الآن نأتي إلى فضيحة أُخرى وهي فضيحة الصليبيات، أي الحروب الصليبية أو الحركة الصليبية، ادّعت السيدة غابرييل Gabriel أن المُسلِمين امتهنوا كرامة نصارى المشرق العربي وشدَّدوا عليهم ولم يُعطوهم حُريات التعبد وأن يدقوا نواقيسهم وأن وأن وأن، فامتُهِنوا كثيراً النصارى! قالت ولذلك البابا – لم تذكر اسمه وهو البابا أوربان الثاني Pope Urban II، لكنها قالت البابا – في سنة ألف وخمس وتسعين – وهذا غلط أيضاً، هذا غلط، الصحيح هو ألف وواحد وتسعون وليس ألف وخمس وتسعين، هذا غير صحيح، طبعاً هذا غلط، وهذا موجود في كل المصادر، إذا قرأت ألف مرجع في الحروب الصليبية فلن تجد واحداً قال بهذا، لم يقل أحد بهذا وأتحدى – دعا إلى تدشين الحملة الصليبية الأولى، البابا أوربان الثاني Pope Urban II فعل هذا في سنة ألف وواحد وتسعين في كليرمونت بفرنسا، في كنيسة كليرمونت جاء وأتى بالنُبلاء وأتى بالفُرسان ورجال الدين، كوَّن مجمعاً Council، قال لهم نُريد أن نُكوِّن مجمعاً، جاءوا واجتمعوا فإذا به يتحدَّث عن عرق – Race – نجس، عرق نجس ملعون وثني كافر من السراسنة، لم يُسمِهم ولو مرة بالمُسلِمين، هذا العرق النجس الكافر الوثني من السراسنة، هذا كان لقب العرب والمُسلِمين، كانوا يُسمونهم السراسنة، هذا يُوحي بأنهم قطّاع طرق وهمج وقتلة ومُتوحِّشون، سراسنة! هناك قصة كبيرة تتعلَّق بهذا المُصطلَح بالمُناسَبة وهي معروفة، ما لهم؟ قال لهم هؤلاء اضطهدوا إخواننا المسيحيين في الشرق وساموهم ألواناً من العذاب والاضطهاد، واتخذوا بيت الرب مكباً للقمامة، عن كنيسة القيامة! وكنيسة القيامة مُهِمة جداً جداً عند مسيحي العالم، لماذا؟ لأنهم يعتقدون أنها تضم قبر السيد المسيح عليه السلام، فقال لهم هم جعلوها مكب قمامة، واستنجد بالإمبراطور البيزنطي ضد هذا العرق النجس، الأمور اختلطت! سأُفكِّك لكم بسُرعة شديدة في جُملتين خطاب أوربان الثاني Urban II، ما القصة؟ القصة أن في سنة ألف وواحد وسبعين وقعت معركة شهيرة جداً في التاريخ بين الشرقيين والغربيين – بين المُسلِمين وبين النصارى – اسمها ملاذكرد Malazgirt، هذه كانت معركة بين السلاجقة وبين البيزنطيين وكانت فيها الغلبة للسلاجقة المُسلِمين، هذا عرق تركي جاء من آسيا الوسطى وهو حديث عهد بالإسلام، أبناء حروب مهرة أشداء وأقوياء جداً فعلاً وربنا حفظ بهم الإسلام في جوانب من جوانب إمبراطوريته، أي الإمبراطورية الإسلامية، وقعت المعركة مع البيزنطيين أو اليونان – أي الروم، العرب يُسمونهم الروم، فالروم هم البيزنطيون، أي أنهم اليونان، المُؤرِّخ المسيحي الكبير”مُؤرِّخ كنيسة أنطاكية” أسد رستم عنده كتاب في مُجلَّدين اسمه الروم، يتحدَّث عن بيزنطة – فطبعاً استنجد الإمبراطور البيزنطي ببابا روما، أي بابا الكنيسة اللاتينية الغربية، قال له أغثنا، المُسلِمون الأنجاس هؤلاء دمَّرونا، دمَّرونا فأغثنا.
طبعاً الآن السيدة غابرييل Gabriel قالت ما الذي حصل؟ قالت ولذلك دعا البابا – الذي لم تذكر اسمه – إلى تدشين – بل هو دشَّن بهذه الدعوة – الحملة الصليبية الأولى، أول حملة صليبية! هل هذا واضح؟ على المشرق الإسلامي، لماذا قالت؟ لكي يُحرِّر المسيحيين المُضطهَدين المساكين من نير الحُكم الإسلامي والظلم الإسلامي ولكي يُحرِّر قبر المسيح!
واضح أن السيدة غابرييل Gabriel كرهت التاريخ في أول حياتها واستيقظت مُتأخِّرة لتقرأ التاريخ القديم جداً جداً، فلا يُوجَد مُؤرِّخ اليوم – مُستحيل – في ألمانيا أو في النمسا أو في بريطانيا أو في أمريكا أو في أي مكان يتكلَّم عن الحروب الصليبية ويقول الباعث الأعظم لها والهدف الأكبر ديني، لا يفعل أحد هذا، انتهى! لماذا؟ ما القصة؟ الذين كانوا يفعلون هذا المُؤرِّخون من المدرسة القديمة للحروب الصليبية، وقبل ستينيات القرن العشرين الذين اعتنوا بالصليبيات قلة من المُؤرِّخين، بريطانيا نفسها كان فيها كرسي – لم يكن فيها أي قسم – يُدرِّس المادة هذه، وُجِدَ عدد قليل من المُؤرِّخين ولم يكونوا من المُتمرِّسين الكبار، الآن أكثر من ثلاثين قسم للحروب الصليبية وحدها في بريطانيا UK، الآن حدثت ثورة، في آخر خمسين سنة حدثت ثورة في دراسة الصليبيات، فدرسنا الحروب الصليبية من منظورات جديدة تماماً بحسب الوثائق والأدلالة والكُتب!
المُؤرِّخ السوري العظيم سُهيل زكّار جمَّع كُتباً من الشرق والغرب ووضع موسوعة الحروب الصليبية، موسوعة رهيبة! فالمُهِم أن الذي حاصل باختصار يا إخواني كالآتي، الباعث الديني كان موجوداً لكن كذريعة، لم يكن الباعث الأصلي ولم يكن الباعث الحقيقي حتى عند البابا، عند البابا Pope هذا نفسه لم يكن الباعث الديني، لم يكن له علاقة، لماذا إذن؟ لدينا مُؤرِّخون كبار جداً للصليبيات أكَّدوا أن وضع المسيحيين حتى تحت حُكم السلاجقة كان أفضل في الشرق طبعاً من وضع هؤلاء المسيحيين الذين لا يدينون بالمذهب الملكاني تحت حُكم بيزنطة نفسها، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، اعترفوا بهذا، مُؤرِّخون عظام جداً للصليبيات، وهم أوروبيون وموجودون، جيد!
ثانياً ماذا عن كنيسة القيامة؟ ما قيل غير صحيح، العدوان الوحيد الذي حصل على هذه الكنيسة أيام الحاكم بأمر الله الفاطمي المجنون الذي لم يترك ديناً أو مِلةً أو نِحلةً أو بشراً إلا اعتدى عليه بما فيهم وزراؤه وأقرب غِلمانه، وأعمل فيهم سيف التذبيح وسوط العذاب، مجنون! حتى كان مآله أن قتلته أُخته بتآمر مع رجال دولته وخلَّصت الأمة منه، مهبول ومجنون! ادّعى الإلهية الرجل، هذا الحاكم بأمر الله، لكن بعد الحاكم بأمر الله – أنا أقول لكم – المسيحيون واليهود عموماً عُومِلوا مُعامَلة من أحسن المُعامَلات في تاريخهم في ظل حُكم الفاطمي، الأعجب من هذا أنه في ظل حُكم الفاطميين كانت بيزنطة مأذونة بالإشراف المُباشِر على كنيسة القيامة، كنيسة القيامة في حُكم المُسلِمين في القدس، أليس كذلك؟ ولكن سمح المُسلِمون الفاطميون لبيزنطة أن تُشرِف عليها استقلالاً، قالوا لها خُذيها وأشرفي عليها، نحن ليس عندنا أي مُشكِلة، أليس كذلك؟ قالت لا وقبر المسيح وكذا وكذا، كذب! انظروا إلى عكس القضايا، كان على غابرييل Gabriel أن تقول ما حصل، لكن انتهى الأمر، هي لن تقول طبعاً، لماذا تقول؟ نحن نقول، نقلب الأمور ونجعلها تعتدل بفضل الله، إن شاء الله تعتدل ويعتدل بها ميزان الحق.
عمر بن الخطاب يا إخواني حين فتح بيت المقدس ماذا حصل؟ قالت ظُلِموا وبُهدِلوا ولم يدقوا نواقيسهم، تعرفون كيف دخل هو، استقبله مَن؟ البطريرك صفرونيوس – البطريرك صفرونيوس العرب يُسمونه البطريق أو البطرق صفرونيوس – استقبله، وهما في كنيسة القيامة عمر كان يكتب له العُهدة العُمرية، هذا ما أعطى عبد الله أمير المُؤمِنين عمر بن الخطاب لنصارى إيلياء لكنائسهم وبيعهم وصُلبانهم ألا يُنتقَص شيئ منها… إلى آخره، شيئ يُقشعِر البدن، إلى الآن نصارى بيت المقدس يمسكون هذه العُهدة ويتشرَّفون بها، يكتبونها بماء الذهب ويقولون هذه من عمر، من الإمبراطور العظيم! هو الذي أعطانا إياها، شرَّفنا وأعطانا الأمان، النعمة كلها من عمر والحمد لله، فكان عمر يكتب لصفرونيوس العُهدة المعروفة بالعُهدة العُمرية إذ حضرت الصلاة، أي صلاة؟ صلاة الظهر فيما يُقال، عمر قال أتى وقت الصلاة، فصفرونيوس لياقة وكياسة قال له يا أمير المُؤمِنين صل هنا، فقال له لا أُحِب، لماذا؟ رُغم أن النبي قال جُعِلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، يُمكِن أن تُصلي في كنيس – Synagogue – أو في كنيسة أو في أي مكان، قال له عمر لا أُحِب، قال له يا فلان أخشى إن فعلت أن يستن بي المُسلِمون، يقولون هنا صلى أمير المُؤمِنين فيغلبوكم عليها، أي ربما يأخذونها منكم! فعجب صفرونيوس لهذا العدل ولهذا المدى البعيد الذي ذهب إليه هذا الخليفة البدوي البسيط الذي أتى على بعير أبيض وثوبه فيه بضع عشرة مُرقَّعة، ما هذا الوعي الحضاري والديني؟ ما هذه الحرية العجيبة التي عند الرجل هذا؟ من أين تعلَّمها؟ أنتم سألتكم بالله من أين تعلَّمها؟ قولوا لي من أين تعلَّم من هذا؟ من أين؟ وقد كان يعبد العجوة! كان يعبد صنماً من العجوة وإذا جاع أكله، من أين تعلَّم هذا؟ في أي جامعة سألتكم بالله؟ قالوا الإسلام كذا وكذا، الإسلام لا يُوجَد ما هو أعظم منه، اللهم أحينا وأمتنا عليه وابعثنا عليه يا رب العالمين، دين عظمة، الدين الخاتم هذا!
فخرج عمر ورمى عصاه مسافة بضعة أمتار وذهب لكي يُصلي، إلى الآن يشهد له – أنا زرته وأنا صغير، شيئ مُبكٍ – مسجد صغير جميل اسمه مسجد عمر بن الخطاب بجوار كنيسة القيامة، قالوا لأن القصة حصل فيها كذا وكذا، يا سلام! لكن هي قالت غلبوهم وذبحوهم وقتلوهم! بعد ذلك – ليس هذا فحسب – انظروا إلى الآتي، عمر معه مَن مِن الصحابة؟ كعب الأحبار، قال له يا كعب تعال، أين الصخرة التي قيل عنها إنها قبلة اليهود ونحن كنا نتوجَّه إليها قبل أن نتوجَّه إلى مكة شرَّفها الله “الكعبة”؟ أين صخرة بيت المقدس؟ أين صخرة الهيكل؟ فقال له أنا أعرفها، أنت سألت الخبير، أنا كنت يهودياً وأسلمت فتعال معي، دخل في المكان الذي يُوجَد علينا الآن المسجد الأقصى، لم يكن هناك أي مسجد، كان مهدوماً! وماذا رأى؟ كومة قمامة كبيرة، تلة صغيرة من القمامة، فقال له تحتها، الصخرة الخاصة بالهيكل تحتها، مَن الذي يضع هذه القمامة كلها؟ النصارى، كياداً في اليهود، كأنهم يسبونهم ويسبون دينهم، يسبونهم ويسبون هيكلهم، ثم يُتحدَّث عن الإسلام! لا اليهود احترموا النصارى قبل ذلك ولا النصارى احترموا اليهود، بهدلوهم بهدلة شديدة، وهذا ما كان يحدث إلى قبل خمسين سنة، أليس كذلك؟ هل نحن تسبَّبنا في عمل الهولوكوست Holocaust لليهود؟ هل نحن أحرقنا ستة مليون يهودي؟ هل المُسلِمون فعلوا هذا؟
السيدة كارن أرمسترونغ Karen Armstrong تقول ليس المُسلِمين مَن صنع الهولوكوست Holocaust لليهود، قالت نحن الغربيين فعلنا هذا، افتحوا أعينكم، ليس أنا مَن يقول هذا، هي التي تقول، أرمسترونغ Armstrong تقول هذا، كفى كذب ووقاحة! ائتني بهولوكوست Holocaust تسبَّب فيه الأمويون أو العباسيون أو حتى السلاجقة أو المماليك أو العثمانيون أو أي أحد، حتى الحُكّام العرب المُعاصِرين ائتني بهولوكوست Holocaust تسبَّبوا فيه لهؤلاء اليهود، كذب! هذا لم يحدث، ليس عندنا هولوكوست Holocaust والحمد لله، نحن لم نُحرِق البشر!
المُهِم يقول الرواة كلهم وكل المُؤرِّخين المُسلِمين فحسر عمر عن يديه – أي شمَّر – وإخوانه – أي حسروا أيضاً عن أيديهم – وجعلوا يُزيلون القمامة، أزل أزل أزل أزل أزل! نظِّف المكان المُقدَّس على أساس أنه مكان الهيكل، نظَّفوه تماماً ثم ذهب عمر وكبَّر وصلى كم ركعة وبعد ذلك أتوا ببعض الخشب وبنوا مسجداً يُصلي فيه الجُند، أكبر من مسجد عمر الصغير، وبعد ذلك سوف يكون هناك الأقصى وقُبة الصخرة، هذا موجود إلى اليوم! هل هذا واضح؟ إذن انظروا كيف أنصفنا اليهود وأنصفنا النصارى، لم نُبهدِل هؤلاء ولم نُبهدِل هؤلاء كما يُقال، كذب! هذا غير صحيح، لكن ماذا فعلت الحملة الصليبية التي تُمجِّد فيها السيدة بريجيت غابرييل Brigitte Gabriel؟ كأنها – ما شاء الله – تعتل للبابا، كأن هذا البابا – والحمد لله – كان مُنقِذاً من السماء، نزل من السماء وأنقذ قبر المسيح وأنقذ مسيحيي الشرق من العُنف الإسلامي ومن الاضطهاد الإسلامي، لم تقل لنا أن الحملة الصليبية الأولى هذه وهي مُتحرِّكة – أول ما تحرَّكت – مرت على المجر ففعلوا فيها الأفاعيل، وها هي المجر بجواركم – سبعون كيلو – فاسألوا أهلها، قولوا لهم يا مُؤرِّخي المجر قولوا لنا ماذا فعلت فيكم حملة أوربان Urban الصليبية؟ يلعنون أباها، حرق للكنائس، اغتصاب للبنات وللنساء، قتل، وذبح باسم الصليب، باسم الرب الذي يتحدَّث عن الخد الأيمن والخد الأيسر، مَن ضربك على خدك الأيمن أدِر له الأيسر، هذا هو! وارتكبت الأفاعيل أيضاً في القسطنطينية، هذا البابا استغاث بالإمبراطور البيزنطي، هل تعرفون لماذا؟ هناك شيئ يا إخواني يُسمونه الانشقاق العظيم، تعرفون أن الكنيسة كانت في الأول مُوحَّدة، بعد ذلك انشقت إلى كنيستين: الكنيسة الغربية اللاتينية والبابا الخاص بها في روما، والكنيسة الشرقية التي كانت تتبع اليونان، أي بيزنطة! هذه كنيسة الروم، هل هذا جيد؟ والعاصمة كانت في إسطنبول، القسطنطينية! جميل، في سنة ألف وأربع وخمسين حدث الانشقاق العظيم، أي قبل نصف قرن بالضبط، لأن في ألف وواحد وتسعين كانت دعوة أوربان Urban في كليرمونت، أليس كذلك؟ في سنة ألف وأربع وخمسين حدث الانشقاق، طبعاً هناك أسباب كثيرة لكن السبب الذرائعي الموجود في الأعلى خُبز القُربان، نقاش عقيم حول خُبز القُربان! لكن أنا أُعطيكم شيئاً مُختَصراً، فاذهبوا وابحثوا بالضبط عن سبب الانشقاق، هذا هو! قال هل لابد أن تُوجَد الخميرة أم أنها ممنوعة؟ حدثت جلبة وانشقت الكنيسة! انشقت انشقاقاً أزلياً، بعد ذلك هذا البيزنطي حين انكسر أمام السلاجقة استعان ببابا روما فاهتبلها فرصة، قال جاءت وأنا سأنتهزها، سأفترصها! أي سأفترص هذه الفرصة، جيد، لماذا؟ قال المُؤرِّخون في المدرسة الصليبية الجديدة واضح لماذا، من أعظم أهداف البابا أوربان الثاني Pope Urban II أن يُكرِّس لنفسه صورة جديدة لا على أنه بابا الكنيسة الغربية اللاتينية بل على أنه بابا المسيحيين في العالم كله، بابا المسكونة، أرأيتم؟ أنا! أنا الذي أُمثِّل الكل، ليس التابع لليونان وإنما أنا، هذا الهدف الذي كان يحدو البابا، هذا الهدف الرئيسي، وهذا لا علاقة له لا بقبر المسيح ولا بكنيسة القيامة ولا بكل هذه الأكاذيب، هذه أكاذيب! هل هذا واضح؟
المُصيبة أنهم حين وصلوا إلى بيت المقدس فعلوا الأفاعيل، طبعاً المُسلِمون سمعوا بهذا ووقعت مذبحة حماة، وفي حماة أكلوا الجُثث، أعني الصليبيين! كانوا مُتعَبين ومُهلَكين، كانت هناك جُثث بشرية – جُثث للبشر – فكانوا يأكلونها، أكلوها! وهذا موجود في كُتبهم، هذا مكتوب الآن، وأكلوا جُثث المُسلِمين، كانوا يذبحونهم ويطبخونهم ثم يأكلونهم، وهذا فصل بائخ وفصل معرة – غير مُشرِّف – في تاريخ الصليبيات، يسكتون عنه كثيراً ولا يُحِبونه، لكن تفضحهم الوثائق وأهل الإنصاف، إدوارد سعيد مسيحي، أليس كذلك؟ نعم هو فلسطيني ويُدافِع عن الإسلام وعن العرب لكنه مسيحي، من بين المقدس، وهو من أعظم النقّاد في العالم، ذكر هذا في كتابه الاستشراق وفي كتابه الثقافة والإمبريالية، قال أكلوا جُثث المُسلِمين، الوثائق تقول هذا! أمين معلوف قال نفس الشيئ، عنده رواية عن الحروب الصليبية ذكر فيها هذا، أنهم أكلوا جُثث المُسلِمين، فبدأت الوثائق وبدأ أهل الإنصاف من المسيحيين يفضحونهم، قيل هؤلاء خدّام المسيح وخُدّام الإله، لكنهم كانوا مُتوحِّشين، شيئ مُخيف ومُرعِب، فالمُسلِمون سمعوا بأن هؤلاء يأكلون الجُثث وأنهم مُجرِمون وما إلى ذلك رُغم أنهم كانوا منهوكي القوى تماماً ففروا من بيت المقدس، أعني المُسلِمين! بقيَ فيها بعض الناس أملاً في الله وفي لُطف القدر، قالوا لا، لا نترك أولادنا وبيوتنا، فلنمكث هنا، كم بقيَ؟ سبعون ألفاً، نساء وأطفال وما إلى ذلك، عن بكرتهم تم ذبحهم، واحد لم ينج، جاء جيش الرب هذا التابع لأوربان الثاني Pope Urban II ولم ينج مُسلِم واحد، لم ينج لا طفل ولا امرأة، السبعون ألفاً تم تحريمهم كما كانت تُحرَّم مُدن الفلسطينيين في سفر يشوع “يهوشع”، ذُبِحوا! يقول أحد شهود العيان – ومكتوب هذا في التاريخ – وهو مسيحي – أي أنه كان منهم – دخلنا في الليل فغاصت سيقاننا إلى الرُكبتين في الدماء، برك من الدماء، برك! ذبح ذبح ذبح، جيد! هذا ما نال المُسلِمين، ذُبِحوا عن بكرتهم، هذا لم تقله غابرييل Gabriel لجمهورها في أمريكا هناك، ماذا فعلت حملة أوربان Urban بالمُسلِمين؟ ماذا فعلت بالضعاف من النساء والأطفال؟ لم تقل هذا وسكتت، حرَّرونا! أي أننا كنا مُتوحِّشين وقُساة وغِلاظ وما إلى ذلك، أما هم فكانوا أهل تحرير، هم تركوا بلادهم وأهاليهم وفلاحتهم ومزروعاتهم ثم جاءوا وضحوا، ضحوا من أجل أن يُنقِذوا قبر المسيح، لن أُعلِّق، التعليق عندكم.
بقيَ الآن يهود، يهود مساكين أيضاً كالمُسلِمين، لم يفروا من المدينة، قالوا لهم هل أنتم يهود؟ أهلاً وسهلاً، تعالوا! جمَّعوهم جميعاً وأشعلوا فيهم النيران أحياء، حرق! حقدهم على اليهود كان لا يزال مُتفوِّقاً على حقدهم على المُسلِمين، لماذا إذن؟ اليهود هم الذين صلبوا المسيح، أنتم صلبتم الرب الخاص بنا فتعالوا هنا، ولا تزال السيدة غابرييل Gabriel تُخاطِب اليهود في أمريكا، تقول لهم اليهود والمُسلِمون! قولي هذا، قولي لهم هذا، قولي إنكِ قرأتِ التاريخ وتفهمين التاريخ والتاريخ كله يُسجِّل هذا، كيف تم حرق يهود بيت المقدس؟ جعلوهم مشاعل وأحرقوهم أحياء في الليل، متى فعلنا هذا نحن؟ متى فعلناه؟
صلاح الدين الأيوبي تعرفونه، صلاح الدين هل تعرفون مَن كان طبيبه الكبير؟ كان عنده أكثر من طبيب نصراني ويهودي وما إلى ذلك لكن أكبر واحد وأشهر واحد كان موسى بن ميمون، تسمعون به، الفيلسوف والكلامي أو المُتكلِّم اليهودي القرطبي، الذي فر منه قرطبة، لماذا فر من قرطبة؟ غلب عليها بعد المُرابِطين المُوحِّدون، جماعة عبد المُؤمِن بن عليّ الكومي الذي كان من جماعة ابن تومرت، صاحب المُوحِّدة، المهدي! غلب عليها المُوحِّدون وهؤلاء كانوا ضيقي الصدر، عندهم تعصب شديد وذبحوا المُسلِمين السُنة، ذبحوا المالكية رُغم أنهم سُنة، كانو أشاعرة! تحدَّثت عنهم مرة في خُطبة عن المذابح المليونية، فعلوا الأفاعيل بالمُسلِمين طبعاً، ونفس الشيئ بالنسبة لليهود والنصارى، قالوا نحن نختلف عن الذين قبلنا، نحن لسنا كالمُرابِطين ولسنا كالأمويين، نحن نختلف عن أي أحد، نحن نأخذ الدين بجدية، الله! كانوا مُتعصِّبين وجهلة، ماذا قالوا؟ قالوا ليس أمام اليهودي أو النصراني المسيحي إلا أن يُسلِم أو السيف، لا تُوجَد ذمة عندنا، إما أن تُسلِم أو تُذبَح، تعصب وجهل، جهل عند المُوحِّدين! ففر كثير من اليهود والنصارى طبعاً، والذي لم يقدر على الفرار أسلم، ابن ميمون وأهله أظهروا الإسلام، لم يُمكِنه أن يفر فقال أنا مُسلِم، أنا مُسلِم ودخلت مع أهلي الإسلام، الحمد لله على نعمة الإسلام، صار مُسلِماً فتركوه، في أول فرصة واتته هرب من قرطبة، المغرب حدث فيها نعرات تعصبية فأتى إلى مصر، سمع عن صلاح الدين وما إلى ذلك فجاء إلى هناك، مَن التقى به؟ القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني المُنشئ العظيم والمُترسِّل الخطير الذي يعرف الأدب وتاريخ الأدب، هذا اسمه القاضي الفاضل، كان كاتب صلاح الدين هذا، شيئ أعجوبة من أعاجيب الدهر هذا الرجل، فهو الذي التقى بمَن؟ بابن ميمون، وعرف العلم الذي عنده والطب والفلسفة فقال له جيد ثم ذهب ودل صلاح الدين عليه، قال له أعرف رجلاً رهيباً، هو يهودي أندلسي ذكي جداً وهو عالم وطبيب، قال له ائت به، تعرَّف عليه وجعله طبيبه الخاص، وبعد ذلك كان طبيب ابنه أمير الجيوش الأفضل، ابنه أمير الجيوش كان هذا أيضاً طبيبه، جيد! وجعله رئيس الجالية اليهودية في مصر، صار هو الرئيس فيما بعد، أي أن أخذ حريته على أنه يهودي، جاءهم وهو يهودي، فقالوا لا مُشكِلة في أن تكون يهودياً، أهلاً وسهلاً بك، ليس عندنا أي مُشكِلة، وهو طبيب صلاح الدين، قالوا عادي، هو طبيبه، ما المُشكِلة؟ عادي، طيلة حياتنا ونحن هكذا، عندنا أطباء نصارى ويهود ومجوس، ليس عندنا مُشكِلة، المُسلِم مُتسامِح والحاكم المُسلِم صدره واسع جداً، شيئ مُشرِّف كما قلت لكم.
في يوم من الأيام جاء رجل منحوس اسمه أبو عرب، يبدو أنه من جماعة قرطبة، قال له هذا مُسلِم، والآن هو يهودي مُرتَد فاذبحوه، مُرتَد! خاف ابن ميمون، خاف المسكين من أن يتألَّب عليه الفقاء وأن يذبحوه كمُرتَد، مَن الذي دافع عنه؟ القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني، وصلاح الدين قبل هذا وقال لا، لا يمسه أحد، انتهى الأمر، فليبق يهودياً، فليعش وليمت يهودياً، القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني دافع عنه، قال له يا أيها السُلطان المُوفَّق المسعود هذا المسكين كما تعرف كان يعيش أيام المُوحِّدين وحصل كذا وكذا من القصة التي تعرفها، فقال له أعرفها، قال له فما أسلم إلا كُرهاً فلا عبرة بإسلامه، فكيف تُعتبَر ردته؟ قال له والله كلامك صحيح، فليبق كما هو، وظل يهودياً! انظروا إلى التسامح، لكن هذا لا يُقال لليهود، وعندنا مثل هذه القصص بالمئات – بفضل الله – عن اليهود والنصارى، والتي تدل على الكيفية التي عاملنا بها كبارهم وما إلى ذلك.
ولما مات ابن ميمون – في مرض موته – مَن الذي زاره وجلس عنده وكان يدعو له وما إلى ذلك؟ القاضي الفاضل، أكبر شخصية أدبية في بلاط صلاح الدين القاضي الفاضل، كان يزوره ويدعو له بالشفاء وما إلى ذلك، بعد ذلك مات فحُمِل جثمانه مُعزَّزاً مُكرَّماً حيث دُفِن في مقابر كبار اليهود في طبريا، هذا الإسلام وهذا تسامحه مع غير المُسلِمين بفضل الله عز وجل، وهذا صلاح الدين الذي كسر شوكة الصليبيين، فيا ليت يُقال لهم بعض الحق وبعض الإنصاف الذي يُمكِن أن يُزيل ما في النفوس من إحن، فبالنسبة إلى الصليبيات يا إخواني إذن الباعث الأساسي فيها للبابا ماذا كان؟ الزعامة الدينية، يستكمل الزعامة الدينية من طرفيها الشرقي والغربي، هذا الباعث الحقيقي، والديني ديباجة لكي يُحرِّك الجماهير.
عندنا باعث اقتصادي أيضاً، حين تقرأ الآن في التاريخ تجد أن من أكبر البواعث الباعث الاقتصادي، كيف كان الباعث الاقتصادي؟ قالوا الحرب الصليبية أقوى بواعثها اقتصادية وسياسية، لم يكن دينياً، البواعث الدينية موجودة كديباجة لتحريك الناس الأغمار، الفلّاحون والجهلة ومَن مثلهم كيف تُحرِّكهم؟ الواحد من هؤلاء مسكين، ليس عنده لا ناقة ولا جمل، تُحرِّكه ببعض المنافع وبالدين، تقول له الدين الدين الدين الدين فيتحرَّك المسكين، دائماً ما يحدث هذا، هكذا يُضحَك على العوام، فانظر إلى الباعث الاقتصادي، قالوا وُجِدَ الباعث الاقتصادي لأنهم في أوروبا في تلك الفترة وبالذات في فرنسا حيث عقد أوربان الثاني Urban II مجمعه كانوا في حالة اقتصادية زرية جداً، حتى اضطر الناس في بعض الأحيان والأحوال إلى أكل الأعشاب وحشائش الأرض، فقر شديد مدقع، الفلّاحون بيوتهم في عموم أوروبا وخاصة في الغرب الأوروبي فقط من أخشاب مُغطاة بشيئ من طين أو مُغطاة بأوراق الشجر، فقط هذا هو! وليل نهار يشتغل المسكين منهم – سحابة نهاره يشتغل – لأجل الإقطاعي النبيل الأمير، هذا هو فقط! على ملء بطنه إذا امتلأ ولا يمتلئ، فقر وما إلى ذلك! فالآن ما الذي صار عندك؟ هناك مصلحة في ذهاب الفلّاحين المساكين، أليس كذلك؟ وعدهم أوربان الثاني Urban II هذا بشيئين، قال لهم الأراضي لكم، سوف تعيشون في هذه الأراضي، قال لهم أرض فلسطين هذه وأورشليم هذه، هناك السمن والعسل، ففرحوا بوجود الأكل والشرب، قال لهم يُوجَد كل شيئ، مذكور هذا في الكتاب المُقدَّس، تفيضوا لبناً وعسلاً، في التوراة هذا، أليس كذلك؟ في الأسفار، فالأرض لكم وبعد ذلك سأضع عنكم ذنوبكم، صكوك الغُفران! قال لهم الذنوب كلها مغفورة، عنده الحق – قال – في أن يغفر الذنوب، أستغفر الله العظيم! فانبسطوا بهذا لأنهم تسبَّبوا مشاكل كبيرة طبعاً في حياتهم، قال لهم الذنوب كلها مغفورة، هذا الذي حرَّك الفلاحين، هذا لا يُحرِّك النبلاء ولا الفرسان ولا الأمراء الإقطاعيين، مُستحيل! ما الذي يُحرِّكهم؟ الأطماع المادية.
الآن بالنسبة إلى الإقطاعيين مُشكِلة الإقطاع الأوروبي كانت ماذا؟ أن الذي يحتاز الإقطاعية كلها دائماً البكر، أي الابن البكر، أليس هذا قانون التوراة؟ هذا قانون التوراة، كان قانون أوروبا، إذا رجل إقطاعي كبير خلَّف عشرة من الذكور فإن الابن الكبير يحتاز كل شيئ أما الآخرون فليس لهم أي شيئ، لكنهم يظلون أمراء ونبلاء، الواحد منهم أمير بلا أظفار، لا شيئ عنده، فالناس لا تحترمه كثيراً، يحترمون مَن؟ صاحب الأرض الذي يُعطي، هذا يمنح ويمنع، فكلهم عندهم توقان وتشوف عظيم أن يصيروا ذوي إقطاعات لهم، فالحملة الصليبية وفَّرت لهم هذا، قال لهم ستذهبون إلى هناك والأرض التي ستأخذونها تقاسموها، فقالوا هذا جيد، ومن ثم صار هؤلاء النبلاء وأبناء النبلاء وأبناء الأمراء والإقطاعيين عندهم تشوف رهيب لأن يذهبوا لكي يصيروا مثل إخوانهم الكبار ولكي يصير عندهم إقطاعات لهم، العجيب أن التاريخ الأوروبي الذي يذكر الصليبيات يقول أن مَن كان يحظى ببعض الأرض والمكسب في الطريق كان يُقيم عليه وينقطع عن مُواصَلة الرحلة إلى بيت المقدس – لا بيت مقدس ولا غيره، لا نُريده، الواحد منهم يأخذ له قرية فتصير له ويجلس فيها، هذا مكتوب في التاريخ – وأنهم كانوا يتنازعون – تقع بينهم المُنازَعات والبغضاء والإحن والشنآن – في الطريق، في الحملة الصليبية كانوا يتنازعون على توزيع الغنائم وخاصة الأرض – قالوا – إذا غنموها، قبل أن يصلوا تنازعوا، يقول كل واحد هذه لي وما إلى ذلك، فصارت الكثير من المشاكل، ولما بلغوا هناك ووضعت الحرب اللعينة هذه أوزارها وقعت نزاعات مُسلَّحة بينهم، وذهبت كل جهود البابا أدراج الرياح في الصُلح بينهم، ما هذا؟ أتعظهم بماذا؟ أتعظهم بالعهد القديم والجديد؟ كل هذا كلام فارغ، هم أتوا من أجل هذا، فلا تقل لي هؤلاء حرَّكهم الدين ويُريدون الدين ويُريدون أن يُخلِّصوا قبر المسيح، كلها أهداف مادية اقتصادية.
أختم – حتى لا نُطوِّل ونعقد مُحاضَرة في الصليبيات، هذه قصة طويلة، وهذا كله موجود في مُجلَّدات كثيرة جداً – بالقضية السياسية مرة أُخرى أو أعطف عليها، قد يقول لي أحدكم الآن فهمنا لماذا تحرَّك الفلّاحون والفقراء – أقنان الأرض – وفهمنا لماذا تحرَّك النبلاء والأمراء والمُحارِبون الفرسان، لكننا لم نفهم لماذا تحرَّك أباطرة وملوك أوروبا، فريدريك بربروسا Friedrich I Barbarossa مثلاً، فيليب أغسطس Philip Augustus، ريتشارد قلب الاسد Richard Cœur de Lion، ولويس التاسع Louis IX! هؤلاء القادة الكبار، ما الذي حرَّك هؤلاء؟ فريدريك الثاني Frederick II بعد ذلك سيتحرَّك، لماذا؟ أنا سأقول لكم لماذا، كل مَن ذكرت لم يُشارِكوا في الحرب الصليبية أو في الصليبيات إلا بعد مُماطَلات باستثناء لويس التاسع Louis IX المُقدَّس، كانوا يُسمونه المُقدَّس، هذا كان يأخذ الدين بجدية وكان مُتحمِّساً جداً جداً، أي Enthusiast كما يقولون بالإنجليزية، كان مُتحمِّساً للدين وكان يأخذ الدين بأطرافه الأربعة، فهذا انبعث تقوائياً، أي أنه انبعث على أساس أنه ذهب لكي يخدم المسيح فعلاً، الوحيد! كل مَن ذكرت لم يُشارِكوا في الحرب الصليبية أو في الصليبيات إلا بعد أخذ ورد ومُماطَلات وتهديدات من البابوية، وتعرفون أنتم أن في القرن الحادي عشر كانت هناك سطوة للبابوية على الأباطرة، سطوة مُخيفة كانت! لماذا؟ الإمبراطور هذا إمبراطور على شعبه أياً كان فقط بشرط أن يكون البابا – Pope – راضياً عنه، فطبعاً إن سخط عليه وألقى عليه الحِرم – يُسمونه الحِرم، أي الحِرمان، يطرده من رحمة الله، يصير مثل إبليس مطروداً، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، هذا اسمه الحِرم وهو شيئ مُخيف ومُرعِب، البابا عنده السُلطة هذه – لم يعد له على شعبه سمع ولا طاعة، يتمرَّد عليه الشعب، يصير لا شيئ، يُصبِح مُقلَّم الأظفار ويذبحونه، خدمه يذبحونه! فكان الإمبراطور قوياً وعنيفاً لكنه كان حريصاً على رضا البابا، فجرت مُراسَلات كثيرة، يقول البابا هيا يا بربروسا Barbarossa اذهب، فيقول عندنا أشغال وعندنا كذا وكذا يا سيدنا البابا المُقدَّس، كان يحدث هذا عدة مرات إلى حتى يخضع في النهاية، يُحرِّك معه جيشاً ويذهب رُغماً عنه، يذهب مُرغَماً! مَن أكثر مَن ماطل فيهم؟ فريدريك الثاني Frederick II، علماً بأن هذا ليس كلامي، هذا كلام مُؤرِّخي الحروب الصليبية الغربيين إذا أردتم أن تعرفوا كيف تحرَّكت، فلا يُقال هذا دين، هذا ليس ديناً، الحكاية كلها تتعلَّق بشيئ ثانٍ مُختلِف تماماً، هل هذا واضح؟ هذا مُهِم لكي تفهموا ما حصل ولكي تفهموا كم في العبارة البسيطة التي ألقتها السيدة غابرييل Gabriel من استغفال للمُستمِعين والمُشاهِدين وكم فيها من استحماق واستغباء لهم، تتحدَّث بأسلوب لا يتحدَّث به دارس بسيط في الثانوية للتاريخ، أليس كذلك؟ تعتبر أن هؤلاء الناس جهلة، فهيا نستغل جهلهم ونقول ما نُريد، هيا! لكي نُعبئ الناس على الإسلام والمُسلِمين، لا! المسائل لا تكون هكذا!
فريدريك الثاني Frederick II قيل له اذهب، فقال لن أذهب، غير مُستعِد، لا أُحِب هذا، لا أقدر على هذا، قيل له كثيراً اذهب فرفض فأُلقيَ عليه الحِرم، قال له البابا أنت مطرود، فخاف المسكين واضطر أن يتحرَّك بحملة صغيرة، أخذ أقل عدد معه وقال لهم هيا نذهب وإلا سينقض علينا بعد ذلك الشعب، وتحرَّك المسكين! حين وصل إلى الشرق العربي هناك بعث إلى الملك الكامل في مصر وقال له لا غرض لي لا بالقدس ولا بغير القدس، ولا أرب لي في هذا الأمر كله، وما لزني – أي اضطرني – إليه وعليه إلا حفظ الناموس عند الفرنج، هذا من أجل أن أبقى عليهم ملكاً وما إلى ذلك، وإلا سأذهب وسأضيع، وتعرفون ما الذي حدث بينه وبين الكامل وكيف أعطاه بيت المقدس، شبه هدية هكذا! فإذن حتى من الناحية السياسية فهمنا ما أبعاد المسألة، هذا ما كان من فضيحة كلامها عن الصليبيات!
(انتهى الجُزء الرابع بحمد الله)
فيينا (23/6/2017)
مدرسة كوندليزا رايس و مجرموا الحرب “الفوضى الخلاقة” الذين بدؤوا الحروب الصليبية الجديدة بحجج كاذبة و لا يعتذرون بل هو منهج حياة “يجعلون رزقهم انهم يكذبون”!