إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:
وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ۩ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۩ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۩ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۩ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ۩ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
أحبتي في الله، إخواني وأخواتي:
على موقع اليوتيوب YouTube المعروف عالمياً مقطع مُؤثِّر – بالغ التأثير – تقريباً تحت عنوان عنونه أحد الإخوة المسلمين أو العرب بأحسن قصص العفو، قلت سأدخل عليه لكي أتعرَّف على أحسن قصص العفو، فإذا بها فعلاً حكاية وقصة هى عجبٌ من العجب، أحسب أن أحداً لا يستطيع أن يُمسِك دموع عينيه إذا رأى هذا المقطع وأن يُغالِب ما سيفور في حناياه من معانٍ ومفاعيل كبيرة جداً، فتاة يبدو أنها في العقد الثالث إسمها جاكلين سابوريدو Jacqueline Saburido تظهر في المقطع وهى تضع على وجهها صورة لها على قدر وجهها، صورة فتاة رزقها الله شيئاً كثيراً من الحُسن والجمال، تقول هذه أنا فلانة الفلانية قبل أن يحدث معي الحادث المُروِع، قبل أن يصدم سيارتي التي كنت أستقلها رجل سكران، فيُودي بحياة اثنتين من صديقاتي وأعيش أنا وأنجو لكن بعد أربعين عملية جراحية، هذه أنا بعد الحادث، وإذا بمظهر عجيب، لا أستطيع أن أقول مُخيف، في الحقيقة رأيت فيه جمالاً أيضاً، فعلاً رأيت فيه جمالاً، لأول مرة يُمكِن أن يقول المرء لنفسه إنه يرى من خلف خِلقة بالتعبير الحسي شائهة، وجه دخلت معالمها كلها في بعضها البعض، كأنها قطعة عجيبن هكذا لها ثقبان عند الأنف فقط، العينان تبدوان صغيرتين جداً والفم مُشوَّه، شيئ عجيب جداً، كأنه كائن من الفضاء الخارجي، واليد أيضاً أصابعها ساحت على بعضها البعض فهى مُدبَّبة كأنها أصابع شيئ آخر غير الإنسان، لا نود أن نُشير بغير هذا إلى هذه الإنسانة العظيمة لأنها بلا شك إنسانة عظيمة وروح عظيمة، هذه هى الروح العظيمة، مثل هذا الموقف بالذات هو الذي يجعلنا نُعيد النظر في كل الفلسفات المادية وفي كل المناظير التسخيفية التي تُحاول وتجتهد أن تُقنِع الإنسان بأنه حيوان وبأنه كائن مادي ينتمي إلى عالم مادي مُغلَق لا علاقة له بالماوراء ولا علاقة له بالغيب ولا علاقة له بالله ولا علاقة لها بالوحي والأديان، كل هذا يبطل أمام موقف واحد كهذا، هنا يتجلى الإنسان وعظمة الإنسان وعظمة الروح الإنسانية، لأول مرة يُمكِن أن يرى كل منا من خلف ما يُمكِن أن يُدعى زوراً وبهتاناً خِلقة شائهة جمالاً أخّاذاً، إنه جمال روح الإنسانية، هذا جمال الروح، تماماً كما يُمكِن أن نرى جميعاً في المُقابِل أو بالمُقابِل بشاعة الإنسان برؤيتنا لبشاعة روحه من خلف وجه جميل حسياً، ترى تقاطيع موزونة وفق النسبة الذهبية كما يُقال ولكن بشاعة فظيعة، بشاعة أولئك الذين أحسن الله تصويرهم وتعديلهم وتقويمهم لكنهم لا يألون جهداً في إذاقة عباد الله المرائر بوحشيتهم وبقدرتهم غير المُتناهية على الجريمة وعلى تعذيب الآخرين وعلى الإضرار بالآخرين وعلى كرث وإبلاء الآخرين، هذه بشاعة وهذا جمال، ويسقط الحس هنا، يسقط هنا وهناك مرةً أخرى، لا يبقى شيئ من الحس، المسرح هنا للروح تلعب فيه، المسرح فقط بطله هو الروح وليس البدن وليست كل هذه الأشياء الملموسة القريبة القشورية الزخرفية، العجيب والعظيم – مكمن العظمة في القصة – أن هذه الفتاة التي وصفت لكم بكل بساطة قالت أنا سامحت وأنا عفوت، عفوت عن هذا السكران الذي دمَّر حياتي وأفقدني حيوات اثنتين من صديقاتي العزيزات، تبدَّلت حياتي بالكُلية طبعاً بعد هذا الحادث المُروِع – لكم أن تتخيَّلوا هذا – لكن أنا سامحته، حين التقت به قالت له أنا لا أكرهك، لأنها لا تستطيع أن تكره، هذه روح عظيمة، روح عظيمة حقاً، قالت له أنا لا أكرهك وقد سامحت، وأعلنت عن مسامحتها وعن العفو Forgiveness كما يقولون، عفت وأرادت أن تنسى هذا، انتهى الأمر وهى الآن تعيش حياة جديدة، هذا هو العفو، وفي المُقابِل على الشواطيء الأخرى كما يُقال نسمع عشرات القصص على العكس للأسف، لكن طبعاً لا تخلو بلاد المسلمين من ألوف النُبلاء أيضاً ومن ألوف العُظماء، كثيراً ما كنا نسمع حين كنا صغاراً في نعومة الصغر وغضارته عن أب عفا عن رجلٍ دهس ابنه الوحيد بالسيارة، عفا عنه ومنع أحداً أن يطاله بسوء، قال عفوت عنه والأجر على الله، ولا يأخذ لا دية ولا عوضاً ولا أي شيء، كُنا نسمع عن هؤلاء الأماجد ولا يزالون، قبل أسابيع يسيرة يُحدِّثني أخ حبيب من اليمن الحبيبة بقصة مُشابِهة تماماً وخلاصتها العفو أيضاً عن رجل دعس بسيارته ابنهم – غلامهم – لكنهم عفوا عنه بل وذبحوا له وأكرموه ومن معه، هذه عظمة المسلمين وعظمة الإسلام، موجودة هذه بفضل الله لكنها تتراجع، حتماً واضح أنها تتراجع، لأننا للأسف بدأنا نُلوِّث آذاننا وتتلوَّث مسامعنا أيضاً بعشرات الحكايا والقصص عن أولئك الذين يقتلون إخوانهم وأشقاءهم من أجل عبوة غاز، أي جرة غاز، هذا حدث في بلد عربي ولديه من المصائب والكوارث ما الله به عليم، للأسف يقتل أخاه ابن أبيه وأمه من أجل عبوة غاز لا تُساوي ربما عشرة يورو Euro، يقتله ويُعدِمه حياته، وآخر يقتل أخاه شقيقه، وأمثال هذه القصص أصبحت كثيرة جداً للأسف في السنين المُتأخِرة أو الأخيرة، وهذا يُثير تساؤلات صعبة وتساؤلات صادمة ومُرة ولكنها ليست حيرى أو ليست حائرة، هناك مَن قتل أخاه من أجل خمسمائة دينار أردني، تقريباً بالضبط خمسمائة يورو، من أجل خمسمائة يورو يقتل أخاه، لأن هذا حقه، قال الخمسمائة حقي فلابد أن تُعيد إليّ حقي، إن لم تفعل سأقتلك، يقتل أخاه من أجل خمسمائة، أي فلسفة في الحياة ينطلق بها هؤلاء الناس؟ والعجيب أن بعض هؤلاء غير مُمتنِع أن يكون مُصلياً وربما له زبيبة وربما حج واعتمر أكثر من مرة، الزبيبة تعني أنه من المُكثِرين من الصلوات في الليل والنهار، ومع ذلك يفعل هذه الأفعال ولا يراها تتناقض مع التدين، وحقاً هى لا تتناقض مع التدين الذي يفهمه هو والذي يتدين به، طبعاً بعض الناس للأسف الشديد بانفعالية أيضاً يذهب فيشتط في مذهبه ليقول ويدّعي ويزعم أنه لا خير فينا ولا خير في قيمنا ولا خير في ديننا فالخير عند أولئك، لكن الخير موجود في الدُنيا بين مُكثِر ومُقِل، الخير موجود حيث وُجِدَ الإنسان، الإنسان هو كائن – كما قُلنا – فيه جنبة أو جانب غيبي بلا شك، هو كائن رباني في نهاية المطاف، وهذا أصل القيم، موجود الخير هنا وهناك لكن مَن ذا الذي يُمكِن أن يجرأ على القول أنه لا خير في ديننا؟ كيف يُقال في ديننا لا خير؟ قُل لا خير في بعضنا أو في بعض مُتديننا ولا تقُل في ديننا، هل تعرفون لماذا؟ لأنه لا يوجد – وأنا أقطع بهذا مُتبجِّحاً كمسلم لا بقصد التبجح لكن بقصد التحدي – دين ولا يوجد كتاب سماوي وربما حتى ولا كتاب أرضي حث على العفو ونوعَّ فيه وصنَّف كالكتاب العزيز، أي كالقرآن الكريم، نظرية شبه مُتكامِلة عن العفو، وطبعاً أزعم هذا بطريقة لا يفهمها معظم المسلمين للأسف الشديد الذين تعودوا أن يفهموا الإسلام مواعظياً، كلمات جوفاء تُقال وتُردَد على المنابر وحكايا وقصص وأشعار والسلام عليكم ورحمة الله، لابد أن نتعمَّق أكثر من هذا في نظرية العفو القرآنية، نظرية مُتكامِلة أخَّاذة حقاً، لن نتحدَّث عن عفو الله، لكن سنتستحضره ونستدعيه باستمرار لأن الله – تبارك وتعالى – وضعنا إزاء مُعادَلة، وهى مُعادَلة لا تتغير، مُعادَلة ثابتة إلهياً بثبات الألوهية والربوبية، هو يعفو عنك بمقدار ما تعفو أنت عن عباده، هو يُجازيك من جنس عملك،إن كنت رجلاً مُتسامِحاً صفّاحاً عفواً مغفاراً كريماً جزاك بالمعنى نفسه، قال الله إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ – انظر إلى كلمة سُوءٍ ۩ أي شيئ يسوءك من فعال أو أقوال بالإيجاب أو بالسلب، أي بالتروك، بعض الناس قد لا يفعل شيئاً لك وأنت تُريد منه أن يفعل لكنه يمتنع، فيسوءك بهذه السلبية وبهذا الترك، يرفع يده كما يُقال ويغسل يده فيسوءك هذا، لذا الحديث عن أي سوء تعفو عنه – فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ۩، يقول كما تعفو يعفو عنك، انتبه إلى أنه يقول عَفُوًّا قَدِيرًا ۩، لماذا؟ لأنك قد تعفو وأنت غير مُقتدِر، وهنا قد يقول لي أحدكم أن العفو عند المقدرة، وهذا غير صحيح، هذا من الفلسفة الخاطئة التي شاعت بين المسلمين، العفو عند المقدرة أي نعم لكنه أيضاً عند غير المقدرة، وهذه نظرية قرآنية عجيبة، عفو العاجز أيضاً، حتى العاجز يعفو، العجز في ظنك وفي وهمك وفي وهمي، لأن هذا العاجز غير عاجز على أن يدعو على من ظلمه، هو غير عاجز على أن يدعو على ظالمه، هو قادر على هذا، هنا فلسفة الإيمان، هذه أعظم مُصيبة – والله العظيم – تحل بالظالم ، قسماً بالله هذه أعظم مُصيبة تحل بالظالم أياً كان، سواء كان ملكاً أو رئيساً أو رئيس جهاز استخبارات أو سجّاناً أو أياً كان، أعظم مُصيبة سيُمنى بها أن يدعو عليه المظلوم، هو مسكين لأن الله موجود، مَن يُؤمِن بأن الله موجود – لا إله إلا هو – يُؤمِن بهذه الفلسفة ويُدرِك أن هذه أعظم كارثة يُوعَد بها الظلمة، قال الله وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ۩، أعظم كارثة أن يدعو عليه مَن لا يجد ناصراً إلا الله لا إله إلا هو، لكن المُؤمِن الحق العفو لا يدعو وإنما يُفوِّض أمره إلى الله وربما يقول اللهم لا تؤاخذه، اللهم لا تجعلني سبباً في عذابه، وهذا أمرٌ عجيب لكن هذا المُؤمِن الذي يُحِبه الله، علماً بأنه كما يعفو هو الله سيعفو عنه، لا يُمكِن أن تُباري الله أنت في صفاته لا إله إلا هو، نعم أُمِرنا أن نتخلَّق بأخلاق الرب وهذه في مُقدَم أخلاق الله التي ينبغي أن نتخلق بها، هو عفو ونحن نعفو، هو غفور ونحن مدعوون إلى المغفرة، والنبي على هذا المعنى الجليل يقول ثلاثٌ أنا حالفٌ بالله عليهم – لم يقل حتى سأحلف وإنما قال أنا حالفٌ لكي يُؤكِّد هذا، ليؤكد للمُتردِدين وللمُتوهِمين وللمُتظانين الذين يظنون أن من المُمكِن نعم ومن المُمكِن لا، لكنه يقول أنا حالفٌ – لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا -يُريد أن يبعث أمة حرة كريمة معطاءة باذلة، أمور كثيرة لا تتم إلا بالبذل والعطاء، لا بالكزازة والبخل الذي يكرهه الله تبارك وتعالى، قال فتصدقوا، ماذ تُريد أكثر من هذا؟يقول أنا أحلف بالله على هذا، لا ينقص المال بالصدقة أبداً، انتبهوا فهذه عقيدة – ولا يُظلَم عبد فيعفو إلا زاده الله عزاً يوم القيامة – وهذا أيضاً في الدُنيا، العفو عز في الدُنيا والآخرة، لكن يوم القيامة يظهر هذا العز على رؤوس الخلائق، أي للخلائق جمعاء – وما فتح عبد باب مسأله إلا فتح الله عليه به باب فقر فلا تشحذوا، النبي يقول لا تكونوا شحاذين، لا تقل هذا مليونير وهذا ملياردير وأنا أحتاج، أنت لا تحتاج، لا تحتاج إلا إلى الله، لا تطلب إلا من الله دائماً، كُن عفيفاً، هذا الدين يُربي أتباعه ويُربي حملته وأبناءه على أن يكونوا أعفة كُرماء أعزاء ومرفوعي الرؤوس دائماً، لا يُمكِن لمسلم عنده ثقة بالله أن يمد يده ويشحذ، قال الله يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ ۩، يُظهِر للناس أنه مُستغنٍ وأنه ذو جِدَة، ولكنه المسكين مُعدِم فقير ومُملِق، فالمسلم عزته بالله تبارك وتعالى، والنبي يُقسِم على أنك إذا فتحت باب شحاذة أو باب مسألة سوف يفتح الله عليك به باب فقر والعياذ بالله، النبي يُقسِم على الثلاث هؤلاء.
إذن العفو عزٌ، العفو ليس ذلاً وليس ضعفاً، إنه عز، عز المُؤمِن، فالمؤمن يعفو والمؤمن حتى لا يدعو، في سنن أبي داود منا عائشة – رضوان الله تعالى عليها – يسرق أحدهم ملحفة لها، ملحفة تلتحف بها سُرِقَت، وطبعاً تعرفون ما شاء الله أن أمهات المؤمنين لم يكن زوجات ملك من الملوك، زوجات سيد العالمين الذي لم يعش يوماً – ليوم واحد – حياة ملك من الملوك ولا أمير من الأمراء، عاش ومات حميداً سعيداً – صلى الله عليه وآله – وهو يعيش عيشة المساكين عن قدرة لا عن عجز، فقر الاختيار لا فقر الاضطرار، وإلا أين ذهبت تلال الذهب والفضة التي كانت تأتيه؟ كلها لأصحابه ولأتباعه وفي سبيل الله، أما أهله لا، أما هو لا، وقالوا هو ليس نبياً، كأننا نحن الأنبياء أما هو يكذب لأنه ليس نبياً، انظروا إلى أكبر واحد من هؤلاء الشحاذين، هؤلاء شحاذو المُفكِرين والمُتفلسِفين، إنهمم شحاذون، يشحذون – والله العظيم – المناصب ويشحذون الوظائف ويشحذون الشهرة، وأكثر شيئ يشحذونه المال، ويذلون أنفسهم من أجل مزيد من المال، ويطعنون في سيد الخلق، ألا تباً لكم وتعساً لكم، ما أعماكم، لا بصائرولا أبصار، على كل حال ملحفة من أم المؤمنين سُرِقَت، وهذه تُعتبَر كارثة بالنسبة إليها، من أين تأتي بملحفة ثانية؟ لأن هذا رسول الله الذي لا يأخذ من أموال الناس ولا يُوسع على أهله، هذا غير موجود، يقول لهم لكم الآخرة، الدُنيا ليست لنا، الدُنيا ليست لمحمد ولا لآل محمد، الآخرة لمحمد وآل محمد، فعائشة فُجِعَت في ملحفتها فجعلت تدعو على السارق، قالت فعل الله به وفعل، فعل الله به وفعل، لم تعف بل دعت، فقال لها – عليه الصلاة وأفضل السلام – يا عائشة لا تُسبخي عنه، والتسبيخ هو التخفيف، يُقال سبخ الله عنه الحُمى إذا خففها، قال أنتِ بهذه الطريقة تُخففين عنه المُؤاخذة يوم القيامة، لماذا؟ لأنكِ تنالين بعض حقك بالدعاء، أنتِ تقومين بالدعاء فيذهب الحق، الدين يُفهِّمنا ما هو أعظم من هذا، وهنا لا تُوجَد فلسفة في العالم تعدل هذا الدين، يقول لك أنت حين تدعو على مَن ظلمك ربما تجاوزت في الدعاء فتؤاخذ أنت يوم القيامة أيضاً، أي أننا سنُؤاخذ أيضاً، نُظلَم ونُسرَق ونُؤاخذ أيضاً بعد ذلك، طبعاً لأنه ظلمك قيراطاً فدعوت عليه بجزاء مَن ظلم أربعة قراريط، ستؤاخذ أنت بجزاء ثلاثة قراريط, الحكاية ليست لعبة، لكن – كما قلت لكم في أكثر من خُطبة – للأسف بعض المسلمين يُعامِل الله – تبارك وتعالى – مُعامَلة وثن يقده على قد أهوائه وعواطفه وانفعالاته ومصالحه، ويظن أن الله هو ذاك وأنه يستجيب له، وهذا كلام فارغ، ما هذا؟ هذا ليس الله رب العالمين لا إله إلا هو، الله رب العالمين ليس ربك وحدك، ولست أول مَن ظُلِمَ ولست أول من هُضِمَ، فعليك بخُطة المعدلة، عليك بالعدل، قل أفوض أمري إلى الله، قل حسبي الله ونعم الوكيل، قل اللهم اجزه بما فعل – جَزَاءً وِفَاقًا ۩ – على قد جريمته، بعض الناس ربما يُسرَق منه قلم فيقول قطع الله يد السارق، أيتم الله أولاده، رمم الله نساءه، ما هذا؟ ما شاء الله، هل هذا من أجل قلم؟ يا أخي من أي أصناف البشر أنت؟ أنت شخص مُخيف، أنا أقول لكم ذا سمعتم شخصاً يدعو بمثل هذه الدعوات من أجل مظلمة صغيرة حقيرة فاعلموا أنكم أمام شخص خطير جداً جداً، هذا شخص ملآن حقداً وملآن كُرهاً وملآن ضيق نفس والعياذ بالله، لا يعرف معنى المحبة أبداً، أعني محبة الجنس البشري ومحبة العباد ومحبة الناس، لا يعرف هذا أبداً، هذا مُتمركِز حول نفسه بطريقة مُرعِبة مهولة، يقول كيف يُعتدى على قلمي؟ هد الله الكون كله من أجل قلمي، أف، هذا شخص مُخيف، يُوجَد أُناس هكذا، وكثيراً ما كنا نسمع عن أُناسٍ أصعب من هذا، يدعو الواحد منهم بكل الدعوات الفاحشة من أجل مظلمة هينة يسيرة، والإسلام ماذا يُعلِّمنا؟ قال سامح حتى في دمك، هل أُسامِح حتى في دمي؟ نعم، سامح في دم ابنك، ألم يُقتَل؟ سامح يا رجل ، الله يُحِب هذا، قال الله وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۩، هؤلاء هم الذين يُريدون الله، هؤلاء هم أهل الله، يُؤمِن الواحد منهم بوجود الله ووجود الأجر والآخرة والجزاء، لا يُصفى كل شيئ في الدُنيا، وليس منطق القانون الدنيوي فقط هو الفاعل، يُوجَد منطق الأخلاق ومنطق الروح ومنطق الإيمان ومنطق الثقة المُطلَقة بالله تبارك وتعالى، قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ۩، ما معنى قوله عُفِيَ لَهُ ۩؟ إشارة إلى العفو عن الدم، لأن الحديث عن القصاص، إذن ليس هو في القتل الخطأ وإنما هو في القتل العمد، الله يتحدَّث عن القصاص، فإذن هذا في القتل العمد، أي شخص قتل عمداً، الله يقول فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ ۩، هل نعفو في الدم يا رب؟ قال طبعاً لأنه أخوك، أخوك في الإسلام وأخوك في الإنسانية، لماذا لا تعفو؟ لكن ما هو جزائي؟ جزاؤك تُعتَق من نار جهنم، هل تُريد أحسن من هذا جزاء؟ لا تُوجَد جهنم بعون الله تعالى، تلقى الله وأنت مُؤمِن، انس جهنم، قال الله وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۩، أنت أحييت البشرية بعفوك عمن قتل ابنك أو أباك أو أخاك وإلى آخره، هذا هو الإسلام، العفو حتى في الدم ، وفيما دون النفس أيضاً، قال الله – تبارك وتعالى – وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ ۩، يا سلام، ليس فقط في النفس كأن يقتل أحدهم الآخر بل هذا ينطبق على شخص فقأ عين آخر أو صلم أذنه أو جدع أنفه أو قص له أصبعاً صغيراً أو كبيراً وبتره – هذا يحدث – أو ضربه أو أمه في رأسه أو في بطنه – جائفة أو آمة – وإلى آخره، كل أنواع الجروح الله قال من المُمكِن أن تتصدَّق بها، تعفو وتتصدَّق لأن هذه صدقة، ما لنا يا الله؟ قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – لا يُجرَح عبدُ – أي مُسلِم مُؤمِن لأن هذه أخلاق المسلم – جرحاً – أي جرح – فيعفو – يتصدَّق به – إلا كان كفارة له من يوم وُلِدَ إلى يوم جُرِحَ، ويتحدَّثون عن فلسفة العفو Forgiveness، أين يُمكِن أن تجد فلسفة أعظم من هذه الفلسفة؟ هذه الفلسفة لا مثيل لها وعلى جميع المستويات، القرآن يتحدَّث عن العفو كنظرية عامة تتناول كل الطبقات الاجتماعية وكل أصحاب المراتب من فقير وغني ومن عالم وأُمي ومن رئيس ومرؤوس، تتحدَّث عنهم كلهم، وتتناول أيضاً كل السيئات، أي سيئة من القتل فما دونه، حتى الإساءة باللسان وحتى الإساءة بأن نظر إليك باحتقار مثلاً، أي نظرة ازدراء فساءك هذا، قال ينبغي أن تعفو، كما قلنا لكم والشعار هو قول الله وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا – أي سيئة – فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۩.
انظر إلى الدستور الأخلاقي الذي وُجِّه إليه سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً، قال الله خُذِ الْعَفْوَ – ثلاث كلمات صدَّرهن الله تبارك وتعالى بتعاطي العفو، قال له تعاط العفو وكُن عفواً – وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ۩، ومع ذلك قيل هذا ليس لك قرآناً، هذا قرآن يا عمي، ائتني بكلام مثل هذا، قال الله خُذِ الْعَفْوَ ۩ انظر حتى إلى هذا التعبير، يقول الله خُذِ الْعَفْوَ ۩، كأنه يقول له اغتنمه غنيمة، العفو غنيمة، العفو ليس ضعفاً، العفو من أجلك ومن أجلي أنا الذي أعفو، وهنا قد يقول لي كيف يكون هذا من أجلي؟ هذا من أجل الجاني حتى لا يُسجَن أو حتى لا يُقطَع أو حتى لا يُقتَل أو حتى لا يُهجَر، لكن هذا غير صحيح، هذا من أجله ثانياً، لكن من أجلي أولاً، من أجلي غرضاً ومن أجله عرضاً، الغرض أنا، الغائية الحقيقية للعفو والقصدية الحقيقية للعفو – أحبتي في الله، إخواني وأخواتي – من أجل العافي، هل تعرفون لماذا؟ حتى لا تتسمَّم الروح ولا تتسمَّم النفس.
يُوجَد كتاب لطيف من مائتي صفحة للدكتور فريد لوسكين Fred Luskin، هذا الكتاب يُمكِن أن يُترجَم إسمه أحسن ترجمة – وهو تُرجِم بفضل الله – وأن يُسمى بعنوان آخر وهو (وأن تعفوا خيرٌ لكم)، هذا الكتاب إسمه Forgive for Good، اعفوا خيرٌ لكم، اعف خيرٌ لك أو خيراً كما في النساء، يُمكن أن نقول اعف خيراً، أي يكن خيراً لك، اعفو خيراً لكم، أي يكن خيراً لكم، إذن إسم الكتاب Forgive for Good، لكن ماذا يقول الدكتور فريد لوسكين Fred Luskin؟ تحدَّث عن الشعور بالألم، وطبعاً هو عالجه، وهو مشهور على مستوى العالم، جمعيات ومُؤسَّسات وأشياء كثيرة تابعت أبحاثه ونظرياته وأثبتتها بأبحاث علمية تجريبية عبر فترة طويلة من الزمن، هذا حتماً في أكثر من عقدين من الزمن ثم ثبت، تحدَّث حتى عن الشعور بالألم – الألم نفسه – بمعنى الشعور الجسمي بالألم والشعورالنفسي بالألم أيضاً، درَّج مُدرَجاً أو كما يُقال مروحة تتراوح بين الواحد والعشرة، وجد أن مجموعةً من مرضاه – هذا في أحد تجاربه – سجَّلوا درجة ثمانية على مروحة الألم، وهذا يعني أن الشعور بالألم عندهم كان عالياً، هؤلاء المساكين يتألمَّون، دمَّرهم الألم وأبهظهم وأثقلهم، لكن بعد أسبوع واحد انخفض مُستوى الألم إلى درجة أربعة، وهذا شيئ لا يكاد يُصدَّق، بماذ؟ حين تعلَّموا فلسفة العفو، أي أن يعفوا، كيف هذا إذن؟ القضية طويلة فاقرأوا الكتاب وهو مُفيد جداً على كل حال، لكن – كما قلت لكم – الذي وجدته – والله – في كتاب الله وفي صيغة الإيمان لم أجده حتى عند عند الدكتور فريد لوسكين Fred Luskin أبداً وسأشرح لكم هذا وهو شيئ غريب، لكن هذا هو الدين، ولذلك علينا الآن أن نُثبِت أننا فعلاً متدينون وأننا مسلمون بأن نُعرِب عن أعلى درجات وأبهر أمثلة العفو والتجاوز، بالذات بعد الربيع العربي – كما يُقال – الذي أصبح شتاءً يُمطِرنا النار والجحيم يا إخواني للأسف الشديد، نسأل الله أن تستحيل الأحوال إلى خير حال، تُوجَد حالات انتقام كثيرة وطلب حالات انتقام كثيرة أيضاً، لكن الأفضل أن نعفو قدر ما نستطيع أن نعفو وأن نتجاوز، لا عن ضعف وإنما عن قوة، حتى لا نتسمَّم نحن روحياً وحتى لا تنقص أجورنا، قال الله فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۩، ونحن نُريد الأجر عند الله تبارك وتعالى، ثم أن هناك مقام الإسلام ومقام الإيمان ومقام الإحسان، وأنتم تعرفون هذا، من مُقتضيات مقام الإحسان العفو والصفح قرآنياً، ومع ذلك لم نتنبه له تقريباً بالقدر الكافي، الله – تبارك وتعالى – ماذا يقول ؟ يقول في آل عمران الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ – هذه صفة لهم – وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ – الآن ما سيأتي هو تعقيب وتذييل، هذه ليس صفة زائدة، هذه ليست صفة رابعة، فماذا قال؟ – وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۩، هؤلاء هم المُحسِنون، الذين يُنفِقون في السراء والضراء والذين يكظمون غيظهم أو غيوظهم والذين يعفون، وبالذات العفو عن الناس هو أخص خصائص المُحسِنين ولذا أخَّرها مع علو مرتبتها ومثابتها، لماذا؟ لكي تُجانِب ولكي تُقارِب وتُجاوِر قوله وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۩، كأنه يقول لك في القلب مِن الإحسان يمثل العفو عن الناس، في القلب من الإحسان الذي يمثُل العفو قبل غيره، قبل الانفاق وقبل كظم الغيظ، لأنه تجاوز هذا، بدليل قول الحق – تبارك وتعالى – في المائدة، ماذا قال فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ – يا محمدُ ويا خيرتنا ويا حبيبنا – تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ – عن الخونة المُعادين المُبغِضين الشانئين من أهل الأديان والعقائد والملل الأخرى، الله أمره بتعاطي العفو – وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۩، هذا الإحسان إذن يا الله، قال الله هذا الإحسان، الإحسان هو العفو والصفح، وهنا إذا قال لي أحدكم أنا أُريد أن أُحسِن فإن الإحسان لا يكون فقط بأن تلتزِم بورد من عشرة آلاف مرة سبحان الله والحمد لله، هذا جميل ومطلوب جداً، لكن لا يُمكِن أن تكون بعد ذلك حقوداً على الناس وصاحب بِغضة وكره وصاحب ثآرات، سيسألني أحكم أو إحداكن كيف أعرف نفسي؟ كيف أعرف أنني أميل إلى العفو أم أميل إلى الانتقام؟ كيف أعرف هذا لأنني في الفترة الاخيرة – بحمد الله تبارك وتعالى – لم أتعرَّض لمظلمة أبداً؟ أنا لم أتعرَّض لأحد ولم يتعرَّض إليّ أحد، فالحمد لله أنا في سلامة، لكن كيف أعرف نفسي؟ أنا أقول لك، تذكَّر مظالم سالفة، أي مظالم قديمة، لا يُوجَد أي أحد منا عاش سالماً إلا تعرَّض له خلقٌ، أحياناً بأيديهم وأحياناً بوسائلهم الخسيسة وأحياناً بألسنتهم وهذا كثير جداً جداً للأسف الشديد، لا يخلو أي أحد من هذا، فهم تسبَّبوا لك في بعض المشاكل والجروح التي ربما لم تندمل بعد، إذا أحسست أن هذه الجراح أو الجروح لم تندمل فأنت كشخص مازلت بعيداً عن العفو، ليس عندك أخلاقية العفو لأنك تقول أنا مجروح، أنا ما زلت مجروحاً، هل مازلت بعد خمس سنين مجروحاً أو بعد ستة أشهر؟ هناك مَن يقول لك أنا ما زلت مجروحاً بعد ست عشرة سنة، بل هناك مَن يقول من ستين سنة وأنا مجروح، أف، أنت شخص مُعذَب، من المُؤكَّد أنك توهن وتضعف قبل آوانك، من المُؤكَّد أن مُخك اختلط وأصابك نوع من الخرف وتراجع الذاكرة قبل أوانك، وأنا أؤكِد لك هذا، من المُؤكَّد أنك لا تتمتع بحياتك على الوجه المطلوب والمرغوب منك، لا تُوجَد مُتعة حقيقية لا بالأكل ولا بالشرب ولا بالعلم ولا بالصلاة ولا بالزوجة ولا بالأولاد، أنت شخص ممرور، ما معنى أنك ممرور؟ أنت تعيش مرارة، تُوجَد مراراة، تُوجَد مُفرَدات روحية مُرة مررت عليك حياتك، كيف لا تقدر على أن تنسى بعد ستة أشهر أو بعد ست سنين أو بعد ست عشرة سنة أو بعد ستين سنة؟ ما قصتك؟ غير قادر هذا المسكين لأنه لم يتعلَّم العفو، وحين يتحدَّث عن مظلمته يتحدَّث عنها طازجة كأنها وقعت الساعة وتنتفخ أوداجه ويحمر ويعلو صوته وأحياناً يبدأ يبكي من الغيظ ويقول هكذا حصل لي، حين يسمع طرف غريب يقول ما هذا؟ متى حدث؟ هل كان بالأمس هذا؟ لا، كان قبل عشر سنين، أف ما زال المسكين بعيداً جداً عن العفو، هل تعرفون ما هو العفو؟ فُسِّرَ بالمحو، قال لبيد “عفتِ الديارُ محلُّها فمُقامُهَا”، أي مُحيَت آثارها ودرست، لذلك فسَّروا العفو بالمحو، وقالوا العفو أبلغ من المغفرة، الراغب الأصفهاني تحدَّث عن هذا، نُريد أن نعرف مَن الأبلغ، نحن عندنا عفو وعندنا صفح وعندنا مغفرة، أليس كذلك؟ قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۩، فنحن عندنا عفو وصفح ومغفرة، مَن أبلغ مِن مَن؟أي ماذا أبلغ من ماذا؟ سوف نرى، قالوت العفو هو المحو، يُمحا كأنه لم يوجَد، كأنه لم يحصل ولم يقع هذا الذنب، والمغفرة من المِغفَر الذي يُوضَع على الرأس – Helmet – كما تعرفون، المِغفَر من الستر لأنه يستر الرأس، فالمغفرة معناها الستر، الذنب يُستَر لكن هل هو موجود أم غير موجود؟ موجود، لو كشفنا عنه افتُضِحَ صاحبه، ولذلك قال الراغب الأصفهاني وغيره من كبار المُفسِرين وأئمة اللغة أن العفو أبلغ من المغفرة، العفو يكون ظاهراً وباطناً، لأن مُسِحَ الذنب وانتهى كل شيئ، سواء كشفت أو لم تكشف لا يُوجَد أي شيئ، ولذلك في حديث الترمذي وغير الترمذي وأبي داود تقول أم المؤمنين – عائشة رضوان الله عليها – يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر بماذا أدعو؟ قال يا عائشة قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني، اللهم آمين، اللهم آمين، اللهم آمين، لماذا العفو بالذات ليلة القدر؟ هل يُوجَد ما هو أحسن من العفو؟ العفو أحسن من المغفرة نفسها أيضاً؟ تأتي يوم القيامة ولن يصفر وجهك فرقاً ولن يسود وجهك يأساً ولن يحمر وجهك خجلاً، لماذا إذن؟ لا تُوجَد ذنوب، إذا الله عفا عنك تأخذ صحيفتك وفيها – ما شاء الله – الحسنات فقط، هذه صلاة وهذه زكاة وهذه صدقة وهذا حج وهذه عمرة وهذا قرآن وهذا ترتيل وهذه بسمة في وجه أخيك المسلم وهذا إصلاح بين الناس وهذا علم وهذا كذا وكذا، مُمتاز جداً ثم أنني عملت أشياء كثيرة لكنها غير موجودة، قال الله وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ۩، الله لا ينسى أي شيئ، فكل شيئ موجود لكن الله عفا، وهنا قد يقول لي أحدكم كيف وقد قال الله وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ ۩؟ الذين لم يُعف عنهم طبعاً سوف يجدون كل شيئ، هذا معنى قوله وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ ۩، هؤلاء الذين لم يُعف عنهم، نعوذ بالله من مقامهم يوم القيامة ومن سوء مصيرهم وفعالهم، ولكن الذي عفا الله عنه لن يُصفِّر وجهه ولن يُخجِله، لن يجد أي شيئ من هذا، الحمد لله وكأنه لم يعمل أي شيئ، فنسألك العفو والعافية والمُعافاة الدائمة في الدين والدُنيا والآخرة، هذه دعوة رسول الله حين كان يُصبِح وحين كان يُمسي، يسأل الله العفو والعافية والمُعافاة الدائمة في الدين والدُنيا والآخرة، وذلك في حديث عبد الله بن عمر رضيَ الله تعالى عنهما، العفو شيئ عظيم جداً، وأما المغفرة فهى ستر، لذلك قالوا العفو يكون ظاهراً وباطناً، وأما المغفرة فتكون ظاهراً ولا تكون باطناً، حين تنظر ظاهرياً لا تجد الذنب لأنه مستور، لكن لو كشفنا الباطن سوف تجد الذنب موجوداً، هذه هى المغفرة، وماذا عن الصفح؟ سوف نرى، الصفح مأخوذ من قولهم ضرب عنه صفحاً – قال الله أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا ۩ – وضرب عنه ليتاً، والصفحة هى صفحة الوجه، وصفح الوجه هو عرضه وجانبه، فضرب عنه صفحاً تعني ولاه من وجهه صفحته، أي أدار وجهه، بمعنى أنه لم يُعاتِبه ولم يُكاشِفه في الذنب فضلاً عن أن يُؤاخذه، هذه قريبة جداً من العفو، لكن مَن أبلغ؟ قطعاً الصفح أبلغ من المغفرة، لكن مَن أبلغ: الصفح أم العفو؟ يُوجَد رأي مشهور للعلماء حيث قالوا أن الصفح أبلغ، لماذا؟ لأن العفو يكون ربما بعد نوع مُكاشَفة ثم تُمحا فتنتهي، أما الصفح من الأصل – أساساً – ومن أول الحكاية يُعرَض عن الموضوع كله، كأنك ما قلت ولا نحن سمعنا، كأنك لا فعلت ولا نحن رأينا، لكن أنا أرى أن من المُمكِن باعتبار آخر يكون العفو أبلغ من الصفح، لماذا؟ لأن الذي يُؤاخذ أو مِن حقه أن يُؤاخذ إذا ضرب ليتاً أو ضرب صفحاً تركك وضميرك وتركك وكتابك، فتظل في الخوف وتظل في التردد، أما الذي يعفو فإنه يتركك على بياض آمناً مُطمئناً، إذن يبقى العفو أبلغ، ولذلك ليلة القدر نسأل العفو وليس الصفح، فنسأل الله العفو والعافية.
إذن عندنا نظرية قرآنية في العفو العام، قال الله وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۩ وقال أيضاً خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ۩ فضلاً عن أنه قال وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۩، كل هذا عفو عام، ويُوجَد عندنا عفو يكون يا إخواني من القيادة إلى الرعية، من الرئيس إلى المرؤوسين، من القائد إلى المقود، قال الله فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ۩، النبي محمد – صلى الله على محمد وآل محمد – خُوطِبَ هنا بعنوان الإمامة – كإمام للأمة – وليس بعنوان النبوة فهنا لا يُوجَد تشريع ولا بعنوان الرسالة لأن هنا لا يُوجَد تبليغ، هنا خُوطِبَ بعنوان الإمامة، والموضوع يتحدَّث عن غزوة أحد ومجاريات غزوة أحد والهزيمة التي جرها النزول على رأي الشباب، والله يوجهه يُحسِن توجيهه ويقول له فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۩، هنا أمر لِمَن إذن؟ أمر للقيادة بالعفو عن الرعية وبالعفو عن البطانة، هذا مُستوى خاص، وهذا كان أولاً.
ثانياً يُوجَد عندنا أمر للآباء، يُوجَد أمر للوالد بأن يعفو عن أولاده وعن أزواجه، قال الله في سورة التغابن يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، وهذه نزلت كما روى الترمذي وغير الترمذي في جماعة من المسلمين أسلموا بمكة وأردوا أن يلحقوا برسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – في المدينة المنورة ولكن منعهم أزواجهم وأولادهم، النسوان والأولاد قالوا لا تلحقوا بمحمد لأنهم لم يُسلِموا وربما يُفهَم أنهم أسلموا ولكن قعدوا عن الهجرة، فهذا غير واضح، لكن قوله عَدُوًّا لَكُمْ ۩ يُرجِح أنهم لم يُسلِموا، وعلى كل حال الكل مُحتمَل، فالأزواج والأولاد منعوهم من الهجرة واللحوق برسول الله واصحابه المُهاجِرين، إما بالدموع وإما بأساليب أخرى كأن يُقال للواحد منهم لاتُسافِر، سوف تتركنا لمَن؟ وهذه قصة طويلة فلم يُهاجِروا، بعض المسلمين على إسلامهم لم يُهاجِروا، بعد ذلك يسَّر الله لهم – تبارك وتعالى – سبيل الهجرة فهاجروا، يقول الراوي فوجدوا الصحابة وقد تفقهوا في الدين، إذن ماذا فاتهم؟ فاتهم خير كثير، انظروا على ماذا يتحسَّر الصحابة وعلى ماذا يغضبون، غضبوا على أزواجهم وأولادهم من أجل ما فاتهم – من جراء ما فاتهم – من الفقه في الدين، أين اليوم اهتمامنا بالفقه وبالعلم الحقيقي؟ انتبهوا إلى أن العلم للعمل، وأنا في طريقي إلى المسجد قال لي أحدهم يُوجَد أُناس يعتبون عليك من أحبابك وما إلى ذلك، يقولون ماذا نفعل الآن لأنه لم يخطب فينا لثلاثة أو جُمع وما إلى ذلك؟ فقُلت له له بالعكس، بعض ما قلته أنا وبعض ما قاله غيري – وهو كثير – والله يكفيني ويكفي كل مَن سمع لكي يهتدي ولكي يعيش أحسن حياة مرضية بإذن الله إلى آخر حياتي، يا أخي إحنا أمة تحب الكلام كثيراً، وجوه الخير كثيرة وهى معروفة، الطريق واضحة والصراط المُستقيم صراط مُستقيم، هذا لا يكون بكثرة الكلام، وعلى كل حال أراد هؤلاء الذين مُنعِوا من الهجرة مُبكِّراً أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم، فأنزل الله قوله وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۩، إذن العفو ليس عن أصدقائي وعن المرؤوسين في رئاستي والمُدارين في مديريتي فقط بل العفو حتى عن زوجتي والعفو حتى عن أولادي، فالأم تعفو عن أولادها أيضاً، الله قال اعفوا عن هؤلاء أيضاً، هذا موجود في المُستوى الأسري، هذه فلسفة العفو أيضاً، والنبي كلن يُطبِّق هذا بشكل عجيب وغريب في حياته الأسرية، والأمثلة معروفة لكم، فهذه أيضاً رُتبة من رُتب العفو، العفو أيضاً عن مَن كنت تُحسِن إليهم وأساءوا إليك وخصوصاً إذا كانوا من ذوي قراباتك:
وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضة ً على المرءِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهنّد.
وأنتم تعرفون لماذا، لأنه قريب، مثل مَن؟ مثل أبي بكر الصديق، أبو بكر كان له ابن خالة – ابن خالة سيدنا أبي بكر الصديق – إسمه مسطح بن أثاثة، كان من فقراء المُهاجِرين، هاجر الرجل – رضوان الله عليه – وكان فقيراً مُعدِماً، لا مال له إلا ما يصله به أبو بكر الصديق رضوان الله عليه، ليس عنده أي شيئ، مَن الذي يُعطيه؟الوحيد الذي يُعطيه أبو بكر الصديق، كل فترة يُعطيه باستمرار، وظَف له وظيفة كما يُقال، أي أنه يُعطيه راتباً دورياً، لا ندري أكان شهرياً أم أسبوعياً لكنه يُعطيه، العجيب يا أخي – أخلاق الناس غريبة – أنه كان مع الذين وقعوا في عِرض أم المؤمنين عائشة، هذه زوج رسول الله، قبل أن نقول عائشة بنت أبي بكر الصديق ينبغي أن نقول هذه زوج محمد بن عبد الله وهو سيد الخلق يا أخي، لكن – سبحان الله – هذا ما حدث، نسأل الله الثبات ونعوذ بالله من الحور بعد الكور، تكلَّموا في عائشة بنت الصديق وزوج محمد بن عبد الله، والعجيب أنه كان منهم مسطح بن أثاثة، أنت ابن خالة أبي بكر ثم أنه يُعطيك – هو الوحيد الذي يُعطيك – فكيف تتكلَّم في عِرض ابنته؟ تكلَّم وخاض في الذين خاضوا وحُدَ ظهره في الذين حَدوا وتيب عليه مع مَن تيبَ عليهم بحمد الله تبارك وتعالى، وطابت قلوب المؤمنين بعد أن نزلت براءة أم المؤمنين رضوان الله عليها، وحلف أبو بكر الصديق بالله مُستوثِقاً أن ألا ينفع – قال والله لا أنفعن – مسطح بن أثاثة بنافعة، قال لن يصله مني نكلة حمراء، وهو عنده الحق بحسب الظاهر، ما هذا؟ فأنزل الله قوله، لأن الله يُصلِح بين عباده، لا إله إلا الله، يا سلام، فانظر إلى نفسك، هل أخلاقك ربانية ولا إبليسية؟ والله أحياناً أُفكِّر في هذه، أرى أشياء فأقول فعلاً بعض الناس أبالسة حقيقيون والله العظيم، الواحد منهم أسلوبه أسلوب إبليسي، يتدسدس أو تتدسدس إلى المرأة لتُفسِدها على زوجها، تتحدَّث من تحت إلى تحت كما يُقال – وسواس خناس – وبطريقة مرسومة لأنها تعرف ماذا تُريد، والمسكينة الهبلة الأُخرى لا تفهم شيئاً، تقول لها هل أنتِ راضية عن أن يقول كذا وكذا وما إلى ذلك فتُصدِّق، وبعض الناس عنده نفس الشيئ، حيث يأتي ليُفسِد الرجل على أبيه والرجل على أخيه والرجل على ذي وده – على حبيبه وأخيه في الله – والرجل على زوجته، يا أخي لماذا؟ لأنه أبليس، هو كالإبليس، هو شيطان فيُحِب هذا، لكن المُؤمِن التقي أخلاقه من أخلاق الرب ومن أخلاق رسول الله، لا يُحِب إلا التأليف بين العباد بل ويكذب في هذا، وهذا كذب محمود لأنه يُصلِح بين الناس، الذي يكذب لينمي خيراً أو يقول خيراً ويُصلِح بين الناس هو ليس بكذاب بل هو مأجور، هذا الكذب الأبيض، وهو – الله – كذب أنور أزهر، اكذب لكي تُصلِح بين الناس، لا أن تحلف يميناً ويأتوا لك بالمصحف من أجل إحداث وقيعة بين الناس، بعضهم يحلف بالله ويقول أنا سمعته يقول عنك كذا وكذا، يُريد أن يُشعل النار لأنه إبليس، لذا هو مسكين، لكن رب العالمين وهو غنيٌ عنا يُصلِح بيننا، قال وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ۩، ما معنى قوله وَلَا يَأْتَلِ ۩؟ لا يحلف بالله، هذه مأخوذة من الألية، والألية هى الحلف والقسم بالله، هذا هو معنى الألية، قال الله لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۩، يحلف على امرأته ألا يقربها لمُدة مُعيَّنة فالله قال عنده حد أربعة أشهر، وعلى كل حال قال الله وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى – مسطح، هذا أول شيئ – وَالْمَسَاكِينَ – وهو مسكين – وَالْمُهَاجِرِينَ – وهو مُهاجِر – فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ ۩، انظروا إلى الأسلوب القرآني العظيم، في الحقيقة لو الله قال أن يؤتوا أولي القربى المساكين المُهاجِرين من المُمكِن أن يقول أحدكم هذه أبلغ لكن هذا غير صحيح، الأبلغ هو كلام الله، مع أنه مسطح بن أثاثة هو ابن خالة أبي بكر وهو مسكين ومُهاجِر في سبيل الله، فلماذا إذن لم يقل الله أن يؤتوا أولي القربى المساكين المُهاجِرين في سبيل الله وقال أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ ۩؟ كأنه يقول له يا أبا بكر، يا عبدنا ويا حبيبنا هذا من ذوي قراباتك ثم أنه مسكين ثم أنه مُهاجِر، فبعنوان القرابة وحدها يستحق أن تعود إلى وصله، وبعنوان المسكنة وحدها يستحق أن تعود إلى وصله، وبعنوان الهجرة وحدها يستحق أن تعود إلى وصله، فكيف وهو الثلاثة؟ لقد قد جمع الثلاثة، هذه بلاغة تقشعر لها الأبدان والله، هذا كتاب عجيب، الله يُرقِّق ويُعطِّف أبا بكر الصديق على قريبه، الله يُصلِح بينهما، قال وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا ۩، انظروا إلى العفو، ومع ذلك يُقال لا خير في ديننا، كيف تقول لا خير في دينك؟ لا خير فيك أنت، لأنك لم تفهم هذا الدين ولم تُرِد أن تتدين به كما أراد الله، وهنا قد يقول لي أحدكم هناك مَن يقطع الرقاب، لأنهم ما فهموا الدين، هؤلاء أخذوا من الدين أخذاً غالطاً خاطئاً بما يُنفِّس فقط عن كراهيات وأحقاد عندهم، عندهم نزعة سخط وغصب ولعنة، فقط هذه هى، لكن الدين ليس كذلك، حاشا لله وحاشا للدين، هذا دين عظمة ودين رحمة ودين عفو، قال الله وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا – مرة أخرى – أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۩، هل تُحِب وتُريد أن أغفر لك وأن أعفو عنك وأن اصفح عنك؟ اغفر أنت أولاً واعفو أنت أولاً واصفح أنت أولاً وأنا سأفعل، الله يقول أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۩، يقول الراوي فحلف أبو بكر وقال بلى يا ربنا، والله إنا لنُحِب أن تغفر لنا، والله لا أنزعها من مسطح أبداً، أي عاد ورجع إلى صلته، ومن المُؤكَّد أن أبا بكر أكيد زاد طبعاً، فالقرآن يُوجِّهه وهذا مجد وشرف كبير، كلما تُليت هذه الآية ذكرنا أبا بكر ومسطحاً رضيَ الله عنهما، وحلف بالله ألا ينزعها من مسطح أبداً، قال إلى أن أموت وأنا سأتصدَّق عليه، لكن بعد الذي فعل، بعد أن طعن في عِرض ابنتي زوج رسول الله.
هذا عفو يا إخواني، الدين ليس حقد فانتبهوا، الدين ليس لحية وجلباب ونقاب، والله هو ليس هذا، هذا من الدين، هذا من قشور الدين ومن زخارف الدين، هذه قشور خارجية تماماً، مأجور أنت عليها وليس عندنا مُشكِلة في هذا، مأجور لكن من المُؤكَّد أنه أجر يسير يسير يسير، لكن الأجر العظيم الجزيل الجزيل الجزيل هو هذا، أي أن تعفو عن من ظلمك، لذلك النبي قال ماذا؟ مَن أحب أن يُحاسَب يوم القيامة حساباً يسيراً وأن يدخل الجنة برحمة الله ماذا يفعل؟ قال ثلاث، أي ثلاث خصال، قال يعفو عن مَن ظلمه، أول شيئ هو ماذا؟ العفو، فما رأيك؟ هذه أول صفة، هل تُحِب أن تدخل الجنة بعد أن تُحاسَب حساباً يسيراً؟ أنتم تعرفون ما هو الحساب اليسير، اللهم حاسبنا حساباً يسيراً، هذا معروف وموصوف في الحديث أيضاً – حديث عائشة – لكن لا نطوِّل بذكره، هل تُريد أنت تدخل الجنة برحمة الله؟ لن تدخل الجنة بعملك، لا تخف ولا تقل عملي قليل، سوف تدخل أيضاً مع أنه قليل، لكن ماذا تفعل؟ قال أن تعفو عن من ظلمك، وأن تصل من قطعك، وأن تُعطي من حرمك، يا الله، نفس الثلاث اللاتي ورد ذكرهن في التسع، قال رسول الله أوصاني ربي بتسع خصالٍ، أمرني أن أوصيكم بهن، ومنهن قال وأن أعفو عن من ظلمني وأصل من قطعني وأُعطي مَن حرمني، تدخل مباشرةً الجنة بإذن الله تبارك وتعالى.
في حديث رواه البيهقي والحاكم – أحبتي في الله، إخواني وأخواتي – يأتي يوم القيامة الناس للحساب فإذا بالشهداء يأتون مُقبِلين واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دماً،فيُقال مَن هؤلاء؟ فيُقال هؤلاء – يتجارون إلى باب الجنة – الشهداء كانوا أحياء عند ربهم يُرزَقون، هم لم يموتوا أصلاً، هؤلاء أحياء بإذن الله تبارك وتعالى، لم يكونوا من الأموات، ثم ينُادي منادٍ ثلاث مرات ليقم من أجره على الله، والآن عرفتم مَن هو، أليس كذلك؟ لقد سمعتم هذا في الآية القرآنية من سورة الشورى، قال الله وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۩، أي أن هذا الأجر لا يُقادِر قدره أحد ، أجر لا يُقادَر قدره، لا يعرف قدره إلا الله الذي أعطاه وأولاه لا إله إلا هو، فيُقال مَن هم الذين أجرهم على الله؟ فيُقال العافون عن الناس، إذن لابد من العفو، هذا دين العفو، لكن اليوم – كما قلت لكم – اختلف الأمر، وطبعاً هذا أعتقد أنه مفعول منطقي معقول ومفهوم، لكننا لا نقبل به ولا نقف عنده، وهذا حدث لما غلب على المسلمين – ليس من اليوم وإنما من قرون بعيدة – المُقاربات الفقهية، فهذا الكلام الذي أحكيه ليس فقهاً، هذا فقه بالمعنى القرآني لكنه ليس فقهاً بالمعنى الصناعي، الفقه بالمعنى الصناعي يُراد به الحلال والحرام والواجب والمكروه وما إلى ذلك، أي الحقوق والمقاطع، لكن هذا الذي نتحدَّث فيه يدخل تحت طائلة أو تحت لواء الأخلاق، انتبهوا هذه أخلاق وليست فقهاً، لكن المسلمون من قرون بعيدة للأسف الشديد غلبت عليهم المُقاربات الفقهية، بمعنى المُقاربات الحقوقية القانونية، ماذا عليك وماذا لك؟ ماذا علىّ وماذا لي؟ وحقي حقي، هذا حقك وهذا حقي، لكن يُوجَد شيئ وراء الحق إسمه الفضل وإسمه الإحسان – وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۩ – وإسمه الأخلاق، لو الأمر يتعلَّق بحقي وحقك لن أدفع فلساً واحداً زائداً عن الزكاة ولن أتبرع بنكلة حمراء لأي أحد في الدنيا، سأدفع زكاة وينتهي الأمر، لكن هذا غير صحيح، زكاة ماذا؟ أقل شيئ يدفعه المسلم الصالح الزكاة، أليس كذلك؟ الصدقات أكثر بكثير من الزكوات التي يدفعها المسلم، أليس كذلك؟ ما قيمة أن يدفع اثنين ونصف في المائة فقط؟ المسلم يدفع أكثر من هذا بكثير، هو يُخرِج الصدقات بكثرة، لماذا؟ أخلاق وتقرب إلى الله تبارك وتعالى، أليس كذلك؟ لا يُوجَد شيئ إسمه حقي حقي، الذي يقول دائماً حقي حقي سوف يقول له الله يوم القيامة – والله – حقك وحقي، أين حقك وأين حقي؟ وأين حق العباد وأين حقك أنت؟
أختم بهذا الحديث الجميل، يقول أنس بن مالك بين كنا عند رسول الله – يجلسون في مجلس جميل مع سيد الخلق عليه الصلاة وأفضل السلام – إذ ضحك رسول الله حتى بدت نواجزه – أي أنه تبسَّم، يُوجَد شيئ أعجبه، ولكم أن تتخيَّلوا رجلاً يجلس بين أصحابه ويرى الغيب، والله هذا شيئ غريب، يجلس مع أصحابه ويرى الغيب عليه السلام – فقال عمر بن الخطاب – رضوان الله عليه – يا رسول الله فداك أبي وأمي ما الذي أضحكك؟ قال رجلان جثيا بين يدي رب العزة – تبارك وتعالى – يوم القيامة في موقف الحساب، فقال أحدهما يا رب خُذ لي بحقي من أخي، فقال الله – تبارك وتعالى – أي فلان وما تفعل بأخيك وقد نفذت حسناته؟ ليس عند هذا المسكين أي حسنة لكي يُعطيك إياها، وأنتك تعرفون حديث المُفلِس، هذا المسكين التاني كان مُفلِساً، كان يُصلي ويصوم وما إلى ذلك لكنه يُؤذي الناس، يُؤذي بلسانه وبيده وبأفعاله وبكل شيئ، وعلى كل حال الله قال له أنه ليس عنده حسنات، قال يا رب فليحمل عني من أوزاري، ثم فاضت عينا رسول الله بالبكاء – بكى الرسول – وقال ذلك يومٌ عظيم، يحتاج الناس – أي فيه – أن يُحمَل عنهم من أوزارهم، لا أُريد حسنات لكن خفِّف عني قليلاً من الأوزار التي علىّ، نسأل الله العفو والعافية، كان النبي مبسوطاً لكنه الآن بكى، ثم قال الله – تبارك وتعالى – سنُرضيك عن أخيك، أي عبدي انظر، فرفع رأسه فنظر فرأى مدائن، قال ماذا ترى؟ قال يا رب ما هذا؟ ما هذا الذي أرى؟ أرى مدائن من ذهب – لا يرى قصراً وإنما يرى مدينة كاملة من ذهب – وقصوراً من ذهب مُكلَلة باللؤلؤ، لأي نبيٍ هذا أو لأي صديقٍ هذا أو لأي شهيدٍ هذا؟ هذا من المُؤكَّد لا يستحقه إلا نبي أو صديق أو شهيد، فقال الله – تبارك وتعالى – رب العزة والجلال هذا لمن أعطى الثمن، قال يا رب ومن يملك ذلك؟ قال له هل يُوجَد مَن عنده ثمن هذا؟ لا أحد يستطيع هذا، ولا كل ملوك الدُنيا تقدر على هذا، لا أحد عنده ما يدفع به ثمن هذا، قال لِمَن يملك ذلك؟ قال يا رب ومَن يملك ذلك؟ قال أنت، قال أنا يا رب؟ وكيف؟ من أين لي هذا؟ ليس عندي ما أشتري به هذا، قال بعفوك عن أخيك، الله أكبر، فالحديث عن العفو، قال الله بعفوك عن أخيك، فقال يا رب قد عفوت عنه وتجاوزت، قال فهى لك، فقم وخُذ بيد أخيك وأدخله الجنة، ثم قال النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – يا عباد الله اتقوا الله وأصلِحوا ذات بينكم، فإن الله – تبارك وتعالى – يُصلِح بين عباده، ونحن نقول من ورائه يا عباد الله اتقوا الله وأصلِحوا ذات بينكم فإن الله يُصلِح بين عباده.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله، والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أحبتي في الله:
العفو عند المقدرة، صحيح لكن العفو أيضاً عند العجز، أي العجز الظاهر كما قُلت لكم، وإلا في الحقيقة الكل يقدر على الأقل على أن يدعو على مَن ظلمه، لكن حين تكون عاجزاً أن تنال في الدنيا الآن وهنا من خصمك – من ظالمك ومن خصيمك – فعليك أن تعفو أيضاً، استشعر أنك تقدر لكنك تعفو، كما قيل لسيد الخلق وهو في مكة وكان مكسوراً وكان مُستضعَفاً ويخاف وأصحابه أن يتخطفهم الناس، أليس كذلك؟ هذا قبل أن يأويهم الله وينصرهم بأهل المدينة – بالأنصار جزاهم الله خيراً – طبعاً، هذا نص القرآن الكريم، لقد كانوا مكسورين وكانوا مُستضعَفين بنص القرآن الكريم، كانوا قلة، لكن بماذا خُوطِب رسول الله؟ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ۩، وهذا القرآن مكي وقبل الهجرة فانتبهوا، فإننا لا نقول نزل في مكة ولكن بعد الهجرة فهو مكي، هذا غير صحيح، فهذا مكي قبل الهجرة، ومحمد يُؤمَر بماذا؟ بالعفو، كيف يعفو وهو مُستضعَف وهو مكسور؟ عنده وسائل أخرى كثيرة والله يقول له لا تلجأ إليها وعليك بالعفو فاعف، العفو لابد أن يكون سجية نفس في جميع الأحوال، لماذا؟ كما قلنا لكم غرضاً من أجل صاحب النفس، أي من أجلك أنت، الدراسات العلمية – لم نُحِب اليوم أن نخوض فيها أو أن نُلخِّص كتاب Forgive for Good لكن اقرأوه إن شاء الله – تُثبِت بالتجارب أن العفو والتسامح – كما قلت – يُطهِّر النفس والروح من سمومها ومراراتها، قالوا لأن ضغط الدم أقل والسكر أقل والتوتر – Stress – أقل والذاكرة أقوى والتركيز أكثر والتمتع بالحياة والإقبال عليها أكثر مع العفو، لأن هذه أهمية العفو في نهاية المطاف كما قالت السيدة جاكلين Jacqueline التي ذكرتها في أول الخطبة، قالت أنا عفوت عنه من أجل روحي أنا، من أجل أن أسعد أنا، لكي أعيش في سلام مع نفسي لابد أن أعفو.
أختم وأجيب عن سؤال كيف أعرف أنني أعفو مرة أُخرى، أعرف هذا حين أنسى، أنسى مَن أساء إلىَ، انتهى الأمر وكأنه لم يُسئ إلىّ، أنسى إساءته تماماً وأنسى إنني عفوت عنه وأحسنت إليه، أنسى هذا كله، وهذا عنوان كتاب آخر إسمه اعف وانس Forgive and Forget، ما معنى اعف وانس؟ اعف عنه وانس إساءته، ومن ثم أنت تستقبل حياةً أسعد وأجمل وأكرم بإذن الله تبارك وتعالى، أمتنا في هذه الدورة بالذات وفي هذه الأيام وفي هذه الظروف الحالكة العصيبة القابضة تحتاج إلى عقلية وإلى ثقافة وإلى أخلاقيات العفو.
نسأل الله أن يُخلِّقنا بهذا الخلق الكريم النبيل وأن يعفو عنا إنه عفو صفوح كريم، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك، اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (9/5/2014)
أضف تعليق