(ترسيخ القيم والتسامح – قهوة الصباح – الثلاثاء 7 فبراير 2017م)
– افتتح مُقدِّم البرنامج الحديث قائلاً: حياكم من جديد مُشاهِدينا الأحباء، صباحكم خير، صباحٌ يستفيق من ثغركم الوضّاء نوراً وبهجة ويُضيف لصباحكم وجميع صباحاتكم عبق الجمال والروعة، وأنتم تُتابِعون وتُشاهِدون برنامج قهوة الصباح مُباشَرةً معكم إلى الوقفة الحوارية الأولى، نتكلَّم ونتحدَّث فيها عن ترسيخ القيم والتسامح ولكن قبل ذلك أود فقط أن أُنوِّه: يُنظِّم نادي نزوى بالتعاون مع جامعة السُلطان قابوس مُحاضَرتين، المُحاضَرة الأولى بعنوان الحضارة الإسلامية ودورها في ترسيخ القيم والتسامح، والمُحاضَرة الثانية بعنوان الإسلام كما أراده الله، المُحاضَرة الأولى ستُقام بمشيئة الله مساء اليوم في تمام السابعة مساءً على المسرح المفتوح بجامعة السُلطان قابوس، والمُحاضَرة الثانية ستكون مساء يوم غد بعد صلاة المغرب مُباشَرةً في جامع السُلطان قابوس بنزوى، طبعاً مُقدِّم المُحاضَرتين طبعاً المُفكِّر الإسلامي الدكتور عدنان إبراهيم الذي يحل ضيفاً اليوم في برنامج قهوة الصباح.
الدكتور حياك الله في برنامج قهوة الصباح، سعداء جداً بوجود على أرض السلطنة، وسعداء بوجودك اليوم معنا في الاستوديو، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك.
– قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: حياك الله أستاذ سيف، وأنا – والله – أكثر سعادة بزيارتي لهذه السلطنة العظيمة وشعبها الكريم الجميل الذين أرى فيهم كل خير وكل سماحة وكل طيبة، وأسأل الله أن يعزهم وأن يُسعِد أوقاتهم وقلوبهم.
– قال مُقدِّم البرنامج: إن شاء الله تعالى، شكراً لك دكتور ومُباشَرةً نبتدئ معك هذا الحوار، أكيد الكثيرين ما شاء الله – الطفرة واسعة في مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي – ينتظرون طلتك البهية على برنامج قهوة الصباح، نتكلَّم بداية في موضوع الحضارة الإنسانية وأدوارها أيضاً في ترسيخ قيم التسامح، التعارف، التفاهم، التلاقي، والتلاقح الثقافي.
– قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
طبعاً في الحقيقة قد يعترض بعض الناس ابتداءً ليقول: وأين هي الحضارة الإسلامية؟ الحضارة الإسلامية شيئ من التاريخ، وفي الحقيقة إذا كانت الحضارة الإسلامية الآن قد انزوى – كما يُقال – ضلها وبساطها على مُستوى الحضارات العالمية السائدة اليوم فإن الأمة الإسلامية لا تزال حاضرة، طبعاً حضور الأمة الإسلامية أيضاً قد يكون عليه علامات استفهام كثيرة، فيبقى بعد ذلك الحضور الأبدي – إن شاء الله – والحضور الدائم للقيم المنصوصة في تراثنا الديني بشقيه طبعاً – التراث المُقدَّس – الكتاب والسُنة، فضلاً عن التجربة التاريخية للحضارة الإسلامية.
طبعاً دور الحضارة الإسلامية تاريخياً في ترسيخ قيم التعايش وقيم التسامح أمر أعتقد لا يرتاب فيه ولا يُنكِره إلا جاحد أو جاهل، لأن الحضارة الإسلامية ضربت أروع الأمثلة حقيقةً ورُغم طبعاً الاستثناءات السوداء المُظلِمة في تاريخ كل الحضارات وكل الشعوب، والحضارة ليست بدعاً من الحضارات الأُخرى وإن كان لها مزية تفوق في هذا الباب بالذات على الحضارات المُختلِفة، ضربت أروع الأمثلة في باب التعايش وباب التسامح وباب تقبل الآخر والقبول به أيضاً وإتاحة مجال واسع لكي يُساهِم في العطاء الحضاري للأمة المُسلِمة الواحدة بغض النظر عن الخلفيات الإثنية العرقية واللُغوية والدينية.
طبعاً لا نُريد أن نُطوِّل بذكر أمثلة على ذلك وقد يكون موضوعها معلوماً للمُشاهِدين والمُشاهِدات، لكن أُحِب أن أُشير ربما إلى مسألة اصطلاحية على جانب من الأهمية وهي مُصطلَح التسامح، مُصطلَح التسامح الذي يبدو أننا الآن لا نقول نلهث وإنما نجري وراءه ونُريد أن نُعزِّزه في حياتنا الثقافية والمفهومية لم يعد مقبولاً إلى حد بعيد جداً لدى الشعوب المُتقدِّمة ويُبدون عليه تحفظات هي موضع تفهم أيضاً، لأن التسامح فعلاً بالمعنى اللاتيني للكلمة يعني التحمل، كذلك التسامح باللغة العربية وهي ترجمة قد تكون قريبة للأصل اللاتيني يعني التنازل عن بعض الحق، أسمح ببعض حقي، ولذلك التسامح بهذا المعنى تماماً كما لاحظ المُفكِّر الشهير جداً العالمي توماس بين Thomas Paine هو تقنيع – تمويه – للتعصب، في نهاية المطاف حقك في الحياة وحقك في مُختلَف حرياتك وخاصة الحرية الاعتقادية والفكرية وإلى آخره لا يُعتبَر حقاً لي وأنا أتنازل عنه، بالعكس هو حقك المُقرَّر بصراحة، طبعاً بعنوانات كثيرة هذا الحق مُقرَّر وأمها طبعاً العنوان الشرعي أو العنوان الديني، قال الله لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، وقال أيضاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ۩، ولذلك التسامح بهذا المعنى كان يُعتبَر مرحلة مُتوسِّطة أو خُطوة على الطريق كما لاحظ المُفكِّر الألماني والشاعر الكبير جوته Goethe ينبغي أن نتجاوزها، حتى مدرسة فرانكفورت Frankfurt النقدية المعروفة مُمثَّلة بالذات في هربرت ماركوزه Herbert Marcuse كانت ترى في التسامح بهذا المعنى نوعاً من القمع المُتخفي، ولذلك في الحضارة الإسلامية وفي الفهم الإسلامي ليس هناك تسامح بهذا المعنى، هناك تقبل وقبول بوجود الآخر، والتقبل والقبول لهذا الآخر لا يعني الموافقة على أفكاره ومُعتقَداته ورؤيته الكونية، لكن نقبله لأن سُنة الله في الابتلاء قضت بقبوله الآن، فسيبقى الناس مُختلِفين ما بقيَ الزمان وما بقيَ المكان.
– قال مُقدِّم البرنامج: نعم دكتور، دعنا في المحور القادم نتحدَّث ونُركِّز أيضاً بتفصيل أوفى عن الشباب وأيضاً أدوارهم ربما التاريخية في بناء الحضارة الإنسانية بمُختلَف مظاهرها وألوانها.
– قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، طبعاً لاشك أستاذ سيف أن الشباب في نهاية المطاف هم عمد كل حضارة وكل نهضة وكل مدنية، لأن فترة العطاء تكون محصورة تقريباً في الشباب وليس في الشيوخ والعجائز وإنما في الشباب، مُعظَم العلماء الكبار أبدعوا في فترة شبابهم، والأمثلة طبعاً طويلة وهناك أمثلة مُعاصِرة كثيرة على ذلك، الشباب قدرة وطموح أيضاً وتطلع على جميع المُستويات، لو أخذنا طبعاً نحن الجيل الأول من أجيال المُسلِمين – الجيل المُلهِم للحضارة الإسلامية – وهو جيل أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً – سوف نجد أن النبي قال نُصِرت بالشباب وخذلني الشيوخ، مُعظَم أصحابه الفاعلين كانوا إما في جيل الكهولة وإما في جيل الشباب، مُعظَمهم كانوا حقيقةً في جيل الشباب، هم الذين حملوا هذه الدعوة، طبعاً تفسير ذلك ميسور ومبذول إن جاز التعبير، الشباب أكثر مرونة بلا شك لأنهم لم تطل بهم الأعمار، لم تعل بهم الأسنان لكي يجمدوا على أفكار وتقاليد وأعراف من منظورات مُحدَّدة، وإنما هم في فترة التكون والتنشؤ والتزيد، فيتسمون بهذه المرونة وبهذه المطواعية!
أحد تعاريف أو تعريفات الذكاء أنه مزيد من المرونة، الشخص كلما كان مرناً أكثر كان يتسم بذكاء أكثر بلا شك، فالشباب أعتقد لابد أن نُوليهم اهتماماً زائداً وأن نضع خُططاً تربوية وتعليمية أكثر انضباطاً أعتقد وأكثر علميةً لكي نستوعب طاقاتهم المُختلِفة، ومن ثم تُوظَّف هذه الطاقات في خدمة الأمة وفي خدمة مشروعها في الإقلاع الحضاري، الآن أعتقد أنه من المُؤسِف والمُؤسي جداً أننا لم ندخل بعد كأمة إسلامية وأمة عربية في هذا العصر مرحلة الإقلاع الحضاري، نحن تقريباً نُراوِح في مكاننا، بعضنا حتى يتأخَّر ويعود القهقرى، إذا أردنا أن نُطلِق هذه المرحلة لابد أن نبدأ بموضوع إعادة النظر في المناهج التربوية والتعليمية التي تتعاطى مع توظيف طاقات أبنائنا وبناتنا.
– قال مُقدِّم البرنامج: نعم دكتور، ماذا فيما يتعلَّق بالهوية الثقافية الإسلامية العربية الوطنية وأيضاً صمودها في وجه العولمة الثقافية والفكرية وخاصة تلك التي تستهدف مُجتمَع الشباب؟
– قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، موضوع الهوية موضوع مُركَّب وطويل جداً ومُعقَّد، لكن أُحِب فقط أن أتناوله ربما من زاوية مُحدَّدة، طبعاً بلا شك كل أمة من الأمم وكل قبيل من الناس وكل مُجتمَع من المُجتمَعات له مُحدِّدات تُحدِّد هويته في نهاية المطاف، هذا لا شك فيه، الخطير في المسألة حين تُجعَل الهوية هي المعركة الدائمة والمُستدامة، هذا شيئ خطير جداً جداً، بمعنى أننا بعد ذلك نُعيد إنتاج الإسلام – مثلاً – وإنتاج الدين وحتى إنتاج الثقافة بفروعها المُختلِفة لكي تُدافِع فقط عن الهوية وتُقرِّر الهوية، هنا لن نُنتِج جديداً، الهوية على كل حال إذا أحسنا التبصر في مسالكنا وأحسنا انتخاب طريقتنا في الحياة التي ينبغي أن تصدر طبعاً عن رؤية كونية أعتقد أن المُحدِّد الديني فيها هو الأساس لنا كأمة مُسلِمة، بعد ذلك هي ستُحافِظ على نفسها بطرقها وآلياتها المعروفة طبعاً في الدراسات الاجتماعية، لكن إن جعلنا للأسف الرؤية الدينية – كما قلت – فقط تدخل وتنخرط في معارك الهوية سيختلف الأمر، وطبعاً لكي أُوضِّح – ربما هذا التباس للمُشاهِدين وللمُشاهِدات الكرام – أُحِب أن أقول الدين – مثلاً – في نهاية المطاف ليس هوية، الدين لا يُمكِن ولا يصح أن يُتخَذ ابتداءً كهوية، الدين هو نوع من التجربة الروحية المُتنامية وأيضاً من التجربة المسلكية والخُلقية، في المُستوى الرأسي – إن جاز التعبير – هو تجربة روحية مُتنامية ودائمة، في المُستوى الأفقي ينعكس في مسائل أخلاقية ومسائل عُمرانية أيضاً وإنمائية للحياة تُضيف إضافة الإجاب وليس إضافة السلب، هذا هو الدين وهذا هو جوهر التدين، لكن إن جعلناه هوية كما هي الحالة الآن مع بعض المُسلِمين – لا أُحِب أن أقول كثير ولو قلت لما أبعدت النُجعة – والمُسلِمات سيعنى هذا أن الواحد منا يأخذ من الدين فقط مُحدِّدات هوية، يأخذ الأسماء مثلاً، يُسمي أبناءه وبناته بأسماء عربية أو إسلامية، يأخذ ربما بعض المظاهر الدينية في اللباس ربما وفي أشياء أُخرى، ولكنه لا يأخذ الدين قيماً روحية ولا قيماً أخلاقية ومسلكية، وهذا خطير جداً جداً، فالدين أصبح مُنحصِراً وأصبح مُختذَلاً في مُحدِّدات هوية فقط علائمية، أما الدين – كما قلت – كدور في الإحياء والإنماء والتطور الروحي وأيضاً المدني للحضارة والمُجتمَع المُسلِم فللأسف أصبح مُغيَّباً، فلابد أن نكون واعين بهذه النُقطة، أعتقد أن مُساهَمتنا الحضارية اليوم وإقلاعنا الحضاري المُرتقَب والمنظور – قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا ۩ – لو تم – إن شاء الله تبارك وتعالى – سوف يكون هذا هو السبيل أو هذه هي السبيل الوحيدة للحفاظ على الهوية، لأن الهوية في نهاية المطاف إن لم تكن مُعزَّزة ومدعومة ومحوطة بقوة أمتها الذاتية في ميدان العلم وميدان التقنية وفي كل الميادين – حتى في ميدان السياسة أيضاً – هذه الهوية تبقى مكشوفة في نهاية المطاف، فإما خاضت معركة تراجع وإما خاضت للأسف الشديد – كما قلت – معركة مُستدامة للحفاظ عليها بغير إنتاجية واضحة.
– قال مُقدِّم البرنامج: كلامك يقودني دكتور أيضاً إلى سؤالك عن أهمية فعلاً أن يُحافِظ المُجتمَع العربي ويصون هويته من خطر الاندثار مع الأخذ أيضاً في الجانب الآخر بمُستجَدات العصر أيضاً وأدواته.
– قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، بلا شك طبعاً في نهاية المطاف الإنسان لا يستطيع وخاصة في عصرنا هذا – عصر السماوات المفتوحة – إلا أن يُحلِّق بجناحين إن أراد أن يُحلِّق، أما إن أراد أن يبقى حليف القيعان وحليف التخلف – إن جاز التعبير – فيُمكِن طبعاً أن يختار السبيل التي تُناسِبه، فالإنسان في نهاية المطاف طبعاً لا يسعه إلا أن يعيش عصره، هو سيعيش عصره بأي حالٍ من الأحوال – في عصر كما قلت السماوات المفتوحة – لكن فرقٌ بين مَن يعيش هذا العصر وهو قادر على تحديد موقفه وتحديد رؤيته بحيث يتثاقف – كما يُقال – أو يتحاضر – هناك مُصطلَح التحاضر أو التثاقف، أي Culturalism كما يُقال – باستبصارٍ واعٍ وبأهداف طبعاً مُخطَّط لها ومُبرمَجة ومُحدَّدة وبين أن يندمج في هذا العصر على طريقة الذوبان أو طريقة التسيب الروحي والفكري بحيث يتخبَّط هنا مرة وهناك مرة كما هو حال الآن للأسف أيضاً قطاعات من الشباب العربي والمُسلِم الذي حتى بدأ للأسف الشديد تغيب عنه وتعمى عليه الرؤية الدينية الكونية، للأسف حتى في باب الاعتقاد بدأنا نرى اتجاهات الإلحاد أو التلحيد واتجاهات التشكيك أيضاً والضياع العقدي المُخيف، فأعتقد أن الطريقة المُثلى والصورة الأمثل في هذا الباب أن يكون لدينا جناحان نطير بهما، جناح التراث والعقيدة والمُقوِّمات والمُشخِّصات المُحدِّدة لأمتنا، وفي نفس الوقت أيضاً جناح المُعاصَرة وإن كانت المسألة طبعاً أكثر تركيباً من هذا بكثير، ما الذي يُمكِن أن نقبسه وما الذي يُمكِن أن نأخذه وأن نسترفده من العالم المُتقدِّم – أي العالم الأول أو الغرب بشكل عام كما يُقال – وما الذي يُمكِن أن نرفضه أو نتحفَّظ عليه؟ عموماً طبعاً الحل السهل والاختزالي يتمثَّل في القول نحن نأخذ العلوم والتقنيات وندع الثقافات، لكن الأمر ليس بهذه السهولة إطلاقاً، الأمر أكثر من هذا تعقيداً.
أعتقد أن التلاقح ينبغي أن يكون على جميع المُستويات، لكن بطريقة التفاعل وليس بطريقة الاقتباس، بمعنى نحن في نهاية المطاف أبناء حضارة، الآن عمر هذه الأمة خمسة عشر قرناً، وطبعاً مارست دورها في الريادة الحضارية وفي العالمية نستطيع أن نقول في المُجمَل لثمانية قرون، ربما في خمسة قرون على مُستوى فاعلية نادرة المثال ثم ثلاثة قرون كانت تسير هذه الأمة حضارياً بقوة القصور الذاتي إن جاز التعبير، ثمانية قرون ليست أيضاً مرحلة بسيطة أو مُدة يسيرة في حياة أمة من الأمم، فبلا شك أننا يُمكِن أن نسترفد تراثنا ونُعيد إنتاجه أيضاً وقراءته وتأويله بما يُحقِّق لنا المُساهَمة في التراث العالمي المُعاصِر، ونحن قادرون على هذا بإذن الله تبارك وتعالى، مَن ينظر في الحضارة الغربية المُعاصِرة يرى أنها مأزومة في بعض الجوانب، على الأقل في بعض الجوانب مأزومة حقيقةً وبالذات في جانب القيم التي تقود إلى الحياة سواء القيم الكُلية أو القيم حتى الحضارية، هنا يُمكِن للمُسلِم أن يُدلي بدلوه وأن يُدافِع عن موقفه وأيضاً أن يُثري التجربة الإنسانية وربما يُساهِم حتى في إنقاذها من حالة تأزمها.
– قال مُقدِّم البرنامج: دكتور ونحن أيضاً نعيش في هذا الزمن المُضطرِب المُتضارِب دعنا نقول ما هي أبرز الرسائل التي ينبغي أن تصل إلى الشباب العربي فيما يتعلَّق بنشر ثقافة التسامح وترسيخ القيم في مُختلَف المجالات وشتى المناحي والأصعدة؟
– قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم كما لاحظ أحد علماء الاجتماع التاريخ هو مُختبَر الأمم، الأمم تدخل مُختبارات، هذا المُختبَر هو التاريخ، أعتقد أن تاريخ المُسلِمين في الفترة المُعاصِرة الأخيرة يُؤكِّد أن التسامح ليس خياراً، التسامح والتعايش وتقبل الآخر والتواصل مع الآخر ضرورة حياة، ضرورة وجود، بمعنى أن تكون أو لا تكون، والتجارب التي تعيشها الأمة الآن وهي تجارب دامية – تقطر وتنزم دماً للأسف وحتى أشلاءً وعذابات ومرائر – تُؤكِّد لنا أننا ينبغي أن نُعيد النظر في فهمنا لإسلامنا وفي فهمنا أيضاً لعلاقتنا بأنفسنا وعلاقتنا بالآخرين، هنا طبعاً يطيب لي حقيقةً أن أُعرِّج وأنا مُمتليء يقيناً وثقة على التجربة العُمانية، وبالأمس عبَّرت لإخواني أكثر من مرة عن عجبي الذي لا ينقضي، كيف يُمكِن للتجربة العُمانية – وهي تجربة طويلة أيضاً ومُستمِرة من قرون بفضل الله تبارك وتعالى على أنها الآن مُتألِّقة ربما بطريقة غير مسبوقة – أن تكون موجودة ومُستمِرة بهذه الطريقة ولا تُوحي ولا تُلهِم الآخرين؟ ما الذي يحدث؟ لا أدري الخلل من أي نُقطة بالذات ينبثق، لا أدري مع أننا نعيش – كما قلت – في عصر التواصل، التجربة العُمانية تُؤكِّد أن المُسلِم يُمكِن أن يكون مُسلِماً مُلتزِماً إلى أبعد حدود الالتزام وأن يكون تقياً وأن يكون مُسلِماً صالحاً بكل معنى كلمة الصلاح وفي الوقت نفسه يتقبَّل الآخرين من أبناء الملة أو حتى من الملل الأُخرى، هذا ما تُوحي به بل بالعكس هذا ما تُعرِب عنه بفقاعة – إن جاز التعبير – التجربة العُمانية، طبعاً النتيجة مُلاحَظة أيضاً في استقرار هذا المُجتمَع – بفضل الله – وفي تقدمه وفي سعادته، أنا لاحظت – ولي الآن يومان فقط – حالة عامة من الرضا ومن السكينة ومن الهدوء في أبناء الشعب العُماني حتى في الطرق، بالأمس تمشيت على ساحل مطرح على ما أعتقد لدى الميناء، ترى في الناس نفس الشيئ، سكينة ورضا وسرور مُلاحَظ جداً، والمدينة في حالة من الهدوء أيضاً، أعتقد أن هذه التجربة لابد أن تكون مُلهِمة للعرب، وربما بالذات العرب الخليجيين في البداية لكونهم الجيران الأقربين وبعد ذلك لسائر العرب، وينبغي أن تُدرَس، هذه التجربة ينبغي أيضاً أن تُدرَس ودراسات علمية وأكاديمية مُحترَمة حتى نرى النتيجة، فهذا ما أرجوه إن شاء الله تبارك وتعالى.
– قال مُقدِّم البرنامج: ولذلك أيضاً أُحِب في سؤالي الأخير أيضاً يا دكتور عن أهمية فعلاً الاحتكام للُغة الثقافة والهوية والحضارة في مُواجَهة مُختلَف التحديات التي تُواجِه المُجتمَعات العربية.
– قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: بلا شك طبعاً أنا في نهاية المطاف كمُثقَّف قد أتحيِّز لا أقول لاهتمامي ولا أقول للمهنة فلا أتخذ الثقافة مهنة لكن قد أتحيَّز بلا شك، الفكر والثقافة والمعرفة والاستبصارات الرؤيوية لها دور مُهِم جداً ودور تأسيسي، لكن لئلا أكون أيضاً مُتحيِّزاً إلى فقط العامل الثقافي والعامل الفكري أو الفكروي إن أردت أو أحببت لابد أن أُؤكِّد أيضاً على الجانب السياسي، جانب الإرادة السياسية، طبعاً ربما الإرادة السياسية في الحالة العُمانية واضحة تماماً عبر تشريعات وعبر مسالك كثيرة سمعنا بها ولا نزال نُلاحِقها أيضاً ونسعد بها، ويبدو أن رأس هذه البلاد – جلالة السُلطان حفظه الله وأدام عليه النعمة وأدام به النعمة – على قدر من الحكمة وقدر من الاستبصار جعله يُدرِك مُبكِّراً مُنذ البداية الأولى أن التعايش والتسامح هو اللُغة التي ينبغي أن يرطن بها الجميع على قدم سواء، فالإرادة السياسية مُهِمة جداً أيضاً، تخيَّل أنه لولا الإرادة السياسية ما كان عسى أن يكون دور الأفكار والمُفكِّرين؟ سيكون لهم دور لكنه سيكون مدوراً منقوصاً، وقد تُستغَل الفراغات والإنكسارات طبعاً بين غياب الإرادة السياسية في هذا الباب وبين حضور الإرادة الثقافية ليملأها بعض المُخرِّبين وبعض خدّام الأجندات للأسف الخارجية، أجندات أعداء هذه الأمة وأعداء هذا الدين العظيم، فعلينا أن نُقارِب المسألة إذن مُقارَبة مُتكامِلة من جميع جوانبها ولا نقف فقط على الجانب الثقافي أو الفكروي.
– قال مُقدِّم البرنامج: نعم، شكراً لك، والشكر أيضاً على هذه الوقفات المُثرية والجميلة أيضاً، ونحن سعدنا جداً بوجودك اليوم معنا دكتور عدنان إبراهيم، في برنامج قهوة الصباح نتمنى لك طيب الإقامة بوجودك هنا على أرض السلطنة، فلك منا كل الشكر والتقدير.
– قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: بارك الله فيك أستاذ سيف، وأنا أشكر لكم هذه الفرصة الطيبة وأُعبِّر أيضاً عن شكري ومحبتي ودعواتي لجميع أبناء الشعب العُماني، للشعب العُماني عموماً – إن شاء الله – ولعُمان سُلطةً وشعباً.
– قال مُقدِّم البرنامج: بارك الله فيك، شكراً دكتور، ونحن أيضاً لنا دور لكي نُنوِّه فقط للمُشاهِد الكريم أن ستُقام – إن شاء الله تعالى – مساء اليوم في تمام السابعة مساءً في جامعة السُلطان قابوس – تحديداً في المسرح المفتوح – المُحاضَرة الأولى للدكتور عدنان إبراهيم، وسوف تكون – إن شاء الله تعالى – بعنوان الحضارة الإسلامية ودورها في ترسيخ القيم والتسامح، ويوم غد – إن شاء الله تعالى – بعد صلاة المغرب مُباشَرة في جامع السُلطان قابوس بنزوى بمحافظة الداخلية سوف تكون هناك أيضاً مُحاضَرة أُخرى بعنوان الإسلام كما أراده الله، إذن الدعوة عامة للجميع، سوف نذهب إلى فاصل مُشاهِدينا إلى فاصل، وبعد الفاصل نستكمل معكم ونُواصِل باقي فقرات ومحطات برنامج قهوة الصباح لهذا اليوم فتابعونا.
أضف تعليق