لم تحظ نظرية علمية بما حظيت به نظرية التطور من اهتمام على المستويين العلمي والشعبي، والتي لا يضاهيها نظرية فيما غيرته في جوهر الفكر الإنساني، حتى أن تأثيرها وصل إلى الاعتقاد الديني، لتحدث اضطرابا فكريا بلا حدود، منذ أعلن عنها “تشارلز داروين” في صياغة متكاملة في أواسط القرن قبل الماضي، عقب إصداره لكتابه “أصل الأنواع”.
لكن الحديث عن التطور لم يبدأ مع “داروين”، أو مع لامارك من قبله، على الرغم من اقترانه باسميهما، فقد سبقهم كثير من المفكرين والعلماء، الذين أشاروا إليه وتحدثوا عنه، تلميحا أو إفصاحا، ومنهم الفلاسفة الإغريق والعلماء العرب، بحسب كتاب “قصة التطور” للدكتور محمد فتحي فرج.
أول هؤلاء المفكرين والفلاسفة والعلماء العرب كان “الجاحظ”، والذي استعمل ألفاظا كالقلب والنقل والمسخ، قاصدا بها تغيير الكائن الحي من حال إلى حال أخرى، واعتماده فلسفة التصنيف في مؤلفاته، ومنها الحديث عن تأثير البيئة والوراثة والتهجين، إضافة إلى حديثه عن أصل بعض الكائنات.
أما العالم الذي ذكر التطور –بشكل عام- باسمه من علماء العرب والمسلمين الأوائل فهو “البيروني”، والذي قال في معرض وصفه للتكوينات الجيولوجية: وعندما ندرس السجلات الصخرية والآثار العتيقة، نعلم أن هذه التطورات والتحولات لابد أنها قد استغرقت دهورا طويلة، تحت ضغط البرد والحر، الأمر الذي لا نعرف وصفه أو قدره”.
وفي كتابه “عبدالرحمن بن خلدون: حياته وآثاره ومظاهر عبقريته”، يرى الدكتور علي عبدالواحد وافي أن مجمل نظرية التطور، التي قال بها داروين، بل وكثير من تفاصيلها حتى ما يتعلق بأصل الإنسان وصلته بفضائل القردة، قد قال بها ابن خلدون، الذي ظهر قبل داروين بنحو 5 قرون.
ووفقا للدكتور علي عبدالواحد وافي، فقد أشار “ابن خلدون” إلى التطور بعبارة أكثر وضوحا في أحد فصول مقدمته الشهيرة، والتي تزيد بها طبعة باريس (طبعة كاترمير Quatremere) عن الطبعات في العالم العربي، وهو الفصل الذي جعل عنوانه “علوم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام”، وفيه يقول: “..وأن الذوات التي في آخر كل أفق من العوالم مستعدة لأن تنقلب إلى الذات التي تجاورها من الأسفل والأعلى استعدادا طبيعيا، كما في العناصر الجسمانية البسيطة، وكما في النخل والكروم من آخر أفق النبات مع الحلزون والصدف من الحيوان، وكما في القردة التي استجمع فيها الكيس والإدراك مع الإنسان صاحب الفكر والرؤية. وهذا الاستعداد الذي في جانبي كل أفق من العوالم هو معنى الاتصال فيها”.
أضف تعليق