عدنان إبراهيم.. حساسية العقل المثيرة لـ”سعال السلفيين”

«لست اثني عشري.. أنا سنى شافعى أشعرى.. لكن مستقل»، وأشار إلى عقله، مقطع فيديو للداعية الإسلامى عدنان إبراهيم، خطيب النمسا فلسطيني الأصل، سجله قبل أكثر من ٤ أعوام، لم يزده فيه إنكاره لتشيعه إلا اتهاما، كلما ارتفع عدد مشاهدات الفيديو، بذل آخرون فى المقابل من الوقت والجهد لتأكيد ما نفاه، مستعينين بمقطع فيديو هنا أو تسجيل صوتى هناك، ينظمونها فى مقالات نشرتها أشهر المواقع السلفية «صيد المعارف» وغيره، وخاضت فيه الكثير من الكلام، واصفين إياه مرة بالشيعى مستخدم التقية، ومرة بعدو الإسلام والمذهب السنى مدعى الانتماء إليه لهدمه.

خلال الأيام القليلة الماضية حقق إبراهيم شهرة كبيرة، ووصل إلى فئة كبيرة لم يكن وصل إليها من قبل أو سمعت عنه، كتب عليه كثير من الصحفيين «بروفايلات»، يبحثون فيها خلف ذاك الداعية «مودرن» الهيئة «بذلة وكرافتة ولحية مهذبة تحدد الوجه ولا تثقله»، مختلف الحديث، متحدى هيئة كبار العلماء السعودية فى مناظرة على الهواء، صحيح أن تحديه ذاك جاء رد فعل على «تحذير هيئة كبار العلماء السعودية من برنامجه الرمضانى الذى ينشر على قناة الخليجية «صحوة»، لارتكابه ما رأوه «موبقة» برفض تحريم الغناء، الذى اعتبره عدنان إبراهيم من «الطيبات»، مستندا إلى الآية القرآنية «لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ…».

وأشار إلى أن هناك أحاديث فى الصحيحين وغيرهما تؤكد أن الرسول والصحابة استمعوا إلى المغنيات أو إلى جَوارٍ يغنين وبالدف أيضا، واعتبر أن من لا يستمع إلى الموسيقى لديه مشكلة فى إنسانيته، وأكد أن تحريم الموسيقى أمر خلافى بين علماء المسلمين.

وحدد «عدنان» شرطا فى أن تذاع تلك المناظرة على الهواء، فاعتبرت هيئة كبار العلماء أن ما يقوله ضرب من «الهوى» واكتفت بتحذيرها الأول منه الذى جاء فيه «أنه يقدم ببرنامجه ضلالات تتضمن تناقضات وسبًّا للصحابة»، ولم تلق بالًا لتحديه، ولم يستفد مما حدث سوى عدنان الذى أثار فضول الكثيرين بعد تلك الواقعة.

الجدل المثار حول عدنان إبراهيم ليس وليد اليوم، بل صحب ظهوره قبل ٦ أعوام أو يزيد، وبينما تتزايد فيه خطب عدنان والقضايا التى يتناولها بالبحث، وقفت الاتهامات التى وجهت إليه عند الأمور ذاتها، أولها تشيعه وطعنه فى معاوية بن أبى سفيان وبنى أمية، وثانيها طعنه فى السيدة عائشة وأبى بكر وعمر، وثالثها طعنه فى راوى حديث الرسول الصحابى أبي هريرة، والبخارى ومسلم، وغيرها من قائمة طويلة.

وعلى الرغم من أن كل تلك الاتهامات تستطيع أن تفهمها إذا ما قرأت عن الرجل أو سمعت له مقطعا أو اثنين يتحدث فيها عن منهجه الذى يمنح وجاهة للعقل لا يمنحها غيره له، يرفض أن يقبل شيئًا لمجرد أن آخرين قبلوه حتى لو لم يرض ذلك الشيء عقله، ومن ثم فعليه أن يلغيه حتى يرضوا عنه أن يستخدمه ويتحمل السب واللعن والتكفير، وأنه اختار الثانية، ولن يسمح لـ«إرهابيى الفكر» أن يرهبوه، لفهمت أن ما يواجهة «إبراهيم» ليس سوى حلقة مما واجه كثيرون غيره كفروا بل واغتيلوا أحيانا كـ«فرج فودة»، إلا أن البحث خلف تلك التهم لا سيما أنها منقولة عن حديث له من مقاطع فيديو أولى من باب الإنصاف.

أولي التهم التى توجه إلى إبراهيم أنه سب السيدة عائشة ووصفها بـ«مسترجلة النساء»، وأن الرسول لعن المسترجلات من النساء، وبالتالى يكون إبراهيم قد طعن فى السيدة عائشة وسبها، المقطع الذى تحدث عنه السلفيون عبر موقع صيد المعارف وغيره من مقالاتهم للرد عليه، ستجده على الإنترنت متاحا، فى سياق مدح للسيدة عائشة ورجاحة عقلها وسداد رأيها، ومما نقل عنها أنها كانت تركب الخيل ثم قال كلمته المثيرة للجدل، وفى مقطع آخر تحدث عن السيدة عائشة أيضا أوضح فيه ما قصده من معنى مسترجلة النساء أى سديدة العقل، وذكر الحديث الذى لعن فيه الرسول المسترجلات من النساء، ونقل قول علماء فى أن المقصود به المتشبهات بهم فى الحديث المشية أو الصوت المرتفع وليس فى الرأى، فإنما هنا من باب المدح، وفى مقاطع عديدة دافع فيها عن السيدة عائشة وكيف أنها وغيرها من زوجات النبى من آل البيت، وليس كما يخرجهن الشيعة منه، ويأخذ عليها فقط خروجها على الإمام على، وكيف أنها نفسها ندمت على ذلك الخروج بعد ذلك.

الشبهة الثانية يتهمونه بالتشيع، وأنه يستخدم التقية لإخفاء تشيعه وهدم المذهب السنى من الداخل، وأنه يسب أبا بكر وعمر ويروى عنهما روايات مغلوطة، وتلك الشبهة أيضا يكفى بحث عبر موقع «يوتيوب» عن عدنان إبراهيم عن عمر وأبي بكر، ليخرج لك كم كبير من المقاطع التى يتحدث فيها عنهما، أحدهما يحمل اسم «أبي بكر وعمر سرقا الخلافة من على»، وهو الاسم الذى قد يشفى صدور الرافضين على الرجل ويتخذونه للهجوم عليه، إلا أن الفيديو نفسه يرد على قول الشيعة ذلك، ويدحضه، بقول للإمام على نفسه فى نهج البلاغة فيقول: بعث الإمام على رسالة إلى معاوية عندما اعترض على مبايعة المسلمين له فقال: «إنى بايعنى القوم الذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان، فما كان للغائب أن يختار ولا الشاهد أن يرد، إنما الشورى»، وعلق عدنان : يتحدث عن الشورى وليس الوصية، لو كانت الوصية دينا كما يدعى الشيعة لذكرها الله واضحة فى كتابه، وتابع نقل حديث الإمام على «وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اختاروا شخصا وأجمعوا عليه كان ذلك لله رضا، على صاحب نظرية الشورى»، وتابع عدنان: «نستطيع أن نفسر بذلك الخطاب كل مواقف على، وكيف أنه كان يقاتل ويعمل قاضيا لأبي بكر وعمر، لأنهما خليفتان يستحقان الخلافة يرضيان وزوج ابنته من ثانيهما وسمى بعض أبنائه من اسميهما».

وأخيرا فيما يتعلق برفضه لبعض أحاديث البخارى ومسلم التى تخالف العقل، وتأكيده على أنهما ليسا معصومين، وتشكيكه فى بعض أحاديث أبي هريرة، التى اعتبرها السلفيون سبة فى الصحابى وطعن فيه، أوضح «إبراهيم» فى مقطع فيديو عن أبي هريرة تحت اسم «هذا ما قاله د. عدنان إبراهيم عن أبي هريرة دون تقطيع»، أن أبا هريرة نقل عن الرسول عددا ضخما من الأحاديث أكثر مما نقل عنه غيره من الصحابة، رغم أنه صاحب الرسول أقل من ثلاث سنوت، وأنه كان متأثرا بالإسرائيليات حافظا لبعض رواياتهم، وأنه لم يكن يقرأ ولا يكتب وبالتالى لم يدون الحديث كغيره من الصحابة بل حفظه فى عقله، ومن ثم فمن الطبيعى أن يتداخل عليه الأمر أو يخلط بين حديث الرسول وبعض تلك الإسرائيليات، وأن عمر بن الخطاب شج رأسه وحذره من أن يرويها، وأنه توقف عن رواية الحديث حتى آخر عصر عثمان، وقال فيما بعد أنا أحدثكم بأحاديث لو رويتها فى عهد عمر لشج رأسى، وأن البخارى نفسه رد عليه حديثا يخالف القرآن من أن الله خلق الدنيا فى سبعة أيام، بينما فى القرآن ستة.