https://www.youtube.com/watch?v=-TczJ3uqyqM
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما.
إخوتي وأخواتي/
قد ترون أن موقفي من مدرسة سيد حُسين نصر – بارك الله في عمره، ومد في فُسحته – اتسم، أي إلى حد كبير، بالقسوة، ربما! وربما يراه بعضهم غير مُنصف، له الحق في ذلك، ليس لدي اعتراض، لكن أُريد فقط أن أقول شيئا واحدا!
هذا الشيء ربما أشار إليه المرحوم البروفيسور محمد عبد السلام النوبلي، الفيزيائي النوبلي الباكستاني، حين قال في تقديمه طبعا لعمل برويز هودبهوي Pervez Hoodbhoy – بمعنى الكلام قال – هنيئا! هنيئا للمسلمين بعمل سيد حُسين نصر، وبعمل ضياء الدين سردار!
بهذه الطريقة – أي المعنى على ما ذكر – هما أديا أسوأ خدمة يُمكن أن تؤدى للعلم في عالم المسلمين! أبدا! هكذا قال البروفيسور محمد عبد السلام. قال بهذه الطريقة – ما شاء الله – فعلا هذا!
أي هما فتا – يُريد أن يقول باللُغة العربية – في عضد المسلمين، إزاء العلم الحديث. كأنهما يقولان لنا لا تحتاجون هذا العلم، إليكم عنه، اتركوه! إذن، ريثما ماذا؟ ريثما نُعطيكم البديل. أين البديل؟ وهل تنظيراتكم هذه قادرة أن تُعطي البديل؟
فأُريد أن أقول بمُناسبة ربما ما لمستموه من قسوة في نقدي وفي تقييمي لعمل هذا الرجل المُحترم والفيلسوف الكبير حين كنا صغارا ومُراهقين وأغرارا، كنا ننحاز بطريقة نرجسية إلى كل شيء يبدو أنه ينحاز إلى ديننا وأمتنا المسلمة!
لكن حين شببنا عن الطوق، وقطعنا علائق الطفولية والصبيانية، وبدأنا نتعانى مُعاملة الواقع والأحداث والظروف بحس عملي – بحس عملي، لا بحس هوائي مثالي نظري -، أدركنا أن مثل هذه الخُطوات وهذه المواقف تضر، ولا تنفع! تضر بالأمة والدين! تضر بالدين وحملته! وأننا يجب أن نكون أكثر وفاء لمُتطلبات التحديات، في وجه الأمة، وفي وجه دينها وعقيدتها، وبالتالي أن نتخذ مواقف أكثر عملية وجدية ووضوحا في الملفات الكُبرى، وهذا من أكبر ومن أهم الملفات: ملف العلم والدين، والموقف من العلم الحديث!
تعرفون لماذا؟ لأن الأمة تأخرت. وهذا مبحث وحده، والحمد لله مكتوب فيه كُتب ودراسات وإحصاءات كثيرة، من أهمها كتابات الفلسطيني – هو لُبناني، فلسطيني الأصل – أنطوان زحلان المسيحي.
هذا الرجل أوفى على الغاية، له أكثر من عمل أكاديمي مُحترم، عن وضع العلم والتقنية في بلاد العرب، وهو وضع غير مُفرح، وغير مُبشر، بالمرة! وهناك أرقام وأشياء وإحصاءات، والله صادمة! أنا سأخجل الآن من ذكرها؛ لأنها تقوم على المُقارنة، بين إنتاج العرب العلمي، مُقارنا بإنتاج إسرائيل. خزي! أُقسم بالله العظيم خزي! شيء يجعلك تشعر أنك ستذوب!
ولا عليك من هذه النزعة الاستعلائية، التي تجدها عند بعض المُثقفين العرب، وكأنه يظن أن العرب هؤلاء أعظم أمة، وأعظم علماء! وطبعا مثل هذه النزعات يتسم بها فقط الجهلة، الذين ليس لديهم مُعطيات حقيقية، عن الواقع والوقائع! فلذلك عندهم هذه الثقة المُفرطة.
الوقائع تتكلم بلُغة مُختلفة تماما. انظر، حتى الباكستان! والمُسلمون الباكستان هم هنود، أي نفس العرقية! وهؤلاء بالذات، هذا الشعب الهندي عموما، من أذكى الشعوب في باب الرياضيات، أليس كذلك؟ والرياضيات هي مادة الفيزياء! عندك رياضيات قوية، أنت فيزيائي ناجح. لا تُوجد رياضيات، لا تُوجد فيزياء، انس! انس! تبقى هناك فلسفة فيما بعد، وليس فيزياء!
مع ذلك هودبهوي Hoodbhoy يذكر – وصدمني – أن أحد العلماء الأمريكان، من الحائزين على جائزة نوبل Noble، أعتقد اسمه تينك Tink، صمم امتحانا في مُنتهى اليُسر والقُرب، لطلبة باكستانيين، على أن مَن نجح في هذا الامتحان، يأخذ منحة ليدرس في الإم آي تي MIT؛ معهد ماساتشوستس Massachusetts للتكنولوجيا! شيء من أحلى ما يكون!
الامتحان بالطريقة الأمريكية، مئتا سؤال، فقط! في خمس ساعات! مئتا سؤال، أربعون دقيقة حتى كثيرة عليهم! لأنه خيارات ثلاثية فقط، وليست خُماسية! أربعون دقيقة كافية جدا! خمس ساعات!
وصُمم الامتحان من هذا العالم النوبلي الفيزيائي، صُمم بأن الاختيارات العشوائية فيه – عشوائيا ضع خيارات -، تُكسب صاحبها حظا بنسبة سبعة وستين في المئة للنجاح!
العجيب؛ المُتقدمون – يقول هودبهوي Hoodbhoy، أستاذ الفيزياء الكبير! وهو فيزيائي كبير أيضا – كانوا بضع مئات، لم ينجح منهم أحد! نعم، نعم! هذا ليس العقل العربي، العقل الهندي الرياضياتي! لم ينجح أحد!
لذلك دقوا ناقوس الخطر! أين الخطأ؟ أين الغلط؟ لماذا؟ هل نحن مُعوقون إذن؟ ليسوا مُعوقين، بالعكس! الهنود من أذكى الناس في الرياضيات! مناهج التعليم، مناهج الدراسة، العبث الذي نحن فيه هذا، الاستسهال والاستسخاف، عدم الجدية، هو هذا! موضوع ثان، ملف آخر.
واضح أن حالتنا العلمية يُرثى لها، وحالتنا الثقافية عموما يُرثى لها! حالتنا الثقافية عموما يُرثى لها! وحالتنا العلمية أشد مرثوية – إن جاز التعبير -، أشد مرثوية – إن جاز التعبير -! فلا بُد أن نكون صادقين مع ضمائرنا ومع أمتنا، حين نتناول هذه المسائل.
لو كنت مُقتنعا، سأقول لكم أنا مُقتنع تماما، ووجدت أن هذا الأسلوب وهذه الطريقة ستشتغل – بعون الله تعالى -. لا، لم أجد شيئا من ذلك! واضح أنها لن تشتغل.
ولو قُدر لها أن تشتغل، لاشتغلت، عبر حوالي أربعين، خمسين سنة! لم تشتغل! لم تُنتج شيئا له قيمة حقيقية! فلماذا نظل مُتشبثين؟ لا بُد أن نرى بديلا آخر الآن. وسوف نرى ماذا يُمكن أن يُقترح طبعا!
فالآن أُريد أن أتكلم سريعا عن مدرسة ضياء الدين سردار؛ المدرسة الإجمالية. للأسف وجدت بعض المُترجمين العرب، ترجم الإجمالية بالجمالية! ثم كُتب نسبة إلى جمال الدين الأفغاني! غير صحيح، أبدا! لا تُوجد أي علاقة، وسردار كتاباته موجودة، وهو الذي ذكر لنا لماذا سماها إجمالية! مكتوب في كتاباته!
حتى مُظفر إقبال، هذا الباحث الباكستاني، المُقيم في تورونتو بكندا – أعتقد بتورونتو -، وله أعمال كثيرة عن العلم الإسلامي، ومؤتمرات، وعنده كُتب، حررها في مُجلدات! ألوف الصفحات! تكلم عن الإجمالية، ولم يذكر هذا.
المُهم، قال لك هي إجمالية، نعم، إذن جمال الدين الأفغاني وكذا! ما علاقة هذا؟ لا، هو قصد أن يُسميها الإجمالية فعلا من شيء له علاقة بالجمال، باللفظ العربي، تخيل! وربما أُفهم أن الإجمال له علاقة بالتعميم.
فهذه المدرسة تقصدت ورمت إلى أن تستوعب أكبر عدد مُمكن من الإيجابيات، في النظرة للعلم والتنظير للعلم، بحيث يكون العلم في أحسن أوضاعه! هذا سر تسميتها Ijmalism! النزعة أو المدرسة أو المذهب الإجمالي! جميل جدا!
كما قلت لكم التوجه الأساسي لدى السيد ضياء الدين سردار توجه عملي، اجتماعي. هو ينظر إلى العلم، لا من زاوية ميتافيزيقية، بقدر ما ينظر إليه من زاوية اجتماعية! طبعا واقتصادية، وسياسية! زوايا عملية!
وأكثر تنقيده على العلم، من هذه الزاوية أيضا! أن العلم أثر على الأمن، أثر على الصحة، أثر على أخلاق الناس، أثر على البيئة وحماية البيئة وإفساد البيئة. العلم – يقول لك – والبيئة! العلم يُهدد المُستقبل البشري أيضا.
أشياء عامة، لا يُمكن إلا أن تُوافقه عليها. وكما قلت لكم قبل سردار، وقبل الدكتور نصر، مئات من المُفكرين والمُثقفين الكبار الغربيين، هم الذين بلوروا هذه الأفكار أصلا النقدية للعلم! وهذا جانب إيجابي، لا يُمكن إلا أن نُباركه.
لكن انتبهوا الآن، حين يتحدث سردار ومدرسته وأشياع مدرسته وأتباعها! خاصة في بريطانيا وفي باكستان وكذا! وفي ماليزيا أيضا، عندهم تأثير! وحتى – نفس الشيء – سيد حُسين نصر عنده تأثير كبير في ماليزيا أيضا!
حين يتحدثون عن قيمة التوحيد، قيمة الخلافة، قيمة العمارة، قيمة العبادة، قيمة المصلحة، أُحب أن أُعلق بشيء:
الكلام النظري العام حول هذه القيم جميل جدا ومقبول وطيب! وأعتقد لو سمعه حتى غير مسلم مبدئيا، سيُوافق عليه، لكن الذي أُريد أن أُشير إليه بأُصبع النقد، ما يقع حين يكون الإطار الذي تُصوره لنا إطار عمل للعلم غير مُناسب!
وهذا هو الإطار! مؤطر بقيم – قال لك -، هذه خمسة منها! أهمها، رأسها! حين يكون الإطار واسعا على هذا النحو، تقريبا لن يشتغل. وحين يكون الإطار؛ ال Framework، ضيقا، بقدر العمل، أو أضيق، تقريبا لن يشتغل، وإن اشتغل، فشُغله مجهوض أو جهيض؛ Aborted، ومبتور، أبتر!
لذلك دائما أُطر العمل لا بُد أن تكون وسطا بين الواسع جدا والضيق جدا. ولذلك إطار العمل – انتبه – لكي يشتغل ويُشغَّل، لا بُد أن يكون مُجانسا لموضوع العمل، ما رأيك؟ لموضوع العمل!
مبدئيا، من ناحية فلسفية وفكرية، أعتقد أن أي مُفكر غربي، وأي فيلسوف مُتعمق في هذه المسألة، سيقول لك هذه القيم تصلح أن تكون على طريقتكم إطارا للعمل؛ لعمل الفيزيائي، لكن أيضا بالقدر نفسه لعمل الكيميائي، وبالقدر نفسه لعمل الأحيائي، ولعمل الرياضياتي، ولعمل الفلكي، ولعمل غيرهم! لكل الأعمال، الفكرية حتى وليس العلمية! لذلك ما الذي ستُضيفه؟ أليس كذلك؟ أبدا!
ولذلك لا يُمكن أن تُعينها كإطار لعمل الفيزيائي! أوسع من هذا بكثير! لكن انظر أنت الآن، اختبر نفسك، لو كنت عالما فيزيائيا، أو عالما في الأحياء، أو عالما في الأحياء الجُزيئية، وتُريد إطار عمل، تبحث عن إطار عمل!
حتما سيكون إطار العمل هذا مُجانسا للموضوع نفسه. وهو موضوع بيولوجي، أو موضوع فيزيائي، أو موضوع كيميائي! من هذا الإطار سيكون، من هذا الفضاء. ليس إطارا عاما، يتسع لكل شيء!
لذلك الذي يتسع لكل شيء، لا يُضيف أي شيء، بصراحة! تعرفون متى يُضيف؟ على المنابر، وفي كُتب التنظير، وفي كُتب الفلسفة، ليس في العلم والمسعى العلمي!
أي يُمكن أن يأتي أي مُنظّر، ويتكلم عن كلام علماء، في أي حقل كان إنجازهم! يتكلم عليه بصيغة فلسفية، سواء هذه الفلسفة فلسفة دينية لاهوتية أو حتى فلسفة إلحادية، مُمكن! عادي، مسموح! يُمكن ذلك! لكن لا يُمكن أن يكون كلامه هذا إطارا لعمل فيزيائي أو كيميائي يشتغل! لا يشتغل. فهمتم ما قصدت؟ هو هذا!
لذلك نحن لا بُد أن ننقد فلسفيا، وبدقة: لماذا تفشل هذه النماذج والمدارس؟ تفشل؛ لأنها واسعة جدا، واسعة جدا! تماما! انظر بالله عليك، نُطبق على أشياء أبسط من هذه:
الآن انظر، ما الفرق بين طبيب نفسي مُختَص، وواضح أنه يشتغل، وأن مناهجه فيها كثير من الخير، أليس كذلك؟ وبين واحد واعظ، ويدّعي أنه يشتغل شُغل الطبيب، وأحسن منه؟
تعال وانظر إلى كلام الواعظ، تجده أُطرا واسعة: عليك أن تتقي الله، وأن تكون دائما مُنتظرا للفرج، وخير العبادة انتظار الفرج، وعليك أن توقن بأن ما تأخر عنك لعله خير لك، وأن ما أصابك لم يكن ليُخطئك.
ونصوص كلها صحيحة، ومئة في المئة! وتشتغل مع المُصاب بمرض نفسي، ومع الصحيح نفسانيا أيضا، أليس كذلك؟ لكن بصراحة، لا تُفيد في هذه الحالة الخاصة!
الشخص الذي أمامي عنده حالة خاصة دقيقة جدا، أنت كواعظ أصلا لا دراية لك بها، ولا تعرف ما هي! ليس عندك تصور لماهية هذه الحالة! مَن عنده تصور للماهية؟ الطبيب النفسي.
والطبيب النفسي حتما لا ينطلق من أنها حالة من الاضطراب العقلي. هذا لا يكفي! قد يُشخص الحالة بأنها اضطراب عقلي واحد غير مُختَص، وهذا لن يُقدم شيئا. الطبيب النفسي يعرف بالضبط هذه الحالة تحت أي فئة من فئات عديدة للاضطرابات، ويبدأ يتنزل!
ويبدأ مُباشرة من هذا التقسيم الفئوي، لا يبدأ من الإطار الأعم، الذي هو يخضع كما قلنا حتى للخطاب الوعظي: أنك في حالة غير سوية، أنت تُعاني من القلق، تُعاني من تشظي الشخصية! كلام عام هذا، إنشائي يا رجل هذا، يكتبه الأديب والواعظ الديني، لا يُفيد أي شيء.
نفس الشيء؛ لو استعنت بواعظ أو رجل مُختص، في قضية تربية أولادك، أو مُعاملة أولادك، والله لن تخرج بأي شيء. بعضهم أولادهم من أسوأ الناس تربية، ويلتوون على آبائهم، الذين هم المشايخ والوعاظ، بل بعضهم يخرج به الأمر إلى حد الإلحاد والتجديف على الدين كله!
إذن هيا يا سيدي، بما أن نماذجك الواسعة هذه في تربية النفوس والدلالة على الله تشتغل، شغّلها على أولادك. لا تشتغل، لا تشتغل! بخلاف عمل المُحلل النفسي، والطبيب النفسي، والمُختص بالتربية، لا! عنده نماذج أكثر تواضعا.
لذلك العلم مُتواضع، العلم مُتواضع! والعلم يا إخواني تخصصي، تخصصي على فكرة بدرجة من التقسيم والتخصص مُرهقة بالنسبة لكم! ما رأيك؟ أي حتى الفيزيائي، أي فيزيائي مُحترم، تقول له الفيزياء، تقريبا يقول لك أنا لا أكاد أفهم شيئا! ما الفيزياء؟ حدثني بالضبط! عن ماذا بالضبط تتحدث! وكذلك عالم الأحياء المُختص المُحترم، كذلك الذي أخذ شهادة دكتوراة في الجهاز التناسلي للبرغوث!
تعرف البرغوث؛ ال Floh؟ الجهاز التناسلي! ماذا؟ قسما بالله! شيء لو لم يكن حقيقة، لما صدقت! دكتوراة في الجهاز التناسلي للبرغوث؟ ال Floh هذا! ما هذا؟ هذا تخصص! العلم هكذا! لذلك يشتغل.
المُجتمع البشري حين تخصص – سموه ال Labor division؛ تقسيم العمل -، بدأ يشتغل! أي مُشكلة، إن لم تعمل لها هذا ال Division أو التقسيم، لا تحلها. هو هذا!
الإسلاميون عموما – ما شاء الله – يشتغلون على الأُطر الواسعة! قال لك التوحيد – ما شاء الله -، العبادة، الخلافة، العمارة، المصلحة، اللا اختزالية، النزعة الإنسانية – هكذا، هكذا – الرحيمة! ما هذا؟ ما هذا؟
هذا كلام كبير، كبير ولا يقول شيئا في الأخير، ويصلح لكل شيء، ويصلح في كل محفل ومع كل تخصص ومع كل ثقافة! ليس هكذا يا جماعة، بالله عليكم، هلكتمونا، ما طريقتكم في التفكير هذه؟ قال لك هو هذا!
لذلك لا يُمكن أن يُضيفوا شيئا، لا يُمكن أن يُضيفوا شيئا! طبعا ستقول لي أنا الآن صرت محتارا! إذن ماذا لو أردنا أن نُضيف؟ أي هل مُحرّم علينا أن نُضيف؟ لا، ليس مُحرّما، لا عليك ولا على الصين ولا على الهند، والكل يُمكنه أن يُضيف!
إذن نحن كمسلمين بالذات، لو أردنا أن نستثمر تُراثنا الإسلامي، قرآننا، سُنة نبينا، وتُراثنا الحضاري، أين يُمكن أن نتجه؟ سوف نرى! أنا سوف أُحاول أن أقترح أشياء، ونرى كيف! سوف نرى! لا أزعم أن عندي صورة مُكتملة ولا حتى قريبة من ذلك، لكن سوف نرى! مُقترحات، عصف فكري هكذا!
فهذه الإجمالية كما قلنا أو Ijmalism، وهذه مُبتنياتها! وذكرت لكم أهم أعمدتها، هو حددها بعشرة! كلها واسعة، وواسعة جدا! لا تكاد تشتغل.
بالله عليك كيف يُمكن لرجل يبحث في موضوع التعالق – الذي في هذه السنة أخذ عليه ثلاثة نوبل Noble في الفيزياء! Entanglement، Verstrickung بالألمانية! يبحثون في ال Verstrickung -، كيف يُمكن أن يستفيد من مبدأ التوحيد، أو مبدأ العبادة، أو مبدأ الخلافة، أو مبدأ العمارة، أو مبدأ المصلحة، أو مبدأ الإنسانية؟ كيف؟ كيف إذن؟ هيا، تفضل، هيا شغّل لي، أرني! لا يشتغل، كله لا يشتغل.
العلم! العلم مُتواضع، وقال لك أنا لا أخلط الحابل بالنابل، ولا أخلط الغيب بالشهادة، وأنا واضح. وعلى فكرة، المبدأ الطبيعاني، أي ال Naturalism، لم يؤسسه الغربيون! وهنا الصدمة! فنحن تقشعر أبداننا، وكما يقول إخواننا التوانسة نتقنفذ – حلو التعبير الخاص بهم هذا! نصير مثل القنفذ -، حين نسمع طبيعة وطبيعاني! ومعناها إلحادي كفري! لا، ليس بالضرورة، ليس بالضرورة بالمرة! الطبيعة ماذا؟ الطبيعة كافرة إذن، وفهمها كافر؟ لا.
المبدأ الطبيعاني، لعل أول مَن أشار إليه، البيروني – رحمة الله عليه -، في حوار له مع ابن سينا. ستقول لي هما التقيا؟ طبعا، كانا مُتعاصرين! والبيروني أكبر سنا من ابن سينا. التقى به في بلاط أحد الملوك الأعاجم هناك! قبل أن يهرب ابن سينا التقى بالبيروني، صار هناك حوار بينهما. البيروني أعرب عن قناعته بالمبدأ الطبيعاني!
ما المبدأ الطبيعاني؟ أن لفحص وتقصي وتفسير الظاهرة الطبيعية، لا بُد أن تشتغل وتقتنع وتجعل مرمى بصرك كيانات طبيعية. لا تُدخل كيانات روحية ونفسانية ورمزية وغيبية، لا!
ستقول لي والله؟ ماذا؟ وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ *. إذا أردت أن تُفسر بالله، فكل شيء مُفسر، وانتهى! ولا نُريد علما، ولا فلسفة، ولا أي حاجة! مَن خلق؟ الله. مَن عمل؟ الله. لماذا حصل هذا؟ الله يُريد هذا. وانتهينا!
وهذا كلام صحيح، لكن هو صحيح إلى الدرجة الواسعة جدا جدا جدا، التي لا يكاد يُضيف معها أي شيء! أليس كذلك؟ لأن هو صحيح! بالقطع صحيح! بالقطع الله أنزل المطر! أليس كذلك؟ الله كوّن الماء! لكن كيف كوّنه؟ نعم، نُريد لافوازييه Lavoisier إذن! كيف كوّنه؟ وما هذا ال Molecule وكذا؟ الله لم يقل لك! لذلك سيدنا إبراهيم ربما يكون من مؤسسي الطبيعانية! قال له أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ *.
لذلك سؤال العلم، ماذا يُسمونه؟ يُسمونه ال Objective why أم How؟ How! ليس Why! ليس لماذا، دعك من لماذا، Objective how question؛ سؤال كيف الموضوعي. مَن سأله هذا؟ إبراهيم. أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ *، سؤال علمي هذا، طبيعاني! طبيعاني!
مَن خلق الماء؟ الله. الماء مُركب؟ نعم، مُعظم الظن أنه مُركب. هكذا سنقول! لماذا؟ لأن سيد أرسطو Aristotle وأوروبا والعالم الإسلامي، إلى القرن الثامن عشر، كانوا يعتقدون أن الماء بسيط!
ستقول لي طبعا! نعم، هم كانوا يظنون أصلا أن العناصر كلها أربعة! فليأتوا ولينظروا إلى الجدول الدوري اليوم، كم عُنصرا! الطبيعي! تخيل! قال لك أربعة: التراب والماء، النار والهواء! والسلام عليكم! قال لك العناصر أربعة! أربعة ماذا؟
وبعد ذلك اتضح أن التراب ليس عنصرا، وأن الماء ليس عنصرا، مُركب! مُركبات هذه يا حبيبي! الماء من هيدروجين، من عنصرين، ومن أكسجين! اتضح أنها مُركب!
فستقول نعم، والله أغلب الظن – طبعا أنت تعيش في الكُتب الحمراء والصفراء القديمة – هذا! أغلب الظن أنه مُركب، سمعت هكذا تقريبا! نعم، كيف مُركب؟ إذن مَن ركبه؟ الله. لماذا ركبه؟ لمصلحة العباد. حلو! سؤال غائي، Why! هذا سؤال غائي، Why question! ليس عندنا مُشكلة!
كيف ركبه؟ كيف هو مُركب الماء؟ هذا سؤال إبراهيم! أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي *، العلم! انظر؛ ها هو العلم داخل في الدين! اتضح أن هذا معناها! هو ليس ضد الدين، ولا الدين يمنعك أن تطرح أسئلة الكيف الموضوعية! قال لك اطرحها. الدين قال لك اطرحها، ليس عندي أي مُشكلة.
إذن لما تطرحها، أنت ستتقصى بها ماذا؟ ستتقصى بها الطريقة التي شاء الله أن يفعل بها الأشياء. لا إله إلا الله! شيء جميل! أليس كذلك؟ لماذا؟ رحم الله أينشتاين Einstein، كان يقول أنا هذه كل قضيتي!
ومَن الذي سار في آثار أينشتاين Einstein؟ ستيفن هوكينج Stephen Hawking. يا ليته مات على الإيمان! مسكين! قال لك أنا كل هدفي هدف أينشتاين Einstein! وهدف أينشتاين Einstein ما هو؟
قال لك أنا كل مسعاي العلمي، أُريد أن أنفذ إلى عقل الرب. أُريد أن أرى، لما هو خلق وعمل، كيف خلق؟ كيف؟ كيف؟ كيف؟ أنا عندي اعتقاد أنه هو عمل، نعم، لكن كيف؟ حلو! هذا العلم! ما له العلم بهذا المعنى؟ ليس فيه أي مُشكلة، والله! شيء جميل جدا!
ولذلك بدءا من إبراهيم الخليل، أبي الأنبياء، المذهب الطبيعاني أهلا وسهلا به، ليس عندنا مُشكلة معه! ومرورا بالبيروني، مع ابن سينا، وأكثر من أبي الريحان البيروني: ابن رُشد، أبو الوليد محمد بن رُشد – رحمة الله عليه -، الحفيد، وليس الجد طبعا، الفقيه! عنده كلام واضح جدا في المذهب الطبيعاني، وإن لم يُسمه بهذا الاسم! هو قال لك هو هكذا!
ولذلك عنده ميزة عجيبة، ابن رُشد! لما نرى التأويلية الخاصة بابن رُشد، وتأويلية الغزّالي، نفهمها. والغزّالي عنده تأويلية أيضا! Hermeneutics خاص بالغزّالي، وتأويلية خاصة بابن رُشد!
الغزّالي قال لك لما حقائق الطبيعة، حقائق العلم الطبيعي – يُمكن أن تُسموه علما، وكله فلسفة -، لما هذه الحقائق تتعارض مع الدين، ماذا نفعل؟ وطبعا هو كان من الذكاء واللوذعية، بحيث يفهم أنه لا يُمكن هذا! كمؤمن طبعا، لاهوتي مؤمن! لا يُمكن لحقيقة طبيعية أن تتعارض مع الدين في نفسه! ستتعارض مع ماذا إذن؟ مع فهمنا نحن للدين، مع تأويلنا نحن للدين.
بالله عليك، بالله عليك ماذا لو جعلت كل مُنطلقاتك دينية – تقول لي أنا أُريد مُنطلقات دينية -؟ هذه المُنطلقات، هل تظن أنها ستُفيدك؟ وعلى فكرة، يُزعجني في كلام سيد حُسين نصر، وآخرين أيضا، لكن ليس لهم مدارس، ما يقولونه، حين يتكلمون عن أن العلم نسبي، والدين مُطلق!
الدين مُطلق بأي معنى بالله عليك؟ بالله عليك! اغتصاب كلمة مُطلق هذه هكذا، واللعب عليها، وركوب متنها، شيء مُضر جدا جدا جدا! المُطلق موجود؟ موجود، طبعا! بلا شك موجود! لكن ليس عندنا. نحن لا نتسع إلا للنسبي، انس!
القرآن في ذاته مُطلق؟ هو مُطلق في ذاته! أما قرآني أنا نسبي، قرآنك أنت نسبي! لأنك تنال من القرآن بقدر فهممك وتأويلك له، وهذا نسبي، انتهينا، هذا هو! مُجرد أن يتعامل النسبي مع المُطلق، مُباشرة نكون دخلنا في ساحة النسبية! فلا تتكلم لي عن المُطلق والمُطلق والمُطلق! ما هذا؟ مُطلق ماذا بالله عليك؟
فماذا إذا أردت أن أنطلق من مُنطلقات دينية (وإياك أن تُسميها مُطلقة! تكذب على الحقائق! دائما تبقى نسبية)؟ بالله عليك، حدود الفهم الديني مفتوحة أو مُغلقة؟ ستقول لي مفتوحة. طبعا مفتوحة، مفتوحة اليوم، وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها! أليس كذلك؟ أحد الأسباب والمُتكئات التي تبسطها وتفتحها العلم الطبيعي، ما رأيك؟ أحد، أحد الأسباب!
الآن نحن تأويلنا لبعض الآيات الطبيعية والكونية، بالله عليك، ألم يعمق؟ ألم ينبسط ويمتد؟ ألم يدق ويلطف، ويُصبح دقيقا – فيه دقة غير طبيعية -، بالقياس إلى فهم أسلافنا الكبار؟
ستقول لي نعم. سأقول لك الفضل بعد الله لمَن؟ ستقول لي للعلم. للعلم! العلم اليوم أعطاك صورة عن الطبيعة والكون وكذا، شيء مُذهل مُخيف! أليس كذلك؟ العلم يفعل هذا!
أما إذا شئت أن تُقيد نفسك ابتداء بمبادئ لاهوتية وفهوم لاهوتية مُعينة للنص الديني، فأنا أقول لك قد يكون كل ما يُعطيه هذا أن يعوق حركتك! للأسف الشديد! بحيث أنه يشل خيالك.
والعلوم اليوم يا أخي – وخاصة العلوم الفيزيائية هذه، وكذا! وحتى الكونية! لا إله إلا الله -، تحتاج إلى قدر كبير من الخيال المجنون! أنا أُسميه هكذا: المجنون! ليس المُحلق، المجنون! تحتاج إلى خيال مجنون! وللأسف هذا الخيال المجنون يشتغل كثيرا، وينجح! فقط!
ولذلك قيل الفرق بين الموهوب أو المُبدع والعبقري، أن المُبدع الموهوب يستطيع أن يُنجز وأن يعمل ما لا يعمله غيره – صح -، أما العبقري، فيستطيع أن يرى ما لم يره غيره. هذا من ألطف وأدق التفريقات بين المُبدع وبين العبقري!
والعباقرة قلة قليلة في مدى تاريخ البشر، على أصابع اليدين ربما، أي بضع مرات، وينتهي الأمر! قلة قليلة! اليوم هذه طبعا كلمة مجانية: هذا عبقري! وليس عبقريا، وليس له علاقة بالعبقرية.
العباقرة قلة، يتركون العالم بعدهم غير ما كان قبلهم! هؤلاء قلة في تاريخ البشرية كلها! لأنهم يرون هذا! وعلى فكرة هذا التعريف ليس لي، هذا لآرثر شوبنهاور Arthur Schopenhauer، وهو تعريف جميل جدا جدا!
المُبدع يستطيع أن يُنجز وأن يعمل ما لم يعمله غيره! أما العبقري، فيستطيع أن يرى ما لم يره غيره! لأول مرة رأى ذلك! لا إله إلا الله! لذلك لما عمل توماس هكسلي Thomas Huxley، لما عمل Review لل Origin الخاص بداروين Darwin، لأول مرة، ورأى ما الفكرة الخاصة بداروين Darwin، خبط رأسه!
قال ويحي! كيف لم أعرف ذلك؟ كيف لم أره؟ قال! الفكرة بسيطة، ورهيبة! لم أرها أنا! كيف؟ لم ترها! هو رآها؛ لأنه عبقري، أنت لم ترها! بعد ما جعلك تراها، صارت سهلة! سهلة! ها هي! نعم، بعدما جعلك تراها. قبل أن يُريك إياها، لم يرها أحد، كما رآها هو! أليس كذلك؟
أسطورة التفاحة الخاصة بنيوتن Newton على الأرجح غير دقيقة، وغير صحيحة! لم يحصل الكلام هذا! وما أحلاه، وهو نيوتن Newton، أكبر فيزيائي في تاريخ البشرية، وقد استيقظ، وعلى الجاذبية، من تفاحة!
لا! من قبلها كان يشتغل عليها ومن بعدها! ولكن هذه أسطورة لها دلالتها. فإن مشيناها؛ هذه الأسطورة، كم وكم من الناس، قبل وبعد نيوتن Newton، رأوا تفاحا، ورأوا شُهبا ونيازك، ورأوا صواريخ، تنزل وتُفجر! ولم يهتدوا، كما اهتدى نيوتن Newton، إلى الجاذبية وقوانينها وكذا! لأنه عبقري، نحن لسنا عباقرة، نحن (غلابة). واضح؟
فنرجع ونقول لا بُد وأن تنتبهوا إلى الناحية هذه. الآن قد سجلنا أكثر من نُقطة على هذه المدارس كلها، Collective هكذا! هناك نقد إجمالي لها، يُخوف:
أولا طريق ملكية مُعبدة، ربما على الأرجح، نحو الشمولية! تبدأ بالرقابة! قال لا بُد وأن تذهب وتقدم بحثك الكيميائي والفيزيائي والبيولوجي والكذا! لمَن؟ لشيخ! لا يا حبيبي، غير مُستعد، غير مُستعد ولن أفعلها.
لن أُقدم بحثي العلمي المُحترم لواحد جاهل، مع احترامي لعلمه الديني، أعترف له به، ليس عندي مُشكلة، لكن بصراحة هو جاهل في هذه العلوم، ولا يعرف فيها كوعه من بوعه!
وقد رأينا في الباكستان أنهم مرروا لنا زاوية الله، مرروا الكفر! أليس كذلك؟ أي حتى دينيا المفروض ألا يُمرروا. مرروا كل الهبل الذي سمعتموه هذا، أليس كذلك؟ لجنة علمية، ليس واحدا واثنين، علماء، وكلهم دكاترة في الشريعة!
لكن هم طبعا مُغتبطون، هم مُغتبطون بأن لهم سُلطة التفتيش! وستقول لي هذا تفتيش؟ والله شبه تفتيش! هو هذا! أليس كذلك؟ فأنت تبدأ بالرقابة، وبعد ذلك تنتهي بماذا؟ بالتفتيش! هات، أرني ماذا عندك، انظروا ماذا عنده هذا، ماذا يكتب هذا، ماذا ينشر هذا، أليس كذلك؟
إلى اليوم نحن عندنا لجان تفتيش، على فكرة! في مصر مثلا أي كتاب ديني، لا يُنشر، لا يُسمح بنشره، إلا بعد أن يأخذ موافقة، من الأزهر، ومجلس البحوث، وكذا! إلى اليوم نعيش في الأشياء هذه؟ هو هكذا! شيء عجيب يا أخي! أين نعيش نحن؟ كيف سنتقدم يا رجل؟
المُهم، لا علينا! فتبدأ بالرقابة، التفتيش، وبعد ذلك تصير هناك المُحاسبة، تصير هناك المُعاقبة! هكذا تُشل حركة الفكر والعلم! وعلى يد مَن قال؟ علماء الدين! لأن – انظر أنت، انتبه إلى النقد! على فكرة مُهم، ركز معي – العالم الطبيعي كعالم طبيعي ليس عنده أهلية أن يُعطي سمة المرور الدينية لبحثه! أليس كذلك؟ سنُضطر رُغما عنا أن نعمل ماذا؟ نستعين برجال الدين!
رجال الدين ليس عندهم إمعان في العلوم الطبيعية، غير مُتخصصين! فسنُضطر أن نُعطيهم فكرة إجمالية، على قدر ما تتسع أذهانهم، للأفكار العلمية المُعقدة، والتي عندها في بعض المرات بنية رياضية في مُنتهى التعقيد! لن يفهمها في حياته؛ لأنه لا يعرف رياضيات! كيف سوف نُفهمه؟ لن يفهمها!
وأنا ذكرت لكم في المُحاضرات السابقة أن الآتي من سمات العلم، عكس ما ظن ألفريد نورث وايتهيد Alfred North Whitehead، وعكس ما ظن توماس هنري هكسلي Thomas Henry Huxley، وعكس ما ظن حتى ألبرت أينشتاين Albert Einstein! ما رأيك؟
حتى أينشتاين Einstein عنده عبارة، يا ليته ما قالها! لأنه غلط فيها! قال ما العلم إلا التفكير اليومي المصقول. غير صحيح، هذا كله يمتح من نفس المعين، أن العلم بدهي! Common sense! غير صحيح. على الأقل، تسعون في المئة من العلم ضد البداهة، العلم ضد البداهة! يا رجل العلم مُختلف.
تعرفون مونتي هول Monty Hall؟ البرنامج الأمريكي القديم! المونتي هول Monty Hall هذا! وباختصار صار يُوجد عندك Monty Hall problem؛ مُشكلة مونتي هول! في الرياضيات.
دعونا نحكيها لكم سريعا هكذا، وسأُريكم أن هذا صحيح؛ لكي تفهموا إلى أين أنا ذاهب! باختصار، مُشكلة مونتي هول Monty Hall في الرياضيات، كالآتي:
يقول لك عندك كمُتسابق ثلاثة أبواب، خلف باب منها سيارة! بمئة ألف دولار ربما! سوف تكون من نصيبك، أي لو الله أسعدك. وخلف البابين الآخرين عنزتان! خرب الله بيت العنز! أي ليسا خروفين أيضا؟ هيا! عنزتان. قال لك! سوداوان! جيد!
قال لك أنت الآن مطلوب منك أن تحزر أين السيارة. ستقول لي والله حلوة اللعبة هذه؛ لأن بنسبة ثلاثة وثلاثين في المئة سأفوز! أليس كذلك؟ صح! واحد من ثلاثة! عندي احتمال؛ ثلاثة وثلاثون في المئة، أن أفوز! إلى الآن الموضوع عادي، موضوع عادي هذا، Common sense تقريبا، هذا عادي، حس مُشترك هذا، منطق سليم، هكذا يُسمونه!
قال لك جميل! الآن طبعا أنت ستختار، ولن نفتح الباب. ستقول لي اخترت الباب الوسط. دعه مسكرا! سيأتي مُدير البرنامج، ويختار بابا آخر، ولن يفتحه! سيختار بابا آخر، ولن يفتحه! واضح؟ أنت الآن أمامك خيار: تبقى على ما أنت فيه، أو تُغيّر!
فهو اختاره، ولم يفتحه. هو اختاره، ولم يفتحه! طبعا السؤال: هل مُدير البرنامج يعرف أين السيارة؟ يعرف. ال Losers يقولون لك هو يعرف أين السيارة. إذن يُمكن أن يختار باب السيارة! طبعا؛ لكي يضيعه عليك! يُمكن أن يختار باب العنزة!
للأسف هنا كبار علماء الرياضيات في أمريكا قالوا لك لا، ابق على اختيارك، ابق على اختيارك! جاء عالم رياضيات لوذعي أيامها، من هؤلاء المجانين، وقال له لا! هو لما يختار أي باب، أنت غيّر، وقل أنا أُريد الباب الثاني. تحت كل الظروف، سترتفع حظوظ نجاحك إلى الثُلثين! ليس الثُلث! لا إله إلا الله! كيف؟
جاء علماء رياضيات كبار، وقالوا له لا، غلط كلامك! ليس صحيحا! ذهبوا وبعد ذلك أتت دراسات مُعقدة، وSimulation، وكمبيوتر Computer، واتضح أن كلامه صحيح! لا إله إلا الله!
لن أشرحها لكم طبعا؛ لأن هذه تحتاج إلى شرح طويل الآن، ويُمكن أن تجدوها في النت Net. اكتب Monty Hall problem، وانظر ما القصة! هذه مثال أيضا جديد على ماذا؟ على أن العلم يعمل ضد البداهة.
طبعا أكبر الأمثلة – أنت يُوجد عندك حقل أمثلة، لا أول لها من آخر – فيزياء الكم. كل فيزياء الكم: العلم ضد البداهة. حتى نسبية أينشتاين Einstein ضد البداهة! أليس كذلك؟
فلماذا أقول هذا؟ أقول هذا؛ لأنك إذا جعلت مُنطلقك مبادئ لاهوتية ومبادئ تأويلية دينية في العمل العلمي، فحتما هذه المبادئ اللاهوتية الدينية المُعتقدية – مبادئ Rational، أليس كذلك؟ وتعمل في ظل الفكر العقلاني، والمنطق السليم، أليس كذلك؟ – ستُقيدك! آخر ما يحتاج إليه العالم المجنون – جعلنا الله علماء مجانين؛ لكي نقدر على أن نُبدع -، هو مثل هذه المبادئ! ما رأيك؟
هل فهمتم كيف هذا؟ وهذا أيضا نقد لم أُسبق إليه، ومُهم جدا جدا! ويعرفه مَن يعرف طبيعة العمل العلمي، والعمل أيضا الفكري عموما. ليس من مصلحتنا!
ولذلك على فكرة ما منبع التخوف من التقصي العلمي؟ أنت خائف من ماذا؟ هل تظن أن التقصي العلمي لأي ظاهرة طبيعية أو حيوية أو كونية أو حتى رياضية مُخيف؟ انظر حتى إلى الرياضيات!
حدثتكم مرة، بل أكثر من مرة، عن مُبرهنة غودل Gödel – النمساوي غودل Gödel – لعدم الاكتمال! هذه المُبرهنة – أي ال Theorem. ليس Theory، Theorem! هذه مُبرهنة – في الأخير أنا أقول لك تخدم مبادئ دينية أيضا! ما رأيك؟ مع أنها طبعا ضد نظرية كل شيء! إذا أخذنا مُبرهنة غودل Gödel لعدم الاكتمال، فسنقول Bye-bye يا نظرية Everything، لن تصل لها في حياتك!
فما أُريد أن أقوله أنت خائف من ماذا كمسلم؟ تُريد أن تُقيدني! من ماذا؟ هو هذا باحث، أيا كان! مسلما أو غير مسلم، مُلحدا أو مؤمنا، يبحث في طبيعة الله، في كون الله! أي تقص في هذه الطبيعة، في هذا الكون، لن يُسفر عن شيء يُهدد إيماننا، أليس كذلك؟
كل ما سيُسفر عنه، تعرف ما هو؟ جواب سؤال كيف! كيف فعلها الله؟ الذي كان (ممخمخا) في عقل أينشتاين Einstein، والذي دغدغ خيال مَن؟ ستيفن هوكينج Stephen Hawking! كان يُحب أن يعرف كيف يفعل الله؟ كيف خلقها؟
نعرف أنه خلقها، لكن كيف؟ هذا العلم! ليس عندي أي شيء يُخوفني منه، وسأُعطيه أنا فيزا Visa أو سمة دخول مفتوحة، وممنوع أن يرجع لي. يرجع لي لماذا؟
ستقول لي ليست هنا المُشكلة يا عدنان، كُن واقعيا. المُشكلة لما هذا العالم يصل إلى نتائج تتعارض مع الدين! أقول لك انتبه! اليوم على فكرة صعب أن تتكلم عن عالم، تتكلم اليوم عن علم، بصراحة! أنت فهمت ما قصدت؟
اليوم تتكلم عن علم، ليس عن عالم! لأن اليوم العلم تقريبا مؤسسة International! تعرف مُراجعات الأقران! والمُجتمع العلمي كله يُلقي بثقله، أول ما يأتي واحد بفرضية جديدة، نظرية جديدة، طرح جديد! الكل ينزل، مُباشرة!
وطبعا بالطريقة البوبرية، يكون هدفهم ماذا؟ إثبات أنها غلط. على قدر ما تصبر وتُثبت أنها ليست غلطا، تظل صحيحة، وأهلا وسهلا بها. لو ثبت أنها غلط، تُستبعد.
إذن كيف؟ أول إثبات أنها غلط، أي غير علمية، أنها تكون غير قابلة للتفنيد. معناها – يقول لك – هذه ليست علمية، حتى لو كانت صحيحة! أما إذا فُندت، واتضح أنها غلط، فهي علمية، وهي غلط! ما رأيك؟ هناك ناس لا يفهمون المسألة هذه!
أي الشيء يُمكن أن يكون علميا وغالطا. نعم، الشيء يُمكن أن يكون عنده سمة علمي، وثبت أنه غالط! وسنستبعده. ليس معنى أنه علمي، أننا سنستبقيه، لا! هو علمي. إذن كيف علمي؟ علمي معياريا، منهاجيا! لأنه قابل للتكذيب. وقد كذبته التجربة! إذن فليخرج! هذا علمي. نحترمه؛ لأنه علمي. هل فهمت قصدي؟
مثل واحد عنده القدرة على أن يجتهد، يجتهد فيُخطئ، نقول له أخطأت، ولك أجر. الدين حتى قالها! لكن ممنوع أن واحدا ليس عنده أهلية الاجتهاد من أصله، أن يأتي ويجتهد. تعرف لماذا؟
ليس عندنا ثقة أنه سيمشي في الخُطوات المطلوبة في الاجتهاد! أليس كذلك؟ سيتحدث بغير علم، في النحو والصرف والأصول! ويقول لك أنا مُجتهد وكذا! وسيخربط الدنيا كلها! ممنوع، ممنوع، ممنوع.
هذه أهلية الطرح العلمي، في الأصل! أنه يكون قابلا للتفنيد. وليس كل طرح علمي قابلا للتفنيد على فكرة، هذا معيار غير مُطلق.
حلو جدا! فنرجع مرة أُخرى؛ لكي أُكثف نقدي هذا، أُريده يكون واضحا. أُريد نقوي هذه تكون واضحا تماما، أنا آخذ كذا وكذا وكذا، ونرى فيما بعد مُقترحات، ماذا يُمكن أن نقترح؟
أنا ليس عندي أي مُبرر للتوجس والتخوف من أي تقص علمي. ستقول لي لا! تقع أخطاء. أنا أقول لك هذه ليست أخطاء علماء، أخطاء العلم! لأن المُجتمع العلمي كله لا بُد وأن يبدأ يشتغل عليها!
إذا المُجتمع العلمي حصل فيه نوع من الإجماع، أو نوع من الاتفاق – أي Consensus! نوع من الاتفاق -، على صحة هذا الطرح، صحة هذه النظرية، فهنا اختلف – الحمد لله، لم نُكمل الجُملة، وأتينا بها الآن – ابن رُشد عن الغزّالي – لما قلت هذا عنده تأويلية، وهذا عنده تأويلية. ولم أُكمل الجُملة للأسف الشديد! طريقتي اللعينة هذه في الاستطراد -.
الإمام الغزّالي قال لك إذا كان هناك خلاف بين حقائق طبيعية أو كونية، وبين الدين، فطبعا حتما لن يكون مع الدين نفسه، وإنما مع الفهم. جميل! وهو يُدرك هذا تماما!
لكن للأسف الشديد قال لك هنا لا بُد على العلم أن يُراجع نفسه. نحن لا نتفق مع الخُطة هذه، هذه الخُطة غير دقيقة، والعلم أيام الغزّالي لم يكن مُستبحرا كالعلم الحديث يا حبيبي، ولم يُنجز واحدا على مئة ألف مما أنجزه العلم الحديث اليوم! العلم اليوم سُلطة، سُلطة غير عادية، لا يُستهان بها بالمرة!
وعلى فكرة، كما قلت لك، إياك أن تخوض معها معركة تكسير رؤوس، وأنت واثق! على الأرجح أنك ستخسر. انتبه! يُمكن أن تُضيف في أشياء أُخرى. لا بُد أن تشتغل بذكاء وبمصداقية؛ حتى لا تخسر!
أما أبو الوليد بن رُشد – رحمة الله عليه – فيختلف، لذلك قلت لكم هو أقرب إلى المنهج الطبيعاني، من المؤسسين الأوائل له! قال لك إذا وقع الخلاف، بين هذا وهذا، فعلى علماء الدين أن يُعيدوا تأويل النص مُجددا. يا سلام! معناها هو عنده مبدأ تأويلي هنا، مبدأ خطير!
ما المبدأ الخطير هذا؟ أن تأويل الظاهرة الطبيعية، المادية، أصعب بكثير، من تأويل النص. مَن أسهل؟ تأويل النص. لماذا؟ لأنه مُجرد فهم، وغير قابل للاختبار. هذا الآن كلامي، أُريد أن أُفلسف كلام ابن رُشد.
تعرف أين يُختبر تأويلك للنص؟ بقياس هذا التأويل على موضوعه الخارجي، وهو الظاهرة الطبيعية! فالظاهرة الطبيعية اتضح أنها تُناقض تأويلك، معناها تأويلك غلط، Bye-bye! تأويلك غلط، تخل عن تأويلك. كلام جميل! مئة في المئة! أنا مع ابن رُشد هنا. فهمتم ما قصدت؟
ستقول لي مثالا يا عدنان، بالمثال يضح المقال. المثال الذي أُريد أن آتي به، هو أكثر الأمثلة تفجرا، وأكثر الأمثلة حسّاسية وحراجة: مثال التطور العضوي للإنسان! ليس حتى للكائنات الحية، وإنما للإنسان! أننا تطورنا من أجناس أدنى منا.
وطبعا الموقف الديني العام عند مُعظم العلماء والمشايخ أنه كلام فارغ، ولا يُوجد تطور! لن نُناقشه الآن. والموقف العلمي شبه الإجماعي – شبه الإجماعي، بنسبة ساحقة مُخيفة – أن التطور حاصل حاصل، وأدلته صعب إبطالها.
وطبعا لا تُوجد نظرية مُكتملة من جميع الجهات، لا بُد وأن تجد مؤاخذات! لكن ليس معناها، إذا سجلت عليها بعض المؤاخذات، بعض التراجع، بعض العجز عن التفسير، أن النظرية باطلة! كل نظرية، كل سعي بشري، هكذا! كل سعي بشري غير مُكتمل، هذا هو! ولكن نسبة نجاحها ونسبة مردوديتها التفسيرية عالية جدا جدا جدا، وقد نجحت! وكما قلنا هي البارادايم Paradigm.
هل يُمكن تفسير النص؟ بسهولة! يُمكن – بفضل الله تبارك وتعالى – تفسير النصوص القرآنية في هذا الباب بسهولة! والعجيب، كما قلت ألف مرة قبل ذلك، والشيء الصادم في هذا الباب أن النصوص، لو أولت حتى قبل داروين Darwin، بطريقة مُنفتحة، وبطريقة موضوعية – جُمعت كل النصوص وكذا -، فأنا أزعم أنها كانت كفيلة بإلهام مَن سيؤولها نظرية التطور!
ما رأيك؟ إلى هذه الدرجة! فمعناها المسألة ليست مُستحيلة، بالمرة ليست مُستحيلة! لكن تجد مواقف الجمود والإصرار والتحجر، تحكي في باطنها تصورا ساذجا لصفات الله أو بعض صفات الله!
أي هؤلاء الخلقويون – ال Creationists هؤلاء – يظنون أن الله يخلق على نحو ما يخلق البشر! يأتي بطينة فعلا، ويُشكلها بيده هكذا، وينفخ فيها، فتصير بشرا! كما عيسى فعل في الطين!
لا يا حبيبي، الله لا يفعل على هذا النحو. والأدلة على أنه لا يفعل على هذا النحو تزحم الكون! ما رأيك؟ والله العظيم! بدءا من خلق حتى الجنين في رحم أمه! لا يُخلق بهذه الطريقة الساذجة البسيطة، بخُطوة واحدة، أي One-step process، أبدا! إنما بطريقة مُمتدة، تناسخية! تناسخية حتى على المُستوى الجيني، أي Genetically تناسخية! وهنا يأتي علم الجينات الجنيب Epigenetics، لا إله إلا الله! شيء لا يكاد يُصدق!
وإليه الإشارة بقوله يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ *، لا إله إلا الله! فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ *. هذا القرآن! هذه عظمة القرآن الكريم! فبالله عليك، نحن لسنا مُلزوزين ولا مُضطرين أن نُتابعك على جمودك وضيق خيالك وضيق وعيك وزعمك أن هذا مُخالف للنصوص، ومُخالف للقواطع! قواطع ماذا يا رجل؟ قواطع ماذا؟ تقطع بقطعية ما ليس بقطعي أصلا؟ هو ليس قطعيا، قابل للتأويل.
فنحن هنا مع تأويلية إذن ابن رُشد، نحن المدعوون أن نُعيد النظر في تأويلنا للنص. مرة ثانية؛ التبرير الفلسفي، لماذا؟ أنا أُحاول أن أفهم ابن رُشد، قفوا معه جيدا! لأنه رأى – وإن كان رأى هذا، فهو حاذق ومُصيب، إن شاء الله – أن تأويل الظاهرة الطبيعية أصعب من تأويل النص. ظاهرة طبيعية! واضحة أدلتها! أحيانا تكون شبه ملموسة الأدلة، شبه ملموسة!
ستقول لي حتى في التطور؟ حتى في التطور. لن نقول كيف، موضوع ثان، لا نُريد أن ندخل في أشياء علمية! لو أردت دليلا واحدا فقط، هل معقول أن داروين Darwin فهم، وشايعه كل مَن أتى بعده، أننا، وال Great apes؛ القردة العُليا: أورانغوتان Orangutan، وال Gorillas، وال Chimpanzees – الشمبانزي هذا! أي نحن، والشمبات هذه، أو الشنابز كما يُسمونها! شمبات أو شنابز، Chimpanzees! والأورانغوتان Orangutan، والغوريلات – جئنا كلنا من سلف مُشترك – One common / One single common ancestor، من سلف مُشترك -، وأن أول فرع تفرّع من حوالي خمسة عشر مليون سنة الأورانغوتان Orangutan، من حوالي عشرة مليون سنة الغوريلات، من حوالي ستة أو سبعة ملايين سنة الشمبانزي Chimpanzee، وبعد ذلك جاء الإنسان؟
معقول يا جماعة أن علماء الأحياء الجُزيئية يجدون طفرة، عطبا مُعينا، في Locus – يُسمونه ال Locus، الموضع الجيني! موقع جيني! في Locus مُعين، والجمع لها Loci -، في Locus جيني مُعين، في كروموسوم Chromosome مُعين، ولا يجدون هذا العطب عند الغوريلا Gorilla، يجدونه في الشمبانزي Chimpanzee، في نفس المكان؟
لأن آخر Cousin لنا قريب، كان مَن؟ الشمبانزي Chimpanzee. هذا ليس عبثا! هذه أشياء عند العلماء تُعتبر أشبه بالقطعيات! أن هناك دليلا ملموسا! ويتفق هذا الدليل مع كلام داروين Darwin! أن أبعدهم عنا أورانغوتان Orangutan، ثم الغوريلا Gorilla، والأقرب الشمبانزي Chimpanzee!
معناها هذا العطب الجيني، أو الطفرة، أين حصلت؟ في ال Common ancestry لمَن؟ لنا وللشمبات. الجذع الذي خرج منه الشمبانزي Chimpanzee والإنسان، هو هذا الذي وقع فيه العطب هذا، فأورثه لأولاده! أي شيء لا يكاد يُصدق يا أخي! هذا دليل من مئات الأدلة فقط!
فالعلم يشتغل بطريقة ثانية، والعلم ليس عنده هذا! ونحن المُسلمين عندنا مُشكلة مع نظرية المؤامرة! عندنا مُشكلة مع نظريات المؤامرة! العلم كله يتآمر علينا، أُقسم بالله شيء عجيب يا أخي! الشرق والغرب، وطيلة حياتنا في مؤامرات نحن!
مساكين! مُتضخمون كثيرا في نظرية المؤامرة هذه، مُضخمون لها كثيرا جدا جدا جدا جدا! ليس هكذا يا رجل! والعلم أيضا مؤامرة علينا إذن وعلى القرآن وعلى الإيمان؟ انس الكلام الفارغ هذا الذي لديك، لا علينا منه.
فنرجع، إذن هذا النقد مُهم أن نُسجله تماما ونفهمه، مع نقد أن – كما قلنا – الانطلاق من مُسبقات دينية وكذا كذا يُقيد الخيال! يجعلك عالما في حدود معيارية عادية، لن تُضيف أبدا أشياء حقيقية، ستبقى ضعيفا.
أي يقمع عبقريتك، دون أن تدري! وخاصة، تعرف ماذا؟ الذي قمعك ليس الدين، فهمك وفهم أسلافك للدين. فهمت ما قصدت؟ لا يُمكن أن يقمعك القرآن، لا يُمكن! بالعكس! القرآن ليس كذلك.
لا أعتقد أن هناك كتابا على وجه الأرض، كتاب ديني، حث على الذهاب إلى الكون، مُعانقة الكون، الانفتاح على الكون، النظر في الكون، تدبر الكون، التفكر في الكون، مثل القرآن العظيم! أليس كذلك؟
وهذا يكفينا، فقط! هذا يكفينا. ليس مطلوبا من القرآن الكريم أن يُقدم لنا نظريات علمية، لا في علم كذا وكذا، ليس مطلوبا بالمرة! يكفي أنه استفزني، واستحثني، ودفعني إلى أن أُسائل الكون مُباشرة، وجها لوجه!
قال له اذهب إليه، واسأله! سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ *. يا الله! والله لو قرأها لايل Lyell، أو لو قرأها داروين Darwin، لسعد بها جدا جدا!
تشارلز لايل Charles Lyell يُعتبر من كبار علماء الجيولوجيا، بل من المُؤسسين للجيولوجيا حقيقة، الجيولوجيا الحديثة! هذا كتابه ال Principles، هو مؤسس! تشارلز لايل Charles Lyell! وهو يُعتبر أستاذا لداروين Darwin.
لو قرأ هذه الآية، لقال عجيب! قرآنكم يقول امشوا وسيروا في الأرض، وانظروا كيف بدأ الخلق؟ خلق الأرض، وخلق الأحياء والنبات والحيوان! في الأرض سوف ترونها؟ في الطبقات، وفي كذا، وفي ال Strata؟ قال لك نعم، القرآن يقول هذا! لا إله إلا الله!
وبعد ذلك – يا الله! اقشعر بدني – انظر؛ كَيْفَ *، الله! كَيْفَ *، كيف سؤال العلم! سؤال العلم الموضوعي How؛ كيف! قال لك أنا لا أقول لك كيف، أنت مَن سيصل إلى جواب كيف. وأين؟ حين تسير في الأرض. اذهب، سر، ونبش، وابحث، يا جيولوجي، وسوف ترى كيف! لا إله إلا الله!
ماذا أُريد أحسن من هذا؟ لكن هذه أمة كسولة، تُريد أن تكتفي بسب الآخرين، وتنقص أعمالهم – والله العظيم -، وإلصاق مُلصقات، وإعطاء – ما شاء الله – برامج واسعة جدا جدا للعمل!
بالله عليك – خطر لي الآن وأنا أتكلم – لو أعطاك أحدهم بنطلونا، وأنت وسطك مثلا مئة وتسعة، لكنه أعطاك تسعمائة وعشرة، هل تقدر على أن تمشي فيه؟ بالله عليك! لن تمشي. ولو مقاس وسطك مئة وتسعة، وأعطاك تسعة عشر، هل هذا مُمكن؟ شرابة هذه! لن ينفع!
هذا تأكيد لكلامي عن إطار العمل! إطار واسع جدا جدا، لن يشتغل، لن تمشي فيه، انس! إطار ضيق، لن ينفع. لا بُد وأن يكون الإطار مُناسبا. حين يكون أوسع قليلا، يكون هذا عاديا، بالحزام! نضعف قليلا، نسمن قليلا، ليس عندنا مُشكلة، تُوجد إمكانية للمُناورة.
هو هذا! فهذا وجه للنقد مُهم جدا، والوجه الثاني أيضا ذكرته، فنُريد أن نُجمعهما.
نكتفي بهذا القدر، وأستودعكم الله، الذي لا تضيع ودائعه.
أضف تعليق