إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ۩ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ۩ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ۩ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ۩ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ۩ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ۩ وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُواْ الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ –التي تُترّجَم عادةً بالعقول وبالأفهام – لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩، فهذا مُستوى طفروي، مُستوى عالٍ جداً وبعيدٌ جداً، انتقال من المعرفة الحسية – السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ ۩– إلى المعرفة وراء الحسية، ويُمكِن أن يُقال المعرفة العقلية ولواحق المعرفة العقلية – وَالأَفْئِدَةَ ۩ – ثم قال لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩، تَشْكُرُونَ ۩ مَن؟الله – تبارك وتعالى – على نعمه، إذن هنا طفرنا إلى أعلى نُقطة في الوجود، إلى الله تبارك وتعالى، والإنسان مُؤهَّل ومُزوَّد ولائق لا أقول بلعب فليس ثمة ما يُمكِن أن يُدعا لعباً في المقام وإنما أداء هذا، وهو أداء يتسم بكل سمات الجدية والأهمية الفائقة جداً إلى ما لا نهاية، قال الله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩، وهذا هو ربما أعظم ما يُميِّز الإنسان من بين سائر أنواع الحيوانات، والآن الجدل العلمي احتدم من جديد وبشكلٍ مُتحمِّس أكثر من ذي قبل بخصوص ما يجعلنا ما نحن عليه وما يُميِّزنا وما يجعلنا مُتفرِّدين، ما الذي يُميِّزنا طبعاً ليس من النبات أو من الجماد بل من الحيوانات وخاصة من الحيوانات الراقية كالقردة وبشكل أخص القردة العلوية – Great apes – والقردة العُليا مثل الشِمْبانزِي Chimpanzee وأقل من ذلك الغوريلا Gorilla وأقل من ذلك القرد البرتقالي أو إنسان الغاب الأورانجوتان Orangutan، فالجدل احتدم من جديد، وطبعاً هناك مدارس ضد ما يُعرَف بتفرّد الإنسان، وهى مدارس فكرية وعلمية في العلوم، وهناك مدارس لا تزال تُؤكِّد وتُصِرّ على تفرّد الإنسان، وهنا سنستعين بعدسات علمية ولكن أكثر من ذلك وأهم من ذلك بعدسات دينية وحيانية، سنستلهم ونستشير الوحي الإلهي المعصوم، والعجيب أن موقف القرآن ليس مُباشِراً جداً وليس بتلك السهولة أو الوضوح اللذين قد يخالهما أكثرنا، في الأنعام يقول جل من قائل وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ ۩، وهذا أمر عجيب، وهذه الآية في ظاهرها تتعاطف مع مدرسة اللا تفرّد الإنساني، قال الله إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ۩، وقد يستند بعض المُتعاطِفين مع هذا التوجه إلى الآية الكريمة ليقول الفرقُ في إدراك بين عقل ووعي وفهم وإدراك الإنسان وبين فهم وإدراك الحيوانات هو فرق في الدرجة وليس في النوع، وهذا منظور تطوّري يسعد به التطوّريون بلا شك ويقولون هذا ما نُؤكِّده صباح مساء من أكثر من مائة وخمسين سنة، هذا نقوله صباح مساء فأنتم مُجرَّد حيوانات مُسمّكَرة، حيوانات راقية مُتطوِّرة، الفرق بينكم وبين هذه الحيوانات الدُنيا والعُليا فرق في الدرجة، وهذا صحيح إلى حدٍ ما، إلى حد أن نصل إلى مسألة البحث عن الله والتعرّف على الله – تبارك وتعالى – ومُحاوَلة الاتصال بالله، فهنا يغدو الفرق نوعياً لا درجاتياً بكل امتياز، ومن هنا قوله ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ۩، وعلى كل حال التفصيل – إن شاء الله – سيُعرَض في مقام آخر، ليس في مقام خُطبة جُمعة، وبالأحرى لكي أكون واضحاً سوف يكون في سلسلة نقد التطوّر الثانية – بإذن الله – التي ستُبَت قريباً بمعونة الله وتوفيقه لكي نُطمئن المُصِرّين على الموضوع، فإذن عند هذه الدرجة يغدو الفرق نوعياً لا درجاتياً بامتياز، ولكي أُوضِّح هذا – المسألة مُعقَّدة جداً، وهى حتى علمياً مُعقَّدة قبل أن تكون فلسفياً ولاهوتياً – سأتحدَّث عن ما يُعرَف بنظرية العقل Theory of mind والتي تُختصَر بتوم (ToM) مع العلم أن حرفي الـ (T) والـ (M) Capital Letter أما حرف الـ O)) Small Letter، فإذن (ToM) تعني Theory of mind، وباختصار سنقول ما هذه النظرية التي تبدو مُعقَّدة لغير المُتخصِّصين، فهذه النظرية بتبسيط وتسهيل بالغ فحواها وخًلاصتها وجوهرها أن الإنسان يُدرِك أن له حالاتٍ عقلية – Mental Statuses – مثل المُعتقَدات والأفكار ومثل الرغائب – Desires – أو الرغبات ومثل القصود أو النوايا أو النيات وحتى مثل التظاهر وخلاف هذا، فهو يُدرِك هذا، ويُقال حتى الشِمْبانزِي Chimpanzee يُدرِك هذا، والطيور تُدرِك هذا فضلاً عن الثدييات Mammals، فالطيور تُدرِك أن لها رغبات وأفكار ولها منظور ترى به العالم وترى به الواقع، لكن كيف هذا المنظور؟ الله أعلم، هذا شيئ آخر، ولكنها تُدرِك هذا، وهذا هو المُستوى الأول البسيط، لكن نظرية العقل لا تشتغل هنا ولا تتجلّى هنا، هذا مُشترَك بيننا وبين الطيور وبين الثدييات، ولكنها تشتغل أبعد من هذا، ثم بعد ذلك يُدرِك الإنسان أن الآخرين لهم عقلٌ كعقله وبالتالي لهم أفكار ورغبات وتوجهات وتظاهرات ونيات وقصود، فهو يُدرِك هذا، وهناك خُطوة ثالثة أبعد، وهذه المسألة مُعقَّدة وليست سهلة، فهذا بعض ما يُميِّز الإنسان وقد بدأنا نصل الآن إلى قمة الموضوع والنُقطة الحرجة في الموضوع، فهذا حقيقة ما يُميِّزنا من الحيوانات وحتى الحيوانات العُليا أو القردة العُليا، حيث أنه يُدرِك أن الآخرين لهم عقلٌ كعقله وأيضاً مُحتويات هذا العقل من الأفكار والمُعتقَدات والرغبات والنيات والتظاهرات إلى آخر هذه الأشياء قد تكون مُتباينة ومُختلِفة عن ما لديه وبالتالي يُمكِن للإنسان أن يُدرِك أن الآخرين يفهمون العالم على نحوٍ مُختلِف، فهم يفهمون وعندهم قابلية أن يفهموا كما عندي أنا قابلية أن أفهم ولكن هم يفهمون العالم بطريقة مُختلِفة ويُفسِّرون الأمور بطريقة مُختلِفة، وهذه هى نظرية العقل.
الطفل قبل سن ما بين الرابعة والخامسة ليس لديه ولا يتوفَّر على نظرية العقل، فهو لا يُدرِك هذا، مع أنه الطفل بين الثالثة والرابعة يكون خبير سلوكٍ إخصائياً وماهراً إلى درجة مُدهِشة فيُمكِن لابن الثالثة إلى الرابعة أن يُدرِك السلوك – Behavior -وأن يُدرِك سلوكك وأن يُدرِك أن هذا يُرضيك وهذا يُغضِبك ويُمكِن أن يُخادعك ويقوم بما يُعرَف بالخداع التكتيكي، وتقوم به الحيوانات الشِمْبانزِي Chimpanzee والغوريلا Gorilla أحياناً وخاصة الشِمْبانزِي Chimpanzee، فهو يقوم بالخداع التكتيكي ولكنه لا يُدرِك لم أنت كذلك ولم تفرح بهذا ولم تسخط على هذا ومن هذا، ولا يُدرِك المُحتوى المُختلِف للعقل لديك، لا يُدرِك أن لديك معايير ومفاهيم وقيماً ومُعتقَدات تختلف عن ما لديه، فهو لا يُدرِك هذا، ويبدأ في إدراك هذا بين الرابعة والخامسة لكن قبل ذلك لا يُدرِك، والأطفال في هذه السن – وطبعاً السن تُؤنَّث ولا تُذكَّر فيُقال سن عالية مثلاً وما إلى ذلك – وفي هذه المرحلة العُمرية بين الثالثة إلى الرابعة ينجحون في الاختبار – Task – والفحص المشهور باختبار الاعتقاد الخاطيء False belief، والشِمْبانزِي Chimpanzee في دراسات كثيرة يفشل فيه، فأذكى القردة العُليا الشِمْبانزِي Chimpanzee يفشل فيه، لكن ما هو هذا علماً بأنه يعتمد على بعض ما ذكرنا؟ باختصار نأتي بمجموعة من الأطفال ونجعلهم يُراقِبون طفلاً يعبث بلوح الشيكولاتة خاصته ثم يدسها أو يُخبّئها بعض ذلك في درج من الأدراج هذا الطفل ثم ينطلق يُواصِل لعبه ولهوه، تأتي أم هذا الطفل أو سيدة أو مُربّية لكي تستخرج هذا اللوح من الدرج وتأخذ جزءاً منه ثم تُخبّئ الجزء الآخر في مكان آخر، يعود الطفل الآن لكي يبحث عن لوحه – لوح الشيكولاتة خاصته – طبعاً، والآن يُسأل الأطفال أين ينبغي أن يبحث عنه؟ الأطفال في هذه المرحلة بين الثالثة والرابعة يقولون هناك حيث خبأته أمه أو مُربّيته وليس هنا كما خبأه الطفل، فإذن لديهم في هذه المرحلة قدرة على التمييز بين الحالة التي يعتقدها الطفل للشيئ وبين الحالة الواقعية، فهو يعتقد أنه هنا وفي الواقع ليس هنا، وهم يُدرِكون أنه ليس هنا لأن اللوح هناك، وهذا إسمه اختبار أو فحص الاعتقاد الخاطيء False-belief Tasks، لكن القردة تفشل فيه على عكس الأطفال في هذه السن المذكورة، وهناك دراسات آخرى تقول أن بعض القردة نجحت فيه وبعض القردة تعدّت إلى ما هو بعد ذلك ولكن لم تتخطى المراحل الأولى لتحصيل الطفل البشري للتوم (ToM) أو لنظرية العقل، أي الأشهر الأولى من السنة الخامسة العمرية، كما قلنا بين الرابعة والخامسة، وعلى كل حال هو تعلق هنا، فالحيوانات الذكية جداً لكن الشِمْبانزِي Chimpanzee يعلق هنا ولا يستطيع أن يتحرَّك إلى الأمام ولذا يعلق في هذه المرحلة، وسأُوضِّح هذا بشيئ أكثر ذكاءً وجمالاً عن طريق ما يُعرَف بالقصدية، ولعلكم قرأتم عن النظرية القصدية، إضافة إلى القصد والنية Intention، والقصدية هى Intentionality، وهناك كتاب – لكنه مُعقَّد جداً ومُتخصِّص جداً فلا أنصح به – للفيلسوف الأمريكي ذاع الصيت جون سيرل John Searle إسمه القصدية وهو ثالث كتبه العملاقة في هذا الميدان وأصعبها، وعلى كل حال هذا لمَن شاء طبعاً أو لمَن كان مُؤهَلاً أن يدخل في هذا العالم ويُبحِر في هذا العالم شديد التعقيد والأهمية أيضاً.
دائماً أسأل لم أنا مُهتَم جداً بكل ما يتعلَّق بالعقل عقلاً وجنوناً؟ أنا أُحِب جداً الدراسات التي تتعلَّق أيضاً بالجنون، صح لم أُحدِّثكم مرة وسأفعل هذا – إن شاء الله – لأنني مُهتَم بالعقل لكن لماذا أنا كذلك؟ قد أقترح أننا نفعل هذا ولست وحدي، لكن هل تعرفون لماذا؟ نفعل هذا بقدر عشقنا لحريتنا، وقد تقول لي ما علاقة الحرية بالعقل والجنون؟ وأنا أقول لك أن بقدر عشقنا لحريتنا – نحن نعشق استقلالنا ونخشى جداً أن نُخدَع وأن يُضحَك علينا وأن نُستغفَل – نهتم بالعقل، وطبعاً لنكن واضحين وصادقين نحن في عمومنا لسنا أنبياء ولسنا فلاسفة عظاماً جداً جداً جداً مُتجرِّدين مثل كانط Kant مثلاً، نحن أُناس مُتواضِعون بُسطاء وأكثر حياتنا نعيشها في السياق الاجتماعي، أي معكَ ومعه ومعها ومعنا ومعهم، أليس كذلك؟ ولأننا نقضي مُعظم حياتنا في سياقات اجتماعية نحن لا نُريد إذا كنا عشّاق حرية وإذا كان أحرارٌ حقيقيين أن نُخدَع ولا نُريد أن يُمارَس علينا أو أن ننخرط في مُمارَسات وسلوكات لا نعرف دوافعنا الحقيقية إليها فنكون في نهاية المطاف مخدوعين، وقد يقول لي أحدكم مثل ماذا؟ هناك أشياء كثيرة جداً لن أقول بالمئات وإنما بالعشرات والعلم يكشف عنها، فالآن لو سألت أي أحد لم انتخبت أنت المُرشَّح الفلاني؟ هو سوف يظن أن لديه جواباً واضحاً جداً وسوف يقول أنا انتخبت المُرشَّح الفلاني وليس العلاني لأن برنامجه كان أكثر إقناعيةً لي، وهذا غير صحيح، والآن يُثبِت لك العلماء تجريبياً أنه غير صحيح في مُعظم الحالات، فمُعظم الناس لا ينتخبون مَن ينتخبونهم بناءاً على ترجيح برامجهم ووعودهم الانتخابية أبداً، ولكن بناءاً على أشياء لا تخطر منكم على بال، مثل بناءاُ على مظاهرهم الجسدية وعلى الطول وما إلى ذلك،
من أيام أن اعتلى مثلاً – هناك دراسات أمريكية أعتقد أنها في جامعة ليفربول Liverpool University – جورج واشنطن George Washington سُدة الحكم إلى باراك أوباما Barack Obama الذي لا يزال رئيساً هناك بيانات حول طول المُرشَّحين الرئاسيين، فالشعب دائماً كان ينتخب في واحد وسبعين في المائة من الحالات الأطول بغض النظر برنامجه أحسن أم أسوأ، وطبعاً هناك انطباع عام لدى البشر عموماً أن الأطول أذكى، وهناك دراسة في إدنبرة Edinburgh بإسكتلندا حديثة جداً لأحد علماء النفس المشاهير هناك تثبت أن هناك ارتباطاً بين الطول والذكاء وبين التناسق والسميترية أيضاً، ولذلك في دراسات مُتأخِّرة يسأل العلماء هناك لماذا نجح باراك أوباما Barack Obama؟ والجواب لسببين رئيسين صدماننا وحُقَّ لهما أن يفعلا، فالسبب الأول لأنه أطول والسبب الثاني لأنه مُتناسِق وبالذات وجهه، وطبعاً هو مُتناسِق جسمياً ولكنه يملك وجهاً أكثر تناسقاً من خصمه، أي More symmetrical face، وأنتم تعرفون السميترية، فالسميترية تعني أن يكون النصف الثاني من البدن أو من الوجه أو من أي شيئ صورة طبق الأصل مرآوية مُقابِلة للنصف الآخر، فهذه إسمها السميترية، لكن بعض الناس تُلاحِظ أنه ليس مُتناسِقاً، فكيف هذا؟ لديه – مثلاً – كفوف ضخمة لا تتناسب مع جسمه أو أن أصابعه كبيرة وضخمة وهذا يضرب السميترية، وبعض الناس يكون بشكل واضح النصف الأيسر – مثلاً – غير مُتماثِل مع الأيمن – مثلما يحدث مع العين والأنف والفم – وبالذات إذا نظر إلى وجهه في المرآة سوف يجد أن فمه مائل – مثلاً – أو أن عينه مائلة، لذا هو غير مُتناسِق، وقد يقول لي أحدكم ما علاقة هذا بذاك؟ هذه مسألة جينية لها علاقة بالمُورِّثات وليست قدرية محتومة يعني لا تغيير لها، فكيف هذا؟ لكن هى لها علاقة، فمُهِمة مسألة أن تكون مُتوفِّراً على بدن مُتناسِق من شكل وأطوال وحجم أصابع اليدين والأنف وصوان الأذن وشعر الرأس والقدمين وكل شيئ، بل وحتى نسبة الجزء الأعلى إلى الجزء الأدنى من الجسم، فبعض الناس الجزء الأعلى عنده تجده طويلاً جداً وتجد الساقين قصيرتين، لذا هو غير مُتناسِق، والعكس صحيح، فبعض الناس لديه ساقتان طويلتان جداً ونصف أعلى قليل، وبالتالي هنا يُوجَد شيئ مش طبيعي، وبعض الناس يظن أن هذه المسألة مبصومة في الجينات Genes وانتهى كل شيئ لكن هذا غير صحيح، فهى ليست مبصومة في الجينات Genes، وقد تقول لي لكنك قلت بوجود عامل جيني، وهذا صحيح فهى مسألة جينية لكن علينا أن ننتبه إلى أن العلاقة بين الجينات Genes والأمراض وبين البيئة وبين التغذية وطيدة جداً جداً جداً جداً ومرنة ومُتحرِّكة، ولذلك ما نمر به من تجارب مرضية ومن سوء تغذية في الصغر بالذات وإلى آخره يُؤثِّر على عمل الجينات Genes لكي تُعطينا جسداً مُتناسِقاً
أو غير مُتناسِق، فالمسألة مُعقَّدة إذن، وقد يقول لي أحدكم ولكن أبراهام لينكون Abraham Lincoln – الرئيس الأمريكي الشهير أيام الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب – لم يكن مُتناسِقاً، وهذا صحيح فبالمرة لم يكن مُتناسِقاً فعلاً، لينكون Lincoln الجانب الأيسر من وجهه أصغر بكثير من الجانب الأيمن، وعينه اليُسرى مُنحرِفة، وعظام هذا الجزء الأيسر أقل حجماً من عظام الجزء الأيمن، فهو مثال لعدم التناسق الوجهي، ومن ثم قد يُقال لي هو أقل رجل لديه وجه مُتناسِق وفاز وبالتالي كلامك غير صحيح، لكن كما قلنا العلم لا يقوم على الاستثناءات وإنما يقوم على المُتوسِّطات، ومع ذلك عليك أن تُلاحِظ أن أيام لينكون Lincoln لم يكن لدينا التلفاز، وكانت الدعاية ووسائل الإعلام تعتمد الصورة وفي المُعظَم غير الفوتوغرافية، أي الصورة المرسومة، انطباع صحفي عن شخص ما يظهر في الصحيفة يُعطي انطباعاً ويأتي الرسّام يرسم، فالصورة الفوتوغرافية لم تبدأ في الانتشار إلا بعد انتهاء الحرب الأهلية، وكان طبعاً من المعروف أن لينكون Lincoln الذي فا لم يُواجِه كثيراً الجماهير، أي لم يقم بحملة انتخابية وهذا معروف عنه، فهو لم يقم بهذا الحملة وإنما فوَّض فريقاً مُختصّاً في حزبه الجمهوري بالقيام بهذه الحملة من الألف إلى الياء، فلو كان اليوم لن ينجح، نعم أبراهام لينكون Abraham Lincoln في المُرجَّح أنه لن ينجح مع كل مُؤهِّلاته الحياتية والورقية اليوم، وهذا أمر عجيب، وقد تسألني هل هذه دراسات إمبريقية؟ نعم هذه دراسات إمبريقية وتنطبق على مُعظم الناس، فنحن من المُمكِن – مثلاً – أن نُؤيِّد حزباً أو مُرشَّحاً ليس بناءاً على تفضيلات تتعلَّق بالبرامج والخُطط والوعود وإنما هناك أمور أخرى تغيب عنا وتفعل فينا دون أن نُدرِكها، فإذن نحن عبيد وفقدنا حريتنا وهذا مُزعِج، فكل إنسان يغار على حريته ويُحِب حريته ينزعج من أمثال هذه الأخبار سيئة، فهذه أخبار سيئة ولكن الجيد فيها أنها تُوقِظنا وأنها تُنبِّهنا، فنحن ينبغي أن نتنبَّه وبعد ذلك لابد أن نكون حذرين وأذكياء جداً ولابد أن نُحاوِل أن نكون حكماء، نُفضِّل ونختار ونجترح القرارات بناءاً على أمور أشبه بالواقعية والموضوعية وليس على أشياء انفعالية غائبة وغائمة عنا تفعل فينا دون أن نملك خياراً إزاءها، وكما قلت هذا أمر مُزعِج تماماً، أدولف هتلر Adolf Hitler الفوهرر Führer أدرك من عشرات السنين – من عقود – أن السياسة برمتها لعبة تلاعب في الانفعالات، فهذا الرجل كان عجيباً وقد نجح طبعاً، نجح لكي يقود هذا الشعب العظيم، شعب الفلاسفة والصناعيين والأذكياء
والمُنضبِطين، وهو الشعب الألماني، فهذا شعب مُميِّز بلا شك وقد نجح أن يقودهم لكن إلى الكارثة طبعاً وإلى الدمار، فهو دمَّرهم وأعدمهم الملايين من أبنائهم، وقد أدرك أن السياسة ليست مسألة عقلانية كما قلنا قُبيل قليل، أي أننا نُفضِّل بناءاً على كذا وكذا، فهذا غير صحيح، هذه مسألة انفعالية من خلال التحكم والتلاعب بانفعالات الناس وردود أفعالهم، وهو فهم هذا وقال هذه هى السياسة، وطبعاً نائبه الأول سيء الذكر الذي ذكرته ربما قبل أسبوعين أو ثلاثة جورينج Göring – هيرمان جورينج Hermann Göring – كان الأب الروحي لجهاز الجستابو Gestapo، وجورينج Göring كان يقول عموماً الشعوب أياً تكن أنظمتها وأحوالها لا تميل إلى الحرب، الناس عموماً لا يُحِبون الحرب، لا يُمكِن أن يقول أحد نحن نُحِب الحرب ونُحِب الدمار وأن يموت أبناؤنا وأخواننا وأزواجنا وأن تُحرَق بيوتنا وأن وأن وأن، فهذا مُستحيل طبعاً، الشعوب لا تُحِب الحرب ولكنها تنساق بسهولة وراء رغبات قاداتها، فالقادة يُحِبون الحرب أحياناً للأسف، وفي أحيان كثيرة يحدث هذا لمصالح شديدة الحصرية والأنانية تختص بهذا الوسط القيادي وبجهاز الحكم ومراكز القوى، أي لكي يستفيدوا مثلما رأينا في حرب العراق وما إلى ذلك، بترول وتجارات وتموت الشعوب وتموت الناس ويموت الكثير من أبنائهم، وهذا شيئ مُخجِل ومُخزي، ومرة أخرى نقول أن من المُهِم جداً أن نفهم العقل وكيف يشتغل العقل والجنون وصور من الجنون، علماً بأننا جميعاً على ما يبدو مجانين ولكن بنسب مُختلِفة، فحين لا نُمارِس العقل كما ينبغي أن يُمارَس نخضع لضد العقل ولما ليس بالعقل، فهل يُدعى هذا جنوناً؟ المسألة مجازية على كل حال والجنون مسألة مُعقَّدة جداً، ولكن إلى الآن لنسمح أن يُقال هذا الذي ضد العقل هو نوع من الجنون وضرب من الجنون، ونعود إلى جورينج Göring، فجورينج Göring يقول أن الشعوب تنساق وراء قاداتها، وذلك بغض النظر – كما يقول وعلى حد تعبيره – عن نوع النظام السائد ديمقراطياً كان أم ديكتاتورياً ، فاشياً كُلاننياً أو غير ذلك، فما الذي يحصل إذن؟ قال :فقط ما عليك إلا أن تأتي للشعوب وتقول لها أنتم مُهدَّدون، هناك خطر يتهدَّدكم.
لذلك أنا – بفضل الله عز وجل – من زُهاء الآن عشرين سنة كنت أوجس خيفةً وأطلقت أكثر من مرة – عشرات وعشرات وعشرات المرات – تحذيرات بأن التظهير الزائد – Over Reported – في الإعلام لمسألة أن الفريق الإسلامي الفلاني أو الحزب الإسلامي الفلاني أو التنظيم الإسلامي الفلاني يفعل كذا وعنده القدرة على كذا كله يُخفي وراءه نيات سيئة جداً جداً جداً جداً يُراد منها ما قد حصل ولا يزال يحصل، فعلينا أن نفهم تماماً مع مَن يجب أن نتعاطف ومع مَن لا يجب أن نتعاطف حتى لا نُعين على أنفسنا، ولا يبلغ العدو من جاهلٍ ما يبلغه الجاهلُ من نفسه، وهذه مقولة أكثر ما تنطبق على العرب والمسلمين الآن ولا أتردَّد في هذا حتى لو قيل عني أنه يجلد ذاته، فنعم أجلد ذاتي حتى الموت، هذه حقيقة صارخة تماماً لأن نفس اللعبة تُمارَس، لعبة جورينج Göring هى نفس اللعبة أدركها الطُغاة من قديم فقالوا لنا أنتم مُهدَّدون فانتبهوا، الإسلام تهديد وهو خطير جداً جداً جداً، والمسلمون قتلة مُخيفون مُرعِبون، لكن هل هناك دراسات علمية وإمبريقية حقيقية أم أن الأمر يقتصر على المُبالَغات وتضخيم جوانب مُعيَّنة وفق منطق لا إحصائي بالمرة؟ الأمر لا إحصائي، وطبعاً هذا لا يعني كما قلنا قُبيل قليل أننا نتعاطف مع أي مسلم، فلا تقل لي أخي في الدين، هذا لا يعنيني، فلو كان أخي في الدين وأخي في الدم مُجرِم وإرهابي وقاتل أنا سألعنه طبعاً، لكن بعض المسلمين… ماذا أقول؟ اسمحوا لي أن أقول أغبياء جداً، صدِّقوني في أن مشائخهم – بعض مشائخهم حتى لا طبعاً لا أُعُمِّم لأن التعميم خطيئة – يُساهِمون في هذا، أي في تعزيز هذا الغباء، فيقول لك الواحد منهم هذا أخوك المسلم، أين الولاء والبراء؟ فهم يلعبون على العمومات وعلى أشياء غير مُحقَّقة بالمرة، ويُحدِّثونك عن الولاء والبراء، فأنت مع المسلم بغض النظر أين وصل وأين بلغ وماذا فعل، وهذا غير صحيح، أنا مع القيم ومع الحق يا أخي، الله أكبر، هذا غير معقول، هل أنتم مسلمون حقاً؟ هل تفهمون دينكم؟ رسول الله – صلى الله عليه وآله – لم ينج من العتب الشديد من رب العزة حين أوشك أن يحيف في الحكم وعلى غير مسلم تأثّراً بشهادات مسلمين واسعي الذمة مِن مَن حوله، فالقيم هى الأولوية وليست المسلم، ومع ذلك يقولون لك هذا مسلم فينبغي أن ننصره، لكن ما معنى أنه مسلم؟ هل المسلم معصوم فأقف معه في الحق وفي الباطل؟ في الحق نعم أقف مع المسلم ومع غير المسلم لأن أنا قضيتي قضية الحق، وضد المسلم إذا مثَّل الباطل وانخرط في الباطل، ضده تماماً ولا أتردَّد وأتعبَّد الله – والله – وأدين الله – تبارك وتعالى – وأتقرَّب إليه بهذا، وهذا الذي يُرضي الله، ولذلك يوم القيامة لا تُوجَد موازين غير مُعتدِلة، قال الله وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ ۩، فالموازين كلها مُعتدِلة والمعايير سليمة مائة في المائة بل مليون في المائة، لكن هل يوم القيامة سوف ينفعك أبوك؟ لن يحدث، فهذا ليس مُجرَّد مسلم وإنما هو أبوك المسلم لكنه لن ينفعك وكذلك الحال مع أمك وأخوك وابنك وزوجتك وشيخك وأي أحد, وهذه مُصيبة، فإذن ماذا ينفعني؟ علماً بأنه ينبغي أن تنعكس الموازين هناك عليك هنا قيمياً، فالذي يشتغل هناك لابد أن يشتغل من الآن وهنا، فإذا كان هناك الذي يرجح بالكفة يُرجِّح كفة على كفة فهو الحق، هو الحق في أي صورةٍ وفي أي مسلاخ بدا وتظهَّر أو تظاهر، فهنا ينبغي إذن أن يكون انحيازنا إلى الحق والحق وحده بغض النظر عن أي اعتبارٍ آخر، هكذا علَّمنا الإسلام، فهذا هو الدين، هذا دين رب العالمين لا إله إلا هو.
على كل حال نعود إلى جورينج Göring سيء الذكر حيث قال ما عليك إلا أن تأتي للشعوب وتقول لها – أي للشعب طبعاً وللناس – أنتم مُهدَّدون وستُهاجَمون وستضيعون، وتُهاجِم في الوقت ذاته دُعاة السلام – يحصل دائماً هذا – وتصفهم بانعدام أو قلة الوطنية – في السياق الديني الآن بانعدام الولاء لأهل الدين والملة وخيانة الدين، فهذا مسلم خائن ومُستشرِق وعميل للغرب والشرق وما إلى ذلك، وهذا كله كلام فارغ، لكنقبل هذا كله أُريد أن أعرف أين نصاب الحق الذي يُميِّزه من الباطل فانحاز للحق وأدمغ الباطل وأصمه فإذا هو زاهق وينتهى كل شيئ، هذا هو الدين وهذا طريق رب العالمين – وتعريض البلاد والأوطان للخطر، ثم قال هيرمان جورينج Hermann Göring أن هذا يعمل في كل مكان وفي كل زمان وبالطريقة ذاتها، وهذا صحيح، وهذا الرجل رهيب طبعاً، وهو تلميذ نجيب لهتلر Hitler الذي علَّم ومارس السياسة على أنها فن التلاعب بالأفعال وردود الأفعال البشرية والغرائز البشرية والدموع والنصف الأدنى، وقد قالها مرةً في تعبيره وهذا صحيح إلى حد بعيد، لكن الناس الأكثر – في الظاهر – وطنية وأكثر تعصباً دينياً وانضباطاً – Discipline حقيقي وهو مُنضبِط – اجتماعياً وأخلاقياً وما إلى ذلك هم الأكثر ضعفاً والأكثر شعوراً بالتهدّد والأقل ثقة، فما رأيكم؟ وهذا في دراسات أيضاً تجريبية، حيث أتوا بمجموعة كبيرة من الناس ثم قسَّموهم إلى مجموعتين، مجموعة حازت الدرجات الأعلى بخصوص الحفاظ على مُكتسَبات الوطن ومصالح الشعب ومصالح البلد أو الدولة وما إلى ذلك، والمجموعة الأخرى درجاتها أدنى، ثم أخضعوا المجموعتين بعد ذلك لما يُعرَف بتجربة الصور المُهدِّدة، صورة وجه رجل مذعور جداً جداً جداً وخائف وعليه عنكبوت ضخم أو علية عنكبوت ضخمة أو صورة رجل في حالة خوف أيضاً وفزع وهلع مُلطَّخة بالدم – أي وجهه مُلطَّخ بالدم – وهكذا، وهذه إسمها صور مُهدِّدة، ثم قيست ردود الأفعال فسيولوجياً كالتعرق – مثلاً – واتساع حدقة العين – هذه مسائل مُختصّة لكنهم قاسوها – وما إلى ذلك، فالأفراد الذين احرزوا الدرجات الأعلى في الوطنية والحفاظ على الوطن والانحياز إلى المصلحة الوطنية كانوا مُؤيِّدين بقوة للانفاق العسكري – ولن نقول يعني كيف – وكانوا مُؤيِّدين في أمريكا لحرب العراق الثانية ومُؤيِّدين لعقوبة الإعدام ومُؤيِّدين لمبدأ الطاعة بالكامل – طاعة الدول للسُلطة – ومُؤيِّدين لفكرة الحقيقة الكاملة في الكتاب المُقدَّس – Bible – أيضاً، بمعنى أنه يحتوي على الحقيقة المُطلَقة الكاملة، وهذا يدل على وجود بذور تطرّف أصولي ديني عندهم، وكانوا أيضاً مُعارِضين للهجرة- هجرة الأجانب – لأن عندهم رهاب Xenophobia، ومُعارِضين للاستسلام – لا يُوجَد استسلام وإنما يُوجَد قتال حتى الموت – ومُعارِضين لأشياء كثيرة تحررية، وطبعاً مُعارِضين للزواج المثلي وللجنس خارج مُؤسَّسة الزواج وللجنس قبل الزواج أصلاً وأشياء مثل هذه، فهم ليسوا أصحاب نزعات تحررية كما يُقال، وهؤلاء أحرزوا درجات أعلى في ردود الفعل الغرزية الفسيولوجية، أي أكثر رعباً وأكثر خوفاً، فهم يخافون مِن كل ما يُهدِّد ويخافون من كل شيئ خارج عن المألوف، ولذلك تكون ردود أفعالهم أصلاً عنيفة وغير مُنضبِطة وغير مُتحكَّم فيها ولذلك هم – نفس الفريق ونفس المجموعة – كانوا مُعارِضين لمسألة ضبط السلاح، قالوا السلاح لابد أن يكون مُتاحاً للناس، وذلك لكي يكون مُتاحاً للواحد منهم، فيكون عنده السلاح دائماً ويضرب أي شيئ بالنار، يطلِق مُباشَرةً النار لأنه يخاف بسبب أنه جبان، ولذلك حتى في المأثور العربي العامي هل يُقال أكثر ما عليك أن تحذر ضربة الشجاع أم ضربة الجبان؟ ضربة الجبان، فالشجاع يتحكَّم في أعصابه حتى آخر لحظة، لا يُمكِن أن يُطلِق عليك أو يضربك إلا حين يكون مُضطراً فعلاً بحيث أنه إذا لم يفعل سيتعرَّض للخطر، لكن الجبان مُباشَرةً مع وهم الخطر يُطلِق النار ويقول لك هو أراد أن يقتلني، فكيف يا رجل أراد أن يقتلك؟ لم تبد منه أي إشارة، لكنه يقول هو أراد أن يقتلني لأنه مرعوب وجبان، فاحذر الجبان إذن، احذر أن تقع في مُشكِلة مع الجبان فقد يودي بك إلى الموت، وخاصة إذا كان معه سلاح الجبان بخلاف الواثق من نفسه.
الآخرون وهم على العكس تماماً ذوو النزعات التحررية كانوا أقل في مسألة ردود الأفعال العضوية الفسيولوجية، فأصحاب النزعات التحررية أقل وليس كما كنا نظن، وعلى كل حال نعود إلى مسار خُطبتنا العتيدة، فما هى القصدية؟ كما قلنا التي يُمكِن أن نُفرِّق بطريقة عميقة وجميلة وفقاً لها بيننا وبين الحيوانات، حتى الحيوانات العُليا، وطبعاً القصدية تمثل وتقع في قلب نظرية العقل التومب (ToM)، في قلبها تماماً، فإذا أردت أن تفهم هذه النظرية عليك أن تفهم القصدية بشكل مُعمَّق، وكما قلت لكم حتى الحيوانات والطيور تُدرِك أن لديها مُحتويات عقلية وأنها تُفكِّر وأنها كذا وكذا، أي أن هذا عندها، فإذن أول مرتبة من مراتب القصدية هى أنا أعتقد أو أنا أُفكِّر أو أنا أفترض، وهذه المرتبة الأولى مُشترَكة بيننا وبين الطيور والحيوانات وخاصة الثدييات بالذات، هناك مرتبة ثانية تتعلَّق بمُحتواك العقلي أنت وهى أنا أعتقد أنك تعتقد، فإذن ارتقينا درجة ثانية وهى درجة أنا أعتقد انك تعتقد، فهل الشِمْبانزِي Chimpanzee عنده هذا الشيئ؟ موجود، فالشِمْبانزِي Chimpanzee عنده هذه القدرة وهو يعتقد أنك تعتقد، فهل يفهم لم تعتقد ما تعتقد؟ لأ، هل يفهم أنك تعتقد خلاف ما يعتقد هو؟ لأ في الأرجح وهناك أناس عندهم وجهات نظر مُختلِفة كما قلت لكن هذا مُمكِن، فبعض الدراسات قال لك هذا مُمكِن ولكن في مُستوى بسيط ثم يعلق فيه، وعليك أن تنتبه إلى أن لكي تُحصي دائماً مراتب القصدية فإننا نقول بالإنجليزية That مثل I Believe That I Think That, I Supposed That,، أي أنا افترض لكن دائماً نقول بالعربية بعد That “أن”، أي أنا أعتقد “أن”، فإذن هنا مرتبة أولى، وأنا أعتقد “أنك” تعتقد “أن”، وهذه مرتبة ثانية، هذه هى طريقة إحصاء المراتب لكي تعرفوا كم مرتبة وهذا مُهِم جداً، إذن نقول أنا أعتقد أنك تعتقد أنني أُريد – وهذه ثلاثة – أن تعتقد – وهذه أربعة – أنني أنوي – هذه خامسة – كذا، فكم مرتبة إذن؟ خمس مراتب، والإنسان البالغ العاقل ابن ستة عشر أو سبعة عشر أو حتى أربعة عشر أو خمسة عشر يُمكِن أن يتوفَّر على هذه المراتب الخمس للقصدية، نعم هو لا يستخدمها دائماً لكن يُمكِن أن يتعاطى معها، لكن هل يُمكِن أن يكتب رواية يُبرِز فيها هذه المراتب الخمس القصدية؟ لأ، فثلاثة أرباعنا يفشل في هذا، لكن متى يُمكِن أن تكون راوياً حكَّاءاً قصَّاصاً مثل هؤلاء الذين يكتبون الروايات والقصص القصيرة والقصص الطويلة؟ ما القصة هنا؟ هل الأمر سهل؟ هل العملية سهلة؟ ليست سهلة بالمرة، وهنا الإبداع الحقيقي وهنا الموهبة الإلهية مثلما هذا فيلسوف كبير وعالم كبير هذا قصّاص كبير، علماً بأن حتى العلم أسهل من هذا الإبداع، فهذه الأشياء مُعطاة لبعض الناس، لكن لكي تكون حكَّاءاً وقصَّاصاً – لكي تكون شكسبير Shakespeare – فهذا ليس سهلاً، قد يقول لك
أحدهم أنا قرأت شكسبير Shakespeare وقرأت عُطيل وتاجر البندقية فما أهمية هذا؟ هذه عبقرية فوق ما تتخيَّل، أكيد شكسبير Shakespeare نفسه لم يكن واعياً بها تماماً وهنا جوهر العبقرية، فهى تعمل من خلاله وهى موهوبة له، فالرجل عبقري بالولادة، وشكسبير Shakespeare كان يتعاطى في بعض مسرحياته أو في مُعظمها مع ست مُستويات للقصد، ما رأيكم؟ هذا شيئ مُذهِل، كيف يتعاطى مع ست مُستويات؟ من هنا عبقريته التي لم يفهم حتى مُعاصِروه سرها واُعجِبوا بمسرحه، وقبل أن نشرح هذا وأشرح كيف يكون وما علاقته بالفرق بيننا وبين الحيوان وما علاقته بالدلالة على الله – تبارك وتعالى – وما علاقته التي سأعود للنظر فيها بمُبرَهَنة القرد، وأنتم تعلون مُبرهَنة القرد – Monkey Theory – التي تُنسَب إلى هكسلي Huxley في المعروف وإن كان هناك مَن يُخالِف، أنه لو جلس مجموعة من القردة -طبعاً القردة العلوية الذكية مثل الشِمْبانزِي Chimpanzee – على طابعات وجعلوا يضربون – طبعاً تضرب بغير وعي وبغير إدراك لأن هذه القرود لا تعرف حتى الحروف، هذا مُستحيل – فإن بعد كذا مليون مليون سنة من المُمكِن بعد ذلك أن تجد ببساطة نُسخة من المجموعة الكاملة لشكسبير Shakespeare مثلاً، فهم قالوا هذا مُمكِن لكن المسألة أعقد من هذا بكثير، والآن لأول مرة نحن سنُقارِب دحض أو نقد ونقض هذه المُبرّهَنة من زاوية جديدة بناءاً على موضوع القصدية وبناءاً على الآية الكريمة التي تقول وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩، وهذه خصيصة لبني آدم، للإنسان، لي ولك ولنا بفضل الله وله الحمد والمنّة إلى أبد الآبدين – له إله إلا هو – بقدر نعمته الجليلة الجسيمة، لكن كيف؟ وما علاقة هذا بالموضوع؟
الأديب الإسباني العظيم النوبلي – الحائز على جائزة نوبل Nobel – ماريو بيدرو فارغاس يوسا Mario Pedro Vargas Llosa في كتابه رسائل لروائي شاب قال الرواية الناجحة هى التي تصل عند مرحلة مُعيَّنة إلى نُقطة الاستقلال التام عن راويها، فحين تقرأ أنت لا تجد أي شيئ يُمكِن أن يشي أو يبوح أو يُذكِّر بالراوي أبداً، وتتفاعل مع الأحداث والأشخاص كأنها واقعية تماماً بل أكثر حتى من واقعية، وتبكي وتغضب وما إلى ذلك، أحياناً هنا في الغرب الأوروبي تحدث أشياء غريبة، في المملكة المُتحدّة – في بريطانيا – تشارلز دينكز Charles Dickens حين ألَّف بعض رواياته ومُثِّلَت وأحياناً طُبِعَت طبعاً دون أن تُمثَّل كانت الشوارع تغص بالمُتمرِّدين يحرقون الحوانيت والبقالات ويُكسِّرون الأشياء وهم يقولون هذه الخاتمة مُزعِجة ولابد أن تُعيد البطل إلى الحياة، فيضطر ديكنز Dickens إلى أن ينزل طبعة جديدة يُعيد فيها البطل إلى الحياة، فما هذه الطريقة؟ فهذه ليست بقايا وإنما امتداد حتى بدرجات أقل لما نقول، فنحن حين نبكي وحين نغضب أمام الأفلام -Movies – ونتأثَّر تماماً به أو بهذه الرواية الجيدة ونقول لماذا هى جيدة ولماذا تصل إلى مرحلة الاستقلال التام عن راويها فهذا جيد، ولكن أي رواية وأي فيلم وأي سيناريو يُذكِّر براويه ويُذكِّر بخالقه وبكاتبه – إن جاز التعبير – فهو خائب تماماً كما يقول هذا الأديب الإسباني العظيم ماريو بيدرو فارغاس يوسا Mario Pedro Vargas Llosa، فمثل هذه الراوية تكون خائبة تماماً، لماذا؟ سوف نعود إلى موضوع القصدية وسنُوضِّح كلام يوسا Llosa بطريقة علمية أكثر، لذا سنعود إلى موضوع القصدية عبر شكسبير Shakespeare، وفي الحقيقة هذا ليس لي لكن أنا أقتبس هذا من باب الأمانة العلمية أيضاً من عالم الأناسة أو الأنثروبولوجيا Anthropology الإنجليزي الشهير والإسكتلندي الأصل طبعاً روبين دنبار Robin Dunbar، إذا سمعتم عند عدد دنبار – Dunbar’s number – فهذا هو دنبار Dunbar، أما عدد عدد دنبار – Dunbar’s number – فيحتاج إلى موضوع ثانٍ، المُهِم هو أن عدد دنبار Dunbar هو مائة وخمسون، وروبين دنبار Robin Dunbar حدَّثنا عن سر عبقرية شكسبير Shakespeare مُتخِذاً من رواية عُطيل – Othello – نموذجاً للدرس، فما القصة إذن؟
مَن قرأ عُطيل يعرف طبعاً ما سأقول، لكن باختصار أقول أن شكسبير Shakespeare عرض لنا ياجو Iago الخبيث الدسَّاس النمَّام مُفسِد العلاقة وقال ياجو Iago أراد أن – إذن هذه أول مرتبة – عُطيل – Othello – أن – هذه المرتبة الثانية – محبوبته المشئومة ديدمونا Desdemona أنها – هذه المرتبة الثالثة – واقعة في حُب أو في شرك كاسيو Cassio، بل وأكثر من هذا، وهو أن كاسيو Cassio أيضاً يُحِب ديدمونا Desdemona، فإذن عندنا أربع مراتب للقصد، ولكي تكون راوياً وحكَّاءاً ومسرحياً ناجحاً لابد أن تتحرَّك في المُستوى الذي يفوق المُستوى الثالث للقصدية، فإذا علقت في المُستوى الثالث فأنت لست حكَّاءاً جيداً بالمرة، إذا كنت في المُستوى الرابع أو الخامس فهذا جيد، أما إذا كنت مثل شكسبير Shakespeare في السادس – أف – فأنت روائي رهيب جداً، وسوف تختلب ألبابنا وسوف تُسيّطِر علينا، وشكسبير Shakespeare في الحقيقة تخيَّل هذا حين كتب هذه المسرحية وأراد شكسبير Shakespeare أن – هذه مرحلة خامسة – من الجمهور أن يعتقد أن – إذن عندنا ستة مُستويات لان هذه مرحلة جديدة – ياجو Iago أراد كذا وكذا – المراتب الأربعة المذكورة – وبالتالي أصبح عندنا ست مراحل وست مراتب للقصد وللنية Intention، ومن هنا هذا الرجل فعلاً – كما قلت قُبيل قليل لفوري – اختلب ألبابنا وسحرنا فتفاعلنا دون أن نُدرِك، ويُمكِن لأول مرة نُحلِّل ونُفكِّك كما فعل العلماء لكننا نشعر فعلاً بميزة هذا الرجل الهائلة جداً، وهذا سر هذه الميزة، فالأمر يقوم على الخيال وعلى العالم التخيلي Fictional World، فهذا كله عالم خيالي للإبداع، وهذا العبقري العظيم الموهوب فعل هذا، علماً بأن الخيال يُعَد شيئاً خطيراً، والطفل حين يبدأ في إدراك قدرة الخيال على البناء والهدم وعلى التأثير وعلى الفعل يُمكِن أن يُوقِع عائلة في ورطة كبيرة، تُوجَد إشكالات بين الآباء وإخوانهم – أي أعمام الطفل – وبين الآباء والجيران وبين الأباء والأصدقاء وبين الآباء والأمهات وما إلى ذلك، والسبب فيها طفل صغير، لكن هذا الطفل لا يكون قبل الرابعة إلى الخامسة، فمُستحيل أن يكون ابن الثالثة إلى الرابعة إلا أن يكون عبقرياً استثنائياً، فالطفل إلى سن الرابعة يكون خبيراً في السلوك فقط وليس خبيراً في المُحتوى العقلي، أي لا يُمكِن أن يقوم بعملية التذهين – Mentalizing – مثل أن يفهم مُحتويات عقلك ويفهم لم أحياناً أو يسأل سؤال لم اخترت هذا دون هذا وأن مُعتقَداتك ورغائبك وما إلى ذلك تختلف عن ما لديه وهكذا، فهذا لا يُمكِن، لكن بين الرابعة إلى الخامسة يبدأ في اكتساب هذه القدرة، وهذه هى نظرية العقل، فيبدأ يُصبِح روائياً خطيراً، وقد تسأل هل لم يكن لدى هذا الطفل من قبل مُحاوَلات روائية؟ كان عنده وهو ابن الثالثة، يُقال مَن الذي سرق قطعة الجبنة؟ مَن الذي أخذها؟ فيقول لك العفريت بابا، العفريت هو الذي أخذها، ثم يأتي لك بأي شكل مِما يراه في التلفزيون Television، لكن هذه ليست الرواية التخيلية كما نُريد التي تعكس قصد مُؤلِّفها ومُخترِعها، والطفل أحياناً لا يفهم لم تأثَّر الآخرون بهذه الرواية الخيالية وأحياناً لم لا يتأثَّرون، فهو لا يفهم هو هذا ولكن حين يتوفَّر على نظرية العقل يبدأ في فهم هذا!
تولستوي Tolstoy عنده كُتيب – أشبه بالكُتيب – نفيس القيمة إسمه ما هو الفن؟ علماً بأنني أشرت إليه مرة أو مرتين في حياتي بينكم أوبين أيديكم، وذكر فيه أن الطفل هو أول روائي، وطبعاً من المُؤكَّد أننا لو سألنا تولستوي Tolstoy أي طفل وفي أي سن؟ فمن المُمكِن أن يعرف ولكنه لا يعرف لماذا الأمر على هذا النحو، لكن الآن العلم يقول لنا هذا، فإمبريقياً الطفل من الرابعة إلى الخامسة يبدأ يكتسب نظرية العقل، وقبل ذلك عموماً في المُتوسِّط لا يكتسبها لأن ليس لديه القدرة على ذلك، فإذن هذه هى مسألة الخيال.
الخيال خطير وفاعل ومُؤثِّر ومن هنا يخشاه الطواغيت والحكّم الظلمة والمُستبِدون، فمحاكم التفتيش الإسبانية حاربت مل الروايات التخيلية Fictional، حاربتها في المُستعمَرات الأمريكية لثلاثمائة سنة بُحجة أنها تُلهي عن الله والكتاب المُقدَّس، وفي الحقيقة ليس هذا هو السبب، وطبعاً أعاظم الأباطرة الطواغيت التيرنات – Tyrants – الكبار انتهاءاً لدينا في السياق الإسلامي غير الحميد إلا قليلاً بصدَّام حسين ومُعمَّر القذَّافي قد تعاطوا مع الخيال الشعري الأدبي والروائي والحكائي بالطريقة ذاتها، لكن قد يقول لي أحدكم أن هذا ليس دقيقاً فصدَّام حسين عنده أربع روايات أو أربع قصص، وزبيبة والملك أشهر واحدة، وهذا مظبوط طبعاً، والقذَّافي لديه مجموعة قصصية مثل الفرار إلى جهنم وانتحار رائد الفضاء وأشياء مثل هذا الكلام الفارغ، فهو عنده هذا إذن، وسيف الإسلام القذَّافي كان يرسم لأنه رسّام، وهناك لوحة رسم فيها أباه وهو يحارب الصليبيين، وليس هذا فحسب بل أن يوليوس قيصر Julius Caesar – أغسطس قيصر Augustus Caesar – نفى الشاعر الشهير جداً أوفيد Ovid إلى جزيرة ألبا على ما أعتقد أو غيرها لسبب شيئ وقع فيه في شعره لكن قيصر Caesar نفسه كان يكتب الشعر وهذا أمر غريب، وستالين Stalin كان يكتب الشعر، وطبعاً اهتم بالرواية وبالمسرح ومعروف موقفه من الروائي باسترناك Pasternak -الحائز على جائزة نوبل Nobel والدكتور جيفاغو Doctor Zhivago وهذه القصة، وليس هذا فحسب بل أن فرانكو Franco كان يرسم أيضاً وهتلر Hitler كان يرسم، وهتلر Hitler كان مُعجَباً جداً بالمسرح، كان يود وهو صغير أن يخرج مُمثِّلاً بالذات على خشبة المسرح، ومن عجائب الصدف أن شارلي شابلن Charlie Chaplin كان مُعاصِراً لهتلر Hitler وسنينه – في نفس السن تقريباً – وكان يُحِب أن يكون حاكماً، لكن شابلن Chaplin أصبح هزلياً أما هتلر Hitler فأصبح حاكماً – أي العكس لأن تأتي الرياح بما لا تشتهي السُفن – لكن عنده اهتمامات أدبية!
علماً بأن هناك دراسة ألمانية – مَن يعرف الألمانية أنصحه بدراستها – مُهِمة جداً ومُمتِعة لاثنين من الأكاديميين الألمان في جامعة كونستانس Konstanz، وهذه الدراسة تتحدَّث عن طواغيت الشعراء وعلاقتهم بالشعر وكيف كتبوا الشعر، والعنوان الأصلي لها الفنون الحكائية والعنف Sprachen Kunst Und Gewalt، علماً بأن Sprachen Kunst تعني الفنون الحكائية Languages Arts، وقد صدرت قبل سنوات وهى مُمتِعة، وتعرَّضت بنوع من الإسهاب المُناسِب لكتاب – أي لكم الكتاب – لصدَّام حسين والقذَّافي وخاصة رواية زبيبة والملك والفرار إلى جهنم للقذَّافي، فما الذي يحصل؟ هؤلاء الطواغيت بدرجة أولى يُدرِكون أن الحكاية وأن القص والحكي والسرد – Narrative – والرواية وكل هذا الخيال لديه القدرة على أن يُذكِّرك كإنسان – هذه إحدى خصائصك الإنسانية التي نسيتها للأسف – أن هناك سيناريو آخر وأن هناك إمكانية أخرى وأن هناك عوالم أخرى، فليس في الإمكان أبدع مِن ما كان وليس هذا هو الوضع، ولذلك النظم الشمولية – انظروا إلى كوريا الشمالية – حين تحكم قبضتها تماماً لن تجد صحافة تتعلَّق بالعالم الآخر، ولا يُوجَد سفر للخارج أو تلفزيون Television يعرض شيئاً مِما يقع في الخارج إلا بالطريقة المُبرّمَجة المرسومة في الحدود المطلوبة، وهذا شيئ مُرعِب ومُخيف، فلماذا؟ هم يخافون من أي سيناريو آخر، وقد تقول لي لكن هذا لا يُفسِّر لي لماذا كتب بعض هؤلاء الشعر، فحتى ستالين Stalin – كما قلت – كتب الشعر، إذن لماذا كتب بعضهم الروايات أو القصص والمجموعات القصصية؟ طبعاً واضح جداً جداً جداً لماذا، وذلك بناءاً على وهم غافل ووهم تيراني – إن جاز التعبير – طُغياني أن يُمكِنهم أن يتلاعبوا بخيال الناس فيُحدِّدوه مرة أخرى ضمن حدود المُتاح، أي أن المُتاح بخصوص وبصدد الوقائع هو المُتاح، فليس في الإمكان أبدع مما كان، والمُتاح في حدود الخيال هو ما نتخيّله بالنيابة عنك، فهذه هى حدود القص، وممنوع أي قص آخر وممنوع أي روائي آخر، فأنا أيضا سأتخيّل عنكم، وطبعاً هذا الخيال لابد أن يكون مدروساً وإن بطريقة لا شعورية ومُتناغِماً مع رغبات الطاغية هذا في الضبط وفي التحكم المُطلَق.
بنفّاذية عجيبة أدهشتني أنا شخصياً ذكرت حنة آرنت Hannah Arendt – تعرفونها ربما – في كتابها عن التوتالرية أن في مرحلة مُعيَّنة من حياة الطُغيان ومن حياة الطاغية لا يعود الإرهاب والقمع والاستئصال مُوجَّهاً نحو الأصدقاء ولا نحو الأعداء وإنما مُوجَّهاً نحو الخيال المُختلَق – أعتقد أنها تُشير تماماً إلى ما أذكره – الذي يُحدِّد إمكانات السيناريوهات البديلة، فهذه هى فقط السيناريوهات البديلة التي تُؤكِّد بدورها – هذا الآن كلامي – أن ليس في الإمكان أبدع مِن ما كان، فاحمدوا الله على العافية واحمدوا الله على ما أنتم فيه، ومن هنا تقول حنة آرنت Hannah Arendt هذا الطُغيان يُصبِح مُوجَّهاً لخدمة هذا الخيال البديل ويتظاهر ذلك بقمع رهيب وإرهاب تام، فهذه حيلة الطُغاة إذن لتوسّل الخيال الشعري والمسرحي والروائي والقصي وتقديمه إلى جماهيرهم المطحونة تحت أقدامهم وتحت البوت Boot العسكري إن جاز التعبير، فالخيال خطير إذن.
نعود إلى قضية القصد، أُريد منكم أن تعتقدوا أنني أعتقد أنه يُفكِّر أنني أُريدُ كذا أو كذا من خلال هذه المراتب، لكن برهنة القرد كيف يُمكِن أن نُسدِّد إليها نقداً جديداً بناءاً على فهم القصدية هنا؟ هذه المسألة سهلة، ليست المسألة أن هذه الشِمْبانزِيات Chimpanzees التي تضرب على غير هُدى على الآلات الطابعة يُمكِن بعد كذا مليار سنة أو جوجل Google سنة أن تُعطينا نُسخة كاملة من شكسبير Shakespeare،ليست هذه المسألة، لكن قبل هذا كله ما هو شكسبير Shakespeare؟ ما هى أعمال شكسبير Shakespeare؟ ما المُميَّز في أعمال شكسبير Shakespeare؟ المُميَّز في أعمال شكسبير Shakespeare عند أول درجة شيئٌ مبني على تسليم الذكاء، أي أنه يقوم في أول طوبة من بنائه على الذكاء، فالمُسلَّم الأول هو الذكاء، يُوجَد ذكاء وموهبة Talent – موهبة حقيقية – هو موهوب – وبعد ذلك يبدأ الخيال، فالخيال ابن الذكاء الإنساني المُتفرِّد جداً، وقد رأينا وفهمنا كيف تكون الحيوانات عالقة وفي أي مرحلة من مراحل القصود، وذلك في المرحلة الثانية، فالشِمْبانزِي Chimpanzee فقط في التجارب التي كبَّرت وعظَّمت فيه إمكاناته وقدراته وأنه يضحك ويُقهقِه ويُمكِن أن يتعلَّم لغة وكل هذا الكلام الفارغ يُدرِك أنك تُدرِك وفقط، فالشِمْبانزِي Chimpanzee يقف هنا فقط عند المرتبة الثانية – يُدرِك أن تُدرِك وفقط – من مراتب القصدية ولا يتعداها إلى الثلاثة، فهل يُمكِن أن يكون حكَّاءاً؟ لا يُمكِن بالمرة لا من قريب ولا من بعيد، لأن الحكَّاء يبدأ بعد المرحلة الثالثة، وحتى الحكَّاء البشري قد يفشل في هذا، وخمسة وسبعون في المائة منا – كما قلت لكم – يفشل أن يكون حكَّاءاً لأنه يعلق في المرحلة الثالثة، وهذا لا يصح فيجب أن تبدأ من الرابعة، فلكي تكون قصَّاصاً جيداً ينبغي أن تبدأ من المرحلة الرابعة للقصدية، وإن تعدتها للخامسة فهذا جيد، وإن تعدتها للسادسة سوف تكون رهيباً مثل شكسبير Shakespeare، فشكسبير Shakespeare – كما قلت – يتركك تماماً تُحقِّق ما أراد، ينجح تماماً دون أن تدري أنه هو الذي فعل هذا وأراد هذا وخطَّط لهذا – أف – وهذا شيئ مُرعِب، وأنت تتفاعل ويرتفع ضغط ويحمر وجهك وتشعر بالغضب وتدق بالقبضة على المنضدة وإلى آخره بل أن بعض الناس ينتحرون، وبعض الناس يموتون، وهذا شيئ غريب طبعاً، وقد رأيتم فيلم آلام المسيح وعلمتم كيف أن بعض الناس ماتوا في السنيما Cinema، ماتوا بالفعل من التأثر، حيث يُوجَد قسيس أمريكي مات من التأثر الشديد، لكن سواء صُلِب المسيح أو لم يُصلَب هذه مسألة قديمة وقد انتهت، لكن الفيلم أُخرِج بطريقة رائعة فضلاً عن الحوار ومشاهد التعذيب وما إلى ذلك، وهذا شيئ مُؤثِّر جداً لدرجة أن الواحد ينسى أن هذا مُجرَّد فيلم وينسى أنه سيناريو مكتوب – كتبه أحدهم – وينسى كل شيئ، فمات هذا المسكين وأسلم الروح، وهذا يحدث على نحو مُتفاوِت لبشر مُختلِفين كثيرين حول العالم، فإذن كلمة السر هى في الخيال، والخيال ابن الذكاء، والذكاء هو البداية – أي الـ Zero – طبعاً، فمن هنا نبدأ – من الـ Zero – وهذا هو الذكاء، فالمسألة ليست أن بعد كذا مليار سنة يُمكِن أن يخرج لنا ما قالوا، هذا غير صحيح، فهنا لدينا مسألة لها علاقة بالقصدية ومراتب القصدية، وهذه لم تتحرَّك أصلاً إلى على قاعدة من الذكاء، فالبداية المُسلَّمة التي تجعل مُجرَّد طرح السؤال مُبرَّراً وله قيمة لا تكون إلا بتسليم الذكاء، وهم لا يفعلون هذا، لا يُسلِّمون الذكاء، هم يُريدون أن يبدأوا من الصفر المُطلَق ومن اللا شيئ – Nothingness – ومن العدم، لكنهم يقولون سوف نبدأ من العدم ومن اللا شيئ ومن عالم أصم غبي أعمى لا يفقه شيئاً وبعد ذلك سوف نصل إلى درجات عالية جداً جداً جداً مِما هم سموه الذكاء لكن في الحقيقة هذا ليس الذكاء وإنما الخيال، وهذه هى المرتبة السادسة، فأنت حين تتحدَّث عن شكسبير Shakespeare فإنك تتحدَّث عن ست مراتب من القصدية، وكل هذا لا معنى له بغير تسليم مهاد الذكاء وقاعدة – Basic – الذكاء، علماً بأن هذا سوف أُفصِّله – إن شاء الله – في الخُطبة المُقبِلة ولكن على نحو أكثر تعمّقاً – إن شاء الله – وأكثر علمية، وسوف نتحدَّث عنالكون وما يتعلَّق بالكون وبوجود الله – لا إله إلا هو – والإلحاد والإيمان، وسوف ترون أن المسألة تبدأ أصلاً من الذكاء وتنتهي إلى شيئ ما وراء الذكاء وليس إلى التخيل دائماً فقط، فهناك دائماً أشياء أوسع وأكثر، فحتى الخيال غير معدوم في السيناريو الإلهي أو في السيناريوهات الإلهية وخاصة على طريقة قول الله يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ۩.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.
أحبتي، إخواني وأخواتي:
قبل أن أُغادِر هذا المقام أُحِب فقط أن أُشير إلى نُقطة وهى أن عدم القدرة – منا جميعاً ومن بعضنا على وجه الخصوص – على إدراك أن هناك سيناريوهات بديلة وإمكانات بديلة واحتمالات أخرى قائمة ولو في عالم الخيال يجعل الإنسان المُزوَّد بهذه القدرات العقلية واللياقات الذهنية المعرفية العالية جداً والمُتخصِّصة يعود مرة أخرى فينحط في أسفل سافلين، فيُهدِر هذه اللياقات ولا يُفكِّر إلا ضمن أنماط معدودة محدودة مرسومة، ولا يقوم عمله هنا على الإبداع وإنما على الاجترار والتكرار وربما العلوق – يعلق – في فخ المُشكِلة ذاتها التي ولَّدت السؤال ويُعيدها بذاتها، وسأضرب مثالاً وحيداً ثم أُغادِر لأن الوقت أدركنا وهى مسألة أن مُعظَم البشر ولا أستثنى حتى العلماء للأسف الشديد – فقط الذين يُستثنَون هم العلماء المُبدِعون، وطبعاً يُوجَد العبقري الأكثر من المُبدِع، فلا يُوجَد عبقري غير مُبدِع لكن ليس كل مُبدِع يُعَد عبقرياً، وهذا ما يجب أن تنتبهوا إليه، وقد تقولون لي ما الفرق؟ بكلمة واحدة فقط وفقاً لهذه الدراسات العبقرية نقول أن أحسن تعريف للعبقري هو أن العبقري الذي يترك الدنيا بعده ليس كما كانت قبله، فهناك أناس عندهم نظريات ذكية جداً في الفيزياء وفي الرياضيات وفي الأدب وفي الفن وفي الشعر وفي النقد الأدبي وفي أي شيئ ولكنهم لم يُحوِّلوا مسار تفكير البشر والمنظور الخاص بالعالم، لم يفعلوا هذا لكن جاليليو Galileo فعل، نيوتن Newton فعل، أليس كذلك؟ طبعاً فعل هذا دون أي كلام، وكوبرنيكوس Copernicus فعل – الثورة الكوبرنيكية – أيضاً، وتشارلز دارسون Charles Darwin فعل وألبرت أينشتاين Albert Einstein فعل وروّاد ميكانيكا الكم العظام مثل هايزنبيرج Heisenberg وErwin Schrödinger ونيلز بور Niels Bohr وغيرهم قد فعلوا، وكل هؤلاء عباقرة لأن العالم كله بعدهم أصبح مُختلِفاً عن ما كان من ذي قبل، فهؤلاء هم العباقرة المُبدِعون، ويُوجَد مُبدِعون كثر بلا شك ولكنهم ليسوا عباقرة ولم يصلوا إلى درجةالعبقرية، فالعبقرية كلمة صعبة جداً، لكن بعض الناس يُعطي الألقاب بشكل مجاني، فلا يكتفي بأن يقول علَّامة وعالم وما إلى ذلك وإنما يقول هذا عبقري وما إلى ذلك، لكن المسألة ليست كذلك، فيجب أن نكون أكثر تواضعاً، ورَحِمَ اللهُ امرأً عرِفَ قدْرَ نْفسه،
ما يُعطيه الجُهلاء لا وزن لهم عند العلماء وعند الأذكياء، الجاهل يُعطيك مائة لقب منها لكن الذكي قد لايعتبر شيئاً منها،فنسأل الله أن يُعرِّفنا بأقدار أنفسنا وأن نتصف بالتواضع لأننا نُحِب الحقيقة، فلماذا نُزيِّف؟ لماذا نُدجِّل ونُخادِع؟ هذا قدرنا نحن البسطاء الفقراء المساكين فنسأل الله أن يزيدنا من فضله، وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ۩،
والعلماء حتى عموماً – كما قلت حاشا هؤلاء المُبدِعين والعباقرة الكبار – غير مُصطفَين وغير مُستثنَين – هذا إسم مفعول، فلا نقول مُستثنِين لأنه إسم فاعل وإنما نقول مُستثنَين مثل مُصطفَين بدليل ما سأقول لكم، فالمسألة أننا نُفكِّر ضمن أنماط وخاصة النمط الثنائي والثنائية البسيطة Simple Dichotomous، ومن هنا سوف تقول لي هذا مرض البشرية كلها، فهم يقولون نحن وهُم والغرب والبقية The West And The Rest، فما معنى البقية؟ ما معنى الغرب والبقية يا أخي؟ هلالعالم كله هو البقية؟ لكن هذا العالم أكثر فسيفسائيةً وأكثر تركيباً وتنوّعاً وكذا وثراءً من أن يُقال أنه The Rest، ما معنى The Rest؟ تعني الشرق الأدنى والشرق الأقصى وأمريكا اللاتينية وكل هذا، فهذا كله The Rest، ولذا يقولون The West And The Rest، وهذه عنجهية فارغة، هذه المركزية الغربية والعنجهية والعجرفة الغربية موجودة عند بعض الغربيين، والآن بدأوا يخرجون منها بفضل الله بعضهم، لكنهم كانوا يقولون نحن والآخر، إما صديق وإما عدو، لكن هناك شخص آخر ليس صديقاً وليس عدواً، فأنت الآن حين تمشي في الشارع من المُؤكَّد أن أكثر الناس حولك في الشارع لا هم أصدقاء ولا هم أعداء، فطبعاً يُوجَد الاحتمال الثالث دائما، فهذا ليس صديقي وليس عدوي وإنما هو إنسان عادي، لكنهم يرفضون هذا ويقولون صديق أو عدو ونحن وهم والطبيعة والتنشئة Nature vs Nurture، فهناك شيئ ثانٍ غير ثنائية الطبيعة والتطبع أو الطبع والتطبع أو الطبيعة والتنشئة، هناك مُداخالات مُعقَّدة جداً جداً جداً فالأمر لا يقتصر على هذا فحسب، فلا تقلي لي معنا أو ضدنا؟ لأنني لست معكم ولا ضدكم وإنما أنا مُحايد، فالعلم نفس الشيئ أيضاً، وقد قدَّم جوزيف پريستلي Joseph Priestley إسمها نظرية اللاهوب، وأنا حين كنت صغيراً جاءني ابن عمي – ما زلت أعتقد إلى الآن أنه من أذكى الناس الذين عرفتهم هو شخص يكتب ويقرأ ولكنه ليس مُتحصِّلاً على تعليم عالٍ – وسألني عنها، وكان يسألني دائماً أسئلة أعلم أنها تقع في قلب العلم والفلسفة، والناس العاديون كانوا يضحكون بسببها وأقول لهم لا تضحكوا، فهذا الرجل ذكي، هذا الرجل لم يفقد الطفل فيه، نحن فقدناه لكن هو لم يفقد، علماً بأن الطفل عنده كل شيئ يُعَد غريباً حتى بدءاً من شكل البطيخة، ويقول لماذا هى كذلك؟ لماذا البطيخة ليست كالجزرة مثلاً؟ فهذا يُحيِّر الطفل لأنه ذكي، ومن هنا كان قريبي – ابن عمي في الحقيقة – يسألني عن هذه الأشياء، وذات مرة أتى بورقة وحرقها أمامي وقال لي أرأيت؟ كيف تحترق؟ لم تحترق؟ فقلت له هذا السؤال كبير، هذا السؤال حيَّر العلماء، فجوزيف پريستلي Joseph Priestley أتى بنظرية اللاهوب، وكان يعتقد أن هناك مادة مُعيَّنة موجودة وإسمها اللاهوب، وهذه المادة حين تُريد حرق أي شيئ عنده قابلية الاحتراق هى التي تشتغل وتقوم بعملية الاحتراق، ثمجاء خصمه الفرنسي المأسوف عليه الذي لقيَ مصيره للأسف أنطوان لافوازييه Antoine Lavoisier وقال أن السبب ليس هو اللاهوب، فهذا هو لافوازييه Lavoisier، لكن هل تعرفون لماذا قتلوا لافوازييه Lavoisier؟ لأنه كان أيام الملك لويس Louis يجمع الضرائب للدولة فلفَّقوا له تُهمة وقصلوا هذا المسكين على المقصلة Guillotine، وكانت خسارة كُبرى لأن لافوازييه Lavoisier عقل كيميائي عظيم، وأنتم طبعاً تعرفون لافوازييه Lavoisier، وعلى كل حال أنطوان لافوازييه Antoine Lavoisier قال لك أن السبب في الاحتراق الأكسجين – Oxygen – وليس اللاهوب، فإذن نظريتان، والآن من كبار العلماء مَن يقول هل ثمة مَن يُعيد الاعتبار لنظرية اللاهوب؟ مَن قال لكم أن نظرية الأكسجين – Oxygen – هذه صحيحة بنسبة مائة في المائة؟ من المُمكِن أن تكون اللاهوب هى النظرية الأصح إلى الآن، فما زال الموضوع يُطرَح عند بعض العلماء، وعلى كل حال تُوجَد نظريتان ومن المُمكِن أن نجد نظرية ثالثة ورابعة وخامسة!
تعرفون هويجنز Huygens ونيوتن Newton – إسحاق نيوتن Isaac Newton – طبعاً، فهناك نظرية الجُسيمية في الضوء أو النظرية الموجية وهل يسلك الضوء كجُسيمات Particles أو كموجات Waves، ثم جاء بعد ذلك Combination ثالث وقالوا لك أنه يسلك السلوكين، ومن المُمكِن أن نجد احتمالاً رابعاً وخامساً وأن نجد أطروحات أخرى، فليس الأمر يقتصر على كونه جُسيمياً أو موجياً، فالحل الأفضل كان أن يُقال أنه جُسيمي موجي، وهذا فسَّر أشياء كثيرة عجزت عنها النظريتان كلتاهما.
التطوّريون والخلقويون – جماعة داروين Darwin – يقولون بالتطوّر – التطور وليس التطوير – Evolution، وهذه النظرية الأولى، وهناك النظرية الخلقوية Creationism التي تقول أن الله اللي خلق كل نوع بشكل مُستقِل تماماً، وهذا إسمه الـ Special Creation، لكن يُوجَد احتمال ثالث ونحن بشكل عاطف مُتعاطِفون معه – الآن نُسرِّب هذا وقد سرَّبناه من قبل – وهو التطوير، فلم يحصل تطوّر في الحقيقة وإنما حصل تطوير الله أراده، والمرحوم مُصطفى محمود كان مُتعاطِفاً مع هذا الرأي، وطبعاً ليس لديه ترسنة أدلة عليه، لكننا الآن سنأتي إلى عدد هائل من الأدلة – ليست عندنا وإنما عند الغربيين – التي تُؤكِّد أن القضية قضية تطوير، وهذه هى قناعتنا، ويُوجَد بُرهان واحد فيها – إن شاء الله – سوف نشرحه، فهو بُرهان واحد فقط ولكنه يكفي أي شخص ذكي ومُنصِف أن يعتقد أنه تطوير وليس تطوّراً، فلا يُمكِن أن يكون تطوّراً مادياً فعلاً هكذا بالانتخاب الطبيعي الأعمى Blind، هذا لا يُمكِن وسوف نرى كيف هذا لكن ليس الآن فالحديث هذا أتى قبل أوانه.
على كل حال هناك ثنائيات باستمرار كما ذكرنا وهلم جرا، لكن لابد أن نُفكِّر خارج الثنائيات دائماً، ينبغي أن نُفكِّر في الاحتمالات غير المطروقة والوجوه غير المدروسة لعلها تفتح باباً جديداً للرؤية والمُقارَبة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (25/3/2016)
حاول عدنان ابراهيم في هذا الفيديو الوصول إلى المستوى الخامس ولكن فشل في جعل كلامه إبداعيا
(معاوية الصباح )قلي بكل صراحة هل تستطيع أن ترتجل وتتكلم أمام مجموعة صغير من الناس العامين فضلا أن تتكلم أمام المذقفين والعلماء والباحثين والمفكرين والتلاميذ أو هل عندك الـــياقة الغويه والفكر الذي يسمح لك بئن تتكلم 10 دقائق باأسلوب يشبه أسلوب د.عدنان أبراهيم ولو قليـــل أسمح لي أنا أرا أنك إنسان تافه وحاقد وجـــاهل أيضا وذالك قـــد تبين لي مـــن خلا تعليقك الذي كـــان مدمر وفـــاضح جداا نصيــح حاول أن تتحرر بـــعض الشيأ من أناك الغاضــــــــــــــــب والســــاخــــر أيــــضا
الى كل الذين نصبوا انفسهم ان يكون نقادا للآخرين أقول لهم :
ان أولى العباد بالنقد هي انفسكم التي بين جنوبكم فانتقدوها
اولا وحرروها من العقد.
وبعد ذلك انظروا هل بقي لكم وقت لتنتقدوا من هو تلميذ في صف الشيخ الجليل والأستاذ النبيل الدكتور عدنان ابراهيم
لانه اكبر من ادراككم بكثييييييير….
فكرة الخطبة جيدة ولكن الطرح لم يكن مبسطا ومركزا بشكل كافي فجاء هلاميا الى حد ما ولكن ما أزعجني في الخطبة ذكره لهذه الدراسة التي اشار لها الدكتور وكانت نتيجتها تفيد أن الأكثر تحررا وقبولا للجديد هو الاقل خوفا وجبنا ثم ذكر من الدراسة امثلة على ذلك بمن يقبلون الزواج المثلي وهنا نحب ان نلفت نظر الدكتور بانه لابد ان يعلم ان هؤلاء يدسون السم بالعسل وان دراساتهم التي تبدو بريئة في مجملها وتحوي عسلا هي تحوي ايضا سم زعاف وعلى منبر الجمعة هو يخاطب بسطاء لا ينبغي اعطاءهم العسل وبه السم بل يجب فصل هذا عن ذاك ولكنه تكلم تلقائيا ولم ينتبه فنرجو منه التنويه على موضوع زواج المثليين في خطبته التالية
يا لأهمية هذا الموضوع و ضرورته في زماننا هذا زمن الفكر و الثورة العلمية و السبق الحضاري فلا يمكننا بحال من الأحوال أن ننسير في ركب الحضارة مالم يكون لهذا العقل آفاق بعيدة بحيث لا تحده الفهوم الحرفية و لا تقيده المعاني الظاهرية السطحية و إلا نكون قد حكمنا على أنفسنا بمسخها دون المرتبة و المكانة الرفيعة التي خلق الله الإنسان حقيقةً لها فلا يظن أحدنا أن المسخ هو فقط مسخ مادي ظاهري بل هناك المعنوي منه لقوله تعالى في سورة يس { ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضياً و لا يرجعون } و ربما هذه المكانة هي تلك المرحلة العمرية التي تكلم عنها الدكتور تلك التي تشاركنا فيها القلرود إذ أننا لم نتجاوزها إلى مرحلة أرقى و أعلى منها مكانةً و درجة و مقاماً فإننا حقيقة إذا لم نطور تفكيرنا و نفتح له المجال للاطلاع على ثقافات الآخرين و استيعابها و إيجاد النقاط المشتركة بيننا و أخذ الجيد و ترك السيئ و العمل بجد على تلك النقاط بإيجابية و أمل و حسن ظن فسوف نبقى مكانك راوح لا قدرة لنا على الخروج حتى من أبسط المآزق و سوف تكون مشكلة عادية أزمة كبيرة و هائلة و معضلة لا حل لها كما يقال في المثل الشعبي [ يغرق بشربة مي ] و المشكلة هي في الحقيقة ليست من المشكلة نفسها بل في هذا العقل المحدود الذي لا آفاق بعيدة عنده و لا سيناريوهات متعددة لقضية من القضايا و لو نظرنا في كل الناجحين في الحياة نجد أنهم يمتازون بمرونة العقل و الراوندية ـ القدرة على الاستيعاب و التقبل مع الحفاظ على الأصالة و الخيرية ـ المحببة لكل الناس بكافة أطيافهم و شرائحهم .. و لئن سبقتنا الأمم في التكنولوجيا و الصناعة الذرية و النووية و الاتصالات أليس حري بنا أن نحاول على الأقل أن نمتاز فقط بناحية الانطلاق الفكري و تحريره إذ أن ديننا ما جاء إلا لهذا [ لإخراجنا من عبادة العباد و الأهواء إلى عبادة رب العباد ] فالأهواء دوماً تحط من ارتقاء العقل و سموّه بينما يطوره و يعليه التعمق و الإدراك و النظرة الشاملة المنفتحة على كل شيئ كما مدح تعالى { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } أي الذين يطلعون و يسمعون كل شيئ حولهم ويأخذون أحسن شيئ من كل شيئ … صراحة شوّقنا الدكتور للقراءة لشكسبير ….
السلام انا من المغرب عمري 13سنة واتمنى لقاء الدكتور adnan ibrhim و هذا حلمي
الخطبة سيئة جدا … للأسف
اختيار الموضوع غير مناسب لكونه خطبه جمعة .
عرض الموضوع مفكك وغير منظم ولم يصل فيه لنتيجة.
فهو بدأ الحديث عن مقارنة تفكير الإنسان بالحيوانات الذكية . ثم قرر أن يشرح خصائص تفكير الإنسان . ووضح له خصيصتين :
١- ان تفكير الانسان عاطفي وغير موضوعي . وضرب امثلة مثل انتخاب الرئيس الأطول . وكيفية سيطرة هتلر..
٢- ان الانسان يميز بين ادراكه وادراك الآخرين . وادراكهم لادراكات اخرى متداخلة . وسمى ذلك القصدية .
في حين ان الحيوانات لا تستطيع ذلك الا في صور بسيطة جدا. تقارن بقدرات الاطفال حتى سن الرابعة.
وان عملية ادراك تعدد وتداخل مستويات الادراك عملية معقدة.
وشرح سالي وآن التي تكشف ان الاطفال إلى سن الرابعة تتخيل ان ما تدركه هو نفسه ما يدركه الآخرون ( علشان كده الطفل في السن ده لما بيلعب استغماية بيكتفي انه يخبي وشه. ويظن انه مادام هو مش شايفنا يبقى احنا كمان مش شايفينه . لانه ما يعرفش ان ادراكنا مختلف عن ادراكه)
لكنه شرحها بطريقة غامضة. غالبا لانه مش فاهمها.. ولا اظن ان فيه حد سمع الخطبة فهم معناها
الخطبة فيها كمية رغي هائلة . ساعة وربع .. مع ان الافكار السابقة يمكن شرحها في ثلث ساعة مثلا. وبوضوح أكثر.
بعد ما شرح الخاصتين دول لتفكير الانسان .. لم يخبرنا نعمل بيهم ايه.. طب عايز توصل لايه ؟ هل لان ادراك الانسان عاطفي ومعقد معناه انه لم يتطور عن ادراك القرد مثلا ؟
تقريبا هو نسي من كتر الرغي هو عايز يقول ايه
عنوان الخطبة مضلل وسينمائي . مش عنوان محاضرة او خطبة .
كانت لقلبي أهواء مفرّق فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي وصار يحسدني من كنت احسده وصرت مولى الورى مذ صرت مولاي تركت للنّاس دنياهم ودينهم شغلا بحبّك يا ديني و دنياي هي الذات الحقيقية تجاه الذّات العليّة.