برنامج آفاق
صفحة من تسامح الرسول
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً، وافتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين.
أحبتي في الله، إخواني وأخواتي:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أظن أنكم تُوافِقوني على أننا أحوج ما نكون في هذه الأيام إلى مزيد من التسامح، مزيد من الدعوة بل الدعوات إلى المحبة والتفاهم والتغافر، إلى مزيد من المُلاينة والمُحاسَنة، لا المُخاشَنة والمُصارَمة.
إخواني وأخواتي:
أود في الحقيقة أن أبدأ في عرض صفحات سريعة مُضيئة من تاريخ التسامح في حياتنا الإسلامية، أبدأها – إن شاء الله تعالى – في هذه الحلقة بعرض صفحة قصيرة من كتاب كبير، هو كتاب التسامح في حياة نبينا وعظيمنا محمد – صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً -، على أن أعود بعد ذلك في مُناسَبات أُخرى وليس بالتوالي، فأتحدَّث عن التسامح في حياة الراشدين أو ربما واحد مخصوص منهم، ثم في تسامح الخلفاء والأئمة والحضارة الإسلامية عموماً مع غير المُسلِمين.
لكن في البداية قد يسأل بعضكم سؤالاً، ما هو التسامح؟ تتحدَّث عن التسامح، ما هو التسامح بكلمة؟ التسامح – إخواني وأخواتي – بتبسيط شديد هو أن نقبل الآخر المُختلِف عنا، نحن الآن مُهتَمون بالناحية الدينية العقدية المِلية، سنتحدَّث عن التسامح الديني، التسامح العقدي، هناك ضروب من التسامح، هناك تسامح سياسي، هناك تسامح ثقافي، وهناك تسامح اجتماعي، لكن التسامح الديني هو ما يعنينا، وفي نهاية المطاف بلا شك التسامح الديني يعني تسامحاً اجتماعياً، ويعني تسامحاً ثقافياً، وأحياناً أيضاً له علاقة بالتسامح السياسي، لكن هو تسامح اجتماعي بلا شك، تسامح فكري أو ثقافي بلا شك، لماذا؟ لأن الدين مُكوِّن أساسي من مُكوِّنات الثقافة، كل ثقافة! نحن ثقافتنا عربية إسلامية، والدين مُكوِّن رئيس أساسي فيها، ولذلك من المُستحيل أن نتحدَّث عن ثقافتنا بعيداً عن ديننا، ولذلك التسامح الديني لدينا أيضاً يعني تسامحاً ثقافياً في بيئاتنا ومُجتمَعاتنا.
فالتسامح – إخواني – بشكل عام والتسامح الديني بشكل خاص يعني أن تتقبَّل الآخر كما هو تقبلاً غير مشروط، إذن ليس مُتسامِحاً مَن يتقبَّل الآخر تقبلاً مشروطاً أو تقبلاً مؤقتاً موقوتاً، يقول أنا أتسامح معه وأتركه على ما اختار لنفسه من دين ومُعتقَد ريثما أدعوه إلى الإسلام، وريثما أُبرئ ذمتي، أُبرئ ذمتي من دعوته، أُبيِّن له، أنصح له، أُحاجِجه، وأحاوره، وماذا بعد ذلك؟ ربما لا يستجيب لك، ربما لا يقتنع بأن يدين دين الإسلام، ماذا ستفعل؟ هل ستذبحه؟ هل ستقتله؟ هل ستصرم وداده؟ هذا ليس تسامحاً، التسامح أن تتقبَّله كما هو، الدين كما نقول دائماً – وينبغي أن نُبدئ ونُعيد في هذه القضية – مبناه على القناعة والإذعان الباطني والرضا والاختيار والحرية، لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، وإلا لا يكون ديناً، يكون نفاقاً وكذباً، يكون تحيلاً فقط، للهروب من المشاكل، من التكفير، من الذبح، من القتل، من الطرد، ومن السجن، فهذا لا يكون ديناً، هذه ليست طبيعة الدين.
بلا شك أن الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان سيد المُتسامِحين، سيد المُتسامِحين! ولا نقول هذا تمجيداً لنبي ندين له وندين بنبوته ورسالته بلا شك، وإنما نقول هذا لأن هذه حقيقة علمية، صدع بها وقرَّرها وأفصح عنها العشرات والعشرات من غير المُسلِمين، من كبار المُفكِّرين، المُؤرِّخين، والدارسين، حتى الفلاسفة صرَّحوا بهذا تماماً، بل بعضهم قطع بأن محمداً لم يكن له نظير، ولم يسبقه سابق إلى تقرير التسامح بهذا المُستوى – صلى الله تعالى عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً -.
ولندخل في موضوعنا – إخواني وأخواتي -، سنرى في أثناء هذه الحلقة السريعة – ساعة من زمن – أنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – ضرب أبدع وأروع الأمثلة في التسامح العملي، فضلاً عن التسامح النظري والتنظيري، مع كل مُكوِّنات الاجتماع الديني في حياته، أي مع المُشرِكين، عجيب! مع المُشرِكين الوثنيين، أعرب عن قدر كبير من التسامح غير مسبوق، مع اليهود، في المدينة بالذات، مع النصارى، وأيضاً مع المُنافِقين، مع كل هؤلاء كان مُتسامِحاً غاية التسامح، إلى أبعد غايات التسامح – صلى الله تعالى عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً -.
لماذا؟ هناك أساس – إخواني وأخواتي – لهذا التسامح، هذا التسامح لم يكن تسامحاً تكتيكياً ظرفياً – كما قلت لكم – مُؤقَّتاً، لا! كان تسامحاً مُؤسَّساً على مبدأ يا إخواني، على مبدأ! مبدأ كوني، مبدأ ينتمي إلى المقولات الخبرية، لا إلى المقولات الإنشائية القانونية، لا! مبدأ خبري، أعرب عنه – صلى الله تعالى عليه وآله – بقوله فيما يرويه أبو داود وغيره من حديث زيد بن أرقم – رضوان الله عليه -، قال كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول دبر كل صلاة – غريب! أي بعد كل صلاة النبي كان يبتهل بهذا الابتهال، يشهد هذه الشهادة، يُؤكِّد هذه الحقائق – اللهم ربنا ورب كل شيئ، أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك، لا شريك لك، اللهم ربنا ورب كل شيئ، أنا شهيد أن محمداً – عن نفسه طبعاً، لأنه لم يكن نبياً باختياره، وهو لم يصطف نفسه، العناية هي التي استأثرت به واصطفته، صلى الله عليه وسلم – عبدك ورسولك – هذه حقيقة، لا يُمكِن تغييرها -، اللهم ربنا ورب كل شيئ، أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة، عجيب! هذه كلمة من أعجب ما نسمع يا إخواني، أنا شهيد – يقول – أن العباد كلهم – أي مُؤمِنهم وكافرهم، مُشرِكهم، وثنيهم، يهوديهم، نصرانيهم، مجوسيهم، بوذيهم، هندوسيهم، إلى آخره، إلى آخره! حتى مَن لا دين له – إخوة، هل كل هؤلاء إخوة؟ طبعاً إخوة، وكيف لا يكونون إخوة وهم أبناء آدم وحواء؟ هم أبناء وبنات آدم وحواء، النبي قال هذا، والقرآن يقول هذا، نحن كلنا أبناء آدم وحواء، إذن نحن إخوة فعلاً، نحن إخوة حقيقةً، هذه حقيقة خبرية، ليست مسألة إنشائية، نحن لسنا إخوة بحُكم القانون، إنما نحن إخوة بحُكم الخلقة والتكوين، ومن هنا قوله أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة، غريب يا إخواني!
في القرآن الذي أُنزِل عليه – عليه الصلاة وأفضل السلام – في الوالدين وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي ۩، الآية تتحدَّث عن والدين مُشرِكين، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۩، عجيب! أي نحن مأمورون بالإحسان إلى الوالدِين المُشرِكين أو الوالدَين المُشرِكين، حتى مع شركهما، وفي حال شركهما! حفاظاً على ماذا؟ وقياماً وأداءً لحق وواجب ماذا؟ لحق أبوتهما، والشرك هنا لم يقطع هذه الوصلة، هذه الوصلة الخلقية الكونية القدرية، قدره أن أباه وأمه مُشرِكان، أو أحدهما، ربما يكون مُشرِكاً، فلا تُقطَع هذه الوصلة أبداً، يبقى حق الأبوة وحق الأمومة.
ومن هنا يروي البخاري ومُسلِم – رضوان الله تعالى عنهما – في الصحيحين أن أسماء بنت أبي بكر الصدّيق – رضيَ الله تعالى عنهما وأرضاهما – جاءت النبي – عليه السلام -، وقالت له يا رسول الله إن أمي قدمت علىّ مُشرِكة – هي أمها كانت مُشرِكة إلى ذلك الوقت في المدينة، أسماء زوجة الزُبير بن العوام، وإحدى المُهاجِرات طبعاً كما تعرفون، وأمها قدمت من مكة، تزورها في المدينة، وأمها لا تزال على الشرك -، وهي راغبة – ما معنى راغبة؟ أي طامعة في الصلة، طامعة في أن أُعطيها شيئاً من مال، ويبدو أنها مُحتاجة -، أفأصلها؟ أي هل يجوز أن أُعطي أمي مالاً وهي مُشرِكة يا رسول الله؟ فقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – نعم، صلى أمكِ، عجيب! وهي مُشرِكة، نعم، صلي أمكِ، وهذا أين؟ في المدينة، الملحظ يا إخواني هو لو أن هذا كان في مكة لقلنا نعم، هذا في مرحلة الاستضعاف، النبي كان يتوسَّل بهذه الوسائل، ويُحاوِل أن يُمثِّل دور المُتسامِح والمُتساهِل، من أجل ماذا؟ من أجل أن يكفي نفسه وإخوانه وأصحابه شرهم، أن يدفع ضرهم عنه وعن أصحابه، لا! الآن هم في المدينة، وهناك سُلطة – الحمد لله – وسطوة ونجاح وإنجازات سياسية وعسكرية، ومع ذلك يقول نعم، صلي أمكِ، شيئ غريب، لا إله إلا الله، نعم!
ولذلك أيضاً في البخاري ومُسلِم – بهذا الآن نعود إلى المرحلة المكية – من حديث أبي هُريرة لما أُنزِل عليه – عليه الصلاة وأفضل السلام – وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ۩ دعا – عليه الصلاة وأفضل السلام – قريشاً، فعم وخص، خاطب عمومهم، ثم خص منهم أُناساً، ثم خص منهم أقرباء أو قرابات له، حتى وصل إلى فاطمة – عليها السلام -، ابنته وبضعته الزهراء البتول، فعم وخص، فقال يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، في روايات لا أُغني عنكم من الله شيئاً، قال يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مُرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المُطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أن لكم رحماً – هذا موضع الشاهد من الحديث الصحيح – سأبلها ببلالها، قال غير أن لكم رحماً سأبُلها ببلالها، أو سأبَلها ببلالها، ما معنى هذا؟ معنى هذا أن الوصلة بيني وبينكم لن تنقطع، وصلة الرحم هذه، وهذا مذكور في قوله – تبارك وتعالى – في الشورى قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۩، لأنه تقريباً ما من فخذ في قريش إلا ويمت إلى النبي نوع مت، أي هناك صلة قرابة، من قريب، ومن بعيد، كلهم يعودون في الأخير إلى أرومة واحدة، إلى جذر واحد، فما من فخذ منهم إلا يمت إليه بعض مت – عليه الصلاة وأفضل السلام -، هذا بعض الوجوه في تفسير الآية، وهو وجه قوي أيضاً، وهو وجه قوي!
فيقول لهم غير أن لكم – أي مع شرككم – رحماً سأبلها ببلالها، إذا أبيتم إلا أن تظلوا على شرككم، وتستعصموا به والعياذ بالله -، فأنا لن أقطع وصلتكم، لماذا؟ لأن لكم رحماً، والرحم موصولة، غير مقطوعة، الله أكبر! حتى مع اختلاف الدين واختلاف الاعتقاد بين مُوحِّد وبين مُشرِك وثني، قال حتى مع هذا، غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها.
لذلك في نهج النبي وفي مطاره ومساره طار وسار الصحابة والتابعون والناس الراشدون من هذه الأمة يا إخواني، العلماء الواعون والناس الطيبون، فمُجاهِد بن جبر – التابعي الجليل والمُفسِّر العظيم – يأتيه أحدهم، ويقول له يا إمام أو يا شيخ إني لي قريباً، أحد أبناء عمومتي – يقول -، وهو كافر، هذا الرجل كافر – والعياذ بالله -، قد يقول لي أحدكم كيف هو كافر؟ هل هو مُلحِد؟ نعم، ربما هذا الرجل الذي سأل يكون فارسياً – مثلاً – أو مجوسياً وأسلم، وهذا قريبه وبقيَ على المجوسية أو على الثانوية، فطبعاً مُتصوَّر جداً هذا، أي ليس فيه شيئ، ليس فيه أي إشكال، قال ولي عليه مال، أي أنا أقرضته بعض مال، ولي عليه مال، أفأضعه عنه؟ أنا هكذا أُحِب بصراحة أن أُسامِحه فيه، ولكن هو مُشرِك – قال له -، هو ليس مُسلِماً مثلناً، انظر إلى هذا، الإسلام عظيم فعلاً ومُتسامِح، قال أفأضعه عنه؟ هل تعرفون بماذا أجاب التابعي الجليل والمُفسِّر لكتاب الله مُجاهِد بن جبر؟ قال نعم، ضعه عنه، وصله، وأعطه أيضاً بشكل زائد، إذا كنت تقدر على أن تُعطيه أموالاً أُخرى بين الحين والحين فأنا أدعوك إلى هذا، الله أكبر!
هذا هو الإسلام، فما بال أُناس اليوم يا إخواني باسم وتحت يافطة الولاء والبراء يفعلون غير هذا؟ وسَّعوا لنا هذه اليافطة جداً جداً، يُريدون منا أن نصرم علاقاتنا حتى مع آبائنا، مع إخواننا، مع قراباتنا، ومع كذا، باسم الولاء والبراء! ما دخل هذا في هذا؟ شيئ غريب، ليس صحيحاً أبداً، ولذلك قال نعم، ضعه عنه، وصله – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم -.
إخواني وأخواتي:
بلغ من تسامح النبي ما تعرفونه جميعاً، أنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – بعد أن أُصيب في عمه حمزة – عليه السلام، أسد الله – في أُحد وفي أزيد من سبعين من خيرة أصحابه ومُجاهِدي أصحابه – قُتِلوا بغير حق في أُحد كما تعلمون – قيل له يا رسول الله ألا تدعو عليهم؟ ألا تلعنهم؟ العن قريشاً، حتى تحيق بهم لعنة الله وينقطع عنهم رحمات الله – تبارك وتعالى -، فهل لعنهم؟ هل فعل هذا؟ بل قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إني لم أُبعَث لعّاناً، إنما بُعِثت داعياً ورحمةً، قال إنما بُعِثت داعياً ورحمةً! اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعملون، الله أكبر! حتى في أُحد وبعد أن أُصيب في مَن ذكرت لكم, قال أنا لا ألعنهم، لا أدعو عليهم باللعن، بل أدعو لهم بالهداية، إني لم أُبعَث لعّاناً، إنما بُعِثت داعياً ورحمةً، اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون.
أعجب من هذا يا إخواني أو مثله في العجب ما يرويه الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي في السُنن الكُبرى، عن أبي الفغواء الخزاعي، ماذا يقول أبو الفغواء؟ يقول أرسل رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – معي مالاً، وفي بعض الروايات على ما أذكر – قرأت هذا عند محمد بن الحسن تقريباً في الآثار، وهو تَلميذ ألبي حنيفة – أن النبي فعل هذا في السنوات أو في الفترة التي أمحلت فيه قريش، وأُصيبوا بالجهد، ولم يُسقوا الغيث، حتى أكلوا الجلود يا إخواني والعلهز، الجلود المطحونة والمخلوطة بالدم، أكلوها! وكان أحدهم يمشي يتراءى له مثل السواد بين السماء والأرض، واقرأوا هذا في تفسير سورة الدخان، حم ۩ الدخان، قال يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ۩، قيل أيضاً تفسيرها في هذه المرحلة من حياة قريش، مرحلة عصيبة! فالنبي يُرسِل أموالاً، مدداً، مؤونة، مونة، يُرسِل أموالاً مع أبي الفغواء الخزاعي إلى أبي سُفيان بن الحرب، إلى العدو الأكبر، هذا كان هكذا، كان لا يزال العدو الأكبر للإسلام والمُسلِمين والرسول بالذات، سُبحان الله! هذا أبو سُفيان بن حرب، يقول له هذه لأبي سُفيان حتى يُفرِّقها – من أجل أن يُفرِّقها – في الفقراء والمُحتاجين.
فيأتي أبو الفغواء ويُعطي هذا المال ولعله مال طائل كثير لأبي سُفيان، قال مِمَن؟ قال من محمد رسول الله، قال من محمد بن عبد الله لنا نحن ولي أنا بالذات لأُفرِّقه في فقراء قريش ومكة؟ قال نعم، قال انظروا أيها الناس، أي أبو سُفيان فقد صوابه، قال انظروا أيها الناس، مَن أبر مِن هذا وأوصل؟! قال مَن أبر مِن هذا وأوصل؟! نطلب دمه وحياته، وهو يُرسِل إلينا بالصلات، يبرنا بها، الله أكبر! قال نطلب دمه وحياته، وهو يُرسِل إلينا بالصلات – هذه صلات، يصلنا بها – يبرنا بها، صلى الله على مُعلِّم الناس الخير وسلَّم تسليماً كثيراً.
أيضاً يقر – عليه الصلاة وأفضل السلام – حق الجار المُشرِك، وتعلمون هذا، يقول لك جار مُشرِك كافر، هذا له حق، أي حق يا رسول الله؟ هذا فيما يرويه أبو نُعيم في الحلية والبزّار وغيرهم، عن عبد الله بن عمر – رضوان الله تعالى عنهم أجمعين -، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – الجيران ثلاثة: جار له ثلاثة حقوق، وجار له حقان، وجار له حق واحد، وطبعاً تعلمون الذي له ثلاثة حقوق هو الجار المُسلِم القريب، فله حق الإسلام وحق القرابة وحق الجوار، والجار الذي له حقان هو الجار المُسلِم، لكنه غريب، غير قريب هذا، فهذا له حق الإسلام وحق الجوار، وأما الجار الذي له حق واحد فقال المُشرِك، جار لك يكون مُشرِكاً كافراً، فهذا له حق ماذا؟ حق الجوار، عجيب! وجبريل كان يُوصي رسول الله بالجار باستمرار، لم يزل جبريل يُوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيُورِّثه، ما معنى سيُورِّثه؟ أي يُمكِن في الأخير أن يقول لي ماذا؟ الجار له حق في التركة أيضاً، حق في تركة جاره، أي إذا مات أحدنا فربما يكون لجاره حق في التركة أيضاً، النبي ظن هذا، من عِظم حق الجار، فالجار يُحفَظ حقه حتى وإن كان مُشرِكاً.
يا إخواني التأمل فقط في هذه النصوص والله والتفكر فيها بنوع من الصفاء والشفّافية والله يتأكَّد معه تماماً أن هذا الرجل كان نبياً رسولاً، هذا ليس فيلسوفاً أو مُصلِحاً اجتماعياً أو طالباً للسُلطة أبداً أبداً، هذا نبي رسول، أتى بأشياء عجب، لو أن الأمة اهتدت بها والبشرية أيضاً تضوأت بأنوارها لكانت أسعد ما يكون والله، لكن على كل حال هذا ما حصل.
نأتي الآن إلى شيئ – لمحات سريعة، مثل هذه اللمحات – من تسامحه – عليه الصلاة وأفضل السلام – مع اليهود والنصارى، وطبعاً لسنا بحاجة – إخواني وأخواتي – إلى أن نُذكِّر بأن الإسلام حرَّج وأوجب على المُسلِمين وألزمهم بالإيمان بسائر النبيين والمُرسَلين بعد رسول الله، مطلوب منا هذا، والكفر بواحد منهم ككفر بسائرهم، وأنه رفع مقامهم وأعلى مثابتهم وأوجب تجلتهم وتكرمتهم وإجلالهم وتوقيرهم واحترامهم، أنبياء! يُصلى عليهم ويُسلَّم عليهم، لسنا بحاجة إلى أن نُذكِّر بهذا، ولسنا بحاجة إلى أن نُذكِّر بأن الأعظم من بين هؤلاء الأنبياء يا إخواني بعد رسول الله – هذا الأعظم من بين هؤلاء الأنبياء بعد رسول الله – إبراهيم وموسى وعيسى وخامسهم نوح، هؤلاء هم أولو العزم الخمسة من الرُسل، موسى وعيسى لهم اعتبار خاص، معلوم لكم جميعاً، وهو أنهما نبيا ديانتين سماويتين عظيمتين، لهما أتباع اليهودية والنصرانية، الآن الأديان التوحيدية كما يُقال – هو دين في الحقيقة، دين واحد، لكن يُقال هكذا الأديان التوحيدية السماوية – ثلاثة: الإسلام واليهودية والنصرانية، وهذا معروف للكبير والصغير من أبناء المُسلِمين وبناتهم.
فيما يخص موسى مثلاً – عليه الصلاة وأفضل السلام – صح في الحديث المُخرَّج في الصحيحين من حديث أبي هُريرة – رضوان الله عليه – الآتي، يقول استب مُسلِم ويهودي في سوق، في سوق المدينة وقعت مُشكِلة، فاستب المُسلِم واليهودي، فقال المُسلِم لا والذي اصطفى محمداً على العالمين، فرد عليه اليهودي لا والذي اصطفى موسى بن عمران على العالمين، فصكه المُسلِم على وجه، أي ضربه، اغتاظ المُسلِم، كيف تقول إن موسى هو المُصطفى على العالمين؟ المُصطفى على العالمين هو محمد، وليس موسى!
فأخبر اليهودي بها النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، جاء اليهودي يشكو، مُجرَّد مجيء اليهودي إلى رسول الله يشكو – يقول له أنا حلفت وقلت المُصطفى ليس أنا، المُصطفى موسى – يُؤكِّد لكم يا إخواني أن الجو العام في المدينة كان جو تسامح غير مسبوق، أي اليهودي كما نقول بالعامية مالئ يده من رسول الله، يعلم أن النبي لا يُحِب التعصب، يعلم أن النبي لا يُحِب الظلم، ويعلم أن النبي سوف يدين هذا الصحابي الذي صكه على وجهه وسوف يُنكِر عليه، ولذلك جاء بصدر مفتوح وثقة كاملة، يقول له يا أبا القاسم حصل كذا وكذا، وتعرفون أن في رواية في الصحيح: فغضب النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – حتى رُؤيَ في وجهه، أي كل مَن كان يجلس ورأى النبي عرف تماماً أن النبي غضبان الآن، ظهر فيه التغيظ والغضب، وقال لا تُخيِّروني على موسى بن عمران، أنهاكم أن تُصرِحوا بهذا وتقولوا محمد أفضل من موسى بن عمران، لا تُخيِّروني على موسى بن عمران، انتبهوا! والحديث في الصحيحين، في البخاري ومُسلِم، هذا حديث صحيح، وليس قصة موضوعة أو أي كلام، حديث صحيح! فإني أُبعَث يوم القيامة بعد أن يصعق الناس – وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۩، يقول يصعق الناس – فأكون أول مَن يُفيق – النبي يقول هكذا! أنا أرى نفسي أنني أول مَن أفاق من الصعق -، فأرى موسى باطشاً بجانب العرش، أو يقول فإذا موسى باطش بجانب العرش.
تتمة هذا الحديث الجليل بعد الفاصل، فكونوا معنا أحبتي في الله، بارك الله فيكم.
السلام عليكم ورحمة الله، أهلاً وسهلاً بكم من جديد إخواني وأخواتي.
إذن النبي يُخبِر – عليه الصلاة وأفضل السلام – أنه يكون أول مَن يُفيق يوم القيامة من الصعق، فيجد أخاه موسى – عليه الصلاة وأفضل السلام – باطشاً بجانب العرش، وفي رواية بقائمة العرش، النبي يُعلِّق، يقول فلا أدري أفاق قبلي – أفاق من الصعق قبلي – أو كان مِمَن استثنى الله، ونحن تلونا عليكم الآية، ما معنى أو كان مِمَن استثنى الله؟ الله يقول وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۩، استثنى! فلعل موسى استثناه الله – تبارك وتعالى -، لماذا موسى بالذات يُستثنى من الصعق؟ ربما إن ثبت هذا – والنبي لا يقطع هنا – جزاءً بصعقة الطور، فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۩، فلعل الله – تبارك وتعالى – من باب العدل في الميزان كافأه بهذه الصعقة، فلم يصعق يوم يُنفَخ في الصور، والله أعلم! المُهِم النبي يُريد أن يُنهي إلى الصحابة هذا المعنى، لا تُخيِّروني على موسى بن عمران، لا تُفضِّلوني على موسى بن عمران.
وطبعاً لو سُئلنا ما هي عقيدتنا كمُسلِمين؟ لقلنا نحن نعتقد مُطمئنين واثقين أن النبي هو الأفضل من بين خلق الله جميعاً، هو الأفضل يا إخواني، نعتقد بهذا! أفضل البشر جميعاً، ولكنه كان يقول هذا يا إخواني قطعاً لمادة الاختلاف والتنازع بين أهل المِلل، وأيضاً لملحظ آخر دقيق، قد يُغفِل عنه بعض الناس، وهو أن المُفاضَلة بين الأنبياء على هذا النحو وخاصة في وقت النزاع والخصام كما اختصم المُسلِم واليهودي قد ينجر عنها نوع تنقص للنبي المُفضَّل عليه، أي المفضول، يُمكِن أن يُوجَد نوع من التنقص، وهذا لا يجوز، هذه شائبة عظيمة جداً جداً، قد تغمز قناة إيمان الواحد، قد تغمز قناة إيمان المرء منا، فالنبي لاعتبارات شتى مرعية – وهي اعتبارات شريفة وراقية – نهى عن المُفاضَلة والتخيير بينه وبين أنبياء الله، كما نهى أيضاً عن تفضيله على يونس بن متى، وليس يونس – عليه السلام – بمثابة موسى أو عيسى أو الأنبياء المشاهير العظام، ولكن النبي كانت هذه خُطته – عليه الصلاة وأفضل السلام -.
أيضاً – إخواني وأخواتي – من المعلوم لديكم جميعاً وجمعاوات أن النبي – عليه السلام – لما هاجر إلى المدينة وقدمها كتب صحيفة، عند مقدمه – أي في أول إقامته بالمدينة – كتب صحيفة تُسمى صحيفة المدينة أو وثيقة المدينة، بعض العلماء والدارسين لتاريخ الفكر السياسي يعدونها من أوائل الدساتير، من أوائل الدساتير في تاريخ الدنيا وفي تاريخ العالم! دستور يتكوَّن من سبعة وأربعين بنداً، هذا الدستور تشيع بل تشع مظاهر التسامح في جميع فقراته.
مثلاً ورد في بنود هذا الدستور أن اليهود – يهود بني العوف – أمة مع المُؤمِنين، طبعاً ليس من المُؤمِنين، فكيف إذن أمة مع المُؤمِنين؟ هنا الأمة بالمعنى السياسي وبالمعنى المُواطَني، ليست الأمة بالمعنى المِلي وبالمعنى العقدي، وإلا نحن أمة وهم أمة، فهم أمة معنا، ينصروننا ونمنعهم، لكن ما الشرط؟ هل الشرط أن يدخلوا في ديننا؟ ليس كذلك أبداً، هم يهود، ويظلون على يهوديتهم ما شاءوا وكيف شاءوا، بشرط أن يُسالِمونا فلا يُحارِبوننا، أن يُسالِمونا ولا يُحارِبونا، فقط هذا هو الشرط! وماذا بعد؟ إذا وقع عدوان على المدينة اليهود يُشارِكون في النُصرة والمعونة كما يُشارِك المُسلِمون، هذا عدوان على الوطن، انظر إلى هذا، تأسيس للمُواطَنة هذا، تأسيس للمُواطَنة! ثم قالوا لك الإسلام فيه دولة دينية، لا تُوجَد دولة دينية أبداً، ليست دولة ثيوقراطية – من Theocracy -، لا تُوجَد دولة دينية، هذه الدولة فعلاً مدنية، هذه الدولة مدنية، سابقة على الدولة الحديثة، نواة لها، نواة جوهرية لها!
وأيضاً ليس فقط يهود بني العوف، نفس الشيئ ليهود بني ثعلبة، ليهود بني الحارث، ليهود الأوس، وليهود بني ساعدة، كل قبائل اليهود أدخلهم النبي في هذا العهد والميثاق، في صحيفة المدينة أو وثيقة المدينة، غير مظلومين – النبي يقول – ولا مُتناصَر عليهم، غير مظلومين ولا مُتناصَر عليهم!
وأنا أنصح مَن لم يقرأ هذه الوثيقة أو الصحيفة أن يعود إلى قراءتها وأن يتمعَّن فيها، هذه آية من آيات التسامح، وآية أيضاً من آيات السبق، السبق الحكيم إلى إدارة الاجتماع السياسي والاجتماع الديني، سبق إليه سيد العالمين – صلى الله تعالى عليه وآله وأصحابه أجمعين -.
هؤلاء اليهود عاشوا الآن في ذمة المُسلِمين، وبالمُناسَبة من المُهِم جداً أن نُنبِّه وأن نلفت إلى أن هؤلاء اليهود الذين دخلوا في عهد هذه الصحيفة – وهو عهد المُسلِمين طبعاً وعهد رسول الله، وهذا عهد الله ورسوله – لم يكونوا مُلزَمين بدفع جزية، لا تُوجَد جزية، انتبهوا! لا تُوجَد جزية، لأن المدينة لم تُفتَح فتحاً، لم تُفتَح فتحاً وإنما هاجر إليها المُسلِمون هجرةً، وكان حولها يهود يعيشون، وفيها أيضاً بعض يهود يُقيمون، فلا يُوجَد وجه لتدفيع الجزية، وفضلاً عن أن الجزية لم تكن مشروعة وقتها، الجزية شُرِعت في المشهور في السنة التاسعة – في السنة التاسعة، سنة تبوك -، في سورة التوبة، في الآية التاسعة والعشرين، هذا في المشهور، وهناك أقوال أُخر أضعف، طبعاً هي ضعيفة، وهذا القول قوي، لكن على كل حال ظلوا هكذا، لم يُلزَموا في يوم من الأيام بدفع جزية، هم مُواطِنون بلا جزية، لأن لا يُوجَد فتح، لا يُوجَد فتح، ولاعتبار آخر أيضاً.
هؤلاء كانت حُرماتهم مصونة، وحقوقهم مكفولة ومحوطة بضمانات من الله ورسوله، من أعظم هذه الضمانات بل أعظمها مثل هذا النص، قوله – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن قتل رجلاً مِن أهل الذمة لم يجد ريح الجنة – أي يوم القيامة -، وإن ريحها ليُوجَد من مسيرة سبعين عاماً، لا يُوجَد استحلال لدماء أهل الذمة، أن هذا كافر غير مُسلِم أو يهودي أو نصراني، هذا لا يُوجَد! بما أنه يعيش في ذمتنا ممنوع أن تتعدى عليه، قد يقول لي أحدكم هذا القتل، والقتل شيئ فظيع، لا! هناك حديث آخر، النبي يقول ألا مَن ظلم مُعاهَداً أو انتقصه أو كلَّفه فوق طاقته أو أخذ شيئاً من ماله بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة، عجيب! ألا مَن ظلم مُعاهَداً – يُقال مُعاهَد ومُعاهِد، أي بصيغة المفعول والفاعل، وكلاهما صحيحان وفصيحان – أو مُعاهِداً أو انتقصه أو كلَّفه فوق طاقته أو أخذ شيئاً من ماله بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة، ما معنى حجيجه؟ أي خصمه، النبي يكون خصمك يوم القيامة، النبي يكون خصم هذا الظالم، الذي ظلم يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو ذمياً.
قد يقول لي أحدكم هؤلاء هم أهل الذمة، فقط اليهود والنصارى والمجوس، لا! هناك أقوال مُوسَّعة، فالمذهب الحنفي – مثلاً – يرى عقد الذمة لكل الطوائف، غير مُشرِكي العرب، غير وثنيي العرب فقط، المذهب المالكي يرى عقد الذمة لكل الكفّار والمُشرِكين على اختلاف صنوفهم، من غير مُشرِكي قريش ومكة فقط بالاستثناء، حتى لسائر العرب يجوز، المذهب المالكي والمذهب الحنفي أوسع المذاهب، أضيق منهما المذهب الشافعي والمذهب الحنبلي والظاهري، فأهل الذمة وفقاً للحنفية ووفقاً للمالكية الآن يُمكِن أن يكونوا من جميع المِلل والنِحل، ليس فقط من يهود ونصارى ومجوس، بل ومن بوذيين ومن هندوس ومن ملاحدة ومن لا دينيين، ومن وثنيين ومن ثانويين، كله! هذا الذمي ممنوع أن تدوس له على طرف، ممنوع أن تظلمه، ممنوع أن تتغوَّل شيئاً من حقه، وإلا النبي يقول أنا خصمك يوم القيامة.
تعرفون، مثل هذه النصوص يا إخواني، مثل هذه النصوص التي يُعيرها بعض المُسلِمين للأسف اهتماماً – بعض المُتطرِّفين المُتنطِّعين من المُسلِمين لا يُعيرونها اهتماماً – علَّق عليها المُفكِّر اللبناني الكبير وهو نصراني جورج قرم ، جورج قرم في رسالته للدكتوراة في السوربون Sorbonne – أعتقد في أواسط الستينيات، عنوانها تعدد الأديان وأنظمة الحُكم – كتب يقول الآتي، في هذه الرسالة ماذا كتب يقول؟ كتب يقول وقد حالت النصوص الإسلامية (الآيات القرآنية والأحاديث النبوية) دون إتاحة هامش مُتسِع للتأويل – نصوص واضحة! من الصعب أن تُؤوِّلها، من الصعب أن تُؤوِّل الآيات والأحاديث – بطريقة تسمح لك أن تنتهك حُرمة الذميين، مُستحيل! من الصعب – يقول جورج قرم – هذا، لا يُمكِن هذا أبداً، حالت دون ذلك، لا يُوجَد هامش، لم تُتِح هامشاً واسعاً للتفسير والتأويل، يقول قرم كما فعل النصارى في أوروبا في العصور الوسطى، حين أوَّلوا دينهم وكتابهم بطريقة سمحت بقتل وذبح الألوف، استباحة مَن يُسمى بالهراطقة والكفّار الخارجين عن الصراط المُستقيم.
أحد المُؤرِّخين الإنجليز ادّعى الآتيـ وفي الحقيقة أنا لابد أن أتأكَّد من هذا بنفسي وأعود وأرى بيّنات هذا المُؤرِّخ، لأنه في القرن التاسع عشر، ادّعى هذا الرجل أن النصرانية الأوروبية أو النصرانية بشكل عام – كما قال هو في الحقيقة – تسببت في ذبح خمسين مليوناً من بني البشر، يقول تسبَّبت في ذبح خمسين مليوناً من بني البشر – يقول من بني البشر، من العائلة البشرية -، يقول ضحايا الحروب والتعصب الديني النصراني – هذا المُؤرِّخ الإنجليزي يقول هذا – خمسون مليوناً، شيئ مُرعِب! لم يكد يُسمَع بمثله.
المُهِم جورج قرم يقول لا، الوضع في الإسلام مُختلِف تماماً، النصوص مُحدَّدة وواضحة، محمد يقول لك أنا خصمك يوم القيامة، حين تظلم أي ذمي، تتغوَّل حقه، تدوس له على طرف، تُكلِّفه ما لا يطيق، أنا خصمك، أنا الذي سأكون خصمك يوم القيامة، عجيب! عجيب جداً، صلى الله تعالى عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
النبي يا إخواني كان يسمح أحياناً لمَن يُريد من اليهود بن يُشارِكوا في الغزوات، يسمح أحياناً لليهود أن يُشارِكوا معه حتى في الغزوات، لماذا؟ لأنهم مُواطِنون، أنت مُواطِن في الدولة، هل تُحِب أن تُدافِع عنها؟ هل تُحِب أن تمشي في ركابنا؟ أهلاً وسهلاً، ويُسهِم لهم من الغنيمة، مثل المُسلِمين! يُعطيهم سهمهم في الغنائم، شيئ غريب! ومن ذلك قصة يهودي مشهور جداً اسمه مُخيريق، اسمه مُخيريق! يتحدَّث عنه ابن إسحاق، يقول مُخيريق هذا كان يُعرَف بالحبر، هو عالم من علمائهم، من علماء اليهود، ويُعرَف بالأموال الكثيرة، خاصة النخل، له بساتين نخل كثيرة، فيها ربما المئات أو الألوف من أشجار النخيل، إذن يُعرَف بالعلم ويُعرَف بالمال الكثير، وخاصة النخل في المدينة المُنوَّرة أو حولها، وكان الرجل غلب عليه إلف دينه، أي مُتمسِّك بدينه، يُحِب دينه، وظل يهودياً على ما يبدو، وعلى كل حال نقول بين قوسين (اختُلِف في إسلامه كما قال الحافظ ابن حجر، أي لا يُوجَد قطع بأنه أسلم الرجل، هناك قول يقول لا، هو أسلم، ومات مُسلِماً شهيداً، وهناك قول يقول لا، الرجل مات على يهوديته).
فلما كانت أُحد – معركة أُحد – انبعث هذا الرجل وحده أو الله – عز وجل – حرَّكه وحفزه، سُبحان الله! وخاطب يهوداً، قال لهم يا معشر يهود والله إنكم لتعلمون أن حقاً عليكم نُصرة أبي القاسم، أنتم تعرفون أن هذا الرجل نبي، وتعرفون أنه رسول، وكان يعرف النبي بالصفة، يقول ابن إسحاق مُخيريق كان يعرف النبي بالصفة، عارف أن هذا نبي، لكن غلب عليه إلف دينه، يُحِب دينه هو، ولكنه يعرف أن هذا نبي ورسول وهو المُبشَّر به في التوراة وفي الإنجيل أيضاً، فقال لهم أنتم تعرفون يا يهود أن نُصرة أبا القاسم حق عليكم، فقالوا اليوم سبت، وعلى فكرة معركة أُحد أول أيامها كان في السبت، قالوا اليوم سبت، قال لهم لا سبت لكم، سبت ماذا؟ وكلام فارغ ماذا؟ قال لهم، هذا نبي ولابد أن يُنصَر.
ثم حمل الرجل سلاحه ولبس عُدة الحرب ولأمته، وخرج يُقاتِل مع المُسلِمين، وعهد إلى ذويه – إلى أهله أو أقربائه -، وقال لهم إن أنا قُتِلت في هذه المعركة فأموالي كلها لمحمد أبي القاسم، يضعها حيث شاء، وصى بها لرسول الله، وقاتل مُخيريق واستُشهِد أو قُتِل في أُحد، قُتِل في أُحد! فإن كان أسلم فعليه الرضوان والرحمة، وعلى كل حال أمره إلى الله، وقال النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – مُعلِّقاً مُخيريق خير يهود، وقبض النبي أمواله بحسب وصيته ووفق وصيته، يقول العلّامة محمد بن إسحاق صاحب السيرة فعامة أموال النبي من أموال مُخيريق، أي عامة صدقات رسول الله، عامة صدقات رسول الله هي من أموال مُخيريق خير يهود.
الإمام الخطيب البغدادي – صاحب تاريخ مدينة السلام أو بغداد – يروي الآتي، هذا العلّامة الجليل – أي الخطيب البغدادي – يروي في تاريخه (تاريخ بغداد) من حديث أبي هُريرة – رضوان الله عليه – أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – سمح لقوم من يهود أن يُقاتِلوا معه في بعض غزواته، قالوا نُقاتِل معك يا محمد، فسمح لهم النبي، يقول أبو هُريرة ثم أسهم لهم، ثم أسهم لهم! أي ضرب لهم بسهم في الغنيمة، شيئ غريب، النبي كان يفعل هذا.
أعجب من هذا ما يرويه العلّامة الإمام اللُغوي والحافظ والمُحدِّث الكبير أبو عُبيد القاسم بن سلام في كتابه الأموال، ويرويه أيضاً حُميد بن زنجويه في كتابه الأموال، عن سعيد بن المُسيب، ماذا روى؟ وطبعاً هذا مُرسَل، واضح أنه مُرسَل هذا، ليس مُتصِلاً، يقول هذا التابعي الجليل – أي سعيد بن المُسيب – عن يهود بالمدينة إن هناك أبياتاً مُعيَّنةً معروفة من اليهود، كان النبي يُجري عليهم صدقة، أي يتصدَّق عليهم بشكل دوري، صدقة مُعيَّنة النبي رتَّبها لهؤلاء اليهود، يا سلام! انظر إلى هذا، انظر إليه، هذا الرسول – عليه السلام -، يقول سعيد بن المُسيب فهي تُجرى عليهم اليوم، يبدو بعد وفاة رسول الله أيضاً الخُلفاء حرصوا على أن يفعلوا مثلما فعل رسول الله، أن يُواصِلوا صدقات رسول الله على هؤلاء اليهود، فهي تُجرى عليهم اليوم، شيئ غريب!
النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – يا إخواني في حديث أنس – وهو حديث مُخرَّج في صحيح البخاري – رُويَ عنه الآتي، يقول إن غُلاماً يهودياً كان يخدم رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – فمرض، فذهب النبي يعوده، انظر إلى هذا، يُوجَد تواضع أصلاً، ليس تسامحاً فقط أيضاً، ويُوجَد تواضع، هذا غُلام، أي ولد صغيره، ربما عمره ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة، والنبي يذهب إلى بيته يزوره ويعوده، أي زيارة المريض، ومات الغُلام بعد أن شهد شهادة الحق، سُبحان الله! وأنتم تعرفون القصة طبعاً، لماء جاءه النبي وجد أنه يُحتضَر، فقال له يا غُلام قل أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فجعل الغُلام في رواية أوسع من هذه ينظر إلى أبيه، أي أنت ما رأيك؟ هل أقول مثلما يقول محمد؟ فقال له أبوه – وأبوه يعرف أن هذا نبي، يعرف! هم يعرفون هذا – يا بُني أطع أبا القاسم، فقالها الغُلام ومات عليها، والنبي فرح جداً، قال الحمد لله الذي استنقذه بي من النار، دخل الجنة – رضوان الله تعالى عليه -، انظر إلى هذا، تواضع وسماحة وعظمة!
قصة الجِنازة يا إخواني نحكيها حتى بطولها، الحديث مُخرَّج في الصحيحين، في البخاري ومُسلِم، من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى – التابعي الجليل -، يقول كان سهل بن حُنيف وقيس بن سعد قاعدين – أي جالسين – بالقادسية، بعد أن فُتِحت القادسية، أي في خلافة عمر، هذا في خلافة عمر – رضوان الله عليهم أجمعين -، فمُر عليهما بجِنازة، وهم قاعدون كان هناك أُناس يحملون جِنازة ويمشون، فقاما، انظروا إلى احترام الموت يا إخواني، احترام الموت! ونحن اليوم نحتاج أن نتعلَّم احترام الحياة التي نُهدِرها بلا سبب، بفتاوى من هنا وهناك نُفجِّر ونقتل ونذبح وكذا، الحياة حتى لا نعلم لها قدسية للأسف الشديد، انظروا إلى الصحابة، تَلاميذ محمد، هذا الدين العظيم الواثق القوي المُتسامِح، يحترمون حتى الموت، الموت له مهابة، الموت له جلالة، وهذه جُنِازة، لم يسألا جِنازة مَن؟ قاما بغض النظر هذا كافر أو مُسلِم أو يهودي أو نصراني، بغض النظر عن هذا احتراما الموت، فقاما لها، فقيل لهما يا صاحبي رسول الله إنها جِنازة لأهل الأرض، ما معنى لأهل الأرض؟ للمجوس، هذه جِنازة لذمي مجوسي، أهل الأرض هؤلاء كانوا مجوساً، الناس في القادسية كانوا مجوساً، فقالا وإن، لقد رأينا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – ومُر عليه بجِنازة فوقف لها، فقيل يا رسول الله إنها جِنازة يهودي، هذا يهودي! فقال أليست نفساً؟! الله أكبر، توقير الإنسانية، توقير الآدمية، وأيضاً إجلال الموت، ساعة الموت هذه، ساعة الحق! قال أليست نفسا؟! ومن رسول الله تعلَّم الصحابة، انظروا إلى هذا، رأينا مَن؟ سهل بن حُنيف وقيس بن سعد – رضوان الله تعالى عليهم وأرضاهم أجمعين -.
أيضاً من العجيب الذي ربما لا تسمعونه كثيراً يا إخواني ما يرويه الإمام مالك بن أنس في الموطأ، يروي هذا الإمام الجليل عن عمرة بنت عبد الرحمن – رحمها الله تعالى – أن أبا بكر الصدّيق دخل على ابنته أم المُؤمِنين عائشة – رضوان الله تعالى عليها – وهي تشتكي، مألومة موجوعة، وعندها يهودية ترقيها، رُقية! عجيب، هل هذه مُسلِمة؟ لا، يهودية، ترقيها بكلام إلهي، وهذه أديان – كما قلنا -، وتعرفون أن هذه أديان توحيدية في الأصل يا إخواني، طرقها تحريف وكذا، ولكن هي في الأصل أديان توحيدية، والتوراة كتاب فيه بنص كتاب الله هدى ونور، فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۩، وهو كتاب هداية، قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۩ في القصص، وهكذا! يهودية ترقي عائشة، شيئ غريب، وأبو بكر لم يُنكِر، وكيف يُنكِر أصلاً؟ هي – أي عائشة – عالمة كبيرة، تعرف حد الحلال من حد الحرام، نعم!
وقد روى أيضاً أبو داود في سُننه أن زينب زوجة عبد الله بن مسعود – رضيَ الله تعالى عنهما – قالت كانت عيني تقذف – أي تقذف القذاة، تقذف بالقذاة -، وكنت أختلف إلى يهودي – شيخ يهودي كبير في السن يرقيها -، فإذا رقاني سكنت، عجيب! يهودي يرقي صحابية جليلة وزوجة صحابي جليل، ويهودية ترقي أم المُؤمِنين زوج رسول الله عائشة.
ولذلك روى البيهقي يا إخواني بإسناده الصحيح الآتي، الإمام البيهقي بإسناد صحيح روى عن الربيع بن سُليمان – هذا تَلميذ الإمام الشافعي، والربيع مصري كما تعلمون -، قال سألت أبا عبد الله الشافعي أيرقي أهل الكتاب المُسلِمين؟ أي هل يجوز لأهل الكتاب أن يرقونا نحن المُسلِمين أم هذا غير جائز؟ هذه هي المسألة! فقال نعم، إذا رقوا بما يُعرَف من كتاب الله، ويقصد بكتاب الله ماذا الآن طبعاً؟ التوراة والإنجيل، إذا رقوا بأشياء أو بجُمل أو بأدعية أو بآيات من كتاب الله – من التوراة أو الإنجيل – معروفة، ما معنى معروفة؟ أي غير مُنكَرة، لا نُنكِرها، لا يُمكِن أن يرقونا بآيات فيها شيئ يُنكَر من جهة الاعتقاد، إذا رقوا بأشياء وبمعانٍ عقدية مقبولة – قال الإمام الشافعي – فلا بأس، قال نعم، إذا رقوا بما يُعرَف من كتاب الله.
أيضاً من مظاهر تسامحه – عليه الصلاة وأفضل السلام – مع اليهود ما حدث حين فتح خيبر، وهو فتحها كما تعلمون بقتال وحرب، ثم وقع الصلح، ثم وقع الصلح على ما وقع عليه مما هو مُدوَّن مُفصَّل في كُتب السيرة والحديث، جمع الصحابة المغانم، وكان من ضمن ما جمعوا مصاحف – أي كُتب مُجلَّدة – فيها التوراة، مصاحف فيها التوراة! أي صُحف التوراة، فجاء اليهود يطلبونها، يُريدون إياها، هذا كتابهم المُقدَّس! وكُلِّم فيها رسول الله، لا ندري هل كلَّموه مُباشَرةً أو وسَّطوا مَن يُكلِّمه؟ ويبدو أنهم وسَّطوا، ولذلك قال الراوي وكُلِّم فيها رسول الله، فيبدو أنهم وسَّطوا – أي هذه واسطة – مَن يتكلَّم في هذه المسألة عند رسول الله، وكُلِّم فيها رسول الله، فأمر – عليه الصلاة وأفضل السلام – مُناديه أن يُنادي أن أدوا الخيط والمخيط، أن أدوا الخيط والمخيط! في بعض الكُتب والروايات أن هذه المصاحف دُفِعت إليهم، إذن بأمر رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، نعم!
طبعاً للأسف بقيَ لدينا ربما أقل من ثلاث دقائق، لابد أن نتجاوز سريعاً، وبقيت أشياء من تسامحه مع اليهود، لكن نأتي الآن إلى تسامحه مع النصارى، مظاهر من تسامحه مع النصارى – عليه الصلاة وأفضل السلام -.
طبعاً في الحديث الصحيح – المُخرَّج في الصحيحين، من حديث أبي هُريرة، رضوان الله عنهم أجمعين – قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – أنا أولى الناس بابن مريم، يقول عيسى بن مريم أنا أولى الناس به، أنا أولى الناس به! لماذا؟ قال ليس بيني وبينه نبي، لا يُوجَد نبي تخللنا، أي تخلل الفترة بيننا، قال أنا أولى الناس بابن مريم، ليس بيني وبينه نبي، والأنبياء إخوة، يقول نحن الأنبياء جميعاً إخوة، نحن كلنا إخوة، والأنبياء إخوة، أبناء علات، والعلات هن الضرائر، جمع الضرة، أبناء علات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد، يقول الشرائع مُختلِفة، الأمهات هنا كنى بها عن ماذا؟ عن الشرائع، يقول شرائعنا مُختلِفة، هذا صحيح، ما يكون هنا حلالاً يكون هناك حراماً، والعكس! هذه شرائع، لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۩، الشرائع مُختلِفة، أي الأمهات، يقول ودينهم واحد، ما هو الدين؟ لا إله إلا الله، هذا هو! الإيمان بالله واليوم الآخر، توحيد الله، إسلام الوجه لله، وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله ۩، فهذا هو، هذا هو الإسلام، دين الأنبياء جميعاً، يقول أمهاتهم شتى، شرائعهم شتى أي مُختلِفة، ودينهم واحد.
من العجيب يا إخواني واللطيف أن الإمام الأزرقي صاحب الكتاب الكبير المشهور تاريخ مكة يروي في تاريخ مكة أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – يوم فتح مكة – في يوم الفتح – دخل البيت – دخل في جوف البيت المُكرَّم – فدعا بثوب، النبي دعا بثوب، أي خِرقة أو ثوب، فبله بماء، وجعل يمسح التصاوير، تُوجَد تصاوير، تصاوير آلهة ربما أو تصاوير لما لا أعرف، أشياء في جوف الكعبة، النبي جعل يطمسها ويمسحها، ووضع كفيه الشريفين – عليه الصلاة وأفضل السلام – على صورة عيسى وأمه، تُوجَد صورة مُصوَّرة لعيسى في حجر أمه وهو صغير، النبي وضع كفه على الصورة، لئلا تُطمَس، لئلا تُمحى، شيئ غريب! وأمر بمحو كل أو سائر الصور، إلا ما تحت يده – عليه الصلاة وأفضل السلام -.
تعرفون الإمام الذهبي – إخواني وأخواتي -، المُؤرِّخ الكبير والمُحدِّث الجليل والحافظ، حافظ الإسلام، الإمام شمس الدين الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام يذكر عن عطاء بن أبي رباح أنه سُئل هل أدركت تمثال مريم وعيسى – ولعل المقصود الصورة إذن – في جوف البيت؟ قال نعم، أدركت هذا، ووصفه بين السواري، أي في سارية بالضبط وعند أي عمود، أدرك هذا، بأمر من رسول الله لا تُمحى صورة عيسى وأمه مريم – عليهما السلام -، قال أدركت هذا، فقيل له فمتى هلك؟ أي هذا التمثال أو هذه الصورة متى زالت؟ قال في حريق البيت أيام ابن الزُبير، أيام ابن الزُبير والحجّاج.
للأسف أدركني الوقت، لم نُكمِل الحديث في التسامح مع النصارى والتسامح مع المُنافِقين، لكن المظان موجودة لمَن شاء منكم أن يتوسَّع.
إلى أن ألقاكم أحبتي في الله في حلقة أُخرى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أضف تعليق