-
هل هو داعية إسلامي؟ مصلح ديني؟ خطيب مثقف؟ مفكر إسلامي؟ عالم من علماء الإسلام؟ كثيرة هي الأوصاف التي حار المتتبعون في إطلاقها عليه، لأن الرجل لا يمت بصلة للخطاب المشايخي التقليدي الذي انتشر بالعالم الإسلامي في عصر الفضائيات، ولا يقترب أبدا من الدعاة الإسلاميين الجدد كعمرو خالد ممن حافظوا على نفس المضمون القديم للوعظ الديني ولو بشكل جديد، ربما أنه مفكر إسلامي حسب ما يوجد في كتبه وأفكاره وإعماله العقل في التحقق من الأحداث، وقد يكون مصلحا دينيا يبتعد بمتابعيه عن ما انتشر منذ عقود على أنه حق وما هو إلا باطل، حسب الكاتب السعودي أمين بن طلال.
عدنان إبراهيم، الخطيب الذي خلق له آلافا من المعجبين في أغلب مناطق العالم الإسلامي بنقده الإيجابي للدين ودعوته إلى استخدام العقل والفلسفة لأجل الوصول إلى الحقائق، وخلق له كذلك الآلاف من الأعداء الذين وصفوه بالشيعي والكافر والزنديق، ينفي دائما وأبدا أن يكون ما يقوله قرآنا منزلا أو كلاما لا يستحق التصحيح، فهو غالبا ما يبدأ محاضراته بـ”في رأيي، أعتقد أن..” في إشارة واضحة منه، إلى أن أي خطيب مسجد، وكيفما كان، لا يمكن أن يصل إلى الحقيقة المطلقة، ووقوعه في الخطأ أمر وارد، خاصة وهو يقول:” شرف المُفكّر أن تجد تناقضات في آرائه وأطروحاتِه؛ لأن ذلك دليل على نُموه وتَطورِه.. ومَن ذا الذي يُصيبُ الحقيقة مِن أولِ رأي!؟”
هو فلسطيني وُلد بمخيم النصيرات سنة 1966 وهناك تلقى تعليمه حتى حصوله على شهادة الثانوية العامة، ليرحل إلى يوغوسلافيا و من بعدها إلى فيينا بالنمسا حيث درس الطب، وبالموازاة، درس الدراسات الشرعية في كلية الإمام الأوزاعي بلبنان، وهو ما خوّله أن يشتغل في هيئة التدريس بالأكاديمية الإسلامية بفيينا، ليؤسس فيما بعد جمعية لقاء الحضارات سنة 2000، التي شيّدت مسجد الشورى حيث يُلقي عدنان إبراهيم دروسه وخطبه، وقد اُشْتهر بتنقيبه في كتب السيرة والبحث عن ما يعتبرها أخطاءً تم ارتكابها من طرف بعض الصحابة، كما عُرف بحديثه عن الإلحاد والأسباب التي تؤدي إليه لدى بعض المسلمين، وقد اشتغل كذلك بالنسق الفلسفي على القضايا الدينية وباعتماده لنظرية التطور الداروينية التي يرى الكثير من علماء الإسلام أنها تؤدي إلى الإلحاد.
خلق عدنان إبراهيم الجدل في كثير من المرات، ومنها عندما قال إن الكتابي، سواء أكان يهوديا أو نصرانيا، ليس ملزما بإتباع الإسلام كي لا يكون كافرا، بل هو ملزم فقط بالإقرار بنبوة محمد (ص)، لا أن يتدين بدينه، دليله على ذلك الآية القرآنية “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ”، لكن إن كفر الكتابي بالنبي محمد (ص) واعتبره كذّابا، فقد كفر بما أنزل الله. وكذلك عندما انتقد بشكل كبير مُعاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية، واعتبره من مؤسسي الدكتاتورية في صدر الإسلام، إضافة إلى انتقاده لمجموعة من رواة الأحاديث كأبي هريرة الذي قال عنه بأنه انتصر بشكل كبير لبني أمية ضد بقية القبائل آنذاك، وكذلك عائشة أم المؤمنين، التي رأى أنها انغمست بشكل سلبي في السياسة بعد وفاة النبي (ص) وهو ما أدى إلى كثير من الخلافات بين المسلمين، فانتقاده لبعض الصحافة ناتج عن رغبته، كما يقول، في أن يتعلم المسلمون من الكثير من الأخطاء التي اُرْتكبت في تلك العصور وساهمت في إذكاء الفتن.
آراؤه الدينية جلبت عليه الكثير من أسهم الانتقادات، وقد انتشرت شُبهة في الآونة الأخيرة تتحدث عنه كونه شيعي، حيث قال البعض إنه أثنى بشكل واضح على الشيعيَيْن علي شريعتي وياسر الحبيب، في حين أنه طعن في أبو بكر وعمر ابن الخطاب وأنس بن مالك على حد تعبيرهم، كما انتقد عليه البعض وصفه لابن عمر بن الخطاب، عبد الله، بأنه نسوانجي لا يصلح للخلافة، وقد قيل إنه على علاقة بياسر الحبيب. إلا أن شبهة الشيعة، لا تجد سندا لها في محاضراته، فقد سبق لعدنان إبراهيم، أن انتقد الشيعة بدورهم، وأنكر وجود المهدي المنتظر ووجود نص للإمام وذلك في خطبة له بعنوان” ظهر المهدي وفرّ المهدي”.
من أبرز الأفكار التي تحدث بها عدنان، هي قضية الدولة المدنية التي رأى أن الإسلام أسّسها منذ القدم بعيدا عن أشكال الدولة الدينية المعروفة وبعيدا كذلك عن أشكال الدولة العلمانية كما ظهرت في أوربا، وهو ينطلق في ذلك من مسألة أن الحكم لله لا تكون سوى في الميدان القضائي وليس في ما هو تشريعي وتنفيذي، وهو بالتالي، يقطع مع شكل الدولة التي تريدها بعض التيارات الدينية وكذلك مع تلك التي تدعوا لها التيارات الليبرالية والاشتراكية.
وبعيدا عن الاتفاق والاختلاف مع أفكاره، فقد أضاف عدنان إبراهيم بُعدا جديدا في التفكير الديني، وهو أنه خرج عن السائد وعن النمط التقليدي للخطاب المشايخي، وأبدى رأيه بكل شجاعة في مسائل لم يكن إمام ما يجرأ على الحديث عنها، ولم يُلزِم متابعيه بأخذ آرائه، بل جعل من خطبه جلسة ثقافية للحث على النقاش والتفكير، بحيث لم يعتمد على الترغيب والتهريب ومخاطبة العواطف كما هو سائد في الفضائيات الدينية، بعدما قطع مع الرأي القائل إن لحوم العلماء مسمومة، وجعل من الاختلاف في الرأي وسيلة لتنمية الفكر الإنساني وليس الانغلاق في دائرة السمع والطاعة.
يُحسب كذلك لعدنان إبراهيم أن انتقد بعض الأحداث الدينية من داخل الدين، فهو في نهاية الأمر خطيب مسجد وليس مفكرا تقليديا، ويُحسب له وصاياه باستخدام العقل والمنطق في كل مناحي الحياة; لقد رفع عدنان من قيمة العقل الغائبة عن المجتمعات الإسلامية، ورفع كذلك من قيمة العلم والثقافة فهو يقول “إذا أردنا أن تسلُم لنا ثوراتنا السياسية، علينا أن ندعمها وأن نُعزّزها بثورات فكرية علمية ثقافية، وإلا سنضيع وسوف نُعيد إنتاج الديكتاتوريات بخمسين لافتة وخمسين اسمًا جديدًا”. وقال كذلك ” على الخطاب الإسلامي أن يكون أكثر واقعية، وأكثر صراحة مع الحقائق الصلبة، وألا يتوسّل رضا العامة”؟ فهل كان عدنان إبراهيم يدري أن دعوته إلى “الحقيقة الصلبة” ستجلب عليه نيران الكثير من مخالفيه، وهم يتنوعون بين العلمانيين والسلفيين والشيعيين بل وحتى الأشاعرة الذين ينتمي إلى مذهبهم؟
أضف تعليق