قبل أيام حدَّثني أحدهم – وأختم بهذا هذه الخُطبة – عن رجل من غير المُسلِمين، من أهل ديانة توحيدية أُخرى، هل هذا واضح؟ وهذا الرجل له أشياء عجيبة وما إلى ذلك، وهو شفّاف وراقٍ ويعرف أشياء مُعيَّنة ويُوصي بأشياء مُعيَّنة ويفعل الصلاح، وبعد ذلك إذا أنت أردت أن تُعطيه ما أنت مُعطيه فإنه يقول لك لا، لا تُعطني، أنا لا أُريد، ضع هذا حيث يرضى الله – تبارك وتعالى -، حيث يرضى الرب، تقول له أين أحطه يا سيدنا ويا مولانا أو يا سيدهم؟ فيقول لك حط هذا في المكان الذي يُوجَد فيه فقراء، في المكان الذي يُوجَد فيه جهلة، في المكان الذي يُوجَد فيه مساكين، في المكان الذي يُوجَد فيه مرضى، حطه في إفريقيا، في آسيا، وفي أوروبا، أينما تُريد! أينما تُريد ضعه، حطه عند هؤلاء المُحتاجين، قال لي ما هذا؟ وهذا المُسلِم للأسف أتى إلىّ وهو مُتحيِّر ومُتلبِّك، أي وهو (داخل في بعضه) كما يُقال، فقلت له يا أخي ما المُشكِلة؟ يا أخي الله قال وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ۩، صُدِم هذا الرجل، أخي في الله صُدِم، وكادت تفرط دمعة من عينه، قلت له ما لك أنت؟ ما الأمر؟ هذا قرآن قلت له، القرآن علَّمنا العدل وجعلنا واقعيين، لم يُعطنا نظرية تقول إن غير المُسلِم كافر ابن ستين كذا، وكلهم في جهنم، وهم يكذبون على الله، قلت له الله قال لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ۩، واضح أنه بعنوان كتابيته، أي ما زال هو على كتابيته، لا تقل لي إنه أسلم، من أين لك هذا؟ أتكذب أنت؟ أتقول كلاماً من عندك أنت؟ هل أنت تُؤلِّف على الله؟ هذا – مثلاً – يحدث مع الآية الثانية والستين في البقرة، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ۩، أي نحن، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ ۩، هذا واضح، لا تقل لي مَن أسلم، لأن لو كان المقصود مَن أسلم منهم لقال عن الكل ماذا؟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ۩، وانتهى الأمر، هناك آيات تقول إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ ۩… كذا، لا! الله قال إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ ۩، كل هؤلاء، كلهم! مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۩، لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ۩ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ۩ وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ۩، قال لي كأنني لأول مرة أسمع هذا، قلت له هذا القرآن علَّمنا العدل وعلَّمنا الواقعية، أن نكون واقعيين وموضوعيين وأن نكون مُنصِفين مع غير المُسلِمين، ليس فقط مع المُسلِمين، ومع غير المُسلِمين.
نسأل الله مرة أُخرى أن يسلك بنا خط المعدلة وخط الإنصاف، وأن يكشف الغماء، أن يكشف هذه السحابات وهذه الضبابات عن أعين بصائرنا، وأن يُرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يُرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
جزاك الله خير الجزاء يادكتورنا الفاضل