قال الدكتور أحمد العرفج برنامج صحوة يُطلِق مفهوم أقلمة الفقه أو فقه الأقاليم والمناطق، ثم طرح بعض الأسئلة التي تتعلَّق بهذا الموضوع.
قال الدكتور عدنان إبراهيم إن جذور هذه المسألة لا يُمكِن التحدث عنها بقدر ما يُمكِن التحدث عن مسار تاريخي، وهذا المسار فعلاً بلور وأفرز لنا مذاهب مُعيَّنة اختصت بها بلاد ومناطق بحيالها.
أضاف أن مدرسة الحديث والأثر في نشأتها الأولى كانت حجازية، لكن في المُقابِل مدرسة الرأي كانت عراقية، رغم أن مُستنَدات الفقه الأسلامي الإساسية هي هي.
أوضح أن المذهب المالكي يُظلَم كثيراً حين يعده مُعظَم الدارسين على مدرسة الأثر، فالمذهب المالكي فيه جانب لا يُستهان به للعقل والرأي، وهذا بحسب ما لاحظه الشيخ محمد أبو زهرة.
أكَّد أن عقلية الإمام مالك كانت مرنة لذا جمع بين النقل والرأي، فمذهب الإمام مالك هو مذهب جميع وجامع بين الجناحين.
أضاف أن البعض قال الحجاز فيما عدا الطائف والمدينة هي بيئة قاسية والمعاش فيها ليس مُستقِراً استقراره في أحواض الأنهار كبلاد الشام وبلاد الرافدين ومصر، وهذا أعطى طريقة أُخرى في التفكير.
قال الحجاز والمدينة بالذات فيهما من الأخبار والآثار ما ليس عند غيرهما، ولذلك كان من أصول مالك اعتبار عمل أهل المدينة، فلا يُمكِن إلغاء ما تسالم عليه أهل المدينة.
أشار إلى أن مالك أحد أمراء المُؤمِنين في الحديث الذين لم يزيدوا عن عشرين أميراً، وقال هو لا يُمكِن أن يتجاسر على رد حديث يصح عنده بالهوى، لكنه يعلم قاعدة لا يُريد بعض الدُعاة والعامة أن يسمعوا بها، وهي أن الحديث إذا صح وفق الشروط الصناعية فهذا لا يقتضي بالضرورة أن يكون صحيحاً في واقع الأمر، ولذلك رد مالك أشياء كثيرة ولم يأخذ بحديث ولوغ الكلب في الإناء – مثلاً – وقال هذا حل صيده فكيف يُتكلَّم في سُؤره؟
أكَّد على أن البيئة في العراق والحجاز ألقت بظلالها على عقلية الفقيه وأدواته، ثم تحدَّث عن طبيعة العقل العراقي، خاصة أن العراق من أعرق البلاد التي نشأت فيها حضارات قديمة، وقد ضم أجناس مُختلِفة ونِحل وطوائف كثيرة، فضلاً عن أنه كان مُتخاماً لبلاد فارس التي عندها حضارتها.
ضرب مثلاً بالمرأة التي تُصبِح رئيسة أو رئيسة وزراء في بنجلاديش أو الباكستان ويرقص لها الرجل، وقال إننا لا نستوعب هذا رغم أن هذا مُنتشِر عموماً في جنوب شرق آسيا، فالمرأة هناك وضعها أحسن، وهذا ليس لأنهم فهموا النص بطريقة أذكى منا بل لأن العوائد والتقاليد وتاريخ المرأة هناك جعلهم يُطوِّعون النص وينظرون إليه من زاوية أُخرى.
أكَّد على أن النص ليس الحاكم المُطلَق، فالقرآن العظيم حمّال أوجه كما قال الإمام عليّ لذا يُفهَم بأكثر من وجه وهو يتسع لهذا، وهذا من إعجاز التشريع لأنه تشريع للعالمين، فيعم الزمان رأسياً ويعم المكان أفقياً، والإمام عليّ قال أيضاً هذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق إنما يتكلم به الرجال.
أكَّد على أن السُنة أضيق صدراً من القرآن، لأنه خطاب إلهي يتسم بالإطلاقية، وقال النصوص هي هي لكن يختلف النظر إليها باختلاف المنظور الذي يتعلَّق بالبيئة الاجتماعية الثقافية.
أضاف أن البيئة الجغرافية لها تأثير أيضاً، فابن خلدون في المُقدمة تحدَّث عن أثر البيئة والهواء وأتى بكلام عجيب، لكن الرسول سبق إلى هذا ويُمكِن الاستدلال ببعض الأحاديث التي تُؤكِّد هذا مثل الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم.
أوضح أن الإمام مالك كان يُفتي بمُقتضى ظاهر حديث لا تُقبَل شهادة بدوي على قروي، لأنه لا يضع الشهادة على وجهها وقد يتحيَّف في الشهادة، فهذا لا يُخالِط الناس كالأوابد.
أوضح أن كلمة الفدادين لها عدة معانٍ أشهرها هم الذين تتعالى أصواتهم، فهي من الفديد وهو الصوت المُرتفِع، فهم يرفعون أصواتهم حين يرعون الإبل، لكن بعضهم قال هي من الفدافد وهي الصحاري، لأنهم يذهبون إلى عمق الصحاري.
أكَّد على أن النبي كان واعياً بأنه يبني حضارة، فلم يقتصر الأمر على تأسيس دين جديد، لذا جعل من كبائر الذنوب التعرب بعد الهجرة، فإذا سكنت المدينة ممنوع أن تسكن في الصحراء، لأن النبي يعلم أثر البيئة على الإنسان.
أوضح أن النبي كان يُعامِل البدو الذين يعيشون في حواشي المدينة مُعامَلة لطيفة ويقبل هداياهم، أما الذين يُوغِلون في الصحراء لا يقبل هداياهم، رُغم أن النبي يقبل الهدية لكن من هؤلاء لا يقبلها لكي يُغريهم بالمجيء والاقتراب.
أكَّد على أن مَن عاش في الصحراء يأتي فقهه صحراوياً جافاً، وذكر أن النبي قال مَن بدا جفا، فضلاً عن الآية القرآنية تقول الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ۩، فبما أنه يُواصِل الحياة في الصحراء بعيداً عن مركز العلم والهُدى لن تُتاح له فُرصة لأن يسمع المواعظ والدروس الدينية من رسول الله، لذا هو أجدر ألا يعلم حدود ما أنزل الله، أي أن عقله ليس ناقصاً، فقد يكون أصفى وأفضل لكنه لم يُتِح لنفسه فرصة لتلقي العلم.
أشار إلى أن أهل المدينة كانوا يُحِبون الطرب وذكر أن النبي في صحيح البخاري حين قالت له عائشة أنها كانت في عُرس قال لها يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو.
أضاف أنه ذكر من قبل أسماء لعلماء كبار من طبقة أساتيذ أساتيذ مالك كانوا يُقسِّمون على العود ويضربون على الآلات.
ذكر أن أبا زُرعة كان من بلاد أعجمية ولم يكن أدرى بالأحاديث من أهل المدينة، وقد قال اجتنبوا من قول أهل العراق خمساً واجتنبوا من قول أهل الحجاز خمساً، وفي رأس الخمس الحجازية اللهو.
أكَّد على أن الفقيه ليس آلة صماء تتلقى النص كما هي وتُعمِل فيه بعض القواعد ثم تُخرِج النتيجة، فالفقيه محكوم باعتبارات مُعيَّنة قد لا يكون واعياً بها.
عرض الدكتور أحمد العرفج مُداخَلة الحلقة للدكتور عبد الإله العرفج الذي تساءل عن رأي الدكتور عدنان إبراهيم في أقلمة الفقه، بمعنى أن يسود رأي أو مذهب في منطقة ما فتحسن مُراعاته وعدم إثارة ما يُخالِفه من آراء لأن رد الناس عما اعتادوا عليه أمر عسير كما قال الإمام مالك.
توقَّع إجابة الدكتور عدنان إبراهيم عن هذا السؤال وهي لا ثم لا ثم لا لأقلمة الفقه، بدليل أنه يُخالِف إجماع العلماء أحياناً مثل إنكاره وقوع النسخ في القرآن الكريم ورجم الزاني المُحصَن ونزول المسيح عيسى بن مريم وخروج المسيخ الدجال وأبدية عذاب النار فضلاً عن اكتفائه بنصف كلمة التوحيد لدخول أهل الكتاب الجنة وجعله بعض الصحابة في ميدان مرماه.
أشار إلى أن هذا غيض من فيض، وهو يتضمن الطعن في بعض أحاديث الصحيحين فضلاً عن غيرهما، فهو يُعرِض في كل ذلك عما استقر عليه علماء الإسلام في أقطارهم وأمصارهم عبر التاريخ الإسلامي.
توَّجه الدكتور عدنان إبراهيم بالشكر إلى الدكتور عبد الإله، وقال إنه أخطأ في توقعه، فهو نعم ثم نعم ثم نعم مع أقلمة الفقه.
أضاف أن باستثناء رجم الزاني المُحصَن كل ما ذكره الدكتور عبد الإله لا علاقة له بالفقه، أي أنه استغل الفرصة لكي يُسجِّل موقفاً يقول فيه إنني أختلف معك يا عدنان، وهذا من حقه لكن هذا ليس موضع التنقيد بهذه الأشياء في هذه الحلقة.
قال هناك مقولات وتبريرات قديمة أصبح مساغها أضيق في هذا العصر، فبعض أقوال أسلافنا كانت حكيمة ودقيقة في سياقاتها، لكن استجلابها من زمانها وسياقاتها إلى زماننا هذا يُوقِع الفقيه في أخطاء لا يعي بها.
أشار إلى أننا لا نعيش في نظام خلافي وإنما في دول قُطرية حاكمة على كل التشكيلات الاجتماعية ضمنها، وقال إن موضوع أقلمة الفقه يتقاطع مع موضوع تقنين الفقه، لذا تقنين الأحكام الفقهية ضروري لهيبة الدولة وانتظامها فضلاً عن أنه مُهِم في موضوع علانية الأحكام ووحدة الأحكام.
أكَّد على أهمية تقنين الفقه للتخلص من إزداوجية الأحكام التي يُحكَم معها في قضايا مُعيَّنة في حق فرد بعينه من جهة شرعية بحكم ثم إذا ذهب الفرد نفسه إلى محكمة أُخرى لا تنظر من زاوية شرعية يُحكَم له بحكم آخر، فالحكمان يتناقضان، لذا نحتاج في البلاد العربية والإسلامية إلى توحيد الأحكام.
أوضح أنه ما من فقيه مُحترَم إلا ويقول التقنين ضرورة، مُشيراً إلى استثناء الأحكام الأخلاقية والآداب وأحكام العبادة من التقنين.
قال أنه يربأ بالدكتور عبد الإله أن ينسبه إلى ما لم يقله، فهو لم يكتف بنصف الشهادتين في حق أهل الكتاب ولم يقل هذا، فلعل الدكتور عبد الإله سمع لبعض مَن شوَّه موقفه، لكن هؤلاء لم يسمعوا ثلاث وعشرين ساعة إلا الذين حضروا في المسجد، مُشيراً إلى وجود ثلاث وعشرين ساعة أُخرى لم ينشرها لأنه توقف، فهو عنده زُهاء خمسين ساعة عن قضية الموقف من أهل الكتاب في ضوء القرآن العظيم وحده في البداية.
أوضح أننا نعيش في عصر مُعولَم، فمَن يعيش في أقصى نُقطة في المملكة يطلع يومياً على أفكار وفتاوى وكُتب الشرق والغرب، أي أنه لم يعد بعيداً مُنقطِعاً مُتأنِساً بما تعوَّده بحيث أنك إذا أردت أن تُثنيه عما وجد عليه آباؤه كان ثنيه أمراً شديداً، فالعسير والشديد الآن أن تُلزِمه برأي ربما لم يعد هو ولا أقرانه مُقتنِعين به.
ضرب أمثلة سريعة لإيضاح الفكرة مثل موضوع الرضاع المُحرَّم، فالمالكية يُحرِّمون بمُطلَق الرضاع، فلو قطرة طارت من ثدي امرأة ووقعت في فهم طفل يُصبِح ابنها من الرضاعة، لكن الأحناف حرَّموا برضعة واحدة مُشبِعة، أما الحنابلة فقالوا برضعتين مُشبِعتين والشافعية قالوا خمس رضعات مُشبِعات.
أوضح أن هذا الاختلاف من باب الرحمة فكلهم عندهم أدلة وكلهم على هُدى، وقال نحن لا نشك في هذا، لكننا نشك في أن يكون ما اعتاد عليه أهل مكان مُناسِباً لهم في كل عصر كما كان مُناسِباً في عصر سابق ما، فالناس الآن في عصر العولمة تطلع على ما عند غيرها وتختار ما هو أرفق بها وأكثر وفاءً بحاجاتها، فالمذهب الشافعي الآن أوفق للناس.
ذكر أن الإمارات تأخذ بموضوع وقف الأموال في حين أن الفقه التقليدي لا يُجيزه، فلا يُوجَد إلا رأي واحد ضعيف جداً يُجيزه، وقال إنه يرى أن الخير كل الخير في الأخذ بوقف الأموال الذي قد يُساهِم في بناء مُستشفى خيرية مثلاً.
أكَّد على أن المذاهب الأربعة تُوقِع الطلاق الثلاث سواء في مجلس واحد أو بكلمة ثلاثاً، لكن الآن لا تُوجَد دولة مُسلِمة إلا وتأخذ بفتوى جماعة من السلف – وهذا مذهب الإمامية عند الشيعة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – تقول إنه يقع واحدة.
أضاف أن المجامع الفقهية ليست محلية أو دولتية وإنما عالمية، لذا يأتي إليها الفقهاء من سائر أنحاء العالم بمذاهبهم المُختلِفة لمُناقَشة مسائل على خلفيات مذهبية مُتعدِّدة، وبعضهم يأتي برأي استند فيه إلى مذاهب دارسة لا يُعمَل بها.
أشار إلى أن بعض المُعاصِرين يُؤثِرون أن ينظروا إلى شتى مدارس الفقه الإسلامي على أنها في نهاية المطاف فقه واحد ضمنه اتجاهات، وذكر أن الشيخ الزرقا شبه هذا بالصيدلية، فالداء له عدة أنواع من الدواء، والطبيب يتخيَّر بحسب حالة المريض.
قال إن زواج الصغيرات أصبح بُثرة كبيرة في وجه المُسلِمين، فلا يُمكِن أن نذهب إلى العالم كله ونقول له نحن نُجوِّز الدخول بالبنت الصغيرة التي لم تبلغ المحيض إذا كانت تُطيق، وهي غير مهيئة نفسياً بالمُطلَق، فهذا انتهاك للطفولة ولا يُمكِن للنظر إليها فقط كجسد.
أشار إلى أن زواج الصغيرات ليس فيه إجماع وذكر أن هناك الكثير من الإجماعات المُدعاة، فقاضي الكوفة عبد الله بن شُبرمة قال لا يجوز زواج طفلة لم تبلغ المحيض، هذا مُحرَّم شرعاً، وحين ذُكِر له حديث عائشة قال هذا كان خاصاً بالرسول قبل أن يُحرَّم هذا الموضوع.
ذكر أن عالم البصرة عثمان البتي قال عن زواج الصغيرات إنه لا يجوز، هذا مُحرَّم حتى تبلغ المحيض، قال الله حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ۩، فإذن تُوجَد سن مُعيَّنة لهذا، فضلاً عن أن أبا بكر الأصم جاء وحرَّم هذا، وأشار إلى أن أكثر الدول العربية مثل الإمارات حرَّمت هذا في قوانين الأحوال الشخصية.
قال إنه ليس مُفتياً رسمياً، فهو رجل يطرح آراء وتساؤلات لا يُلزِم بها أحداً ولا يشعب بها على أحد، لكن هناك مَن يتحرَّج مما يطرحه خاصة أن الشباب يتبنونه.
أكَّد على ضرورة أن يُدرِك العلماء أننا نعيش في عصر العولمة وفي عصر الانفتاح خاصة أنهم قد يُواجَهون يومياً بأسئلة من جيل الشباب تتعلَّق بإحراجات فقهية ولذا ينبغي أن يكونوا مرنين ومُنفتِحين، وقال الإنسان العامي الذي يعيش في الرياض أو القاهرة وجوه الشبه بينه وبين الذي يعيش في برلين أو باريس أصبحت قريبة جداً جداً، وهذه مُلاحَظة سوسيولوجية بصم عليها العلماء.
ذكر أن العز بن عبد السلام – إن لم تخنه الذاكرة – قال مَن أراد أن يُلزِم الناس بمذهب ما فكأنما جعل صاحب هذا المذهب نبياً يُتبَع.
عرض الدكتور أحمد العرفج فيديو الحلقة للشيخ صالح المغامسي الذي تحدَّث فيه عن الفقه الشافعي.
وصف الدكتور عدنان إبراهيم الشيخ صالح بالشيخ الطيب الأسيف، وقال إن الأئمة الأربعة شبه مُستفيض عنهم نهيهم لتَلاميذهم وأتباعهم أن يُقلِّدوهم، لذا المُزني حين اختصر الأم للشافعي ذكر في صدره أنه اختصره من علم محمد بن إدريس مع علمه وعلم غيره بنهي الشافعي له ولغيره عن تقليده.
قال نحن طبعاً نحترم المذاهب ونحن ضد الذي يشنون الغارة على المذاهب ويستخفون بها ويظنون أنهم مُقتدِرون على تأسيس مدارس جديدة من لا شيئ، فهذا غير صحيح وهو تحيف وجحد لفضل هؤلاء العظام.
ذكر أن الشافعي حين انحدر من العراق إلى مصر غيَّر الكثير من أقواله، وهذا بُنيَ على أمور مثل ظهور أدلة جديدة له واختلاف العوائد، فعوائد أهل مصر تختلف عن أهل العراق.
أشار إلى أن الإمام الجويني قال مُعظَم الشريعة صادرة عن الاجتهاد، ولا تفي النصوص بعشر معشارها، ثم ضرب مثالاً يتعلَّق بمدى جواز إكراه الرجل على تمرير الماء من أرضه إلى رجل آخر، فالإمام مالك أفتى بعكس ما أفتى به عمر بن الخطاب، وقال يجد للناس من الأقضية بقدر ما يُحدِثون من فجور – الذمم تخرَّقت واتسعت – ولو كان الأمر مُعتدِلاً اعتداله في زمن عمر لقضينا له بذلك ولكن التُهمة وجبت على الناس، ولذلك إن قضينا له بنحو هذا عسى أن يأتي زمان لا يُدرى فيه على ما مر عليه الماء.
أضاف أن أبا حنيفة كان يُحرِّم المُزارعة في حين أن الصاحبين قالا به، والآن في المذهب الحنفي يقولون رغم أن أدلة أبي حنيفة أقوى إلا أن الفتوى على قول الصاحبين، لأن المسألة لا تتبع فقط قوة الدليل، فالرأي الثاني أرفق بالناس وصار عليه عمل الناس.
ضرب أمثلة تتعلَّق ببيع المُعاطاة وبيع الوفاء للتأكيد على فكرته، ثم ذكر أن صاحبي أبي حنيفة خالفاه في ثُلث المذهب، والحنفية عموماً يقولون اختلاف الصاحبين مع أبي حنيفة ليس اختلاف حُجة وبُرهان بقدر ما هو اختلاف عوائد وأزمان، والناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم.
أشار إلى أن ابن القيم وأبا إسحاق الشاطبي وأبا إسحاق القرافي وابن العابدين يُنسَب إليهم كلام في غاية النفاسة يدور على أن من الضلال أن تجمد على ما جاء في الكُتب ثم تأتي لكي تُفتي به، فلابد دائماً أن ترى تغيّر عوائد الناس ومصالح الناس.
أضاف أن الكثير من المسائل تم الافتاء فيها بالقول المرجوح وكان التعليل في هذا أنه أرفق بالناس.
تساءل الدكتور أحمد العرفج عن الأساس الذي يختار الناس عليه مذاهبم فقال الدكتور عدنان إبراهيم إنهم لا يختارون، فهذا اختير لهم وهم وجدوا آباءهم على ذلك.
أشار إلى ضرورة الاهتمام باستقرار الدولة، فلا يكون الترجيح بحسب مصلحة المنطقة، لأن أحياناً مصلحة المنطقة تتعارض مع مصلحة الدولة، لذا ينبغي التفكير في هذه المسائل دولتياً، لكن الفقيه المُسلِم يظن أنه لا يزال يعيش في الخلافة لذا يستسلف آراء قديمة لا تُناسِب دولته الحديثة.
ختم الحلقة بتغريدة قال فيها فكِّروا أيها الفقهاء والعلماء والمُفكِّرون دولتياً، مُشيراً إلى أن الدول العربية الآن مُهدَّدة.
جزاكم الله خيرا يا دكتور