كنت ذاهبا إلى جامعة السلطان قابوس يوم الثلاثاء الماضي لأمر ما، وإذا بي أمام عدد كبير من السيارات متوجهة إلى هناك، فاللفة التي تؤدي الى الجامعة مكتظة بالسيارات وتتخذ شكل الصف المنتظر، أيعقل أن يكون هناك حادث، كما في كل مرة عندما يزدحم الشارع بالسيارات؟ لكن عندما وصلت البوابة وحيّيت رجال الأمن كان الأمر مختلفا جدا، لا يمكن أن يكون حادثا أبدا بل هناك شيء مهم، استرجعت الذاكرة التي لم تخني في ذلك الوقت، وأجريت ما يسمى العصف الذهني وتذكرت أن ضيفا جديدا حلّ بعمان، وأنه سيلقي محاضرته الأولى بالجامعة، إنه الدكتور عدنان إبراهيم.
نعم لماذا نسيت ولولا ارتباطي الملحّ لجلست للإنصات إليه لما سمعنا عنه أنه يحمل فكرا معتدلا، لا يسب الآخر بل يحترمه ويقدّر فكره وتوجهاته، ويميل إلى محاربة الفكر المنغلق والمتشدّد، ويشدد أن العالم لم يشهد حضارة مثل حضارة الإسلام، كانت محاضرته حسب ما روي لي وحسب ما شاهدت بعضها تخفي وراءها سرا أن الفكر العالمي بدأ يتحوّل من الانغلاق إلى الانفتاح، وبدأت جموع المفكرين تتجه نحو الفكر المعتدل الذي أثبت نجاعته واستمراريته، وأن الفكر المتشدد سقط في أول اختبار له بعد الثورات التي حصلت في العالم العربي والانتفاضات التي عمّت بلدان العالم، أفرزت رؤية جديدة لنظام الحكم القائم على العدل والمساواة ومحاربة الفساد بكافة أوجهه، لأن العدل هو أساس الحياة.
وبينما انا كذلك أرى تهافت الشباب من كل صوب مسرعين لحضور هذه المحاضرة التي ألهبت مشاعرهم وحفّزتهم على الإصرار على الجلوس بين يديه مستمعين لما يقوله من كلام فيه الجديّة والطرافة والحقيقة التي لا تغيب عن الأذهان، فأقبل عليهم الدكتور بوجهه وأخلاقه وتواضعه وفكره وحصد إعجاب الحاضرين بما أتاه الله من حديث وسبك في الكلام وتواتر للأفكار، نال إعجاب كل من استمع إليه. وهنا يسطر ملحمة الكرم والضيافة وقبول الآخر التي اتسم بها الشعب العماني منذ قديم الزمان وهو يحكي تاريخه، وكأنه يعيد نفسه حين أقبل المفكرون من كل صوب على عمان بداية من عائض القرني مرورا بسلمان العودة وراتب النابلسي، وها هو اليوم عدنان إبراهيم يحفر اسمه في عمان مخلّدا ذكرى هذه الزيارة في تاريخ عمان الحديث.
غير أن الذي لفت انتباهي في هذه الزيارة الجميلة واللفتة الكريمة من الدكتور عدنان إبراهيم هو اللقاء الجميل والأنيق بينه وبين سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، فأغلب من سلّموا عليه ذهبوا إليه إلا شخص واحد ذهب إليه هو بنفسه ليحضنه ويقبّل رأسه اعترافا له بعلمه وبخُلقه العظيم وتواضعه الذي حار فيه كل من يشاهده، لم يكن يصدّق بداية – كما حصل لي قبل 25 سنة عندما أتيت عمان- أن الرجل الذي تراه عيناه هو المفتي العام للسلطنة، ذلك ما ينبغي أن نقرأه بعمق، فرجل بهذا الوزن في بلد ينعم بالأمن والأمان والاستقرار كنز من كنوز الله في الأرض تعم بركاته على كل من يأتي للسلام عليه والتشرف بالجلوس بين يديه، فسبحان الله العظيم.
فهذا التعارف والاعتراف بالآخر هو ما رسخه الفكر الإباضي من قديم الزمان ليعبر عن الأفق الذي يتميز به ويجعله محط أنظار العالم لأنه فكر متزن له أصوله الشرعية والفكرية والعقلية والمنطقية ما يسع الجميع ويستمع للجميع ويأخذ من الجميع أيا كانت توجهاته الفكرية والعقدية، ليصنع مع الآخر حضارة متجددة وعلاقات متجذرة.
أضف تعليق