إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْده، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ۩ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ۩ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ۩ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ۩ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ۩ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ۩ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ۩ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ۩ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ۩ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ۩ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ۩ قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط.آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
ستكون هذه الخُطبة – إن شاء الله تعالى – صلةً بالخُطبة الماضية، ولكن لم خُطبةٌ ثانية؟ لأنهم لا يكفيهم القرآن العظيم، خُطبةٌ ثانية لأن منا مَن لا يكفيه القرآن الكريم، تتلو عليه مسامعه عشرات الآيات البيّنات الواضحات الصرائح المُنيرات فيُعرِض عنها كأن لم يسمعها ثقةً بمروية، يقول لك أين أنت من حديث الأعمى؟ أسأل الله ألا يُعمي أبصارنا وبصائرنا، عشراتُ الآيات البيّنات في كتابٍ نعته مُنزِله – سبحانه وتعالى – بأنه يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ۩، كلُ طريقةٍ وكلُ حالةٍ مهما كانت إذا عارضت وخالفت طريقة القرآن وهدي لقرآن وأسلوب القرآن فهي باطلة باطلة باطلة ومردودة مردودة مردودة، لأن طريقة القرآن – والموصوف هنا هى الطريقة، لِلَّتِي ۩ أي للطريقة التي هِيَ أَقْوَمُ ۩، أسد وأصوب وأعدل، هذا معنى أَقْوَمُ ۩، أسد وأصوب وأعدل – ليست طريقة قويمة وحسب إنما هى الأقوم من بين سائر الطرق، وأحسبُ أن مَن له ثقةٌ تامة بهذا الكتاب العزيز كان يكفيه أن يمر مروراً سريعا مُستقرياً آي الكتاب العزيز ليجد أنه ما مِن آية واحدة تقول إن مُتنقِّص النبيين أو ساب المُرسَلين يُقتَل في كتاب الله بطوله، وإنما يُجابَه ويُواجَه بعد النصح والتذكير بالإعراض والهجر الجميل والصفح الجميل والصبر على ما يقول والتجاوز، والقرآن ملآن – مكيه ومدنيه – بهذا، انتبهوا حتى لا يُضحك علينا – كما قلت في الخُطبة السابقة – ويُقال منسوخ، هناك في الآيات المدنية – من أواخر الآيات القرآنية نزولاً، لم ينسخها شيئ بالإجماع – قول الله وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ ۩، يقول ابن حزم – رحمة الله عليه – ليسوا مُعيَّنين، وهذا غير صحيح، كل المرويات تُؤكِّد أنهم كانوا معروفين واستدعاهم النبي وقرَّرهم ولم يُنكِروا أنهم استهزأوا به وبالله وبالكتاب، لم يأمر بذبحهم ولا بسلخهم وإنما تركهم وشأنهم، قال الله لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ ۩، القرآن قال هذا كفر وهذه ردة، أي هذا كفر ردة، ولم يقتلهم حتى بإسم الردة، لأن المُرتَد المُسالِم لا يُقتَل، هذا كتاب الله تبارك وتعالى، ولم يقتلهم لأنهم استهزأوا به وبالله وهذا أعظم مليون مرة، الاستهزاء بالله وبالقرآن وبالرسول أعظم مليون مرة، هذا قرآن مدني في سورة التوبة فأين نحن منه؟ يُقال لنا منسوخ ويُقال لنا حديث الأعمى وحديث كعب بن الأشرف وحديث عصماء بنت مروان وحديث هيان بن بيان، وهذا شيئ غريب، أسأل الله أن يغفر لنا وأن يُنوِّر بصائرنا حتى تميز الحق من الباطل والخاثر من الزُباد والنور من الظلام.
إخواني وأخواتي:
ما الذي حدث بعد الذي حدث؟ الذي حدث بعد الذي حدث أن هذه المجلة الساخرة يُقال أنها من الدرجة العاشرة، تماماً تقريباً شأنها شأن تلك المجلة التي لا أعرف أنا إسمها وأحسب أنني من الذين يقرأون أو يُنبِّشون لكنني لا أعرف الإسم لأنه لا يلصق في الدماغ، أي المجلة الدنماركية، هل تعرفون لماذا؟ لأن هذه المجلات والصحف ليست مجلات كونية عالمية، بالكاد يسمع ويرى ما يُكتب في أمثالها بعض الناس في الدنمارك أو في فرنسا أو في غير هاتين من البلاد، لكن ما الذي رفعهما إلى مصاف العالمية؟ شارلي إيبدو Charlie Hebdo كانت تُوزِّع خمسين ألف نسخة بصعوبة وكانت على شفا الإفلاس لأسباب مالية، كان يُمكِن أن تُغلق أبوابها وتنتهي، لكنن أنقذها هؤلاء الجناة، وزَّعت في أقل من أسبوع بعد الحادثة كم؟ خمسة مليون، فقط تضاعفت مائة مرة، ليس عشرين وثلاثين وإنما مائة مرة، وزَّعت خمسة ملايين نسخة حول العالم في ست عشرة دولة، فأصبحت عالمية، أصبحت – ما شاء الله – مُعولَمة، إذن هل انتهوا عن سب الرسول؟ للأسف عادت هذه المجلة القبيحة أيضاً نشر أشياء تتعلَّق برسول الله ساخرة لكي تُوصِّل رسالة إلى أن الإرهاب لا يقفنا ولا يردعنا، وبالفعل الإرهاب لم يقفهم ولم يردعهم، وزَّعوا بدل خمسين ألف خمسة ملايين ورسموا عن الرسول مرة أخرى، قال الله وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ – الله هنا يُعلِّمنا – فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ۩، أين نحن من فقه الكتاب؟ أعلم أنني تقريباً كالصارخ في البرية، أخطب بهذا العقل القرآني وبهذا الهدي القرآني وستجدون مئات الخُطباء يصرخون ويزعقون وتنشق عقائرهم فلا بأس وإن كانت هناك بدعة جديدة فيخطبون من Laptop أو من Tablet أمامهم، ما عادوا حتى يتحفظون، يضعون أمامهم الأشياء يقرأونها ويصرخون، هم مُتحمِّسون جداً، يُشوِّهون خيال المسلمين ويُزيِّفون وعيهم، يريدون أن يرتقوا أيضاً بإسم هذا الحماس الذي قد يكون كاذباً – الله أعلم – وقد يكون صادقاً، وحين يكون صادقاً فهو حماس في غير محله، حماس غير عقلاني، ماذا تريد؟ هل تُريد أن تنتصر للنبي؟ أنت لم تنتصر، أنت الآن ألَّبت عليه مزيد تأليب، جعلت الذين يسبونه في الظلام ولا أحد يقرأهم ولا أحد يسمع لهم عالميين وتقرأ لهم الملايين، فصح نومك، لا أقول بارك الله سعيك لكن أقول صح نومك، عسى أن تكون استيقظت من غفوتك، هل كُتِبَ علينا مرةً أُخرى أن نكون أبعد الناس من العقل والتدبر؟ ديننا هو الذي علَّمنا أن ننظر إلى المآلات وأن نزن الامور بمآلاتها، تقول الآيات الكريمات قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ۩ أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ۩ لماذا سكت يا هارون، يا أخي، يا نبي وقد استخلفتك عليهم وقد عبدوا هذا العجل الذهبي من ورائي؟ قَالَ يَا ابْن أُمّ لَا تَأْخُذ بلحْيَتي وَلَا برَأْسي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ۩، قال كانت وصاتك لي ألا أفرق وألا أتسبَّب في نزاع أهلي أو في حرب أهلية، والقضية تتعلَّق بماذا؟ بالعقيدة، وليس بشُبهة في فرع من فروع العقيدة، عبادة عجل ذهبي، هذا كفر وشرك بيّن بغير مثنوية، إن كان النهي عن هذا سيُمزِّق الأمة ينبغي أن أتوقَّف، الآن يقولون لك مزِّق الأمة واقتل الجيش واقتل الشرطة واقتل كل مَن تسبَّب، عجيب هذا الفهم في الإسلام، لا أدري مِن أين يأتون به، يقولون هذا أمر طبيعي، هذا شرع الله، الكل يتنطَّع بإسم شرع الله، ولذلك يا أحبابي – يا إخواني ويا أخواتي – استخدموا عقولكم وقلوبكم، حاولوا أن تتحرَّكوا بفطر نقية، حاولوا أن تجعلوا حماسكم الحقيقي لله ورسوله، لا لأي معاني أُخر تُلبِّسون بها على أنفسكم، حاولوا وسوف ترون الحقيقة فالجة بلجاء واضحة بإذن الله تبارك وتعالى.
بعضهم أعني بعض العرب والمسلمين – بدأ يتحدَّث حديث المُؤامَرة، وهذا مُمكِن، كل شيئ مُمكَن، لأن بعض الفرنسيين فعل هذا، بعض الصحف الفرنسية السيّارة جداً فعلت هذا، لوموند Le Monde تحدَّثت عن احتمال أن يكون ثمة شيئ غير مفهوم في هذه المسألة، كل شيئ مُمكِن وهذا لا يعنينا، لكن ما هى رسالتنا؟ ما هى رسالتك حين تُؤكِّد أن ثمة ما يُرجِّح المُؤامَرة؟ ما هى رسالتك؟ وما هى رسالتي؟ أنا لا يعنيني مُؤامَرة كانت أم غير مُؤامَرة، أنا في كل الاحوال يجب أن أُدين الإرهاب ويجب أن أدمغه ويجب أن أعزله، انتبهوا إلى هذا، يجب أن أعزل الإرهاب، سأُفسِّر هذا وأنا مُتأكِّد أن هذه اللغة غير واضحة لمَن تعلَّموا لغة الحماس والطيران بلا أجنحة والصراخ على المنابر، غير مفهوم هذا الكلام، حتى هذه الجُملة مُعقَّدة جداً، ما معنى أن أجعله معزولاً؟ أنا عارف هذا غير مفهوم والآن سأُوضِّح، أسوأ من هؤلاء بمراحل الذين يقولون لك لماذا يجب علينا أن نُقدِّم صك براءة في كل مرة؟ لماذا لا يُقدِّمون هم؟ قد استعمرونا مئات السنين وذبَّحونا وقتَّلونا، انظر ماذا يفعلون في فلسطين وفي غير فلسطين من بلاد العُرب والإسلام، لماذا نحن فقط حين يرتكب بعض أبنائنا جريمة ينبغي أن نُقدِّم صك براءة؟ مرة أخرى أسأل ما هى رسالتك؟
أولاً المنطق يقول الخطأ لا يُصحِّحه خطأ، وخطآن لا يُساويان صواباً، هم أخطأوا في عهد الاستعمار وما بعد الاستعمار وأجرموا في حقنا وفي حق غيرنا، هم أجرموا أيضاً في حق اليهود، نحن لم نُجرِم بنسبة واحد على مليون مما أجرمه الغرب في حق اليهود، فانتبهوا لأن الحديث دائماً عن اليهود ومأساة اليهود، ومُعاداة السامية وكره السامية ليست خطيئة إسلامية، لم تكن في يوم من الأيام خطيئة إسلامية بل هى خطيئة غربية، هى خطيئة مسيحية غربية حتى نكون واضحين، فالحديث عن المسيحية الغربية، وهذا ليس كلام عدنان إبراهيم حتى لا يُقال هذا خطيب كراهية وإنما هو كلام الراهبة بالأمس والكاتبة اللادينية ويُقال حتى أنها ألحدت وهى البريطانية كارن أرمسترونغ Karen Armstrong، وهو كلام قوي مثل ذراعها القوية، تقول اللاسامية لم تكن يوماً خطيئة إسلامية، بل هى خطيئة مسيحية غربية، تقول الأفكار اللاسامية والأفكار المُعادية للسامية – أي لليهود بالذات – انتقلت إلى الشرق الأوسط لأول مرة في أواخر القرن التاسع عشر، عبر التاريخ الإسلامي ثبت لي هذا بشكل واضح في رسالتي العلمية – الدكتوراة – وسجَّلت هذا بشكل واضح، اليهود على مدى تاريخ الإسلام كان حالهم أفضل من غيرهم، أحسن حتى من النصارى، ما رأيكم؟ مع أن القرآن يقول النصارى أقرب مودة إلينا من اليهود واليهود أبعد، لكن عملياً على مدى تاريخ الإسلام بطوله كان حال اليهود أفضل، هل تعرفون لماذا؟ أعود هنا أقتبس كارن أرمسترونغ Karen Armstrong التي تقول لأن محمداً نفسه مُؤسِّس هذا الدين بزعمهم – وهو مُبلِّغ هذا الدين في إيماننا عليه الصلاة وأفضل السلام – لم ينظر يوماً إلى اليهود من منظور الكراهية العرقية أو الدينية أبداً، بل تعامل معهم على الدوام من منظور سياسي، قرَّبهم وعادهم وواثقهم سياسةً فأهلاً وسهلاً بهذا، لكنهم انقلبوا عليه وتألَّبوا عليه وألَّبوا عليه وحرَّضوا وخانوا العهد والميثاق وبعضهم نبذ إليه عهده في وجهه مثل بني قينقاع بشكل واضح جداً، قالوا له يا محمد ترى أنا قومك؟ طبعاً بمُوجب صحيفة المدينة كلنا أمة واحدة من دون الناس وأنتم أقررتم بهذا ووافقتم عليه، قالوا توقفنا عن هذا، نُريد الآن أن نُحيي التحالفات القديمة مع أحبابنا، مع مَن لكم تحالفات؟ مع كفار عرب، وبالذات مع مكة، سنفعل هذا وقد فعلوه، وبنو النظير فعلوا هذا، قريظة فعلت هذا بعد ذلك، إلى الآن أنا أقتبس أرمسترونغ Armstrong فانتبهوا، هذا كلامها وليس كلامي، هى مُنصِفة أكثر من بعض مُدّعي التنوير والتحرير من أبناء المُسلِمين للأسف الشديد الذين ما عادوا يرون لمحمد حسنة، القلب ملآن وللأسف بعض أبنائنا ما عادوا يرون للرسول حسنة، كل شيئ أصبح يُؤشِّر إلى شر وإلى ظلام، أنا أقول هذا ليس مِن تزلزل الإيمان في قلوبكم – لا والله – وإنما من ضحالة المعرفة في عقولكم الخاوية، لأنكم لا تعرفون شيئاً، على الأقل أرمسترونغ Armstrong ألَّفت كتابين عن محمد، الكتاب الأول مراجعه بالمئات بما فيها ابن إسحاق، قرأت السيرة قراءة دقيقة هذه المرأة لأنها مُفكِّرة، وهى فعلاً لها اعتبارها، والكتاب الثاني – أنا قرأت الاثنين – لطيف جداً عنوانه ومضمونه، تقول محمد نبيٌ لزماننا، تقول أرمسترونغ Armstrong لا يزال الزمان يحتاج محمداً، هذا العصر يحتاج هدي محمد، لكن لا يرى هذا أبناء المُسلِمين مِن الذين يقف بعضهم في برزخ بين الإيمان والإلحاد وبعضهم انضوى في مُخيَّم تحت راية الإلحاد أصلاً وبعضهم مُقلقَل، سبحان الله العظيم، فعلاً كما قال رسول الله وصدق حبيبنا – عليه الصلاة والسلام – يُصبِح أحدهم مُؤمِناً ويُمسي كافراً، يُمسي مُؤمِناً ويُصبِح كافراً، وأنا وجدت هذا في بعض شباب العرب والمُسلِمين، هذا – سبحان الله – شيئ غريب جداً، مرة يُدافِع عن الإسلام ومرة يسخر سخرية الملاحدة والمُنكِرين للإسلام ورسول الإسلام، مرة هكذا ومرة هكذا، يا رجل ثبِّت نفسك واركز، هذه الخفة لن تجعل منك لا مُفكِّراً ولا ثائراً ولا مُصلِحاً ولا ناقداً والله، ستبقيك خفيفاً لا وزن لك وفي النهاية لن تستقر لك القدمان، اركز وقبل أن تتكلَّم وتدّعي اذهب مثل هذه السيدة واقرأ وتعلَّم، ارجع إلى المصادر والموارد وبعد ذلك تكلَّم، قالت محمد كان يتعامل بوجهة نظر سياسية، بمُقارَبة سياسية فقط، ليست عرقية وليست دينية وإنما سياسية، قالت يصعب بشدة علينا نحن الغربيين أن نفهم أو نتفهم مُعامَلة محمد لليهود في المدينة، لماذا إذن؟ قالت لأن الموضوع حسّاس ويبعث مخازي فاضحة من تاريخنا، وهذا صحيح طبعاً، جميلة هذه السيدة، ما أحلى الإنصاف والعدل، تقول لأننا مُعقَّدون، نحن مسكونون بعقدة اليهود، وحق لهم طبعاً، قالت أرمسترونغ Armstrong نحن أقمنا المجازر لليهود ألف سنة في أوروبا، ألف سنة واليهود يُجزون ويذبحون هنا، والآن طبعاً يدّعون أنهم أنصفوا اليهود وأنهم أعطوهم فوق حقوقهم وأصبحوا كالسمن على العسل، متى هذا؟ في آخر نصف قرن، لكن ماذا عن قبل ذلك؟ تقول بلغت الكراهية اللاعقلانية للمسيحيين أوجه وأخذت أبشع تعبير لها في الحملة الصليبية العلمانية التي قادها هتلر Hitler ضد اليهود، قالت هذا كله عنده أسس دينية، لذلك تُسميها حملة صليبية علمانية، لكن تاريخ الإسلام خلا من هذا بفضل الله تبارك وتعالى، لم نفعل هذا وليس لدينا استعداد أن نفعل شيئاً من هذا أصلاً لا إزاء اليهود ولا غير اليهود، هذا دين الرحمة ودين التسامح بفضل الله، لكن لا يعرف هذا إلا أمثال هذه السيدة المُنصِفة وإلا الدارسين المُستوعِبين الذين يُقارِنون السياقات والتواريخ والأحداث والمجاريات وليس الذين يتنطَّعون بإسم النقد والتحرر، على كل حال هذه استطرادة ربما أوجبها المقام بشكل أو بآخر، نعود إلى موضوعنا العتيد.
ما هى رسالتنا؟ ما هى رسالتهم؟ هم يتحدَّثون عن أخطائهم وعن جرائمهم وعن كذا وكذا، من الضرروي أحياناً أن نُذكِّرهم بأخطائهم وجرائهم وسجلهم الحافل، وأعني طبعاً الاستعماريين، لكن قطعاً العلاقات بين الأمم والثقافات والحضارات فضلاً عن أن تكون بين أهل الأديان وأتباع الاديان التوحيدية السماوية لا يُمكِن أن تقوم على منطق الثأر، ثأر مثل ثأر العرب القدماء والعرب المعاصرين، كأن يُقال استعمرتمونا من قبل وسنظل نكرهكم ونُحاربكم إلى أبد الأبدين، لم تتصرَّف هكذا اليابان ونجت بتصرفها العقلاني، لم تتصرَّف هكذا ألمانيا ونجت وتقدَّمت، لكن نحن لم ننج ولم نتقدَّم ولم نفعل شيئاً، نشتري الأشياء في غير أوانها بطريقة مرة أخرى أقول غير مفيدة وغير مُنتِجة وتعوقنا نحن وتشوِّهنا نحن، والتشويه للأسف ينصب على ديننا، لو القضية قضية خلاف سياسي وخلاف فكري وأيدولوجي لوُجِدَ مجال للإحتمال، لكن هذا كله يُرتكَب بإسم الدين ويُنسَب إلى الدين ويُعزَى إلى الدين، يُقال هذا ديننا، ديننا يريد هذا، دين يُحِث على هذ، فرق كبير بين الآخر حين يقتل عشرة ألآف منك ويفعل هذا بإسم النفط وبإسم المصلحة وبإسم الاستعمار وبين أن تقتل واحداً أو اثنين وتفعل هذا وتقول أنه بإسم الدين، دائماً أنت تُحرِج الدين وتُحرِج قضية الدين للأسف الشديد، ما هى رسالتهم؟ ما هى رسالتنا؟ رسالتهم – كما قلت لكم – في نهاية المطاف إحراج الدين، سيُحرَج هذا الدين على كل حال ونعود إلى المُؤامَرة، حتى لو كانت مُؤامَرة كيف يمكن أن تُجهض هذه المُؤامَرة؟ أنا أقول لك هذه المُؤامَرة – إن كانت مُؤامَرة – ما هدفها؟ هدفها الإيقاع بين المسلمين ربما بالذات في الغرب هنا وربما في العالم، هدفها إذن الإيقاع بالمسلمين، فإذا كانت هذه مُؤامَرة كيف أتعامل معها؟ ينبغي أن أتخيّر الأسلوب الذي يجعلها فاشلة – مُؤامَرة فاشلة – وأجهضها، هل تعرفون كيف؟ حين أتظاهر كمسلم في الغرب الأوروبي بالذات وفي العالم كله عموماً ضد هذه الجريمة وضد هذه المجازر وضد هذا الإرهاب، أتظاهر تظاهراً حقيقياً بصوت لا يلتوي وبإدانة بـ (لا) كبيرة، لابد من (لا) لا تعقبها (لكن) صغيرة، لا نريد هذه الـ (لكن) الصغيرة وراء الـ (لا) الكبيرة التي تُفسِد كل شيئ عليها، يُقال لا للإرهاب ولكن يا أخي هم وهم وهم وهم، يُقال لا للمجزرة ولكن يا أخي هم وهم وهم، ما هذا الأسلوب العبيط؟ هذا أسلوب عبيط للأسف الشديد، لا أنت الآن تمحضت مع المُنكرين الذين عزلوا الإرهاب عن الإسلام والمسلمين ولا أنت سايرته وكنت معه، أنت مُقلقَل مُذبذب، أي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وهذه حالة المُسلمين اليوم، فقط قلقلة وذبذبة، الحليم فيهم حيران كما قال الرسول، يغدو الحليم فيها حيران، هذه الأمة الآن بلا حليم تقريباً، أين مَن يُوجِّهنا؟ أين مَن يُوجِّه هذه الأمة؟ الآن مثلاً الغرب الكاثوليكي أو الآخر الكاثوليكي ماذا كان موقفه؟ موقف جيد ومُمتاز ومن ثم نشكره، نحن نشكره هنا على المنبر، بابا الفاتيكان بالأمس في رحلته من سريلانكا إلى الفلبين أو العكس – بينهما – ماذا قال للصحفيين على متن الطائرة التي تُقِله بين البلدين؟ قال حرية التعبير مطلوبة ولكن حين تسب أمي عليك أن تنتظر لكمة، كأنه يقول طبيعي أن يُجَن بعض المسلمين ويأتوا أفعالاً مجنونة لأنكم تسبون نبيهم، ثم قال السخرية من أديان الآخرين أمرٌ لا ينبغي، نحن حين نُعقِّب على هذا نقول علينا كمُسلِمين على جميع المُستويات الفكرية والثقافية وحتى القانونية والقضائية إن أمكن أن نُعيد فتح هذا الملف – أي ملف حريات التعبير – وأن نتساءل بصدد مواد كثيرة فيه، هل فعلاً حرية التعبير مضمونة للجميع؟ هل يُمكِن أن يتنقصوا كل ما أشتهوا وهووا أن يتنقصوه؟ هل مسموح بهذا؟ افتح هذا، افتحه فكرياً وثقافياً وقانونياً وقضائياً، هكذا يكون الشغل، وليس أن تقتل وتفتح النار وتقول لي حتى البابا أدان، البابا أدان ولكنه أدان الجريمة أيضاً، انتبهوا إلى أنه أدان الجريمة أيضاً ولفت نظر هؤلاء العبط الذين يستفزون أمة أكثر من مليار ونصف، المُسلِمون ليسوا قلة، فرنسا بالذات فيها زُهاء خمسة ملايين مُسلِم، السخرية برسول الله وسب رسول الله على هذا النحو هو نوع من التصرفات التي تضر بفرنسا ذاتها، القضية ليست الإسلام وغير الإسلام وإنما هذا يضر حتى بفرنسا نفسها كدول ، لماذا يا أخي؟ أنت لديك خمسة ملايين مواطن مُسلِم عليك أن تحترم مشاعرهم، على القانون هنا أن يتخذ خطوة جريئة بهذا الصدد، لكن هذا يفعله القانون، والمُثقَّفون يحثون ويسارعون الخُطى، أهلاً وسهلاً بهذا، هكذا التصرف الحضاري، أنا أقول لكم لو كانت مُؤامِرة لكان الأحسن بل الأوجب – الحل الوحيد – أن نعزلها وأن نجهضها بعزل الإرهاب، وهؤلاء الناس ناس عقلاء بلا شك وناس أذكياء وتسمع وتقرأ أكثر منا، نحن أقل أمة تقرأ بلا شك، هم يُتابِعون ويقرأون الصحف والمجلات والكتب والتعليقات، حين يُلاحِظون ملايين المسلمين أدانوا بغضب هذه الجريمة فإذن ما هى الرسالة؟ الرسالة وحدها ستنساب إليهم، هذه تصرفات معزولة، الرئيس الفرنسي أولاند Hollande – وهذا يُشكر له أيضاً – أحب أن يقول للعالم خذوها على أنها تصرفات مجنونة معزولة حين قال المُسلِمون أنفسهم أكبر ضحايا الإرهاب والتعصب واللاتسامح حول العالم، هو يعلم أننا أكثر مَن يُعاني من التعصب ومن الجنون، الآن نحن أكثر مَن يُذبَح ويُسفك دمه في بلاد العُرب والمُسلِمين بإسم الإسلام وبإسم التعصب الإسلامي، جميل أنه قال هذا ، كأنه يقول لهم – بل هو قال هذا – هذه تصرفات إرهابية معزولة لا تُحمِّلوا سائر المسلمين وزرها، لكن كان على المسلمين أن يُوصِّلوا هذه الرسالة بشكل تظاهري واضح، هم فعلوا هذا بشكل ضعي جداً للأسف الشديد.
الشباب المُسلِم مُتردِّد الآن بين خيارات الإرهابيين وخيارات العقلانيين وخيارات المُتسننين، نحن قلنا هذه سُنة محمد، سُنة محمد وروح محمد الصفح والعفو والتجاوز، الشباب مُترِّدد الآن، مثل هذه الرسائل – ولكن ولكن ولكن ولكن ولا ننسى أنهم فعلوا وفعلوا وفعلوا ولماذا يفعلون ويفعلون ويفعلون؟ و و و وإلى آخره – بمثابة رسائل تقول للشباب البطولة أن تفعل مثل هذه الأفعال، هذه هى البطولة، أنت تنتصر للأمة وللدين وفلسطين وللأمم العربية والإسلامية من عهود الاستعمار، اذهب وافعلها، وهذه رسائل غبية وملعونة، لا نُحِب أن نُسرِّب مثل هذه الرسائل إلى أبنائنا، بالعكس أنت حين تعزل هذا العمل وتتبرَّأ منه وتُلطِّخه وتدمغه فإنك تبعث رسالة إلى أبنائك تقول أن مَن يفعل هذا لن يموت بطلاً ولن يكرَّس قديساً عندنا بأي حال من الأحوال، فيُجفِل الشباب أن يدخلوا هذا المُدخَل وأن يلجوا هذا المولج، أليس كذلك؟ علينا أن نُفكِّر على هذا النحو، لكن هذه العاطفة المُتذبذِبة السديمية الغامضة المُلتبِسة ما عادت تكفي وما عادت تفيد بل تذبح وتضر.
بعد هذه المُقدِّمات أراني مُضطَراً وللأسف وسامحوني أن أُعرِّج سريعاً على حديث الأعمى وعلى حديث عصماء وأمثال هذه الأحاديث، يتحدَّثون عن حديث الأعمى، فما حديث الأعمى؟ حديث الأعمى كالتالي، هو حديث رواه جماعة، أبو داود ومن طريقه الدارقطني والنسائي في الكبرى وفي المُشتبَه – أي الصُغرى – والبيهقي في الكبرى وغيرهم، كلهم عن عثمان الشحام – عثمان بن ميمون الشحام – عن عكرمة البربري عن ابن عباس – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم – أن رجلاً من أصحاب رسول الله -من أهل المدينة – كان له أم ولد – أي جارية ولدت له ولداً فتصير أم ولد، تُعتَق من بعد موته، إن مات تُعتق، هذا معنى أم الولد – وكانت به بارة رفيقة – تُحسن إليه جداً – وكان له منها ولدان كاللؤلؤتين، ولدان جميلان صبوحان حسنا الخلقة لكنها كانت تؤذيه في رسول الله، تنال من رسول الله، تشتمه وتسبه، فكان ينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، حتى إذا كان ذات ليلة وقعت في رسول الله فأخذ المغول – أداة من خشبة طويلة في آخرها شيئ كالنصل – فوضعه في بطنها ثم اتكأ عليها فماتت، فلما أصبح الناس ذُكِر لرسول الله أن امرأةً وُجِدت مقتولة، لا يُعرف قاتلها، وهنا سوف تقول لي كيف هذا؟ هنا علامة استفهام، وطبعاً هنا علامة استفهام كبيرة جداً، كيف يا أخي؟ أم ولده وقيل أنه قتلها في الله ورسوله وفي بيته، هل أخذها فجرها ورماها في الشارع؟ احتمال أن يكون رماها في الشارع، هنا علامات استفهام عجيبة،إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً، وإذا كنت كذوباً فكن ذكياً أيضاً، اكذب كذبة تُفهم وتكون معقولة قليلاً، قيل هذا ذُكر لرسول الله ولا أحد يعرف مَن قتلها فقام النبي خطيباً وقال أنشد الله – تبارك وتعالى – رجلاً فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام، أي أنني أستحلف بالله الذي فعل هذه الفعلة إذا كان يرعى حقي وحرمتي، فقام الأعمى يتخطى الناس إلى رسول الله ويتزلزل – الرجل يخاف ويرتعد، لقد أُرعِد وكان يتزلزل – وقال أنا صاحبها يا رسول الله، أنا الذي قتلتها، ثم قص على رسول الله الحكاية، قال كانت تنال منك وكنت أنهاها فلا تنتهى وإلى آخره، فقال النبي اشهدوا أن دمها هدر، أي أنه أبطل دمها وأهدر دمها، قالوا هذا واضح يا عدنان إبراهيم، أنت وأمثالك من المُتملِقين، لا والله الذي لا إله إلا هو لا نتملَّق لا للغرب ولا للشرق بفضل الله تبارك وتعالى، نتملَّق حبيبنا وسمعته في العالمين ورسالته التي ضيمت وأُحرِجَت وحسبنا الله ونعم الوكيل، قالوا لي أين أنت من هذا الحديث؟ وكأنه لا يحق لي أن أقول لهم وأين أنتم من عشرات الآي القرآنية وليس حديث شحام؟ مَن هو عثمان الشحام؟ سوف نرى الآن، تترك كتاب الله إلى عثمان الشحام وتُغلِق المصحف في وجهي وفي وجهك وتقول لي عثمان الشحام وأين أنت من حديث داود؟
على كلٍ نبدأ أولاً بالمشاكل النقدية في متن هذا الحديث، وقد ذكرت لكم أول مُشكِلة، هو قتلها في داره وهذا واضح، لكنهم قالوا غير معروف أين قتلها، يُوجَد احتمال أن يكون سحبها ورماها في الشارع، هذا احتمال وكل شيئ مُمكِن لكنه احتمال باطل وعبيط قليلاً، لماذا؟ معروفة هى أم ولد مَن، أليس كذلك؟ أم يُوجَد احتمال أن قاتلاً – killer – مُحترِفاً – Professional – مزَّق وجهها وشوَّهها ووضع عليها ماء نار إلى آخر هذه الهلاوس؟ معروف أنها فلانة الفلانية وأنها أم ولد فلان الأعمى، أليس كذلك؟ فحتى إذا رماها في الشارع ستُعرف، قالوا الناس لا يعرفون، انظروا إلى أين وصل الكذب، هذه حكاية مُؤلَّفة، واضح أن أحدهم ألَّفها، إما عكرمة أو عثمان أو شخص آخر دونهم، نحن لا ندري، لكن حاشا ابن عباس أن يكذب على رسول الله، كُذِب على ابن عباس ونسبوا له طبعاً، هم ينسبون مرة لعلي ومرة لابن عباس ومرة لعمر، هل الذي يكذب على الرسول لا يكذب على الصحابة؟ طبعاً يكذب وينسب ويلصق أي شيئ لأي صحابي، والناس تأخذ هذه الأشياء كأنها فعلاً موجودة والحمد لله، ويسعد بها جداً زكريا بطرس في قناة الحياة ويأتي بهذه الأحاديث ويقول هذا نبيهم الذي يغتال كل مَن يسبه ويُهدِر دم كل مَن يُعارِضه ثم يأتي بالأحاديث، ويستيقظ بعض الناس ويقولون هل هذا موجود عندنا؟ يفحصون الكتب ثم يقولون هذا – والله – موجود، لكن ما الأسانيد؟ ما القصة؟ ويدخل بعضهم في بعض، قبل أن يفعلها غيرك عليك أن تفعلها أنت، عليك أن يكون لك منهجية صارمة نقدية واضحة تدرأ عن نبيك وعن كتابك، وإلا فأمرك حرجٌ جداً، ويحرج معه أمر الدين جُملة، إذن هذا أول نقد أيها الإخوة، كيف يُقال هى غير معروفة؟ هذا غير مفهوم
ثانياً يُوجَد نقد أقوى منه بكثير وهو لماذا يُصدِّقه النبي؟ الرجل قد يكون بينه وبين أم ولده شأنٌ من الشئون، قد يكون قتلها لسبب من الأسباب ونحن لا ندري، هل النبي يُصدِّق؟ سوف يقتل أي أحد أحدهم ويأتي يقول قتلته لأنه سبك يا رسول الله، مستحيل أن يقبل النبي وهو أذكى العالمين وأعدل البشر بمثل هذه الطريقة، أليس كذلك؟ هل نحن صدَّقناك بعد أن قتلتها؟ ثم أن أين القرائن؟ الرجل كان يتزلزل، ولو كان مفهوماً عند الصحابة وعند هذا الأعمى مثل ما هو مفهوم عند ابن تيمية في الصارم المسلول أن مَن يسب النبي من أهل الملة أو من أهل الذمة يُقتل مباشرةً ما تزلزل الرجل، بعضهم قال يُقتَل بغير استتابة، قالوا إن سب الله يُستتاب مرة ومرات، إذا سب الرسول لا يُستتاب وتُضرَب عنقه مُباشرةً، وهذا فقه عجيب، سبعمائة صفحة في الصارم المسلول كلها كلام مثل هذا، كلها روايات فارغة مثل هذا، لا تغتروا بسبعمائة صفحة وعودوا إلى كتاب الله الذي يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ۩، إذن النبي لم يكن ليفعل هذا، رحمة الله على شيخ الإسلام الإمام الأعظم أبي حنيفة الذي رد حديثاً سيخرجه بعضه بمائة سنة – أبو حنيفة متوفى في سنة مائة وخمسين – البخاري ومسلم وغيرهما، والحديث إذن مُتفق عليه، وهو حديث الجارية التي وجدوها في النزع الأخير تلفظ آخر أنفاسها وقد رُض رأسها بين حجرين، فالنبي كان يسألها وهى طبعاً كانت لا تنطق، أُثبِطَت لكنه قال لها مَن فعل هذا؟ كانت تموت، ثم قال هل فعله فلان؟ هل فعله فلان؟ ثم قال هل فعله فلان؟ ثم قال هل فعله فلان؟ وهذا كان يهودياً، فأشارت برأسها نعم، فأتى النبي به فرض رأسه بين حجرين وقتله، أبو حنيفة قال هذا كلام فارغ لا أٌقبله، لا يُمكِن أن يُقبَل، هذا أبو حنيفة، لم يقولوا له قطع الله لسانك يا نعمان فهذا حديث عظيم وبعد مائة سنة سيُخرِّجه البخاري ومسلم، وطبعاً هذا شيئ مُخيف، هذان البخاري ومسلم ومن ثم تخاف الناس من هذا الكلام مع أنه سنده إلى أبي حنيفة أقصر بكثير، أليس كذلك ؟ فأحرى أن يكون أوثق لديه، لا يحتاج إلى أسانيد بعد مائة سنة تالية، قال هذا لا ينفع، ليس هكذا القضاء، الرسول لا يقتل الناس هكذا، وأنتم تعلمون أنه يوجد في الناس مَن يقتل نفسه، اليوم أكثر مَن يفعل هذا المُسلِمون، هناك مَن يقتل نفسه لكي يقتل الآخرين، أفيُمكِن هذه أن تكون قتلها أيٌ كان لكن هى حقداً منها على هذا اليهودي بالذات نسبت إليه التهمة مثلاً، وبالتالي هذا لا يكفي، هذا لا يكفي في القضاء، ما هكذا القضاء ومن ثم رده أبو حنيفة، لو سمع أبو حنيفة حديث الشحام هذا سيشق ثيابه، وسوف نقول له هذا رددنا به القرآن وفجَّرنا به الناس وقتلنا، هذا حديث الأعمى، سيشق أبو حنيفة ثيابه، سوف يقول تباً لكم ما أحمقكم، والله العظيم سيسبنا، سوف يقول هذه أمة حمقاء، أنتم جننتم، هل أنتم أمة القرآن؟ ما هذا؟ ما هذا الخبل الذي وقعتم فيه؟ اتركونا من هذا وخلوا عنا مسألة النقد للمتن في حديث الأعمى، نترك المتن ونأتي إلى السند، انتبهوا إلى أن هذه واقعة النبي قام فيها خطيباً وقال أنشد الله رجلاً، وهذا يعني كم سمعها؟ كم شهدها؟ لن نقول المئات وإنما العشرات على الأقل، لماذا؟ لأن هذا عند الصبح، من سياق الحديث علمنا أن هذا عند صلاة الفجر، والناس كانوا يُصلون، الصحابة كلهم يصلون الجماعة، هؤلاء مئات إذن، فلماذا لم يرو هذه الواقعة إلا ابن عباس؟ أتحدى بهذا وأقول فقط ابن عباس، لكن قد يُقال لي اسكت يا جاهل لقد راوها عليّ، لكن هذا لا يصح، هذا كلام فارغ ولم يُصرِّح به، قالوا رواه أبو داود – مرة أخرى أبو داود رضوان الله عليه إذن – عن عامر بن شراحيل الشعبي عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال كانت امرأة يهودية تسب النبي وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل النبي دمها، قالوا هذا هو، هذه نفس القصة، لكن هذا غير صحيح، هذه ليست نفس القصة، هذه أكذوبة أخرى، قالوا امرأة يهودية وخنقها، لكن هنا يُوجَد مغول ورجل أعمى، أليس كذلك؟ هذه قصة ثانية، قالوا تقريباً هى نفس القصة، رجَّح العلماء أنها نفس القصة، لكن هذا الحديث الشيخ الألباني وهو من المُعاصِرين في ضعيف سنن أبو داود ضعفه، لماذا؟ لأن الشعبي في الراجح لم يسمع من عليّ، كثيرون من العلماء قالوا الإمام الشعبي لم يسمع من عليّ حرفاً كأبي محمد بن حزم وناهيكم به، ابن حزم قال ما سمع منه حرفاً واحداً، أبو موسى الحازمي صاحب الاعتبار وشروط الأئمة الخمسة – الإمام الحازمي – قال ما سمع منه، وكثيرون غير هذين، الأمام أبو الحسن الدارقطني قال الشعبي سمع من عليّ حرفاً واحداً لم يسمع غيره، حديث شراحة الهمدانية ولا يُوجَد غيره، ليس منه هذا الحديث، فهناك مُشكِلة إذن، بعضهم قال بل سمع منه كابن تيمية في الصارم المسلول وأبي سعيد العلائي والراجح الأول أو الثاني وليس هذا بالحرف الوحيد الذي سمعه، ليس حديث شراحة الهمدانية، فالحديث ضعيف، وفيه من جهة المتن ما أوردت على حديث الأعمى، ونعود إلى حديث ابن عباس.
ابن عباس وحده يروي هذه القصة – قصة الأعمى مع أم ولديه – ولا يرويها عن ابن عباس إلا عكرمة، لماذا؟ ابن عباس عنده تلاميذ في الآفاق بالألوف، لماذا يتفرَّد به أحدهم؟ هنا سوف تقول لي هذا يُسمونه الفرد أو الغريب أو الفائدة، هذا الحديث يتفرَّد به مثل عكرمة وعن عكرمة يتفرَّد به الشحام مثل الشحام، والشحام ليس رجلاً مُجمَع على توثيقه فهناك مَن تكلَّم فيه، قالوا ليس بثقة وليس بالمتين وليس بذاك، الدار قطني قال بصري يُعتبَر بحديثه، أي في الاعتبارات وفي الشواهد والمُتابَعات، لا يستقل أن يتفرَّد بحديث، هذا عثمان الشحام، وذاك عكرمة وما أدراك ما عكرمة؟ مُسلِم لا يروي لعكرمة، قال أنا لا أروي لعكرمة، روى له حديثاً واحداً في الحج مقروناً بسعيد بن جبير وطاووس بن كيسان، البخاري يروي له، أهل السُنن يروون له، الإمام مالك كان سيء الرأي في عكرمة، الإمام الشافعي يقول كنا نتقي حديث عكرمة، ابعد عن عكرمة، سعيد بن المُسيَّب يقول لغلامه بُرد يا بُرد لا تكذب علىّ كما كان عكرمة يكذب على مولاه عبد الله بن عباس، وقد ربطه بباب الحُش – أي باب الخلاء، علماً بأن ابن عبد الله بن عباس هو الذي ذكر هذا – وضربه، أي ضرب عكرمة، عكرمة رأي كثير من أئمة العلم الكبار فيه سيء جداً، علي بن المديني شيخ البخاري حكى فيه الكذب، قال يُحدِّث بالحديث غدوة ويُخالِفه عشية، مات عكرمة سنة أربع ومائة ولم يحمله أحد، حتى الناس يعرفون أنه كذّاب، لم يحمله أحد فأكروا له أربعة يحملون جنازته، ما رأيكم؟ هل هذا العالم الجليل نأخذ ديننا عنه؟ وهو من الخوارج الصفرية، تقريباً ما ترك لهم مكاناً خرجوا فيه إلا خرج معه، يُقاتل الناس، هو من الخوارج الذين يُكفِّرون الناس بالذنوب، موضوعه سيء عكرمة وعلى كل حال حتى لو كان ثقة لماذا يتفرَّد به؟ ولماذا هذا الحديث لا يعرف إلا عن ابن عباس؟ ولماذا تفرَّد به الشحام عن عكرمة؟ واضح أن الحديث به ثقوب كبيرة جداً جداً لا يُمكِن أن يصح معها فضلاً عن أن يُضرب به على كتاب الله تبارك وتعالى، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩.
قد يُقال شفيتنا تقريباً أو كدت من حديث الأعمى، فما هو نبأ عصماء بنت مروان التي أمر النبي بقتلها لأنها سبته؟ كذب، مرة أخرى كذب، عصماء بنت مروان بإختصار ذكر ابن هشام عن ابن إسحاق طبعاً سيرتها، قال هى من بني فلان ابن فلان، لما قُتل أبو عفك اليهودي نافقت – كأنها كانت مُسلِمة ولم يثبت إسلامها – وجعلت تسب الرسول والمسلمين:
بِاسْتِ بَنِي مَالِكٍ وَالنّبِيتِ وَعَوْفٍ وَبِاسْتِ بَنِي الْخَزْرَجِ.
فغضب النبي قال ألا آخذٌ لي من ابنة مروان؟ أي عصماء يعني بنت مروان، قال ألا آخذ لي من ابنة مروان ؟ أي ألا مُنتصِر؟ سمعها أحد الصحابة الخُطاميين، أعتقد عمير الخُطيمي، سمعها فغدا عليها في الليل فقتلها، ثم أصبح قال يا رسول الله قد قتلت عصماء، قال نصرت الله ورسوله، قال يا رسول الله هل علىّ في شأنها شيئ. قال لا ينتطح فيها عنزان، أي لا يُوجَد اختلاف، قولاً واحداً تُقتل، ما هذه الرواية العجيبة؟ عنزان وسخلان، ما القصة؟ قالوا هذه الحكاية حكاها الواقدي محمد بن عمر أستاذ ابن سعد الذي يُعرف بكاتب الواقدي، الواقدي الذي كذَّبه ورده معظم علماء الحديث، يُمكِن أن تاخذ منه كمُؤرِّخ بعض التواريخ فقط وتُقارِن وتُقايس، لكن في الحديث لا يُقبل الواقدي، قال الإمام البخاري رده الأئمة، رده ابن نُمير ورده فلان وفلان وعدَّد طائفة من الأئمة، هو مردود طبعاً، لا يُؤخَذ بالواقدي، يُسمى الواقدي الكذاب، وليس هذا فحسب، هذه رواها الواقدي مرسلةً عن الفضيل بن الحارث الخُطامي، وهذا الرجل لم يلتق برسول الله أصلاً، فالرواية مُقطَّعة أصلاً وسندها لا يصلح، وتلميذه ابن سعد – رحمة الله عليه – صاحب الطبقات الكبرى رواها عن الواقدي بلا إسناد، كيف نأخذ بها؟ هذا كلام فارغ، إذن هذا كلام غير صحيح بالمرة ولا يجوز – كما قلت لكم – أن يؤخذ به في تثبيت حكم شرعي أو في تأسيس لحكم شرعي بقتل وذبح واغتيال كل مَن ينال مِن النبي أو يسب النبي ويُترك هدي الكتاب الأقوم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه .
الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد، إخواني:
سيقولون رواها الإمام القضاعي صاحب مُسند الشهاب، رواها بأربعة أسانيد كلها لا تصلح بإجماع كل مَن حقَّق مُسند الشهاب ووقف على هذه الأسانيد، في اثنين من هذين الأسانيد رجل كذاب خبيث صاحب حديث الهريسة وهو محمد بن يحيي اللخمي الواسطي، يقول العلماء كذاب خبيث، وهو واضع حديث الهريسة، والإسنادان الآخران فيهما مجاهيل، أي مجهولان، هذا كلام فارغ لا يصح، أم أن لدينا رغبةً في هذا؟ هذه هى المُشكِلة، هذه مُشكِلة بعض المسلمين، كما قلت لكم لا يريد أن يُكيِّف الدين فحسب بل يريد أن يُكيِّف التاريخ والوقائع وكل شيئ مع نفسه التي تهوى العنف وتهوى القتل وتهوى الشدة وتهوى القسوة، لا أدري لماذا، هو يُفكِّر على هذا النحو ويحسب أنه ينصر دينه، أنا أقول لكم لا والله، هذا الدين بطبيعته لا ينتصر إلا بالأخلاق والقيم وإلا بالرحمة – والله العظيم – وإلا بتسامحه، هذا الدين وسَّع الناس بتسامحه ورحمته، ولم يُدخِلهم في دائرته بالسيف والعنف والقسوة والشدة.
يبقى حديث أم قرفة، قالوا شقها النبي قسمين، ادخل على النت Net وسوف ترى الفضائح ، عشرات المواقع تنال من رسول الله، طبعاً ليست شارلي إيبدو Charlie Hebdo أو شارلي ميبدو وإنما مواقع عربية ومُسلِمة بشباب مُسلِم وشابات مُسلِمات يغمزون من قناة رسول الله بل يُصرِّحون، مئات المواقع تفعل هذا، يقولون لك محمد الإرهابي، محمد مُؤسَّس الإغتيال السياسي، انظروا إلى رحمة نبيهم ورحمة رسولهم، يشق امرأةً خالفته قسمين، وهذا كذب، مرة أخرى كذب، أم قرفة الفزارية امرأة كانت قوية عجوز، لها أولاد وأولاد أولاد، جهَّزت أربعين من ولدها وولد ولدها لمُحارَبة رسول الله، أي أنها مُقاتِلة، هذه امرأة مُقاتِلة، وإلا القاعدة تقول أن المرأة ما لم تُقاتل لا تُقتل، وقد نهى النبي عن الشيوخ والرهبان والصبيان والنسوان، هذا ثابت في الدين، ويوم فتح مكة رأى امرأة مقتولة فغضب وقال مَن قتل هذه؟ ما كانت هذه لتُقاتل، المرأة لا تُقتَل ولا تُقاتَل إلا أن قاتلت، فهذه قاتلت وجيَّشت جيشاً ضد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأرسل لها زيد بن حارثة – أرسل لها زيداً رضوان الله عليه – في سارية فقاتلها وهزمها وهزم أولادها وأحفادها وقُتلت المرأة، هذا هو القدر تقريباً الصحيح من القصة، أما زيادة أنه أمر أحد رجاله مثل قيس بن المحسر بأن يربطها بذنبي فرسين ثم صاح بهما فانطلقا فمزقاها مزقتين هذا كذب، مرة أخرى هذا من كذب الواقدي، محمد بن عمر الواقدي كذبه مرة أخرى وليس له إسنادٌ يستند إليه وبه، ما رأيكم؟ هذا من الكذب، لماذا نُصدِّق الكذب الذي لا يستند ونُصِر عليه؟ وطبعاً ترى في عشرات بل للأسف – والله – في مئات الكتب الإسلامية قصة وأسطورة أم قرفة وكيف شقها النبي وكأن النبي شقها بيديه حتى، لا يقولوا سارية النبي أو حتى زيد بن حارثة أو قيس بن المحسر في رواية، وهذا كذب مُصدَّق عند الأمة، فأنا أقول لكم خبر أم قرفة الفزارية لأنه خبر مُضطِرب ومصنوع نُسِبَ مرة أخرى إلى أبي بكر الصديق رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، وزعموا أن أم قرفة الفزارية كانت امرأة مسلمة ارتدت في عهد الصديق فأمر بإعدامها على الطريقة التي سمعتم، رُبِطت بفرسين ثم أُغريَ الفرسان فمضيا بها، وهذا كلام فارغ، هل فعله الرسول؟ هل فعله أبو بكر؟ كذب يُنقل مرة هنا ومرة هنا.
يبقى أنهم يحتجون بقول الله – تبارك وتعالى – لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا – مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ۩، وهذه من سورة الأحزاب، السؤال الآن ما معنى الإرجاف أولاً الذي توعدهم الله بسبب؟ ثم هل أخذهم النبي فعلاً وقتلهم تقتيلاً؟ لم يحدث هذا أبداً، النبي لم تتغيَّر سياسته مع المُنافِقين حتى لقيَ الرفيق الأعلى عليه الصلاة وأفضل السلام، ولذلك روى ابن المُنذِر وعبد بن حُميد أستاذ الإمام مُسلِم عن محمد بن سيرين أنه قال ما نعلم أنه أُغريَ بهم ولا أنهم انتهوا، هم لم ينتهوا والنبي لم يُغرَى بهم، مُجرَّد تهديد على أن التهديد هذا بهؤلاء المُنافِقين ليس لأنهم كانوا يقولون هو أُذن أو الأذل أو سمِّن كلبك يأكلك وإلى آخره، ليس لأجل هذا وإنما لأجل أمر آخر وهو الخيانة العُظمي والإرجاف، هل تعرفون ما هو الارجاف؟ وهذه من سورة الأحزاب، في معركة الأحزاب والخندق كانوا يقولون للمُسلِمين – يفتون في أعضادهم ويوهنون من قوتهم – أتاكم عدد وعدة، الأكثر من هذا ماذا قالوا في القرآن الكريم نفسه؟ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ۩، وثبت عليهم هذا، لماذا لم يقتلهم؟ لم يقتلهم ولم يأخذهم عليه الصلاة وأفضل السلام.
أختم بالحديث المُخرَّج في الصحيحين وفي غير الصحيحين وكلكم تعرفونه وهو حديث أمنا عائشة عن اليهود الذين أتوا ودخلوا على رسول الله وقالوا السام عليك يا محمد، أي الموت عليك، هم يدعون عليه بالموت والحديث في الصحيحين، غضبت عائشة قالت وعليكم السام واللعنة وغضب الله يا إخوان القردة والخنازير وكذا وكذا، ماذا كانت ردة فعل النبي؟ هل قال خذوهم وقد سمعتهم بأذني وأم المؤمنين – أمكم -سمعت هؤلاء الملاعين من رعايا الدولة الذين يسبون القائد الأعلى والنبي المُرسَل وهذا أهم شيئ؟ لم يحدث أبداً، النبي قال وعليكم، قال وعليكم فقط، وحين خرجوا قال لها يا عائشة عليكي بالرفق، إن الله – تبارك وتعالى لا يحب الفحش والتفحش، يا الله، يسبونك في وجهك وأمام أم المُؤمِنين وأنت تسمع وهى تسمع وتقول الله لا يُحِب ما فعلتِ؟ أنتِ حين قولتِ عليكم الغضب واللعنة يا إخوان القردة فإن الله لا يحب هذا الأسلوب لكن يُحِب القتل ويُحِب الذبح، هكذا فهم بعض المسلمين اليوم، الله لا يُحِب أن نسبهم وقد سبوا نبينا لكن يحب أن نقتلهم أن نخردقهم بالرصاص ثم نقول الله أكبر انتصرنا لك يا رسول الله، أسأل الله كما قلت مرة أخرى أن يُثيب وأن يُعيد علينا عقولنا وشدنا وحلمنا حتى نعرف كيف نؤمن بهذا الدين وكيف ننصر خاتم الأنبياء والمُرسَلين، تقريباً آن لنا أن نطرح هذا السؤال: مَن الذي يجني على رسول الله؟ مَن الذي يُسيء إلى رسول الله؟ هل هم وحدهم أم نحن معهم أيضاً وقبلهم؟ نحن نُطرِّق لهم الطرق أن يُسيئوا إلى حبيبنا ونبينا بالسكوت على هذا البله كله، هذا بله وهذا عبط وهذا غباء، هذه روايات غبية ملعونة، آن لنا أن نُنقي عقولنا قبل أن نُنقي صحائفنا منها لكي تُجلا صورة الإسلام متألقة بيضاء نقية في العالمين، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩.
اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً، اللهم زِدنا ولا تنقصنا، وأعطِنا ولا تُحرِمنا، وأكرِمنا ولا تُهِنا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وانصرنا على مَن بغى علينا يا قوي، يا متين، يارب العالمين، اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات، ربنا حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصان واجعلنا من الراشدين، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ۩. رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ۩.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ۩ يا عزيز، يا غفار، يا رب العالمين.
عباد الله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩، وأقِم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
إجابة عن سؤال مُتعلِّق بموضوع الخُطبة
طبعاً كون الحر في المشهور لا يُقاد بعبده أو بأمته – هذا هو المشهور والمعمول به – لا يعني أنه يُخلا من عقوبة تعزيرية، فيُمكِن أن يُجاب بهذا عن سبب خوفه وتزلزله، لكن ربما أنا ظننت السؤال في اتجاه آخر وهو كيف هو أصلاً يفتئت على السُلطة ويُقيم الحد – لو أفترضنا أن هذا هو حد مَن يسب الرسول – بنفسه دون أن يعود إلى السلطة المركزية كما يُقال؟ للأسف الشديد جماهير العلماء ذهبوا تأثراً بخبرين أثنين – خبر رواه الإمام أحمد وخبر رواه أبو داود أيضاً مرة أخرى – إلى أنه يجوز للسيد أن يُقيم الحدود على عبيده وإمائه لقول النبي فيما أخرجه الإمام أحمد في المُسند أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم، وهذا الحديث ليس نصاً في إنفراده بإقامتها مُفتئيتاً على السلطة، بالعكس بل الظاهر فيه – إن صح هذا عن رسول الله – أن الرسول أراد أن يقول أيضاً العبيد والإماء من ملك اليمين إذا أتوا حداً من حدود الله فإنهم أيضاً يُعاقَبون بالطريقة طبعاً المذكورة في الشرع، أكثر الحدود على الإطلاق تُنصَّف، فهذا هو المُراد من الحديث، هو ليس نصاً فيما ذهبوا إليه، ربما أظهر في ما ذهبوا إليه خبر أبي داود الآخر وهو إذا زنت أمة أحدكم فتبيّن زناها فليجلدها الحد، وأيضاً واضح أنه مُحتمَل أن يكون بمعنى ليُقِم عليها الحد ليس بيده، وأعتقد أن هذا المُتوائم خلافاً لمذهب الجماهير مع رحمة الشريعة، لماذا؟ إذا كان لا يجوز للحر أن يقيم حداً على حر آخر إلا بالبينة والإقرار – وطبعاً كما قلنا لا يفتئت من دون الحاكم ومن دون السلطة المركزية – فمن باب أولى ألا يُفتح هذا الباب للسادة والمُلاك، لأنهم قد يسطون بعبيدهم وإمائهم فيُوجعون ظهوروهم وربما قتلوهم أو قطَّعوهم وجدَّعوهم بإسم أنهم أقاموا عليهم حد الله، فينبغي في هذه الأحوال بالذات أن يُرفع الامر للسُلطة المركزية، على كل حال سيُقال لك هذا خلاف ما عليه جمهور العلماء، لكن انتبهوا إلى أن العلماء أنفسهم اختلفوا في مسألة مُهِمة بعد اتفاق الجماهير للأسف الشديد على أنه تُقام الحدود التي فيها جلد، أما الحدود التي فيها قطعٌ – قطع اليد في السرقة – أو قتلٌ فقد اختلفوا فيها، لا يُقال هذا مذهب الجماهير، هذا ليس مذهبهم هنا لأنهم اختلفوا، فالإمام الشافعي وجهٌ لأصحابه ومن ثم قال أن السيد لا يقيم هذه الحدود بل تستبد بها السُلطة المركزية، وهذه رواية عن الإمام أحمد وهو قول الإمام مالك، مذهب الإمام مالك وقوله أن السادة لا يقيمون هذه الحدود التي فيها قطعٌ أو فيها قتلٌ، بل يُقيمها الإمام، أي السُلطة المركزية، فهذا هو الجواب، وهذه المسألة كان فيها قتل فما كان ينبغي – لو صحت القصة – أن يفعل هذا وأن يكتفي النبي بقول اشهدوا أن دمها هدر ومن ثم يُهدِر دمها ويُخليه حتى من عقوبة تعزيرية، أمارات الوضع والاصطناع على هذه الحكاية كثيرةٌ جداً.
بخصوص حتى حديث السام عليك يا محمد قد يقول لي أحدكم هل العلماء لم يتنبَّهوا إلى أن هذا الحديث المُخرَّج في الصحاح يُعكِّر على مسألة وجوب قتل مَن سب النبي؟ تنبَّهوا ولكنهم للأسف تمحَّلوا، بعد أن تنبَّهوا ذهبوا يتمحَّلون فقالوا لعل ولعل ولعل ولعل، فمِن قائل – كما ذكر الإمام عياض رحمة الله عليه في الشفاء – لعله – عليه الصلاة وأفضل السلام – لم يُقرِّرهم وهم لم يُقرِّوا بهذا، لم يُقرِّوا بأنهم سبوه، قالوا لا وأنكروا، لكن في الحقيقة هل ثبت في الحديث أن النبي قرَّرهم؟ هل قرَّرهم وقال لهم ماذا قلتم؟ هل قال لهم أقلتم السام عليك – الموت عليكم – يا محمد كما سمعت أم المُؤمِنين؟ لم يُقرِّرهم وهو علم أنهم سبوه بدليل أنه قال وعليكم وقال لعائشة أنا اكتفيت بأن قولت وعليك، أي الموت علىّ وعليكم فقط، هو سمع ولكنه لم يُقرِّرهم، لو كانت هذه جناية يُؤخَذ بها جانيها وعقوبتها الموت لوجب أن يُقرِّرهم لكنه لم يفعل، هذا النبي كما قلنا، هذا هو النبي صاحب الهجر الجميل والصفح الجميل والصبر الجميل، فقولوا ما تشاءون، قال الإمام عياض – رحمة الله تعالى عليه – وهم لووا ألسنتهم بالكلمة ولم يُصرِّحوا، لكن النبي فهم وعائشة فهمت مُباشَرةً وهى لفظة فصيحة مفهومة عند العربي، فما قيمة هذا الجواب؟ أعجب جواب وهو أضعف هذه الجوابات قال لعله – عليه الصلاة وأفضل السلام – فهم من هذا أنهم دعوا عليه بما لابد منه وهو الموت، انظروا إلى قولهم لعله ولعل، هذه كلها تمحلات بدل أن يقولوا هذا هدي النبي المتسق مع كتاب الله ومن ثم لا يقتل بل حتى لم يُثرِّب ولم يُنكِر ولم يتكلَّم في حق مَن سبه في وجهه، هذا هو النبي، هذا نبي القرآن وليس نبي الأسانيد وعثمان الشحام وعكرمة البربري وفلان وعلان وهيان بن بيان، هذا نبي القرآن، هذا نبينا الذي نُؤمِن أنه كان كذلك عليه الصلاة وأفضل السلام، فأوهى الجوابات وأضعفها هو قول القائل لعل النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – فهم من هذا أنهم دعوا عليه بما لابد منه – انظروا إلى أي مدى وصل التكلف – وهو الموت، أي أنهم لم يرتكبوا إثماً عظيماً، قالوا إن شاء الله تموت – أستغفر الله العظيم، اللهم غفراً – ولابد أن تموت، يا سلام، الآن لو جاء إنسان ودعا على إنسان آخر بالموت يكون لم يأت شيئاً؟ لو قال أحدهم الآن قطع الله حياته أو أفنى الله عمره أو اخترم الله أجله أو أماته الله فهل هذا سوف يكون شيئاً عادياً؟ هذا ليس شيئاً عادياً في حق إنسان عادي، فمُستحيل أن يكون حقاً في حق رسول الله وهو أفضل الخلق، قالوا فهم من هذا أنهم دعوا عليه بما لابد منه وهو الموت – هذا شيئ غريب جداً – ولابد من الموت وبالتالي هذا عادي، ولكم أن تتخيَّلوا هذه الجوابات، لكن اللطيف أن العلماء أدركوا الحرج الذي أوقعتهم فيه هذه الرواية، الآن بالله عليك – ليس لأن هذه الرواية في الصحيحين في البخاري ومسلم ورواية عكرمة في أبي داود والنسائي والدار قطني وفيها المشاكل التي رأيناها والتي فيها تفرد، افترض أن الاثنتين في الصحيحين، افترض أن هذه في الصحيحين وأن هذه في الصحيحين – القلب المُؤمِن والمُشبِع بالقرآن وبهوى القرآن الكريم يرتاح إلى أي الروايتين؟ الناس لا يقبلون مَن يضيق صدره ولو قليلاً، أنا نبَّهت مِن سنوات على ضرورة غلق الهاتف قبل الجُمعة، وإن شاء الله أزعم أن عندي صدراً واسعاً مع أحبابي وإخواني وجماعتي، أرى الغلط – والله – لمرة ومرتين وسنة وسنتين وأظل ساكتاً وأقسم بالله على هذا، وهذا واضح وهو في المسجد، ودائماً ما أقول يا إخوان قبل الجُمعة سِّكروا التليفون – Telephone – أو يا إخوان اجعلوه على الوضع الصامت، في الجُمعة الثانية مُباشَرةً بدأت أخطب على المنبر وبدأ هاتف أحدهم يرن ولم يتمكَّن من تسكيره، فقلت أنه لا يعرف كيف يُسكِّره، فقاموا بخلق المشاكل وقالوا انظروا إلى أدب عدنان إبراهيم مع جماعته وعملوها قصة كبيرة، وعلى كل حال عندهم بعض الحق، الناس لا يُحِبون في خلائق العباد وفي خلائق الناس وخاصة حين تكون مُميزة عن ناس بشيئ – هذا رسول وأنت خطيب والناس تستمع إليك – مَن يضيق صدره ولو قليلاً، ما المُشكِلة؟ كان يُمكِن أن تصبر وتترك التليفون – Telephone – يرن ويُشوِّش على التسجيل وعليك، هذا شيئ عادي، لماذا غضبت قليلاً وقلت هو لا يعرف كيف يُسكِّره وكأنه أتى شيئاً إداً؟ فأنا أقول لكم الفطرة تقبل أن أخلاق النبي هى أخلاق الصفح والإغضاء والمسامحة، هذا نبي، هذا ليس عدنان وعثمان وزيدان، هذا نبي، وطبعاً تنفر من أن يُنسَب إليه أنه يضيق صدره ويغضب جداً إذا بلغه شتيمته وسبه ويأمر بالقتل، كأن يقول اقتلوا من فعل هذا من رجال ونساء، امرأة اقتلوها أو رجل اقتلوه، أي أحد اقتلوه، حاشاه لله أن يقول هذا، وأنا أقول لكم – وأختم بهذا – سيكولوجياً ونفسياً لا يفعل هذا إنسان ملآن بالثقة بنفسه وبربه، أنت تخشى مَن؟ أنت الآن تمشي في الشارع ونفترض أنك غضبان وعندك مُشكِلة في البيت وترى كما يقولون الشياطين أمامك فقل أنت تميل إلى أن تعارك مَن: هل تُعارِك إنساناً من الواضح أنه قوي ورياضي – بطل رياضي – أم إنساناً عادياً؟ لو أنا مكانك أُعارِك الرياضي، من المُمكِن أن أتفلسف على الرياضي لأنني أعلم إن ثقته بنفسه عالية، وهو يعرف أنني صعلوك ويستطيع بضربة واحدة أن يُحطِّم أضلعي ومن ثم هذا سوف يسامح وسوف ينظر إلىّ من أعلى ويقول اذهب العب بعيداً، مَن أنت؟ ألا ترى كيف أكون؟ لكن لو شخص مثلك أو شخص ضعيف فإنك لا تأمن والله، لو معاه سكين فإنه سوف يضربك مباشرةً يضربك، وأنت لا تخف إلا من ضربة الجبان، لأنه خائف، أليس كذلك؟ يُقال أن المرأة حين يُعتدى عليها ويكون عندها مُسدَّس فإنه تُفرِّغه في الضحية، لأنها تخاف جداً وتخاف أن يقوم من الموت ويرجع لها، لكن الرسول لم يكن كذلك، الرسول ملآن ثقة بنفسه بفضل الله تبارك وتعالى، وهو يعلم أنهم لا يسبونه فقط بل هم كفروا به وتألَّبوا عليه وكان يعرف أن الله يعصمه منهم وسوف ينصره عليهم وسوف يفتح عليه، قال الله إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ۩، ثم أن النبي عُرج به إلى ما فوق السموات السبع الطباق ورأى من آيات الله ما رأى، فهل يضيق صدره لأن أحدهم سبه أو تنقصه؟ هذا لا يُمكِن أبداً والله، كما قلنا قرآنياً هو كان يدعو لهم ويبكي عليهم ويحزن لأجلهم، لا يأمر بقط رؤوسهم كما أرادو أن يُفهِمونا وصنَّفوا المُصنَّفات في هذا، أنا أقول لك للأسف الشديد الصارم المسلول وغير الصارم المسلول تراث أراد أن يُحسِن إلى رسول الله – أكيد أن النية كانت حسنة – ويُعظِّم جنابه الشريف – عليه الصلاة والسلام – لكن في نهاية المطاف بالمآلات هو أساء إليه وأعطى صورة غير حميدة وغير مُحبَّبة، والله – تبارك وتعالى – وحده عنده العلم والحكم، والسلام عليكم ورحمة الله.
(تم بحمد الله)
فيينا (16/1/2015)
أضف تعليق