سأقف على رجلين استثنائيين، خَطيبين غريبين بَديعين في زمن قل فيه العُلماء الغرباء الربَّانيون .. هي شذرات كنت أسَجلها كلما رجعتُ من مسجد الشيخ أو استمعت لخطبة الدكتور، وهاأنذا أنثرها بين أيديكم أحبائي ..
وأنت مُقبل على باب مسجد الإمام الشاطبي بمدينة طنجة الذي يخطب فيه الشيخ مصطفى البحياوي ويدرس تنظر إلى نفسك وكأنَّ هامساً بداخلك يخبرك بأنهم يرحبون بك في رحاب بيت الله، فتدخل مبتسما حَييا .. تصلي ركعتا التحية في اطمئنان غريب .. كيف يحدث هذا؟ ما السر يا ترى؟! ..
عندما تستمع إلى خطبته تراه وكأنه يتحدثُ عنك، نعم أنتَ بالذات !!. يفكك تلابيب نفسك ويحدثك عن وظيفتك الكونية المُثلى. يَحكي لك ويذكرك بالله بكل صدق وإخلاص وكلماته ترن في آذانك رخيمة بديعة مع بكاء متقطع فريد ووقفات صَادمة رائقة يختمها بضربات على رافعة المنبر في استشعار لعظمة الذكر وأهله .. عندما تنظر إليه وهو واقف تشاهده عن حق أهلا لاعتلاء منبر رسول الله (ص) .. (وليس منبرا يمتطيه الكل دونَ حياء) .. يقفُ على أبواب الذكر والتزكية لأنهما المَدخل لكل شيء .. يفسر بمنهج استثنائي لجُمَع متوالية وفي سورة واحدة ولا يخرج عن السياق ويأتي بالجديد منها وكأنه يشرحها لأول مرة .. يستخرج منها الكنوز والدرر لينبهك على أن في الكتاب أعظم سر .. لكننا أمة الهجر هجرنا أنفسنا فكيف نقرأ قرآننا ونفهم معانيه والغشاوة قد علتْ وحجبتنا !!
غرابة الشيخ مُصطفى البحياوي تكمن في سعة علمه واطلاعه وموسوعيته الفريدة ولسانه العذب الزلال، يسحرك بشاعرية كلماته ويخترق قلبك بأحاديثه التي تشدك وتدهشك وتشدهك .. ذكي لدرجة يعرف من خلالها كيف يؤدي رسَائله حتى السياسية منها بطريقة غير مباشرة يفهمها اللبيب والمَعيب …
أما الدكتور عدنان ابراهيم الذي أعتبره سائرا على خُطى الشيخ سَيدي البحياوي منهجا وسُلوكا غير أنه مختلف عنه لقوة الشباب التي تميزه وفرادة أطاريحه الآنية والتي تضفي على خطبه نوعا من المستجد المُربي المُنبه .. سأحكي ما أعيشه مع هذا الرجل الذي اكتشفناه عبر اليوتيوب من خلال مُحاضراته وخطبه وسلاسله العلمية والمعرفية العميقة، أصحبتُ مدمنا على خطبه الجُمَعية .. رجلٌ غريب من طينة خاصة يقدم جُمعةً غريبة استثنائية موسوعية مكثفة تغنيك عن عشرات الكتب والدفاتر .. بعيداً عن طريقته في الإلقاء التي تُبهر الجَميع لما استودع الله فيه من خصائص (قدرة الحديث واستحضار الأفكار بشكل منهج بديع)؛ أجد خطبته حقيقةٌ بأن تعكس رسَالةً تقترب كثيرا مما يحاول الشيخ مصطفى البحياوي إيصالها للناس .. لكن الشيخ عدنان إبراهيم يبدع ويقترب أكثر من هموم الأمة وشبابها ويستعمل فقه الواقع في التشريح والتفكيك بالأمثلة واستجلاب أحدث الدراسات العلمية التي تنتجها أشهر الجامعات الغربية .. هذه القوة التي يندفع بها الدكتور عدنان ترسل لنا إشارة واضحة وهي أن خطبته الجمعية تكون أكثر تركيزا وتكثيفا تخرج منها إنسانا آخر إذا كنت ذا بصيرة وبصر تستوعب وتتعلم وتعمل في نفسك وفي مجتمعك. الشيخ عدنان إبراهيم وهو يستحضر فقه التزكية بطريقة إن صح التعبير مُعاصرة نجده يبسط مفاعيلها بأسلوب يمتح من علم النفس والفهم القرآني للواقع بمقاربة كونية تعالج النفس والعقل معا.
الإثنان معا يفككان أغوار النفس وينطلقان من القرآن هذا بسمته وتصوفه والآخر بشبابه ومستجداته ويبقى في نظري كما قال لي أحد الإخوة أن الدكتور عدنان ابراهيم سيصل عمقا كما هو حال الشيخ سيدي البحياوي حفظهما الله عندما يتقدم به العمر.
لست مفتونا بهما ولكنني مجنون .. أقولها صراحة لأنبه إلى ضرورة الفرار للنهل من معين ما يقدمان من إشارات لمن أراد السلوك واختصار المسَافة عليه توجيها ورؤية. السعي السعي مهما كانت كلفة التربية وضريبة طلب العلم فالوقت يزحف والأعمار قليلة .. لا أنكر أن هناك علماء أجلاء في هذه الأمة منهم من مات كالشيخ فريد الأنصاري ومحمد سعيد رمضان البوطي؛ لكن أن نجد أحدا بمواصفات هذين الرجلين العَلَمَيْن فلا أظن أنني سَأجد مثلهما ما دمت حيا، وهذا إيماني الشخصي .. قد نجد علماء مبدعين في مجالاتهم المعرفية والتراثية لكن الجمع بين التربية والعلم أمر نادر مع سمت الإيصال وبداعة الإتصال فهذا مستحيل ..
حضرت بالشارقة ط دورات علمية عدة في سنوات متوالية على فضيلة العلامة الشيخ مصطفى البيحياوي فكان كأنه يغرف من بحر لا تدري أيهما أكثر إنجابا إليه عقلك أم قلبك … جمع سيدي الشيخ بين الحفظ وعمق الفهم وحسن العرض لا تعرف من أين يأتي بكل هذا السيل من المعارف اللهم إلا أن يكون فتحا من الله … ولا أرى علمه إلا كرامة أوتيها … وأما حاله فقد أثر فينا أيما تأثير … شرح لنا كتاب الرقاق من صحيح البخاري فكأنما يصعد بنا في السماء ويقرب إلينا الجنة والنار … يحيي فيك العبدوية لله والتعظيم له دون اختيار منك … وشرح لنا حكم ابن عطاء الله السكندري فلا أدرى أنا أمام ابن عجيبة أم القشيري أم الجنيد أم الغزالي مدرسته مدرسة مأمونة جمعت العقيدة على منهج الأشاعرة والفقه والتفسير والحديث والأدب والقراءات والنحو والصرف والبلاغة ….. وشرح لنا ما تيسر له من كتب أخرى مقدمة ابن خلدون … والرسالة للشافعي ومختصر الإتقان في علوم القرآن ومختصر إعجاز القرآن للباقلاني وتفسير سورة الفتح .. فكانت شروحه فتحا … هذا رجل بأمة …رجل تربى في كنف العلماء والصالحين … أطال الله في عمره ونفعنا والمسلمين به ….
محمد سعد خلف الله الشيحيمي الأزهري… دبي
اسلوب جميل في الكتابة و احساس طيب لك من الشيخ الجليل سيدي مصطفى
الدي ترتاح له السريرة ، أما عدنان فشك يلازم ما يلقيه من خطب ، المقارنة اخطأة التدوينة، بارك الله فيكم وهدانا واياكم صراط المستقيم