إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ ۩ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ۩ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ۩ قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۩ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ۩ قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ۩ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
شهد العالم أمس الولايات المُتحِدة – أكبر قوة على ظهر المعمورة – وهي تشهد عُزلتها ربما لأول مرة على هذا النحو المُخزي، فما السبب؟ لماذا هذه العُزلة التي هي في الحقيقة عُزلة مُضاعفة لأكبر قوة في العالم وللقوة الاستعمارية الوحيدة الموجودة الآن على ظهر البسيطة: إسرائيل، دولة الاحتلال؟ عُزلة للاثنين ومُخزية! المُجتمَع الدولي عزل هاتين القوتين وهذين الطرفين.
وقد تتعدَّد التفسيرات والتأويلات والأسباب، في رأيي المُتواضِع أن هذا يعود في جُزء كبير منه إلى تفكك وإلى ظهور بطلان الأساطير الصهيونية المُؤسِّسة لدولة الاحتلال، قد يُقال لي أنت تقول الأساطير، وهذا يعني أنك تنطق وأنك تُفرِغ عن لسان الراحل روجيه Roger أو رجاء Ragaa جارودي Garaudy، رحمة الله تعالى عليه، لكنني أقول لا، في الحقيقة رجاء جارودي Ragaa Garaudy أو روجيه جارودي Roger Garaudy كما لا يعلم بعض الناس لم يصك ولم يبتدع هذا المُصطلَح، هذا المُصطلَح أول مَن ابتدعه مُؤرِّخون، بروفيسورات Professors، وأساتذة مرموقون في الجامعات الإسرائيلية، هم الذين تحدَّثوا عن الأساطير والأساطير الصهيونية المُؤسِّسة للدولة – دولة الاحتلال – والمُؤسِّسة للقومية – للقومية المُعاصِرة لهم -، المُؤرِّخون الجددد – مثلاً – هم الذين تحدَّثوا مرات كثيرة عن هذه الأساطير وعن تفكيك هذه الأساطير.
إسرائيل إلى وقت قريب – إلى وقت ليس بالبعيد – كانت واحة الديمقراطية في الشرق البربري الهمجي المُتخلِّف، ومعذرةً من كلمة البربري، لكن للأسف هذا استعمال جارٍ، وينبغي أن نكف عنه، احتراماً لإخواننا الأمازيغ، على كل حال هذه أسطورة، يُقال إسرائيل لم تنو ولم تُخطِّط أن تطرد السكّان المحليين، (الذين لطالما أنكرت وجودهم أصلاً)، كما سمعنا جولدا مائير Golda Meir تتحدَّث في مقولاتها الشهيرة جداً والمُسجَّلة إلى الآن بالفيديو Video، يُمكِن أن تُتابِعوها على اليوتيوب YouTub، لكن يُقال إسرائيل لم تُخطِّط، كل الذي حدث أن هؤلاء الفلسطينيين هم طوعياً تركوا بلادهم ضمن ترتيب الفضاءات هناك للحرب، حرب النكبة في الثمانية وأربعين، هم تركوا بلادهم طوعياً، نحن لم نُهجِّرهم، لم نقم ولم نجترم مذابح مُعيَّنة في حق الفلسطينيين، لم نذبحهم، لم نحرقهم أحياء، لم نفعل هذا، سلاحنا نقي، أسطورة نقاوة السلاح! السلاح الصهيوني أو السلاح الإسرائيلي سلاح نقي، وذكي طبعاً، لا يتوجَّه إلا إلى الأعداء الصائلين الواغلين، جيش الدفاع! اسمه جيش الدفاع الإسرائيلي، Defense! مُجرَّد دفاع، هو لا يعتدي، ولا يفتعل حروباً مع الآخرين، وهو راغب حتى النُخاع في المُسالَمة وفي العيش بسلام.
أساطير! كل هذه أساطير وأكاذيب، أحسن مَن فنَّدها – لم يُفنِّدها بأحسن وجه وبأحسن طريقة الفلسطينيون أو العرب أو المُسلِمون – الإسرائيليون، وارجعوا إلى هذا الملف الذي لا يزال حافلاً، ملف المُؤرِّخين الجُدد، وهم إسرائيليون، كلهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، وإن عمل أكثرهم خارج إسرائيل أيضاً، يحملون جنسيات أُخرى لكنهم إسرائيليون، ومُعظَمهم وباعترافهم صهاينة، مُعظَمهم صهاينة، ربما باستثناء بابيه Pappé، أعني إيلان بابيه Ilan Pappé، وهذا أفضلهم وأكثرهم نزاهة على الإطلاق، هو أصلاً غدا وحار وانقلب مُناهِضاً للصهيونية، ليس فقط غير صهيوني، وليس من دُعاة ما بعد الصهيونية – الحركة التي قُبِرت مكانها تقريباً من عام ألفين وأربعة، انتهت تقريباً -، وإنما أصبح مُناهِضاً للصهيونية، كاشفاً لسوءاتها – ما كلمة سوءات هذه؟ هذه كلمة مُحترَمة جداً – بل لجرائمها وشناعاتها ومذابحها بحق الفلسطينيين، هؤلاء الذين فكَّكوا هذه الأساطير.
طبعاً أكثر مَن ساهم في تفكيك هذه الأساطير الصورة، والصورة الحية، في الانتفاضات الفلسطينية المُتعاقِبة، في الحروب الثلاثة الهمجية المُتأخِّرة على قطاع غزة المحصور والمقهور والممنوع عنه كل وسائل الحياة، العالم رأى كيف يتصرَّف جيش الدفاع – نقي السلاح، نقي الضمير، ونقي الأجندة -، وكيف تُهدَم العمارات كاملةً على رؤوس أصحابها من أجل أن يُغتال مُقاوِم فلسطيني أو شخصية فلسطينية، في أحيان غير قليلة تكون شخصية سياسية، ليست عسكرية وإنما سياسية، نحن رأينا كيف يقتل جيش الدفاع بسلاحه النقي شخصيات سياسية لا تملك إلا اللسان، لا أدري متى كان يُقتَل هؤلاء، يُقتَلون في ظل الاحتلال الإسرائيلي بدم بارد والعالم يتفرج، لكن العالم لم يفقد ضميره بالكُلية، بالعكس! العالم فيه أصحياء وأيقاظ الضمير، كانوا ولا زالوا يُتابِعون أيضاً مُغضَبين مُحنَقين وغير راضين عن هذا الوضع، هذا الذي تسبَّب في عُزلة إسرائيل وفي عُزلة الولايات المُتحِدة – الداعم الأول والأكبر وغير المشروط دعمه لدولة الاحتلال -.
لماذا قدَّمت بهذه المُقدِّمة السريعة والصاعقة طبعاً لهؤلاء المُتصهينيين والمُتصهينيين العرب الذين جاءوا ولا ينطبق عليهم إلا المثل العربي العامي (الله يطعمك الحج والناس راجعة)؟ ما شاء الله عليهم، جاءوا الآن بعد أن افتُضِحت إسرائيل في العالمين وبعد أن عُزِلت وسبَّبت أو تسبَّبت في عزل أكبر قوة على ظهر البسيطة – الولايات المُتحِدة الأمريكية -، جاء هؤلاء المُتصهينون العرب يُبرِّرون ويُشرعِنون للاحتلال الإسرائيلي، وإذا بالفلسطيني غير موجود، وإذا بحقه قد سقط وغُيّب في أرضه التي تعاقب عليها أجيال هؤلاء الفلسطينيين – حفيداً عن أب عن أب عن جد عن الجد السابع والجد الثامن والجد السابع عشر وربما الجد رقم سبعمائة – عبر ألوف السنين وفي جُملتهم لم يُغادِروها، حتى الذين هُجِّروا بالمذابح المُروِّعة، وبالحرق أحياءً.
بين قوسين مرة أُخرى أقول (هناك المُؤرِّخون الجُدد الإسرائيليون)، سوف تقول لي مثل مَن؟ أنا ذكرت إيلان بابيه Ilan Pappé، هناك أيضاً بيني موريس Benny Morris، هناك توم سيغف Tom Segev، هناك أفي شلايم Avi Shlaim – أصله عراقي، يهودي شرقي -، وهناك سمحا فلابان Simha Flapan، هؤلاء الخمسة هم المُؤسِّسون، المُؤرِّخون الجُدد المُؤسِّسون، وهناك أيضاً جيل آخر جاء بعد هؤلاء المُؤسٍّسين، أنا في تردد أن أنظمهم في ناظم المُؤرِّخين الجُدد، لأنهم تجاوزوا اهتمامات المُؤرِّخين الجُدد.
المُؤرِّخون الإسرائيليون الجُدد فكَّكوا الأساطير المُؤسِّسة لدولة الاحتلال، أي التي سبقت – كانت قُبيل وواكبت وتلت – قيام الكيان المُغتصِب، فكَّكوا هذه الأساطير، وإذا بهذه الدولة دولة لا تُحِب السلام، وتفتعل الحروب، وهذا ما أثبته المُؤرِّخون الجُدد، سواء في العدوان الثلاثي في السادس والخسمين أو في السابع والستين، وبالذات في السابع وستين، نكستنا في السابع والستين! تعرفون كيف بدأت وكيف ضُرِبت الطائرات المصرية في مرابضها دون إعلان حرب، لم يُعلِن طرف – لا إسرائيل ولا مصر – الحرب، ثم جاءت الاعترافات بعد ذلك على لسان بعض القادة الإسرائيليين الكبار.
وبين قوسين مرة أُخرى أقول (بعض مُذكِّرات بعض هؤلاء القادة لم يُسمَح بأن تُنشَر إلى اليوم، خلافاً طبعاً للقوانين المعمول بها في العالم المُتحضِّر، والتي تُوجِب نشرها، وهذا من سمات تحضر الأمة، أن يُكشَف عن أرشيف Archive الأمة بعد فترة تتراوح من ثلاثين إلى خمسين سنة، صحيح أن إسرائيل في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات فتحت أرشيفها، لكن الأرشيف الخاص بالموساد Mossad تقريباً مُعظَمه مُغيَّب، قالت لكم لا، لأسباب غير مُقنِعة بالمرة).
مُذكِّرات بن غوريون Ben Gurion – ديفيد بن غوريون David Ben Gurion تَلميذ هرتزل Herzl – مُغيَّبة، ممنوع أن يُطلَع عليها، بعض هذه المُذكِّرات لقادة آخرين التي طُبِعت أقرت وبوضوح وبغير تلعثم أن إسرائيل هي التي افتعلت حرب السابع والستين وأرادتها، لماذا؟ لضم المزيد من الأراضي، وقد كان، حرب الأيام الستة لضم المزيد من الأراضي، وقد كان، احتلت كل حدود جيرانها المُتاخِمين في ستة أيام كما تعلمون، ولا يزال الاحتلال قائماً إلى اليوم في مُعظَم هذه الأنحاء وهذه الفضاءات.
في الثاني والثمانين حدث نفس الشيئ، العدوان! مائة ألف جُندي مُدجج بأحدث الأسلحة الغربية والأمريكية خصوصاً، مع دبابات تقريباً ناهزت الألف دبابة، بما فيها الميركافا Merkava الشهيرة جداً والأسطورية، ألف دبابة! عدوان على الجنوب اللبناني، على الشريط البسيط، كان هناك بعض المُناضِلين الفلسطينييين، وتم العدوان بمائة ألف جُندي، مع تغطية تامة كاملة شاملة من سلاح الجو ومن سلاح البحرية، لماذا؟ لأنه تم اغتيال الدبلوماسي الإسرائيلي في لندن، قالوا اغتالته البي إل أو PLO، أي مُنظَّمة التحرير الفلسطينية، لكن السيدة مارغريت تاتشر Margaret Thatcher كذَّبت هذا، قالت غير صحيح، تحقيقاتنا – نحن المملكة المُتحِدة – أثبتت أن مُمثِّل البي إل أو PLO في لندن كان على قائمة المطلوبين للقتل، كان ينبغي أن يُقتَل، قالت لذلك يترجَّح لدينا أن المُنظَّمة بريئة من هذه العملية، ثم ختمت السيدة تاتشر Thatcher بالقول إسرائيل استخدمت هذه الحادثة ذريعة لغزو الجنوب اللبناني، ولا يجوز لها ذلك.
هذه ذرائع، ثم يتحدَّثون عن نقاوة السلاح، ويقولون هذه دولة تُحِب أن تُسالِم، انظروا إلى هذا، السلام بالذات لا يُوافِق إسرائيل، واضح جداً جداً جداً، سوف تقولون لي كيف؟ كيف يُقال هذا؟ غير مُمكِن يا إخواني أنه يُلائم ويُوافِق العقيدة الصهيونية القائمة على ماذا؟ على التوسع في أراضي الغير وتغولها، عندهم حلم مُتواضِع جداً: من النيل إلى الفرات، كما ورد في العهد الإلهي، هكذا قطع الله العهد لإبراهيم ونسله، من نهر مصر إلى النهر الكبير “الفرات”، نُعطيها لك ولنسلك، مُتواضِع جداً طبعاً!
أيام شارون Sharon – جزّار طبعاً صبرا وشاتيلا وجزّار الغزاويين – قُدِّمت خرائط كثيرة، أكثر من ستين خارطة، بعضها ضمت حتى الباكستان، يُريدون العالم الإسلامي كله، هكذا كانت هذه الخرائط، وهذه الأشياء ليست أحاديث ظنون وتخاريص، هذه الحقيقة! ولذلك السلام لا يُواتيهم، ولذلك لا يُحِبون سلاماً حقيقياً، هم سالموا مصر، وفي الظاهر خسروا سيناء، فقالوا وماذا بعد؟ هل نُسالِم مرة أُخرى ونخسر؟ لا نُريد، هم يُريدون المزيد، والسلام يُخسِرهم، لذلك سلامهم الآن صار له منطق مُختلِف، سلامهم من طرف واحد، أن نُسالِمكم بمعنى ألا نعتدي عليكم، ألا نصول عليكم، كفوا وسالمونا وغازلونا، لكي لا نعتدي عليكم.
هذا المنطق الذي يحدث الآن،وليس السلام الحقيقي الذي تُعاد فيه الحقوق إلى أصحابها، والفلسطيني كان مُتواضِعاً جداً حقيقةً، مُنظَّمة التحرير وكل الفلسطينيين الذين دخلوا المُفاوَضات كانوا مُتواضِعين جداً، حتى الدخول بمرجعية (242) دخول مُتواضِع تماماً، لماذا لم ندخل بمرجعية قرار التقسيم؟ قرار التقسيم قال: سبعة وخمسون فاصل سبعة من عشرة من الأرض لإسرائيل والباقي لنا، (242) قال ثنتان وعشرون في المائة فقط، ومع ذلك هذا حلم إبليس في الجنة، أن يحظى الفلسطينيون بدولة مُتصِلة قابلة للحياة على حدود ما قبل حُزيران سبعة وستين هو حلم إبليس في الجنة، وهم الآن يُصرِّحون بهذا، صعب جداً! وأين؟ عبر زُهاء ما يزيد عن عشرين سنة من أوسلو Oslo، ما الذي أخذه الفلسطينيون؟ مزيد من قضم أراضيهم بما فيها القدس الشريف والضفة الغربية باستمرار، فضلاً عن قتل أبنائهم وسجنهم، لا يُمكِن!
هذه الأساطير – انتبهوا – أحسن مَن فكَّكها الإسرائيليون، مُؤرِّخون إسرائيليون فكَّكوها، هذا نوع من يقظة الضمير، ونوع من الموضوعية الأكاديمية، لكن يبقى بابيه Pappé في الحقيقة هو أفضلهم على الإطلاق، يبقى أفضلهم على الإطلاق إيلان بابيه Ilan Pappé حقيقةً، ولذلك غادر إسرائيل، ولم يسعه أن يعيش في هذه الدولة، فضحها في ملفات كثيرة جداً هذا المُؤرِّخ الجديد والنزيه جداً، وهناك آخرون انقلبوا، لأن هناك ضغطاً طبعاً، وهناك عقوبات أكاديمية وعقوبات مُؤسَّساتية شديدة جداً، هذا ملف آخر.
فيُطعِمك الحج – أيها المُتصهين العربي – والناس راجعة، الآن جئت تُشرعِن لهم وتُبرِّر لهم، ويا سيدي هم الذين بأرشيفهم الذي فُتِح وكُشِف للمُؤرِّخين كشفوا عن الحقيقة، الفلسطيني لم يهرب ولم يفر طوعاً من أرضه، الفلسطيني ذُبِح وحُرِق وجُزِر تجزيراً، جُزِر تجزيراً! هذا معروف، المُؤرِّخون الجُدد فعلوا هذا، انتبهوا! حتى الحرق وقع لهم، وأنا لا أُبالِغ، هذا هولوكوست Holocaust فلسطيني، حتى الحرق وقع لهم، تم حرق الناس أحياء، المُؤرِّخون كشفوا عن هذا من الأرشيف، هناك أشياء مُروِّعة ومُخيفة جداً كانت تحصل للفلسطينيين، ثم قالوا الفلسطيني لم يُناضِل والفلسطيني ترك أرضه والفلسطيني باع أرضه والفلسطيني كذا وكذا، كل هذه أساطير فكَّكها هؤلاء الإسرائيليون من المُؤرِّخين الجُدد، ما الذي تُريد أن تُشرعِن لها أيها المُتصهين العربي؟ ما الذي تُريد أن تُبيِّضه؟ هذه واحدة.
ثانياً نسمع من قريب من سنتين حديثاً عن الأقصى وأنه ليس الأقصى الذي نعرفه، وقيل اتضح أن هذا ليس الأقصى وليس له علاقة بنا، وليس لنا حق في القدس، والقدس أصلاً هي عاصمة لهم، مسكين ترامب Trump هذا، هذا مسكين! هذا في القرآن الكريم يا أخي، ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۩، ألم أتل هذه الآية؟ سيُقال أنت تلوتها، قرآنكم يقول هذا! ألم تسمعوا الجزيرة وقد استضافت لكم مُؤرِّخاً إسرائيلياً مُتصهيناً يُفرِغ عن هذا المنطق وهو مُردخاي كيدار Mordechai Kedar؟ مُردخاي كيدار أو كايدار Mordechai Kedar هو أستاذ الذين صدَّعوا وشوَّشوا بعض أبنائنا وبناتنا في آخر سنتين، وقالوا إن الأقصى ليس الأقصى الذي نعرفه وهذه أرض إسرائيل، هذه أرض شعب إسرائيل، وشعب إسرائيل لم يغتصبها ولم يتغوَّلها، إنما عاد إليها، وهنا حاييم وايزمان Chaim Weizmann هو الذي ينطق، ليس العربي المُتصهين وإنما حاييم وايزمان Chaim Weizmann، يقول ماذا؟ I’m not coming, i’m returning، أي أنا لا أقدم، أنا أعود، يقول i’m returning، أنا أرجع، وايزمان Weizmann يقول هذا، وهؤلاء المُتصهينون العرب قالوا نفس الشيئ وبنفس المنطق، أرضهم يا أخي هذه، هي أرض آبائهم وأجدادهم!
لذلك أنصح أن تعودوا إلى كتابات أيضاً أستاذ تاريخ إسرائيلي وبروفيسور Professor مشهور جداً اسمه شلومو ساند Shlomo Sand، والآن طبعاً ادخلوا على الشبكة العنكبوتية وابحثوا عنه خاصة بالإنجليزية، العرب ما أخيبهم يا أخي! والله العظيم ما أبيخنا نحن! نحن باخئون وخائبون، حين تدخل حتى على اليوتيوب YouTube العربي تجد فيه مِن كل ما هب ودب، يُوجَد قذف أعراض ورمي للناس بالعظائم وبالصغائر وبكل شيئ، كل السفالات والسخافات موجودة بالعربية، لكن لا ترى – مثلاً – عروضاً لكُتب المُؤرِّخ والبروفيسور Professor الإسرائيلي شلومو ساند Shlomo Sand، الذي أيضاً فكَّك ليس الأساطير المُؤسِّسة للدولة وإنما فكَّك الأساطير المُؤسِّسة للوعي الصهيوني، للحركة الصهيونية عموماً.
إذا طُلِب مني أن أختزل الصهيونية في أمرين اثنين فقط سأقول هناك أسطورتان أيضاً، أي سأختزلها في أسطورتين، هناك أسطورة شعب الله المُختار، أي God’s chosen people، أن الله اختارهم واصطفاهم على العالمين، لماذا؟ هل حدث هذا لأفعالهم الطيبة؟ لا، بحسب التناخ – بحسب العهد القديم Old Testament، التوراة والأسفار الباقية في العهد القديم – لم يحدث هذا، أنبياؤهم زعقوا عليهم زعيقاً عالياً صاعقاً، مثل حزقيال، إشعيا، وإرميا، وكل هؤلاء قُتِلوا بالمُناسَبة، كل هؤلاء قُتِلوا! وبحسب التناخ مَن الذين قتلوهم؟ اليهود، هم أنفسهم!
وبين قوسين أقول (نحن لا مُشكِلة لدينا مع اليهود ومع اليهودية، انتبهوا! هذا مُهِم جداً جداً، كلما اتسعت دائرة معرفة الإنسان كلما وضحت الصورة، والسعيد جداً والمُبهِج واللافت أن هذه الصورة حين تضح يا إخواني تُصادِق على ما في كتاب الله، على القرآن الكريم، كتاب العدل والعدالة والإنصاف، وَمِنْ قَوْم مُوسَى أُمَّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ۩، أي والله، صدق الله العظيم، لَيْسُوا سَوَاءً ۩، القرآن يقول هذا، منهم ومنهم، من اليهود أُناس رائعون، كانوا ولا زالوا، هم رائعون وموجودون، نعرفهم بأسمائهم وبدراساتهم، من أروع ما يكون، هؤلاء هم الذين فضحوا الصهيونية، وفضحوا أساطير الاحتلال ومجازر الاحتلال، موجودون حول العالم، وأيضاً هؤلاء هم الذين فضحوا التأويلات الأيديولوجية والتأويلات العرقية والتأويلات الاستعمارية للتناخ، للكتاب المُقدَّس).
فسَّروا الكتاب المُقدَّس تفسيراً لا يسع أي نحرير مُسلِم وأي عالم مُسلِم إلا أن يُذعِن له وأن يُبارِكه، وذلك حين تحدَّثوا – مثلاً – عن الأرض المُقدَّسة، وسوف نرى ماذا قال ساند Sand عن الأرض المُقدَّسة وحتى عن شعب الله الذي اختاره الله، وهناك مَن قال لا، لا يُوجَد شعب مُقدَّس بصفة عرقية، لا يُوجَد Ethnos، لا يُوجَد عرق صافٍ نقي هكذا، عابر للأزمان، وعابر للأفعال السيئة والحسنة، قال هذا غير صحيح، ولا تُوجَد أرض مُقدَّسة بهذا المعنى، مَن هذا؟ هذا الحاخام الكبير المشهور – من أشهر الحاخامات في القرن العشرين المُنصرِم – موشي مينوهين Moshe Menuhin، أبو الموسيقار المشهور جداً جداً يهودي مينوهين Yehudi Menuhin، هذا أبوه، وهو صاحب كتاب تفسخ اليهودية في عصرنا الحاضر، اسمه تفسخ اليهودية في عصرنا الحاضر The decadence of Judaism in our time.
أعلن كفره بوثنيتين: وثنية العرق ووثنية الأرض، وهما الأسطورتان المُؤسِّستان للفكر الصهيوني برُمته، الأسطورة الأولى هي أسطورة الشعب المُختار، والأسطور الثانية هي أسطورة الأرض الموعودة، الموعودة لنسل إبراهيم، وكأن العرب العدنانيين – أبناء إسماعيل، ومنهم محمد عليه الصلاة والسلام – ليسوا من نسل إبراهيم، لكن على كل حال انتبهوا، هناك تأويل، تأويل هؤلاء الحاخامات والرابيين الأتقياء فعلاً، الذين يقولون بالحق ويقومون به، قالوا أنت لست مُقدَّساً أبداً كيهودي لأنك يهودي، وطبعاً ما معنى حتى كونه يهودياً؟ هنا أيضاً تُوجَد أسطورة يا إخواني، لابد أن تكونوا واعين جداً، ويا حسرةً على الوعي العربي! يا حسرةً على الوعي العربي المنزوف والمُستنزَف الذي يأتي تَلامذة وأقماع – جمع قمع، مُجرَّد أقماع – لمُردخاي كيدار Mordechai Kedar لكي يُزيِّفوه، وبالمُناسَبة هو فضحهم، أي مُردخاي كيدار Mordechai Kedar، أساء جداً فيصل القاسم حين استضاف هذا الصهيوني، وشوَّه حياتنا بسبه لنا وشوَّه أوقاتنا، لكن أحسن عرضاً لا غرضاً من جهة أُخرى، ما هي؟ كشف تَلامذة هذا الصهيوني من المُتصهينين العرب الذين أرادوا أن يُفهِمونا أنهم ماذا؟ أساتذة كبار في التاريخ، وبالمُناسَبة أقول بين قوسين (لا أحد فيهم يُعَد مُؤرِّخاً بفضل الله – تبارك وتعالى – إلى الآن، إلى الآن! إلى الآن لم تخرج هذه البثرة، أن هناك مُؤرَّخاً عربياً مُحترَماً – مصرياً أو عراقياً أو سعودياً أو فلسطينياً أو تونسياً أو أياً كان – خرج وصادق وثمَّن هذه الأكاذيب وهذه الأساطير، لا أحد بفضل الله! الواحد منهم إما كاتب قصص أو رجل صحفي أو رجل صاحب أجندة، لا يُوجَد مُؤرِّخ – مُؤرِّخ مُحترَم – يُثمِّن هذه الأكاذيب، لأن المُؤرِّخين المُحترَمين من الإسرائيليين الآن لا يفعلون هذا، أكاذيب هذه، كلها أكاذيب!
فموشي مينوهين Moshe Menuhin قال لك أنا كفرت بوثنتين: وثنية العرق ووثنية الأرض، على ذكر وثنية العرق – كما قلت وأتحسَّر على الوعي العربي المُستنزَف – أؤكِّد يا إخواني على أنني أتحدَّث عن هؤلاء الصهاينة، لا أتحدَّث عن اليهود، اليهود ضد هذا تماماً، الصهاينة حول العالم والمُتصهينون أفهموا العالم وأقروا في وجدانات العالم ماذا؟ أن اليهودية كما هي ديانة فهي ماذا؟ قومية، وهذا غير صحيح! هذا جنون، هذا جنون وهذه فوضى وانتحار للعقل، كيف هي قومية؟ هل يُمكِن أن تُؤمِن بأن البوذية قومية؟ مُستحيل، هل يُمكِن أن تُؤمِن بأن الإسلام قومية؟ مُستحيل، هل يُمكِن أن تُؤمِن بأن المسيحية قومية؟ مُستحيل، وهلم جرا!
سأُوضِّح لأنني أعرف أن وعينا نازف، نحن لا نعرف شيئاً، ويضحك علينا تَلامذة كيدار Kedar، نقعد فيقول أحدنا والله تُوجَد شُبهة يا دكتور، شُبهة ماذا يا ابني؟ يقول تُوجَد شُبهة يا أخي، نحن لا نفهم شيئاً، أمة لا تقرأ، والله العظيم كل يوم يتأكَّد لي – أُقسِم بالله – أن أبهظ الأكلاف والأثمان التي دفعناها وندفعها – أُقسِم بالله – إنما ندفعها بسبب جهلنا، ما الجهل هذا؟ ما الأُمية هذه؟ شاطرون في أن نُنفِق أوقاتاً في الفراغ، نُنفِق أوقات كثيرة في لا شيئ وفي العدميات أيضاً وضد بعضنا البعض، لابد أن نفهم قضايانا بشكل عام، ليس فقط هذه القضية وإنما كل القضايا، بشكل سليم وعقل مُرتَّب.
هل يُمكِن أن يأتي رجل الآن من ماليزيا أو من الشيشان إلى مصر، ويقول أنا مُسلِم وهذه بلد مُسلِم، ومن ثم أنا مُواطِن فيها؟ مُستحيل، سوف يُقال له اخرج منها، سوف يقولون له اخرج، يُمكِن أن يُطلَب منه فيزا Visa ويُقال له لا تدخل مصر، ونفس الشيئ يحدث مع مصر، لا يُمكِن أن يذهب رجل من مصر إلى إندونيسيا ويقول أنا مُواطِن إندونيسي لأنني مُسلِم، الإسلام ليس قومية يا حبيبي، الإسلام ليس قومية! هل فهمت؟ هذا هو ببساطة، ببساطة! لماذا اليهودية قومية؟ هذا أولاً.
ثانياً ومن الجميل الذي أتى به البروفيسور Professor شلومو ساند Shlomo Sand أنه أثبت أن حتى مُجرَّد مُصطلَح الشعب الإسرائيلي أو الشعب اليهودي بالأحرى – ليس الشعب الإسرائيلي، كالشعب الذي يعيش داخل دولة، لا! وإنما الشعب اليهودي – خُرافة Myth، أسطورة! قال هذه أسطورة، لا يُوجَد شيئ اسمه الشعب اليهودي، وهذا صحيح يا إخواني.
نحن نتحدَّث عن الــ Folk، بالألمانية يقولون الــ Folk، أي الشعب، الــ People، ليس الناس العاديين وإنما الشعب بالمعنى القومي وفي الإطار القومي، الشعب لابد أن يتوفَّر على الأقل على لُغة رئيسة واحدة، وهذا أولاً، ثانياً لابد أن يتوفَّر على ثقافة مُشترَكة، فضلاً عن أشياء أُخرى كثيرة معروفة ولها علاقة بالإقليم، بالذات بالإقليم، أي الــ Territory، بصراحة اليهود في العالم – ما شاء الله – عندهم مئات اللُغات، إسرائيل متحف أنثروبولوجي كما سماها الراحل جمال حمدان الذي مات مقتولاً ولم يُفتَح ملف تحقيق في قتله، مَن الذي قتله؟ مَن الذي أحرقه في بيته؟ عبقري العرب، عبقري الفكر الجغرافي والاستراتيجي الراحل جمال حمدان، رحمة الله على روحه الطاهرة، في كتابه الصغير السابق لزمانه – والله – والسابق لوعي العرب بخمسين سنة على الأقل اليهود أنثروبولوجياً قال إسرائيل هذه متحف أنثروبولوجي، لا يُمكِن بطبيعته أن يكون الدين ديناً وقوميةً، لا يصلح بطبيعة الأمور، الدين يُمكِن أن تتوزَّعه قوميات كثيرة، أن تتشاركه شعوب كثيرة، وهذا هو الحاصل والواقع، ليس مع اليهودية وحدها أو المسيحية أو الإسلام، وإنما مع كل الأديان وكل العقائد وكل الأيديولوجيات، فالمُماهة والتوحيد بين الدين وبين القومية في حالة (ما يُعرَف بالشعب اليهودي) أسطورة مفضوحة، لا يُوجَد شيئ اسمه شعب يهودي.
ولذلك البروفيسور Professor الإسرائيلي الرائع (شلومو ساند Shlomo Sand) في أول كتاب ألَّفه قال كلاماً مُهِماً، هو عنده ثُلاثية – عنده ثُلاثية مُهِمة جداً – أنصح بقرائتها، مُترجَمة إلى مُعظَم لُغات العالم الحية، مثل الفرنسية، الإنجليزية، الألمانية، الإسبانية، الإيطالية، والعربية أيضاً – تُرجِمت الثُلاثية إلى العربية -، عنده كتاب اسمه The Invention of the Jewish People، يقول The Invention، أي اختراع، يتحدَّث الرجل عن اختراع، شيئ غير موجود، اختراع ماذا؟ اختراع الشعب اليهودي، يقول The Invention of the Jewish People، أي اختراع الشعب اليهودي، يتحدَّث عن اختراع الشعب اليهودي، لأن لا يُوجَد شيئ بهذا الاسم، فالحديث عن الشعب اليهودي وليس عن الشعب الإسرائيلي – اختراع الشعب اليهودي، أي The Jewish People – لأن الآن يُمكِن أن نتحدَّث عن الشعب الإسرائيلي، أي الذي يعيش في إسرائيل، تُوجَد لُغة عبرية، وتُوجَد ثقافة الآن مُشترَكة إلى حدٍ ما، مع أن الفروقات هائلة جداً بينهم في هذا المتحف الأنثروبولوجي، لكن – انتبهوا – حتى في هذه الحالة الموضوع مُقلِق جداً، ويُسبِّب صداعاً لهم، لماذا؟ لأن الذين طردتموهم وحللتم مكانهم لا زالوا مُحدِقين بكم في لبنان وفي قطاع غزة وفي سوريا وفي الأردن، وهم في مُخيماتهم، وكثيرون منهم لا زالوا يحملون – هم أنفسهم، ليس حتى أولادهم وأحفادهم، هم أنفسهم، وهم ختيارية باللُغة الفلسطيينية، ختيارية وعواجيز في الثمانينيات – مفاتيح دورهم، يعرف الواحد منهم داره بالضبط وأين هي.
من الجميل أن شلومو ساند Shlomo Sand في كتابه الثاني قال كلاماً مُهِماً أيضاً، وطبعاً كتابه الأول أحدث دوامة كبيرة حول العالم وفي إسرائيل بالذات – في دولة الكيان أو الاحتلال الصهيوني -، فمُباشَرةً أعقبه بكتاب ثانٍ بعد بعض سنين يسيرة اسمه اختراع أرض إسرائيل، أي The Invention of the Land of Israel، اختراع أرض إسرائيل، نفس الشيئ! وسوف نرى هذا، وهذا مُهِم لنا اليوم، يقولون لكم أين الفلسطينيون؟ أين أرضهم؟ أين القدس؟ وما القدس؟ وحاييم وايزمان Chaim Weizmann قال I’m not coming, i’m returning، أي أنا لا أقدم، أنا أعود، يعود إلى بلده!
كل هذه أساطير، زيَّفها المُؤرِّخ الإسرائيلي الكبير شلومو ساند Shlomo Sand، وكما قلت ادخلوا على اليوتيوب YouTube، وفقط اكتبوا شلومو ساند Shlomo Sand، للأسف أقل شيئ موجود بالعربية، يُمكِن أن تجدوا مقطعين أو ثلاثة بالعربية، لكن هناك مئات المقاطع باللُغات الحية الأُخرى، العرب غير معنيين، شيئ مُؤلِم، يكاد يقتل، أُقسِم بالله! شيئ مُؤلِم، ونحن – ما شاء الله علينا، ولا نستثني أنفسنا – عندنا الــ Reaction أو كما يُقال هنا بالألمانية عندنا الــ Reaktion الخاص بالــ Feuerwehr، حين فقط يقع حريق نتحرَّك، بعد ذلك ينطفئ الحريق ويحرق ما يحرق، ثم نعود لكي ننام، وهم أيقاظ ساهرون على باطلهم، ونحن نائمون – نغط في نوم عميق – على حقنا، حقنا الواضح الجهير، الذي بدأ بعض نُزهائهم يُعلِّموننا إياه، يقولون لنا استيقظوا، هذه بلادكم، ليست بلادنا، نحن لصوص، نحن طارئون، نحن مُستوطِنون، نحن مُحتَلون، ونحن مُغتِصبون، استيقظوا يا هبل! ومع ذلك نحن نائمون، ويتطوَّع بعض مُتصهينينا ويقول لا، بلادهم يا أخي هذه، هذه بلادهم، ثم إن هذه مُقدَّساتهم، لكن ما علاقة المُقدَّس بالاحتلال؟ القدس مُقدَّسة عند اثنين مليار مسيحي، هل لهم أن يأخذوها؟ أليس كذلك؟ القدس مُقدَّسة عند اثنين مليار مُسلِم، هل يُمكِن أن يأتي الماليزي أو الباكستاني لكي يأخذها؟ هل يُمكِن لأي أحد أن يأخذها؟ هل يُمكِن أن يحتلها أيضاً الجيش الباكستاني أو الماليزي وهو يقول هذه مُقدَّساتي، أليس كذلك؟ مكة مُقدَّسة عند اثنين مليار مُسلِم، هل لهم أن يحتلوها وأن يطردوا العرب هنا في المملكة وهم يقولون هذه لنا لأنها مُقدَّسة؟ ما علاقة المُقدَّس بالاحتلال؟ ما هذا التفكير السخيف؟ تفكير يضحكون به على الناس، تفكير سخيف، لا تُوجَد علاقة بين مكان تُقدِّسه وبين الاحتلال.
وبالمُناسَبة يُمكِن اليوم أن يذهب الحسيديم – هناك اليهودية الحسيدية واليهود الحسيديم، هؤلاء الأتقياء والأطهار – لكي يحتلوا أومان في أوكرانيا، لأن الرابي نحمان Nachman الخاص بهم هناك، موجود في براتسلاف في أومان، وأومان في أوكرانيا، فيُمكِن يحتلون أوكرانيا أو على الأقل أومان، وهم يقولون يا أخي هذه مدينة أومان، والرابي الخاص بنا والمُؤسِّس – نحمان Nachman – من أومان التي هي في أوكرانيا، ومن ثم هذا المكان لنا، هذا مُقدَّس، لكن ما علاقة هذا بهذا؟ ما هذا؟
وبالمُناسَبة هذا الكلام الذي الآن يُشغَب بجهلنا به علينا لم يسغ يوماً على المُؤسَّسات الدولية، قالت لا، هذا باطل، هذا احتلال، هذا احتلال، هذا احتلال، فقط هذا العالم الدولي الظالم – ومَن لا يملك أعطى مَن لا يستحق – أعطاها قرار التقسيم، هم سمحوا لها بالشيئ هذا، قالوا دعوا هذا كأساس – كــ Foundation – غير قابل للتفاوض، بعد ذلك المُجتمَع الدولي لا زال إلى اليوم يقول كل شيئ غير هذا عدوان، احتلال، غير مُشرعَن، باطل، وهذا جيد إلى حدٍ ما! لكن ما بال إسرائيل لا تستمع إلى المُجتمَع الدولي؟ إسرائيل لا تستمع إلى المُجتمَع الدولي من أيام بن غوريون Ben Gurion – تَلميذ هرتزل Herzl الوفي – الذي لم تُنشَر مُذكِّراته، الله أعلم لماذا، ما الفظاعات التي فيها؟ وماذا عن كشف الأساطير والأكاذيب التي فيها؟ لو لم يكن فيها كل هذا لنشروها، نقول لهم انشروها لكي نرى ما فيها.
بن غوريون Ben Gurion كان يقول القانون الدولي خرقة بالية، أي – هذا معنى الكلام ضمنياً – ندوسها بأقدامنا، نمسح فيها الوساخة، ما القانون الدولي هذا؟ ولا زال السيد نتانياهو Netanyahu إلى اليوم يُفرِغ عن نفس منطق بن غوريون Ben Gurion، بالأمس العالم سمع نتانياهو Netanyahu وهو يقول ماذا؟ بيت الأكاذيب، قال هذا عن الأمم المُتحِدة، وصفها بأنها بيت الأكاذيب، والأمم المُتحِدة هي العالم، هي العالم المُتحضِّر اليوم، ما إسرائيل؟ كم مليون نسمة في إسرائيل؟ كم مليون إسرائيلي (على أساس أنهم يهود) هناك؟ وأقول أيضاً بين قوسين (خمسة عشر في المائة منهم مُتدينون، البقية ليس لهم علاقة بالدين، بعضهم ملاحدة، علمانيون، ولا أدريون، قالوا لا نُؤمِن بالدين، هذا كلام فارغ).
العجيب جداً أن القادة الكبار المُؤسِّسين – نجوم الصهيونية – لا أدريون وعلمانيون وملاحدة، وفي رأسهم تيودور هرتزل Theodor Herzl النمساوي المجري، هذا مُلحِد، أي Atheist، أو الأحسن أن نقول إنه Agnostic، لا يُؤمِن ولا يرفع رأسه – باللُغة العربية الفُصحى – بالدين، لا يرفع به رأساً، قال لا أُؤمِن بالدين، هذا كلام فارغ، ومشروعه مشروع استعماري، مشروع هرتزل Herzl – هذه الــ Zionism كما يُقال أو الــ Zionismus، أي الصهيونية – مشروع استعماري استيطاني إحلالي، وهو كان واعياً بهذا بشكل واضح جداً جداً، وحين كان يعرضه على القادة – قادة الفكر وقادة السياسة – كان يُقدِّمه على أنه مشروع استيطاني استعماري إحلالي، وكان يقول لا يهمني أين تسمحون لنا أن نُنجِز المشروع هذا، يُمكِن أن يُنجَز في موزمبيق أو في أوغندا – أوغندا بالذات كانت مطروحة – أو في ليبيا أو في قبرص أو في جهنم الحمراء أو في الأرجنتين، قال لهم لا يهمنا هذا، لكنهم جاءوا بعد ذلك وقالوا له تعال، ما قبرص وموزمبيق وأغندا؟ عندك فلسطين، أي Palestine، قال لهم لماذا؟ قالوا له هناك أسطورة، يُمكِن أن نُفعِّل الخُرافة Myth هنا، يُمكِن أن نُحرِّك الأسطورة، هناك أسطورة دينية، لو حرَّكنا الأسطورة الدينية سيُمكِنك بهذه الطريقة أن تُقنِع – أن تُقنِع ماذا؟ لن نقول الشعب اليهودي، لا يُوجَد شعب يهودي، تُوجَد جماهير اليهود – جماهير اليهود حول العالم أو الشعوب اليهودية، ولا تُشكِّل شعوباً هي، هي أقليات ذائبة هنا وهناك، على كل حال قالوا له سيُمكِنك بهذه الطريقة أن تُقنِع اليهود حول العالم – بالذات في العالم الغربي، هنا في أوروبا الشرقية والغربية وحتى في روسيا – أن يذهبوا إلى هذه الأرض، فاقتنع وقال نعم، هذا فعّال، وهذا جيد، أرأيتم؟
المشروع في البداية لم يكن له علاقة بالدين أصلاً، ولذلك انتبهوا، عودوا إلى الجُزء الأول من مُذكِّرات تيودور هرتزل Theodor Herzl، الجُزء الأول الذي يُؤرِّخ فيه ويُقيِّد فيه مُذكِّراته من عام ألف وثمانمائة وستة وتسعين إلى عام ألف وثمانمائة وثمانية وتسعين، وفي النصف مُؤتمَر ماذا؟ بال أو بازل Basel ، لأنه كان في عام ألف وثمانمائة وسبعة وتسعين، وسوف تجدون أن مُعظَم هذا الجُزء مرصود لــ ومكسور على ماذا؟ مرصود للرد على الرابيين والحاخامات، لماذا؟ لأن مُعظَمهم عن بكرتهم قاموا يزعقون في وجهه قائلين أنت تُزيِّف الدين، هذه أكبر جريمة، ما الأفكار هذه؟ لأن الصهيونية ضد الدين اليهودي تماماً.
الصهيونية ليست تقنيعاً لليهودية، ولا يُمكِن أن تكون اليهودية تقنيعاً للصهيونية، الصهيونية نقيض اليهودية، ما رأيكم؟ عكس اليهودية، حتى اليهودية – ليس التناخية، حتى التلمودية – فيها أقسام، ومن بين الأقسام أو القسوم الثلاثة المأخوذة عليهم في التلمود الآتي، تُقسِم باسم الرب وتقول لهم إياكم أن تُدبِّروا لعودة جماعية إلى الأرض المُقدَّسة، ممنوع! هذه جريمة، لكن هذا ليس تدبيراً وتخطيطاً فحسب، هذا فيه أيضاً تخطيط لإفراغ الأرض من أهلها، قالوا أرض بلا شعب، كيف يُقال هذا بالله عليكم؟ هذا الشعب موجود فيها من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، في الحقيقة أنتم عندك أريحا، هل تسمعون بريحا؟ أكثر مكان مُنخفِض في العالم، ريحا أقدم مدينة في العالم، هذا مُهِم لكي تعرفوا رمزية فلسطين، فعلاً أرض مُقدَّسة وأرض عتيقة، أرض نادرة! أريحة مبنية من ثمانية آلاف قبل الميلاد، أقدم مدينة على وجه الأرض، لا تقولوا لي هناك القاهرة أو دمشق أو غيرهم، أقدم مدينة هي أريحة، عشرة آلاف سنة عمرها، مَن الذي بناها؟ هل بناها العبرانيون؟ متى أتوا؟ إبراهيم متى أتى؟ سوف نأتي إلى هذه الخُطاطة التاريخية سريعاً لكي تترتَّب أيضاً الأفكار عندكم، متى عبر هؤلاء العبرانيون من ما وراء النهر إلى أرض كنعان؟ يُسميها التناخ في عدة مواضع أرض ماذا؟ أرض كنعان، والكنعانيون قبائل عربية، وفدت إليها من جزيرة العرب، نحن أحفاد الكنعانيين، وهناك مَن أتى مِن العرب بعد الكنعانيين، وبصراحة أيضاً نحن أحفاد الفلستينيين، هناك الفلستينيون، وهؤلاء يُقال إنهم أتوا من كريت – تُوجَد عدة روايات -، فاندمجوا في هذا المُجتمَع وتزوَّجوا منا وزوَّجونا وآكلونا وشاربونا، ثم ذابوا فينا لُغةً وثقافةً وعادات وتقاليد، علماً بأن كلمة فلستيني تُكتَب بالتاء وليس بالطاء، هكذا!
على كل حال نحن أحفاد هؤلاء، وبالمُناسَبة غير بعيد أن منا مَن هو حفيد أو مِن أحفاد العبرانيين، الذين ظلوا في الأرض واندمجوا فيها وغيَّروا دينهم، من اليهودية إلى المسيحية، وبعضهم بقيَ على المسيحية، وبعضهم غيَّر من المسيحية إلى الإسلام، هذا وارد، كل هذا وارد! الآن من المُؤرِّخين الإسرائيليين مَن يُزيِّف ويقول لكم هذه أسطورة، أنهم نُفوا من الأرض، ولن أقول المُقدَّسة، لأن هناك خلافاً كبيراً جداً، هم نُفوا منها، لكنهم قالوا هذه أسطورة، وهذا غير صحيح، هم ظلوا وذابوا وانتهوا، صاروا مسيحيين وبعد ذلك صاروا مُسلِمين وانتهى الأمر، وظلت منهم قلة قليلة مثل يهود السامرة على دينها اليهودي، وفقط! هناك قصص كثيرة وسيناريوهات مُهِمة جداً هم يطرحونها، هم مَن يطرحونها!
وطبعاً هناك مُؤرِّخون غير إسرائيليين، مثل كيث ويتلام Keith Whitelam، مُهِم جداً أن تقرأوا كيث ويتلام Keith Whitelam، مَن يعرف المُؤرِّخين الكبار الثقات في العالم يعرف كيث ويتلام Keith Whitelam، اقرأوا كتابات كيث ويتلام Keith Whitelam، واقرأوا كتابات تومبسون Thompson، الذي حُرِم من منصبه الجامعي من أجل مثل هذه الأفكار العميقة والدقيقة جداً والمشهود له بعلو الكعب ورسوخ القدم في هذا الباب من أبواب التاريخ، لكن الصهيونية العالمية لهؤلاء بالمرصاد، إسرائيليين كانوا أو غير إسرائيليين، يهوداً كانوا أو غير يهود.
نعود يا إخواني، إذن قضية أنهم عادوا وأنهم عرق وأنهم شعب مُختار غير صحيحة، أرنولد توينبي Arnold Toynbee – مَن يجهل توينبي Toynbee؟ مُؤرِّخ العالم العظيم وفيلسوف التاريخ الكبير الإنجليزي – كان مُعادياً ومُناهِضاً للمشروع الاحتلالي والمشروع الصهيوني، وله مُحاوَرات ومُناظَرات مع سُفرائهم ومُفكِّريهم، وله تقدمة لكُتب بعض كبار حاخاماتهم على مُستوى العالم.
إلمر برغر Elmer Berger – مثلاً – هو رئيس المجلس الأمريكي للديانة اليهودية، هذا حاخام كبير، احفظوا اسمه، اسمه إلمر برغر Elmer Berger، هذا قام بنفس الشيئ، أعلن كفره بشيئين، هما الشيئان اللذان أعلن الحاخام موشي Moshe – كما قلت في كتابه تفسخ اليهودية في عصرنا أو في العصر الحاضر – كفره بهما، أعني قدسية العرق وقدسية الأرض، برغر Berger أعلن كفره بالأمرين، وتكلَّم بلُغة جميلة كما قلت، يخشع لها كل مُسلِم.
وبالمُناسَبة هذا الذي يجعل من المُسلِم – ولا أقول هذا احتفاءً، هذه حقيقة – حين يفهم دينه حقاً ويُقرِّر أن يلتزم بالحقيقة وبالصدق إنساناً مفتوحاً على أوسع آفاق الإنسانية، المُسلِم إنسان، ليس صاحب أيديولوجيا مُغلَقة ينصرها مُحِقاً ومُبطِلاً، لا! هو إنسان، المُسلِم قال لك لا يُوجَد عرق مُقدَّس، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۩، برغر Berger حكى كلاماً بنفس هذا المنطق، وهذا مُذهِل، أنا أسعدني هذا، أن هناك مِن الحاخامات اليهود مَن يفهم هذا، وقال عودوا إلى دين إبراهيم، عودوا إلى دين أنبيائكم، عودوا إلى شرعكم المُقدَّس، العرق لا يُقدِّس أحداً، والأرض لا تُقدِّس أحداً، أخشع حين أقرأ هذا لهذا الحاخام العظيم والإنسان المُنفتِح، ويُذكِّرني بعبارة مَن؟ بعبارة سلمان الفارسي، التي أخرجها الإمام مالك في مُوطئه، وذلك حين بلغه أن أخاه في الله – وقد تواخيا أو تآخيا – أبا الدرداء عويمراً ذهب إلى الأرض المُقدَّسة وقال له – كتب له قائلاً – يا سلمان هلم إلى الأرض المُقدَّسة، فقال له أما بعد – حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله، وقال له أما بعد – فإن الأرض لا تُقدِّس أحداً، وإنما يُقدِّس المرء عمله، قال لا لهذا الكلام الفارغ، ما معنى أن هذه أرض مُقدَّسة أو أن هذا شعب مُقدَّس؟ لا يُوجَد شعب مُقدَّس ولا تُوجَد أرض مُقدَّسة بهذا المعنى!
هل تعرفون ما معنى الأرض المُقدَّسة؟ الأرض المُقدَّسة هي الأرض التي تسود فيها ويسود عليها شرع الله، شريعة الله! وفي رأس شريعة الله بعد التقوى والعدالة إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۩، هذا نفس المنطق الذي تكلَّم به الحاخام العظيم موشي مينوهين Moshe Menuhin والحاخام الكبير أيضاً إلمر برغر Elmer Berger، قالا هذا ليس صحيحاً أبداً، الأرض المُقدَّسة والشعب المُقدَّس يكونان هكذا بماذا؟ بتقديس الشريعة، حين نعمل بالوصاية والشرائع والناموس، ونُقيمه كما هو، وننفتح على البشرية، هم إخوة لنا في الإنسانية، ولا يُوجَد إنسان أحسن من إنسان إلا بالعلاقة بالله، وهذا كلام جميل، هذه هي اليهودية، شيئ جميل هذه اليهودية، أحترمها وأرفع لها القُبعة، أليس كذلك؟ أخشع أمامها، وأعلم أن محمداً إنما اقتبس من المشكاة، التي اقتبس منها أخوه يسوع وموسى من قبل، هذا شيئ جميل، نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۩، هذا هو! محمد جاء مُصدِّقاً للإنجيل ومُصدِّقاً للتوراة، هذا هو! هذا شرع التوراة، ليس الصهيونية.
لذلك الصهيونية فعلاً شكَّلت ماذا؟ تدنيساً لليهودية، دنَّستها، دمَّرتها، وناقضتها، نحن الآن علينا أيضاً أن نُناضِل فكرياً ولاهوتياً، من أجل ماذا؟ من أجل إنصاف اليهودية، وتخليصها من دنس الصهيونية، وحذاري أن نُعادِل بينهما أو أن نُصِر على المُعادَلة بينهما، للأسف الخطاب الإسلامي – أقول هذا وأنا مأزوم، وأنا مألوم أيضاً وممرور للأسف الشديد – عبر أكثر من نصف قرن يُعادِل تقريباً بطريقة أو بأُخرى وبوعي أو بغير وعي بينهما، أنت عندك العربي العادي أو المُسلِم العادي يُعادِل بينهما، حين تقول له كلمة اليهودي تجد أن كلمة اليهودي تُساوي عنده كلمة الإسرائيلي وتُساوي عنده كلمة الصهيوني، وهذا غير صحيح، بالمرة غير صحيح يا أخي، ما الكذب هذا؟ هذا حرام عليك، بهذه الطريقة أنت تخدم ماذا؟ الصهيونية، والصهاينة بالمُناسَبة هم أكثر مَن رفعوا هذه الراية، في كل مكان – في فرنسا، في إنجلترا، وفي غيرهما – كانوا يقولون لك كل يهودي هو صهيوني، وهذا غير صحيح، هذا كذب، هم يكذبون على اليهود، ليس كل يهودي صهيوني، ومَن هؤلاء الذين رد عليهم هرتزل Herzl وخصَّص مُعظَم مُذكِّرات الجُزء الأول للرد عليهم؟ ومَن موشي مينوهين Moshe Menuhin هذا؟ هذا صاحب تفسخ – أي Die Dekadenz أو The Decadence – أو تحلل أو انحطاط الديانة اليهودية في عصرنا الحاضر، هناك حاخامات كثيرون ضد هذا المنطق، ومثلهم العشرات بالمُناسَبة حتى من المُفكِّرين العظام مثل ألبرت أينشتاين Albert Einstein، هل تجهلون ألبرت أينشتاين Albert Einstein صاحب النسبية؟ ألبرت أينشتاين Albert Einstein كان لديه تصور دقيق جداً وإنساني، قال علينا أن نعمل على أن نعيش بسلام ومحبة مع جيراننا العرب في فلسطين، تعايش! الأرض تسع الجميع، أهلاً وسهلاً، وحذاري – قال لهم حذاري – من فكرة ماذا؟ الدولة اليهودية، والمعارك ليست دائماً تُخاض بالسيوف، في مرات عديدة – وهذا الأهم – تُخاض بماذا؟ بالفكر وباللسان وبالوعي – الوعي الساطع -، انتبهوا إلى هذا.
أوروبا يا إخواني استعمرت العالم العربي والإسلامي، وأنتم عندكم هولندا مثلاً، هذه استعمرت إندونيسيا ثلاثمائة وخمسين سنة، شبه القارة الهندية حين استعمرها الإنجليز بدءاً من شركة الهند الشرقية كانت ماذا؟ إمبراطورية مغولية مُسلِمة، لكن على كل حال في الفترة التي بين ألف وثمانمائة وخمسين – بدقة من ألف وثمانمائة وثمانين، لكن قولوا من ألف وثمانمائة وخمسين – وألف وتسعمائة وخمسين – أي مائة سنة – هل تعرفون كم كتب الأوربيون من دراسات عما كان يُعرَف بالشرق الأدنى ولاحقاً بالشرق الأوسط؟ كم كتبوا من دراسات؟ لأنهم يعرفون أن المعركة فكرية، مُهِم جداً جداً أن تفهم عدوك، وأن تُزيِّف وعي عدوك، وأن تغزوه فكرياً ونفسياً، وأن تهزمه نفسياً وفكرياً، تقتل إرادته، إرادة التحدي، إرادة أن يقول لا، الأوروبيون كتبوا الكثير، هل تعرفون كم كتبوا؟ كتبوا أكثر من خمسين ألف كتاب عن الشرق الأدنى في مائة سنة، احفظوا هذا الرقم، أكثر من خمسين ألف! كم تعرفون منها أو من أسمائها؟ ربما عشرات، وربما لا تعرفون حتى العشرات، أكثر من خمسين ألف! لكي يحكموا علينا الطوق الاستعماري الأوروبي، هل بقيَ استعمار الآن؟ كله لم يعد موجوداً.
حتى لا نُطيل في هذه الانفعاليات نعود الآن، لكن سنضع النقاط على الحروف، يا إخواني فضلاً عن أسطورة شعب يهودي – أي عرق وعنده مفهوم شعب بالمعنى السياسي الحديث، هذه أسطورة وخُرافة كاذبة لا معنى لها إطلاقاً – نُريد أن نُسائل موضوعاً ثانياً، ما طبيعة علاقة هذا الشعب الافتراضي – أي غير الموجود، الشعب اليهودي الافتراضي – بالأرض؟ أي ما طبيعة علاقته بالأرض المُقدَّسة؟ بفلسطين ما طبيعة علاقته؟ دعونا نرى، ولنكن دقيقيين جداً جداً.
باختصار يا إخواني – واحفظوا هذا أيضاً – إبراهيم في ألف وثمانمائة وخمسين قبل الميلاد قام بالآتي، أي في ألفين سنة قبل الميلاد، إبراهيم هو أبو العرب – العاربة العدنانية – وأبو الإسرائيليين كما يقولون، لأن إسرائيل هو يعقوب في المشهور، جميل! فقط في ألف وثمانمائة وخمسين بأمر الرب – تبارك وتعالى – عبر من بلاده – من أور بالعراق ومر بنهر الأردن – إلى أرض كنعان، سمتها التوراة أو التناخ عموماً أو العهد القديم أرض غُربتك، احفظوا الكلام هذا، هذا في التناخ، أرض ماذا؟ غُربتك، فهل هذه أرضه وأرض آبائه وأجداده أم أنه جاء واغترب فيها؟ جاء واغترب فيها، لأنه عابر، هذه ليست أرضه، أرض فيها أهلها وفيها فلّاحوها وفيها ناسها وفيها كهنتها وفيها معابدها وفيها مزارعها ومساكنها وحضارتها وعاداتها وتقاليدها ولُغتها، قيل له إلى أرض غُربتك.
جاء إبراهيم، ونعرف نحن قصته حتى قرآنياً أيضاً وليس تناخياً، وبعد ذلك لم يُطِل الإقامة بها بحسب التناخ، القرآن لم يُفصِّل هنا، لكن هذا بحسب التناخ، لماذا؟ كان فيها مجاعة، فانحدر منها إلى مصر، فهل تزوَّج منهم؟ لا، زوجته معه، وهي سارّة ابنة عمه، أي زوجته ليست محلية، ليست Local، ليست من بنات البلد، زوجته من خارج البلاد، جميل! وبعد ذلك ذهب إلى أين؟ إلى مصر، وبعد ذلك خلَّف – وتعرفون القصة – إسحاق، حين خلَّف إسحاق صمَّمت زوجته – رأسها وستون سيفاً كما يُقال – على الآتي، وهو أيضاً اقتنع به، قيل لإسحاق انتبه يا إسحاق، حذاري يا آيزاك Isaac أو حذاري يا إسحاق من أن تتزوَّج ماذا؟ كنعانية، عندهم عداء للبلد وأهل البلد، من الأول قيل له هذا، وهذا الكلام ليس كلام عدنان إبراهيم، هذا كلام شلومو ساند Shlomo Sand، قال ما هذه النزعة العدائية لأهل البلد؟ هذا شلومو ساند Shlomo Sand الإسرائيلي! قيل لإسحاق حذاري من أن تتزوَّج كنعانية، لماذا؟ لماذا هذه النزعة وما إلى ذلك؟ ممنوع، فذهب إبراهيم وعزم وأقسم بالله على العبد الخاص به، قال له عليك أن تذهب وتبحث لي في أرض آبائي وأجدادي – في العراق، في بلاد أور، في بابل – عن زوجة تليق بابني إسحاق، من هنا لن نأخذ، جميل! هذا مُهِم لكي نعرف طبيعة علاقتهم بالأرض، ما علاقتكم بها؟ أنتم جئتم كعابرين، ما مدى تجذركم بالأرض؟ الفلستينيون هؤلاء أتوا أيضاً من كريت أو غيرها واندمجوا وعاشوا وصاروا فلسطينيين حتى بعد ذلك، هم الذين أعطوها الاسم، لكن هؤلاء قالوا لكم لا، ذهب العبد – لم يُكذِّب خبراً – وعاد برفكا، العرب يُسمونها رفقا، عاد العبد برفكا، رفكا هي زوجة مَن؟ آيزاك Isaac أو إسحاق، فتزوَّج إسحاق بواحدة أيضاً من العراق، بابلية! آرامية في الأغلب، تزوَّجها، أتت له بمَن؟ أتت له بيعقوب، قيل له انتبه يا يعقوب، حذاري من أن تتزوَّج منها.
انتبهوا إلى هذا، سوف تقولون لي نحن دخلنا الآن في (الغميق) – كما يُقال بالعامية – وأتينا إلى الكلام الخطير، لأن يعقوب هو إسرائيل، سوف يكون أبا مَن؟ أبا الأسباط، الأسباط كم؟ هناك ثلاثة عشر سبطاً، يُوجَد أحد عشر سبطاً، ويُوجَد سبطان من أولاد يوسف، أليس كذلك؟ هؤلاء الأسباط، إذن قيل ليعقوب ماذا؟ قيل له انتبه يا يعقوب، ممنوع كذا وكذا، فيُهاجِر يعقوب إلى بلاد ماذا؟ ميسوپوتاميا Mesopotamia، بلاد ما بين النهرين، ويتزوَّج ليئة وأختها راحيل، راحيل هي أم يوسف وبنيامين، فهو تزوَّج ليئة وراحيل، علماً بأن هذا كله في التناخ، ليس من عندي أبداً، وشلومو ساند Shlomo Sand يستعرضه، كأنه يقول لهم انتبهوا وانظروا، حاولوا أن تقرأوا التناخ قراءة علمية موضوعية وأكاديمية.
إذن تزوَّج ليئة وراحيل، وخلَّف كم؟ خلَّف أحد عشر فرداً خارج فلسطين، خارج بلاد كنعان، كلهم في الخارج! ما رأيكم؟ مُهِم جداً أن تفهموا هذا، إياكم أن يختلط عليكم الأمر وأن تقولوا القرآن تحدَّث عن يعقوب وأبي كذا، إلى آخر هذه القصة! هؤلاء لم يكونوا أتوا إلى بلاد كنعان، هؤلاء وُلِدوا في الخارج، هل هذا واضح؟ بعد ذلك رجعوا إليها مع أبيهم، كلهم عابرون، علاقتهم بها – سُبحان الله – سطحية، مرور وعبور! ثم قالوا لكم نحن ليس لنا حق، وهم عندهم حق، ما شاء الله! أقول للمُتصهين العربي أنت فاهم للتاريخ جيداً، ودارس للتوراة جيداً، دراستك لها أحسن من دراسة أهلها، عبقري أنت! أقول هذا للمُتصهينين العرب طبعاً الذين يُنصِّبون أنفسهم أساتذة علينا حين يظهرون على شاشات التلفاز وما إلى ذلك، لكن دعونا نرى هذا.
إذن من الاثني عشر هناك أحد عشر وُلِدوا في الخارج، وواحد فقط وُلِد في بلاد كنعان، اثنان من أولاد يوسف أسباط، ويوسف زوجته من مصر، أليس كذلك؟ اثنان منهم أسباط، هذا يعني أن أسباط الأمة هذه كلهم من الخارج، أليس كذلك؟ وأربع أمهات الأمة لسن محليات، لسن من أرض كنعان، ما رأيكم؟ لا سارّة، لا رفكا، لا ليئة ورحيل، ولا زوجة يوسف – أم السبطين -، أربع أمهات الأسباط من الخارج، هل هذا واضح؟ هذه طبيعة علاقتهم بها، جيد!
لكي تأخذوا – كما قلت – مجرى التاريخ ببساطة افهموا الآتي، في ألف وثمانمائة وخمسين عبر إبراهيم إلى أرض كنعان، أرض غُربته، وماتت زوجته سارّة عليها السلام، انظروا إلى هذا، نحن نُسلِّم عليهم، هؤلاء آباؤنا وأمهاتنا، نقول عليهم السلام، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ۩، نفس المنطق التوراتي الذي يفهمه الحاخامات الأتقياء، قالوا المسألة ليس لها علاقة بالجنس وليس لها علاقة الأرض، لها علاقة بالتقوى وبالعمل الصالح، لابد أن يسود شرع الله، والأقرب إلى الله سيكون عنده التقريب والزُلفى، والأبعد ستأخذه جهنم، وأنتم يُمكِنكم أن تروا التناخ وهو يتحدَّث عنهم، والله يُهدِّدهم على لسان أنبيائه، يُهدِّدهم تهديداً رهيباً جداً.
يا جماعة الخير نبوخذ نصر Nebuchadnezzar البابلي دمَّر هيكلهم، هذا اسمه الهيكل الأول، دمَّره بالكامل، واقتادهم فيما يُقال إلى بلاد بابل، حيث ظلوا هناك قريباً من أربعين أو أكثر سنة، وهذا على ما أعتقد – إن لم تخن الذاكرة – كان في سنة خمسمائة وست وثمانين قبل الميلاد، وظلوا هناك في بابل إلى أن جاء مَن؟ جورش أو كورش الثاني Kurosch II – الملك الإخميني الفارسي -، وأعطاهم الإذن بأن يعودوا، ولكن في حدود ضيقة جداً جداً جداً، القدس وما حولها، في حدود أربعة وسبعة من عشرة في المائة من أرض فلسطين التاريخية، قال لهم ارجعوا، ورجع أقلهم، وأكثرهم أبى أن يعود، بالمُناسَبة لا تظنوا أنهم كانوا يُريدون العودة، وإلى اليوم هم هكذا، ستون في المائة من يهود العالم ليسوا في دولة الاحتلال، ستون في المائة يرفضون، نيويورك وحدها فيها يهود أكثر من كل إسرائيل، أليس كذلك؟ يرفضون! وقالوا لكم هذه أرضنا وأرض آبائنا، فلتذهبوا إليها، اذهبوا إليها!
ريغان Reagan – تعرفون ريغان Reagan، رئيس الولايات المُتحِدة الأمريكية USA في وقته – في أواخر الثمانينيات فتح الباب للمُهاجِرين في الاتحاد السوفيتي، قال تفضَّلوا، قامت إسرائيل بكل خديعة وبكل وسيلة لتسد الباب في وجوههم، تُريد ماذا؟ أن تستقدمهم إليها، أليس كذلك؟ لكي تُكثِّر أعداد الشعب، لكنهم كانوا يأبون، يُريدون الولايات المُتحِدة الأمريكية USA والدول الغربية، لدرجة أن إسرائيل – وهذا معروف، هذا فصل معروف طبعاً لمَن تابع – قامت بخديعة كُبرى، تعاونت فيها حكومة المجر الفاسدة الشيوعية في وقتها وجزّار وجلّاد رومانيا تشاوشيسكو Ceaușescu المقتول بعد ذلك، تعاونوا وخدعوا هؤلاء للأسف، خدعوا مليون يهودي سوفيتي، وأدخلوهم إسرائيل حيث لم يُريدوا ولم يرغبوا أن يُهاجِروا، بالخدعة أتوا بهم، هل فهمتم؟ ماذا يُريدون؟ هذا ما فعلوه! فهم يُحاوِلون أن يُفهموكم أسطورة أن هذا شعب واحد وأنه مُتعلِّق ببلاده، وهذا غير صحيح، ويقولون إنه مُتعلِّق بدينه، وهذا أيضاً غير صحيح، خمسة عشر في المائة فقط مُتدينون، وأين هذا من تدين الفلسطيني المُسلِم أو المسيحي؟ خمسة عشر في المائة فقط!
الأعجب من هذا كله – ولا تنسوا هذا، قلت هذا ولم أُكمِله – أن القادة الكبار للصهيونية ملاحدة وعلمانيون ولا أدريون كما قلت، والجميل في إيلان بابيه Ilan Pappé أنه يقول الآتي، هل تعرفون إيلان بابيه Ilan Pappé؟ كما قلنا هذا أحسن مُؤرِّخ إسرائيلي جديد، هو أنزه واحد! إيلان بابيه Ilan Pappé يقول ماذا؟ يقول مُعظَم الصهاينة لا يُؤمِنون بوجود الله – أن الله موجود – ولكنهم يُؤمِنون بأنه وعدهم فلسطين، أي Promised them Palestine، يقول But they too believe، يقول Too believe، أي يُؤمِنون بقوة، But they too believe، لكنهم يُؤمِنون بقوة، بماذا؟ بأنه وعدهم بفلسطين، كيف هذا؟ بالضبط مثل بن غوريون Ben Gurion المُلحِد وهرتزل Herzl المُلحِد، لا يُؤمِنان بالله، وكذلك الحال مع موشيه دايان Moshe Dayan المُلحِد وجولدا مائير Golda Meir المُلحِدة، هؤلاء ملاحدة، لا يُؤمِنون بالله لكنهم يُؤمِنون بأن الله – الذي لم يُؤمِنوا به – أعطاهم الأرض، هذا استعمار، أرأيتم؟ هذا اسمه استعمار.
بالمُناسَبة ما الجديد؟ لا جديد تحت الشمس كما في سفر نشيد الأنشاد من العهد القديم أيضاً، لا جديد تحت الشمس، هذه من نشيد الأنشاد، تعلَّمناها منهم، لماذا؟ لأن المُستعمِر الفرنسي اعتدى على العرب والأفريقان، وحيثما حل أو ارتحل ارتكب مجازر، عنده تاريخ من المجازر رهيب، هؤلاء المُحتلون والمُستعمِرون الفرنسيون ماذا كان شعارهم؟ ماذا كان شعار هؤلاء؟ نحن نُعبِّر عن مشيئة الرب، كل المُستعمِرين دائماً يمتهنون اسم الرب، كلهم! أكثر من هذا ما فعله جيش بسمارك Bismarck وجيش هتلر Hitler الملعون – جزّار اليهود وجزّار الجيبسيس وجزّار الجنس السلافي عموماً، وكان يُحِب أن يكون جزّار العرب أيضاً -، هذا الجزّار الكبير هل تعرفون ماذا كان شعار جيشه وماذا كان شعار جيش بسمارك Bismarck من قبله – الرجل الحديدي في ألمانيا -؟ Gott mit uns، هذه الجُملة من غير Ist، لأن هذه شعار، ليس ضرورياً أن نضع Ist، شعارهم كان Gott mit uns، أي الله معنا أو الرب معنا.
شعار الدويلة العنصرية المُجرِمة في جنوب إفريقيا ما هو؟ في حكومة الأبارتيد Apartheid أو التمييز العنصري ماذا كان شعارهم وإيمانهم الأيديولوجي؟ نحن نحمل رسالة إلهية في تحضير هؤلاء، أي غير المُتحضِّرين والهمج، كلهم هكذا! كلهم إلهيون، ما شاء الله عليهم، والصهاينة ليسوا بدعاً، أيضاً يتكئون على الله وعلى نصوص الله وعلى التناخ والتلمود وما إلى ذلك، والتناخ بريء منهم، والله بريء منهم طبعاً براءة مُضاعَفة، لكن هذا كذب على الناس، هذا اسمه الانتهازية والوصولية والاحتيال وتزييف وعي الناس، فجميل جداً أن إيلان بابيه Ilan Pappé قال مُعظَم الصهاينة لا يُؤمِنون بوجود الله، لكنهم يُؤمِنون بأنه وعدم فلسطين، جميل جداً! لخَّص القضية كلها بكلمة واحدة، هذا مُهِم لكي نفهم نحن ويفهم مُتصهينة العرب، قالوا هذه حقوقهم، وكأنهم دارسون – دارسون للتناخ وللتاريخ – ويفهمون كل شيئ.
نرجع، في ألف وثمانمائة وخمسين عبر إبراهيم، ورأينا أين أتى النسل هذا، وليس هذا فحسب، في التناخ نفسها ما الذي حصل؟ حين ذهب يوسف إلى مصر كما تعرفون لم يُعتِّم أو لم يلبث أن استقدم أباه وإخوانه الأسباط، وبقوا هناك، علماً بأن هذا يُسمونه عصر العبودية، وهذا عند اليهود في تاريخهم، فهم بقوا هناك، كم تقريباً؟ زُهاء أربعمائة سنة، قد تزيد قليلاً، إذن عندكم الفترة التي من ألف وثمانمائة وخمسين قبل الميلاد إلى ألف وأربعمائة وخمسين قبل الميلاد، قبل أن يظهر مَن؟ موسى، في هذه النُقطة من هذا المسار التاريخي ظهر مَن؟ موشى، موسى عليه السلام، نبيهم الأكبر، إبراهيم أبوهم الأكبر وأبونا، وموسى نبيهم الأكبر، هل هذا واضح؟
والعجيب جداً أن أول تجلٍ للرب لإبراهيم لم يكن في أرض كنعان، كان في الخارج أيضاً، في بلاد الرافدين، وأول تجلٍ للرب لموسى لم يكن في أرض كنعان أيضاً، أي حتى الدين جاءه في الخارج، ما هذه العلاقة؟ علاقة خفيفة، علاقة استعمار بعد ذلك، استعمار وذبح للشعوب بحسب سفر يهوشع، أي يوشع بن نون، هذه القصة! هكذا يجب أن نقرأ، وهكذا يقرأ شلومو ساند Shlomo Sand وغير شلومو ساند Shlomo Sand، هذه التوراة، هذا التناخ، ماذا نفعل؟ هذه الحقيقة.
فعندكم زُهاء أربعمائة سنة، تقول التناخ تكاثروا وتناسلوا، ولد لهم أولاد ولأولادهم أولاد، وصاروا أمة كثيرة، السؤال أين تكاثروا وتناسلوا؟ أي باللُغة المُعاصِرة ديموغرافياً اتسعوا واستبحروا، أين؟ أيضاً خارج أرض فلسطين، في مصر! أي تكاثروا واستبحروا ديموغرافياً ليس في فلسطين، إذن لا أنتم منها ولا تزوَّجتم منها ولا عشتم فيها إلى الآن فترة لها وزن وتكاثرتم خارجها، الله! ما طبيعة علاقتكم بها إذن؟ لماذا أخذتموها منا؟ ما القصة؟
قالوا لكم بعد ذلك الرب أوحى إلى موسى، واليوم نحن تلونا الآيات، قالوا لكم الله وعده هذه الأرض، وليس هذا فحسب أيضاً، وفي التناخ أو في العهد القديم يُوجَد التزام إلهي بأن يُفرِّغ له الأرض من أهلها، أي تُوجَد مجازر هنا، يُوجَد جينوسايد Genocide، يُوجَد تطهير عرقي، تُوجَد إبادات عرقية، طبعاً ليست الملائكة التي قامت بها، وليس الرب بشكل مُباشِر، جنود مَن؟ يهوشع، واقرأوا الآن التناخ وانظروا إلى تاريخ هذه الفترة، وبالمُناسَبة هناك مئات من المُفكِّرين الأحرار – من أيام فولتير Voltaire ومن أيام التنويريين هنا في أوروبا وإلى اليوم – الذين أعربوا عن غضبهم واشمئزازهم بالذات من سفر يهوشع أو يوشع، بالذات! لماذا؟ لأنه سفر ماذا؟ دموي، تقرأونه وتجدون بالنص والفص أنهم جاءوا إلى بلدة فحرَّموا كل ما فيها، من رجل وامرأة وطفل وشيخ كبير، حتى البقر والغنم والحمير، اذبح، اذبح، اذبح، شيئ مُرعِب!
والآن يُرمى الإسلام والقرآن ومحمد بأنه دين دموي ودين كذا وكذا، هذا سفر يوشع، وبالمُناسَبة شلومو ساند Shlomo Sand أعرب عن تعجبه واستغرابه الشديد من هذه الأسفار، وقال لماذا هذه الأسفار وبالذات هذا السفر لا يزال يُدرَّس في المدارس في إسرائيل؟ لماذا؟ قال لهم، قال لهم هذا يُشوِّه الطفل، يُشوِّه الإنسان، يجعله يُصبِح مُجرِماً، هذا المنطق الصهيوني! الصهيونية تقوم على هذا المنطق، لا مكان لشعبين في هذه البلاد، هذه أسطورة بل شعار – هذه ليست أسطورة فحسب وإنما هي شعار أيضاً – الصهاينة، ليبوفيتس Leibowitz قال هذا، احفظوا الاسم هذا، هذا كان شعاره، ليبوفيتس Leibowitz قال لا مكان لشعبين في هذه الأرض، إما نحن وإما هم، هم لا يُريدون وقاعدون، فماذا نفعل؟ اذبحوا، وهذا الذي حدث في الثمانية وأربعين، وهذا الذي كشف عنه المُؤرِّخون الجُدد، مذابح ومجازر وتطهير، إذن العرب والفلسطينيون لم يفروا طوعاً أبداً، ذُبِّحوا!
وبالمُناسَبة هذه المجازر كانت الدعاية الصهونية تُهوِّل من شأنها، فحين يذبحون منا ثلاثمائة يقولون نحن ذبحنا ثلاثة آلاف، لماذا؟ لكي يدب الرعب بيننا، وفعلاً هذا فعل فعله فينا، قيل إنهم لم يتركوا أحداً، يذبحون الكل هؤلاء، فالناس هربت طبعاً، الذين هربوا هربوا من الروع ومن الخوف، وهناك أُناس ذُبِحوا، وهم كثير طبعاً، والآن هذا مُستمِر، وبالمُناسَبة حين يأتي مُؤرِّخ منهم أو طالب لكي يتحدَّث عن هذا يقومون بالتنكيل به، مثل الشخص الذي عمل رسالة ماجستير أو ماجستير بحثي في مجزرة الطنطورة، فعلوا الكثير في هذا المسكين، أهانوا هذا المسكين وانتهكوا حقوقه، علماً بأن الرجل قدَّم رسالته هذه في الخارج، في الغرب البعيد، وأخذ عليها سبعة وتسعين في المائة، أعلى درجة في تاريخ الجامعة، وأتى فيها بوثائق، مجزرة الطنطورة مجزرة بشعة وحقيرة، تمت وأنكروها، لكن أثبتها هو، ولم يُدافِع عنه دفاعاً واضحاً هكذا إلى الآن إلا إيلان بابيه Ilan Pappé، حياه الله، بابيه Pappé دافع عنه، لأن هذا المسكين – صاحب رسالة مجزرة الطنطورة – قاموا بإهانته.
طبعاً الجميل جداً في شلومو ساند Shlomo Sand – كما قلت – أنه في آخر فصل في كتابه الثاني اختراع أرض إسرائيل قال الآتي، في آخر فصل قال انتبهوا، هذه الجامعة – جامعة في تل أبيب – التي أُدرِّس فيها مُقامة على أنقاض قرية فلسطينية وادعة جميلة – يُقشعِر البدن هذا الكلام، وحتى هو كان حزيناً -، كانت في هذا المكان وكان فيها أهلها وأُنسهم وثقافتهم وجمالهم وحياتهم ومعائشهم، كل شيئ انتهى، وكأنها لم تكن، اسمها قرية الشيخ مُونِّس، ليس مُونِساً أو مُؤنِساً، اسمها بالفلسطينية مُونِّس، هكذا تُلفَظ، قرية الشيخ مُونِّس، قال أنا دائماً في كل مساقاتي الدراسية أُعلِّم طلّابي – الإسرائيليين – أن ليس الماضي هو الذي يصوغ الحاضر – قال لهم غير صحيح، هذا كذب، هؤلاء يكذبون عليكم – وإنما الحاضر هو الذي يُعيد إنشاء وصياغة وبلورة ماضٍ في أحيان كثيرة لم يكن، بالضبط مثل ماضي هؤلاء المُحتَلين والمُغتصِبين، كله أكاذيب وأساطير، خلقوا ماضياً آخر، لكي يُبرِّروا ماذا؟ حاضراً بشعاً قائماً على الدماء والأشلاء والكفر وتغول حقوق الآخرين، هل هذا واضح؟ هو هكذا!
شلومو ساند Shlomo Sand يا إخواني – وعودوا إلى كتابه أفضل، أحسن من هذا التلخيص – قال لكم أنا حين كنت حتى صبياً وغُلاماً في مُبتدأ حياتي العلمية كنت أُصدِّق أن أرض فلسطين مُصطلَح تناخي أو تناخوي، أي موجود في التناخ، قال وبعد ذلك حين بدأت أبحث البحث العلمي الأكاديمي فُوجئت، لا يُوجَد في التناخ بطوله مُصطلَح أرض إسرائيل، وانظروا أنتم إلى حجم العهد القديم، كبير جداً العهد القديم، بطوله ليس فيه هذا، واذهبوا وفتِّشوا، هذا مُؤرِّخ كبير، لا يُوجَد ماذا؟ مُصطلَح أرض إسرائيل، لا يُوجَد الكلام هذا، أرض إسرائيل غير موجودة إطلاقاً، لكن تُوجَد أرض كنعان، تُوجَد أرض كنعان ويُوجَد عندكم بعد ذلك ماذا؟ كلمة الأرض، في أكثر من ألف مرة جاءت كلمة الأرض، يُقال الأرض، الأرض، في الأرض، في الأرض، لكن في التناخ – يقول – في مُعظَم المرات حين ترد كلمة الأرض تكون مشحونة بشحنة ماذا؟ لاهوتية ثيولوجية، هل تعرفون لماذا يا إخواني؟ اسألوا أي مُؤرِّخ وأي شخص دارس لهذه الأفكار، سوف يقول لكم أصلاً مفهوم الأرض كإقليم مفهوم مُستحَدث، وكذلك الحال مع مفهوم القوميات الذي تصاعد في القرن التاسع عشر بعد ذلك، هذه مفاهيم مُستحدَثة، في القديم القديم لم يكن هذا موجوداً بالطريقة هذه، كان عندكم الپوليس Polis اليونانية، لكن هي ماذا؟ پوليس Polis فقط، ليست بمعنى الــ State – أي دولة – وما إلى ذلك، هذا لم يكن موجوداً، هناك مدينة أو دولة المدينة أو الدولة المدينة، والدولة المدينة – الپوليس Polis اليوناني – ليست بمعنى حتى أحقر تعريف للدولة الحديثة أبداً أبداً أبداً، لأنها لم تكن دولة مُواطِنين، كانت دولة مُنتخَبين، العبيد ليس لهم حق فيها، الأنغال ليس لهم حق فيها، الوافدون وما إلى ذلك – حتى لو عاشوا ثلاثين سنة – ليس لهم حق فيها، والآتون من زيجات مُختلَطة – أي بين أثيني حقيقي وواحدة غير أثينية – ليس لهم حق فيها، ما هذه الدولة؟ قالوا لكم هذه هي، لكن انظروا في التناخ، عندكم مفهوم الوطن أيضاً، هناك الموطن والوطن، قال هذا الوطن فقط بمعنى ماذا؟ مسقط الرأس، أين وُلِدت؟ أو مكان أصل العائلة، أي مكان أصل الــ Family الخاصة بك، فقط هذا هو! ليس وطناً بمعنى دولة، قال هذا غير موجود، وهذا مفهوم.
إذن الشحنة الحقيقية يا إخواني كانت ماذا؟ شحنة لاهوتية، فضاء تعيش فيه من أجل ماذا؟ أن تُمارِس الطقوس والعبادة وتُطبِّق شرع الله، هذا المقصود فقط، لكن ليس إقليماً لك بالطريقة المفهومة في العصر الحديث وتُقاتِل عنه وتُدافِع عنه وتتماهى فيه وتفديه بالروح وبالنفس والنفيس، هذا الكلام – قال – غير موجود بالمرة، أُكذوبة حقيقية، وهذا المُصطلَح – أرض إسرائيل – متى ظهر؟ متى ظهر؟ قال هو في عهد الهيكل الثاني لم يكن ظاهراً حينها، الله! ما القصة؟ ما الذي كان ظاهراً؟ قال يهودا، جاء مفهوم يهودا، أرض يهودا، أرض يهود في الهيكل الثاني، أي من سنة خمسمائة وتسع وثلاثين فما فوق، والهيكل الثاني ظل إلى سنة مائة وخمس وثلاثين، حين دمَّره الرومان تدميراً نهائياً وحرقوا المكان، هل هذا واضح؟ إذن قال يهودا.
قال أنا في ظني أن مُصطلَح أرض إسرائيل نشأته رابانية مسيحية، ونشأ كردة فعل – انظروا فهذا المُؤرِّخ الإسرائيلي – على تسمية الرومان لتلك البلاد سوريا بلستينا Syria Palaestina، الرومان طبعاً حكموا فلسطين حكماً بدأ من سنة ثلاث وستين قبل الميلاد، هل هذا واضح؟ وبعد ذلك في سنة ست وستين قبل الميلاد لم يُعطوا اليهود فيها ولا غير اليهود حُكماً ذاتياً، صار الحُكم حُكماً مُباشِراً لهم، وتعرفون أنتم كيف كانت القصة، وتعرفون ميلاد المسيح والأشياء هذه، إلى آخر هذه القصة! على كل حال قال فالرومان سموا هذه البلاد سوريا بلستينا Syria Palaestina، سموها سوريا بلستينا Syria Palaestina، هكذا سموها! كان اسمها هكذا، سوريا بلستينا Syria Palaestina! فاليهود كردة فعل سموها ماذا؟ أرض إسرائيل، قال لأول مرة ظهر هذا، وليس – نفس الشيئ أيضاً – كإقليم يشي بالمعنى العام له أو بالمعنى العمومي الآن في السياسة أبداً أبداً.
هذه قصة كبيرة غريبة ومُعقَّدة، والآن هناك سؤالي يا إخواني، ما هي أطول مُدة اتصلت بها هذه الشعوب أو هذه الأمة بالأرض؟ كم؟ أقل من أربعمائة سنة، ما رأيكم؟ أقل من أربعمائة سنة! لا تظنوا أبداً أن اليهود عاشوا ألفي سنة في فلسطين أو ألف سنة وما إلى ذلك، أطول مُدة على الإطلاق اتصلوا فيها بهذه الأرض لم تُتِم أربعمائة سنة، هل هذا واضح؟ جميل جداً!
ماذا عن عهد المُسلِمين بهذه الأرض؟ وصل إلى ألف ومائتي سنة، المُسلِمون اتصل حُكمهم – شتى خلافات المُسلِمين – بهذه الأرض عبر ألف ومائتي سنة، سوف يقول لي أحدكم لماذا قلت إنه اتصل بها عبر ألف ومائتي سنة رُغم أن هناك ألف وأربعمائة سنة؟ ألم يفتحها عمر وأبو عُبيدة؟ هذه البلاد فُتِحت صُلحاً – بفضل الله – من غير أن يسقط أحد، حتى صلاح الدين لما فتحها أبى أن يسفك فيها الدماء، أليس كذلك؟ وأخرج حتى الصليبيين من غير سفك دماء، كأن هذا كان في وجدان المُسلِمين، قما أحلى المُسلِمين! يقولون المُسلِمون كذا وكذا، لكن ما أحلى المُسلِمين! بفضل الله لا عمر سفك فيها الدماء ولا صلاح الدين سفك فيها دماء الصليبيين الذين أجروا فيها الخيل حتى الركب في دماء المُسلِمين، ذبحوا سبعون ألف شخص، وهذا من عند مُؤرِّخيهم هم، إلى الركب صارت برك الدماء في بعض الأماكن، في بعض المناطق كانت هناك برك كثيرة، وكانت البرك تصل إلى ركب الخيل، تخيَّلوا!
صلاح الدين جاء وقال لا، لا لسفك الدماء، ومَن يخرج يخرج – حامل محمّل كما يُقال – بما يقدر على حمله، قال احمل ذهباً وفضةً وأحجاراً كريمة وسهَّل الله عليك، يا الله! ما هذا يا صلاح الدين؟ لماذا؟ كأن المُسلِمين كانوا وما زالوا ينظرون إلى بيت المقدس على أنه حرم مثل الحرم المكي والمدني، والمفروض الحرم لا تُسفَك فيه الدماء، حرم آمن، اعتبروه حرماً، اعتبروه حرماً رُغم أن ليس عندنا نصوص واضحة تقول إن هذا حرم، أليس كذلك؟ قالوا اجعلوا هذا حرماً، النبي قال مكة حرم ما بين كذا وكذا، المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، لم يقل بيت المقدس حرم من كذا إلى كذا، هم قالوا هذا أولى القبلتين، فلنجعله حرماً، عظِّموا فيه الدماء، عظِّموا فيه الحياة الإنسانية، هل هذا واضح؟ هل فهمتم يا إخواني؟ جميل جداً.
لماذا قلنا نحن إن عهد المُسلِمين بهذه الأرض لم يصل إلى ألف وأربعمائة سنة وإنما وصل إلى ألف ومائتي سنة؟ لأن الصليبيين وضعوا يدهم على هذه البلاد ظلماً وعدواناً في هذه المُدة، في بيت المقدس بالذات مكثوا ثماني وثمانين سنة، ثماني وثمانين سنة! من سنة ألف وتسع وتسعين إلى سنة ألف ومائة وسبع وثمانين، أي من سنة ألف وتسع وتسعين إلى سنة ألف ومائة وسبع وثمانين ميلادية حين جاء صلاح الدين وكحشهم بفضل الله تبارك وتعالى، جميل!
آخر نُقطة أُريد أن أذكرها مُهِمة جداً، إذن معنى هذا أن الذين اتصل تاريخهم بالأرض هذه عبر ألف ومائتي سنة بشكل مُتواصِل غير مقطوع ليس لهم حق فيها، لكن الذين جاءوا إليها من الخارج وتزوَّجوا من الخارج وتكاثروا في الخارج – جاءوا إليها وحين جاءوا ذبحوا مَن فيها وعملوا مذابح مُريعة – وكانت أكبر مُدة اتصال لهم بها أقل من أربعمائة سنة – لم تُكمِل أربعمائة سنة – عندهم الحق فيها، وهم ليسوا أهلها وليسوا أصلها، أصلها كنعانيون وعرب ويبوسيون كما قلنا، أليس كذلك؟ أي منطق هذا؟
الجُملة الأخيرة مُهِمة وتُتِم هذا المعنى، مُهِمة جداً جداً! بالله عليكم – أتحدى – ائتوني بأي جيواستراتيجي أو أي مُؤرِّخ أو أي قانوني دولي في العالم كله – حتى لو كان إسرائيلياً – يقول نعم يُمكِن أن نُعيد تعيين خطوط الفصل وتحقيق الحقوق الإقليمية عبر ماذا؟ عبر أوضاع تاريخية منسوخة، ليس فقط من ألفي سنة وإنما من أي وقت آخر، اليهود لما نفوا من فلسطين لم يعودوا إليها إلا بعد ألفي سنة، انقطعوا عنها لألفي سنة.
وبالمُناسَبة الآن أي واحد فيكم يُمكِن أن يكون كردياً، لكن يُمكِن أن يتضح أنه في الحقيقة مصري، عادي! وآخر الآن قد يكون مصرياً، لكن يُمكِن أن يتضح أنه فينيقي، أليس كذلك؟ طبيعي! بعد مائة سنة أو مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة يُمكِن أن يتضح هذا، ولذلك يُوجَد بروفيسور Professor إسرائيلي – يهودي إسرائيلي – قال الآتي، قال نحن وضعنا غريب جداً – في نوبة صراحة هكذا قال، قال نحن وضعنا غريب جداً -، نتعاطى مع الأمور بطريقة غريبة، أقول بين قوسين طبعاً (كأنه يقول بطريقة غير علمية بالمرة، ليس لها علاقة بالعلم ولا بالعقل، ليست عاقلة وليست علمية)، ما هي؟ قال أرض إسرائيل هي أرض إسرائيل قبل أن ندخلها، لأن الله وعدها لأبينا إبراهيم، وبعد ذلك وعدها لموسى، فهي لنا، ونحن لم ندخلها حينها، قال غريبة هذه! وبعد ذلك قال أرض إسرائيل هي أرض إسرائيل ونحن فيها، جميل هذا ومعقول، وأرض إسرائيل تظل أرض إسرائيل بعد أن تركناها، تظل أرض إسرائيل! وأرض إسرائيل هي أرض إسرائيل بعد أن تركناها حتى لألفي إسرائيل، تظل – قال – أرض إسرائيل وعندنا الحق في أن نرجع ونُطالِب بها ونذبح أهلها، قال هذا غريب جداً، قال هذه حالة فريدة – Unique – تماماً وغير مفهومة، ثم رجعل وقال ماذا؟ قال – أي هذا البروفيسور الإسرائيلي – الإنجليزي إنجليزي طالما هو في إنجلترا، وإنجلترا إنجلترا طالما فيها إنجليز، أليس كذلك؟ أي لو أتى يوم من الأيام وغلب على إنجلترا قوم آخرون، والإنجليز إما أُبيدوا أو رحلوا جميعاً، ومضت مائة أو مائتا سنة أو ثلاثمائة سنة، سوف تنتهي إنجلترا، أليس كذلك؟ سوف تصير شيئاً ثانياً، وينتهي الإنجليز، أليس كذلك؟ هذا كلام معقول ومفهوم، والعالم كله يُصادِق عليه، انتبهوا! عكس هذا الكلام – وهي الدعوة الصهيونية – يُقال الآن، يُقال هذه أرض الآباء والأجداد وعندنا الحق التاريخي، هل تعرفون ماذا يعني؟ يعني أنه يحق الآتي مثلما قال إتش. جي. ويلز H. G. Wells.
المُؤرِّخ هربرت جورج ويلز Herbert George Wells – المُؤرِّخ الإنجليزي الكبير، صاحب الــ The Outline of History، أي معالم تاريخ الإنسانية، التاريخ الكبير جداً، ويلز Wells هذا رهيب – قال أنا أرى أن هؤلاء اليهود – هو هكذا قال – مثلهم مثل إنسان أبى إلا أن يحط برحاله في الشارع العام، فجعلت الشاحنات والحافلات تدهسه وتدوسه في كل مكان، ليس مكانك هذا! قال هذا وضعهم تماماً بين شعوب المنطقة، من الكنعانيين والفينيقيين والمصريين وغيرهم، الذين تاريخهم – قال – أعرق بكثير وأقدم وأكبر وأعرض من تاريخ هؤلاء، قال هؤلاء وافدون بشكل سريع، ثم قال ولئن جاز لهم أن يُطالِبوا بحق العودة إلى أرض أجدادهم ويُقيموا دولتهم التي كانت قبل ألفي سنة فلماذا لا نعود ألفاً أُخرى إلى الوراء – لن نعود إلى ما قبل ألفي سنة، دعونا نعود إلى ما قبل ثلاثة آلاف سنة – ويحق للكنعانيين أن يُقيموا دولتهم؟ وطبعاً يتناقض ماذا؟ الحقان، لو الموضوع بالأقدمية سيكون مَن حقه أولى؟ الكنعاني، ووجود دولة كنعانية فلسطينية عربية ينفي ماذا؟ ينفي أكاذيبهم.
بالمُناسَبة هنا يأتيك كيدار Kedar – مُردخاي كيدار Mordechai Kedar العبقري، عبقري! نحن رأيناه ورأينا أنه لا يعرف شيئاً، هذا مسكين، صهيوني مُؤدلَج، أستاذ تاريخ صهيوني مُؤدلَج بالكامل، سياسي هذا، هذا ليس مُؤرِّخاً، مثل هنتنجتون Huntington، هؤلاء ساسة طبعاً – ويقول لك أنت سوراني أو أنت بيروتي أو أنت حلبي فارجع إلى بلادك، مسكين هذا! كأنه يُريد أن يقول لنا نحن من الــ Ethnos – أي هم من الــ Ethnos -، نحن عرق صافٍ نقي وغير مدخول، لكن هذا غير صحيح بالمرة، بالمرة غير صحيح! وكما قلت لماذا اليهودي بالذات يكون هكذا؟ نحن عشنا في الأرض المُحتَلة واشتغلنا فترة حين كنا طلّاباً لكي نكسب الرزق، كنا نرى اليهودي اليمني ونعرف أنه يمني يا أخي، سُبحان الله، هو بطوله وعرضه ورفاعته يمني، ويتكلَّم العربية اليمنية، اليهودي المصري – بالله العظيم – نعرف أنه مصري، والله لا تُفرِّقه عن أي مصري مُسلِم، ما رأيك؟ مصري! الليبي واضح أنه ليبي، يكفي أن تننظر إليه، العراقي واضح أنه عراقي، يقول يا خويا وما إلى ذلك، عراقي! بحجمه وأكله هو عراقي، هل هذه صُدفة؟ هل صُدفة أن اليهودي اليمني يمني – الشكل والقوام والتقاسيم – والعراقي عراقي والمصري مصري والمغربي مغربي؟ هل هذه صُدفة؟ ليست صُدفة، فإذن ما معنى الكلام هذا؟ معنى هذا أن عبر الزمن حصل اندماج، هذا أكيد، أكيد هؤلاء الذين جاءوا – الله أعلم من أين طبعاً، لكن هذا حصل حين وصلوا إلى مصر والمغرب وما إلى ذلك – اندمجوا في المنطقة وتزوَّجوا وأخذوا منها وما إلى ذلك، وغلب عليهم ماذا؟ طابع كل منطقة.
تُوجَد مسألة مُهِمة جداً، إياكم أن تغفلوا عنها، اسمها ماذا؟ القبيلة الثالثة عشرة، The Thirteenth Tribe، هذا اسم كتاب لمَن؟ لليهودي المجري – الكاتب والناقد الكبير – آرثر كوستلر Arthur Koestler، اسمه القبيلة الثالثة عشرة: الإمبراطورية الخزرية وتراثها أو ميراثها، The Thirteenth Tribe: The Khazar Empire and Its Heritage، القصة باختصار أن في القرن السادس الميلادي عند بحر الخزر – وهو بحر ماذا؟ قزوين، هذا عند بحر الخزر وهو بحر قزوين – كانت تُوجَد مملكة من التتر، مملكة تترية أُقيمت هناك، مملكة خزرية! هل هذا جميل؟ لم يلبث أهلها – ملكهم وهم – أن اعتنقوا الديانة اليهودية، وذلك في القرن الثامن، في القرن العاشر بتحالف روسي بيزنطي – بيزنطة لا تزال موجودة، وهذا تحالف روسي بيزنطي – قُضيَ على مملكة ماذا؟ الخزر، كمملكة وككيان سياسي، فتشتَّت يهود الخزر في أنحاء ماذا؟ أوروبا، تشتًّتوا في روسيا الآن وأوروبا الشرقية بالذات وأوروبا الغربية طبعاً، مُعظَم اليهود في أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية وروسيا – يقول كوستلر Koestler اليهودي، الناقد والعالم الكبير اليهودي، الذي مات مُنتحِراً – هم يهود اليوم، يقول مُعظَمهم على الإطلاق هم يهود اليوم.
سوف تقول لي هذا يعني أن مُعظَم يهود اليوم – الأشكنازيم وغير الأشكنازيم واليديش وغير اليديش، كل اليهود في أوروبا الشرقية والغربية – ليس لهم علاقة ببني إسرائيل؟ بالمرة، ليس لهم أي علاقة، ما علاقتهم بيعقوب؟ أتحدَّث هنا عرقياً وإثنياً، من ناحية إثنية وعرقية هؤلاء ماذا؟ يهود الخزر، هؤلاء أحفاد وسلالات يهود ماذا؟ الخزر، يهود الخزر حين ضُيِّق عليهم الخناق أيضاً ذهبت نسبة لا بأس بها منهم إلى الأندلس المُسلِم وعاشت في رفاهية، لما وقعت الأندلس تحت إيزبيلا Isabella وفرديناند Ferdinand اليسوعيين هرب هؤلاء اليهود إلى المغرب العربي والدولة العثمانية، هم أنفسهم! فانتبه ولا تظن أن هناك Ethnos وأن هناك عرقاً يهودياً وأن هناك شعباً حقيقياً يهودياً وهو مُستمِر عبر التاريخ ولم ينقطع.
ولله در المُؤرِّخ توينبي Toynbee حين قال بكل بساطة الآتي، توينبي Toynbee هذا مُؤرِّخ رهيب ومُخيف، لا يتلعثم، لأنه يعرف التاريخ كله، مَن مثله؟ مَن يقدر على أن يُناقِشه؟ قال لهم انظروا، الحديث عن شعب يهودي ومُستمِر عبر التاريخ – قال لهم – كلام فارغ، غير موجود! قال هؤلاء الناس ذابوا، وهم أصلاً – قال – ينتمون إلى تاريخ وإلى حضارة كل الحضارات التي كانت مُعاصِرة لها ذابت وانتهت، وهم حدث لهم نفس الشيئ، قال تشتتوا في الأرض وذابوا في الشعوب، لا تقل لي هناك استمرارية للعرق واستمرارية للشعب والشعب يعود إلى أرضه، هذا كذب، لا يُوجَد شيئ اسمه شعب يعود إلى أرضه، هذا كذب، هؤلاء الناس تهوَّدوا وأتوا من كل مكان، هل فهمت كيف كان هذا؟
نرجع كما قلت، وأختم يا إخواني، لا يُوجَد شخص واحد اليوم يُطالِب بإعادة تحقيق الحقوق الإقليمية – أي في الــ Territories – على أسس الملكية التاريخية، صكوك تاريخية! هل تعرفون ماذا سوف يحدث في عالمنا لو حدث هذا؟ سوف يُجَن العالم، سوف نعيش في عالم مجنون وعالم فوضوي Chaotic، أي سوف تُوجَد فوضى Chaos، فوضى Chaos حقيقية، فوضى رهيبة مُزلزِلة مُدمِّرة ومُخجِلة ومُخزية، هل تعرفون لماذا؟ سوف يكون من حق المُسلِمين أن يُطالِبوا بشبه الجزيرة الإيبيرية، إسبانيا سترجع إلينا، هل تعرفون لماذا؟ لأن وجودهم اتصل فيها لثمانمائة وثنتين وثلاثين سنة، وليس زُهاء أربعمائة سنة، نحن عبرنا هناك لكن لم نعبر مثل اليهود ولم نُذبِّح الناس، حرَّرناهم وعبرنا بطلب منهم، وهذا ليس نحن مَن يقوله، تقوله الأجيال المُتأخِّرة الآن من المُؤرِّخين الإسبان، قالوا المُسلِمون لم يأتوا كفاتحين، أتوا على طلب من أبناء البلاد المُضطهَدين، وها هي الأدلة، وكُتِبت كُتب، ونُشِرت مئات الصفحات بفضل الله، نحن ذهبنا وحرَّرناهم، وعملنا حضارة من أعظم الحضارات.
هل العصور المُتوسِّطة المُظلِمة في أوروبا تدخل فيها إسبانيا؟ مَن قرأ التاريخ الأوروبي يعلم أنها لا تدخل، لماذا إذن؟ لأن أوروبا كانت تعيش في ظلام دامس طامس، وإسبانيا كانت مُشِعة للنور، كانت مشعل نور، بسبب مَن؟ وجود المُسلِمين فيها، الحمد لله كنا بنّائين، لم نكن هدّامين، كنا إيجابيين، ولم نكن سلبيين، فمن حقنا بحسب هذا المنطق المجنون أن نُطالِب بالعودة إلى ماذا؟ إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، ونأخذها لأن وجودنا اتصل فيها لثمانمائة وثنتين وثلاثين سنة، أليس كذلك؟ هذا أولاً.
ثانياً من حق الإسبان أنفسهم أن يُطالِبوا بالعودة إلى المكسيك، وحتى إلى أمريكا اللاتينية كلها، لأنهم احتلوها، أليس كذلك؟ نرجع ونأخذ أمريكا اللاتينية، لا مجال لأي كلام، نحن إسبان وكنا فيها.
ثالثاً من حق الهولنديين اليوم ومَن يعيشون في الأراضي الواطئة أن يُطالِبوا بإعادة الحقوق إليهم في ماذا؟ في إندونيسيا، قعدوا فيها ثلاثمائة وخمسين سنة يا أخي، أليس كذلك؟
وهكذا من حق أيضاً الهنود الحُمر أن يُطالِبوا بمانهاتن، وهذا رابعاً، هل تعرفون مانهاتن هذه والأبراج وما إلى ذلك؟ هذه لهم، سيقول أحدهم هذه بلادي وبلادي أبي وجدي، وفعلاً هذه بلادهم، من حقهم أن يُطالِبوا بها، لهم أن يرجعوا وأن يطردوا مَن فيها مِن البيض والسود لكي يأخذوها، وأيضاً سيأخذ الهنود الحُمر ماذا أيضاً؟ كندا، كندا أرض آبائهم وأجدادهم، هيا! ينبغي أن ترجع إليهم.
خامساً هناك الپيوريتان Puritans أو التطهريون الإنجليز الذين فروا من الاضطهاد في إنجلترا، إلى أين فروا؟ إلى العالم الجديد، قبل ثلاثمائة سنة – هذا كان حتى في القرن السادس عشر – أو أربعمائة سنة، هم فروا إلى هناك، أي إلى أمريكا الآن، إلى العالم الجديد، فمن حقهم أن يعودوا إلى بلد آبائهم وأجدادهم إنجلترا وأن يُطالِبوا بالحقوق الإقليمية والسيادية.
وهلم جرا من هذا العته والهبل، أليس كذلك؟ هل يُوجَد شخص واحد يقول الكلام هذا؟ لا يُوجَد شخص واحد في العالم يقدر على أن يحكي الهبل هذا والكلام الفوضوي هذا، لكن – سُبحان الله العظيم – الصهاينة عندهم الحق في أن يقولوا مثل الكلام هذا، وبالمُناسَبة حقوقهم – كما رأيتم – كلها محل تساؤل ومحل علامات استفهام كبيرة، هي محل علامات استفهام عندهم هم – قبل أن تكون محل علامات استفهام عندنا – وعند المُؤرِّخين النُزهاء في العالم، ومع ذلك الكل ساكت، ما يُؤسِفنا طبعاً – يا ليتهم ظلوا ساكتين وصامتين – هو خروج مُتصهينة العرب، يخرج الواحد منهم عليك مثل… ماذا أقول لك؟ ماذا أقول؟ مثل الغراب، يخرج مثل الغراب الأشأم ويقول لك هذا حقهم يا أخي في بلادهم، هذه بلادهم وهي مُقدَّسة، ولهم ارتباطات عاطفية وارتباطات دينية يا أخي، اتقوا الله يا أخي، اتقوا الله يا مُسلِمون، اتقوا الله يا فلسطينيون، اتقوا الله يا ظلمة، أعطوا الناس حقوقهم يا أخي، لابد أن يكون عندكم عطف!
يا أخي – والله بصراحة – نحن أحببنا أن نُعطيهم وتنازلنا عن كل شيئ وشلحنا كل شيئ، لكن هم إلى الآن غير راضين، اللهم افتح بيننا وبينهم بالحق وأنت خير الفاتحين، اللهم ضع حداً ونهايةً لعذاباتنا وآلامنا وتشريدنا ومظلومياتنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.
اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً، وادرأ عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين.
اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغاراً، وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (22/12/2017)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شكرا جزيلا لشيخنا مجدد هذه الأمة.
أظن أن الشيخ حفظه الله قال: “They DO believe” بمعنى يؤمنون بقوة، وليس “They TOO believe”. و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن الكلام فيما يتعلق بفضح الصهيونية والإسهاب في كيف قامت بتزوير الديانة اليهودية انه لموضوع عميق وخطير لا يقدم عليه إلا الشجاع الذي كرس حياته لخدمة الحقيقة، لأن حتى الموؤسسات العلمانية العالمية ستقف ضده لأنها تعتبر هذه المواضع معادة للسامية وهو مبرر يحاكمون بسببه الفضلاء من هذا العالم.
انه لمن المؤسف حقا أن يبرز شرذمة من العرب الجهلة بالتاريخ وبالأحداث يرددون اقوال الصهاينة تأيدا للأسطورة التاريخية المزعومة لدولة اسرائيل.