إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سبحانه وتعالى من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول المولى الجليل – سبحانه وتعالى – في مُحكَم التنزيل بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ۩ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ۩ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ۩ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفاضلات:
لو ذهبنا إلى مدىً بعيد وعميق من التجريد مُتجاوِزين شتى الذرائع والأسباب والتعليلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية حتى لنتساءل ما هو السبب الأعظم الرئيس وراء شتى المُشكِلات والأزمات والاضطرابات التي يُعاني منها الجنس البشري – النوع الإنساني – لكن كما قلنا في خُطوة تجريدية تتجاوز الذرائع والأسباب التي ألمعنا وألمحنا إليها؟ لوجدنا إنها محدودة الإنسان، في نظري السبب الذي هو أعم وأكثر طلاقةً من شتى هذه الأسباب الجُزئية هو محدودية الإنسان، الإنسان أكثر اهتماماً إذا تعلَّق الأمر به فرداً منه إذا تعلَّق به جماعةً أو أمةً، الإنسان أكثر اهتماماً بالأمر إذا تعلَّق بإحداث ضرر أو تخريب أو أزمة بشخصه في المُستوى المُباشِر والسريع أكثر من اهتمامه إذا تعلَّق الأمر بإحداث ما ذُكِر على المُستوى البعيد وغير المُباشِر، الإنسان أكثر اهتماماً إذا تعلَّق الأمر بجيله الحالي الراهن منه ما إذا تعلَّق بالأجيال الآتية، وهكذا وهكذا وهكذا، ولنضرب مثالاً نُوضِّح به هذه المحدودية وهذا التشرنق لدى الإنسان نوعاً وفرداً، يُقال إن شركات التأمين – مثلاً – حين تُؤمِّن على البيوتات أو المُؤسَّسات – مثلاً – فإنها لا تهتم بمدى احتمال أو احتمالية هذا البيت بالذات أو سرقته، هذا لا يهمها، ما يهمها هو الاحتمالية العامة أو النسبة العامة أو المُتوسِّط كما يُقال، هذا الذي يهمها، أما الفرد فهذا الأمر لا يهمه، لا يهمه نسبة احتراق المنازل والمُؤسَّسات والمُتعلَّقات، هذا لا يهمه، كل ما يهمه احتمال احتراق بيته هو أو مُؤسَّسته هو، هذا المثال البسيط المُوحي يُوضِّح لنا المحدودية من بعض جوانبها وليس من شتى جوانبها.
الساسة – مثلاً – لا يسترشدون في سياساتهم القريبة والبعيدة أو ما يُعرَف بالاستراتيجية – مثلاً – أو بالاستخطاطية في مُعظَم الأحوال والأحيان بمصالح الأجيال التي ستأتي وإنما يسترشدون بالمصالح الراهنة للجيل الحاضر لأنهم يخدمون برامج حزبية وليس استراتيجيات حقيقية كما يُدّعى، هم يخدمون في نهاية المطاف برامج وأجندات حزبية عينها على الجمهور وعلى الناخبين، ومنها قد تُعاني الأمم والشعوب من جراء هذه السياسات وأمثالها من عواقب وعقابيل وبيلة جداً على المُستوى البعيد، ولنضرب مثالاً – وليست الخُطبة حول هذا الموضوع لكن لابد من التطرق إليه – بما يحدث الآن في فلسطين مثلاً، حالة غضب وفوران واغتلام عواطف وتهيج مشاعر بلا شك في الشارع العربي والإسلامي كله من هذه الحفريات المُريبة التي يعلم الله – تبارك وتعالى – إلى أين ستذهب وإلى ماذا ستُؤدي، والرسالة واضحة، حالة غضب وغليان واهتياج واغتلام مشاعر، لو كان هناك نوع من العقل ونوع من الاسترشاد بالمصالح البعيدة لتساءلوا هل هذا يخدم استقرار الدولة – مثلاً – الإسرائيلية؟ في الحقيقة لا يخدمها، هل هذا يُؤمِّن مُستقبَل الأجيال الآتية من الإسرائيليين هناك؟ في الحقيقة لا يُؤمِّن ولا يعمل في هذا الاتجاه مُطلَقاً، لكن هكذا هى السياسات وهكذا هم العناصر والجنرالات للأسف الشديد في كل مكان.
أحببت أن أضرب هذه المُقدِّمة بين يدي الحديث عن موضوع خطير وخطير جداً، لكنه سيفزع كل واحدٍ منا، إذا سمع كلاماً حول هذا الموضوع أو قرأ تقريراً او كتاباً علمياً أو حتى ربما تقريراً إخبارياً مُقتضَباً حول الكارثة الوشيكة بل الراهنة وقد ابتدأت مُنذ عقود للمُناخ – مُناخ الكوكب كله ومُناخ الأرض – سيفزع إلى التساؤل: هل هذا سيحدث في مُدة عمري أنا؟ لن يحدث، إذن الأمر ليس مُهِماً، إنها مرة أُخرى محدودية الإنسان، ما فائدة طرح موضوع مثل هذا في خُطبة جُمعة؟ ثم ما المُنتظَر من إمام جُمعة أو من عالم مُسلِم أو من شيخ أو من خطيب أو من مُسلِم بشكل عام حين يتحدَّث في موضوع كهذا؟ لقد سئمنا ومللنا – وأنا واحد من الناس – الربط الابتساري الشكلي الغث والرث لمُختلَف القضايا بالنصوص الدينية، في القضايا الاقتصادية نقول قال الله وفي القضايا المُناخية نقول قال الرسول بطريقة رثة وغثة، وهذا شيئ فعلاً يبعث على الغثيان وعلى سُخرية الذين هم نطاق الحقل الإسلامي وحقل الفكر والتفكير الإسلامي، يبعث على الغثيان والشعور أحياناً بالشفقة على هؤلاء الدراويش الذين يظنون أنهم باستدعاء نصوص مُعيَّنة سيُصلِحون العالم ويزعمون أنهم يمتلكون أحسن المباديء وأحسن الأفكار وأقدس النصوص مع أنهم يعيشون في أسوأ الأوضاع ولا يعرفون كيف يُساهِمون في إصلاح هذه الأوضاع السيئة، أعظم المباديء والنصوص في أسوأ الأوضاع، هذا حال الأمة العربية، هذا حال الأمة الإسلامية، هذا حال المُسلِمين عموماً، وهذه حقيقة.
في حلقة أعتقد في مُناسَبة مثل هذه جُمعية اقتبسنا المُفكِّر علي عزت بيجوفيتش – رئيس البوسنة السابق رحمة الله تعالى عليه – حين اقترح جائزة نوبل Nobel لمَن يُجيب عن هذ السؤال، كيف يكون الدين الإسلامي بنصوصه أكثر الأديان حثاً على النظافة والتطهير واستخدام الماء وفي نفس الوقت أكثر الأديان حثاً على الانضباط والنظام وأمته ليست كذلك؟ قال الله إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ۩، والزكاة لها حولها ولها أنصباؤها ولها شروطها، والحج له موسمه، قال الله الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ ۩، وأيضاً ذكر الله فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ۩، وذكر الله فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ۩، وكذلك الصيام له شهره، قال الله فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ – لا قبل ولا بعد – فَلْيَصُمْهُ ۩، الدين يقوم على الترتيب، قال الله لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۩، وهكذا، لكن أمته – أمة الإسلام – هى في مُقدِّمة الأمم القذرة للأسف ونقولها بمرارة وبحزن، ليست نظيفة، أحياناً تدخل مساجد من شأنها أن يُذكَر فيها الله وأن يُعلى إسمه يُزايلك الخشوع والطمأنينة والالتذاذ بالعبادة لشدة وكثرة ما يفوح من روائح كريهة من الجوارب ومن بعض عرق الناس ومن الذين لم يمس الماء ربما جلودهم لأيام في فصل الصيف، شيئ مُحزِن ومُحيِّر، فعلي عزت بيجوفيتش لم يُفلِح أن يصل إلى الجواب، ليس عنده جواب، أحسن المباديء في أسوأ الأوضاع، أحسن آيات النظافة ونصوص النظافة في أمة قذرة، كيف؟ أحسن نصوص الانضباط والنظامية والتنفير من خلف الوعد واحترام الأوقات، حتى المواعيد في العالم العربي هناك ليست دقيقة، نحن هنا بلا شك استفدنا كثيراً من وجودنا هنا في العالم لكن في عالمنا ليست دقيقة، مفتوحة دائماً، يُقال لك سآتيك بعد العصر أو سآتيك وأمر عليك بعد المغرب، كيف بعد المغرب؟ هذه تمتد إلى الساعة الرابعة صباحاً، عنده إذن مفتوح أن يأتيك في أي ساعة، وإذا لم تكن في استقباله يزعل ويغضب، ما هذا؟ أمة ساقية زمانها مشروخة، دولاب زمانها مكسور مشروخ، ثم تتحدَّث عن حلول لشتى مشاكل الدنيا، اقتصادية وسياسية وعسكرية واجتماعية ومُناخية وكل شيئ، والشيخ مُستعِد بكل وثوقية أن يتحدَّث في أي موضوع شئتم، أي شيخ في أي موضوع تشاءون يستطيع أن يتحدَّث، حتى لو سألته في موضوع كوني كوزمولوجي أو حتى فلكي يُمكِن أن يتحدَّث أيضاً، يُحدِّثك عن خلق الكون والسماوات والأرض كما يفهم هو ما شاء الله، شيئ مُحزِن ومُحيِّر، في نظري أن الجواب يكمن في كلمة واحدة، وهو أيضاً جواب تجريدي يقول شيئاً لكن لا يقول بالضبط وبالدقة، فهو حتى يحتاج إلى بسط وإلى مد وإلى تعميق، الجواب يكمن في هذه الجُملة والله – تبارك وتعالى – أعلم أولاً وآخراً، أن هذه المباديء وهذه الأفكار وهذه النظريات وتلكم التنظيرات لم تستحل ثقافةً في أمة الإسلام، هى ليست ثقافة صدِّقوني، نعم يبلعها ثم يَقيؤها الإمام على المنبر ونستلذ نحن بهذا الاقتباس للآيات والأحاديث وبهذا الاستدعاء لكنها ليست ثقافة، هذه ليست ثقافة لنا، واقعنا يُؤكِّد أنها ليست ثقافة، أين ثقافة النظافة؟ أين ثقافة الانضباط؟ أين ثقافة طلب العلم حقاً وتقديس العلم؟ أين ثقافة البحث عن الحقيقة وتقديس الحقيقة؟ أين ثقافة الانفتاح والتسامح الحقيقي؟ ليست ثقافة إذن، هى نصوص تُستدعى لكن لم تأخذ طريقها أن تُصبِح ثقافةً حقيقية نصدر عنها، لم نُرب عليها، لم نرضعها مع لبن الأمهات، لكن نتلقاها دائماً على أعناق المنابر ونهز رؤوسنا مُطمئنين أننا فعلاً أمة تستحوذ على أعظم المباديء وعندها كل الحلول، إذن – سيقول لنا الآخر ما بالكم إذن تعيشون في أسوأ الأوضاع وأعمق وأعظم الأزمات؟ ما بال العالم كله إلا قليلاً تحرَّر من الطواغيت ومن الظلمة ومن المُتآمِرين عليه ومن آكلي الشعوب بلغة هومر Homer أو هوميروس Homeros وأنتم لا زال آكلو الشعوب يأكلونكم؟ يأتي أحدهم ثلاثين أو أربعين سنة ولا يتحرَّك، ألا تتحرَّكون أنتم أيها الأمة إذن؟ يستغربون، لذلك في نظري عندهم بعض الحق على الأقل أن يتشككوا فعلاً في جدوى وصحة هذه المباديء التي نفوه بها دائماً ونتبجح بها، أين فعلها إذن؟ لو كانت صالحة لماذا لا تفعل؟ لماذا لا تفعل هذه المباديء؟ لكن رغم ذلك هذا اعتذار أيضاً عن طرح مثل هذا الموضوع من مُسلِم، من رجل يتكلَّم في الإسلام وبإسم الإسلام هذا اعتذار، لكن يقيننا أن الإسلام إذا استحال ثقافة حقيقية وأن النص إذا استحال ثقافة حقيقية يستطيع أن يُقدِّم الكثير في هذا الباب، لكن ما لم يستحل ثقافة لن يُجدي، لست على يقين بل ليس عندي أدنى درجات اليقين أن المُسلِمين إذا وصلوا إلى السُلطة – مثلاً – وشكَّلوا دولاً وأنظمة سياسية سيُساهِمون مُساهَمة فعّالة ومُجدية في الحفاظ على المُناخ العالمي أبداً، بالعكس سيتسابقون مثلهم مثل غيرهم في استفاذ أكبر قدر مُمكِن من الطاقة وفي السير على النموذج المُتاح للتنمية والتقدم بغض النظر عن عقابيله وعن آفاته وعن مشاكله، النموذج الذي يدعوه بل ينعته أحد علماء البيئة الكبار وهو عالم إسباني بالنموذج المُلوَّث، هو يُسميه بالنموذج المُلوَّث، هذا نموذج مُلوَّث للتقدم، نموذج مُلوَّث لاستهلاك الطاقة، نموذج مُلوَّث لحياة الإنسان، هذا نمط حياة مُلوَّث طبعاً، قال والحل لا يكمن في التخفيف والتقليل وإطلاق الصرخات ودق النواقيس، يقول هذا الخبير والباحث والعالم الإسباني الحل يكمن في ضرورة استبدال هذا النموذج المُلوَّث، لكننا نحن مُتلوِّثون بقناعتنا بهذا النموذج وسنسير عليه، لم نصل إلى درجة من الشعور بالمسئولية الحقيقية التي يفرضها أو تفرضها نظرية خليفة الله في الأرض فانتبهوا، قال الله وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بَعْد إِصْلَاحهَا ۩، هذه آية عظيمة، أنا أعتبرها آية مفتاحية في قضية المُناخ وأزمة المُناخ في هذا العصر وفي كل عصر، قال الله وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بَعْد إِصْلَاحهَا ۩، بعض الناس يتشكَّك ويقول هل للإنسان أصلاً سُلطة أن يُفسِد مُناخ الأرض؟ ومُناخ الأرض ليست قوة طبيعية، هى علاقة شديدة التعقيد والتركيب بين قوى طبيعية كثيرة جداً جداً جداً كالمياه والرياح والمُنخفَضات والضغط والحرارة والغازات الدفيئة وإلى آخره، فهل يُمكِن؟ في نظري وعلى خلفية قرآنية نعم، لأن القرآن يُقرِّر بدقة وبوضوح أن ما في السماوات وما في الأرض مُسخَّرٌ للإنسان، وكلمة مُسخَّر تُفهِمنا وتشي وتبوح بأن المُسخَّر له لديه لون سُلطة على هذا المُسخَّر من أجله، أليس كذلك؟ هو مُسخَّر لي، كما تستطيع أنت أن تُلجِم الجمل وأن تركبه وأن تقضي عليه بعض حاجتك، لأنه مُسخَّر مع أنه أقوى منك بدنياً عشرات إن لم يكن ربما مئات المرات، وكذلك أيضاً تستطيع أن تُؤثِّر على كل ما سُخِّر لك بارتفاقه وباستثماره وأحياناً بسوء استثماره إلى حد الاستنزاف كاستنزاف الموارد غير القابلة للتجدد كالكثير من المعادن وفي مُقدِّمتها الحديد مثلاً فهذا مُمكِن، أو بتهييجه وبحثه وبتحفيزه للدفاع عن نفسه كما يحدث جُزئياً مع المُناخ أو بتخريبه وإلحاق أضرار ربما تكون أبدية به، هذا مُمكِن أيضاً، هذا مُتاح للإنسان.
يُوجَد لدينا الآن ثلاثة آراء تُمثِّل ثلاثة أفراق للعلماء المُناخيين، بعضهم وهم الأكثر عدداً وعديداً كما يُقال تابعون لهيئة مُستشاري تغيرات المنُاخ المُنبثِقة عن جمعية الأرصاد الجوية العالمية والأمم المُتحِدة IPCC، هذه تُسمى هيئة مُستشاري علماء تغيرات المُناخ أو تقلبات المُناخ، هؤلاء ثلاثة آلاف حول العالم من مُختلِف الجنسيات، وهناك توزيع جغرافي عادل حقيقة، وكلهم مُجمِعون ومُتفِقون على الأنسان – إنسان عصر الصناعة وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين وما تلاه في هذا القرن الحادي والعشرين – قد ألحق أضراراً جسيمةً جداً جداً وتُنذِر بكوارث كونية على مُستوى الكوكب والنوع البشري بمُناخ الكوكب وبالكوكب ذاته، بسبب أنماطه في التصنيع واستهلاك الطاقة، هم مُجمِعون على هذا، أكثر من ثلاثة آلاف عالم حول العالم، وهم يُؤكِّدون أن هذا الارتفاع الذي لا يزال طفيفاً، بعض الناس يتحدَّث عن أربع درجات وما إلى ذلك لكن هؤلاء لا يُتابِعون، في الحقيقة إلى الآن نحن نعيش ازدياد يتراوح بين سبعة من عشرة إلى ثمانية من عشرة من الدرجة، أي لم نصل إلى درجة واحدة، لكنه كارثي، وهذا الازدياد مسؤول عن ظواهر تُسمى الظواهر المجنونة، سأُحدِّثكم عن ظاهرة كثر ما سمعنا المُختَصين يتحدَّثون عنها لكن بعض الناس ربما ليس عنده فكرة دقيقة عنها، وهى ظاهر النينو El Niño، علماً بأن النينو El Niño تُلفَظ الننيو بالإسبانية، ومعناها الطفل في المهد، لماذا؟ لأنهم لاحظوها في القرن التاسع عشر – في أُخريات القرن التاسع عشر – ووجدوا أنها تحدث دائماً حين تحدث – وهى تحدث من كل ثلاث إلى خمس سنوات – في فترة الكريسماس Christmas، أي في فترة عيد الميلاد، فأشاروا بكلمة النينو El Niño الإسبانية وهى تعني الطفل في المهد إلى عيسى، لأنها حدثت وتحدث في وقت يُذكِّر بميلاد عيسى، فهى معناها الطفل في المهد، لكن هى ظاهرة تقلب المُناخ، وهى من الظواهر التي يُعتقَد أنها ظواهر قد تُصبِح مجنونة، في البداية اعتُقِد أنها ظاهرة محلية Local، لها علاقة بالمُحيط الهادي والضفة الشرقية والضفة الغربية، الضفة الشرقية ساحل البيرو، الضفة الغربية إندونيسيا وما تلا، فكان هذا يحدث، مرة يحدث هنا فيضانات – Floods – ويحدث هناك جفاف وتصحر، ثم تنعكس المسألة من ثلاث إلى خمس سنوات، فيحدث هنا تصحر وهناك فيضانات، فقالوا هذا شيئ غريب، كيف هذا؟ سواحل أو مناطق ونطاقات جغرافية مُعيَّنة هى الأكثر جفافاً في العالم، كالساحل الغربي لأمريكا اللاتينية أكثر مناطق العالم جفافاً، تأتيه أوقات مُعيَّنة فيُصبِح كله مُخضَراً ويهتز بالخُضرة والنضارة، وهذا شيئ غريب، هو أكثر مناطق العالم تصحراً، كيف؟ قالوا المسؤول النينو El Niño، كيف؟ ما هذا النينو El Niño؟ كان يُظَن أنه ظاهرة محلية، بعد ذلك – لن أحكي لم القصة بالتفصيل لأنها قصة طويلة جداً – اكتُشِف أنها ظاهرة كوكبية على مُستوى الأرض كلها، وبدأ تتوارد وتتواتر، ثم اكتشف العلماء بعد ذلك أن هذه الظاهرة بالذات تسببت في إهلاك ودثور حضارات عالمية، لعل من أشهرها حضارة أور العظيمة في العراق، مدينة أور العظيمة في ألفين وواحد قبل الميلاد انتهت فيها هذه الحضارة التي كانت شديدة التعقيد والتقدم، كانت تعرف الكتابة – الكتابة المسمارية السومرية – وتعرف أيضاً الزراعة المُعتمَدة على الري المُنظَّم، عندهم علم وثقافة وزراعة وتقدم حقيقي، لكنها انقضت قبل أربعة آلاف سنة تقريباً في ألفين وواحد قبل الميلاد، واكتُشِف حديثاً قبل بضع سنوات بالأدلة أن المسؤول كان النينو El Niño، ظاهرة النينو El Niño هى التي دمَّرت هذه الحضارة عن آخرها، وقام العلماء بُمقارَنة هذه المُكتشَفات بألواح موجودة في المُتحَف البريطاني مأخوذة طبعاً من حضارة أور القديمة وهى ألواح رثاء أور – إسمها رثاء أور – وحين فُكَّت الرموز وجدوا فعلاً أن الذي دمَّر الحضارة هو هذا التقلب المُناخي العظيم، وحضارات أُخرى كثيرة انتهت بهذه الطريقة، الحضارة في البيرو في سنة ستمائة وخمسين ميلادياً دُمِّرت بالكامل – حضارة الموتشي – بسبب النينو El Niño، الثورة الفرنسية يُقال أحد أكبر وأعظم أسباب اندلاعها النينو El Niño، لماذا؟ أُصيبَت فرنسا وقتها بفصلٍ شتويٍ قاسٍ جداً جداً، الثلوج دمَّرت المحاصيل فأُصيب الناس بالجفاف رغم وجود الثلوج، وثار الفلاحون في ثورة غضب عارمة ساعدت ومدت الثورة الفرنسية، هذا ما يُقال، كأننا نُريد أن نعود رغماً عنا إلى التفسير الإلهي للتاريخ الذي شطب عليه العلم الوضعي واعتبره خُرافة من خُرافات المُتدينين، يبقى هناك مجال ومجال وسيع وهامش عريض ليد القدرة الإلهية أن تُحدِّد أحياناً مصير المشوار والمسيرة البشرية، الحضارات تبيد في عشرات السنين وتنتهي وهى عمرها مئات السنين، مَن الذي أنهاها؟ ليست حرباً ولا ما سواها، وإنما ظاهرة مُناخية بيد الله يُصرِّفها كيف شاء المُتحدِّث جلّ في علاه عن المياه – كيف تفيض هنا وتشح هنا فيحصل هنا فيضان ويحصل هنا إجداب – قائلاً وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ۩، يقول نحن الذين نُصرِّف الماء، والنبي يتحدَّث في حديث آخر غريب جداً وعجيب يُؤكِّده علماء المياه أو الأمواه ويقول ما عامٌ بأمطر من عام، كمية الماء واحدة على هذا الكوكب ولكن التصريف يختلف، قال الله وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ ۩، يزيد هناك فينقص هنا، وإذا زاد هنا نقص هناك بلا شك، هذا الذي يحدث، فيد الله فاعلة حتى في التاريخ وحتى في نُصرة قوى على قوى وحتى في هزيمة قوى لحساب قوى، يد الله فاعلة، الأسطول البريطاني في القرن السابع عشر حين هُزِم أمام الإسباني كان أيضاً بفعل النينو El Niño كما يقولون الذي استمر لبضع سنوات، في إبريل ألف وتسعمائة وسبع وتسعين إلى مايو ألف وتسعمائة وثماني وتسعين شهد العالم ظاهرة نينو El Niño عُظمى، في أوروبا الوسطى في أقل من ست سنوات أكثر من ثلاثين فيضاناً شرَّدت زُهاء مليون من البشر، وهذا شيئ غريب.
إذن هؤلاء العلماء يُؤكِّدون أن الإنسان له دور، وسنشرح كيفية هذا الدور وآلية عمل هذا الدور، لكن هناك علماء آخرون لعلهم يعملون لحساب سياسات مُعيَّنة كما تعلمون، هناك جهات ودول وقوى مُعيَّنة تُؤكِّد العكس وتقول هذه الارتفاع وهذه المشاكل لا دخل للإنسان بها، هى دائماً موجودة ودائماً تتردد في كل حقبة جيولوجية مُعيَّنة، فهى دائماً موجودة، لماذا؟ لأن ليس من مصلحتهم أن يُلزَموا ببروتوكولات أو التوقيع على بروتوكولات مُعيَّنة تُلزِمهم باقتصاد وترشيد استخدام الطاقة وخاصة الطاقة المُستخدَمة حالياً والمُعتمِدة على الوقود الأحفوري Fossil fuels، هذا بنسبة ثمانين في المائة، وهذا ما يُلوِّث البيئة حقيقةً، لكنهم لا يُحِبون أن يُوقِّعوا، ولذلك يتندَّر بعض علماء المُناخ ويقول لعل إعصار كاترينا Katrina – وهو الكارثة البيئية الأكثر تدميراً في تاريخ الولايت المُتحِدة الأمريكية على الإطلاق، وهو إعصار واحد – سيُلجئهم يوماً – أي يُلجيء الولايات المُتحِدة الأمريكية وسياسيها – إلى التوقيع على بروتوكول كيوتو Kyoto الذي رفضوا أن يُوقِّعوا عليه في السبع وتسعين، أعظم الدول إطلاقاً للغازات الدفيئة مثل ثاني أُكسيد الكربون – CO2 – هى أمريكا وأستراليا، ورفضتا أن تُوقِعا، يُوقِّع الغلابة والمساكين والحجوم المُتوسِّطة والضعيفة، لكن أعظم دولتين مُصنعتين تُطلِقان الغازات الدفيئة وفي مُقدِّمتها غاز ثاني أُكسيد الكربون وغاز الميثان أيضاً رفضتا أن تُوقِعا، ولذلك ضُرِبتا بعدة كوارث، لعلها رسائل إلهية – العالم يُشير إلى هذا – تضطرهم أن يُوقِّعوا يوماً، لابد أن تُوقِّعوا، الذين وقَّعوا والتزموا عملوا على تخفيض إطلاق هذه الغازات بنسبة خمسة في المائة، وهذا شيئ جيد، صحيح ليس ضخماً جيداً لكنه جيد، انخفض إلى خمسة في المائة، ما نُطلِقه الآن من غازات أو ما أطلقناه في النصف الأخير من القرن العشرين يُذكِّر بكارثة وشيكة، كانت النسبة قبل ذلك ثلاثمائة وثمانين في المليون من غاز ثاني أُكسيد الكربون، الآن هى مُرتفِعة إلى خمسمائة وخمسين، في ألفين وعشرة مُرشَّحة أن ترتفع إلى ألف في المليون، وطبعاً ستقولون ماذا يفعل هذا؟ هذا يُسخِّن الكوكب، لماذا؟ تعلمون أن هناك الغلاف الجوي وتقسيماته وطبقاته الخمسة المعروفة، حين تبعث وتُرسِل الشمس أشعتها إلى كوكبنا تنعكس كميات كبيرة من هذا الإشعاع إلى الخارج مرة أُخرى وتبقى الحرارة معقولة، لكن الغازات الدفيئة لها خطورة، وطبعاً هناك دفيئة ربانية تُسمى الدفيئة الطبيعية أو مفعول أو أثر مفعول الدفيئة الطبيعية، هذا شيئ إلهي، الله خلق الغلاف الجوي ووضع فيه غازات بنسب مُحدَّدة ومُعيَّنة، فهذه الغازات تسمح بمرور إشعاعات وتعكس إشعاعات أُخرى، والكوكب مُعتدِل بحسبما يُريده الله تبارك وتعالى، لكن إذا زادت نسبة هذه الغازات وهذه المُكوِّنات مثل الماء وبخار الماء وبلورات الماء وغاز أُكسيد النيتروز وغاز الميثان وغاز ثاني أُكسيد الكربون – الميثان وثاني أُكسيد الكربون هما الأخطر على الإطلاق – فإنها تُقلِّل من نسبة انعاكس الإشعاعات الواردة إلى الأرض، تغدو تنعكس كميات أقل وتحتبس كميات أكبر، فترتفع درجة حرارة الكوكب شيئاً فشيئاً، صحيح هى إلى الآن لم تبلغ درجة واحدة لكن قرَّبنا على درجة، يقول علماء ظاهرة النينو El Niño درجة بل أقل من درجة ترتفعها حرارة الكوكب كفيلة بأن تجعل النينو El Niño مجنوناً، هناك احتمالات مفتوحة وهى احتمالات جهنمية أن هذا النينو El Niño قد يتأثَّر، هو كظاهرة طبيعية أو ربانية ظاهر مُفيدة وفيها عدل إلهي، مرة هنا ومرة هناك، مرة هنا جفاف ومرة هناك مطر وخير، إذن فيها عدل، لكن إذا استمرت هذه الظاهرة ستُصبِح مُدمِّرة، إذا تمادى استمرارها – في بعض الأحقاب التاريخية تمادى استمرار النينو El Niño مائة سنة مُتواصِلة – واستمر الآن تماديها وأصبحت هى الظاهرة الطبيعية وما سواها شذوذ فقد تُهدِّد الحضارة الإنسانية بمُجمَلها، هكذا يقول العلماء المُختصَون أو الإخصائيون في هذه الظاهرة، أي ظاهرة النينو El Niño، وهذه كلها احتمالات، نحن لا نسأل الله أن تقع، نسأل الله دائماً أن يكون الوضع أحسن مما يتشاءم وأحسن مما يحدس العلماء، لكن هل يُمكِن للجنس البشري أن يُغامِر هذه المُغامَرة؟ هذه مُغامَرة خطيرة جداً وغير مضمونة العواقب، قد تُدمِّر هذا الجنس أو أكثر هذا الجنس، قد تُدمِّر حضارته الراهنة، وهذا شيئ لا تُحمَد عُقباه بلا شك.
أعود لكي أقول أن الفكر الإسلامي والتصور الإسلامي والنص الإسلامي يُمكِن أن يُطوِّر وأن يُبلوِر صيغاً مُمتازة بل وعملاقة فعلاً للتعامل مع هكذا أوضاع، لأن الإنسان وإن كان مُسخَّراً له كل ما في السماوات والأرض إلا أنه في نفس الوقت خليفة، الله – عز وجل – استخلفه في الأرض وأمره بإصلاحها وحذَّره من إفسادها، قال إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ۩، وقال أيضاً وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا۩، وحتى كلمة إِصْلَاحِهَا۩ كلمة عجيبة، كان بوسع المولى – تبارك وتعالى – أن يقول ولا تُفسِدوا في الأرض بعد صلاحها، لكنه قال إِصْلَاحِهَا۩، لماذا؟ لأن هناك آليات إلهية لإصلاح المُناخ بشكل مُستمِر، وسبحان الله هذه آليات إلهية تعمل على إصلاح المُناخ بشكل مُستمِر، وهذه النُقطة تحتاج إلى تفصيل وحده وبحياله، لذلك قال بَعْدَ إِصْلَاحِهَا۩، وهذا يعني أنه يُصلِح وأنت تُفسِد، قال الله ظهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ۩، ثم قال في نقس الآية لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ۩، جراء ما كسبت أيديكم، أنتم أفسدتم هذا الكوكب الصالح المُصلَح لكم، أنتم أفسدتموه، لماذا؟ بالمحدودية، لا تسترشدون بخُطة تخدم النوع الإنساني وتخدم الكوكب وتخدم المُناخ، فقط تسترشدون بما يخدم جيلكم الراهن، وأنا سأكون أكثر بؤساً ربما في تصوري وتقريري وأقول أن بعضهم يسترشد بما يخدم جهات مُعيَّنة ومحدودة، جماعات مُعيَّنة أو أحزاب مُعيَّنة وأحياناً في نهاية المطاف أشخاص مُعيَّنين، مثلاً هناك آلاف الدراسات الآن في الغرب الأوروبي والأمريكي عن منابع أُخرى للطاقة النظيفة غير الطاقة الأُحفورية، لماذا لا تُستخدَم؟ موجودة ومُتاحة وسهلة ورخيصة، بعضها يُشبِه أن يكون مجانياً، آلاف الدراسات عن هذا، وهى دراسات علمية، وللأسف طبعاً سيُصدَم بعضكم إذا عَلِم أن بعض العلماء القائمين على هذه الدراسات والذين يُشجِّعونها يُحارَبون حرباً حقيقية انتهت في بعض الحالات بالاغتيالات، وهذا أمر عجيب، هذا عالم في الطاقة أو في المياه أو في الفيزياء، لماذا يُغتال؟ ممنوع، لأن هذا يتقاطع ويصطدم مع مصالح جهات وأشخاص وفئات مُعيَّنة مُستفيدة من تجارة – مثلاً – النفط، فهذا ممنوع إذن، ينبغي أن تستمر هذه التجارة حتى على حساب الجيل وعلى حساب صحتنا وعلى حساب مُناخنا وعلى حساب الكوكب وعلى حساب الحضارة، على حساب كل هذا لأنهم لا يُبالون، هذه محدودية الإنسان، ولذلك لو أردنا أن نُفلسِف الموضوع سوف نقول أن الذي يُخرِج الإنسان من محدوديته التعمق والاتساع، وخاصة الاتساع في العقل، فالإنسان العامي البسيط الذي ليس عنده أي ثقافة بيئية أو ثقافة علمية لا يعنيه موضوعة المُناخ إطلاقاً أو البتة، وسيستهجن طرح مثل هذا الموضوع في خُطبة جُمعية، وسوف يقول ضيَّع علينا الشيخ الخُطبة كلها، لأن طبعاً ماذا تتوقَّع من هذا المسكين؟ الحديث عن ساندوتش Sandwich أرخص بعشرين سنت أفضل له من حديثي عن مُناخ الأرض كلها، هذا لا يعنيه، للأسف هذه ضريبة الجهل والأُمية وضريبة المحدودية، فهل الإنسان المُؤمِن القرآني إنسان محدود إلى هذه الدرجة؟ مُستحيل، ولذلك حين أتذكَّر شخصاً عبقرياً مثل عمر بن الخطاب – رضوان الله عليه – أجد أن هذا الرجل فعلاً كان عبقرياً، هو عبقري بكل المقاييس، ليس عبقرياً لأنه كان فقط يتعبَّد كثيراً أو شديداً في الحق وإنما هو عبقري حين يقول أُريد أمراً يسعه أول هذه الأمة وآخرها، الله أكبر يا أخي، أنا يقشعر بدني – والله – حين أستدعي هذا الشيئ، ولم يكن نظرياً بل حوَّله إلى تطبيق حقيقي، هذا التطبيق الحقيقي اضطره أنه يُخالِف ظاهر القرآن الكريم، لأنه يفهم في نهاية المطاف أن القرآن كل ما يُريده تأمين المصالح الحقيقية للأجيال وللبشرية، أي للناس وللخلق ولعباد الله، وسنتحدَّث بالتفصيل عن هذه القضية لكنها معروفة وقد طرحناها عدة مرات، يقول أُريد أمراً يسع أول هذه الأمة وآخرها، إذن هو يسترشد في سياساته المالية وغيرها بماذا؟ يسترشد بمصالح أجيال الأمة كل الأمة، وهذا عجب، علماً بأن عقلية مثل هذه نادرة في التاريخ، ليس التاريخ الإسلامي وإنما التاريخ كله، هى نادرة جداً.
إتش. جي. ويلز H.G. Wells المُؤرِّخ البريطاني الكبير والشهير في معالم تاريخ الإنسانية يقول مُشكِلة البشرية في ساستها، أي في الذين يرسمون السياسات الرسمية القابلة للتطبيق بل التي تأخذ دائماً سبيلها إلى التطبيق والعمل والاشتغال، يقول مُشكِلة هؤلاء دائماً أنهم لا ينظرون إلى ما هو أبعد من تحت أقدامهم، ومع ذلك يعتبر الواحد منهم نفسه سياسياً عظيماً ويقول أنه تخرَّج من كذا وكذا وله أربعين سنة في الحزب الفلاني وهذا كله كلام فارغ، لماذا؟ ليس لأنه جاهل أو لأنه لا يعلم ما نعلمه أو يعلمه أمثالنا، كلا بل لأنه محدود، أُفقه النفسي محدود، أُفقه النفسي لا يسمح أن يُفكِّر في مصلحة حقيقية تُصادِر مصلحته الشخصية المُباشِرة كما قلنا، وهذا هو الإنسان، الإنسان محدود جداً ومُتشرنِق، إذا تعلَّق الأمر بمصلحته أو مصلحة الجماعة فإنه في مُعظَم الحالات بنسبة تسعة وتسعين وتسعة من عشرة في المائة يُقدِّم مصلحته، ونحن كلنا كذلك للأسف الشديد، ولذلك أمثالنا غير مُرشَّحين لنُصرة القضايا الحقيقية سواء الدينية أو غير الدينية، مَن المُرشَّح؟ أُناس أمثال الأنصار، قال الله وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۩، لذلك اختار الله دارهم مُهاجَراً إلى نبيه – صلى الله عليه وسلم – وصحبه، نعم مثل هؤلاء الذين يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع، عند المغارم يكثرون وعند المغانم يتراجعون، عفة تدل على اتساع أُفق نفسي، وصدِّقوني يوم تُقاد مجموعة أو فئة أو حزب أو دولة أو حضارة بأمثال هؤلاء المُتقزِّمين في آفاقهم عليها السلام، بل عليها الدمار، مِن أين يأتي السلام؟ عليها الدمار، الأُمم دائماً والمشاريع الناجحة تحتاج أصحاب الآفاق الواسعة الذين لديهم قدرة غير عادية – قدرة استثنائية – على التجريد وفي نفس الوقت على النزول على مُقتضيات هذا التجريد الصحيح، أي أمثال عمر كما طرحنا مثلاً، لكن هذا الشخص نادر، ولذلك ليس عجيباً أن تأتي جمعية أمريكية – هذه الجمعية مُختَصة أو مُتخصِّصة في دراسة الشخصيات التي لها فعل كبير في التاريخ في أمريكا – لتُرشِّح عمر ضمن أيضاً في مُقدِّمة الشخصيات الأكثر عظمة في التاريخ الإنساني، وهذا غير مايكل هارت Michael Hart والخالدون المائة، وهو صحيح طبعاً، فهؤلاء الناس يفهمون، هؤلاء الناس عندهم عقل، ومن ثم استطاعوا أن ينظروا من زوايا مُعيَّنة إلى عمر، لكن من المُمكِن أن يأتي شخص آخر وينظر إلى عمر من زوايا جد ضيقة فلا يرى ربما إلا التراب الذي كان يمشي عليه عمر فلا يراه إلا تراباً وطيناً، لكن أن تُطوِّر منظوراً لكي تُقوِّم مثل هذه الشخصية تحتاج أن تكون عظيماً بدورك وتحتاج أن تكون كبيراً وجليلاً.
على كل حال هذا هو الحاصل للأسف الشديد، فأقول أن الإسلام والقرآن العظيم عنده هذه القدرة، لكن لو تحوَّلت من مُجرَّد نصوص إلى ثقافة، ثقافة يعيش عليها الإنسان، وبعد ذلك في ظل حُكم صالح تُحكَم به هذه الأمة – أمة الإسلام أو أمة المُسلِمين – سيجري دائماً الاستفتاء واستمزاج الآراء في مُختلِف القضايا بما فيها البيئية وسنجد المُسلِم مُدرِكاً لهذا، فمثلاً قبل أن أُكمِل هذه الفكرة هل سأل أحدكم نفسه يوماً أنه سوف يُسأل عن الإسراف في استخدام الطاقة؟ أنا لم أفعل هذا ربما إلا قبل فترة بسيطة جداً لكي أكون واضحاً معكم، للأسف هذه ثقافتنا، أشعر أحياناً حقيقةً وأنا أولكم أننا نفتقد إلى العمق الحقيقي، لكن العمق الخطابي القائم على التوترات الصوتية وشدة اللهجة التي تسمح لنا أن نصرخ مُذ كنا صغاراً ونقول نحن أساتيذ البشرية ومُرشَّحون أن نكون أساتيذ البشرية هذا أمر سهل جداً تُحصِّله بالتقليد فقط، أن تُقلِّد هؤلاء الأستايذ المُزيَّفين، لكن عمق حقيقي بمُستوى خليفة الله في الأرض غير موجود ويحتاج إلى إعادة هيكلة بنية ثقافتنا من جديد ضوء النص الإلهي المعصوم، أي بالقرآن الكريم بالذات فنسترشد به، هل سأل أحدكم نفسه يوماً حين تخيَّل الأشياء التي سيُسأل عنها يوم القيامة من خطايا وأخطاء عن إسرافه في الطاقة؟ من المُؤكَّد أن الكل يتساءل ويقول سأُسأل عن تقصيري في الصلاة، فهذا أهم شيئ عندنا، يقول الواحد منا سأُسأل تقصيري في الصلاة وفي الصيام وفي العبادات وفي دفع الزكاة – وهذه بلا شك عظيمة – وفي صلة الأرحام وفي إسائتي لبعض الناس وفي الغيبة وفي النميمة وفي الكذب وفي النظر إلى ما حرَّم الله وفي فعل ما حرَّم الله من شرب الخمر ومن كذا وكذا، الكل يخاف من هذا الشيئ ويتساءل كيف سأُسأل وماذا ستكون حُجتي عند الله تبارك وتعالى؟ هل سيغفر؟ هل لن يغفر؟ لكن هل سأله نفسه يوماً هل سيسألني يوماً الله – تبارك وتعالى – عن الإسراف في استخدام الطاقة – مثلاً – ومنتوجات أيضاً هذا الإسراف من التلويث للبيئة مثلاً؟ هل تساءلنا عن الإسراف في الماء؟ مع أن الحديث معروف ومشهور لدى الجميع، النبي قال لا تُسرِف في الماء – ولك أن تتصوَّر هذا – ولو كنت على نهر جارٍ، وقال الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، فمَن زاد فقد أساء أو تعدى وظلم، وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ۩، بالعكس يذهب يتوضأ هنا في المسجد – والمسجد يدفع ثمن الماء البارد والساخن – ويُنفِق بدل ربع لتر أو نصف لتر أو لتر عشرين لتراً في الوضوء الواحد، وإذا اغتسل ربما يُنفِق مائة لتر أو مائتي لتر وهو مُرتاح، بالعكس هو يتقرَّب إلى الله بهذه الطهارة العميقة، لأن لا تُوجَد ثقافة حقيقية هنا، فلك أن تتخيَّل هذا، النبي كان حسّاساً لهذه الأشياء، النبي هو أنظف خلق الله وأضوأ خلق الله وأجمل خلق الله وأحسن خلق الله فوحاً وريحاً لكنه كان يتوضأ بنصف لتر، أي بمُد، والمُد أقل من نصف لتر، هذا يُساوي أربعمائة واثنين وثلاثين ملليلتر، يتوضأ بمُد فقط، وهذا معروف وثابت عنه، ويغتسل بأربعة أمداد فقط، أي بلترين، ولك أن تتخيَّل هذا، يغتسل غُسلاً كاملاً، لماذا؟ هل هذا بخل؟ هل هذه مُجافاة للماء؟ هل هذه مُجافاة للطهارة؟ هو أطهر عباد الله، هذا تطبيق عملي حقيقي عن قناعة وعن نظرة، وتحدَّثنا مرة في خُطبة عنه – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً حتى يرضى – عن عمقه النفسي، وهذا شيئ عجيب، رجل يُفكِّر فينا نحن الآن، لم نره ولم يرنا، بيننا وبينه ألف وأربعمائة سنة ويُفكِّر في أولادنا وأولاد أولادنا وأحفاد أحفاد أحفادنا، ويبكي شوقاً إلينا، يقول اشتقت إلى إخواني، الله أكبر، ما هذا القلب؟ ما هذا العمق؟ عمق روحي نفسي هائل مُخيف وغير مُتصوَّر، أنا قلت لكم أيضاً حين ذكرت هذه النُقطة أنني إلى الآن لم أُطوِّر هذا العمق النفسي عندي بحيث أنني أُفكِّر فعلاً في أحفاد أولادي مثلاً، من المُمكِن أن أُفكِّر في أحفادي، أُفكِّر في أن يتزوَّج ابني ويُنجِب ولداً فأشتاق إليه، لكن إلى هنا أقف حقيقةً، أن أُفكِّر في ابن ابني لم يحصل إلى الآن، لعل سني لم يسمح لي بهذا، لا أدري هل يُوجَد فينا مَن سمحت له عبقريته أو عمقه النفسي أن يشتاق فعلاً إلى أولاد أولاد أولاده ويبكي من أجلهم ويأسى على زمانهم وكيف سيكون وكيف سيعم الفساد وكيف ستكون المصالح هى اللغة المُعتبَرة وكيف ستكون الخيانة والغدر والمادية والجشع والطمع والأنانية والفردية والشرنقة هى أيضاً العملة المُتداوِلة والشيك – Check – الناجح واللغة المفهومة، هل يأسى أحدنا على أحفاده الذين سوف يعيشون في هذا العالم؟
حدَّثتني أمي عن أبي جدها وكان من الصالحين – قدَّس الله سره – والمُكاشَفين أنه كان يبكي بدموع ويقول أسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُعين أولادنا وأولاد أولادهم على زمانهم الذي سيعيشون، أنا لم أكن أفهم هذا، قريباً بدأت أفهمه، لكن – والله – لم أفهم هذا حين كنت صغيراً، كنت أسمعه ولا أفهم ماذا يُقال لي، كان يبكي وهو ولي من الأولياء ومُكاشَف، عنده أُفق نفسي غير عادي، زدائماً المشوار البشري يحتاج إلى أصحاب الآفاق هؤلاء، ولذا لا يُخرِجنا من هذه المحدودية إلا أُفق عقلي مُتسِع وعميق وأُفق نفسي أكثر اتساعاً وأكثر عمقاً، وحقيقة الإنسان تكمن في قلبه قبل أن تكمن في عقله وهذا أمر معروف، لذلك اسأل نفسك حتى تفهم هذه العبارة هل أنت مُهتَم كثيراً بما عند فلان – مثلاً – الذي تربطه به علاقة وثيقة بما عنده من معلومات وفلسفات ونظريات ولغات وقراءات قدر اهتمامك بما عنده عن السؤال عنك وعن صحتك وعن صحة أولادك بلهفٍ صادق؟ بعض الناس يفعلها مُجامَلة ويقول كيف الحال وكيف الصحة وماذا عن الأب والأم والإخوة والأولاد؟ هل الجميع بخير؟ جيد، ثم يدخل إلى الموضوع، وهذا كلام فارغ، هذا الكلام الفارغ لن يُخدَع به حتى طفل صغير، لأنه ليس صاحب عمق، لو كان صحاب عمق نفسي سيكون مُهتَماً ومُنهَماً بمأساة ابنك المريض وبمأساة والدك المريض وبمأساتك أنت في مرضك أو في فقرك أو في شيئ على الأقل بعض اهتمامك أنت، وهذا يحدث فعلاً ويدعو أحدهم لك بظاهر الغيب ويبكي ويتوسَّل إلى الله أن يرفع الله ما بك، هذا الإنسان العظيم، هذا الذي يهمني فيه، لا تهمني نظرياته ولا فلسفاته ولا محفوظاته ولا مهاراته الأُخرى حتى وإن كانت مُتعدِّدة، أي Multi-talented، لا يهمني كل هذا، يهمني موقفه الإنساني، لأن الإنسان في النهاية إنسان، وهو لا يكون إنساناً بغير هذه الأشياء، يكون كمبيوتر Computer أو موسوعة، لكن موجودة الموسوعات وموجودة الكمبيوترات Computers وهى أكثر استحضاراً وأكثر تخزيناً للمعلومات منه بلا شك، الإنسان في شيئ آخر يكون، إذن لابد أن يكون ذا أُفق عقلي وذا أُفق نفسي أكبر وأعمق، لكن صدِّقوني الأمر لا يقف عند هذا الحد، هذا لا يُخرِج الإنسان بالكُلية من محدوديته، يُخرِجه في نهاية المطاف بالكُلية الإيمان، وبالذات بماذا بعد الإيمان بالله؟ باليوم الآخر، الإيمان باليوم الآخر، ولذلك يُمكِن الآن أن تلتمع هذه الفكرة أو هذا الوحي الجديد في أذهانكم وتتساءلون لماذا يُركِّز القرآن العظيم كثيراً على الإيمان بالله واليوم الآخر؟ قال الله لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ۩، دائماً يقول اليوم الآخر باستمرار، هذا الذي يُخرِج الإنسان عن المحدودية.
أعتقد أن مُسلِماً بسيطاً ليس عميقاً عقلياً ولا مُمتلئاً علمياً يعلم أنه سيُسأل عن أي تخريب في المُناخ، فالمُدخِّن الذي يُدخِّن ويُطلِق هذه الغازات السامة ويعلم أنه يُساهِم ولو واحد في السبتليون Septillion أو واحد في الجوجل Google أو واحد في الـ Googolplex أو أي رقم تُريد حتى لو كان أعظم رقم في تخريب المُناخ وفي الإضرار بالبيئة الحيوية وإلى آخره ولو بهذه النسبة ينبغي أن يقول لن أُدخِّن بعد اليوم بسبب هذا وحده لأنني سأُسأل حتماً، فضلاً عن تخريب صحته، لأنه خليفة الله أيضاً في أرض بدنه، هو خليفة الله في أرض بدنه وفي ساحة بدنه كما هو خليفة الله في ساحة الأرض، هنا يتحوَّل الدين إلى ثقافة حقيقية مُوحية مُحفِّزة ومُحرِّكة، فهى تُحرِّك وتُسكِّن، وهذا هو الدين الصحيح، فضلاً طبعاً عن الأشياء التي هى أكبر من هذا، أعتقد أن شخصاً يكون غير مُتزوِّج – مثلاً – لن يُفكِّر في أن يقتني سيارة تُنفِق – مثلاً – في المائة كيلو عشرين أو خمسة وعشرين لتراً – 4 Injections أو 5 Injections كما يقولون وما إلى ذلك – لأنه يعلم إسلامياً أنه مسؤول عن هذا، هو سوف يُسأل، فهل يخطر ببال أحدنا أنه فعلاً سيُسأل إلهياً عن هذه المسائل؟ أنا أُؤكِّد لكم أنه سيُسأل، أي أحد سيُسأل عنها، قال الله مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ۩، وقال أيضاً وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ ۩، بعضهم يقول لقد صعَّبتها علينا يا رجل، لقد صعَّبتها جداً جداً جداً، نحن في غُنية عن هذا التصعيب والتشديد، ونحن في كفاية من مصائبنا وآثامنا الظاهرة والباطنة، لكنني أقول له هو هكذا خليفة الله في الأرض رغماً عني وعنك، هذه فلسفة الاستخلاف في الأرض، أنت مُستخلَف في الأرض هنا، ولابد أن تعمل فيها وفق الخُطة الإلهية في الإصلاح والصلاح لا في الفساد والإفساد، وهذا هو اختصار كل مسألة الخلافة، أن تعمل وفق الخُطة الإلهية، قال الله وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۩.
أسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُعرِّفنا به ويُفقِّهنا في الدين وأن يُعلِّمنا التأويل وأن يهدينا ويهدي بنا، أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد، أيها الإخوة الأحباب، أيتها الأخوات الفاضلات:
مرةً في إحدى مُحاضَرات تاريخ القانون الروماني يقص علينا الوزير السوري السابق الدكتور معروف الدواليبي رحمة الله عليه – انتقل إلى رحمة الله قبل فترة – أن أستاذه في القانون الروماني – وكان تقريباً أعظم عالم وباحث في هذا الحقل في فرنسا في وقته – قرَّر لهم على ما كتب في كتابه الجامعي الأكاديمي أن الأوروبيين في سنة كذا وكذا في القرون الحديثة هم أول مَن توصَّل إلى تشريع بحماية الأحراج، وكانت هذه خُطوة مُتقدِّمة في حماية البيئة والثروات البيئية والمجال الحيوي بشكل عام، قال فاستأذنت وقُمت له وأنا تلميذه – كان في العقد الثالث من عمره وتحديداً في أول العقد الثالث – وقلت يا بروفيسور Professor هذا الكلام مع احترامي الشديد لك غير صحيح، فقال كيف؟ قلت محمد هو أول مَن فعل ذلك، قال محمد النبي العربي؟ قلت نعم، قال كيف؟ قلت النبي عنده نصوص كثيرة جداً جداً عن هذا، قال مَن قطع سِدرةً صوَّب رأسه في جهنم، والآن طبعاً – ما شاء الله – نسترشد في العُمران – مثلاً – والتوسع الأُفقي والرأسي بالنموذج المُتاح للتقدم بغض النظر عن أي شيئ، بالعكس حتى هذا النموذج المُتاح يترك مساحة – أنتم تعيشون هنا في فيينا وتعلمون – لا بأس بها للخُضرة داخل المُدن حتى، لكن في بلادنا لا يُوجَد هذا، هذا لا يهمهم، لكن النبي يقول مَن قطع سِدرةً صوَّب الله رأسه في جنهم، وهذا يعني أن المُهندِس المُسلِم حين يُريد أن يُهندِس بلوكاً – Block – أو مشروعاً سكنياً عليه أن يُعيد النظر ألف مرة إذا اقتضى هذا المشروع – مثلاً – مساحات خضراء، هل هناك بديل؟ هل هناك مُوازنات؟ وإلى آخره، لابد أن يكون قلقاً من ناحية شرعية ومن ناحية ضميرية قلبية ودينية، الآخر لا يهمه هذا الوضع، ما معنى قطع الشجرة؟ هذا كلام فارغ، لكن النبي قال مَن قطع سِدرةً صوَّب رأسه في جهنم، النبي حدَّ حدوداً للحرم المكي كما حدَّ حدوداً للحرم المدني من عير إلى ثور ومن كذا إلى كذا لا يُختلى خلاها – هذا ممنوع فحتى الحشيش يبقى كما هو – ولا يُعضَد شجرها ولا يُنفَّر طيرها، وجاء العباس خاف وأشفق فقال يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقيننا – للحدّادين – ولعروسنا، لا غنى بنا عنه، فسكت النبي – يُقال أُوحى إليه، لم يُذكَر هذا في الحديث والحديث في البخاري لكن بعض العلماء فهم أنه بالوحي – ثم قال إلا الإذخر، هذا استثناء فقط، استثناء بوحي إلهي أو باجتهاد نبوي مُوفَّق، قال إلا الإذخر، فعجب الرجل وقال هل هذا موجود في دينكم؟ قال نعم، قال سأكتب هذا في كتابي، سأُصلِح خطأي العلمي، أكبر خبير في فرنسا في القانون الروماني والتاريخي قال سأُصلِح هذا وسأذكره في كتابي، ولعله فعل، النبي قال أكثر من كذلك، النبي يقول لو أنك قتلت عصفوراً – هذا من ضمن الثروات البيئية في مجالها الحيوي – في غير مأكلة ولا منفعة ضجَّ إلى الله يوم القيامة بدمه العبيط – يعتبط في دمه – ويقول أي رب سل هذا فيم قتلني؟ هذا ممنوع، ممنوع أي إفساد، هل تعلمون الآن أن الغابات المطرية وحدها في الأمازون – مثلاً – تمتص ربع ثاني أُكسيد الكربون في الغلاف الجوي؟ هى تفعل هذا وحدها، أي أنها تُنقي الجو، يُقال عنها هى رئة الأرض، رئة الكرة الأرضية الغابات المطرية في الأمازون هناك، تمتص خمسة وعشرين في المائة من ثاني أُكسيد الكربون وتُخلِّصنا من هذه السموم الفتّاكة، الآن يقولون في أقل من خمسين سنة إذا بقينا على هذه الوتيرة وارتفعت الحرارة بحسب ما تُعطيه النماذج الحسوبية – كما يُقال – التي تُحاكي أشياء مُعيَّنة في مُناخنا فإن الغابات المطرية في الأمازون ستهلك عن آخرها في خمسين سنة وتستحيل صحارى جافة مُترامية، أي بيداً لا تبيد، ما معنى ذلك؟ سيتسمَّم الجو أكثر فأكثر، وسيُؤثِّر هذا على كل شيئ.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا هُداةً مُهتَدين وصالحين مُصلِحين، اهدنا واهد بنا وأصلِحنا وأصلِح بنا، علِّمنا ما ينفعنا وزِدنا علماً، اللهم إنا نسألك أن تجعل تجمعنا هذا تجمعاً مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً ولا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا بائساً ولا محروماً، اللهم إنا نسألك أن تحفظ الأقصى المُقدَّس وأن تحفظ الحرم القُدسي المُبارَك آمناً محفوظاً، اللهم اجعله في عينك، اللهم اكلأه بكلئك يا رب العالمين ولا تجعل لهؤلاء إليه ولا عليه سبيلاً ولا يداً برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك أن تُبرِم لهذه الأمة المرحومة أمر رشدٍ تُعِز فيه أولياءك وتُذِل فيه أعداءك ويُعمَل فيه بكتابك ويُتآمر فيه بالمعروف ويُتناهى فيه عن المُنكَر وتأمن فيه السُبل إلهنا ومولانا رب العالمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من فضله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا 9/2/2007
الله سبحانه و تعالى لم يبعث الدين عبثا كا لم يخلقنا عبثا
لكل شيء داع و غاية
عندما نعبر فهذا لدواع ندركها و دوافع تصدر من لا وعينا حيث تتراكم الكلمات عند البشر كلهم بلغة موحدة، لغة الوحي و الطبيعة و الآيات الكونية و القوانين الفزيائية و الرياضية
كل فرد فينا معادلة حسابية متفردة
يوم الحساب سيحلها و إلا دخل النار
الحساب حقيقة نعيشها في حياتنا لحظة بلحظة
و من لم يفكر في أحفاده و الأجيال التي تعمر الأرض بعده، لن يفك شيفرة معادلته، و هو خاسر في الدنيا لا محالة و إن بدى ناجحا
لأن الحياة لا تقوم على فعل الحاضر بل على بنيات المستقبل ……..
إن تمكنا من الفرار كجنس بشري الى المريخ.
فسيشتعل الفضاء حربا بعد أن تصبح الأرض في خبر كان .
الله سبحانه و تعالى لم يبعث الدين عبثا كا لم يخلقنا عبثا
لكل شيء داع و غاية
عندما نعبر فهذا لدواع ندركها و دوافع تصدر من لا وعينا حيث تتراكم الكلمات عند البشر كلهم بلغة موحدة، لغة الوحي و الطبيعة و الآيات الكونية و القوانين الفزيائية و الرياضية
كل فرد فينا معادلة حسابية متفردة
يوم الحساب سيحلها و إلا دخل النار
الحساب حقيقة نعيشها في حياتنا لحظة بلحظة
و من لم يفكر في أحفاده و الأجيال التي تعمر الأرض بعده، لن يفك شيفرة معادلته، و هو خاسر في الدنيا لا محالة و إن بدى ناجحا
لأن الحياة لا تقوم على فعل الحاضر بل على بنيات المستقبل ……..
إن تمكنا من الفرار كجنس بشري الى المريخ.
فسيشتعل الفضاء حربا بعد أن تصبح الأرض في خبر كان .