إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، الوَلي المولى والعَليُّ الأعلى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ۩ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله -سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ ۩ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ۩ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ۩ أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ۩ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ۩ فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأحبابي في الله وأخواتي في الله:
كما أن للبدن غذاءً يتغذّى به وينمو عليه ويستمد منه ويبقى به إلى ما شاء الله لا جرم كان للروحِ وللنفسِ ما تتغذّى به وما تبقى به وما تستمدُ منه قوامها ورقيها وصفاءها وشفافيتها وما ذلكم إلا ذكرُ الله سبحانه وتعالى، فالنفس التي لا تُستهتَر بذكر الله – تبارك وتعالى – في مُعظَم أوقاتها وغالب حالاتها أشبه بالنفس الميتة.
روى البخاري ومسلم في الصحيحين – رضى الله تعالى عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلَّم – قال “مثلُ الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثلُ الحي والميت”، وهذا شاهد ما سمعتم، فالذي لا يذكر الله ميت وإن كان حي البدن حيث أن النفس ميتة، لا رقة ولا صفاء ولا حساسية ولا شفافية ولا فتوح ولا عطاءات، إنها مُنقطِعة من الله – تبارك وتعالى – ومُنبتة الصلة به – جل مجده – ولذلك يكونُ غالبُ شأن هذا العبد وحاله الخُسران، لأن الميت لا كسب حقيقياً له، فلا فوز إذن ولا ظفر.
لو تأملتم يا أحبابي ويا أخواتي كتاب الله – تبارك وتعالى – لوجدتم أن الله – جل مجده وتبارك في عليائه – قد جعل للذكر من المثابة والشرف والخطر وولاه من العنو والاهتمام ما لم يول غيره حتى من رؤوس العبادات، فقد أشار – سبحانه وتعالى – في غير ما موردٍ وفي غير ما موضعٍ إلى أن هاته العبادات مُجرَّدةً عن ذكر الله لا قيمةَ لها، فالله يندبنا ويُهيِّجنا إلى هذه العبادات ممزوجةً مخلوطةً مُنوَّرةً بذكر الله تبارك وتعالى، قال الله وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ۩ وقال الله أيضاً فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩، فضلاً عن أنه قال وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩، فالصيام لابد أن يكون آية ولابد أن يكون آلةً وطريقاً وسبيلاً يُهيِّج العبد على كثرة ذكر الله، قال الله فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ ۩، الصوم والصلاة والحج وحتى الانتفاع برسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم كثيراً كثيراً إلى أبد الآبدين ما ذكره الذاكرون وما غفل عن ذكره الغافلون – مرهونٌ ومشروطٌ بذكر الله، فالعبد الذي لا يُستهام ولا يُستهتَر بذكر الله لا ينتفعُ برسول الله، هذا مُستحيل لأن مهما تحدَّث عنه ومهما تحفَّظ حديثه ومهما أشار إلى سُننه ما لم يكن مُستهتَراً بذكر الله لن ينتفع به، وشاهده قوله جل مجده لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ۩، ما لم تكن ذاكراً لن تكون مُتسنِّناً ولن تكون مُصطفوياً محمدياً نبوياً، لن تستطيع وسيُحال بينك وبين ذلك وبينك وبين ما تشتهي.
وفِي كلِّ شيءٍ لَهُ آية ٌ تَدُلّ على أنّهُ الواحِدُ
الانتفاع بآيات الله – سبحانه وتعالى – القدرية وبدلائله الكونية وما أكثرها لا يكون إلا للذاكرين، مَن لم يكن ذاكراً لن ينتفع من هذه الآيات وشاكل وشابه في حاله حال المُشرِكين الذين قال فيهم سبحانه وتعالى من قائل وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ – يُريد الآيات القدرية وآيات الصنعة والبداعة ودلائل التكوين – يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ۩، أي أنهم لن يفقهوا فيها، وكذلكم المسلم أو المُؤمِن البعيد من ذكر الله – تبارك وتعالى – لن يستفيد منها شيئاً، قال تبارك وتعالى إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ ۩، الله أكبر، ألا نقرأ القرآن؟!
هذا قرآن، هذا كله قرآن واضح مُحكَم وصريحٌ وعامد غير مُلتوٍ وغير ذي عوج في المعنى، إنه مُستقيم معناً استقامته لفظاً ولكن أين نحن من هذه الأشياء؟!
لماذا لا نتفكَّر في هذه الأشياء ملياً؟!
لماذا لا تبعثنا هاته الأشياء على أن نُستهام ونُدلَّه ونُولَّه ونُستهتَر بذكر الله تبارك وتعالى؟!
يبدو أننا لا نستفيد من القرآن لأننا لا نذكر الله أيضاً، لو ذكرناه لفتح علينا في كلامه – لا إله إلا هو – فنصير نفهم ما نقرأ ولو بعض فهم ولو ريح فهم ولو لون فهم، ولكنه قال لمَن؟!
مَن هم أولوا الألباب يا رب؟!
قال الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ۩، إنهم مُستهتَرون وولِهون مُتيَّمون عاشقون، ومَن أحب أحداً ومَن أحب شيئاً أكثر من ذكره، فالناس يُحِبون المال ومن ثم ليل نهار يتحدَّثون عن المال وعن الصفقات والاستثمارات والفلوس والأرباح والخسائر، كأن المال صار لهم رباً من دون الله والعياذ بالله، فنعوذ بالله من الغفلة، وأعظم الغفلات الغفلة عن ذكر الله تبارك وتعالى.
سُئل الإمام الجليل المُتبحِّر في العلوم والفنون الإمام السُبكي – رضوان الله تعالى عليه – عن قول المُصطفى – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – في الحديث الجليل الذي يقول “إذا رأيتم أهل البلاء فسلوا الله العافية” فقال الإمام السُبكي – رحمه الله تعالى – أهل البلاء هم الغافلون عن ذكر الله.
هذا أعظم بلاء يُضرَب به الإنسان، ليس مَن فقد عيناً أو فقد عضواً أو منفعة عضوٍ، هذا بلاء ولكنه يسير في جنبِ بلاء الغافل عن ذكر الله تبارك وتعالى، كم رأينا مِن مَن فقد عضواً من أعضائه أو أكثر من عضو أو شاهت خلقته وتعوَّقت حركته – وقد رأيت منهم قريباً غير واحد – لكن الله أكبر على الجمال في وجوههم والله أكبر على المحبة التي ألقاها الله ووضعها لهم في قلوب الخلق، والله العظيم شيئ عجيب، لأنهم فيما يبدو ويظهر من الصلحاء – إن شاء الله تعالى – اللاهجين بذكر الله والذين يعيشون مع الله ليلهم ونهارهم، فما أجمل خلقتهم وما أجمل منطقهم وما أحلى كلامهم في مسامع المُؤمِنين وقلوب الصالحين، داود النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – قال “ما أحلى ذكر الله في أفواه المُتعبِّدين”، وقال سُفيان الثوري “ما تمتَّع مُتمتِّعٌ بمثل ذكر الله تبارك وتعالى”، فهذا أجمل شيئ، إذا متَّعك الله بذكره والله دون هذه المُتعة كل مُتعة، أما إذا لم يُمتعك – وحاشاكَ وحاشاكِ – فقد صار الأمرُ قريباً مِن مَن قال فيهم – والعياذ بالله – أنهم تشمئز قلوبهم من ذكر الله، فيثقل على الواحد منهم الذكر لأنه لا يُحِب أن يذكر ولا أن يستغفر ولا أن يُصلي ولا أن يقرأ القرآن ولا أن يسمع، ولكن أسمعه الطبل والغناء والموسيقى ومعازف الشياطين وسوف تجده أنه سيطرب وسيستريح، لأن روحهم مُظلِمة ونفسه مُظلِمة – والعياذ بالله – خبيثة لم تتنوَّر ولم تستضئ بذكر الله وحبه ولم تأنس به – لا إله إلا هو – بل تستوحش منه. قيل لأحد الصالحين وكان قلما يلقى أحداً لأنه كان مُنعكِفاً ومُنعزِلاً في بيته يذكر الله أبداً: ألا تستوحش؟!
فقال: كيف أستوحش وهو القائل وأنا معه إذا ذكرني والقائل أيضاً أنا جليس مَن ذكرني؟!
كأنه يقول لهم: ألا تفقهون؟!
بعض الناس يذكر ولا يشعر بالله، يذكر ولا يشعر أن الله معه، لأنه ما ذكر، فالذكر له صورة وله حقيقة، صورته ذكرُ اللسان، وأصل الذكر ليس ما يُشقشِق به اللسان وما يُردِّده اللسان أبداً، ولكن أصل الذكر ومادة الذكر ضد النسيان، ومن هنا يُقال ذكر ونسيَ، قال الله وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ۩، فأصل الذكر ضد النسيان ولا جرم كانت آلته وموضعه القلب، أي أن أصل الذكر بالقلب، فالقلب لابد أن يكون ذاكراً، أما ما يُشقشِق به اللسان ويُردِّده فهذا علامة على أن القلب ذاكر، القلب يُوحي إلى اللسان ويتطلَّب هذه الفعلة من اللسان، فإن اجتمع الأمران فهو أللِّبَأ وابن طاب كما تقول العرب حيث اقتران السعادتين، إذن فهو أللِّبَأ وابن طاب إن اجتمع وواطأ ذكر اللسان ذكر القلب ولكن ذكر القلب هو الأصل، قال بعض العارفين – عرَّفنا الله به ودلَّنا عليه دلالة الصادقين – في قوله تبارك وتعالى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۩ أن الظالم لنفسه هو ذاكر الله بلسانه وحده، أي أن هذا يُعَد ظالماً، فما القول في الذي لا يذكر الله أصلاً؟!
الله لم يُشِر إليه وليس من الأمة المُصطفاة لأنه من المُنافِقين أو من الكافرين،المُنافِقون أظهروا الإسلام ولكن الله قال عنهم وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ۩، يذكرونه باللسان ولكن قليلاَ، فهؤلاء مُنافِقون، لكن الكلام ليس في المُنافِقين وليس في الكافرين وإنما الكلام في الأمة المُصطفاة وفي العباد المُصطفين، والعباد المُصطفون ثلاثةُ أقسام وألوان، قال الله ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ – قالوا هذا الذي يذكر الله باللسان والقلبُ لاهٍ والقلبُ ساه والقلبُ غافل، ومن هنا هو ظالم لنفسه – وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ – قالوا الذي يذكر الله بقلبه، ومن هنا هو مقتصد – وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ – قالوا هو الذي لا ينسى ربه، فسواء ذكر اللسان أو لم يذكر هو مع الله أبداً – بِإِذْنِ اللَّهِ ۩، جعلني الله إياكم وإياكن منهم بفضله ومنه وكرمه، اللهم آمين في هذه الساعة المُبارَكة.
ابن عون – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – كان يذكر الله بخلاف تلاوة القرآن أربعين ألف مرة كل يوم، أي أن ورده وصل إلى أربعين ألف، وبعض الصالحين ورده بعد صلاة الوتر إلى الفجر وصل إلى خمسين ألف، خمسون ألف تسبيحة وتهليلة وتكبيرة كل ليلة، ولكن انظروا إليهم وانظروا إلى ما أوتوا وإلى ما أُكرِموا وإلى ما نُوِّروا وإلى ما هُدوا وإلى ما نُعِّموا ولُذِّذوا وسوف تجدون عطاءات عظيمة، فهذا بحد ذاته هو العطاء، أن يُيسرك الله لذكره كذا ألف مرة في اليوم يُعَد عطاءً كبيراً لأنه أحبك ووالاك ، لأن الذكر منشور الولاية، فكيف تعرف نفسك أنك من أولياء الله إذن؟!
إذا أوتيت الذكر فأنت من أولياء الله، إن حُرِمَت الذكر فلست منهم و لست من أوليائه الولاية الخاصة وإلا كل مُؤمِن ولي من أولياء الله لأن الله قال ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ۩ وقال أيضاً اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ۩، فهذه ولاية عامة لكل مُؤمِن، لكن الولاية الخاصة وهى التي تُراد حين نقول “فلان من أولياء الله أو ذلكم الصالح من عيون أولياء الله” لا تُنال إلا بالذكر، هذه الولاية الخاصة تُوجِب كرامة خاصة على الله في الدنيا والآخرة، وسنتعرَّض لبعض هذه الكرامات الإلهية لأهل خصوص ولايته، لكن على كل حال الولاية الخاصة لا تُنال إلا بالذكر.
قال أبو عليّ الدقّاق – رضوان الله تعالى عليه – وهو من عيون الصالحين والأولياء العارفين “لذكرُ منشور الولاية، مَن اُعطيَ المنشور أُعطيَ الولاية، ومَن حُرِمَ المنشور حُرِمَ الولاية”، فما هو المنشور؟!
المنشور هو كتاب التعيين الرسمي علماً بأنني ذكرت هذه المعلومة غير مرة، فالسُلطان أو الخليفة أو الملك حين يُعيِّن بعض الناس في وظيفة مُعيَّنة – عيَّنه عالماً أو مُصدِّقاً أو جامعاً للصدقات أو وزيراً أو سفيراً في بلد آخر مثلاً – يفعل ذلك بكتاب تعيين، كتاب التعيين هذا يُسمّى المنشور، والآن التعيين رباني فما أجمله – والله – من تعيين وما أشرفه وما أعظمه؟!
الله يقول أنا سأُعيِّن عبدي فلاناً أو أمتي فلانة من أوليائي – اللهم اجعلنا منهم – كاختصاص له، فماذا تفعل بالدنيا إذن؟!
ماذا تُريد من الدنيا بعد هذا التعيين؟!
لا نُريد شيئاً ولا نطمع في شيئ ولا نُحِب شيئاً، نُحِب فقط أن يُعيِّننا هكذا وأن يصطفينا، إذن كتاب التعيين إسمه المنشور، لكن كيف نعرف كتاب التعيين بولاية العبد بعد أن انقطعت النبوة وجبريل لا ينزل والملائكة لا تُرى؟!
كيف تعرف أنك من أولياء الله وأن الله لعله أن يكون عيَّنك في أوليائه وألحقق به وكتبك في ديوانهم؟!
إذا أوتيت المنشور، وتعرف أنك أوتيت المنشور ولا نبوة عن طريق الذكر، إذا أُلهِمت ذكره واستُهتِرت بذكره وصرت لا تستطيع ولا يقر لك قرار ولا يهدأ لك بال إلا إذا ذكرته بل تستوحش من مجالس الناس فعلاً وتستوحش من حديث الدنيا ومن التلفزيون Television والمُسلسَلات والكلام الفارغ، فأنت تُريد أن تنزوي لتذكر الله – تبارك وتعالى – وتحن إلى الليل بل وتعشق الليل لأن الأهل ينامون والأطفال يرقدون ومن ثم تبقى وحدك فلا تنام الآن لأنك لا تُحِب النوم وإنما تُحِب أن تخلو به لتذكره بلذة حقيقية وتود أن زاد الله في سواد الليل وطوله ليزيد في قلبك نوراً وتنويراً، وهذا شيئ من عند الله وهو شيئ صعب جداً جداً جداً ما لم يتفضَّل الله، لذلك البداية بالدعاء الصادق، ادع الله وقل له “يا رب قلبي قاسٍ وعيني جامدة وذنوبي مُتكاثِرة وحالي مُتقطِّعة ووضعي مُشتَّت ومُشعَّث ولكن تعلم أنني في قرارة قلبي وسويدائه اُحِبك وأُحِب أن يتصل حبلي بحبلك فدُلّني عليك وصلني بك وارزقني عشقك وحُبك والاستهتار بذكرك”، ابك وانطرح وتصدَّق بمال كثير، تصدَّق وفك يدك البخيلة الكزازة وأعط وتواضع وافعل حسنات عظيمة واطرح خدك على الأرض وابك وقل له افعل بي هذا وسيفعل – علماً بأنه سيأتي شاهده في الحديث الصحيح المُخرَّج في الصحيحين – لأنه يُحِب – لا إله إلا هو – هذا، يُحِب لك هذا ويُحِب منك هذا – لا إله إلا هو – لأجلك أنت لا لأجله، فإذا أوتيت الذكر فاعلم – بإذن الله – أنك أوتيت المنشور وأنك مكتوب في سلك الأولياء، إذا أوتيت الذكر والدوام عليه وجعلته ديمة واستُهترت به حقاً فأنت من أولياء الله، ومن هنا اخف نفسك واسكت وافرح بهذا وازدد واطلب من الله – لا إله إلا هو – مزيد التوفيق.
روى الإمام أحمد والإمام الترمذي والإمام ابن ماجه وغيرهم عن أبي الدرداء – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – أنه قال: قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلَّم – ألا أُخبِركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق – أي الفضة – وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟!
إذن هو خير من كل هذا وبتالي هو خير من الجهاد أيضاً وخير من الموت في سبيل الله، وهذا شيئ عجيب، فما هذا إذن؟!
فقالوا “بلى يا رسول الله” أي بلى أخبرنا، فقال “ذكرُ الله”.
النبي ما صحَّ عنه شيئ ولا ثبت عنه شيئ إلا وشاهده في كتاب الله علمه مَن علم وغفل مَن غفل عنه، فأين شاهد هذا في كتاب الله؟!
قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩،الله أكبر، مطلوب الآن هنا في الجهاد ليس فقط في الصوم والصلاة والحج والقدوة والاعتبار بالآيات والتأيي وإنما أيضاً ذكر الله وذلك في قوله وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ۩،
ولذلك يروي الصحابي العالم الشاب مُعاذ بن جبل – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلَّم – أن رجلاً سأله: يا رسول الله أي المُجاهِدين أعظم أجراً؟!
فقال “أكثرهم لله ذكراً”، وهذا شيئ عجيب، فليس أكثرهم قطعاً للرؤوس ولا أشجعهم ولا أنكاهم في العدو أبداً، وهذا المسكين هو مُجاهِد، فهو يُجاهِد بضعهف وجسمه وبنيته الصغيرة ولكنه رغم هذا يُجاهِد ويخوض اللُجج ويبذل المُهج كما يُقال وليس عنده أكثر من هذا، فيستوون في خوض اللُججِ وبذل المُهجِ ولكن يفترقون وينمازون بذكر الله بين مُقلٍّ وبين مُكثِر، اللهم اجعلنا من المُكثِرين.
الله لا يقول اذكروا الله فقط وإنما يقول اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۩، ويقول النبي “اذكروا الله حتى يُقال مجنون”، أي اذكروا الله حتى يقولون هذا مجنون، فلابد من الذكر الدائم في الليل والنهار باستمرار.
قال الإمام أحمد “استمعت إلى فلان من أئمة الحديث – إلى هُشيم – خمس أو ست سنين لم أسأله إلا مرة أو مرتين لهيبته” وذلك لأنه أحد مشائخ الإمام أحمد الحديث، فمشائخ الإمام أحمد بالمئين علماً، ثم قال “كان لسانه لا يفتر عن ذكر الله، يُملي الجُملة من الحديث ثم يقول لاااااااااا إله إلا الله وهو يمد بها صوته باستمرار فكان له هيبة عظيمة”.
إذن يا رسول الله أي المُجاهِدين أعظم أجراً؟!
قال “أكثرهم لله ذكراً”، فقال: فأي الصالحين – الصلّاح أو الصلحاء – أعظم أجراً؟!
فقال “أكثرهم لله ذكراً”، قال مُعاذ “ثم ذكر الصلاة والصوم والصدقة والحج”، كل ذلك ورسول الله يقول “أعظمهم لله ذكراً، أكثرهم لله ذكراً، أعظم مُتصدِّق هو الأكثر ذكراً، أعظم صائم وأعظم حاج وأعظم مُجاهِد وأعظم صالح وأعظم ولي هو أكثرهم لله ذكراً”، أي أن النبي أراد الذكر لأهميته، فقال مُعاذ: فالتفت أبو بكر إلى أبي حفصة – عمر رضيَ الله عنهما – وقال “يا أبا حفص ذهب الذاكرون بالخير كله”، فقال صلى الله عليه وسلم “أجل – أي أن النبي أكَّد هذا – ذهب الذاكرون بالخير كله”.
قال أحدهم “يوم يُكشَف الغطاء يوم القيامة للناس عن ثواب أعمالهم فإذا بذكر الله أعظم أعمالهم أجراً فتلحقهم حسرةٌ عظيمة يقولون ما كان أهونه من عمل”، أي أنه كان عملاً سهلاً جداً جداً جداً ولكن للأسف لم نستكثر منه وأضعنا أوقاتنا في البطالة وفي الغيبة والنميمة، فالواحد منهم يجلس حتى في بيت الله ويتكلَّم في أهل الله، الله أكبر يا أخي، تفعل هذا وأنت في بيت الله الذي رُفِعَ للذكر، قال الله فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ۩، فهذه المساجد رُفِعَت للذكر، ومن ثم إذا دخلتها ارم الدنيا وراءك ظهرياً ولا تتكلَم ولا تخض في أي شيئ إلا في أمر الدين وفي العلم والذكر، الدنيا في خارج المسجد وليس هنا في هذه البيوت.
الآن الملائكة – والله يا حياهلاً ويا بُشرانا يا إخواني – هنا، تجلس هنا وهنا وتستمع إلى هذه الخُطبة، فالنبي أخبرنا عن هذا وصحَّ عنه هذا، في هذه الساعة الأخيرة من الجمعة تطوي الصحف وتأتي الملائكة تحتوش الإمام وتكتنفه وتسمع الذكر فهى تُحِب أن تسمع التذكير والوعظ والحديث والسُنة والكتاب والكلام الجميل، فهذه هى الملائكة وهذا مجلس ملائكي في بيت من بيوت الله!
لكن للأسف تجد أن الذي لا يذكر الله خالي الوفاض وأن صحيفة السيئات ملآنة من عند آخرها، وقد كان يُمكِنه أن يملأ صحيفة الحسنات بذكر الله وبأعظم الأجور فيُثقِّل موازينه بذكر أشياء سهلة باللسان ولكنه ما فعل لأن المسكين كان غافلاً فهو سفه نفسه.
بذكر الله الله على الدوام يسقل القلب، فقد تقول إذا لم تكن ذاكراً “قلبي فيه قسوة، قلبي صدأ، أي لحقه الصدى فتآكل وتخرَّب وبالتالي مرآته لا تعكس شيئاً ولا ترى شيئاً فهى عمياء سوداء”، ولكن هل تُريد أن تسقله؟!
اسمع ما قاله مولاك رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم أبداً أبداً ودائماً دائماً – فيما رواه البيهقي في الشعب، حيث قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إن لكل شيئٍ سقالة – أي شيئ يسقله ويُنظِّفه ويجعله يتلألأ ويلتمع – وإن سقالة القلب الاستغفار وذكر الله”، إذن أكثر من الاستغفار وأكثر من ذكر الله والاستغفار داخل في الذكر أصلاً، فالذكر أنواعُ ثلاثة فاحفظوها وهى “ذكرُ ثناء وذكرُ دعاء وذكرُ رعاية”.
ذكر ثناء مثل سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر، قال أبو حامد الغزالي –
قدَّس الله سره وجمعنا به في دار التهاني، اللهم آمين، فهو حبيب قلوب الصالحين، اقرأوا إحياءه واقرأوا كتبه المُبارَكة، هذا الرجل الصالح على الزمان مُبارَكة فرضوان الله تعالى عليه – رُؤيت إحداهن في النوم بعد وفاتها فقيل ما فعل الله بكِ؟ فقالت غفر لي بأربع كلمات – هذا ذكر ثناء، فكانت هذه المرأة دائماً تلهج بهاته الكلمات حيث أن ديدنها وهجراها هذه الكلمات الأربع – كنت أقولها وهى “لا إله إلا الله أخلو بها وحدي، لا إله إلا الله أُفني بها عمري، لا إله إلا الله أدخل بها قبري، لا إله إلا الله ألقى بها ربي”،فتقبَّلها الله بأحسن قبول وغفر لها، ورحمة الله على شيخنا الولي الصالح عبد الحميد كشك الذي كان يلهج كثيراً بهاته الكلمات الأربع، فلعله وقف على هذه القصة بل هو حتماً وقف عليها، ولذلك كان دائماً يقول – رضوان الله تعالى عليه – هذا الرجل الصالح العارف “لا إله إلا الله أخلو بها وحدي – أي آنس بربي -، لا إله إلا الله أُفني بها عمري – وما أبركه من إفناء ؟ – لا إله إلا الله أدخل بها قبري، لا إله إلا الله ألقى بها ربي”.
داود بن أبي هند – حدَّثتكم عنه في الخُطبة السابقة – الذي صام أربعين سنة ولا يعلم به أهله هو أحد تلاميذ سعيد بن المُسيب وهو الذي قال “أصابني الطاعون وأنا صغير – علماً بأن مرض الطاعون يقتل مُعظم مَن يُصيبهم ويكرثهم – فأُغميَ علىّ فرأيت – أي أن الروح رأت وهو في الإغماء – وكأن آتيين أتياني، فغمز أحدهما عُلوة لساني – أي أعلى لساني، أعلى شيئ في اللسان، في سقف الحلق – وغمز الآخر أخمَص قدمي – علماً بأنه يُقال أخمَص قدمي وأخمُص قدمي، أي أسفله، والأخمَص هو هذه الفجوة التي لا تُلامِس الأرض – وقال: ما تجد؟!
قال “كنت صغيراً ولم آخذ القرآن بعدُ – كان يتحفَّظ بعض السور القصار ولكن لم يحفظ القرآن – فقلت أجدُ تسبيحاً وتكبيراً وتهليلاً وشيئاً من قرآن وشيئاً من خطوٍ إلى المسجد”، فقال “طفل مُبارَك” لأنه يذكر الله ويتعلَّم ويذكر التسبيح والتهليل والتكبير ويذهب إلى المساجد ويقرأ بعض السور، فقال “فاستفقت ولم أكن أخذت القرآن بعد فعافاني الله فأخذته”، أي أنه أدرك وهو صغير بلطف الله به أن للذكر وللقرآن بركة خاصة طبعاً تعصم العبد.
أنس بن مالك صاحب رسول الله – رضيَ الله تعالى عنه وصلى الله على رسول الله وآله وأصحابه أجمعين وعلينا وعليكم والمسلمين والمسلمات معهم أجمعين بفضله ومنه – قال “ذكرُ الله علامةُ الإيمان وبراءةٌ من النار وحصنٌ من الشيطان حصين”،الله أكبر، هى ثلاثة إذن – ذكرُ الله علامةُ الإيمان وبراءةٌ من النار وحصنٌ من الشيطان حصين – بمثابة حصن حصين بإذن الله تعالى!
ذكرُ الله – لا إله إلا هو – هو سلاح العارفين الذي به يضربون وبه يصولون وبه يجولون، والله حين كنت الآن في بلاد الشيشان – بارك الله وحفظها على أهلها وحفظ بها الإسلام والمسلمين – حدث شيئ عجيب، حيث حدَّثوني عن بلاد الإنجوش – إنجوشيا – وهى بلاد غزاها الشيخ المُجاهِد والعالم الفاضل الشيخ شامل النقشبندي – قدَّس الله سره – المُسمى بالشيخ شامل، وهو رجل عارف وصوفي وعالم ومُجاهِد، فشامل النقشبندي غزاها غير غزوة ليفتحها فأعياه أمرها وتأبى أهلها على الإسلام، وكيف دخل الإنجوش في الإسلام فيما بعد؟!
لابد أن نعلم أولاً أن القصة مُتواتِرة عندهم وعن الإنجوش فهم يحكونها دائماً لأنها قصة معروفة، فاسمعوا القصة العجب إذن، لأن بالجهاد لم يُفلِح الشيخ شامل ولا مَن معه، وكان معروفاً عن الشيخ شامل النفشبندي – رضوان الله عليه – أنه هو الذي كسر شوكة الروس بجهاده العظيم المُبارَك.
جاء الحاج كُنت – قدَّس الله سره – وكان على الطريقة القادرية – ومعه المسبحة كما نُسميها – علماً بأن العرب يسمونها المسباح – وقال سأذهب إلى بلاد الإنجوش، فسألوه عن السبب لأنه من المُمكِن أن يُذبَح إذا ذهب، فقال لأُدخِلهم في دين الله، فسألوه عن الكيفية، فقال بذكر الله، أي سيُدخِلهم بقوة ذكر الله، فقالوا يا شيخ اتق الله في نفسك واتق الله في نفسك ومَن معك فالشيخ شامل عجز عنهم، فقال أنا ذاهبٌ إليهم، واصطحب رجلاً واحداً من أصحابه وإخوانه ومُريديه في الله فقط، فلما أشرف عليهم وإذا بالإنجوش بالألوف يستقبلونه فاتحاً للقلوب وهم يقولون أهلاً بمَن يدلنا على الله، حدث هذا دون نقاش ودون جدال، ودخلوا في دين الله وإلى اليوم هم عليه بقوة الذكر، فهذه هى إذن فتوح الله وفتوح ذكر الله وتزكية الأولياء والصُلحاء المُستهتَرون بذكر الله في حياتهم كلها، فلهم قوة وسرٌ باتع وعجيب.
تواتر في الأدبيات الإسلامية عندنا عن غير ما واحدٍ من أسلافنا الصالحين قولهم “كنا إذا استشعرنا قسوةً في قلوبنا أتينا فلاناً من صالح مشائخنا فما هو إلا أن نراه حتى تستحيل القسوة إلى لين ورقة وإيمان وخشوع”، وفي حديث الطبراني وحديث أبي نُعيم مَن هو ولي الله أو أولياء الله؟!
أولياء الله مَن إذا رُؤوا ذُكِرَ الله، فأنت بمُجرَّد أن تراهم يلين قلبك ويلهج بذكر الله، لأنهم مربوطون بالله فيُذكِّرونك بالله، تماماً كما أن هناك من الناس من إذا رأيته ذكرت الدنيا والشهوات والأموال والمناصب والكذب والنفاق والقسوة واختلط عليك أمرك وأصبح أمراً – والعياذ بالله – مريجاً.
شيخ أهل السُنة في وقته وشيخ الإسلام الإمام الجليل النظَّارة والمُتألِّه والعابد الرباني أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني – رضوان الله تعالى عليه – تنازعته المذاهب الثلاثة، فزعم الشافعية أنه شافعي وزعم من الحنابلة مَن زعم أنه حنبلي وزعم المالكية أنه مالكي والأرجح أنه مالكي لجلالته، فهو أنبل أهل عصره في الدفاع عن الإسلام وعقائد الإسلام، أبو بكر بن الطيب الباقلاني المُتوفى سنة ثلاثة وأربعمائة للهجرة يقول “كنت أنا وأبو إسحاق الإسفراييني – هو شيخ الإسلام أيضاً، وهو عالم ومُتكلِّم كبير مُتوفى سنة إحدى عشرة أو ست عشرة وأربعمائة – والإمام أبو بكر الحسن بن فورك – مُتوفى سنة ست وأربع – نأتي كل جمعة – هؤلاء أكبر المُتكلِّمين في عصرهم، وثلاثتهم على مذهب أهل السُنة والجماعة وكانوا أشاعرة – شيخنا الإمام أبا الحسن الباهلي – هو شيخ الثلاثة، أي شيخ الباقلاني والإسفراييني وابن فورك، وهو مُتوفى سنة سبعين وثلاثمائة، علماً بأن أبا الحسن الباهلي هو التلميذ المُباشِر لشيخ أهل السُنة والجماعة الإمام أبي الحسن عليّ الأشعري المُتوفى سنة ثلاثة وعشرين وثلاثمائة للهجرة، وهم تلاميذ تلميذ أبي الحسن الأشعري وهكذا، فرضوان الله تعالى عليه – لأنه كان يُدرِّس لنا يوم الجمعة، فإذا أتيناه أرخى ستراً دوننا – لا يرون وجهه – ويجعل يُدرِّسنا ويلهج لهجاً عجيباً لم نر مثله بذكر الله تبارك وتعالى – هو كان يعلَّمهم علم العقيدة ومُقدِّمات العقيدة، أي جليل الكلام ودقيق الكلام، فيُعلِّمهم المُمكِن والجائز والمُستحيل لغيره ولنفسه وإلى آخره، وهذا كلام مُعقَّد وأشبه بالفلسفة لأن هذا من دقيق الكلام ومن طبيعيات الكلام – فلا يعرف مقدار درسنا حتى نُذكِّره ونقول له يا شيخ انتهينا اليوم ونحن بدأنا كذا ويجب أن ننتهي عند كذا”، فهو لا يعرف ماذا يقول لأنه كان مُستهتَراً بالذكر، فيتكلَّم جُملة ثم يعود إلى ذكر الله وهو محجوب عنهم بالستار، ثم قال وسألنه مرة قائلين: يا شيخنا، يا أبا الحسن، يا إمام الأمة، يا إمام المسلمين لم هذا الستر بيننا وبينك؟!
قالوا :
فحتى الجارية يُرخي ستراً على نفسه دونها ومن هنا قالوا “وكان يحتجب من جاريته”، فلم هذا الستر إذن؟!
فقال – رضوان الله عليه – لهم “لأنكم تمشون بالأسواق وترون السوقة من الناس وهم أهل غفلة فلا تنظروا إلىّ بالعين التي ترون بها أهل الغفلة”، كأنه يقول أن هذا يُؤثِّر على قلبي وعلى حالتي مع الله ومن ثم هذا لا يستوي ولا يتأتى، الله أكبر يا أخي، ما هذا؟!
وكَيفَ تَرَى لَيلَى بِعينٍ تَرَى بِهَا سِوَاهَا ؟ وَمَا طَهَّرْتَهَا بالمَدَامعِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لئن كان هذا الدمع يجرى صبابةً على غير ليلى، فهو دمع مُضيَّعُ
هؤلاء هم أئمة الاعتقاد وهذه هى فلسفة المسلمين، ولكن انظروا إلى اللهج بذكر الله تبارك وتعالى، فليس المُهِم أن نعلم شيئاً عن الله ولكن المُهِم هو أن نشعر بالله، فكلنا يعلم الكثير والقليل عن الله ويعلم أن الله موجود وأنه حيٌ عالمٌ حكيمٌ قديرٌ رحيمٌ حليمٌ غفورٌ وإلى آخره، فليس هذا المُهِم – لا والله ليس هذا هو المُهمِ – وإنما المُهِم أن نجد الله وأن نشعر بالله، فهل نشعر به ونجده – لا إله إلا هو – وبالتالي نكون في حالة كأننا نراه؟!
قال الرسول “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه – فلا أقل من أن تُوقِن وتسلك وتتصرَّف على أنه يراك – فإنه يراك”، هذا مقام المُشاهَدة وهذا مقام المُراقَبة، فتعلم إنك مرقوب وإنك بعينٍ منه – لا إله إلا هو – وبمرقب منه.
ابن عمر يقول لأحد الزبيريين وقد جاءه يخطب إليه ابنته وهو يطوف بالكعبة: أفي مثل هذه الكعبة ونحن نتراءى ربنا؟!
أي كأنه يقول له لقد قطعت علىّ عبادتي وطوافي من أجل أن تخطب ابنتي وهذا لا ينبغي ونحن نتراءي ربنا، فهذا هو ابن عمر، فانظروا إلى عبادة الصحابة التي لم تكن عبادة شقشقات وكلام ومظاهر وطقوس بل كانت عبادة الربانيين العارفين المكشوف عنهم والمرفوع عنهم الحجاب، ومن هنا قال ابن عمر “ونحن نتراءى ربنا”، فالمُهِم هو أن تجد الله، كما أن في الصحيحين يقول المولى – تبارك وتعالى – في أثر إلهي قدسي رباني جليل” أنا عندي ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني”، الله أكبر، فهل تشعر أنه معك؟!
اجلس واذكر الله وانظر هل تشعر أنه فعلاً معك أم لا، فإن لم تشعر فأنت إذن في البداية ومن ثم أكمل ولا يقطعنك هذا، وعليك أن تنتبه من مداخل الشيطان، فقد يأتيك الشيطان ويقول لك “أنت محجوب وأنت جافٍ غليظ قاسٍ، أنت لست هناك فاترك هذا لغيرك وخض في الدنيا وشأنها”، وهذا غير صحيح.
قيل لولي الله أبي عثمان الحيري – يا أبا عثمان نذكر الله – تبارك وتعالى – بألسنتنا ولا نجد حلاوةً في قلوبنا، فقال هنيأً لكم، أما يكفيكم أن الله زيَّن جارحةً من جوارحكم بذكره؟!
أي كأنه يقول هذا أمر جيد وهو أحسن من لا شيئ، فاجعل اللسان يذكر الله ثم سيأتي يوم – إن شاء الله – يذكر فيه القلب بإذن الله تعالى، لكن الآن ينبغي أن تبدأ باللسان حتى ولو كان القلب لاهياً ساهياً فسوف يأتيه يوم – إن شاء الله – ويستيقظ من غفلته ومن نومته، ولكن إن لم يتحرَّك اللسان لم يتحرَّك القلب بالحري، بالحري لم يتحرَّك، فهذا هو الفقه.
لذلك قال ابن عطاء الله السكندري – قدَّس الله سره – في الحكم العطائية “لا يصرفنك عن ذكره عدمُ حضور قلبك معه عند ذكره فإن غفلتك عن ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره”، فأيهما اعظم جرماً: إنسان يذكر ولا يجد الله أم إنسان لا يذكر الله؟!
إنسان لا يذكر – والعياذ بالله – لأن هذا غير مُهتَم من الأصل.
إذن اذكر حتى وإن لم تجده ولكن – إن شاء الله – سوف تجده، قال الله “يا ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيئ وأنا خيرٌ لك من كل شيئ”، ولذلك في هذا الحديث باب القرب إلى الله ما هو؟!
الذكر، ومن هنا إذا أراد أحد أن يتقرَّب إلى الله وأن يزدلف إليه لكي يصل له فعليه بالذكر.
قال الله “وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير منهم، وإن تقرَّب إلىَ شبراً تقرَّبت إليه ذراعاً، وإن تقرَّب إلىّ ذراعاً تقرَّبت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة”، الله أكبر، إذن المُقدِّمة لكل هذا هى الذكر، ومن هنا عليك أن تنتبه إذا أردت التقرّب والدنو والازدلاف، فعليك بالذكر.
والذِّكْرُ أعظمُ بابٍ أنتَ دَاخِلُه للهِ فاجْعَلْ لهُ الأَنْفَاسَ حُرَّاسا
إذن المسألة هى أن يُسعِدنا الله – لا إله إلا هو – وأن يتفضَّل علينا بمحض فضله وجوده وكرمه أن نجده، قال الله “إني والأنسَ والجنَ في نبأٍ عظيم، أخلق ويُعبَد غيري، وأرزق ويُشكَر سواي، خيري إلي عبادي نازل وشرهم إلىّ صاعد، أتحبب إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم ويتبغّضون إلى بالمعاصي وهم أفقر شيئٍ إلىّ، أهلُ ذكري أهل مُجالستي – الله يقول أنا جليسُ مَن ذكرني، علماً بأن الحديث صحيح، فإن كنت تُريد أن الله يُجالِسك وليس العالم الفلاني أو الصالح الفلاني وإنما الله نفسه فاذكره لا إله إلا هو -، أهل شكري أهل زيادتي، أهلُ طاعتي أهل كرامتي، أهلُ معصيتي لا أُقنِّطهم من رحمتي، إن تابوا إلىّ فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا إلىّ فأنا طبيبهم، ابتليهم بالمصائب لأُطهِّرهم من الذنوب والمعايب”، الله أكبر !
فلم المصائب – أبعد الله عنا المُصيبات والجائحات والبليات العظيمات والصغيرات منهن سواءً في جميع الأوقات والحالات – إذن؟!
الذكرُ يحول – إن شاء الله – بينك وبين كل مُصيبة، ومن هنا الإمام محمد الباقر أبو الإمام جعفر الصادق – عليهما السلام – وهو الابن الخامس لرسول الله – الباقر الذي بقر العلم عليه سلام الله – يقول “الصواعقُ تُصيب المُؤمِن وتُصيب غير المُؤمِن ولا تُصيب ذاكر الله”، وعنده آية من القرآن بس الآن ضاق الوقت، إذن الصواعق لا تُصيب ذاكر الله ابداً.
الإمام الجليل والعابد والفارس المقدام والابن الثالث المشهور للإمام عليّ – عليه السلام – وهو الإمام محمد بن الحنفية – عليه السلام – قال “إن الملائكة لتغض أبصارها عن ذاكري الله – لا تستطيع أن تُحدَّق في الذاكر الملائكة – كما تغضون أبصاركم عن البرق لعظم نوره”، فذاكر الله يتخوَّض في الأنوار الإلهية، ومن ثم هذا نور شعشعاني قوي لا تستطيع الملائكة أن تُحدِّق فيه، الله أكبر!
قال تبارك وتعالى اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ ۩ وقوله وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ ۩ في سورة العنكبوت فيه وجوه، فقيل لأن الصلاة إنما وُضِعَت أصالةً وفُرِضَت ليُذكَر بها الله كما في الحديث المشهور، فالصلاة موضوعة لأجل أن نذكر بها الله – لا إله إلا هو ولذلك كلها ذكر، ولكن من غاياتها ومقاصدها النبيلة الجليلة أنها تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ ۩، الله يقول ومع ذلكم أعظم مقاصدها وأكبر مقاصدها أن الله يُذكَر فيها، فهذا إذن وجه من وجوه وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ ۩، هناك وجهٌ ثان حيث قيل وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ ۩ تعني ذكر الربِ لعبدهِ إذا ذكره عبدهُ، لأن مَن ذكر الله ذكره الله، قال الله فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ۩ وقال أيضاً في الحديث المُخرَّج في الصحيحين إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، فالآن أيهما أعظم: ذكر العبد للرب أم ذكر الرب للعبد؟!
ذكر الرب، ولذا قال وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ ۩، أي ذكر الربِ لعبدهِ إذا ذكره عبدهُ على سبيل المُكافأة والثواب والجزاء أعظم، وهذا وجهٌ جميلٌ جداً.
هناك وجهٌ ثالث حيث قيل أن معنى وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ ۩ أي أكبر من كل بلية وأكبر من كل خطية بإذن الله تعالى، فمَن ابتُليَ ببلية فليذكر الله ومن ثم ستصغر بليته – بإذن الله تعالى – وسيُلهِمه الله الصبر والسلون، وأيضاً مَن خاف على نفسه من خطية مُعيَّنة أو من شهوة مُعيَّنة أو ما إلى ذلك فليذكر الله كثيراً، فإذا تم الذكر محق كل شهوة ومحق كل خطيئة بإذن الله تعالى.
إذن هذا معنى وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ ۩، وهذه وجوه ثلاثة جميلة من أجمل ما يكون، نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُلهِمنا ذكره وأن يرزقنا الصدق في عبادته والجد في خدمته والإخلاص في طاعته إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد إخواني وأخواتي:
بمُناسَبة الحديث في ذكر الله تبارك وتعالى – وما أجمله من حديث – أود أن أقول إن من الأسباب التي يُمكِن أن يُتوصَّل به إلى استنزال رحمات الله وغوثه لعباده ونصرته لعباده المظلومين المحرومين المُضطهَدين كالذي يحدث في سوريا الشام وفي ليبيا وفي اليمن وفي أماكن كثيرة الضراعة إلى الله – تبارك وتعالى – الضراعة، قال الله لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ۩ وقال أيضاً فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا – نسأل الله أن لا نكون من الفريق الآخر – وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ ۩، والضراعة لا تكون إلا من ذاكر اللسان والقلب، فالذي لا يذكر من البعيد والصعب جداً أن يضرع إلى الله وأن يبخع وأن ينكسر وأن يذل لله، هو لا يشعر بهذا لأنه يدعو بلسانه من وراء قلبه فيقول “اللهم انصر المسلمين” بلسانه فقط، هو يحفظ أشياء ويقولها ومن ثم الله لا يعبأ بهذا، الله لا يستجيب للتذاويق ولا للزخارف ولا للكلام المسجوع المُنمَّق المُزخرَّف الذي نتحفَّظه على المنابر، فيجب علينا أن ننتبه إلى أن الله – والله – لا يعبأ بهذا ولكنه يعبأ بدعاء من قلبٍ مُخبِت أو من قلبٍ ضارع لله أو من لسانٍ ذاكر، فلذلك الهجو بذكر الله – وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ ثم اضرعوا لله وادعوا لإخوانكم فقد عظم – والله – البلاء!
نحن كنا في البداية من الفريق الذي قال أننا لسنا مع التوقيت وإن كنا ضد هذا النظام المُجرِم المُتوحِّش الذي نعرف عنه ما يعرف العالم كله، لكن لسنا مع التوقيت فقط، فإذا بهذا النظام يقطع علينا كل حيلة وكل سبب للدفع عنه، فلا يدفع عنه الآن إلا مَن شاء الله وهم قلة قليلة من عباد الله، فقد افتُضِحَ – والعياذ بالله – أمره، حيث أن النظام لم يترك بقيةً ولا حيلة من بقايا وحيل العسف والظلم والعنف والتوحش إلا واصطنعها – والعياذ بالله – وركبها في هذا الشعب المُضطهَد المظلوم المسكين، فنسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُفرِّج عن أهل بلاد الشام وعن سوريا الشقيقة الحبيبة، اللهم خُذهم أخذ عزيز مُقتدِر هؤلاء الطواغيت ومَن مالأهم ومَن أيَّدهم ومَن سكت عنهم مكراً لا انخداعاً، فقد يُخدَع بهم بعض العلماء وبعض الصُلحاء وإن كنت لا أدري كيف يخدعونهم، أما مَن سكت تمالؤاً معهم ومكراً وخداعاً للأمة فنسأل الله أن يُعجِّل به معهم، اللهم أرنا فيهم يوماً أسوداً قريباً كأيام الأقوام الداثرين الغابرين الهالكين، كعادٍ وثمود وإخوان أولائك، فما عاد يُمكِن السكوت ولكن – كما قلت – لا نستطيع هنا أن نفعل شيئاً غير الدعاء، فخير ما نفعل – والله – هو الضراعة والبكاء في الأسحار فقد يتأذَّن الله – تبارك وتعالى – بكشف هذه الغُمة بدعوة عبدٍ صالحٍ واحد يدعو الله فإن دعا الله لبَّاه، فاللهم اجعل بعضنا من هؤلاء.
أكثروا ذكر الله وأكثروا من التوبة وأكثروا من الصدقات والاستغفار والضراعة والدعاء لإخوانكم في سوريا خصوصاً فالخطب فيها الآن عظيم – والعياذ بالله – ومُدلَهِم، فما يحدث هو شيئ مُخيف، ونحن نراه في الشاشات طبعاً، فما عاد الناس يُخدَعون بالأكاذيب والحيل والدجل والغش، ما عاد أحد يُصدِّق كل هذا الكذب المبين والكذب الفاحش، فلم يُوفِّروا أحداً لا من كبير ولا من صغير ولا من ذكر ولا من أُنثى، وأتوا على الأطفال والشيوخ والنساء العفائف الحرائر وهم يرفعون – ما شاء الله – الأعلام على دبّاباتهم، فما هذا؟!
سأقول كلمة وقعت في قلبي حيث يُراد أن يُسكَت عنهم لأجل أنهم يدعمون المُقاوَمة، فأي مُقاوَمة تدعمون ومِن أجل ماذا؟!
هل تفعلون هذا مِن أجل تحرير فلسطين؟!
المطلوب الآن تحرير الشعب السوري وليس الشعب الفلسطيني، قضية الشعب الفلسطيني أصبحت قضية أخرى الآن، فالمطلوب الآن هو تحرير هذا الشعب المُضطهَد المذبوح الذي يُذبَح صباح مساء وما من صريخ وما من مُغيث، فيجب تحرير الشعب السوري الآن وليس تحرير الشعب الفلسطيني، فحتى السوري وهو معذور عند الله وعند الناس وعند الفلسطيني سيقول لك “ليست قضيتي الآن الشعب الفلسطيني، قضيتي أنا يا أخي وأهلي وبلادي وتاريخي وديني”، حيث يُراد ذبح مُعظم الأمة السورية لأجل طائفة مُجرِمة طاغوتية، وقد رأينا القذّافي الذي أصبح الآن واحداً برأسه، ولأجل رأسه يُريد أن يذبح بقية الشعب الليبي، فلا فرق بين القذّافي وبين النظام السوري، نفس الشيئ يحدث هنا وهناك، هم يُريدون أن يذبحوا البقية من أجل أن يبقوا هم، فلا أبقاهم الله.
اللهم عليك بهم، اللهم عليك بهم، اللهم عليك بهم يا عزيزُ، يا جبَّار، يا قهَّار، يا مُنتقِم يا رب العالمين، يا مَن لا يُعجِزه شيئٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميعُ العليم، يا صريخ المُستصرِخين، يا ولي المُؤمِنين، يا حرز الصادقين، يا غياث المُستغِثين، يا رب العالمين، إلهنا ومولانا عليك بهؤلاء الطواغيت، أحصهم جميعاً عدداً ودمِّرهم بدداً ولا تبق منهم أحداً، اللهم أرنا فيهم يوماً أسود قريباً وأقر عيون المُؤمِنين برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وسلوه من أفضاله يُعطكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.
أضف تعليق