نحن العجزة، هذه أمة العجزة اليوم، لا أحسب أنه على وجه الأرض أمة أعجز من هذه الأمة، ليس فقط تتورَّط هذه الأمة بعدم أخذها بأسباب الكيس والحزم والاحتياط والتدبير وحُسن النظر والتأتي إلى كل الأمور ومعرفة الموارد والمصادر – لا ليس هكذا – بل هى تعمل بكل حيلة ووسيلة ضد مصالحها وضد وحدتها وضد أمنها وضد استقرارها، وهذا شيئ عجيب، هذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أنها عملياً – ماذا أقول؟ هل أقول كافرة بتراث محمد؟ – كافرة، لا تُؤمِن بهذا التراث ولا تستفيد منه ولا تستوحيه ولا تسترشده ولا تسأله، ليس لها علاقة به على الإطلاق، وهذا الدين هو دين الكيس ودين الحزم، والمُؤمِن كيّسٌ فطن وليس عاجزاً أحمقاً غبياً يُلعَب به ويكون مُغفَّلاً ولُعبةً للأمم ولُعبة للكبار والصغار على جميع المُستويات أبداً، قال حتى هذه الكلمة لا تقلها الآن، في هذا السياق لا تقلها، وإلا حسبنا الله في كل حال، والله – تبارك وتعالى – نعم الوكيل والمُفوَّض إليه الأمر كله في كل حال، لكن ليس في هذا السياق، في هذا السياق أنت تُضلِّل نفسك وتخدع نفسك، أنت بهذه الطريقة تُعرِّض نفسك أن تُعيد هذا الخطأ ألف مرة، تأخذ بأسباب العجز ثم تقول حسبي الله ونعم الوكيل، لكن حسبي الله على عجزك، حسبي الله على حُمقك، تعلَّم هذا، النبي رفض أن تُستعمَل هذه الكلمات المُقدَّسة الجليلة في غير سياقها، كم نفعل هذا؟ نفعله بطريقة مسخرتية إن جاز التعبير، أصبحنا سُخرية لأنفسنا وللأمم كبيرها وصغيرها وجليلها وحقيرها، كم ذا وكأين من أبناء المسلمين وبنات المسلمين في الوقت الراهن انتقلوا من الإيمان إلى الإلحاد والكفر والجحود والنُكران؟ ومن الأسباب – من جُملة الأسباب الكثيرة – التي يُعرِبون عنها ويُبرِّرون بها ويُسوِّغون بها إلحادهم قولهم ألستم تدعونه من سبعين سنة – تاريخ القضية الفلسطينية – لماذا لم يُلبِكم؟ تدعونه وبالذات في مكة المُكرَّمة ليلة السابع والعشرين، ملايين ترفع الأكف ضراعةً وابتهالاً واستبذالاً واستمناحاً واستمطاراً واستنصاراً ثم أمركم من خيبة إلى ما هو أخيب ومن فشل إلى ما هو أفشل ومن سيء إلى ما هو أسوأ، ما العلة؟ هؤلاء المساكين – هدانا الله وإياكم – الذين ألحدوا وتركوا يفاع الإيمان وتهوَّروا في وهدة الكُفران والنُكران لم يعلموا لأنه تقريباً لم يُقل لهم نحن أمة تسخر بدينها وحين ندعو ونرفع الأكف في مكة وغير مكة في كل مساجد الأرض – والله وأنا على منبر رسول الله – إنما نسخر من ديننا حتى لو أرسلنا الدموع وبكينا، كل هذه الدروشة فارغة، هل تعرفون لماذا؟ لأنكم ترفعون أكفكم وتقولون اللهم انصرنا وهذا كذب، أنت تطلب النصر أم الانتصار؟ كُن دقيقاً، نوح كان برأسه ومعه فئةٌ قليلة – وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ۩ – في قومٍ كثيرٌ عددهم ومكث فيهم أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً ۩، هذا كيّس كيّس كيّس، هذا من أولي العزم من الرُسل، هو من الخمسة أولي العزم، أخذ بكل أسباب الكيس، ولما أعيته الأسباب وانقطعت الحيلة وارتفع الأمل بالكُلية قال أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ۩، قال أنا لا أستطيع، أنا لا أستطيع أن أنتصر لنفسي منهم، فأنا أطلب منك يا رب بعد تسعمائة وخمسين سنة في هذا العذاب أن تنتصر لي ولمَن معي، فلبّاه الله، هل تُريدون أن ينتصر الله لكم يا أمة المليار وثمانمائة مليون أم تُريدون النصر؟ لماذا الكذب على أنفسكم وعلى السماء؟ والسماء لا يُكذَب عليها ولا تُخدَع، تقولون اللهم انصرنا وهذا جميل، النصر يكون في معركة، هل تُعارِكون؟ لماذا تكذبون؟ هذا كذب، قال اللهم انصرنا، هل تُحارِب حتى تطلب النصر يا رجل؟ انظر إلى آيات الجهاد في سبيل الله، آيات الذين قاتلوا في سبيل الله، لا يُذكَر دعاؤهم بالنصر إلا حين المُصافة، حين يلتقي الطرفان، حين إذن يرفعون أيديهم ويطلبون النصر، هذا دعاء مقبول وهذا دعاء معقول وله معنى، لكن مثل هذه الأمة – أمة المليار وثمانمائة مليون – ومثل هذا الجمع الكريم – مثلاً – من مئات أو ألوف من الناس يجلسون ويرون امرأة أو فتاة أو سيدة ضعيفة مهيضة الجناح وكسيرة الجانب يعتدي عليها مُجرِم أثيم صائل، رجل قوي بشوارب يقف عليها الغُراب وهو غُراب، فماذا يكتفون؟ طبعاً هؤلاء بالمئات، لو نفخوا عليه لطار، أليس كذلك؟ لو بصقوا عليه لأغرقوه، يرفعون أيديهم اللهم اكشف غُمتها، اللهم نفِّس كربها، اللهم انصرها يا ربي، اللهم دافع عنها وعن عِرضها، والمُجرِم لا يبرح يُبرِّحها ضرباً، ما هذه المسخرة؟ هذه مسخرة، نحن أمة المسخرة، نقول اللهم انصرنا فقط، هل تُريد أن ينصرك؟ أين القتال؟ أين المعركة؟ هل تأخذ بأسباب النصر؟ بالعكس أنت قويٌ على أخيك، قويٌ على شعبك، قويٌ على نفسك، ذليلٌ أمام عدوك وأمام خصمك، يأتينا الآن رجل مثل هذا الذي فاز بالأمس يُهدِّد العالم العربي والإسلامي، مَن هو؟ ما قيمته؟ ما ماضيه؟ كم ثقله في الميزان؟ هذا لم ير أمة تُهاب أصلاً، لم ير لا أنظمةً ولا شعوباً يُمكِن أن تبعث في نفسه شيئاً من مهابة وشيئاً من تحوط، هُنا على أنفسنا وهُنا على الناس كل الناس، نحن نستخدم اللغة بطريقة بشعة – حتى اللغة الدينية – ونكذب على الأسباب – كما قلت لكم – وعلى أنفسنا وعلى السماء والأرض، نحن نكذب، النبي لم يكن ليرضى أبداً بهذه الخُطة اللعينة، قال تبارك وتعالى في سورة القتال – سورة محمد – ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ۩، هذا الانتصار، نحن نُريد الانتصار، لو كُنا صادقين لقلنا يا ربي لا نُريد القتال، لا نُريد الدفاع، لا نُريد حتى أن نُقاطِع، لا نُريد أن نعمل كل شيئ، وانصرنا في فلسطين وغير فلسطين، وهذا كلام فارغ، هذا مُستحيل، حاشا لله، بالعكس لو كان للحكيم فينا دعوة يقول في هذه الحالة اللهم لا تنصرنا لأنك لو نصرتنا أفسدتنا، وحاشا لله أن ينصرنا، يُفسِد علينا ديننا وعقلنا ودنيانا، كل الأمم تتسبب إلا هذه الأمة تُهدِر الأسباب كل الأسباب، ثم تزعم أنها أمة التوحيد والإيمان وأمة تُقبِل على الله الرحيم الرحمن، وكما قلت تستمطره وتستنجزه وتستنصره وتستبذله وتستعطيه، وهذا كلام فارغ، السماء لا تُعطي الحمقى، ونحن أمة حمقى.
من خطبة نحن معاشر الكذابين
أضف تعليق