مع بداية العام الماضي تقريبا، بدأ الدكتور عدنان إبراهيم يثير الانتباه بشكل كبير، انشغلت الساحة الفكرية بطرح الرجل وأفكاره الجريئة، أصبح له متابعون كثر في العالم العربي وفي الخليج على وجه الخصوص، ولم تمنحنا ماكينة التيار المحافظ فرصة لمعرفة ماذا يقول والاطلاع على آرائه بهدوء وروية، تمت شيطنته على نحو سريع كما يحدث دائما مع كل مختلف. مُنح عدنان إبراهيم لقب شاتم الصحابة وأمهات المؤمنين، وهو الرافضي الصفوي المجوسي إلى آخر هذه الصفات المكررة، والتي تكشف عن ضعف مُطلقها وقلة حيلته، وهو من يفترض دائما أن مجرد الانتماء لمذهب غير مذهبه تهمة وجريمة بحد ذاتها، وأن له الحق بتصنيف من يخالفه من أبناء مذهبه ونسبهم للمذهب الذي يريد!
قبل أشهر تقريبا، بعث لي أحد الشباب رابط فيديو، وألحقه برسالة تطلب بإلحاح مشاهدة ما يتضمنه هذا الرابط، ونظرا لمئات الرسائل التي يتلقاها المرء، وعادة التأجيل القاتلة مع هذا الزمن السريع، فاتتني مشاهدة الفيديو الذي كان مقطعا من خطبة جمعة لدكتور فلسطيني يعيش في النمسا اسمه عدنان إبراهيم، ولم تمض أشهر حتى اشتعل النقاش في الشبكات الاجتماعية حول الرجل، مجموعات شبابية كبيرة في الخليج تسجل إعجابها الشديد بفكره وجرأته، وأخرى في المقابل تتهمه بأقسى ما يمكن أن يُتهم به إنسان.
زارنا الدكتور عدنان في الدوحة الأسبوع الماضي، وحلَّ ضيفا على برنامج «في العمق»، وكان لافتا ما تلقيته من رسائل تشيد بفكرة استضافته، وأخرى تحذر وتنصح وتشجب هذا الأمر وتعتبره من الكبائر، ولن أعلق على مضمون الحلقة التي شاهدها الناس، لكن استوقفتني شخصية الرجل، إنه صاحب كاريزما مذهلة بقدرته على التعبير والعرض والإقناع، وسرد عشرات الحجج والأدلة تأكيدا على الفكرة التي يطرحها، وأعرف تماما ما سيقوله أحدهم الآن إزاء هذه العبارة: استطاع الرجل بـ «سحره» أن يضحك على عقلك الصغير. لا بأس، لا أدعي معرفة كبيرة بالتاريخ الإسلامي، لكني أزعم أني بذلت جهدا مضاعفا عن أولئك الذين يوجهون الاتهامات بالمجان للآخرين، ووجدت لدى هذا المفكر إجابات كثيرة على أسئلة كبيرة وعالقة منذ زمن، أنت أمام مدونة مذهلة للتاريخ والأحداث والأشخاص والمؤلفات في حقبة زمنية طويلة، وللإجابة على جزئية واحدة يعرض الرجل لك ما يختصر عشرات المجلدات. استشهاداته مقنعة بشكل منقطع النظير، وهو لا ينتقي من المصادر المؤيدة لفكرته، بل من المصادر التي يعتد بها الآخرون للرد عليه، غريب جدا، ومن الواضح أن من يستشهد بهم مخالفوه، هم المصدر الذي يعتمد عليه في تقييمه للأحداث والأشخاص، هناك طرف لا يقرأ جيدا في هذه الحالة، أو أنه لا يعرف ماذا يقرأ بالضبط!
لست مشغولا «جدا» بالجدال حول شخص وآراء الدكتور عدنان إبراهيم، أنا مهتم بحرية الفكر والرأي، وهي مسألة مقدسة في نظري، لا يجب أن نقبل باحتكار أحد للأفكار، هذا حق مشاع لكل فرد، وفهم الأديان التي تلعب دورا مهما ومؤثرا في حياتنا ليس قصرا على فئة بعينها، أستطيع أن أقرر كشخص عادي أن ما قام به معاوية من تحويل مسار الخلافة الشورية إلى ملك عائلي جريمة كبيرة بحق الإسلام والمسلمين، وهذا القرار أو التقدير تشكل لدي مذ كنت في المرحلة الثانوية وليس اليوم، ولا يمكن أن أقبل من أحد أن يمنعني عن هذا التقدير مهما كان، فما بالك بشيطنة مثقف ومفكر أفنى عمره بدراسة الإسلام كما لم يفعل أحد من خصومه! وهذا المثقف يعرف بالفكر والفلسفة والتاريخ والطب والعلوم ما يستحق الاحترام والتقدير، لا ما يدفع المرء لدعوة من يستمع إليه أو يقدمه إلى تقوى الله!
كثير من الآراء التي يقدمها الدكتور عدنان إبراهيم مسبوق لها، وهذا لا يقلل منه أو منها، لكنه يتميز بقدرة مذهلة على التحليل والاستنتاج المبني على معرفة كبيرة جدا بالموضوع، وهو رجل يتمتع بمصداقية عالية ونقاء، هكذا عرفته في لقاءات عدة الأسبوع الماضي، وبالنسبة لي، بدأت قبل استضافته وبعدها بالاستماع لكل ما يقوله، والعودة للمصادر التي يذكرها ويستشهد بها، وسأقبل منه ما يتفق مع تقديري وفهمي للأمور، وسأعارضه بما لا يتفق، سأكتب له مستفهما أو معارضا، ولست بحاجة لتقليل الأدب مع أحد على الإطلاق، الإسلام ليس إسلامي وحدي، ولا إسلام عدنان إبراهيم، ولا إسلام المحافظين وحدهم، إنه ديننا جميعا ولنا حق التفكير فيه ونقاش أحداثه وأشخاصه مهما كانوا.
تعلمت شيئا في حياتي، قبل معارضة شخص أو فكرة، عليَّ الانشغال بفهمهما جيدا قبل كل شيء.
صدقت حتى اصاب مختبر الأفكار العقلي الصدأ لميله الكامل والسهل الى استباق الأحكام وتصنيف التوجهات بالمطلق من دون فرز منطقي لطيف واستحضار عبادة وهي فلتر “الهوى الوسطي”، استدلالا باستنباط العلامة رحمة الله عليه متولي الشعرواي “الدين هو توحيد الهوى” حتى تسود عدالة الله الوسطية عند تعارض وجهات النظر.