طرح الدكتور أحمد العرفج بعض الأسئلة التي تتعلَّق بموضوع الحلقة والتي تحمل عنوان ما هي الثوابت في الإسلام؟
قال الدكتور عدنان إبراهيم إن موضوع الحلقة من الموضوعات الشائكة، وأشار إلى أن بعض الناس يقول هذا موضوع مُبتدَع، فليس في الدين ثوابت ومُتغيِّرات، ويستدل ببعض الآيات، مثل لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۩، في حين أن هذه الآيات تتحدَّث عن المصادر، فكتاب الله مصون محوط من تطرّق الباطل لكن هذا لا يعني البتة أن الناس لا يختلفون في فهم الآيات ظنية الدلالة، وهذا ما حصل للصحابة ولمَن بعدهم.
أوضح أن بعض فهوم الآيات ظنية الدلالة قد يُشتهَر في زمن ما ثم ينسخه فهم أقعد منه وأسعد بالأدلة، لذلك الأئمة الأربعة وغيرهم كانوا يُحرِّجون في تقليدهم وينهون عنه، لأنهم يعلمون أنهم ليسوا معصومين.
أكَّد على أن قضية الثابت والمُتغيِّر قضية مطروحة لها أصول في الأدبيات الإسلامية القديمة، فالعلماء تكلَّموا عما يتغيَّر من الأحكام وما لا يتغيَّر مثل ابن القيم الجوزية.
أشار إلى القاعدة الأصولية الشهيرة لا يُنكَر تغير الأحكام بتغير الأزمان، وقال ما بُني على الأعراف يتغيَّر بتغير الأعراف، وكذلك ما بُني على المصالح وما بُني على العلل وهكذا.
أكَّد على وجود رسائل علمية مُحترَمة في هذا الموضوع، وقال إن موضوع الثوابت والمُتغيِّرات يُمكِن تناوله بأكثر من اعتبار.
تكلَّم عن الثابت والمُتغيِّر باعتبار المصادر، فالقرآن ثابت بلا مثنوية، وقال إذا نفيت القرآن فأنت نفيت الإسلام كله، لكن الآن بعض مَن أُصيبوا بخبل في عقولهم باسم التجديد والاجتهاد يُريدون أن يُطرِّقوا الشك في نفوسنا إلى القرآن الكريم وخاصة في صدقيته وثبوته عن رسول الله، وهذه مُحاوَلة فاشلة، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ۩، زُهاء ألف وأربعمائة سنة والتاريخ يُصدِّق هذه القولة الإلهية، فلم يستطع أحد أن يُغيِّر فيه حرفاً.
قال إنه لا يتكلَّم الآن عن دلالات الآيات ومراتبها، وإنما يتكلَّم عنه كمصدر ثابت، وقال السُنة مصدر أيضاً وستبقى مصدراً رغم أنف القرآنيين، فلا يُمكِن الاكتفاء بالقرآن وحده وإلغاء السُنة جُملةً وتفصيلاً، خاصة أن هذا نوع من الظلم البالغ، فهؤلاء جعلوا لهم الكثير من الفهوم في كتاب الله ومنعوا هذا على رسول الله الذي على قلبه أُنزِل هذا الكتاب، كأن ليس له الحق في فهم كتابه الذي أُنزِل عليه.
أضاف أن ما من قانون يُسَن إلا ومعه مُذكرات تفسيرية، وقال إن عبد الرزّاق السنهوري – أبو القانون المدني العربي – ألَّف كتاباً صغيراً له في القانون المدني ثم شرحه في مُجلَّدات ضخمة.
أوضح أن كلمة البسيط تعني المُسهَب جداً وهذا عكس ما يعتقد الناس، وتساءل أليس من حق القرآن أن يكون له مُذكرات تفسيرية؟ أليس من حق رسول الله أن يقول فيه؟
أضاف أننا لا نقبل كل السُنة من صحيح وضعيف ومكذوب وما إلى ذلك، فهنا يُوجَد منهج لعلماء الحديث وإن لم يكن ثابتاً مُطلَقاً، فهو يقبل النقد والاجتهاد لكن لمَن كان أهلاً.
رفض إلغاء السُنة وشطبها كمصدر تشريعي، وقال هذه جريمة فيها عجرفة رهيبة، لكن فيما عدا ذلك يُوجَد مسرح للنظر خاصة في مدي حُجية أنواع من الأحاديث، مثل هل تُقبَل أحاديث الآحاد في باب العقائد؟ وإن كان هذا لا يدخل في اعتبار المصدرية، لأن السُنة كمصدر مُعتبَرة بعد القرآن الكريم.
تساءل هل الآن يُعتبَر بعض المصادر الأُخرى الاجتهادية في تقرير الأحكام؟ وقال هذا موضوع خلاف مثل الإجماع، فلا يُوجَد إجماع على الإجماع.
قال الإجماعات التي وقعت واتفقت عليها الأمة كلها بكل فرقها استناداً على النص القطعي – قطعي الثبوت وقطعي الدلالة – لا يُنكِرها عاقل، لكن المُستنَد هو المُهِم وليس الإجماع وهو النص القطعي، وإن كان للإجماع فائدة في أنه يُنهي إلى علمنا أن الدلالة قطعية، لكن ليس الإجماع هذا الذي يتكلَّم عنه الأصوليون ويدّعونه في مسائل كثيرة لا يصح منها إلا القليل.
أضاف أن القياس فيه خلاف وقال إن ابن حزم يُنكِره، فضلاً عن وجود أمور أخرى فيها خلاف مثل سد الذرائع والعُرف وغيرهما.
أوضح أن ابن السُبكي تحدث في جمع الجوامع عن الإلهام لكن لا أحد يأخذ به كمصدر من مصادر التشريع.
تحدَّث عن مُستوى مجال الثابت والمُتغيِّر، فهناك العقيدة وهناك الفقه، أي الأصول والفروع، مُشيراً إلى أن الآداب والأخلاق تدخل في الفقه في التقسيم العلمي الحديث.
قال الفقه يُقسَّم كالتالي: العبادات، قطاع المُعامَلات، قطاع أحكام الأسرة أو الأحوال الشخصية، والأحوال الشخصية مع المُعامَلات تُشكِّل القانون المدني، الأحكام الجنائية التي فيها العقوبات والتعايز وتدخل في القانون الجنائي، السياسة الشرعية التي تُنظِّم علاقة الراعي بالراعية والعكس، وهذه تُسمى في القانون الحديث بالحقوق الدستورية والحقوق الإدارية، علاقة الدولة المُسلِمة بالدول الأُخرى وتُسمى بأحكام السير والآن تُسمى بالقانون الدولي، وأخيراً لدينا الأخلاق والآداب.
ذكر أن الثابت في العقيدة هو ما ثبت بنصوص قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، وهذا رأي الجماهير.
قال إن الأشياء التي فيها خلاف ليست ثابتة، فالثابت هو الذي يتفق الكل عليه وقد ثبت بنصوص قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، مثل أركان الإيمان: الإيمان بالله وملائكته وكُتبه ورُسله واليوم الآخر، وهذه منصوص عليها في كتاب الله فضلاً عن أحاديث كثيرة، وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ۩.
أضاف أن موضوع رؤية الله ثابتة بأحاديث عن عشرين صحابياً لكنه لا تتوفَّر على التواتر إن حققنا المعنى الصحيح للتواتر، ولذلك رؤية الله في الآخرة لم يقل بها إلا أهل السُنة والجماعة، فيا فرحة الإسلام إن فعلنا مثل بعض المُتشدِّدين وقلنا إنها من الثوابت العقدية، لأننا بهذه الطريقة سنُكفِّر أمة محمد كلها عدا أهل السُنة والجماعة، وهذا لا يسوغ.
أكَّد على أن كل القرآن مُتواتِر بخلاف السُنة، أي كله قطعي الثبوت، لكنه في الدلالات منه ما هو قطعي ومنه ما هو ظني، ومنه ما هو مُحكَم ومنه ما هو مُتشابِه.
ذكر أن البعض يقول عدم البناء على القبور من ثوابت العقيدة ويقول إن فيه شُبهة شرك وهذا غير صحيح، فهذا الموضوع ثابت النهي عنه بحديث جابر الآحادي لكنه ليس من مسائل العقيدة، فضلاً عن وجود عدة معانٍ مُختلِفة لهذا الحديث تم ذكرها، ومن هنا الاندلاع في تكفير الناس لعدم وجود تحقيق علمي.
قال إن الموقف من الأسماء والصفات من أكثر القضايا التي شقت الأمة وإن كان ليس من الثوابت، لذا يقول البعض عن الأشاعرة أنهم ضلال بل كفرة، في حين أن جماهير الشافعية والمالكية إلا أقل القليل من الأشاعرة، أي أن الإمام النووي والسيوطي وابن حجر العسقلاني وغيرهم كفرة.
أضاف أن أشعرية ابن حجر في فتح الباري أفتوا بحرقها لذا أنكر الشيخ ابن العثيمين أنكر عليهم هذا.
أكَّد على أن العقيدة لا تُثبَت بأحاديث آحاد، لذا هو لا يقتنع برأي ابن تيمية ومَن مثله الذي يقول الآحاد قد يُوجِب العلم – أي العلم القطعي – إذا احتفت به القرائن، وهذا ليس رأي الجماهير، وإن كان رأيها لا يُمكِن إلزام الأمة به لوجود خلاف.
عرض الدكتور أحمد العرفج مُداخَلة الحلقة للإعلامي عليّ الظفيري، ومُلخَّصها أنه تساءل مَن الذي يُحدِّد الثوابت؟ وقال إن بعض المدارس الإسلامية تهتم بالقشور أكثر من المضمون، مُشيراً إلى أن ما يُعتبَر ثابتاً في مرحلة ما قد لا يكون ثابتاً في أُخرى، وأخيراً أوضح أن أوروبا لم تتقدَّم إلا بعد مُراجَعة نقدية من الثوابت.
أثنى الدكتور عدنان إبراهيم على المُداخَلة وأشار إلى ضرورة وجود آليات ومُسلَّمات للإجابة عن سؤال مَن يُحدِّد الثوابت؟ وقال لا يُمكِن التعرف على هذا الدين إلا من خلاله مصادره المُشار إليها سابقاً.
أكَّد على أن الثوابت لا تُوضَع وإنما تُكتشَف مثلما فعلنا مع العقيدة، ثم تحدَّث عن إشكالية الاهتمام بالقشور أكثر من المضمون مثل اللحية والجلباب وما إلى ذلك، وقال بحسب طريقة أهل السُنة والجماعة مَن مات على التوحيد هو من أهل الجنة وإن سبق له العذاب.
أوضح أن العقيدة في جوهرها هي خبر الله ولذا هي مسائل علمية، فالله قال لنا هناك جنة ونار وملائكة وجان وما إلى ذلك، فإذا لم يقبل أحد هذا كفر لأنه يرد على الله ويُكذِّبه.
قال إنه كُفِّر لعرضه مسألة فناء النار ومصير الجهنميين والتي عرضها ابن تيمية – وإن تُنوزِع في نسبتها إليها – وثبتت عن تَلميذه ابن القيم الجوزية في كتابين له، فهو مُتعاطِف مع أنه لا يبقى في النار أحد إلى أبد الآبدين، وأشار إلى أن رشيد رضا انتصر إلى هذا الرأي.
أضاف أن البعض ظهر له أن ابن القيم توقَّف في هذه المسألة، وهذا التوقف على طريقة مَن يُكفِّرون يُعتبَر تكذيباً لما قالوا عنه أنه أمر قطعي.
قال العبادات تدخل في دائرة الثوابت ويُقصَد أصول العبادات، فالمُسلِم مفروض عليه أن يُصلي ويصوم ويُزكي ويحج، هذه ثوابت، لكن آحاد المسائل مما وقع فيه اجتهاد أمر مُختلِف.
استدل بعبارة الغزّالي المُجتهَد فيه هو كل ما لا نص قطعي – أي قطعي الدلالة – فيه، وأوضح أن في الأحكام الفقهية الفروعية يُقبَل بغلبة الظن على عكس العقيدة التي فيها قطع لأن الخطأ في العقيدة يُوجِب الخلود في النيران لكن الخطأ في الفروع يُرجى له الغفران.
أكَّد على أنه لا يُمكِن الاستعاضة عن الصلاة بالتأمل مثلاً، فهذا إلحاد في دين الله، وهي ضمن العبادات وليس المُعامَلات، أي أنها ليست مبنية على علل قد تتغيَّر، فالعبادات نوع من تنظيم الصلة بين العبد وربه بالطريقة التي شاءها الله.
شدَّد على أن الصلاة من الثوابت ولا يُمكِن التشكيك فيها، لكن التكتف في الصلاة – مثلاً – من الأمور التي وقع فيها الخلاف بين المُصلين.
عرض الدكتور أحمد العرفج فيديو الحلقة للدكتور عمر عبد الكافي، ومُلخَّصه أنه قال هناك ثوابت وهناك مُتغيِّرات، وأوضح أن الثوابت هي قواعد التوحيد والآيات المُحكَمات في كتاب الله وأوامره ونواهيه الواضحة بآية قرآنية أو بسُنة مُحكَمة، فلا اجتهاد مع النص.
أضاف أن المُتغيِّرات هي المسائل التي فيها خلاف بين العلماء مثل قضية استنساخ الحيوانات والنباتات وما إلى ذلك، وأكَّد على أن هذا يُجتهَد فيه مِن قِبل مَن عنده أدوات الاجتهاد.
اختلف الدكتور عدنان إبراهيم مع بعض ما أتى في الفيديو، فالثوابت تُثبَت بشرط القطعية في الورود والثبوت، وللعقل مُدخَلية في هذا.
أضاف أن الدكتور عمر عبد الكافي تحدَّث عن الآيات المُحكَمات وهذا غير دقيق بالمرة ولا يُوافِقه عليه عالم، لوجود الآيات المُتشابِهة في باب الأسماء والصفات مثل آية الاستواء، فهي ليست مُحكَمة المعنى ولذا تطرق إليها الخلاف، لكنها من الثوابت بمعنى وجوب الخضوع لإخبار الله عن نفسه، فلا يُمكِن إنكار الاستواء.
أوضح أنه يتعامل مع هذا الموضوع بجدية لأن ينبني عليه موقف الأمة من بعضها البعض، فإن لم تُحكَم بشكل واضح لا تزال الأمة تتنابز بالتكفير والإخراج من المِلة، فالاستسهال في التكفير أحد طرق الإرهاب لأنه سهَّل على شبابنا أن يقتل بعضنا بعضاً، ولذا هو ضد توسيع دائرة الثوابت، لأنها لو توسَّعت لتحرَّج الأمر.
استثنى قواعد الأخلاق التي هي مُشترَكة بين الأديان وبين أفراد النوع البشري، ثم تحدَّث عن الأحكام الشرعية الثابتة بالكتاب والسُنة لكن دلالتها حولها اجتهاد، واستدل بموقف الفاروق من سهم المُؤلَّفة قلوبهم الذي أعمل عقله في النص من حيث المناط.
أوضح أن المناط كان مُركَّباً من أمرين، الأول ذلة المُسلِمين وضعف الإسلام والثاني أن هؤلاء لا تطمئن قلوبهم إلا بأموال، لذا عمر لم يتألَّفهم عندما تغيَّر الوضع رغم أن الرسول وأبا بكر تألَّفوهم، وقد خالفه الصحابة لكن لم يُغمز أحد قناة إيمانه مثلما يفعل بعض مَن يشنأه اليوم ويدّعي أنه اجتهد بعقل ضد النص.
أكَّد على أن مُعظَم الأحكام الواردة في الكتاب والسُنة تتعلَّق بتحقيق المناط، وضرب مثلاً يتعلَّق بميراث العصبة مع البنات مُشيراً إلى ضعف العلاقات في الأسر المُمتَدة الآن على عكس الأسر النووية التي قد يتغيَّر وضعها بعد سنوات.
أوضح أن جهاز الحسبة ليس من الثوابت، وختم الحلقة بتغريدة للمُغالين والمُميعين في الثوابت قائلاً لا تحجبوا الإسلام بالإفراط في ثوابته ولا تُذيبوه بالتفريط فيها.
أضف تعليق