أن تكون مختلفاً، أن تفكر بطرق غير تلك التي يفكر بها الكثيرون، أن تُعمل عقلك في كل ما تراه، ذلك يعني أنك ستصبح منبوذاً، مطروداً من الجنة التي نصبها أولئك لأنفسهم، ولمن اتبعهم، والأسوأ من ذلك أنك لوهلة قد تشك في صحة معتقداتك، وتنجرف مع التيار، لكن إن كنت عقلانياً أكثر فكل ذلك لا يهم، ما يهم هو أنك تعمل بطريقة تُلائم عقلك وترضي قلبك.
ولأن الناس يجنحون عادة إلى مقاومة الأفكار الجديدة ويركنون لما اعتادوا عليه من عادات، فإنهم يطمئنون لأفكار مجتمعهم، شيوخهم، آبائهم، ولا يحاولون نبش تلك الأفكار ووضعها أمام ميزان العقل وحجة النص، بل يفعلون كما قال عنهم تعالى: {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون}، {قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}. وهم حقيقة في أزمة كبيرة بين الاستئناس بما لديهم من قيم وتاريخ وعادات، وبين طمس ذلك ورؤية الجانب الآخر من الحقيقة، الخيار الأول يظل الأسهل دائماً.
ولو نظرنا إلى المجددين، المغيرين، الذين يقلبون المفاهيم، لوجدنا مقدار الأذى الذي لقوه بسبب سباحتهم ضد التيار الهائج، بدءاً من أنبياء كنوح، إبراهيم، موسى، ومحمد (عليهم السلام)، ومروراً بأصحاب الأفكار العظيمة، كسقراط، غاليليو، ابن سينا، غاندي، مارتن لوثر كينغ وغيرهم. هؤلاء العظماء وأمثالهم لم تكن أفكارهم مهادنة لقيم المجتمع السائدة بل كانت مصادمة لها، ولذلك كانت تنتهي حياتهم بالقتل، أو يتم تشويه تاريخهم وسيرتهم من بعدهم {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون}.
وما أشبه الليلة بالبارحة، ففي مجتمعاتنا العربية، ومجتمعنا المحلي بشكل خاص، كلما أتى شخص بفكرة جديدة، وكل ما همس أحد بتغيير، تكالبت عليه سيوف الإقصائيين من عوام ومن ورائهم مفكرو النمطية وشيوخ التقليدية، فيرمونهم بأبشع الصفات، ويقمعونهم بأقسى أساليب الإقصاء. ولو حللنا ذلك لخلصنا إلى نتيجة مفادها ضعف حجة أولئك الذين يسلكون مسلك التخويف من المختلف، وقولبة الأفكار المضادة.
ذلك الرعب من الأفكار الجديدة يتجسد أحياناً في صورة سباب وشتم من العوام الذين يرتدون لباس دين البسطاء والمقلدين، وقد يتجسد بهيئة قمع وتفسيق وتبديع وربما تكفير المخالف من قبل مفكري وكهنة النمطية والتقليدية، والنوع الأخير هو عادة من يعطي الغطاء الفكري الساذج لأولئك العوام كي يشرعوا في مرحلة إسقاط الأهلية ونزع المصداقية من ذلك المخالف، وبالتالي يصبح كل ما يقوله باطلاً ولو كان حقاً.
وعليه لم يكن من المستغرب أن يقوم هؤلاء بحملات من السب والشتم والتبديع والتكفير لشرفاء ومفكرين وشيوخ من أمثال طارق السويدان، سلمان العودة، محمد الأحمري، وعدنان إبراهيم، لنزع مصداقيتهم الشعبية سريعاً. والأخير بالذات، وصل بهؤلاء إلى حافة الجنون وهاوية الإفلاس الفكري والخواء العلمي، فبسبب عجزهم عن مجاراته علمياً وعقلياً وفقهياً هربوا من مواجهته بشكل مثير للشفقة، واتجهوا لشتمه وتفسيقه عن بعد، ثم رميه بتهم الترفض والعلمنة لإسقاط فكره سريعاً ونزع مصداقيته الشعبية، وهذا أسلوب مهم من أساليبهم. بل وصل بهم الحال إلى الفتوى بعدم جواز الزواج ممن يتبع أفكاره، في مشهد كوميدي رخيص.
ولأن الأمثلة منذ بدء التاريخ وحتى عصرنا الحالي لا تنتهي، فإن مجددي الفكر وقادة التغيير يظهرون باستمرار ولا يلبث فكرهم أن ينتشر مهما حاول كهنة النمطية قتله أو ردمه، وغالباً ما تكون حجج أولئك المجددين قوية لدرجة أن الجميع يخشى التأثر بها، فيفعلون كما فعل الطفيل بن عمرو عندما كان يضع القطن في أذنيه كي لا يسمع رسالة السماء من خير البرية، ولكنها الفكرة الصادقة القوية، تصل ولو فعلوا ما فعلوا، ولا يمكن للقمع والسخرية والشتم والإقصاء أن تمنعها من الوصول، ولو بعد حين.
إذن، ماذا يعني أن تفكر؟ إنه يعني أنك تملك عقلاً يجب عليك أن تستخدمه لمقارنة الأقوال واستنباط الحقائق، يعني أن ترفض بشكل مطلق تقليد غيرك والسير في القطيع بلا وعي، أن تستخدم هذه الهبة الربانية التي ميزك الله بها عن البهائم وجعلها مناط التكليف، ولا تركن إلى من يحاولون صبك في قالبهم لتتشكل كما يريدون، وتصبح مجرد شخص آخر، فلا ترتقي كينونتك لمدى تفردك في هذا العالم.
أن تفكر، يعني أن تعيش حراً.
فكر جيدا: ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون )
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا .
فهل أنت أعلم من الله?
(وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير)
(ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا)
قتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر فتول عنهم يوم يدع الداعي إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر
الله سبحانه وتعالى امر البشرية كلها بالتفكر والتدبر ،
والقران الكريم زاخر بالآيات التي تدعو للفكر والعقل والابصار والتعقل
والابتعاد عن التقليد الأعمى والنمطية .
اكيد ان الله عز وجل اكمل لنا الدين كله وأبان لنا كل ما ينفعنا في الدنيا والاخرة ،
لكن هذا لا يمنع ان نعمل فكرنا ونتدبر في آيات الله سبحانه وتعالى ونطلق العنان للفكر ان يسبح في ملكوت الخالق عز وجل .
ردا على التعليق السابق
وتحية وسلاما لسيدي ووالدي الدكتور عدنان ابراهيم
ابنتكم ام ريان تسالكم الدعاء .