إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَحَبِيبَنَا ونَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ۩ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ۩ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩ وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
في دراسة نُشرِتَ حديثاً جداً في أواخر شهر مايو أو خمسة المُنصَرِم في الدورية العالمية الشهيرة JAMA Psychiatry أي جاما للطب النفسي – الدورية الأمريكية المعروفة – ووضح أمر وأُعلِنَ عن أمر مُثير جداً وصادم، هذا الأمر آثرت بعض الصحف والجرائد الألمانية اليومية أن تُعبِّر عنه بطريقة صحفية فيها نوع من الابتذال وفيها نوع من المُباشرة، هكذا عُبِّر عنه في بعض هذه الصحف: مَن ينظر كثيراً إلى الإباحيات ويُشاهِد الإباحيات كثيراً فإنه يحظى بمخ أصغر، مخه يتصاغر، دماغه يصبح أصغر، Wer viel Pornos guckt, hat ein kleineres Gehirn، أي مَن ينظر كثيراً إلى الإباحيات يكون عنده دماغ أصغر، ورغم ابتذالية هذا العنوان وصادميته إلا أنه صحيحٌ تماماً ويُوفِّر لنا خلاصة هذه الدراسة العلمية العجيبة وربما الرائدة في بابها، باختصار هذه الدراسة قام بها فريق من العلماء المُتخصِصين في برلين التابعين والعاملين في معهد ماكس بلانك للتنمية البشرية Max-Planck-Institut für Bildungsforschung، مع العلم بأن كلمة تعني التنمية البشرية Bildungsforschung، وهى دراسة حديثة جداً قادت هذا الفريق العالمة الدكتورة سيمون كوهن Simone Kühn ، أُجريِت الدراسة على أربعةٍ وستين، طبعاً -كما قلت لكم – الدراسة في معهد ماكس بلانك Max Planck – إلى جانب برلين في الحقيقة هو ليس في برلين نفسها – للتنمية البشرية لكنها نُشِرَت وأُتيحَت للجمهور في دورية عالمية مشهورة ومُعتمَدة طبعاً وهى دورية الطب النفسي جاما JAMA المشهورة، فليست المسألة صحفية أو مسألة مُبتذَلة أبداً، المسألة علمية مُحكَمة، أُجريت الدراسة على أربعةٍ وستين مُتطوِعاً تراوحت أعمارهم بين الحادية والعشرين والخامسة والأربعين، في الاستبيان والتقصي سُئلوا مجموعة أسئلة من بينها كم ساعة تتابع وتشاهد الإباحيات والصور والأفلام القذرة؟ وقلت لكم غير مرة هذه الكلمة اشتقاقياً وإيتمولوجياً تعني الصور القذرة، Pornographia أوPornography معناها الصور القذرة، أي القذارة، كم ساعة تُتابِع القذارة؟ وسطياً اتضح أنهم يتابعون أربع ساعات أسبوعياً، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، أربع ساعات يُتابِعون هذه القذارات، المُهِم هو النتيجة الصادمة والمُيرة واللافتة جداً وهى على مستوى العالم صادمة ويمكن أن تبقى صامدة أيضاً لا تتزعزع لأنها تجريبية، فهذه مسألة تجريبية، ثبت أن هناك نوعاً من الارتباط – Zusammenhang أو Correlation – بين مُعدَّل مشاهدة هذه القذارات أو الإباحيات وبين تراجع حجم القشرة الدماغية، وهذا شيئ خطير، المادة السوداء – Cortex – هى أكثر ما يُميز دماغ الإنسان وهى المسئولة عن ذكائنا الحقيقي وهى حديثة بلا شك بالنسبة إلى أجزاء الدماغ المُختلِفة، فهذه المادة السوداء – Schwarz substantia بالألمانية – تتراجع وتدمُر، وهذا أمرٌ عجيب، والأعجب من هذا أنه قريبٌ من الفص الجبهي -The frontal lobe – في الدماغ هناك جهاز يُسمى المُخطِّط Striatum، هذا المُخطِّط يقبع في مكان قريب من مُقدَم الدماغ لكن في الداخل Inside، ويُعتبَر المسؤول الرئيس عن الإثابة والمكافأة، حين يأتي الإنسان سلوكاً جيداً هذا يثيبه ويُكافئه بأن يعطيه شعوراً بالنشوة وشعوراً بالرضا وشعوراً بالسكينة وشعوراً بالطمأنينة، هذا هو جهاز المُخطِّط Striatum، وهو عضو صغير، طبعاً هذا يعمل بالتعاون مع الفص الجبهي بطريقة مُعيَّنة يعلمها المُتخصِصون بحيث يُشعِر الإنسان – كما قلت لكم – بمعنى المكافأة أو معنى الإثابة، للأسف هذا المُخطِّط أيضاً يتضاءل ويضؤل حجمه مع الإدمان على الإباحيات، وهذا أمرٌ عجيب، فيُصاب الإنسان فعلاً بحالة إدمانية حقيقية بحيث أنه يصل بعد حين إلى مرحلة لا يعود عندها وفيها يُستثَار، مهما رأى ومهما شاف ومهما حتى أحياناً مارس لا يُستثَار، هذا غير موجود لأن جهاز الإثابة وجهاز المُكافأة يتراجع، وأيضاً العلاقات العصبية بينه وبين المراكز المُختصة الأخرى في مُقدَم الدماغ تتراجع، التفاعلات تتراجع بين هذا الجهاز وبين هذه الأماكن، وهذه مُشكِلة وورطة كبيرة، لذلك هؤلاء موعدون بتحصيل علمي أقل وبذاكرة أخفض وبذكاء أقل، وهذه نتيجة مُخيفة ومُرعِبة، وطبعاً – كما قلت لكم – هذا تقريباً في الرابع والعشرين من مايو المُنصَرِم، وبلا شك في السنوات المُقبِلة ستتلو هذه الدراسة دراسات كثيرة قد تُعزِّز نتيجتها وقد تأتي بشيئ آخر، لا أقول نحن مُنحازون لكن يبدو أننا مُطمئنون إلى أن الدراسات المُقبِلة ستُعزِّز هذه الدراسة، لذلك أنا ابتدأت هذه الخُطبة التي أسأل الله أن ينفع بها وأن يُبارِكها بقول الحق جل مجده قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى ۩، شيئ غريب هذا الكتاب، هذه لمَن يتشككون ويُشكِّكون في كون هذا الكلام العُلوي المُعجِز ليس ربانياً، لماذا اختار تبارك وتعالى هنا لفظة أَزْكَى ۩؟ كان يُمكِن أن يختار لفظة أطهر، كأن يقول ذلك أطهر لهم، أليس كذلك؟ أو يقول ذلك آمن أو أي شيئ آخر، لماذا أَزْكَى ۩؟ نعود إلى المُعجَمات – إلى مُعجَمات اللغة – نستشيرها ونسألها عن هذه الكلمة، كلمة الزكاة ويزكو والتزكية، أصلها ماذا؟ ما معنى الزكاة؟ النمو والزيادة مادياً ومعنوياً، في الأمور الدينية الروحية وفي الأمور الدنيوية، يُقال زكا الزرع وزرع زاكٍ إذا نما واستطال، هذه هى الزكاة، الزكاة نمو، الله يقول مَن يغض بصره ويحفظ فرجه يزكو، في أي نطاق: روحياً أم نفسياً أم عقلياً؟ في كل النطق يزكو، يستحيل أن الإنسان يكون إنساناً قريباً من الله – تبارك وتعالى – وزاكي النفس وزاكي الروح وزاكي الفؤاد واللُب والقلب وهو يُغلغِل نظره في ما حرم الله، هذا يستحيل، يستحيل أن يكون مُنوَّر الوجه وصبيح الوجه وفيه جمال رباني وهو يُسرِّح نظره فيما حرم الله، هذا مُستحيل، حتى الذاكرة ، هذه لا أقول دراسة وإنما هذه مُستمَدة من نصوص دينية نحن نؤمن بها يقيناً بفضل الله – تبارك وتعالى – ونستنبط منها أشياء تخصنا كمؤمنين، مَن شاء أن يشركنا حيهلاً ومَن شاء أن يُخالِفنا هو بالخيار، هو حُر فليُجرِّب، نحن كمُؤمِنين نعتقد أن غض البصر عما حرَّم الله – ليس فقط حفظ الفرج بل بدءاً من غض البصر – هو أمر هام، لا تُحدِّثني عن مُسلِمين وعن مُؤمِنين يأتون الفاحشة – والعياذ بالله – كأنهم يشربون الماء، لا تُحدِّثني هنا عن هذا، لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، قال الله وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى ۩، لم يقل لا تزنوا وإنما قال وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ۩، هذه سكة الندامة، لن ترى من ورائها أي خير والله العظيم، يُوجَد حساب بينك وبين الله – تبارك وتعالى – يُصفّى في الدنيا قبل الآخرة، أنا أقول لك أنه يُصفّى – والله – في الدنيا قبل الآخرة.
مَن شاء أن يُرزَق زوجة صالحة تُسعده ويُسعدها وتُحصِّنه ويُحصِّنها وتُعفه ويُعفها فليتق الله في شبابه، ولا كلام ولا نقاش في هذه الموضوعات، هذه قواطع – والله – يا إخواني، اتق الله بدءاً من بصرك، وطبعاً مَن يتقي الله في بصره بالحري أنه يتقيه في فرجه وفي يده وفي لسانه وفي كل شيئ بإذن الله، حاشا لله أن يفعل غير هذا، هذا هو المؤمن الذي يُحِبه الله، هذا المُؤمِن الزاكي، تقول الآية الكريمة قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۩، فهنا الله يقول أَفْلَحَ ۩، والفلاح هو النجاح، ينجح لأنه يخاف الله – تبارك وتعالى – ويُعظِّم حُرمات الله، الله يغار على حُرماته، وهذه حُرمات الله حرَّمها، ما معنى حرَّمها؟ كأنه قال لك هذه حمى أنا حميته لنفسي، أمنع أي أحد أن يدخله وأن يتجاوز فيه، انتهى الأمر لكن أنت تقول له أنت منعت وأنا سأتجاوز، إذن تلق على رأسك كما نقول، الله يقول لك أنا أُحرِّم وأنت تقول له أنا لا أبالي، مُمتاز سوف نرى بعد ذلك، لكن المُؤمِن لا يفعل هذ، لذلك النظر شأنه خطير، النظر لا يُستهان به، وطبعاً يستهين به – كما قلت لكم – مَن يستهين بالفاحشة، سيقول لك هذا أمرٌ عجيب، هل أنت تُحدِّثني عن النظر وأنا الفاحشة لا أباليها؟ هى عنده – كما قلت لكم – كشرب الماء والعياذ بالله، لكن أنأ أقول له – وأسال الله له ولنا ولكل الناس العفو والعافية – مصيرك أغبر، والله مصيرك أسود في زوجتك وفي بناتك وفي أهلك وفي نفسك وفي صحتك وفي كبرك، بالذات حين تكبر قليلاً، يُوجَد حساب ينتظرك، كل شيئ يتصفَّى فانتبه ولا تنس، أنت تنسى لكن الديّان لا ينسى لا إله إلا هو، وقد أعذر من نفسه، أمرك ونهاك وتوسَّل وسائل كثيرة من الترغيب والترهيب والتذكير والوعظ والإقسام والحلف، الله يُقسِم لكنك لم تنتبه!
قبل أيام أقرأ لبعض الزنادقة الرُقع – هذه رقاعة الزنادقة، وهم فعلاً زنادقة لديهم عمى في البصر والبصيرة – يقولون لو كان إلهاً واثقاً من نفسه لماذا يٌقسِم؟ انظروا إلى هؤلاء الأغبياء، هل هو يٌقسِم لنفسه؟ هو غني عنك وعن العالمين، هو يٌقسِم من أجلك أنت، يعلم أنك عنيد وأحمق وغبي، مثل هذا النزديق أحمق وغبي، لذلك يُقسِم لك حتى يُحرِّك شيئاً فيك إن كان فيك شيئ بقيَ ليتحرَّك، شيئ في الضمير أو شيئ في الروح أو شيئ في النفس أو شيئ في الفطرة، يقولون لماذا يُقسِم هذا الإله غير الواثق من نفسه؟ وكأنه يُقسِم لأنه يريدك أن تخدمه – تصعد إلى السماء العُلى مع الملائكة وتخدمه – لكن هو غنيٌ عنك وعن العالمين، واضح أنه غنيٌ عنك لا إله إلا هو، لا يحتاجك لكن أنت الذي تحتاجه حين تمرض وحين تهوي من حالق وحين يحدث معك اصطدام أو أي شييء، حين تُوشِك أن تفقد عزيزاً تبدأ تصرخ يا الله في ساعة الشدة وتنساه في الرخاء لا إله إلا هو، وأيضاً هذه وقاحة، وعلى كل حال نعود ونقول أن الله – تبارك وتعالى – استخدم هذه اللفظة عن قصد وقال ذَلِكَ أَزْكَى ۩ بمعنى أنمى، فأقول لإخواننا بالذات الطلاب – طلاب العلم – والتلاميذ مَن أحب ذاكرة ماضية ليغض عن ما حرَّم الله، ليبتعد عن المعاصي وليُكثِر من ذكر الله، وصفة من كلمتين، ما رأيكم؟ ووصفة كالسيف، مَن جرَّبها عرفها، ابتعد عن المعاصي ما ظهر منها وما بطن، انتبه فبواطن المعاصي مُهِمة جداً أيضاً، مثل الحقد والكره والحسد والغيرة، الأشياء الحقيرة الداخلية ابتعد عنها، طهِّر نفسك وكُن إنساناً طيباً صافياً أبيضاً طهوراً، وأيضاً طهِّر الظاهر، كالأعضاء الجوارح، وفيما يخصنا الآن طهِّر النظر والبصر، قال الله ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ۩، الله مُطلِع عليك لأنه يَعْلَمُ خَآئِنَة الأعين وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ۩ كما في غافر أو المُؤمِن، قال ابن عباس في تفسير يَعْلَمُ خَآئِنَة الأعين ۩ هو الرجل الذي يأتي أهل بيتٍ فيهم المرأة الحسناء ويعلم أن عندهم فتاةً أو امرأة حسناء جميلة، فإن لم يفطنوا له نظر، أي يُرسِل بصره، يُريد أن يراها والعياذ بالله، هذا خائن طبعاً، كيف تدخل بيت الناس بهذه النية وبهذه الفعال القبيحة والعياذ بالله؟ أين الرجولة يا أخي؟ أين العفة؟ أين الشرف؟ أين تعظيم حُرمات الله؟ وإن فطنوا له غض، وكأنه لا ينظر، وإن لهوا عنه نظر، أي أنه يتخوَّن، يسرق النظر والعياذ بالله – سرقة – ويتلصص، فهذا يتلصص، والله يعلمه ويراه لكنه لا يبالي بالله، والله لن يبالي به، فيدعو ولا يُستجاب له، يقولون لك يا أخي دعونا – والله – كثيراً وما رأينا الفرج، ووالله الذي لا إله إلا هو دعونا كثيراً وكثيراً ما رأينا الفرج، ووالله الذي لا إله إلا هو دعونا الله وندعوه كثيراً ووالله الذي لا إله إلا هو نرى الفلاح قبل الصباح، راجع نفسك يا رجل، يقول دعونا وكأنه يمتن على الله أنه يدعوه، قال ندعوه كثيراً ولا يلبينا، انظر إلى نفسك وإلى ما تعمل، انظر ماذا عملت، انظر إلى حالك، لكنه يظن أن الله – تبارك وتعالى – فعلاً مُحتاج إليه وأن الله برسم خدمته وبرسم أن يلبيه، وكأنه محتاج له، لكن الله غير محتاج لك الله، الله غني عنك، عاود أمر ربك، كما نقول بالعامية “امش تحت ربك عدل” وبعد ذلك اسأل الله وانظر إلى ما سيحدث، جرِّب وإن كان المُؤمِن لا يُجرِّب، المؤمن عنده يقين – يقين حقيقي – بالله تبارك وتعالى، قال الله يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ۩، النظرة سهم مسموم والعياذ بالله، ليست شيئاً سهلاً ميسوراً يُتجاوَز عنه أبداً، النظر إلى ما حرَّم الله – تبارك وتعالى – شيئ يُسمِّم الروح ويُسمِّم النفس، فجميل – والله – هذه الدراسة، وإن كانوا هم لا يُؤمِنون بالكتاب، وهذه هى المُشكِلة، بعض الناس لا يؤمن لا بقال الله ولا بقال رسول الله، يُريد قال العلم – إله العلم – فإذا العلم قال يبخع المسكين مباشرةً، يا رجل هل أنت الآن تستمد إيمانك في هذه الجزئية من كلام الله لأجل برهان العلم وتكفر فيما سوى هذا؟ ما هذا؟ المُؤمِن ليس كذلك، المُؤمِن عنده يقين مُطلَق بكل أوامر الله وبكل نواهي الله، ليس عنده أي مُشكِلة وانتهى الأمر، أثبت العلم أو لم يثبت العلم أو سيثُبِت بعد مائة سنة أو بعد ألف سنة هذا لا يعنيني لأنني مُؤمِن، هذه هى قضية الإيمان، يُوجَد فرق بين الإيمان والعلم، إذا أنت مُؤمِن بالعلم وليس بالإيمان فهذا شيئ آخر، قل لي أنا رجل مُلحِد لا أؤمن إلا بالعلم، فهذه قضية أخرى، لكن المُؤمِن عنده منطق مُختلِف تماماً.
إذن للإخوة الطلاب – طلاب العلم – وحتى للعلماء الوصية من كلمتين، ابتعد عن المعاصي ما ظهر منها وما بطن وأكثر من ذكر الله، فما رأيكم؟ بالأمس أنا أوصي أحدهم يقول لي أنسى كثيراً، فقلت له هل عندك سبحة؟ قال عندي، فقلت لا تتركها من يدك، اجعل السبحة في يدك باستمرار واذكر الله يا رجل، لأن إذا لم تُوجَد السبحة في يده سوف ينسى، سوف يتكلَّم في الناس ويغتاب وما إلى ذلك، فاجعل السبحة في يدك دائماً واتركك مِمَن يقول بدعة، يا أخي ما أحسنها – والله – من بدعة، نُحب هذه البدعة يا رجل، لأنها تُذكِّرنا بالله، يُقال هى بدعة، فلتكن يا رجل بدعة، يقول بدعة ويبدأ يذكر – والعياذ بالله – ما دق وما جل مما يتعلَّق بفضائح الناس، قلت له اجعل السبحة في يدك ولا تفتر عن ذكر الله، وبعد ذلك راجعني بعد أسبوع أو أسبوعين وقل لي كيف حال الذاكرة عندك، قال الله – تبارك وتعالى – وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ ۩، وهذا غلام موسى يُوشَعُ، إذن من الذي يُنسي؟ الشيطان، جميل جداً، ما هو أقوى سلاح في وجه الشيطان ليُنضى؟ الذِكر، أي ذِكر الله، فالشيطان لا يبقى مع ذِكر الله، يفر مباشرةً لأنه لا يحتمل ذِكر الله تبارك وتعالى، هذان لسان وقلب ذاكِران ومن ثم الشيطان يفر، فإذا سكت العبد ولها عن ذكِر الله عاد الشيطان بالوسوسة والتزيين والتسويل والأشياء السيئة الرديئة، ولذلك أكبر سلاح في وجه الشيطان هو ماذا؟ الذِكر، أنت تذكر الله وبعون الله – تبارك وتعالى – يقل نسيانك وتقوى حافظتك، علماً بأننا لم نقرأ عن أعلام ونبلاء حضارة كأعلام ونبلاء حضارة المسلمين في قوة الذاكرة، هذا شيئ عجب، شيئ لا يكاد يُصدَّق، وهم بالألوف – ليس فلان وعلان وإنما هم ألوف من علمائنا – ولديهم ذاكرة ماضية كالحديد، شيئ لا يكاد يُصدَّق، وكان أحدهم يبلغ المائة سنة كأبي طاهر السِّلَفي – رضوان الله تعالى عليه – ولا يُسقِط كلمة، ذاكرة من حديد، لأنهم كانوا عباداً زُهاداً ذُكّاراً، كانوا ذاكرين الله كثيراً في كل أنحائهم، عندهم مخ مُلتمِع وذهنية وفهم.
القلب قرآنياً هو موضع ومكان ومحل الفقه، أليس كذلك؟ قال الله لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا ۩، والقلب موضع ومكان ومحل العقل، قال الله لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ۩، فالذي يعقل والذي يفقه القلب، بصرف النظر هل هو القلب الصنوبري أم قلب آخر فهو على كل حال القلب القرآني، وهذا القلب إذا تضعضع وتقلقل وتشوش يضعف ويتراجع فهمه وعقله وإدراكه وحفظه، وإذا اطمئن ورسخ تَعظُم فيه هذه المعاني، قال تبارك وتعالى الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ۩، القلب المُطمئِن يعني أنه قلب فاقه عاقل درّاك مُلتمِع وذكّار بإذن الله تبارك وتعالى، جرِّبوا هذه الوصفة – البعد عن المعاصي وكثرة ذكر الله تبارك وتعالى – وسوف ترون العجب بإذن الله تبارك وتعالى.
لدينا القصة المشهورة عن إمامنا الشافعي – رضوان الله تعالى عليه – وإن ضَعفها أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، فهو ضَعفها لكن معناها صحيح، واتفق مثلها لعليّ بن خشرم الولي الصالح والرجل البارع، عليّ بن خشرم يقول:
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي.
وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُورٌ ونورُ الله لا يهدى لعاصي.
فهو شكى لوكيع سوء الحفظ فقال له لا تعص الله تبارك وتعالى، هل تُحِب أن تحفظ ولا تنسى بإذن الله تعالى؟ اترك المعصية، لكن نحن نزيد قرآنياً، قال الله وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ۩ وقال أيضاً وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ ۩، ابتعد عن المعاصي وأكثر من ذِكر الله، اجعل معك سبحة دائماً وعليك دائماً بالذِكر، واعمل لنفسك أوراد خاصة والوقت موجود، أنت عندك وقت فراغ وأنت جالس في السيارة أو وأنت تحضر فيلماً أو وأنت تُتابِع الأخبار أو وأنت جالس مع أُناس تتكلَّم معهم، يُوجَد لديك وقت ومن ثم السبحة تشتغل بإذن الله تعالى، نحن الآن على أعتاب رمضان – هذا الشهر الكريم نسأل أن يُهِله علينا بالأمن والإيمان والأمة الإسلامية والعالمين جميعاً والسلامة والإسلام والخير والعافية. اللهم آمين – فاعمل لنفسك هذا، قل بعون الله قبل أن يُهِل هلال رمضان سأختم – مثلاً – خمسين ألف صلاة على رسول الله، قال الله إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ ۩، الله قال لك أنا أُصلي عليه وأنا أترحم عليه، وصلاته عليه لا تعني صلاة كصلاتنا وأنتم تفهمون هذا، لأن هذا أيضاً موضع اعتراض بعض الزنادقة الأغبياء، يقولون أن الله ينزل من أعلى ويُصلي، ما هذا الغباء يا أخي؟ هذا شيئ غريب، قال الله صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ۩، إذا انتهيت قل خمسين ألف سبحان الله وبحمده، وهذا أجر عظيم جداً جداً، ويزكو قلبك ونفسك وروحك – بإذن الله – وتتنوَّر، والله تتنور ووجهك يستنير، والله هناك بشر حينما تراهم تر النور في وجوههم وتشعر بالخشوع وتشعر بالرقة وتشعر بالقرب من الله، وهناك بشر حينما تسمع أسماءهم تفر كما قال الصالح القديم، قال قديماً حسبك بأناسٍ تخشع القلوب لذكراهم وبأناسٍ تموت القلوب من مرآهم، عندما ترى الواحد فيهم – والعياذ بالله – أو تسمع حتى إسمه تفر، لأن البعيد عفريت ومارد عتيد وشيطان رجيم لا يسعى إلا في الشر والتأليب بين الناس والفتنة والتشكيك في الدين وفي الأخلاق وفي الأشياء الطيبة، شيطان في مسلاخ بشر، فإياك أن ترضى لنفسك أن تكون على هذه الشاكلة، اعمل لنفسك هذا الورد بإذن الله تعالى، عليّ بن خشرم قال:
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي.
وهذه تُروى عن الشافعي حين كان صغيراً لكن ضَعفها أبو بكر الخطيب، والشافعي كان مشهوراً بجودة الحفظ، عنده ذاكرة تصويرية، كان يضع يديه حتى في آخر حياته على الصفحة المُقابِلة حتى لا يراها، لأنها تنطبع كما هى في ذهنه، فهو يقرأ تصويرياً، وإلا كيف مات وعمره خمس وخمسون سنة وأقل بقليل وكان إماماً لمذهب وهو مؤسِّس علم أصول الفقه تقريباً؟ باقعة من بواقع الدهر رضوان الله تعالى عليه، قال:
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي.
وفي رواية أنه كان طفلاً صغيراً ومر بامرأة ورأى شيئاً من محاسنها، زل وكل إنسان وهذه من الذنوب، فهو رأى شيئاً من محاسنها ثم رأى تراجعاً في حفظه ورادءة في حفظه، قال ليس هذا حفظي، حفظي أحسن وأجود من هذا، فذهب إلى وكيع، قال:
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي.
وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُورٌ ونورُ الله لا يهدى لعاصي.
يا سلام، هذا منطق رباني، هذا منطق الربانيين، وهذا المنطق لا يعرفه لا فيلسوف مادي ولا عالم مادي ولا غير هؤلاء، هذا بيعرف الإنسان الرباني، وهذه الأشياء كما رأيتم تستند إلى وعلى كتاب الله تبارك وتعالى، اعتقد يا إخواني مُطمئناً أن ما مِن أمة تزخر أدبياتها الدينية وغير الدينية بالحث على العفة – العفة عموماً – مثلنا، كعفة الفرج وعفة الطُعمة أو عفة البطن، لذا السائل الذي يشحذ ويسأل ليس عفيفاً فانتبهوا، لذلك التعفف يكون أيضاً عن أموال الناس وعن أكل الحرام وعن أكل الشُبهات، والتعفف عن أعراض الناس، شيئ ليس لي لماذا أُطلِق نظري فيه؟ هذه البنت أو هذه المرأة الجميلة ليست لي هذه، لماذا أنظر إليها؟ لا أريد، لن أنظر إلى محاسنها لأنها ليست لي، إذا زوجتي أنظر إليها بالحلال وأنا مُطمئن بإذن الله، لكن إذا كانت ليست لي لن أنظر إليها، لماذا أُتعب نفسي؟ لماذا أُسقط حرمتي؟ لماذا أسلب مكانتي عند الله تبارك وتعالى؟ هل هذا يُرضي الله تبارك وتعالى؟ وهو الذي قال لنا قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ – قل يا خيرتنا ويا صفوتنا ويا حبيبنا – يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ۩، لم يقل يغضوا أبصارهم، لأن هناك نظرة غير شاهية وإلى شيئ لا يكون مدعاةً لإثارة شهوة أو تحريك فتنة، فهذا أمر عادي، الدين ليس فيه هاذا التزمت الشديد، لكن إن نظرت فرأيت شيئاً يُمكِن أن يُحدِث فتنة أو يُحرِّك شهوة غض من بصرك مباشرةً في حديث بُريدة عند أبي داود والترمذي قال يَا عَلِيُّ لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ، إذا نظرت ورأيت شيئاً لا يجب النظر إليه وليس مما يرضى الله تبارك وتعالى – نظرة الفُجأة – ماذا تفعل؟ اصرف بصرك ولا تُعاوِد، أي لا تُعاوِد النظر، روى الإمام مسلم في صحيحه وهذه من أفراده – من أفراد مسلم التي انفرد بها عن البخاري – عن جرير بن عبدالله البجلي – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – أنه قال سألت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – عن نظر الْفُجَاءَةِ – أي الفجأة، كأن تنظر فجأة وترى شيئاً – فأمرني أن أصرف بصري، قال اصرف بصرك، إذا نظرت ووجدت شيئاً ينبغي أن أصرف بصري وأستغفر الله وأمضي، وسوف ينتهى كل شيئ، وهذه مغفورة لقوله لك الأولى، وهذه الأدبيات – كما قلت لكم – كثيرة، ما من أمة تزخر أدبياتها بالحث على العفة بكل معانيها – وفيها فيما يتعلَّق بموضوع اليوم عفة النظر وعفة العينيين – كهذه الأمة، أين الأمة التي علَّمها مُعلِّم فقال لها العينان تزنيان؟ ليس الفرج وحده هو الذي يزني بل أن العين تزني، وهذا الحديث رواه البخاري تعليقاً، أي رواه البخاري مُعلَقاً، ورواه مسلم مُسنَداً من وجهٍ آخر، من حديث أبي هريرة رضيَ الله تعالى عنه قال عليه الصلاة وأفضل السلام اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، أي النبي يقول لا محالة كل أحد سيزني النبي، كيف؟ ليس زنا الفرج أعوذ بالله، أعوذ بالله، نسأل الله العصمة والحفظ. اللهم آمين، قال اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فالعينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما الاستماع، أي إلى ما حرَّم الله، إلى ما يُحرِّك الشهوة، في المُقابِل يَحرُم على المرأة – فتاةً كانت أو مُزوَّجة – العفيفة التقية الصينة بنت الناس وبنت الأصول أن تتكلم بطريقة تقصد بها إلى تحريك رغبة الرجل، العفيفة لا تفعل هذا أبداً، وإنما تتكلَّم بطريقة فيها احترام وفيها عفة، لا يُمكِن لمَن يسمعها أن يظن بها السوء، يقول واضح من لهجتها ومن لحنها – العرب يُسمونه اللحن، أي لحن القول – أنها امرأة مُستقيمة وبنت أصول وبنت ناس، قال تبارك وتعالى فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۩، تكلَّمي بطريقة لا يُنكِرها الناس، أي بطريقة معروفة، فالمرأة المُحترَمة تتكلَّم هكذ، لا تتغنجي ولا تتكسري في لهجتك فتجلبي العار إلى أهلك، كأن تجلبي العار إلى أبيك وإلى جدك وإلى عمك وإلى أولادك وإلى زوجك فيُقال هؤلاء كذا وكذا وهذا والد المرأة التي كذا، أعوذ بالله، لماذا؟ المُحترَمة لا تفعل هذا، والمُحترَم لا يفعل هذا أيضاً، لا يسمع إلى الخنا، لكنك قد تقول لي أين أنت يا عدنان وأين نحن يا رجل؟ حدِّثنا عن شيئ غير هذا، هل أنت لا تسمع عن الإنترنت Internet والـ Chatting؟ أسمع وأعرف كل هذه الأشياء ولذلك جئت أحدثكم اليوم، ونحن الآن ننعطف انعطافة ثانية، لأننا ندرك مع غيرنا أننا أيضاً نتهاوي أخلاقياً، يُوجَد نوع من الهوي والسقوط الأخلاقي المُدوي الآن للعرب وللمسلمين وربما غير مسبوق أيضاً، قبل أسابيع أستمع إلى مُذيع كبير في بلده وفي قناة مشهورة فهزني – والله – وأزعجني جداً، مُذيع مشهور في بلده يتحدَّث عن إحصائيات ويقول نتحدَّث عن أنفسنا أننا وأننا وأننا – طبعاً بالطريقة الاحتفالية التمجيدية التبجيلية أننا وأننا – وكأننا الأمة الأولى والشعب الأول في العالم، كيف نتحدَّث بهذه الطريقة ونحن الشعب رقم واحد في العالم في زنا المحارم؟ وهذا شيئ مُزعِج، أقسم بالله هزني هزاً، يقول رقم واحد، ليست الولايات المُتحِدة الأمريكية – USA – وليست النمسا وليست بريطانيا وليست إسرائيل وليست أي دولة، ونحن عرب ومسلمون، كيف؟ ماذا يفعل الآباء؟ ماذا يفعل الأساتذة والمُعلِمون والشيوخ والوعّاظ والمُربيون والصحفيون وأهل الفكر وأهل الذِكر؟ ماذا تفعل هذه الأمة؟ لماذا لا ندق ناقوس الخطر فعلاً ونقول نحن نتهاوى وننتهي؟ أخلاقياً حتى ننتهي، لكن من أين؟ الحديث عن زنا المحارم، الله أكبر، الله أكبر يا مسلمون، من أين آتانا هذا العار الذي لا يُغسَل – والله العظيم – بماء البحار؟ من الإنترنت Internet ومن فضائيات السوء ومن قلة الأدب التي نعيشها ومن عدم الجد بأخذ أمور التربية، لا نعلم كيف نربي أنفسنا وأولادنا، من أبٍ ساهٍ سادرٍ لاهٍ يترك زوجته وأولاده وأبناءه المُراهِقين وبناته المُراهِقات ولا يدري متى خرجوا ومتى عادوا وأين ناموا وأين أكلوا، يا رجل لن أُحدِّثك بإسم الدين، بإسم الإنسانية فقط أُحدِّثك، هل أنت إنسان؟ هل أنت بشر؟ هل تشعر بشيئ من مسئولية إزاء هؤلاء الذين بذرتهم والذين نسلتهم وأنجبتهم يا رجل؟ هل لا يُوجَد عندك نوع من الغيرة؟ هل لا يُوجَد عندك نوع من المحبة الصادقة لهم؟ وأنت تعلم أن هذه سكة الندامة والله العظيم، لا يُمكِن لإنسان داعر وعاهر أن يعيش إنساناً مُحترًماً، لكن طبعاً كيف تُحدِّث العرب والمسلمين بهذا المنطق واليوم ما هم – لن أقول مَن وإنما سأقول ما – المُثُل العليا لهذه الأمة اليوم وخاصة لشبابنا؟ اعمل دراسات وتقص وقل لي، هل المثل الأعلى أو الأمثلة العُليا لشبابنا وشباتنا هم أنبياء ورُسُل وصحابة أجلاء وأولياء عُرفاء وفلاسفة ومُفكِرون كُرماء كبار ومُخترِعون ومُكتشِفون أم مغنون ورقاصون ورقاصات وعُراة؟ لا نريد أن نسيئ إلى أحد، لا إلى أهل الغناء ولا إلى أهل الطرب، لكن مُستحيل أن يكون المُغني هو مثل ابني الأعلى، هذه كارثة، كل يوم تقرأ في الجرائد العربية وفي النت Net أن المغني فلان الفلاني يتبرأ من ابنه الذي جاء بطريق غير مشروعة ولا يعترف به ويذهبان إلى المحكمة، ما هذا الخزي؟ والناس عندهم هذا أمر طبيعي وعادي، ويُتابِعون هذه الأخبار بالتذاذ وليس باحتشام، الواحد منهم مبسوط من أنه يُتابِع هذه الأخبار، يرى آخر أخبار المحكمة بين الفنانة فلانة والفنان فلان في قضية زنا وفاحشة وولد ابن حرام، أي نغل، أمه تُلصِقه به وهو لا يعترف به، هل هؤلاء هم المُثُل العُليا لأبنائكم؟ كيف تطلبون الشرف وتطلبون التقدّم؟ والله لن تروا هذا، والله العظيم بهذه العقلية لن تروا هذا، لابد – كما قلت لكم – أن ندق ناقوس الخطر، لابد أن نتماسك قليلاً يا أخي، روحياً عير مُتماسِكين ومادياً غير مُتماسِكين وسياسياً غير مُتماسِكين، فلنتماسك أخلاقياً، كنا إلى أول أمس – إلى وقت قريبٍ جداً، إلى أول أمس كما يُقال – نفتخر على الغرب الأوروبي المُنحَط – غرب الشذوذ والزنا والطلاق – بأننا مُتماسِكون أخلاقياً أكثر منهم، كنا نقول نحن لدينا الأخلاق، نعم أنت عندك العلم وعندك المال وعندك التقدم لكن ليس عندك الأخلاق، أما الآن الحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروهٍ سواه الغرب حتى في الأخلاق أصبح أحسن منا، هم رقم واحد ونحن رقم صفر، نحن رقم واحد في قلة الأدب وفي زنا المحارم، ومع ذلك نسكت وكأنه أمرٌ عادي، لا تشعر أن الناس مخضوضة وقلقانة، كأنه أمرٌ عادي، كيف يكون عادياً؟ ما العادي فيما يحصل الآن؟ ماذا يحدث في أمتنا يا إخواني؟ لذلك نحتاج إلى أن نراجع أنفسنا كما قلت لكم، نحتاج إلى ثورة تربوية – والله العظيم – تُعلنها المدارس ودور الحضانة والمساجد والكليات والصحافة والتلفزيون Television والراديو وأهل الفكر وأهل الذكِر، الكل يُعلِن هذه الثورة الأخلاقية التربوية لكي نرجع على الأقل بشراً مُحترَمين – لا أقول لكي نرجع أولياء مُقرَبين وإنما أقول لكي نرجع بشراً مُحترَمين على الأقل – فقط، لكي نكون من البشر وليس – أكرمكم الله – من الحيوانات، لأن أكثر الحيوانات تأبى أن تأتي أولادها وبناتها، فما رأيكم؟ هناك حيوانات تفعل هذا وأنتم تعرفونها، لكن معظم الحيوانات لا تفعل هذا، فحين يفعلها وبشر وحين يفعلها مسلم هذه – والله العظيم – تكون كارثة ما بعدها كارثة وأُقسِم بالله على هذا، ورغم كل هذا يسألون ويُرسِلون لي كل يوم والثاني روابط – لينكات Links – وأشياء ويقولون أين ربنا يا عدنان إبراهيم من هذا؟ هل أنت تسألني أنا؟ يا أخي اسأل أمتك في الأول، قل لهم أين أنتم من منهج الله؟ أين أنتم من البشرية ومن الآدمية؟ ما الذي يحصل؟ أما تتقون الله فينا وفي أنفسكم؟ قل لهم هذا، لكنه يسألني أنا كأنه يعتب على الله وكأنني وكيل عن الله أو كهنوت، لا تسلني عن هذا، سل نفسك في البداية لماذا يصيبنا ما أصابنا؟ لماذا نحن هكذا؟ ما الذي أصابنا؟ افتح عينيك جيداً وكُن صادقاً مع نفسك، لكن يُوجَد كما قلت لكم – والله العظيم – أب ساهٍ لاهٍ سادرٍ، وهو كما أقول بلغتي الجارحة قليلاً شائب وعائب كما يقولون، أي فيه عيب، يلحقه عيب مع أنه شائب، يا أخي شابت ذقنك وشاب شعر رأسك فمتى ستُصبِح رزيناً؟ متى يُصبح حليفك المصحف والمسجد والسبحة؟ ومن ثم تُصبِح إنساناً بنّاءً إيجابياً مُحترَماَ فتفيد الناس وتفيد أبناءك وأبناء الآخرين وأحفاد وأحفاد الآخرين من حكمتك ومن تجربتك في الحياة ومن فهمك، هل ما زلت شائباً وعائباً؟هل ما زلت تجري وراء الأمور الفارغة؟ ألم تقتنع إلى الآن؟ ألا تخاف من الموت؟ يا جماعة ما الذي يحصل لنا؟
يُوجَد رجل من كبار التابعين وكان من ثقات التابعين إسمه عُبيد بن عُمير – عُبيد بن عُمير بن قتادة الليثي رضيّ الله تعالى عنه وأرضاه وقدس الله نفسه الطاهرة – وُلِدَ في زمان رسول الله – صلى الله على رسول الله وآله وسلم تسليماً كثيراً – ولكن لم تثبت له الصُحبة، وقد لقيَ نفراً من كبار الصحابة، لقيَ عليّاً وعمر وابن عمر وعائشة وكثيرين، بل كان ابن عمر – رضيَ الله عنهما – يحضر مجلسه، وذلك حين يعظ عبيد بن عمير في المجلس، وكان أول مَن قص وأول مَن وعظ في عهد عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين، فكان إذا جلس للقص والوعظ يحضر ابن عمر الصحابي الجليل والعالم الفاضل مجلسه لأنه مُؤثِّر، هو رجل رباني مُلتزِم، وكان في مكة مُجاهِد يقول حق لنا أن نفخر – أي نفتخر – بفقيهنا وقاضينا، قالوا مَن فقيهنا؟قال ابن عباس، ابن عبالس فقيهنا وفخر لنا، قالوا ومَن قاضينا؟ قال عُبيد بن عُمير الليثي، هذا قاضينا – قاضي مكة – وهو فخر لنا هذا، فخر لأمة محمد، وهو تابعي وليس صحابياً، لكن هذه سبيل كل مَن سلكها وصل فاللهم اجعلنا من الواصلين السالكين، وكان يُوجَد رجل في مكة كانت له امرأة بارعة الحُسن وفائقة الجمال، وكانت تخرج من البيت وهى مُبرقَعة طبعاً لأن هذه فتنة عجيبة، فنظرت ذات مرة في المرآة إلى وجهها وقالت لزوجها تُخاطِبه يا فلان أترى أحداً يرى هذا الوجه ولا يُفتتن؟ فقال لها نعم، يُوجَد شخص من المُمكِن ألا يُفتَتن بكِ بإذن الله تعالى – انظروا إلى ثقة الناس في هذا العالم، ولذا يُقال شيخهم المُعتَقد، أي شيخهم الذي يعتقد الناس فيه الإيمان والولاية والعفة والصلاح، أي أنه شيخ مظبوط كما نقول بالعامية، وليس شيخاً غير مُنضبِطاً أو شيخاً عائباً، وإنما هو شيخ مظبوط كما نقول على الصراط المُستقيم، فشيخهم المُعتقَد هو الذي يعتقدونه بحق – وهو عُبيد بن عُمير، قالت إن أذنت لي أتيته فلأفتننه، وهذا الديوث – أستغفر الله العظيم – أذِنَ لها، وهذا لا يصح يا أخي، كيف تأذن لزوجتك أن تفعل هذا؟ وطبعاً هى لن تُقارِف معه الفاحشة، لكن تُريد أن تفتنه، فتقول لزوجها لقد سقط في الامتحان، لكن لا ينبغي أن يسمح لها بهذا، لا يُوجَد رجل شريف يسمح لنفسه أن يفعل هذا، الرجل الشريف – أي والله – يغار على زوجته حتى من رسول الله، يغار عليها من رسول الله وهو أشرف عباد الله، هذه هى الغيرة يا أخي، والنبي كان يُحِبها ويُشجِّعها فينا، عندما كان في الجنة سطع نور فقال ما هذا؟ قالوا هذه حورية، قال لمَن؟ قالوا لعمر بن الخطاب، قال فغضضت بصري وتذكرت غيرة عمر، صلى الله على مُعلِّم الناس العفة، قال أنا أعرف أن عمر يغار وأنا لم أُحِب أن أنظر إليها وهى حورية في الجنة ولا تُوجَد فتنة، الفتنة مأمونة لكن رسول الله لم يُحِب هذا وقال فغضضت بصري وتذكرت غيرة عمر، وعلى كل حال هذا الرجل أخطأ للأسف – عفا الله عنا وعنه – وقال لها أَذِنت لكِ، فأتت عُبيد بن عُمير في المسجد – كان من أئمة الحرم وقاضي الناس – كالمُستفتية، قالت له وهى ترتدي البرقع أو النقاب يا شيخنا ويا إمامنا أنا عندي فتوى أُريد أن أقولها بيني وبينك، فخلا بها في ناحية المسجد الحرام، فأسفرت عن مثل فلقة القمر، فقال لها استتري يا أمة الله واتق الله، قالت له قد فُتنت بكَ يا شيخنا – أفهمته أنها وقعت في عشقه ولا تقدر على هذا – فاقض لي حاجتي، أي تُراوِده عن نفسه – والعياذ بالله – وتُظهِر له ذلك حتى إذا ما استجاب ذهبت وعندها شهادة أنه سقط في الامتحان، لكنه قال لها يا أمة الله استتري واتق الله، فقالت ما مِن بُد، لا أستطيع لقد عيل صبري، عزب عني الصبر، قال فإني سائلك عن مسائل فاصدقيني، فإن صدقتيني نظرت في أمرك، قال لها كُوني مع نفسك واضحة وسوف أُفكِّر فيما بعد، وهذا لأنه رجل حكيم وواعظ كبير ورجل رباني رضوان الله عليه، فقالت لا تسألني عن شيئ إلا صدقتك، قال لها سألتك بالله لو أتاكِ الساعة ملك الموت ليقبض نفسك أكان يسُرُكِ أني قضيت لكِ هذه الحاجة؟ قالت اللهم لا، قال سألتك بالله لو وُضِعتِ الساعة في قبرك أكان يسُرُكِ أني قضيت لكِ هذه الحاجة؟ قالت اللهم لا، قال سألتك بالله لو انشقت عنكِ الأرض يوم البعث والنشور في ساعة الحشر وحُشرِتِ والناس في كرب الموقف تنتظرين كتابكِ ولا تدرين بيمناكِ أو بشمالكِ تؤتينه أكان يسُرُكِ أني قضيت لكِ هذه الحاجة؟ قالت اللهم لا، قال سألتك بالله لو وُضِعت الموازين ولا تدرين أيثقل ميزانك أم يخف أكان يسُرك أني قضيت لكِ هذه الحاجة؟ انظروا إلى هذا الرجل رباني، هذا هو المُؤمِن وليس مُؤمِن الكلام الذي عند أدنى شهوة ينسى كل شيئ، ينسى الله والموت والقبر والآخرة والجنة والنار والحساب ويقول لك نسيت يا أخي لأنني ضعيف وقد قال الله وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ۩، فاللهم قوِّنا على طاعتك، اللهم قونا في طاعتك وعلى طاعتك يا رب العالمين، هؤلاء يعتذرون لأنفسهم بأعذار واهية أوهى من بيت العنكبوت ويقولون الإنسان ضعيف، وهذا غير صحيح، السبب هو عدم وجود الإيمان، أنا أقول لك أن إيمانك هو الضعيف وليس أنت الضعيف، الإيمان يجعل المُؤمِن قوياً جداً، المُؤمِن في حديث الترمذي أقوى من الريح ومن الجبال ومن النار ومن الماء، المُؤمِن صاحب الإرداة يُعظِّم حُرمات الله لأنها مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ۩،هذا يحدث لوجود تقوى في القلب ولوجود علاقة صحيحة وصحية بالله عز وجل، وعلى كل حال قالت اللهم لا، قال لها فيا أمة الله فإن الله – تبارك وتعالى – قد أحسن إليكِ وأنعم عليكِ – أعطاكي جمالاً وحُسناً – فاتق الله ولا تعصه، فنكثت رأسها مُنكسِرة وعادت إلى زوجها، أول ما دخلت قال لها ماذا حدث مع عُبيد بن عُمير؟ قالت له اسكت إنما أنت بطّال ونحن بطّالون، نحن أُناس فارغون، نحن نعيش في فراغ، حياتنا كلها فراغ ولا نفهم شيئاً، قالت له اسكت إنما أنت بطّال ونحن بطّالون، وأخذت في العبادة، فكان زوجها يضرب رأسه يقول ما لي ولعُبيد بن عُمير؟ كانت زوجي كل ليلةٍ عروساً فصيَّرها لي راهبة، أي أصبحت راهبة، رضيَ الله تعالى عنها ورضيَ الله عن عُبيد بن عُمير، ما أسعد الناس بأولياء الناس، ما أسعد الناس حتى الفسقه بأهل طاعة الله، هذا أمر عجيب.
في هذا المجرى تجري قصة رواها الأئمة ومنهم أبو الفرج بن الجوزي وغيره -رحمة الله تعالى عليهم جميعاً – عن شابٍ من أهل الكوفة كان شديد العبادة وعظيم الزهادة، ولكنه كان أيضاً على قسطٍ كبير من الحُسن والجمال، كان وسيماً قسيماً كما يُقال، فبين هو ذات مرة يمشي في مضارب النخع إذ رمق فتاةً أُوتيت من الحُسن الشيئ العجيب ورمقته، أي ترامقا – نظرت إليها فنظرت إليه – فعلقها مباشرةً، قلبه تعشقها لأنها جميلة جداً، وهى أصابها مثل الذي أصابه، وهى لا تدري أنه شاب زاهد عابد، فهو من العُبّاد الزُهّاد على جماله، ثم انصرفا وبرح العشق بهما – به وبها – فبعث إلى أبيها – يأتي البيت من بابه – يخطبها لنفسه، فأخبره أبوها أنها مُسماة لابن عمٍ لها، قال له لا، هى على إسم ابن عمها، فسكت المسكين وظل يُعاني الوجد والضنى وحده وهو مُعتصِم بحبل العفة، لكن صبر الفتاة عيل، فقد حدث لها نفس الشيئ وعشقته من نظرة واحدة، هذا – سبحان الله العظيم – عشق، فأرسلت إليه جاريتها برسالة قائلة إما أن تزورني وإما أن أُهيئ لك زيارتي فتأتيني، أي إما أن تأتي عندي أو آتي عندك، فكان جوابه ولا واحدة من هاتين الخلتين، إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ۩، أي أنه قال لها يُوجَد رب ويُوجَد حساب، فالحكاية ليست لعبة، إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ۩، هؤلاء هم الشباب، هذا مثلك الأعلى أيها الشاب وليس مُمثِّل أو مُمثِّلة هوليوود Hollywood وليس الرقّاص وما إلى ذلك، هؤلاء هم مثلك الأعلى، وغداً سوف تقر عينك بأبنائك – بإذن الله – وببناتك وبزوجتك فانتبه، هذه هى الحياة الجميلة النظيفة الطهورة، فضلاً عن الأمان والاطمئنان بعون الله في الدنيا والآخرة، ولا تُوجَد حسرة ولا ندامة أبداً، قال ولا واحدة من هاتين الخلتين، إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ۩، فلما عادت الجارية بمرجوعته قالت وهو إلى ذلك – أي على جماله وحُسنه وعشقه لي – زاهدٌ يعبد الله ويخافه ويُعظِم حُرماته؟ والله ما أحدٌ أحق بهذا الأمر مِن أحد، وإن العباد فيه لمُشترِكون، ثم انخلعت من الدنيا وأخذت في العبادة، فانظروا إلى هذا، سعدت به – لا إله إلا هو – وهو شاب سعيد، وإذا يسَّر الله أناساً لسعيدٍ فهم السعداء، هو سعيد وهى سَعِدت بحبه، وهذا أمر عجيب، لم يشق ولم تشق، لأنه يتقي الله تبارك وتعالى، فانحلعت من الدنيا – كل الدنيا – وأخذت في العبادة ولم تزل على ذلك إلا أنها كانت تزوي وتذبل وتضعف بسبب الحب والعشق أيضاً، لم تنسه حتى قضت رضوان الله عليها فدُفِنَت، فكان المسكين يتعاهد قبرها، يأتيه ليلاً ويجلس عنده الساعات الطويلة ويناجيها، يُكلِّمها ويبكي، وذات ليلة غلبته عيناه فلاحت له في المنام كأجملِ ما يرى المرء – في أحسن صورة، أحسن مما كانت في الدنيا بمراحل – فطرحت السلام فرد عليها السلام وقال لها ما شأنك؟ وماذا لقيتِ بعدي؟ فقالت محبتكم يا سؤلي محبة خير وإحسان، قال إلى ماذا صرتِ؟ قالت إلى نعيمٍ وعيشٍ لا زوال له، في جنة الخلدِ ملك ليس بالفاني، فقال لها فمتى ألقاكِ؟ قالت والله يا فلان ما نسيتك كما أنكَ لا تنساني، وقد سألت مولايا ومولاك فأعني على نفسك بكثرة العبادة والاجتهاد فإني أراك قريباً، وقام المسكين وهو يبكي فلم يلبث إلا سبعة أيام حتى لحق بها، فانظروا إلى العفة، وهذا شيئ عجيب، وأصبحت قصة تُروى، هذا المسلم من أي مدرسة تخرَّج؟ من مدرسة مُعلِّم الناس الخير والعفاف محمد بن عبد الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – الذي قال في حديث أخرجه البخاري عن سهل بن سعد مَن يكفل لي – من يضمن لي – ما بين لحييه – اللحيان هما عظما الفك، ماذا يريد النبي؟ يُريد اللسان، فاللسان مورِد الهلكة – وما بين رجليه – أي الفرج – أكفل له الجنة، أي أن النبي يقول أنا أضمن له الجنة – بإذن الله تعالى – لكن اضمن لي لسانك وفرجك، وفي حديث آخر شُبيه بهذا الحديث أخرجه أبو نعيم وابن أبي الدنيا عن أبي أمامة الباهلي – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم- يقول اكفلوا لي بستٍ أكفل لكم بها – هكذا عَده بالباء، أي عَد الفعل بالباء – الجنة – أي أضمن لكم بها الجنة -، إذا حدَّث أحدكم فلا يكذب، وإذا اؤتمن فلا يخن، وإذا وعد فلا يُخلِف، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، واحفظوا فروجكم، هذه ست خصال – إذا حدَّث أحدكم فلا يكذب، وإذا اؤتمن فلا يخن، وإذا وعد فلا يُخلِف، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، واحفظوا فروجكم – فقط.
روى الإمام الطبراني في المُعجم الكبير والإمام أبو عبد الله الحاكم في المُستدرَك وصححه عن ابن مسعود وعن حذيفة بن اليمان أيضاً يُروى – رضيَ الله عنهما – أن قال النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – قال الله تبارك وتعالى – حديثٌ قدسي جليل – إِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ – النظرة إلى ما حرم الله، إلى المحاسن وإلى العورات والعياذ بالله -، مَنْ تَرَكَهَا من مَخَافَتِي أو مخافةً مني أبدلته حلاوةً يجدها في قلبه، وفي رواية أَبْدَلْتُهُ إِيمَانًا يَجِدُ حَلاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ، سبحان الله ينمو الإيمان بإذن الله – تبارك وتعالى – لأنك تُجاهِد نفسك في جنب الله وفي سبيل الله، هذا أدب العفة، هذه أدبيات العفة فاتلوها على أبنائكم، اقرأوها واشرحوها وقصوا القصص وائتوا بالحكايا.
أسأل الله لي ولكم ولأولادنا – أبنائنا وبناتنا جميعاً وجمعوات – الخير والهُدى والاستقامة والعفاف والديانة إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستعفروه.
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسلمياً كثيراً.
اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، اللهم أحسِم عاقبتنا في الأمور كلها وأجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم اقسِم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تُبلِّغنا به جنتك ومن اليقين ما تُهوِّن به علينا مصائب الدنيا، اللهم لا تجعل مُصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اجعلنا نخشاك حتى كأنا نراك وأسعِدنا بتقواك ولا تُشقِنا بمعصيتك وخِر لنا في قضائك وبارِك لنا في قدرتك حتى لا نُحِب تعجيل ما أخَّرت ولا تأخير ما عجَّلت، واجعل اللهم غنانا في أنفسنا ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا برحمتك وقدرتك يا رب العالمين.
اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.
أعِنا على ذكِرك وشُكرك وحُسن عبادتك، حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ۩، نسألك فعل الخيرات وترك المُنكَرات وحُب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين ولا خزايا ولا نادمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
أضف تعليق