إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ۩ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ۩ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ۩ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ۩ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ۩ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ۩ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ۩ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ۩ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ۩ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ۩ قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ۩ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ۩ قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ۩ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ۩ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الكريمات:
قصة نبي الله لوط – عليه الصلاة وأفضل السلام – من أكثر القصص وروداً وتكرراً في كتاب الله – سُبحانه وتعالى -، حيثما أو في أغلب ما يرد اسم هذا النبي ترد قصته، وليس على سبيل الدوام، وقد ورد اسمه – عليه الصلاة وأفضل السلام – في سبعة عشر موضعاً من كتاب الله، ثم إن قصته أيضاً وقعت وحصلت الإشارة إليها في كل الآيات وبكل الآيات التي وردت فيها كلمة المُؤتفِكة أو المُؤتفِكات، فالمُؤتفِكات هي قُرى لوط، المُؤتفِكات هي قُرى لوط التي غشاها الله – سُبحانه وتعالى – ما غشى وأهوى بها – سُبحانه -.
هذه القصة قصة فريدة في باب التدليل على أن غضب الله وعقابه – سُبحانه وتعالى – إنما يحل بالأقوام الذين استشرى شرهم وزاد ضرهم وشاع وفحش بينهم ارتكاب المُوبِقات، من الفواحش الأخلاقية – والعياذ بالله تبارك وتعالى -، تماماً كحضارة العصر وكالأقوام في هذا الزمان المعيش.
ولنبدأ القصة من السياق الأول، من لحظة إيمان لوط – عليه الصلاة وأفضل السلام – بنبوة عمه إبراهيم، فإبراهيم – عليه الصلاة وأفضل السلام، خليل الأنبياء – هو عم لوط، هو أخوه لأبيه، وذلكم أن أبا إبراهيم – عليه الصلاة وأفضل السلام – يُدعى تارح أو تارخ بالمُعجَمة وعلى هذا جمهور أهل النسب كما قال الحافظ ابن كثير ومنهم ابن عباس – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، وأما آزر فهو لقب له، اسمه تارح أو تارخ وآزر هو لقبه، على كل حال تارخ هذا أو تارح رزقه الله – تبارك وتعالى – ثلاثة من البنين الذكور، إبراهيم وهاران وناحور، فأما هاران فرزقه الله – تبارك وتعالى – لوطاً، ولوط ينصرف ولا ينصرف، يجوز فيه الوجهان، رزقه الله – تبارك وتعالى – لوطاً، ولما كان من شأن خليل الرحمن – صلوات ربي وتسليماته عليه – ما كان مع نمروذ حين قذفوه في النار وأنجاه الله – تبارك وتعالى – منها فجعلها عليه بَرْدًا وَسَلَامًا ۩ قرَّر الخليل – عليه الصلاة وأفضل السلام – أن يُهاجِر من تلكم الأراضين، من أرض بابل، ولم يُؤمِن له ولم يُؤمِن معه من الرجال إلا لوط، وزوجته التي هي بنت عمه هاران، وليس أخيه، هاران أخوه، وهاران عمه، للأسف في كتاب اليهود – أي في التوراة – يدّعون أنه تزوَّج ابنة أخيه، أي ابنة أخيه هاران، لأن الاسم واحد، وهذا غلط كبير، وادّعوا أن ذلك كان جائزاً في شريعتهم، حتى لو كان جائزاً بعيد جداً من نبي الله إبراهيم أن يتزوَّج ابنة أخيه، حتى وإن كان ذلك جائزاً! وإنما هي ابنة عمه هاران، هاران أخوه، وأيضاً هاران هو أخو أبيه آزر أو تارخ، سارة – عليها الصلاة وأفضل السلام -، أما من الرجال فلم يُؤمِن له إلا لوط، فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ – كما في سورة العنكبوت – وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ۩، فهاجر ثلاثتهم – إبراهيم وسارة ولوط – وحلوا بالأرض المُقدَّسة، ولم يطل مُكثهم بها إلا ريثما تحوَّلوا إلى أرض مصر، وفي مصر وقعت لسارة ولإبراهيم الكائنة المشهورة مع جبّارها، مع جبّار مصر، ثم أخلى سبيلهم وسرَّحهم مُهدياً هاجر – عليها السلام – لسارة، فرجعوا بهاجر وبأموال جزيلة طائلة، من النعم وسواها، فلما عادوا إلى أرض فلسطين – إلى الأرض المُقدَّسة التي بارك الله فيها للعالمين – أمر إبراهيم – عليه الصلاة وأفضل السلام – ولعله أمر عن أمر الله – سُبحانه – بالآتي، أمر إبراهيم – عليه الصلاة وأفضل السلام – ابنه أخيه لوطاً أن يسير بماله ومواشيه إلى منطقة تُدعى زُغَر، هكذا في التوراة وفي كُتب التاريخ، أو تُعرَف أيضاً بغور زغر، وغور زغر هي زُغَر نفسها، أمره أن يسير إليها.
وهناك وقريباً من زُغَر كانت تُوجَد قرية هي أم تلكم القُرى، لها قُرى تابعة، هي خمس قُرى، هي أمها ومركزها وأكبرها وأغناها، وهي أرض أو قرية أو مدينة سدوم، وكلمة قرية في الكتاب المُقدَّس وفي كتاب الله العزيز – القرآن الكريم – بمعنى مدينة، نعم! هذه سدوم، كانت تتبعها وتلتحق بها خمس وقيل ست قُرى أُخرى، بمُعتمَلاتها وأراضيها ومزارعها، هي أكبرها وأغناها، ولكنهم كانوا – والعياذ بالله، خاصة أهل سدوم وعمورة – من أسوأ الناس سيرةً وسريرةً، ومن أكثر خلق الله ومن أوغلهم في الفواحش والمعاصي والعدوان، وقد ذكر الله – تبارك وتعالى – في كتابه العزيز من جرائمهم وكبائر ذنوبهم قطعهم السبيل، فقد كانوا يقطعون الطريق على السابلة، كانوا يقطعون الطريق على السابلة! وكانوا أيضاً – والعياذ بالله – يستعلنون بالفواحش، ومن أفحش وأردأ وأسوأ ما وقعوا فيه افتجارهم لفاحشة ما سبقهم بها من أحد من العالمين، بنص كتاب الله – تبارك وتعالى -، وهي إتيان الذكور – والعياذ بالله -، يتركون النساء الطيبات اللاتي خلقهن الله – تبارك وتعالى – لهم، ويرغبون إلى الذكور – والعياذ بالله -، وهم أول قوم أتوا هذه الفاحشة المشينة.
ويُعجِبني أو يُثير عجبي حرص بعض الذين نكَّس الله عقولهم وقلوبهم للأسف من العرب الذين يدّعون أيضاً أنهم مُسلِمون، حرصهم الشديد على إثبات أن هذه الفاحشة كانت موجودة قبل هذا التاريخ، ولم أجد إشارةً في أي مرجع تاريخي موثوق في دائرة اطلاعي البسيطة – لم أجد إشارة واضحة جداً أو واضحة – إلى أن هذه الفاحشة كانت موجودة من قبل، هم يزعمون أن ملحمة جلجامش Gilgamesh تُشير إلى ذلك، قرأت هذا ولم أجده أبداً، هناك إشارة خفية لا يُمكِن أن يُفهَم منها ذلك، لكنهم حريصون على أن يُناكِدوا وأن يُناقِضوا الكتاب العزيز، وسيُثبِت بالحتم والقطع والحري واليقين البحث التاريخي – إن شاء الله – في يوم من الأيام أن هؤلاء القوم على ما نص كتاب الله، كانوا هم الذين افتجروا هذه الفاحشة – والعياذ بالله تبارك وتعالى -، مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ۩.
في كُتب الأدب العبري تُحكى حكاية – والعياذ بالله – تُصوِّر مبلغ هؤلاء أو مبلغ ما وصله هؤلاء في الفساد وقطع السبيل وإلحاق الأذى والضر بخلق الله – تبارك وتعالى -، كان التاجر إذا مر بقُراهم أو ببلادهم يتناوشونه من كل أوب، ويأتونه من كل حدب وصوب، هذا يأخذ قطعة، وهذا يأخذ سلعة، وهذا يأخذ شيئاً، حتى يُجرِّدوه، فيغدو بلا شيئ، فإذا جلس المسكين يندب حظه ويجأر بالشكوى أتاه أحدهم، يقول له أكل هذا من أجل هذه السلعة البسيطة؟ دونكها، خُذها لك، فيقول وماذا أفعل بها؟ اذهب بها، فلن تُغني عني شيئاً، وقد ذهبت بضاعتي كلها، فيقول حسن، ثم يأتيه الثاني، فيرغب أيضاً فيما يرده إليه لزهادته، يقول خُذها، دونكها، يقول لا، لا أُريدها، ما هذا؟ لا تُساوي شيئاً، وهكذا يأتونه واحداً إثر واحد، حتى يتجرَّد الرجل من كل بضاعته حقاً وييأس، خبثاء! شيئ من الخُبث، بل بلغ من خبثهم ويحكي ويروي هذا الكتاب من كُتب الأدب العبري أن سارة – عليها الصلاة وأفضل السلام – قد بعثت لعازر وهو كبير عبيد إبراهيم – عليه الصلاة وأفضل السلام وعلى رسولنا وآل كلٍ وأصحابه أجمعين -ليأتيها بخبر سلامة لوط، بعثت لعازر كبير عبيد أو رقيق إبراهيم ليأتيها بخبر سلامة لوط – عليه الصلاة وأفضل السلام – وهو أيضاً قريبها، كما بيَّنت لكم أيضاً هو قريبها، لكن ليس أخاها كما تقول التوراة، هذا باطل من القول وزور، فذهب لعازر، فلما أتى وقدم إلى هذه المدينة المُسرِفة – أي سدوم – لقيه أحدهم، فضربه بحجر في رأسه فشجه، فأسأل منه دماً كثيراً، وجعل هذا المسكين – أي لعازر – يمسح الدم، ثم أقبل عليه مرة أُخرى، وقال له لابد ان تنقدني أجر ما ضربتك بالحجر، لابد! لابد أن تُعطيني أجري، قال لماذا؟ قال لأنه لو بقيَ هذا الدم في رأسك يُؤذيك، فأنا تفضَّلت عليك حين شججتك بهذا الحجر، فانقدني أجري، فاختصما خصومة كبيرة، حتى صارا إلى القاضي، أي صار أمرهم أن وصلا إلى القاضي، انظروا بما حكم هذا القاضي الذي ذكره المعري في شعره، حُكم سدوم، المعري يُعرِّض بحُكم سدوم، ولم يفهم الناس لماذا، المعري كان واسع الاطلاع جداً، لأنه يعلم أن هذه طريقتهم في القضاء، فحكم قاضي سدوم – والعياذ بالله – على لعازر أن ينقد السدومي أجره، لابد أن تُعطيه أجره، مُنتهى الظلم، مُنتهى الإسراف، ومُنتهى الفساد.
المُهِم حل لوط – عليه الصلاة وأفضل السلام – بين هؤلاء في البداية ضيفاً، ثم لما طال مُكثه قليلاً أصهر إليهم، تزوَّج امرأةً منهم، وبئس المرأة كانت، بئس المرأة كانت حتى هلكت، وهي من أسوأ خلق الله، وسيأتيكم خبرها – إن شاء الله – في إبانه، أصهر إليهم أي تزوَّج منهم، وكان لوط – وهو نبي الله، عليه الصلاة وأفضل السلام – يأمرهم، وينهاهم، ويعظهم، ويقول لهم قولاً بليغاً في أنفسهم وفيما يأتون من معاصي الله ومساخطه، لكنهم لا يرعوون ولا ينزعون عما هم فيه من الشر والخبائث والفواحش والمناكر – والعياذ بالله تبارك وتعالى -، حتى تأذَّن الله – تبارك وتعالى – أن يضع نهايةً لهذه القرية أو لهذه القُرى الظالمة، نهاية عجيبة جداً، هي آية من آيات الله إلى يوم الناس هذا، ومن هنا تتكرَّر هذه القصة كثيراً في كتاب الله – تبارك وتعالى -، وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً ۩، آية إلى اليوم، وسوف يأتيكم خبرها – إن شاء الله – في الخُطبة الثانية.
إبراهيم – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان غير بعيد، كان في الأرض المُقدَّسة، غير بعيد من هذه القُرى الظالمة، وابن أخيه، فهذه القُرى كانت في أقصى جنوب البحر الميت، وإلى الآن طبعاً آثارها موجودة، إبراهيم كان يعمل في مزرعته، فإذا بثلاثة رجال صُبحاء، لم ير أجمل منهم ولا أصبح منهم ولا أنور من وجوههم، وقد نزلوا عليه ضيوفاً، وكان – عليه الصلاة وأفضل السلام – مضيافاً، يُحِب الضيوف كثيراً، لا يكاد يأكل وحده البتة، فنزلوا عليه ضيوفاً فضافهم، أسرع مُباشَرةً، فَمَا لَبِثَ – في إشارة إلى السرعة، مُباشَرةً! كريم، يُحِب هذا الشيئ – أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ۩، عجل! ليس شاةً أو خروفاً، إنما هو عجل حنيذ، صلاه على النار، حتى تغيَّر لونه وصار أحمر، هذا معنى قوله حَنِيذٍ ۩، مصلٍ ضارب لونه إلى الحُمرة، لأنه صلاه، وهذا من أطيب الطعام، إلى الآن معروف الشواء وهو من أطيب الطعام عند أكثر الشعوب كما قال كلود ليفي شتراوس Claude Lévi-Strauss صاحب البنيوية، هذا من أُسس تفسيره للمعنى البنيوي في المطعومات عند الشعوب، أي شتراوس Strauss الفرنسي، الشواء بالذات من أطيب الطعام ومن أشهاه، على كل حال فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ۩، إلا أن أيديهم لم تقربه ولم تصل إليه، في التوراة أنهم أكلوا وشربوا وشبعوا مع الزُبد أيضاً، الملائكة تأكل! كلام فارغ، تقرأون القصة مُحرَّفة جداً في التوراة للأسف الشديد، في مُنتهى التحريف، في سفر التكوين، على كل حال في القرآن لا يُوجَد هذا، لم يأكلوا، ومن هنا وقع في نفسه التوجس والخوف، وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۩، لماذا؟ لماذا لم يُصيبوا من طعامي؟ لعلهم يُريدوني بسوء، فتساءل لماذا لم تأكلوا؟ فأخبروه بحقيقة الأمر، وأنهم ملائكة الله، جبريل وميكائيل وإسرافيل، الملائكة الثلاثة الأعظم والأقوى والأكبر – عليهم صلوات ربي وتسليماته أجمعين -، جبريل وميكائيل وإسرافيل في أشكال بشرية جميلة صبوحة بهية.
لماذا أتيتم؟ قالوا أتينا لكي نُدمِّر قُرى لوط، سدوم والقُرى المُحيطة بها، وهنا إبراهيم كان شفوقاً وكان وافر الرحمة، كان وافر الرحمة وحليماً، فاستأنى عليهم، أي استأنى على قوم لوط، لوفور رحمته وشفقته – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وأكثر أيضاً ما أفزعه وأخافه أن يهلك لوط معهم، فيروي سعيد بن جُبير وقتادة بن دعامة السدوسي ومحمد بن إسحاق – رحمة الله تعالى عليهم – والإمام السُدي، يروون جميعهم أن إبراهيم – عليه الصلاة وأفضل السلام – قال لهم لو كان في هذه القرية ثلاثمائة مُؤمِن، أكنتم تُهلِكونها؟ قالوا لا، قال لو كان فيها مائتا مُؤمِن، أكنتم تُهلِكونها؟ قالوا لا، قال لو كان فيها أربعون مُؤمِناً، أكنتم تُهلِكنوها؟ قالوا لا، قال لو كان فيها أربعة عشر مُؤمِناً، أكنتم تُهلِكونها؟ قالوا لا، قال أرأيتم لو وُجِد فيها مُؤمِن واحد يُوحِّد الله ويعبده، أكنتم تُهلِكونها؟ قالوا لا، قال فإن فيها لوطاً، أسلوب استدراج، يستدرجهم! قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ ۩، كما قال الله – تبارك وتعالى -، لَا تَخَفْ ۩، إذا كان خوفك لأجل لوط فنحن نعلم أن لوطاً فيها، وقد حُتِّم الأمر وحُمَّ القضاء، وهو من الناجين، لكنهم جميعاً لابد أنهم صائرون إلى الهلاك القريب، وجعل يُناقِشهم.
وقد كانوا تقدَّموا إليه بالبُشرى، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ ۩، الرَّوْعُ ۩ لماذا؟ ارتاعوا لأنهم لم تصل أيديهم إلى الطعام، لم تصل أيديهم إلى الطعام فارتاع وخاف، وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۩، بشَّروا بعد ذلك، بشَّروا بماذا؟ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ۩، بشَّروه بإسحاق، قيل وقد كان جاوز التسعين، وقيل جاوز المائة، وقيل كان في المائة والعشرين من عُمره، وزوجه في التسعين، كيف؟ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ ۩، أي سارة – عليها السلام -، فَضَحِكَتْ ۩، التوراة تقول ضحكت ضحكاً حقيقياً كالمُستهزئة، وأما عُظم أو مُعظَم المُفسِّرين فيقولون فَضَحِكَتْ ۩ كناية عن سيلان دم الحيض، طرقها الحيض، في التسعين! فَضَحِكَتْ ۩، ومن هنا فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ۩، كما في الذاريات، أي لطمت، لأن هذه فضيحة، أيأتيها الحيض وتحبل وتلد في هذه السن؟ فضيحة بين الناس بلا شك، فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ۩، قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ ۩، وقد كانت عاقراً، لم تُنجِب أصلاً هي، أول خلفها هو إسحاق – عليه السلام -، ولم تُنجِب من قبل، في ثمانين سنة لم تُنجِب، كانت عاقراً، قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ ۩، وافضيحتاه، يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ۩، منصوبة على الحالية، إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ۩ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۩، لا إله إلا الله! كل شيئ بيده، رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ۩، ومَن كان في البيت؟ فقط إبراهيم وسارة، هؤلاء هم أهل البيت، رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ۩، أيقن بالبُشرى! فبعد أن جاءته البُشرى ظل يُجادِل في قوم لوط، لوفور شفقته وعظم رحمته – عليه الصلاة وأفضل السلام – يستأني عليهم، يستأني عليهم، يُريد إمهالهم، يُريد إعطاءهم فُرصة جديدة، فُرصة أُخرى، نبي عظيم – عليه الصلاة وأفضل السلام -، خليل الرحمن، وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ۩.
يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ۩، اترك النقاش والجدال في هذا الموضوع، فقد حُمَّ القضاء، هذا معنى الآية، أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ۩ وخُذ في غيره، خُذ في غيره، تكلَّم في أي موضوع غيره، إلا في هذا الموضوع، لماذا؟ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ۩، نسأل الله أن يُرينا عذاباً لا يُرَد وأمراً عظيماً يُفرِح قلوب المُؤمِنين في كل أعداء هذه الأمة قريباً غير بعيد، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وليس بأحد بمُعجِز له – سُبحانه وتعالى -، إي والله! إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۩، هنا لم يُدمَّروا بأيدي المُؤمِنين، دُمِّروا بقدر الله الحام، بقوة الله – سُبحانه وتعالى -، نعم! لأن أهل الله من أمثال إبراهيم ومن أمثال لوط قد أدوا ما عليهم، وأعذروا إلى الله – تبارك وتعالى -، فتأذَّن الله أن ينتقم لهم، وأن ينتقم أيضاً لماذا؟ للقيم، للدين، للعبادة، للتوحيد، وللأخلاق.
حين قرأت هذه القصة خطر على بالي أن القرآن يُعطينا عبرة وأي عبرة! لا محلية للقيم والأخلاق والمُثل، للأسف الآن ما هو شائع في التفكير الحديث أن القضايا كلها نسبية، كل شيئ يُمكِن أن يكون نسبياً، وخاصة القضايا الأخلاقية للأسف الشديد، القرآن يقول هذا كلام فارغ، هذه تسويلات نفسانية، وتلبيسات إبليسية، الحق حق والباطل باطل، العدل عدل والظلم ظلم، الفاحشة فاحشة وستبقى فاحشة، وكذلك الحال مع العفة والطهارة والكرم، ستبقى كل هذه المُثل كما هي، لا يُمكِن غير ذلك، ولذلك لوط من أرض العراق، وجاء ليُبشِّر بالقيم والمُثل والعبادة والألوهة بأرض فلسطين، هكذا! لا يُمكِن غير هذا، لا تقولوا هذا ليس منا، ليس فلسطينياً، التوراة نطقت بهذا المنطق العنصري، لما رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ ۩ – وسيأتي هذا في وقته – قالوا هذا رجل جاء يتغرَّب، فما باله يتصرَّف كحاكم؟ هكذا تقول التوراة على لسان قوم لوط، هذا منطق قوم لوط، الذين يُؤمِنون بأن لهم قيماً خاصةً تخصهم، وهي قيم إيجابية وجيدة في حدود مُعتمَلاتهم ومُدنهم وقُراهم، هذا كلام فارغ! ولذلك هم أنكروا على لوط أنه يأمرهم بالطهر والعفة، وكان جزاؤه أن هموا بإخراجه ومَن وافقه، أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۩، لماذا؟ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ۩، هذه جريرتهم، هذا ذنبهم، الذي اقترفوه أنهم يَتَطَهَّرُونَ ۩، وهنا الطهارة لا مكان لها، تماماً كالحضارة الغربية المُعاصِرة، هناك عُقد نفسية، اعرض نفسك على طبيب نفساني، الفتاة إذا كانت لا تزال بكراً فهي مُعقَّدة، لابد أن تعرض نفسها على طبيب، الشاب إذا لم يفعل الفاحشة ولا يتعاطاها فهو مُعقَّد، لابد أن يعرض نفسه على مُحلِّل نفسي، نفس قوم لوط، نفس المنطق – والعياذ بالله -، القرآن يبرأ من هذا المنطق، إن هناك عالمية للقيم والمُثل والأخلاق، وينبغي على أصحاب العقول والألباب والحجى والقلوب الطاهرة والنظر السديد الرشيد أن يُبشِّروا بها في كل آن وأين، في كل مكان، وفي كل زمان، هكذا على كل حال!
المُهِم قالوا لقد حُمَّ القضاء ولا مجال يا إبراهيم، خُذ في غير هذا الأمر، وأيقن إبراهيم أن لوطاً من الناجين، أيقن أن لوطاً سيكون من الناجين – إن شاء الله تبارك وتعالى -، فأفرخ روعه قليلاً، ثم انطلقوا من عند إبراهيم مساءً، مساءً أي ربما بعد صلاة العصر، قُريب المغرب، انطلقوا من عنده، في رواية عن قتادة أيضاً أن لوطاً – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان يعمل أيضاً في أرض له، في مزرعة يستصلحها، فأتوا، فلما رأى جمال وجوههم وصباحتهم وملاحتهم خشيَ أن يُضيفهم، وهو كعمه أيضاً يُحِب أن يُضيف لكن هؤلاء مُصيبة الآن، وقد نهاه قومه من قبل عن الضيفان، قالوا له لا تضف أحداً من الناس، إذا أردت ألا تقع في مُشكِلة معنا فلا تسمح بأن ينزل عليك أحدٌ من الناس ضيفاً، لا تضف أحداً من الخلق، وخل الضيوف إلينا – لعنة الله عليهم -، طبعاً أي رجل مسكين يأتي يغلبونه على نفسه، يفحشون به رغماً عنه – والعياذ بالله -، مُجرِمون! فنهوه، قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ ۩، قالوا له نحن نهيناك، أنت الذي أذنبت، لماذا؟ لماذا رضيت أن يقعوا عليك أضيافاً؟ لماذا ضفتهم؟ طبعاً ضافه وليس أضافه، ضافه أو ضيَّفه، لماذا ضفتهم؟ أنت المُذنِب يا لوط.
المُهِم فلوط أدرك أنه سيكون أمر عصيب، أمر شديد، يقول قتادة فجعل يمشي أمامهم، ويُعرِّض لهم بالحديث، يقول والله يا هؤلاء ما علمت ولا أعلم في هذه البلاد قوماً أخبث وشر من هؤلاء، أي أحسن شيئ أن تخرجوا من هذه القرية، عرَّض لهم أربع مرات، وهم كأنهم لا يفهمون، هم ملائكة، هم قضاء الله، ولا يعرف أنهم ملائكة، قضاء الله الذي جاء ليكون الفُرصة الأخيرة لقوم لوط، كانوا آخر فُرصة، لكنهم لم يهتبلوها على الوجه السليم، بالعكس! أوبقوا أنفسهم في الدنيا والآخرة.
المُهِم فأبوا إلا أن ينزلوا عليه ضيوفاً، فنزلوا! ولم يدر أحد بهذا الأمر إلا ما كان من امرأته، وبئس عجوز السوء كانت – والعياذ بالله -، فإن هواها وقلبها وميلها كان مع قومها، فخرجت خلسةً لائذةً وأخبرت قومها، قالت هيا، لقد جاء ضيوف أو ضيفان عند زوجي لوط، ما رأيت أجمل ولا أصبح منهم، لعنة الله عليها وعليهم، أي عليها وعلى قومها، فجاءوا مُباشَرةً يُهرَعون، وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۩، أي مع ما لهم – مع ما لهم من الفواحش السابقة والمناكر الغليظة في سابق وسالف أيامهم – جاءوا الآن ليختموا بشر خاتمة، ليُراودوا نبي الله، أول مرة طبعاً يُراود نبي الله عن ضيوفه، لأنه نبي الله – تبارك وتعالى -، ليس شخصاً عادياً، وهم يعلمون أنه من أنبياء الله، لكن لا يستمعون إليه، ولا يأخذون بقوله، فجاءوا مُباشَرةً وجعلوا يضربون الباب، ولوط لا يفتح لهم، يقول لهم انصرفوا، قالوا لقد سمعنا بأن ضيوفاً نزلوا عندك، افتح يا لوط، قال لا، لن أفتح لكم، وجعلوا يُحاوِلون خلع الباب أو كسره بقوة، كانوا جماعة طبعاً، يتقدَّمهم ثلاثة من كبرائهم، قال لن أفتح الباب إليكم، ولوط إلى الآن لا يعلم أنهم ملائكة وهو في شدة وكرب عظيمين، وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ۩، هذا يوم شديد جداً، ولا يعلم أنهم ملائكة الله، إلى الآن لا يعلم أنهم ملائكة الله – سُبحانه وتعالى -.
فتحزَّن المسكين، قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ۩، والجواب محذوف، أي لنكَّلت بكم ولأنزلت بكم عقاباً شديداً، هنا لما قال هذه الكلمة قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ ۩، الله أكبر! لَا تَخَفْ ۩، لَا تَخَفْ ۩ وليفرخن روعك، إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ ۩، نحن ملائكة، لسنا بشراً، وعلم أنهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، لا إله إلا الله!
يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – في الحديث وهو حديث صحيح، يقول ورحم الله أخي لوطاً، لقد كان يأوي إلى رُكن شديد، قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ۩، وهو الله – تبارك وتعالى -، كان يأوي إلى رُكن شديد، وهنا قد روى الإمام الترمذي في سُننه عن أبي هُريرة، قال قال – صلى الله عليه وسلم – حين قال لوط هذه الجُملة لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ۩ لقد أوى إلى رُكن شديد، ومن أجل ذلك لم يبعث الله بعده نبياً إلا في ثروة من قومه، أي في منعة من قومه، بعد لوط ما أرسل الله نبياً إلا أرسله في منعة من قومه، حتى لا يُستضعَف وحتى لا يصير ويقع له ما وقع للوط – عليه الصلاة وأفضل السلام -، هكذا قال – عليه الصلاة وأفضل السلام -.
قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ ۩، وهنا أعطوه الأوامر، فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ ۩، بعد أن يمضي وهن أو موهن من الليل وبعد أن تمضي طائفة من الليل اخرج، اخرج من هذه القرية، لا إله إلا الله! لماذا؟ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ ۩، وهنا اختُلِف في هذا الاستثناء، هل هو استثناء من المُثبَت؟ أي اخرج أنت وأهلك امْرَأَتَكَ ۩، أي فلا تخرج معك، غير مسموح، ثم قال وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ ۩، هل هي مُستثناة من شبه النفي؟ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ۩ شبه نفي، هذا يُسمى شبه النفي، ويجوز فيه الوجهان في النحو العربي، أن يكون المُستثنى على البدلية، إن منصوباً، إن مرفوعاً، إن ومجروراً، ما من مُشكِلة، ويجوز أن يُنصَب على الاستثناء، ولذلك قرأ أبو عمرو البِصري – أي قرأ البِصري – وابن كثير إلا امرأتكُ، ولا يتفت منكم أحد إلا امرأتكُ، وهي قراءة سبعية كما تعلمون، البِصري وابن كثير، والبقية قرأوا إِلاَّ امْرَأَتَكَ ۩، على كل حال والأول أرجح، أن الاستثناء من ماذا؟ أن الاستثناء من المُثبَت، أي سر بأهلك إِلاَّ امْرَأَتَكَ ۩، فلا تسر بها، غير مسموح أن تخرج معك، على كل حال الله أعلم.
قالوا له ذلك، لماذا؟ قالوا له إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۩، موعد هلاكهم والتدمير عليهم مع الصباح – والعياذ بالله -، فقال أليس أدنى من ذلك؟ قالوا له أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ۩، هذا معنى الآية، هذا معنى أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ۩، لأن لوطاً – هنا يُوجَد محذوف – قال لهم أليس أدنى؟ ألا يُوجَد ما هو أبكر من هذا؟ طبعاً قلبه ملئ كما يُقال عليهم، وهنا تظهر مزية مَن؟ إبراهيم – عليه الصلاة وأفضل السلام -، إبراهيم أوفر شفقةً وأعظم رحمةً، خليل الرحمن! لا يُوجَد مَن هو أعظم شفقةً إلا نبينا محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام -، كان أعظم شفقةً من إبراهيم نفسه، محمد أعظم شفقةً من إبراهيم، وأعظم شفقةً من الجميع رب العالمين – تبارك وتعالى -، أعظم من محمد ومن إبراهيم ومن الجميع بخلقه، ولكن لكل شيئ حسابه، وكل شيئ في موضعه، وهنا موضع الهلاك والعقوبة.
قالوا أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ۩، الصبح قريب جداً، وهنا هم يُحاوِلون فتح الباب، فخرج جبريل، فخفقهم بجناحه خفقةً على وجوههم، فطُمست أعينهم، وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ ۩، عموا جميعاً، هكذا قال الله في سورة القمر – سُبحانه وتعالى -، خرج جبريل هكذا، فتح الباب وبطرف جناحه خفقهم على وجوههم خفقةً، فانطمست أعينهم بالكامل، فخرجوا يلوذون ويتحسَّسون الحيطان، وقالوا سنرجع إليك يا لوط الصُبح، والصُبح موعدهم، يتوعَّدونه الصباح، سنرجع يا لوط الصُبح، أي مع الصُبح، والصُبح – وهم لا يعلمون – موعدهم.
كم – سُبحان الله – هذه الآيات حين نتلوها تفتح آفاقاً من التأميل في رحمة الله، من التأميل في نُصرة الله! والله في قلبي شيئ أُحِب أن أقوله لكم – إن شاء الله تبارك وتعالى -، والله!
أيها الإخوة:
أصبحت كالمُوقِن – بحمد الله تبارك وتعالى – أن نصر الله قريب لهذه الأمة، نصر الله – إن شاء الله تبارك وتعالى – قريب لهذه الأمة، لأن هذه الأمة أثبتت – ولله الحمد والمنّة – رُغم كل ما قيل ويُقال أنها خير الأمم وأفضل الأمم وأشرف الأمم وأولى الأمم بالله، هل على وجه الأرض أمة تُوحِّد الله كهذه الأمة، تعبده كهذه الأمة، تبكي من خشيته كهذه الأمة، تقوم له رمضان كهذه الأمة، تقرأ كلامه وتُحافِظ عليه كهذه الأمة؟ مُستحيل! لا يُوجَد أمة على وجه الأرض مثلها، هل على وجه الأرض أمة تُجاهِد وتُناضِل وتُقدِّم الدماء والأطفال والنفس والنفيس كهذه الأمة في العراق وفي فلسطين وفي أفغانستان وفي كل الأرجاء وفي كل الأسقاع وفي أربعة أطراف الدنيا؟ لا، هي أجدر الأمم – بإذن الله – بالنصر، لماذا أقول هذا؟ لأنني لاحظت شيئاً في شهر رمضان المُبارَك، وهو من أبرك رمضان صُمته في حياتي، وأرجو أن يكون حالكم جميعاً كذلك، وقد حدَّثني غير واحد من إخواني العلماء الأفاضل، قال نعم، لقد كان أبرك رمضان في حياتي، ولله الحمد والمنّة، ونسأل الله حُسن القبول وسريع الوصول – إن شاء الله تبارك وتعالى -.
لقد لاحظت علامةً بل أكثر من علامة على ليلة القدر، ورأيناها كأنها كانت واضحة جداً جداً جداً، وله الحمد والمنّة، وأعطى الله عباده الصالحين ما أعطى، العجيب أنني رأيت من إخواني وأخواتي في الله – سُبحانه وتعالى – العشرات، مَن أحسوا بنفس الإحساس وعرفوا الليلة، قالوا كانت ليلة كذا وكذا، لماذا؟ قالوا أحسسنا بكذا وكذا، أنت أيضاً؟ أنت؟ أنت؟ أنت؟ أنت؟ أنت؟ وأنت؟ عشرات! حتى الإخوة الأتراك وحتى الأخوات التركيات سألتهم، قلت لهم ليلة أمس كانت ليلة السابع والعشرين – عند الأتراك معروفة هي، ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرون – أصليتم؟ قالوا نعم، صلينا وقمنا وسهرنا إلى الفجر، قلت لهم أكنت ليلة القدر؟ قالوا لا يا أستاذ، لا نشعر أبداً بهذا، قلت لهم أي ليلة تظنون؟ قالوا ليلة كذا وكذا، قلت الله أكبر! حتى أنتم؟ قالوا نعم، كانت واضحة.
تفكَّرت وتأثَّرت جداً، ما الذي يحدث؟ ما الذي حصل؟ حين تتأذَّن رحمة الله – تبارك وتعالى – أن تُشعِر هذه الأمة المئات وربما الملايين منها بعلامة هذه الليلة المُبارَكة التي هي خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ۩ فهذه – بإذن الله، هكذا فهمتها، إن شاء الله أكون مُسدَّداً في فهمي – إشارة من رب العالمين – لا إله إلا هو – أن رحمة الله تأذَّنت بالنزول على هذه الأمة في مجموعها – إن شاء الله تعالى -، وإلا كل سنة من عباد الصالحين مَن يُوافي ليلة القدر وتُوافيه، ويدعو الله ويرى الأنوار ويأخذ من الأسرار الكثير، كل سنة! لا يُخلي الله عباده من هؤلاء، لكن أن يُطلِع الله عليها الآلاف وربما الملايين من الناس وأن يشعروا بنفس المشاعر وأن يُحِسوا بنفس العلائم والشارات فهذه إشارة من الله أن رحمته تأذَّنت بأن تعم هذه الأمة.
نسأل الله أن تعمنا هذه الرحمة، نسأل الله أن ينتقم لنا وأن ينتصر لنا وأن يثأر لدمائنا وشهدائنا وأعراضنا ومُقدَّساتنا، وإنه فاعل ذلك – إن شاء الله تبارك وتعالى -.
أيها الإخوة:
لماذا نُزري دائماً على أنفسنا؟ والله في رمضان ذكرت هذا، وهذا شيئ عجيب، العرب هنا في فيينا مُستحيل أنهم يزيدون عن ستة آلاف أو خمسة آلاف، لأنهم في النمسا كلها تسعة عشر ألفاً، فقط في النمسا! إذن خمسة آلاف عربي، كم يُصلي منهم؟ ربما أكثر من ثمانين في المائة، في مسجد كهذا يُصلي ستمائة أو سبعمائة، كم يُصلي في المساجد الأُخرى؟ في المركز، في الهداية، في التوحيد، وفي ابن تيمية كم يُصلي من العرب؟ آلاف، آلاف يُصلون، إذا كانوا خمسة آلاف فيُصلي منهم ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف، هناك تدين، هناك صحوة، هناك عود إلى الله، إذن هذه الأمة أقبلت على ربها بحمد الله، عادت إلى دينها، فسيعود الله عليها ويُقبِل عليها – بإذن الله – بالرحمة والنصر والتأييد ما استقامت على ذلك، فله الحمد والمنّة، الحمد لله نحن في خير كثير.
المُهِم فطمس أعينهم، وعادوا يلوذون بالحيطان، وعند الصُبح كانت الساعة، طبعاً سار لوط – عليه السلام – بعد أن مضى موهن أو وهن من الليل، وسارت معه ابنتاه، وقيل كان له أنسباء، أي أصهار تزوَّجوا بناتاً، فساروا معه أيضاً، بعد أن استبعدوا أن يقع العذاب، أما امرأته فلم تسر في رواية، وفي رواية سارت، المُهِم خرجوا جميعاً، الله قال للوط – عليه السلام – وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ ۩، ما معنى وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ ۩؟ وسر خلفهم، خلهم يسبقونك، وسر أنت خلفهم، لماذا؟ ليكون أدعى لعدم الالتفات، لئلا يلتفت، والله قال وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ۩، لا إله إلا الله! شيئ مُخيف، لماذا؟ قال ستسمعون وجبة، في البداية ستكون صيحة عظيمة مُنكَرة، إذا سمعتم الوجبة أو الصيحة فلا يلتفت منكم أحد، مَن يلتفت سيهلك، ممنوع أن تنظر إلى الخلف، وأنت يا لوط سر في أدبارهم، وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ۩، قال فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ ۩، قيل ستكون معكم وستلتفت، أي مُستثناة من ماذا؟ من شبه المنفي، أو إلا امرأتكُ، ويجوز فيه الوجهان، إِلاَّ امْرَأَتَكَ ۩ أو إلا امرأتكُ، لماذا؟ ولا يتلتف منكم أحدٌ إلا امرأتكُ على البدلية أو إِلاَّ امْرَأَتَكَ ۩ على الاستثناء، يجوز الوجهان نحوياً، وهي أيضاً قراءة كما قلنا وقدَّمنا.
على كل حال فخرجوا، وعند الصباح سمعوا الوجبة والصيح، في رواية أن امرأته خرجت التفتت، فدُمِغت بحجر من السماء مُباشَرةً، وهكذا عُذِّبوا – والعياذ بالله – بصيحة كانت في الأول ثم بالحجارة مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ۩، السجيل كلمة فارسية مُعرَّبة، وهو الطين الشديد الصُلب القاسي، لذلك في آية أُخرى قال مِّن طِينٍ ۩، حِجَارَةً مِّن طِينٍ ۩، هنا قال حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ۩، منضود أي مُتتابِع، وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ۩، أي مُتتابِع، يأتي بعضه وراء بعض، مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ ۩، ما معنى مُّسَوَّمَةً ۩؟ مُعلَّمة، قيل كان مكتوباً على كل حجر اسم الذي سيموت به، مُرسَلة إلى كل واحد، وقيل مُعلَّمة، الله أعلم! قد يكون هذا من المُبالَغات والله أعلم، فأصابها حجر فماتت من فورها، وبقيت في مكانها، فِي الْغَابِرِينَ ۩، أي في الباقين، غبر من أفعال الأضداد، بمعنى ماذا؟ بمعنى بقيَ وبمعنى انتهى وتصرَّم، كانت من الباقين في العذاب – والعياذ بالله تبارك وتعالى.
وهكذا انتهى هؤلاء جميعاً، ودمَّر الله عليهم بسوء أعمالهم، نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يعصم هذه الأمة وأن يحفظها وأن يعود بها إلى دينه وإلى رحابه عوداً حميداً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المُبارَكين المُنتجَبين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أيها الإخوة والأخوات:
بقيت بقية منزورة من قصة نبي الله لوط – عليه الصلاة وأفضل السلام -، نذكرها في مُقدِّمة هذه الخُطبة، وهذه البقية تتعلَّق بالجانب العلمي، بما تم اكتشافه، مما يدل على صحة ما أخبر به كتاب الله – سُبحانه وتعالى -.
فقبل سنتين – قبل سنتين بالضبط – قام الجيولوجي وعالم الآثار الإنجليزي الدكتور جراهام هاريس Graham Harris باكتشاف ما يُؤكِّد صحة ما ورد في الكُتب الإلهية، بصدد قصة سدوم وعمورة، حيث اكتشف هذا الباحث الإنجليزي الكبير كما نُشِر في الصحف والمجلات العلمية المُحكَّمة قبل سنتين، اكتشف أن طبيعة التُربة أو طبيعة الأرض في هذه المنطقة التي كانت مكان سدوم وعمورة طبيعة مُختلِفة، فتتكوَّن التربة من طبقتين تتحرَّكان حركتين مُتعاكِستين، وهذا يجعلها ذات قابلية للزلازل، إلى الآن التُربة هذه طبيعتها.
كما اكتشف هذا الباحث الإنجليزي أيضاً على شواطئ البحر الميت تحت في الأعماق كميات كبيرة من غاز الميثان المُشِع، القابلة للاشتعال السريع، وأيضاً وقع اكتشافه على حمم بركانية وطبقات بازلتية، مما يُؤكِّد أن هذه المنطقة تعرَّضت لانفجار بركاني ولزلزال أيضاً، وربما نستطيع أن نُفسِّر العقوبة التي حلت بهؤلاء القوم المُسرِفين المُفسِدين بأنها عقوبة مُزدوَجة، زلزال مع انفجار بركاني، أدى هذا الزلزال إلى انكسارات وانزلاقات، وربما وفق رأي الدكتور جراهام هاريس Graham Harris أدى أيضاً إلى إشعال طبقات الميثان المُشِع، مما تأدى بدوره إلى أن تنزلق هذه المُدن أو هذه القُرى في البحر، فهي الآن طبعاً في البحر، ليست في أماكنها، كلها أصبحت في البحر.
وهذا ربما يكون – والله تعالى أعلم – معنى قوله جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ۩، لا أنها قُلِبت كما في بعض الآثار وبعض الأشياء، ولم يصح عن رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – عن هذا، قيل إنها قُلِبت لأن جبريل أخذها على جناحه ثم قلبها، هذا شيئ عجيب، لكنه ليس بعيداً من قدرة الله، لكن جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ۩ أي جعلنا عالي المدينة أو عالي مساكن المدينة سافلها، أي سافل المدينة، إذا انزلقت تحت الأرض وأصبحت كلها تحت الأرض فقد صح أنه جعل عَالِيَهَا سَافِلَهَا ۩، نعم! هذه واحدة.
وهناك الانفجار البركاني، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ۩، قال وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ۩، فالبركان يقذف بالحمم ويقذف بأشياء كثيرة وتقع على رؤوسهم، وهذا ما يُفسِّر قوله وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ۩، والله – تبارك وتعالى – أعلم.
أود أن أُنبِّه إلى شيئ نقع فيه جميعاً، وهو أننا نُعبِّر عن هذه المقبحة وعن هذه الشناعة – والعياذ بالله – التي افتجرها هؤلاء القوم المُسرِفون باللواط، وهذا غير لائق، نسبةً إلى نبي الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، كيف نقول هذا؟ ما ورد عن رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن عمل عمل قوم لوط، فالشناعة ليست من لوط وحاشاه، نبي معصوم، وإنما شناعة قومه، لماذا نقول اللواط؟ هذا غير مُستحَب، ومُستهجَن جداً، ومشنوع، فيُمكِن أن نقول مَن عمل عمل قوم لوط وهذا يطول، والأحسن أن نقول كما قال الأجانب، الأجانب اهتدوا إلى ما هو خير من هذا، يقولون الــ Sodomy، الــ Sodomy بالإنجليزية معناها ما نُسميه نحن اللواط، يقولون الــ Sodomy، أي السدومية، الــ Sodomite أي اللوطي – والعياذ بالله – كما نقول نحن، فالأحسن أن نقول السدومي والسدومية لقباً هذه المقبحة ولهذه الشناعة، واحتراماً وحياطةً لجناب الكريم لوط – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فالأحسن أن نكف عن مثل هذا.
طبعاً تُوجَد آثار كثيرة عن بعض الصحابة والتابعين ويُستخدَم كثيراً، لكن ليس في كل ذلك حُجة، ليس في كل ذلك حُجة! فعلينا ألا نتساهل في هذه المسألة.
اللهم إنا نسألك أن تُعلِّمنا ما ينفعنا، وأن تنفعنا بما علَّمتنا، وأن تزيدنا علماً وفقهاً ورشداً.
اللهم زِدنا ولا تنقصنا، وأكرِمنا ولا تُهِنا، وأعطِنا ولا تحرمنا، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، اللهم خذِّل عنا ولا تخذلنا، اللهم ارض عنا وأرضنا يا رب العالمين.
اللهم إنا نستهديك لأرشد أمورنا، ونستعيذك من شر نفوسنا، اللهم اجعلنا هُداةً مُهتدين، غير ضالين ولا مُضِلين.
اللهم انصر الإسلام وأعِز المُسلِمين، وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين، إلهنا ومولانا رب العالمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.
(5/12/2003)
أضف تعليق