إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – تبارك وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ۩ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ۩ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا ۩ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا ۩ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا ۩ قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ۩ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ۩ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلا مَّسْحُورًا ۩ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ۩ تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا ۩ بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا ۩ إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ۩ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ۩ لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ۩ قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
نسيج إلهي مُعجِب ومُؤثِّر ومُتماسِك فيتجارى بعضه إلى تعزيز بعض وتصديق بعض وتأكيد بعض، إنه الفرقان، إنه القرآن العظيم الكريم العزيز المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
هذا المطلع من سورة الفرقان تجدون له أشباهاً ونظائر في طول القرآن الكريم دونما أدنى تفاوت ولنختبر سورة النور، فالفرقان هو القرآن الكريم والنور هو القرآن الكريم، قال الله وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ۩، واقرأوا سورة النور من أولها إلى أخرها وسوف تقفون على الحقيقة عينها.
هل شعر أحدٌ منا ونحن عربٌ لسنا بالأقحاح ولسنا بالصُرحاء – نحن عرب هُجناء على الأقل على مُستوى لغتنا التي نلوك ونتكلم حيث داخلتها هُجنةٌ كبيرة ورطانةٌ عجمية من قرون وقرون ومن ثم نحن عرب غير صُرحاء بل عرب هُجناء – أن هذا الكلام فيه رائحة أو فيه شوبٌ يُشَم منه رائحة العُجمة ورائحة الشيئ النشاذ الشاذ عن هذا النسيج العربي المُعجِب المُعجِز؟!
كلا، فيُمكِن أن تقرأوا – كما قلت – في عشرات بل في مئات المواضِع من كتاب الله – تبارك وتعالى – هذه الحقيقة الواضحة التي لا تضح على مُستوى السمع والتلقي والفهم فقط بل تضح أيضاً وتتعزز وتتأكد على مُستوى التحدي، فالقرآن لا يفتأ يتحدى بين الفينة والأخرى بأنه كتابٌ مُعجِز نزل بِلِسَاٍن عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ۩ وأنه لا عوج له، فهو يتحدى بهذا وهذا شيئ عجيب، ولو كان شيئٌ من عوج أو شيئٌ من عُجمة أو هُجنة قد لابسه أو شابه أو تأدى وتطرق إليه لكان ينبغي ألا يدفع في وجوه الأخصام بمثل هذا التحدى الجهير السافر، بل كان ينبغي أن يتراجع على استحياء ليستر ما تعلمون مما لم يخلقه الله ولم يُوجَد ولم يُنزِّله الله تبارك وتعالى، فلماذا لا يفتأ يتحدى كل حين بكونه كتاباً مُنزَّلاً بلسان العربي المُبين؟!
تحدٍ قام بالأمس ولا يزال قائماً إلى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، ولكن العجيب أن الذين يسمعون هذا القرآن ولا يسمعونه ويتلقونه ويخرون عليه صماً وعُمياناً مِن غير المُسلِمين لم يفقهوا هذه الحقيقة، وليس هذا بعجيب لأن هذا القرآن أيضاً أخبر عن نفسه أنه لا يزيد الظالمين ومُزدوَج الطبيعة إلا خساراً وهذا شيئ عجيب حيث قال وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً ۩، وبتالي عليك أن تأتيه بتواضع ناشد الحقيقة وطالب الحق ولن أقول أن تأتيه بنفسية مُؤمِن وإلا دخلنا في الدور منطقياً، فإن أتيته بهذه النفسية تلقيته من زاوية ومن منظور يختلف تماماً عن مَن يأتيه بنفسية مُكابِر وبنفسية مُغرِض وبنفسية مَن يُريد أن يُصوِّب إليه السهام ومن ثم لن يرى فيه شيئاً وسيعمى عنه وبالتالي سيزيده هذا الكتابُ ضلالاً وخسرانا، علماً بأن هذه طبيعة كل هداية، فالأنبياء أنفسهم كانوا كذلك بلا استثناء، فالله حين يبعث أي نبي لا يُستثنى أحداً، لا موسى ولا عيسى ولا محمد لأن كلهم في هذا القانونِ سواء، فالنبي يبعثه الله – تبارك وتعالى – فيهتدي به خلقٌ ويضل ويهلك به أقوام من البشر وبالتالي قد يقول مُتعجرِف أو مُتحيف قد كان خيراً لو لم يبعثه الله – تبارك وتعالى – لأنه حين بعثه أضل به أقواماً، وهذا غير صحيح لأن في الحقيقة ليست العلة فيه ولا في بعثته وتنبئته، العلة في هذه النفوس المُتكبِّرة المُتعجرِفة المُظلِمة التي لا تهوى النور وإنما تهوى الظلام، فهى نفوس تطرَّقت إليها وثنية التربب والتأله بالباطل – وكل تربب وتأله إنما هو باطلٌ محضٌ صرف – ومن ثم يستكبرون ويرى واحدهم نفسه كأنه مركز الوجود ومركز الحقائق فيضل ويهلك مع الهالكين والعياذ بالله تبارك وتعالى.
خُصماء أو أخصام القرآن العظيم عبر العصور لم يتركوه بل سددوا إليه ضربات كثيرة لكنها كانت ضربات مُتهافِتة سخيفة مُتحامِقة لم تنل منه شيئاً فلم يزداد مع الأيام والقرون إلا ثباتاً ورسوخاً وتجلياً وضياءاً، ومِن آخر هذه الضربات الضربات التي وجهها الاستشراق الجديد أو ما بعد الاستشراق، علماً بأنني لن أُحدِّثكم عن تفاصيل هذه المدرسة العجيبة غير العلمية بالمرة في مُعظم فرضياتها وطروحاتها أو أطاريحها، فهذه المدرسة الجديدة في الاستشراق تُشكِّك أصلاً في صدقية رسول الله التاريخية ويطيب لها أن تُقنِع نفسها وأن تُوهِم نفسها وتُوهِم مَن يسعد بأوهامها وتشكيكاتها أن محمداً لم يُخلَق ولم يُوجَد، فلم يكن ثمة شخص إسمه محمد وهذا شيئ عجيب كما لو كان ليس لدينا وثائق مكتوبة من المُعاصِرين لمحمد تُؤكِد وجوده، وكأن هذا هو سبيل التاريخ فقط على أن بعض هذه الوثائق موجودة ومع ذلك يكذبون ويدسون ويخفون الحقائق، وقد كشفهم بعض المُنصِفين من المُستشرِقين أنفسهم وهذا الشيئ يجب أن ننتبه إليه، فيُوجَد مُستشرِق فرنسي نبيل – على ما يبدو أنه فعلاً رجلٌ نبيل – قال “كل هذا كذب، وهذه صناعة غير أكاديمية وغير علمية، ولدينا وثائق تُثبِت وجود هذا الرجل”، لكن فيما وراء الوثائق تم تغييب تاريخ مُشتبِك ليس فقط من الأفكار والمذاهب والآراء بل مِن الأنساب ومن الدماء المُتواشجة، فماذا نفعل – مثلاً – بشخصيات مثل شخصيات الخلفاء الراشدين كأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وهم الأقرب على الإطلاق إلى محمد – صلى الله على محمد وآل محمد ورضيَ الله عن خُلفائه الراشدين – حيث أنهم هم الذين عقبوا محمداً وخلفوه في أمته؟!
قد يُقال “حتى هؤلاء يُمكِن التشكيك في وجودهم” وهذا شيئ عجيب، فماذا إذن عن التشكيك في أبنائهم وأبناء أبنائهم وأبناء أبناء أبنائهم ممَن تناسلوا وذرأ الله منهم المئات والألوف من البشر، فهم معروفون بأنسابهم وبسلاسل أنسابهم لأن العرب أمةٌ شديدة الحرص إلى الغاية على أنساب وسلسلة الأنساب؟!
ماذا نفعل بهذا كله؟!
ماذا نفعل بالبرديات كالبرديات المصرية – مثلاً – في العهد الإسلامي الأول التي ترقى إلى زمن الخليفة الراشد الثاني الفاروق عمر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – وهى مُؤرَخة من سنة عشرين للهجرة ولم يكشف عنها عربي مُسلِم بل كشفت عنها شخصية من أعظم الشخصيات الأكاديمية حول العالم التي حظيت بأجدرية وبثقة تامة في الأوساط الأكاديمية حول العالم بالذات في العالم الغربي وهى نابيا أبوت Nabia Abbott؟!
نابيا أبوت Nabia Abbott هى عالمة أمريكية من أصل شرقي في الإسلاميات وعالمة في البرديات والكتابات القديمة – Bibliography – وهى امرأة مسيحية وحُجة في بابها ومع ذلك قالت “يُوجَد برديات مكتوبة بالخط العربي المُتطوِّر تعود إلى سنة عشرين للهجرة، أي في زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب”.
إذن هذا عبث وحقد دفين ورغبة مرضية وليس بحثاُ علمياً، يُوجَد مرض نفسي وعقلي حقيقي، حيث عزَّ عليهم ألا يكون شأن محمد هو شأن السيد المسيح – عليه السلام – الذي هو في مأمن تماماً ولا يُمكِن النيل من صدقيته التاريخية بالنسبة لأي مُسلِم أو مُسلِمة، فلو أتى مسلم ليُشكِك في الصدقية التاريخية – Historical Credibility – أو المصداقية والمعقولية التاريخية للسيد المسيح لخرج من الإسلام رأساً، ولكن هم فعلوا هذا من أكثر من ثلاثة قرون وشكَّكوا في الصدقية التاريخية للمسيح وأقاموا عشرات الأدلة والتشغيبات والتشبيهات والشُبهات التي زعزعت الثقة في وجود هذه الشخصية بل وفي نشأة هذا الدين – أي الدين المسيحي – أصلاً، فهم فعلوا هذا ومن ثم عز عليهم ألا يكون شأن محمد هو شأن المسيح فأرادوا أن يُزعزِعوا صدقيته التاريخية، وهذا شيئ عجيب فحتى مكة أنكروا كونها بلداً مُقدَساً على النحو الذي نعرف وقالوا “هذا غير موجود في التاريخ”، وهذا شيئ غريب وعجيب جداً رغم وجود وثائق تاريخية كثيرة لمُعاصِرين غير مُسلِمين تُؤكِّد وجود هذا البلد بكعبته المُقدَسة، ثم أتوا بعد ذلك إلى القرآن ليأتوا عليه فزعموا أن هذا القرآن لم ينجز دُفعةً واحدة في حياة محمد، وطبعاً هنا دخلنا أيضاً في الخبط والخلط فهل وُجِد محمد أم لم يُوجَد؟!
من جهة يقولون “محمد غير موجود ولا صدقية تاريخية” ومن جهة أخرى -مُستشرِقون آخرون من هذه المدرسة العجيبة وهى المدرسة الاسترجاعية الجديدة أو الاسترادية الجديدة Revisionism – قالوا عن محمد والقرآن “محمد حين ترجم القرآن أو حين وضع القرآن وألف القرآن لم ينجز القرآن في حياته تاماً بل اقتضى الأمر وقتاً طويلاً بعد وفاته حتى يكتمل القرآن”، وهذا شيئ عجيب، فما هذا القرآن؟!
كيف تتلقون وتفهمون هذا القرآن أيها المُستشرِقون الجُدد؟!
قالوا “القرآن في حياة صاحبه – في حياة محمد – لم يكن نصاً عربياً أصلاً، ولا أهل مكة كانوا عرباً يرطنون بالعربية بشكل واضح، فمكة كانت مُستعمَرة آرمية – وهذا شيئ عجيب طبعاً – وبالتالي اللغة السائدة في مكة – أي لغة التواصل في مكة – لم تكن العربية وإنما كانت لغة مُختلِطة أو لغة هجينة – Mischsprache Mixed language, – فهى لغة آرمية سريانية – علماً بأن السريانية فرع من الآرمية – عربية، أي كانت خليطاً يغلب عليه السرياني ولكن العربي كان مُستوحِشاً وضعيفاً وضئيلاً، ومن ثم كان دور العربي وأثره ضيئلاً، لذلك هذا القرآن أشبه أن يكون نصاً سريانياً منه أن يكون نصاً عربياً، ومن هنا غريب القرآن والأشياء التي لم يفهمها كبار المُفسِرين وكبار الصحابة”، أي أن كبار الصحابة لم يفهموا القرآن العربي المُبين لأنه لم يكن عربياً، فهنا وقعنا أيضاً الخلط والخبط والهوس والهلوسة، فهذه هلوسة علمية وبالتالي عيب أن يُتكلَّم بكلمات خارجة عن السياق العلمي، فأنتم تقولون قُبيل قليل :لم تكن لغة التواصل هى العربية وإنما كانت لغة خليطة أو هجينة – Mischsprache – وبالتالي كان شأن أبو بكر وعمر كشأن محمد وعليّ وعثمان وبقية الصحابة الذين يتكلمون هذه اللغة الخليطة – Mischsprache – ومن ثم كانوا يفهمون القرآن باللغة الهجينة Mischsprache، فمن أين لكم إذن أن تستندوا الآن على أثر أنس بن مالك الذي يُفيد بأن عمر قام خطيباً يوماً فتلى قول الله – تبارك وتعالى – من سورة عبس وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ۩ ثم قال الفاكهة عرفناها، فما الأبّ؟، ثم عاد وأقبل على نفسه قائلاً إن هذا لهو التكلف؟!
إذن عمر لم يعرف معنى الأبّ ولا بأس في هذا، ولكنهم استندوا أيضاً على أن أبا بكر سُئل عن الأبّ فقال أي سماء تظلني أو أي أرض تقلني إن قلت في كتاب الله بما لا علم لي به”، إذن أبو بكر لا يعرف معنى الأبّ أيضاً لأنها ليست لفظة عربية بل لفظية هجية سريانية، ولكن كيف لم يفهموا هذه اللفظة السريانية في الوقت الذي ادّعى فيها هؤلاء المُستشرِقون أن العرب كانوا سُرياناً ويتكلَّمون السريانية لأنها كانت اللغة السادئة؟!
هذا خلط علمي لا يقع فيه طفل صغير ومع ضلك هذا يُكتَب الآن بإسم أكاديمين كبار مثل ﻛﺮﻳﺴﺘﻮف ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Christoph Luxenberg الذي أصبح إسماً مشهوراً طبعاً الآن لكن ليست الدوائر الأكاديمية هى التي شهرته لأن الدوائر الأكاديمية تقريباً لا تكاد تعترف به، فﻛﺮﻳﺴﺘﻮف ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Christoph Luxenberg له كتاب إسمه اللغة السريو آرامية – Siro Aramäisch – للقرآن. مُساهمة أو محاولة في فك رموز لغة القرآن, هذا الكتاب نُشِر في بداية هذه الألفية ولم يلتفت إليه أحد لأنه ليس علمياً ولم يستوف أو يتوفَّر على الشروط العلمية الرصينة اللازمة في البحث الأكاديمي، لكن بعد أحداث الحادي عشر من أيلول / من سبتمبر استغلته الصحافة الأمريكية بالذات وصوَّرته على أنه فتحٌ جديد ومنعطف كُلي خطير يقطع قطيعة تامة – أي Radical Break – مع كل الدراسات القرآنية قبل ذلك سواء في الدوائر الاستشراقية أم في الدوائر العربية الإسلامية التقليدية، فيقطع مع التقليدين الإسلامي والاستشراقي في فهم القرآن ويُقدِّم مُساهَمة جديدة في فهم القرآن ويكشف أن القرآن كان نصاً آرمياً سريانياً عربياً هجيناً ولا يُمكِن فهمه بغير السريانية وهذا شيئ عجيب، وأما محمد فزعم أنه لم يكن نبياً أصلاً ولا رسولاً في حين أنه لا يُنكِر وجوده ولكنه قال “محمد كان مُبشِراً بالمسيحية ، وهذا النص كان نصاً مسيحياً فصولياً كالفصول التي تُتلى من الكتاب المُقدَس في القداسات في الكنائس بالذات الشرقية السريانية، فهو كان كتاباً فصولياً ولكنه كان مكتوباً بهذه اللغة الهجينة ترجمةً لنصوص دينية مسيحية لا أكثر، فمحمد كان مُجرَد مُبشِر مسيحي – Missionar – ولم يدع أنه نبي جاء بدين جديد أو بشرع جديد، لكن بعد ذلك في القرن التاسع الميلادي – علماً بأن رسول الله تُوفيَ تقريباً في ستمائة وواحد وثلاثين ميلادياً، أي في الثلث الأول من القرن السابع – تمت مُحاوَلة الانحراف بنجاح فحرفت هذا الدين أو حرفت هذا المُهِم أو هذه المُهِمة لتجعلها ديناً جديداً وهو لم يكن كذلك”، وهذا كلام عجيب غريب أشبه بالهلوسة وكلام الكوابيس، هذا شيئ غريب جداً جداً ويستندون طبعاً على ألفاظ مُعيَّنة حيث أن ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Luxenberg قرأ أو درس زُهاء خمسة وسبعين لفظاً ليُثبِت أن هذه الألفاظ سريانية، وسأعطيكم نماذج سريعة لأن الوقت لا يتسع لأكثر من هذا فنحن الآن تقريباً على مشارف الشتاء وبالتالي تكون الخطب قصيرة، وعلى كل حال هذا الرجل غفل عن أن مثل هذه الموضوعات لا يُمكِن أن تُدرَس الدراسة الفيلولوجية أو الدراسة اللفظية، فأين المُدخَل الثقافي والمُدخل السوسيولوجي؟!
ماذا نفعل – كما قلت لكم – بتاريخ ألوف البشر وعلاقاتهم ومعاركهم كصفين والجمل والمُراسَلات والدول والأمراء والوزراء والفتوحات؟!
كيف تدّعي أنت أن كل هذا لم يكن موجوداً؟!
هناك أسئلة كثيرة لا يُجيبون عنها ومُستحيل أن يُجاب عنها، وعلى كل حال نعود إلى موضوعنا لأنه طويل جداً ولن أقول لكم أبداً أنه مُعقَد وإن كان مُعقَداً ربما من جهة العلوم المُساعِدة التي بنبغي أن يعود إليها الباحث ويتسلح بها لكي يُفكِّك هذا الهراء، فهذا هراء وليس كلاماً أكاديمياً ولا كلاماً علمياً، ومن هنا أعود مرة أخرى وأؤكِد – وأنا أعني ما أقول – أن مُعظم الذين عارضوا بشكل علمي ونقدي طروحات ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Luxenberg ومَن لف لفه هم أعاظم المُستشرِقين الغربيين في حق الدراسات القرآنية، ومن ثم قالوا أن هذا الكلام يُعَد كلاماً فارغاً ونزعوا الصفة الأكاديمية عن صاحب الكتاب قائلين “مُستحيل أن يكون هذا أكاديمياً فالأكاديمي لا يكون هكذا”، وذلك لأن هذه الأخطاء لا يقع فيها الأطفال في حين أنه يزعم أنه أستاذ في الجامعات الألمانية للغات السامية، فأين هذه الجامعة بالضبط؟!
من أعاظم المُستشرِقين في الدراسات القرآنية الأحياء الآن هو المُستشرِق الكبير فرانسوا دي بلوا François de Blois الذي كتب نقداً وتقويماً لكتاب ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Luxenberg وخرج في نهاية المطاف بأن الذي نما إلى علمه هو أن كاتبه ليس غربياً بل هو لبناني مسيحي انتحل هذا الإسم بذريعة أنه يخاف على رقبته من المُسلِمين المُتطرِفين المُجرِمين، وطبعاً سخر دي بلوا De Blois من هذا الشيئ فلم يحدث أن المُسلِمين قتلوا أكاديميين في الجامعات لأنهم قدَّموا مُساهَمات جديدة في فهم الكتاب أو السُنة، فهو يُريد أن يُبرِز نفسه كبطل يخاف على نفسه أو كضحية برسم الذبح، فقال دي بلوا De Blois أن هذا غير صحيح، وطبعاً ناقشه في أشياء كثيرة نقاشاً دقيقاً، ومن إحدى المسائل التي ناقشه فيها الحساب هى مسألة قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً ۩ حيث أن دِيناً قِيَماً ۩ تُعرَب منصوبة على التمييز، ولكن ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Luxenberg اعترض وقال “هاتان لفظتان سريانيتان والألف هذه تدل على المصدرية”، فرد عليه دي بلوا De Blois وهو رجل مُتخصِص في الساميات قائلاً “أصلاً كلمة دين – Religion – لا تعرفها السريانية هكذا كدين، لكن دين في السريانية تعني فقط العقوبة Sentence أو الحُكم Judgment، ولا تعني الدين بمعنى Religion، فواضح أنه مُتضلِّع من السريانية ويُريد أن تنزع القرآن صفة العربية – ما شاء الله على الأكاديمية وعلى البحث الرصين – لكن واضح أن معرفته باللغة العربية ليست بالجيدة، نعم يعرف الفصحى والعامية ولكنه ليس ضليعاً في العربية، فمن الواضح أنه لا يعرف شيئاً – وطبعاً هو ليس ضليعاً في العربية – في العربية وكذا في السريانية حيث أن يتوفَّر على معرفة بها تُمكِنه من فتح المُعجَم”، علماً بأن هذه المعرفة يُمكِن أن يتوفَّر عليها كل واحد فينا في ظرف ساعة أو ساعتين، فيتعلَّم كيف يتعاطى مع المُعجَم السرياني وينتهى كل شيئ، إذن دي بلوا De Blois قال “هذا مُستحيل أن يكون بروفيسوراً – Professor – أو أكاديمياً كبيراً في حقل الساميات، حيث جاء ينزع القرآن صفة العربية ثم يُظهِر نصوصاً سريانية بتفسيرات عجيبة”.
العجيب أن بعض المُستشرِقين الذين أبدوا تعاطفاً مع هذه الطروحات للأسف الشديد فضحوا عورتهم – أعني هذا البعض فضحوا عورتهم – وكشفوا ﻋﻦ ﺳﻮﺀﺍﺗﻬﻢ، فبعضهم يكتب بعد أن وجه نقداً خفيفاً مُلطَفاً – Soft – للوكسنبرج Luxenberg يقول “لكن لا نستطيع أن نُنكِر أنه من الجيد ومن الجميل ومن المُستحسَن أن تُجرى مثل هذه الأبحاث والدراسات ليكون من نتائجها أن يتردد أو يمتنع الذين يُفجِّرون أنفسهم ويخطفون الطائرات بنوايا طيبة”، ولم نفهم ما المقصود، بل أصبحت هذه نُكتة الآن في الدراسات وفي الصحافة الغربية لمَن يُتابِعون، فالنُكتة هى أن إحدى مُحاوَلات ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Luxenberg العبقرية غير المسبوقة في إفهام القرآن بالسريانية أكَّدت على أن كلمة الحور العين تعنى العنب الأبيض، وهو طبعاً يُؤكِد على أنكم لن تفهموا قرآنكم ما لم تفهموا السريانية وهذا شيئ عجيب، فنحن نقرأ كتاب الله ولا نكاد نقف إلا عند مواضع يسيرة يعرفها أهلها من المُتضلِّعين من زمزم العربية، فهم يعرفونها بلا شك والتفاسير تعرفها، لكن فيما عدا ذلك واضح أنه كلم عربي راقٍ جداً، فهو الأفصح والأبلغ بلا شك والأجمل وطأً على السمع والقلب ولا مُشكِلة في هذا، ولكن ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Luxenberg يقول “زُهاء خمس وسبعين في المائة أو ثمانين في المائة من كتابكم يُعَد سريانياً” وهذا شيئ عجيب وغير موجود في الكتاب الذي أمامنا، فليس أفرأ من هذا الفري وليس أوقح من هذا الكذب، ما هذه الصلافة والحماقة؟!
للأسف بعض أبنائنا وبعض إخواننا المُسلِمين العرب راحوا يجرون في أثر هذا الرجل ويُسمون هذه تقاليع أو موضة، بمعنى أنهم يُقلِعون ويُواكِبون آخر الصرعات، ورأينا بعض إخواننا – عفا الله عنا وعنه – في مقطع له – في Snap – يقول “ثمانون في المائة من القرآن يُعَد آرامياً”، وهذا شيئ مُضحِك حقيقةً، فلماذا يكونثمانون في المائة من القرآن آرامياً؟!
ما هى ميزة الآرمية والميزة السريانية على العربية؟!
هل تعرف لغتك العربية وتعرف مزاياها وخصائصها وخصبها وغناها؟!
ماذا تعرف عن عربيتك؟!
واضح جداً إذن أن هؤلاء لا يعرفون معرفة لائقة أو معرفة جديرة بالاحترام بالعربية، البروفيسور – Professor – العراقي الكبير مهند الفلوجي المُقيم في بريطانيا – المملكة المُتحِدة – من قبل ربع قرن وقع على كتاب لباحث يتحدَّث فيه عن الأصول العربية لكلمات إنجليزية، فحفزه على البحث في المسألة وتوسيع معرفته بهذه الموضوعة، ووجد أن المُعجَمات البريطانية تذكر عموماً ثلاثمائة وثلاث وثلاثين كلمة إنجليزية على أنها من أصل عربي، مثل القائمة التي كان يُلحِقها منير البعلبكي في قاموس المورد من كلمات ذات أصل عربي وهى كلمات معروفة للدارسين، فجعل يبحث مهند الفلوجي وانتهى بعد بحث مُتقطِّع طبعاً في نهايات الأسابيع – لأنه طبيب كبير و بروفيسور Professor فيعمل على مدى الأربع والعشرين سنة – إلى أن الإنجليزية فيها ثلاثة آلاف جذر – ليس كلمة وإنما جذر مثل ضرب ، سكب ، ولع ، إلى أخره – انحل منها زُهاء أربعة وعشرون ألف كلمة في الإنجليزية من أصل عربي، ومن ثم يأتي الآن عربي مجنون ويقول “لغة شكسبير Shakespeare هى لغة عربية، فلا يُمكِن أن تفهموا شكسبير Shakespeare بدون العربية حيث يُوجَد أربعة وعشرون ألف كلمة إنجليزية من أصل عربي”، لكن ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Luxenberg لم يستطع أن يأتي إلا بخمس وسبعين لفظة يزعم أنها ألفاظ غير عربية بل سريانية، والخطب يسير لكن مهند الفلوجي أتى بأربعة وعشرين ألف كلمة إنجليزية من أصل عربي، وارجعوا إلى مُعجَم هذا العالم العراقي والدكتور الكبير الفاضل وهو مُعجَم الفردوس الذي وضعه في مُجلَدين من ألف وستمائة صفحة، حيث أتى فيه بأربعة وعشرين ألف كلمة من أصل عربي في اللغة الإنجليزية، لكن طبعاً نحن نحتقر لغتنا الآن لأننا لم ندر ماذا قدَّمت إلى العالم.
البروفيسور الدكتور مهنّد الفلوجي التي سوف يتحدّث عن كتابه “معجم الفردوس”
العلماء المُتخصِصون في اللغات وبالذات في العربية وجدوا أن اللغة الروسية مثلاً تتوفَّر أو مُعجَمها يتوفَّر على مائة وثلاثين ألف كلمة، كلمات وليس جذوراً وذلك لأن اللغة الروسية إلى حدٍ ما شحيحة، أما اللغة الفرنسية فلم تحتوي على كلمات أكثر من هذا بكثير وذلك لأنها تتوفَّر على مائة وخمسين ألف كلمة فقط، أما اللغة الإنجليزية فهى الأغنى من بينهم بلا شك حيث تتوفَّر على ما يتراوح بين أربعمائة ألف إلى ستمائة ألف كلمة، أما اللغة العربية فهى الأغنى على الإطلاق حيث تتوفَّر على إثني عشر مليون كلمة وثلاثمائة ألف كلمة، فهذه اللغة ليست بنت الأمس وليست بنت اليوم طبعاً، هذه لغة لا تحبو ولا تشدو من الحياة معنىً، هذه لغة عريقة مُوغِلة في العراقة والأصالة والغنى والخصب، لغة عجيبة في كل نظومها وإن كانت ليست بالمُقدَسة وليست بالمعصومة ولكنها لغة مُتميزة.
أعتقد طبعاً أن الأمم المُتحِدة لا غرض لهم إطلاقاً أن يسلكوا اللغة العربية مرتين – في ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين وفي ألف وتسعمائة وثلاثة وثمانين – ضمن اللغات التي يُتخاطب بها ويُتكلَم بها في مجلس الأمن، في حين أن الألمانية غير مسلوكة واليابانية لا ذكر لها ولا الإيطالية ولا حتى الأسبانية، لكن اللغة العربية موجودة وهى ثالثة اللغات هناك بعد الإنجليزية والفرنسية، وهذه لغات استعمار ولغات هيمنة طبعاً فمازلنا نمتد الآن في هذا الطريق لكن المُهِم هو أن ثالثة اللغة الإنجليزية والفرنسية هى اللغة العربية.
علماء اللغات الثقات لا يذكرون اللغة العربية حتى على سبيل احتمال ضمن اللغات التي يُمكِن أن تنقرض، في حين أنه يُقال كل خمسة أيام ويُقال كل أسبوع تنقرض لغة، علماً بأن في العالم الآن زهاء ستة آلاف لغة، وسمعت بعض من يدّعي أنه مُتخصِّص وعنده دكتوراة في اللغة يقول “يُوجَد ستمائة لغة” وهذه مهزلة، فالصحيح هو أن في العالم ستة آلاف لغة، وكل أسبوع تقريباً تموت لغة وقيل أكثر من هذا، أما العربية فلا يُوجَد أصلاً احتمال أن تنقرض لأن هذه اللغة عندها مُقوِّمات البقاء، وخاصة أنها مُخدومة بهذا الكتاب العزيز كما خدمته، فهى خدمته وهو خلَّدها على أنها لغة – كما قلنا – مُتميزة بخصويتها وأصالتها وعراقتها!
المُستشرِق الفرنسي دو هامير De Hammer لم يقض العجب من الغنى في اللغة وهو يُتابِع الفصول الماتعة غير المسبوقة في المُعجَم غير المسبوق المُصنَف لابن سيده الأندلسي صاحب المُخصَّص – رحمة الله تعالى عليه – حيث وقع على أسماء وألقاب وأوصاف للجمل والناقة – مثلاً – تصل إلى خمسة آلاف وأربعمائة إسم تقريباً، فأنت تسمع أن الكلب له ستين إسماً في العربية وأن الأسد له خمسمائة إسم وأن السيف له أكثر من مائة إسم وأن العسل له أكثر من ثمانين إسماً وأن الجمل له خمسة آلاف وأربعمائة وثلاثة وأربعين إسم تقريباً إن لم تخني الذاكرة، فهذه المعلومات موجودة في المُخصَّص وتستطيع أن تعود إليها فهو مطبوع وموجود، وهو مُعجَم عجيب غريب ألَّفه رجل أعمى ولكنه كان بصيراً، وبالمُناسَبة لابد أن نقول أن من جمال العربية وإنسانية العربية التي فقد بعض أهلها إنسانيتهم لأنهم لم يفهموها ولم يفهموا اكتاب الذي أُنزِلَ بها أنها لا تُسمي هذا الأعمى بالأعمى، فهى تود أن تُسميه بالبصير حيث أنها تقول للأعمى بصير من باب الإنسانية، وتقول للديغ الذي تلدغه عقرب أو حية السليم تفاؤلاً بالسلامة – إن شاء الله – فيسلم ولا يموت وهكذا، فهى لغة إنسانية وهذا شيئ يقشعر منه البدن، وسنتحدَّث – إن شاء الله – في الخطبة المُقبِلة عن خصائص العربية وعن عجائب العربية حتى نفهم شيئاً عن لغتنا وحتى نعتز بهذه اللغة ونعتز بالكتاب الذي خلَّدها والذي لا يُفهَم إلا بها.
نعود إلى النُكتة الاستشراقية أو النُكتة اللوكسنبرجية – نسبة إلى ﻛﺮﻳﺴﺘﻮف ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Christoph Luxenberg صاحب القراءة الآرامية السريانية للقرآن الكريم – التى استحسنها المُستشرِق صاحب النقد الرقيق – Soft – وهى أن ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Luxenberg لما قرأ الآيات التي يرد فيها ذكر الحور العين مثل وَحُورٌ عِينٌ ۩ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ۩ ومثل وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ۩ قال أن كلمة الحور العين لا تعني النساء والجميلات اللاتى في عيونهن حور بحيث أن الواحدة منهن تكون شديدة بياض الجسم وشديدة سواد العين بحُجة أن هذا المكان ليست مكاناً للشهوات، وطبعاً هنا في شيئ مُضمَّن وهو أن العلاقة بين الجنسين دنس وقذر، لكن هى ليست قذر، فإذا كانت قذراً فنحن أبناء القذر إذن وكذلك الأنبياء والرسل أبناء القذر، فهذه نظرية غير علمية وهذه نظرة حقيرة لا يُمكِن أن يُعتَد بها، وكأن هذا المُستشرِق وأضرابه لم يقرأوا كلمة أبي الوجودية المُؤمِنة الحديثة في أوروبا سورن كيركجور Sourn Kirkjour الدنماركي حين قال “موقف الكنيسة من الجنس هو الذي خلق في الغرب مُشكِلة الجنس”، علماً بأن مُشكِلة الجنس لم تُحَل إلى الآن، وهذا الشيئ لابد أن ننتبه إليه فلا يُمكِن أن تقول لي أن مُشكِلة الجنس عند الغربيين محلولة، هى ليست محلولة بالمرة، حيث يُوجَد سُعار جنسي وإدمان على صناعة واستهلاك الـ Pornography ، وهذا ما يُؤكِد أن هناك مُشكِلة جداً بل هى أكبر من أن تكون مُشكِلة، كما أن الكبت والتحريم والاستقذار مُشكِلة أيضاً، لكن الدين الإسلامي والقرآن والنبي نظروا إلى هذا الشيئ على أنه شيئ طبيعي تماماً وسوي ولا علاقة له بالقذر والدنس أبداً – حاشا لله – وبالتالي نجد أن المُسلِّم علمه نبيه الكريم – صلى الله على محمد وآل محمد – أن يأتي أهله بإسم الله، فهو يقول” بسم الله، اللهم جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا” وهذا شيئ عجيب، فالرجل المُسلِم يأتي أهله ويقول بإسم الله فضلاً عن أن النبي قال أن في هذا صدقة وأجر- بإذن الله تعالى – أيضاً، فهذا هو الذي علَّمه النبي لأصحابه في الحديث الذي يقول أن التبي قَالَ “فِي بِضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ”، فقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا أَهْلَهُ فَيَكُونُ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ؟ فقَالَ ” أَرَأَيْتَ إِنْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ”، لأن هذا دين طبيعي والحمد لله، فنسأل الله أن نكون طبيعيين إذا فهمنا ديننا، لكن هذه النظرية التي تتعالى تعالياً ملغوماً مُضمَناً بنظرية مريضة وبخيال مريض وترفض أن يكون في الجنة نساء هى نظرية خاطئة، فلا يُوجَد مُشكِلة من وجود النساء في الجنة، فالمرأة ليست قذراً وليست شيطاناً، فطبعاً الجنة فيها نساء فقال الله وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۩ وقال أيضاً وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ۩،لكن هؤلاء – والعياذ بالله – يتكلَّمون بلغة ينقصها الأدب والاحترام فضلاً عن أنها منزوعة الطابع الأكاديمي – لا يُمكِن أن يتكلَّم أكاديمي بهذه اللغة طبعاً – ومن ثم نجد مَن يقول “الجنة ماخور Bordello”، إذن هذا الرجل يعيش في ماخور أيضاً، وإلا كيف له أن يقول أن العلاقة الطاهرة بين الزوج والزوجة مواخرية؟!
المُهِم هو أن هذا الرجل قال “القرآن حينما قال كلمة الحور العين لم يكن يقصد الحور العين بالمعنى الذي شاع بين المُسلمين لأن المُشكِلة في التنقيط وفي علامات الإعجام وعلامات الإعراب – Diacritical Points أوDiacritical Marks – بعد ذلك، فكلنا نتفق على أن القرآن لم يكن مُنقَطاً ولم يكن مُعجَماً ولذلك حين أراد العرب أن يُعجِموه بعد ذلك أعجموه بطريقة تعكس هوسهم بالجنس”، وهذا شيئ غريب، ثم قال “فالحور العين ليست هى الحور العين، والله لم يقل وَزَوَّجْنَاهُمْ ۩وإنما قال وروَّحناهم بمعنى نعَّمناهم، فالمُشكِلة في النقاط وبالتالي المعنى الصحيح للآية هو روَّحناهم بحور عنب، وحور تعني اللون الأبيض الذي يلتمع، أي روَّحناهم بعنب أبيض مُلتمِع”، كأنه يقول لمَن ذهب ليٌفجِّر نفسه مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغيره لكي يفوز بالحور العين أنه لن يجد شيئاً لأن سيظهر له في نهاية المطاف طبق فيه قطفة عنب، ومن هنا أصبحت هذه المقولة نُكتة Joke – – فعلاً ومهزلة، لكن المُستشرِق الثاني قال “هذا شيئ طيب وشيئ جميل لأن يُقرأ القرآن سيُقرأ بطريقة تجعل هؤلاء الذين يُفجِرون أنفسهم يترددون لأن الواحد من هؤلاء الذين يُفجِّرون أنفسهم لن يفوزون بالحور العين وإنما بقطف عنب أو قطفان من العنب في طبق وينتهي كل شيئ”، يا الله، هذا تفسير – ما شاء الله – عجيب وغي مقبول حتى صوتياً، فلا يُوجَد علاقة بين وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ۩ وروحناهم بحور عنب، مُبرِّراً تفسيره هذا بأن هناك مُشكِلة في النقاط.
باختصار لأن الوقت لا يتسع أحب أن أقول لكم أنني لن أصف ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Luxenberg بالمُستشرِق لأن المُستشرِقين عموماً الحد الأدنى لديهم أكثر من هذا بكثير حقيقةً سواء أنصفوا أو تحيفوا وذلك لأن عندهم نوع من التخصص ونوع من العلمية، فهم أُناس مُقتدِرون بشكل عام حقيقةً، لكن هذا الرجل ليس على قدر المُستوى، فلا يُوجَد تخصص أو أكاديمية أو بحث يستحق الاحترام، علماً بأنني كنت أتهمم لأتحدث في هذا الموضوع من أكثر من سنة ولكنني لم أفعل وقلت أن هذا الموضوع يُعَد ميتاً أصلاً ومن ثم لم يُثَر، لكن حين بدأ بعض أحبابي يبعث لي هذه السنابات – Snaps – عن السيد فلان والسيد علان مِمَن يُشكِّك في عروبة القرآن وأن أصله آرامي وسرياني وكذا للأسف ليسألونني رأيي قلت لقد وقعت الفأس في الرأس فلابد أن نتكلم في الموضوع مع أن هذا الموضوع لا يُمكِن أن يُتناوَل في خطبة فهو موضوع مُتخصِّص – كما قلت – على الأقل من جهة العلوم المُساعِدة، وبالتالي هذا الموضوع لابد أن يُتكلَم فيه في سلسلة مُحاضَرات تمتد إلى خمس أو ست ساعات فنفرغ منه وينتهي كل شيئ، لكن هذه إضاءات سريعة فقط حتى لا يقع بعض أبنائنا وبناتنا – والعياذ بالله – في كفر دون أن يدروا، فنحن نتكلَّم بهذه الكلمات قبل أن يكفروا ونقول لهم: انتبهوا ولا تُسارِعوا فتسيروا في هذا الطريق وتُصبِحوا حمقى، لا تُصبِحوا حمقى، فعلماء الغرب الكبار قالوا إن هذه حماقات وليست بحثاً علمياً وبالتالي على كل مسلم أن ينتظر وأن يتريَّث قليلاً وإلا ما هى مصلحتك كمسلم في أن تنزع عن القرآن عربيته؟!
لا يُمكِن لأي مُسلِم أن يفرح بهذا، فانتظر يا سيدي حتى نناقش هؤلاء الحساب نُقطةً نقطة وكلمة كلمة وجملة جملة، فهم يدّعون أن اللغة العربية لم تكن مُعجَمة وأنهم أخذوا نقاط الإعجام من السريانية، لكن هذا غير صحيح ومن ثم سوف نقف مع أول المَين، فاللغة السريانية موجودة إلى اليوم ويُمكِن حتى لأي أحد أن يتعلَّمها عبر كورسات – Courses – مُعينة أون لاين Online، فهى موجودة ومُعجَماتها موجودة ومطبوعة، لكن ما يغيظ هو أن مُعظَم هذه المُعجَمات السريانية وأقواها على الإطلاق يُفسِّر الكلمات بالعربية وأحياناً بالعربية والسريانية لكن العربية دائماً حاضرة وموجودة فهى لغة مُهيمنة، وذلك لأن صناعة المُعجَم – Lexicography صناعة عربية، فالعرب هم الذين علَّموا السريان المُعجَمية وليس العكس، فأي طالب في الثانوية الآن يعرف أن العين هو أول مُعجَم عربي، فالنضر بن شُمَيْل تلميذ الخليل – الخليل بن أحمد الفراهيدي – المُتوفى سنة مائة وسبعين للهجرة – رحمة الله تعالى عليه – هو الذي وضع مُعجَم العين، في حين أن أول مَن وضع مُعجَماً سريانياً ومن ثم أخرج أول مُعجَم سرياني رأي النور هو المُترجَم الشهيرحُنَيْن بن إسحق، وهذا أتى بعد الخليل بأمد بعيد ليضع مُعجَمه، ثم جاء تلميذه ووضع مُعجَماً بالسريانية والعربية، ثم جاء ابن بهلول – بار بهلول السرياني ووضع مُعجَمه الذي هو أشبه بالموسوعة، والعربية باستمرار حاضرة إزاء كل لفظة سريانية عربية، ويشرح أحياناً بالسريانية التي تُمثِّل عالة على العربية طبعاً، ورغم كل هذا يدّعي ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Luxenberg أن نظام التنقيط – Dotting – ونظام الإعجام أخذته العربية أو أخذه الخط العربي – script – عن السريانية، لكن الآن نتساءل: كم حرفاً من حروف العربية مُعجَم؟!
خمسة عشر حرفاً طبعاً آخرها التاء المربوطة.
أي يُوجَد في العربية خمسة عشر حرفاً، في حين أن في السريانية لا يُوجَد إلا حرفان فقط، فكيف له أن يدّعي هذا؟!
لو نظرت إلى هذا الصحن هذا المُسمى بالباء (ب) لوجدت أنه من المُمكِن أن يكون في شكل باء أو في شكل تاء أو في شكل ثاء أو في شكل ياء أو في شكل نون وهكذا، والحال نفسه مع حرف الحاء (ح) لأنه من المُمِكن أن يكون في شكل خاء إذا كانت النُقطة من أعلى أو في شكل جيم إذا كانت النُقطة من أسفل أو في شكل حاء إذا كان بلا نُقطة، فيُوجَد خمسة عشر حرفاً من حروف الأبجدية العربية منقوطة، لكن في السريانية يُوجَد حرفان فقط، حيث يُوجَد حرف الدال في السريانية وهو مثل رقم ستة بالعربي ولكنه منقوط من الداخل ويُوجَد الريش الذي يُمثِّل حرف الراء عندنا لكنه في شكل ستة منقوطة من فوق، إذن هما حرفان منقوطان فقط، فهل من المعقول أن لغة لم تُعجِم إلا حرفين ألهمت لغة وتطفَّلت عليها لغة عجمت خمسة عشر حرفاً؟!
كيف تم هذا بهذه السرعة؟!
هذه أكذوبة كبيرة طبعاً، فضلاً عن أنه قال بعد ذلك “حركات الإعراب من فتحة وضمة وكسرة وتسكين وتشديد – Vowel Marks – أُخِذَت من السريانية، قعندنا في السريانية الغربية حركات إعراب خمسة، وفي السريانية الشرقية حركات إعراب سبعة، والقراءات السبعةوالقراءات الخمسة التي تتحدَّث عنها بعض الروايات مأخوذة من هنا”، وهذا شيئ عجيب بل هو مسخرة كبيرة، لكن – كما قلت لكم – غير الدارس الذي لا يعرف شيئاً قد يُصدِّق هذا الكلام الفارغ وهذا الهراء.
أول مَن تحدث عن حركات الإعراب – Vowel Marks – وأعطاها الأسماء هو يعقوب الرهاوي Jacob of Edessa – علماً بأن إديسا Edessa هى الرها – الذي مات في عام سبعمائة وثمانية، أي في مطلع القرن الثامن الميلادي، لكن أبو الأسود الدؤلي معروف أنه هو الذي ابتدع حركات الإعراب بعد أن رأى للأسف الخلط والغلط والتجاوز على إعراب القرآن الكريم حيث أنه وجد من يفتح وينصب دون أي ضابط في الآية المعروفة في سورة التوبة فقال لكاتبه كما في رواية أبي عبيدة المشهورة جداً “اجلس وانظر إلى فمي، إذا فتحت فمي بالحرف حين نُطقه فضع نُقطةً فوقه، فإن كسرت فضع نُقطةً تحته، فإن ضممت فضع نقطة بين يديه، فإن أظهرت غُنة – أي تشديد أو غُنة – فضع كذا وكذا”، إذن هذا اختراع أبي الأسود الدؤلي، ومن هنا نفهم السر وراء تشكيك بعض المُستشرِقين مثل الألماني تيودور نولدكه Theodor Noldeke صاحب تاريخ القرآن في الصدقية التاريخية أيضاً لأبي الأسود الدؤلي، وإلا لماذا تُشكِكون في أبي الأسود الدؤلي وهو ليس نبياً ولا صحابياً جليلاً حتى، إنما هو مُجرَد تابعي من تلاميذ الإمام عليّ عليه السلام؟!
لأن هناك طبعاً شيئ شبه مُخطَط لضرب المصدقية التاريخية لمثل هاته الشخصيات ومن ثم يبقى المسلمون في العراء، لكن هذا لن يحدث فلا يستطيع أحد أن يُشكِك في هذه الشخصية التاريخية، فهو رجل معروف وخاض الحروب مع الإمام عليّ ومعروف فضلاً عن أن له أشعار ومواقف ومشاكل مع زوجته وغير ذلك، وبالتالي هذه شخصية معروفة تماماً فلا يُمكِن أن ترميها هكذا بجرة قلم لأن أبا الأسود الدؤلي تُوفي في ستمائة وثماني وثمانين، أي قبل يعقوب الرهاوي – من الرها جنوب تركيا الآن، تُسمى الآن إديسا Edessa – الذي تُوفي – كما قلنا – في سبعمائة وثمانية، إذن هناك مسافة بين هذا وهذا تصل إلى زُهاء عشرين سنة، أي ربع قرن تقريباً، فإذن مَن الذي استعار مِن مَن؟!
مَن الذي تلصص على مَن؟!
هل السريانية هى التي تلصصت على العربية في حركات الإعجام أم أن العربية هى التي فعلت ذلك؟!
واضح طبعاً أن السريانية هى التي تلصصت على العربية، والأدلة على هذا كثيرة جداً.
للأسف أدركنا الوقت ونحنلم نتكلم تقريباً في الموضوع للأسف، فقط أخذنا عنه فكرة عامة وبالتالي يبدو أننا لابد أن نعود إليه بطريق أخرى حتى نُشبَع فيه أو في بعض أركانه الكلام.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخُطبة الثانية
الحمد لله ، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسلمياً كثيرا.
زعم أن الخط العربي أيضاً خط مُتأخِر ومأخوذ من النموذج السرياني زعم باطل، لأن النقوش العربية القديمة التي يرقى بعضها إلى بداية القرن الثاني الميلادي – علماً بأن النقوش موجودة وكثيرة جداً – تُؤكِد أقدمية هذا الخط وأنه لم يتسور على حِمَى الخط السرياني مع فروقات كثيرة، والآن أقتبس نابيا أبوت Nabia Abbott مرة أخرى وهى مسيحية – كما قلنا – وحُجة في علمها بلا شك على مُستوى العالم وذلك لأنها تقول: لو كان الخط العربي عشية ظهور الإسلام فطيراً غير نضيج وغير مُتطوِّر كيف أمكن أن تُكتَب هذه الوثيقة في عهد عمر بن الخطاب سنة عشرين للهجرة في مصر وليس في الحجاز باللغة العربية؟!
أي أن اللغة العربية كانت لغة مُشترَكة ولغة مُهيمنة ولغة سائدة على المنطقة كلها Lengua Franca، فهى لغة التخاطب الإداري والتخاطب الرسمي الحكومي وهو ما تُؤكِّده هذه البردية المصرية، ومن ثم تسخر نابيا أبوت Nabia Abbott المسيحية وليست المُسلِمة من كل هذه المُحاوَلات الفطيرة غير الناضجة وغير المدروسة.
خذوا لكم طُرفة أخرى تتعلَّق بآية عزير إذا صح ما قيل عن أنه عزيز – عليه السلام – فعلاُ، هذه الآية تقول فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ ۩، وهى آية مفهومة ومفهوم كل شيئ فيها فعلاً وتُؤدي غرضاً ومعنىً إعجازياً، فهذا إعجاز من إعجاز الله – تبارك وتعالى – حيث أنه أحيا هذا الرجل بعد مائة سنة ولم يفسد طعامه وشرابه في حين أن حماره أصبح عظماً يلوح تحت حر الشمس، ثم أن الله نشزه الله مرة أخرى وإلى أخره، لكن ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Luxenberg قال “هذه الآية تقول فانظر إلى طعمِك وشرابك أو شِربك لم يتشنه وانظر إلى جمارك، فطعمك وشربك بالسريانية تعني حالتك وفهمك، وإلى اليوم يقولون بالعامية في سوريا كلام بلا طعمة – هذا ليس بحثاً أكاديمياً بالمرة – بمعنى أن هذا الكلام يُعَد كلاماً غير معقول، فطعمك وشِربك تعني عقلك وحالك، ولم يتشنه تعني لم يتغير، وانظر إلى جمارك وليس إلى حمارك، وجمارك تعني كمالك، أي كمال الإنسان”.
المسكين ﻛﺮﻳﺴﺘﻮف ﻟﻮﻛﺴﻨﺒﺮج Christoph Luxenberg قال “القرآن لم يكن منقوطاً – طبعاً لم يكن منقوطاً – ولكنه لم يُنقَل مُشافهةً فهذه أسطورة بل كان يُنقَل كتابةً”، وهذا غير صحيح طبعاً، فهذه أكبر أكذوبة ولن اُناقِشها لأنها معروفة للكل، ومن هنا رد عليه مُستشرِق ألماني بسخرية مُرة لينتقد هذا الكلام الذي أتى به من أجل أن يتم له بناء هذه النظرية التي لا تُبنى ولم تُبن يوماً أصلاً، فلا يُمكِن بناء مثل هذه النظرية، ورغم ذلك هو يقول “القرآن لم يُنقَل إلا مكتوباً، فهو لم يُنقَل مُشافهةً، وبالتالي يُوجَد في آية من آيات الله كلمة جمارك بمعنى كمالك، فالإنسان مازال كاملا”، وهذه مسخرة طبعاً لذلك قال له المُستشرِق الألماني بسخرية مُرة “طبعاً القرآن لم يُنقَل مُشافهةً ولم يكن منقوطاً، ولكن أخله من نقاط الإعجام وبعد ذلك ستستطيع أن تُعجِمه بطريقة تُخرِج بها ما شئت من المعاني”، أي أن الأمر لن يقتصر على اللغة السريانية فقط بل يُمكِنك أن تضم ما تشاء من لغات إلى الموضوع مثل اللغة الإنجليزية، فتقول – مثلاً – أن هذا اللفظ أصله إنجليزي أو أي لغة تُريد كاللغة اللاتينية – مثلاً – لكن هذا عبث وليس عملاً علمياً.
أنا لا أعتقد أن خُطبة اليوم بهذه الطريقة علمية ويُمكِن أن تُفيد الكثير، فهى ليست كذلك لكن هى فقط صيحة نذير فقط تقول فقط لمَن قرأ في هذه الأشياء وتأثر قليلاً دون تخصص “توقف وأعد الكرة وابدأ من جديد وتريث وترزن، كُن رزيناً حتى لا تُصبِح غرضاً لسهام النقاد العلميين المُحترَمين في الشرق وفي الغرب بالذات، ومن ثم تُصبِح مسخرة”، فنسأل الله ألا نكون مساخر وألا تفعل وتعمل فينا المساخر.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا 30/10/2015
ارجو من د. عدنان ابراهيم الإطلاع على تعليق الأسالذ لؤي الشريف حول الخطبة … لان هناك نقاط يريد لؤي الشريف من د. عدنان ابراهيم أن يتكلم عنها في خطبته القادمة .
عدنان على جماله لايعدو كونه سلفي ببذلة وبينطلون وكرافته!!
هذه العصرية تصنع منه أفضل نموذج سلفي!!
وفي النهاية هو سلفي لايمكنه إنتاج معرفة موازية للعصر لأن عصرنته شكلية فقط!
رغم أنه ينقد التراث أحياناً إلا أنه لايكاد يخرج عنه قيد أنمله
يعني نقد انتقائي
ليس سلفيا وإنما شيعيا رافضيا ما ترك صحابيا إلا نال منه
غير مصدق أن الدكتور عدنان لايعرف أن القرآن نزل باللسان العربي المبين وعربي تعني مبين وواضح وليس جنس العرب
وأن اللغة من لغا يلغو لغواً واللغو خليط من الصواب والخطأ
فمن العيب أن يقال لغة القرآن!
لأن كلمة لغة كلمة مرذولة!!
فاللغة تأخذ من اللسان معناها وتصحيحها وليس العكس
اللسان هو الأصل وهو الكمال الذي يحكم على اللغة وقواعدها وليس العكس
اتمنى من الدكتور التوسع في هذا الامر وان يرا حساب الاستاذ لؤي الشريف .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي الكريم ووالدي العزيز الدكتور عدنان
في خضم كل هذه الظروف والملابسات والمتناقضات وفي أوج دوران الرحى على الاسلام والمسلمين وتشويه صورة الاسلام الطاهرة الشريفة
اسالكم بالله يا سيدي ان تبدلوا مجهودا على مجهوداتكم الجبارة في تنوير الشباب المسلم والاخذ بيده للعلم والمعرفة
ورفع معنوياته والتقة بدينه لانه اصبح ذليلا خائفا مشتتا
نحتاج للتنمية البشرية في كل المجلات وحضرتكم اعلم منا بدور العلماء والمصلحون في الأخد بيد الشباب لما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم
لكم مني كل الدعوات الصادقة يا والدي ومعلمي الغالي
ابنتكم ام ريان
السلام عليكم
اتمنى ان تصل الرسالة الى الدكتور عدنان ابراهيم
بخصوص موضوع هاي الخطبة اللي اجا بوقتو .. في شخص اسمو الدكتور نبيل القرشي , رجل باكستاني مسلم سابقا و الان مبشر بالديانة المسيحية . ليس لديه من جديد يضيفه ليقنع اي شخص بالمسيحية و لكن مما رأيته للان هو الاخطر على الشباب المثقف المسلم و تأثير هذا الشخص كان باصدقاء مقربين الي , هذا الرجل بشتغل على هدم الاساس الاول لاي مسلم و الاساس الذي يظن جميع المسلمين انه ثابت لا عبث فيه .. تارة يتحدث عن كون القران لم يتم حفظه بشكل كامل كما يدعي المسلمين و يستند لاحاديث صحيحة منها انو الرسول نفسو نسي ايات من القران في مراحل معينة بعتمد على ادلة تاريخية و موضوع حرق عثمان بن عفان لجميع النسخ لمرحلة معينة .. و في تارة يشكك بشخص الرسول و هل كان فعلا قدوة للمسلمين و برضو باستخدام احاديث صحيحة . اتمنى من الدكتور عدنان يشوف شو عند هذا الرجل و يرد عليه و في ذلك الاهمية الكبيرة لانه هوو الاخطر و متابعيه في ازدياد .
كل المحبة و الاحترام لشخص الدكتور عدنان و كم اتمنى ان يقرأ رسالتي هذه
مقال جد رائع ما أحوجنا الى مفكرين مثلك دكتور.
وفقك الله لما فيه الخير والسداد