymath، رجل موسوعي! الدكتور ضياء الدين سردار! مدرسته المعروفة بالإجمالية؛ Ijmali school أو Ijmalism، إجمالي Ijmali! اسمها هكذا Ijmali! إجمالي Ijmali! Ijmali school، أو Ijmali of thought school، اختصارا Ijmalism.
نفس الشيء أيضا! أي ندر أن تسمع من المسلمين العرب مَن يتحدث عن سردار وعن مدرسته الإجمالية، يندر! يندر بشكل غير طبيعي! حاول تجوجل وتكتب الإجمالية، ربما لا تصدر لك أي نتيجة! شيء مؤسف!
المدرسة الثالثة والأخيرة: مدرسة أسلمة أو إسلامية المعرفة. وعندها طبعا مؤسستان، أو مؤسسة حقيقة أيقونية مشهورة، لها مركزان مشهوران: مركز الزمالك في القاهرة، ومركز فرجينيا! الذي هو المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
أي هذه المؤسسة التي قامت بهذه المدرسة، وتنشر الدراسات فيها والأعمال والناتج الفكري الكبير نسبيا لهذه المدرسة! مدرسة إسلامية المعرفة! والتي أسسها البروفيسور الأمريكي، من أصل فلسطيني، الشهيد – إن شاء الله، بفضل ربه – إسماعيل راجي الفاروقي، المولود ألف وتسعمائة وثنتين وعشرين.
أعتقد استُشهد ست وثمانين أو سبع وثمانين، طعنا بالسكين، هو وزوجته الفنانة والموسيقية لمياء الفاروقي – رحمة الله عليهما -، في البيت، طعنا بالسكين حتى الموت! لن أتكلم عن مُلابسات الاغتيال ومَن الذين وقفوا خلفه، يُمكن أيضا أن تجوجلوا؛ لكي تقفوا على ذلك! فرحمة الله عليه وعلى زوجته، الشهيدين إن شاء الله بفضل ربهما.
مدرسة إسلامية المعرفة اسمها! هذه هي! هذه هي الثلاث المدارس التي فعلا نجحت أن تكون مدارس! تيارات كبيرة! تُمثل ردة الفعل الإسلامية، إزاء العلم الحديث.
ستقول لي وفقط؟ لا، هناك مدرسة أو تيار رابع، لكن من الصعب أن نعتبره مدرسة! لماذا؟ ليس له مُنظرون، ليس له بسطة تنظيرية واضحة، كالمدارس هذه! لكنه في الواقع تيار، وينضوي تحته كثيرون جدا! ولعله أوسع التيارات! لعله أوسع التيارات!
يُسميه بعضهم تيار العلماء النظاميين، أي Conventional scientists، تيار العلماء النظاميين! بعضهم يُسميه تيار الحداثيين، مثل سيد حُسين نصر! يُسميه تيار الحداثيين، Modernists! بعضهم يُسميه تيار التقليديين! ما هو هذا التيار؟
على فكرة بعضهم يُسميه تيار البراجماتيين! أسماء كثيرة! مع أن هناك خلافا بينه وبين البراجماتيين. البراجماتيون هؤلاء تقريبا الجمهور، مثلنا، الناس العاديون! وسوف أقول هذا أيضا! هذا تصنيف تصنيف آخر!
لكن هذا التيار ينضوي تحته مَن؟ العلماء النظاميون الذين تلقوا العلم الغربي؛ لأن في نهاية المطاف العلم الغربي، أي على الأقل إذا نظرنا إلى منشئه ومصدره ومثاراته! سواء الذين قدموه كانوا طبعا هنودا، صينيين، عربا، مسلمين، غير مسلمين! ولكن هذا كله في الغرب!
أي في نهاية المطاف، شئنا أم أبينا، واحد مثل أحمد زويل، علمه لا بُد وأن يُعتبر علما غربيا! ليس علما عربيا، ولا علما مصريا! لأن هذا العلم نشأ في الغرب، الذي وفر له كل الإمكانات وكل المُمهدات هي المؤسسات الغربية الأمريكية.
لو بقيَ أحمد زويل في مصر، واضح طبعا بنسبة تسعين في المئة لن يُنجز ما أنجزه وهو في الغرب، مُستحيل! على الأقل مؤسستيا! الأمور ليست مؤهلة بالكامل! فهو علم غربي، أي لا تفرح كثيرا!
وعلى ذكر المرحوم أحمد زويل، للأسف الشديد إلى الآن ثلاثة من المسلمين، ليس العرب، وإنما من المسلمين! من اثنين مليار الآن، المسلمين! ثلاثة من المسلمين أفلحوا في الحصول على نوبل Nobel في العلوم!
ثلاثة؟ فقط ثلاثة! في العلوم، ليس في الأدب، نجيب محفوظ وغيره! والبرادعي للسلام، وأبو عمار، والسادات، وكذا، لا! نحن نتحدث عن العلوم! أولهم المرحوم محمد عبد السلام الباكستاني – رحمة الله تعالى عليه -، وهذا قصته مأساة! هذا عبد السلام مأساة!
المُهم، محمد عبد السلام كان من طائفة الأحمدية! هذه فرع كبير جدا من القاديانية! فهذا حتى حين مات – رحمة الله عليه -، ماذا حصل؟ وقد أوصى أن يُدفن جُثمانه في بلده باكستان، التي تركها حين صدرت الفتاوى بتكفير الطائفة الأحمدية، في الأربع وسبعين، اضطر أن يترك بلده ويأتي إلى الغرب!
أكمل علومه، وحاز على أشياء، إلى أن حاز في سنة ألف وتسعمائة وتسع وسبعين، مع جلاشو Glashow، وستيفن واينبرج Steven Weinberg، على جائزة نوبل Nobel في الفيزياء!
طبعا أوصى بأن يُدفن في بلده. دُفن، ولكن مُنع أن يُكتب على شاهد قبره مسلم! مأساة! رحمة الله عليه. هذا الرجل حين فاز بجائزة نوبل Nobel، لم يأخذ منها فلسا واحدا، لا لنفسه، ولا لزوجته وأولاده. تبرع بها كلها، من أجل دعم الطلاب المسلمين الذين يُريدون أن يُتموا وأن يُطوروا علومهم في معهده في تريستا بإيطاليا! رحمة الله عليه.
وربما رأيتم صورة لي معه، على موقعي ربما القديم. سبب التعرف البسيط السريع الذي بيننا، أنه استمع إلي وأنا أتلو سورة الفجر، فكان يبكي بكاء أحزن الجلوس! كان يبكي ويهتز من الخشوع!
وحين فرغت، قام واتجه إلي، فاتجهت إليه، وأخذني، عانقني عناقا حميما! يبكي! وحصل بيننا مُحادثة قصيرة! هذا الرجل يُعتبر كافرا! رحمة الله عليه. وعاش ومات وهو مُعتز بإسلامه وبأمته، ومُتحسر وأسفان، أسيف أو آسف، على أنهم لم يستبحروا في هذا العلم، لم يأخذوا طريقهم إلى العلم بجدية وصرامة! كان يتحسر على ذلك! ويرجو غيره.
كان يرجو حتى من خُطباء المنابر أن يهتموا بالعلم! وكتب هذا في مُقدمته لكتاب مَن يُعتبر أحد تلاميذه أو أحد زملائه الصغار، وهو برفيز أو برويز أميرعلي هودبهوي Pervez Amirali Hoodbhoy! صاحب كتاب الإسلام والأرثوذوكسية الإسلامية – معركة العقلانية.
فكتب قال أنا كلما التقيت بخُطباء المنابر أقول لهم لماذا؟ لماذا لا تستثمرون منابركم للحث على العلم، وتحبيب الناس في العلم، وبيان قيمة العلم للحياة الإسلامية، حياة المسلمين؟
قال ومما أسعدني أن مُعظمهم كانوا يُلبونني بأن لديهم الرغبة في ذلك، لكنهم لا يمتلكون من العلوم والمعارف ما يُمكنهم من ذلك! نتكلم في ماذا؟ نتكلم فيما نجهل؟ لا نعرف. قالوا! لا نعرف لا فيزياء، لا كيمياء، لا رياضيات، لا فلك! لا نعرف. قالوا! (غلابة)، نُحب، لكن ليس عندنا هذا. أي لو تكلمنا، نُصبح مسخرة! وكلامهم صحيح.
فكأنه يقول ماذا؟ كأنه يُريد – رحمة الله عليه – أن يُشير إلى القصور، الذي اعترى، وربما تجذر، في المؤسسات الإسلامية الرسمية – لن نذكر مثل ماذا -، التي تُخرّج العلماء والوعاظ والدُعاة! أن هذه المؤسسات لا تُعلمهم حتى ما يجعلهم مُلمين بعض إلمام بالعلم. المُلم طبعا ليس عالما، المُلم هو الذي عنده المعرفة Silhouette، معرفة بسيطة! هذا الإلمام على فكرة.
فقال هم يُلبون، ولكن قالوا لك ليس عندنا هذا. تماما مثل ذلك الشيخ الذي كان على أعلى، أو في قمة، في رأس، على رأس مؤسسة إسلامية كُبرى، بل الأكبر! ويُسأل، وكان في لندن، في زيارة، لا أدري للعلاج أو كذا، سفرة! عن ال Cloning أو عن الاستنساخ! ال Cloning! فقال له ما له؟ الاستنساخ جيد، خير وبركة الاستنساخ!
قال له كيف يا شيخ إذن؟ أي حُكم الاستنساخ؟ قال له لا تُوجد مُشكلة! أي لو عندك مثلا شجرة تفاح، وتُحاول أن تُلقحها بعجور أو بكمثرى، فلا تُوجد مُشكلة. وهذا المذيع المسكين كان مذيعا خليجيا، أُسقط في يده! لكي تعرف الحالة!
ولذلك قلت لكم نهتم بالتيارات، لا نهتم بالأفراد! لأن هذا على رأس أعلى مؤسسة دينية، لم يُكلف خاطره أن يسأل صحفيا عنده، صحفيا! اسأل صحفيا! يسأل واحدا من أولاده يا سيدي، في الجامعة الكبيرة هذه، أو في المؤسسة العريقة! ويقول لهم تعالوا، اشرحوا لي ما ال Cloning هذا، أي ماذا يعني الاستنساخ؟ ما النسيخة أو النسيلة هذه؟ كانوا سيشرحون له! هو يظن أنه تلقيح النباتات! نباتة بنباتة! هذا اسمه استنساخ!
وضع المسلمين مخز ومُحزن جدا! أنا أُحب أن أكون واضحا مع الحقائق. أعرف أن هذا الكلام يبعث على الاكتئاب، والله! حتى أنا أكتئب منه، لكن هذه الحقيقة!
فنرجع، فالتيار العام هو تيار هؤلاء العلماء، النظاميين بلُغة بعضهم، الذين تلقوا علومهم، سواء في عالمهم الإسلامي أو في العوالم الغربية المُختلفة، بالطريقة الغربية، وفق المناهج الغربية والمُخرجات الغربية، تماما! ولا يرون مبدئيا أن هناك إشكالية في تلقي هذا العلم. لماذا؟ لأن هذا العلم مبدئيا عالمي، وموضوعي، ومُحايد، وخال من القيمة Value free! هكذا!
طبعا ستقول لي هذه سذاجة؟ وهذا صحيح! أتفق مبدئيا، أنك قد تجد عالما كبيرا، على هذا النحو، وقد يكون حاصلا على جوائز في العلم! من ناحية أنه عالم، عالم! لكن لأن خلفيته في فلسفة العلم ضحلة جدا، أو مُنعدمة، فيُمكن أن يبلع مثل هذه الكليشيهات، التي لا يُمررها أي فيلسوف علم غربي، مُستحيل!
تقول له العلم موضوعي. يقول لك (صح النوم)، موضوعي كثيرا! تفهم ما هي الموضوعية! العلم عالمي. يقول لك هذه مقبولة إلى حد ما، لكن ليس بالطريقة التي أنت تفهمها. والعلم مُحايد. يقول لك (صح النوم). والعلم خال من القيمة. (صح النومين). مسكين تتكلم كلاما أنت لا تفهمه. يقول لك!
للأسف هؤلاء العلماء النظاميون، أو الحداثيون بلُغة سيد حُسين نصر، ينطلقون ويصدرون عن هذا المنطق! العلم بخير، نحن لسنا بخير. العلم عالمي، موضوعي، مُحايد، خال من القيمة! لذلك لا تُوجد مُشكلة. العلم مثل التلفزيون، مثل السيارة! أي مثل التقنيات جعلوه، العلم! يُوجد فرق كبير بين التقنية وبين العلم.
مثل السكين، مُحايد، تستطيع أن تستخدمه في الخير، كما تستخدمه في الشر! أنت كمسلم خُذه؛ هذا العلم المُحايد، استخدمه في الخير، السلام عليكم. لا إله إلا الله! هذا هو؟
لا، هذا موقف شديد التسطيح، شديد السذاجة والبساطة، إلى حد طفولي! لكن للأسف يُوجد علماء كثيرون، من ذوي الخلفيات الضحلة جدا في فلسفة العلم، يصدرون عن هذا المنطق، ويُرددونه، بين المسلمين.
لذلك كما قلت لكم هذه فئة رابعة الآن، لا تُشكل تيارا، ولا تُشكل مدرسة؛ لأن تنظيرها تقريبا يقتصر على ما ذكرت!
لما سُئل البروفيسور محمد عبد السلام – رحمة الله عليه – ما بال المسلمين؟ أي أين الخطأ؟ كما يقول الأجانب! أين الخطأ؟ ما بال المسلمين؟ تعرف ماذا قال؟ قال ما من مُشكلة! كل ما حدث أننا أسسنا العلم! نحن المسلمين أسسنا العلم، في قُرطبة وبغداد والقاهرة ودمشق! أي في عواصم المسلمين، أسسنا العلم! ليُثمر في عواصم أوروبا! قال هذا الذي حصل! نحن الذين أسسنا!
ماذا يُريد أن يقول البروفيسور محمد عبد السلام؟ يُريد أن يقول هذا العلم في نهاية المطاف بضاعتنا، بضاعتنا! نحن أسسناه! فهلموا، هلموا إلى استحيائه واستيراده والإضافة والإبداع فيه من جديد. لا، منظور سطحي جدا جدا هذا! مع احترامنا للبروفيسور الكبير، أول مسلم يحوز جائزة نوبل Noble!
والمسلم الثاني؟ أحمد زويل – رحمة الله عليه -! ألف وتسعمائة وتسع وتسعين! أي ألف وتسعمائة وتسع وسبعين الثورة الإيرانية، أي نفس السنة! محمد عبد السلام، مع جلاشو Glashow، وستيفن واينبرج Steven Weinberg! الثلاثة تقاسموها! وطبعا العجيب الآتي! هذا العجيب! وهو نفسه؛ البروفيسور محمد عبد السلام، تمثل بهذه الحالة!
قال انظروا مثلا، أنا مسلم، أعتز بديني، وأعبد ربي، وعندي علاقة خاصة بالله عز وجل. هو ذكر هذا! وأنا سمعت هذا بأُذني، أي لما استمعت إلى مُحاضرته، التي التقينا فيها! سُئل، فقال أنا مثل الشيخ الرئيس ابن سينا، استفدت منه! حين تعضل بي مسألة علمية، أفزع إلى الصلاة، وأُهرع إلى الدعاء.
وقال بفضل الله تبارك وتعالى في مُعظم الحالات يُلبيني ربي! فشيء جميل، أي عنده هذه الروحانية الرجل، وهو يعيش هذه الحالة! وإلا كما قلت لكم ما الذي أبكاه ذلك البُكاء المُر حين سمع سورة الفجر مني؟ أي بُكاء عجيب! جعل الناس يحزنون من أجله! يهتز الرجل! فالرجل واضح أن عنده تجربة روحية قوية – ما شاء الله تبارك وتعالى -.
فكان يقول لك أنا مسلم، وعندي هذه الحالة الدينية، وفي الوقت زميلي وصديقي ستيفن واينبرج Steven Weinberg، شريكي في جائزة نوبل Nobel! مُلحد، ومُلحد عنيد! ألا يكفيكم هذا في التدليل على أن العلم مُحايد؟
واشتغل هو وستيفن واينبرج Steven Weinberg في المجال نفسه! الذي كان ضمن النظرية المُوحدة! جهود على طريق الوصول إلى النظرية العُظمى المُوحدة، أو نظرية كل شيء! التي لم نصل إليها إلى الآن.
فقال أنا مسلم، وواينبرج Weinberg مُلحد! طبعا كلامهم كان عن الكهرومغناطيسية والقوى النووية الضعيفة، ومحاولة الجمع بينهما! وأخذوا نوبل Nobel على ذلك الثلاثة! فقال هذا هو! لا تُوجد مُشكلة.
العلم مُحايد، يحمله مسلم مُوحد، يحمله لا أدري Agnostic، يحمله مُلحد عنيد! لكن هو بحد ذاته ليس مُلحدا ولا لا أدريا ولا مؤمنا! العلم! العلم تقص للطبيعة، وفق منهج مُحدد! فقط، هذا هو كل شيء! الموضوع الآخر موضوع ثان هذا! هكذا هو مُقتنع! لا، الموضوع لا يزال أعمق من هذا، هذه المُشكلة! الموضوع أعمق من هذا، وسوف نرى كيف!
فما أُريد أن أقوله إن هذا ليس تيارا، هذا موجود، وله أتباع كثيرون، أمثال هؤلاء العلماء الذين ذكرت. أي لو سألت أيضا أحمد زويل ما موقفك؟ فسوف يكون موقفه نفس الشيء! كثيرون كثيرون كانوا بالطريقة هذه! عندهم هذا الموقف! لم يُشكلوا مدرسة كما قلت لكم! لماذا؟ لأن البسطة أو المهاد التنظيري غائب تقريبا. وإذا كان هناك تنظير، فهو هذا! ترديد هذه المقولات البسيطة، المُفرطة في العمومية والتبسيط! والتي لا تُسلَّم من أي فيلسوف علم، على الإطلاق! وخاصة من فلاسفة العلم الذين ينطلقون من خلفية سوسيولوجية، أو ما يُعرف بالألمانية – والألمان هم الرواد الكبار في هذا الحقل، وهم الذين بُسمونها هذا – Wissenschaftssoziologie! أي سوسيولوجيا العلم!
هؤلاء يقولون لك لا، العلم لا هو حقيقة موضوعية، ولا مُستقلة، قصة ثانية! العلم بنية وهيكل اجتماعي! عجيب! يُفبرك العلم أشياء! هكذا يرى هؤلاء، وطبعا هذه نظرة مُتطرفة، لكن موجودة، هذه المدرسة السوسيولوجية الآن في تفسير العلم! يُوجد علم كامل الآن، حقل كامل؛ Field كامل، اسمه علم اجتماع العلوم! سوسيولوجيا العلم!
هذا يقول لك العلماء والمؤسسة العلمية قد تُفبرك – تُفبرك، تُصنع – ما يُسمى ويُعطى مُلصق حقيقة علمية – نفترض – أو كشف علمي! لصالح ماذا؟ لصالح أهداف اجتماعية مُحددة! سياسية أو اقتصادية أو…أو…إلى آخره!
وعنده أمثلة على ذلك! لكن ليست هذه الحالة دائما بصراحة! هذا نوع من التطرف، ونوع من الغلواء، من الغلو! ليست هذه الحالة دائما!
على كل حال، للأسف أدركنا الوقت الآن لهذه الحلقة، سنُنهيها – إن شاء الله تعالى -، على أمل أن نستكمل في الحلقات المُقبلة.
في الحلقة المُقبلة، حتى لا أنسى، سأفتتحها بالسبب الذي حمل البروفيسور سيد حُسين نصر، على أن يدرس فلسفة العلم وتاريخ العلم! لماذا؟ لأن هذا السبب وهذه الواقعة لها علاقة كبيرة بما ختمت به مُحاضرتي الآن!
العلم ليس بتلك الحيادية، وليس بتلك الموضوعية، وليس كما يُصوره هؤلاء العلماء النظاميون، لا! له جنبة أُخرى، مُختلفة تماما أو إلى حد بعيد!
فإلى ذلك أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أضف تعليق