يعلق الخطاب التنويري بعض الجوانب من أسباب التخلف الاجتماعي على المعطيات الفكرية التي جاءت بها الصحوة في الثمانينات، عندما قدمت أدبياتها كنوع من أنواع الضبط الاجتماعي، حينها وضعت قواعد السلوك وفرضت نمطا من النظام الذي بقي جاثما لعقود على الفكر العام ولا زالت رواسبها تؤخذ كمعامل لتحريك الانفعالات الاجتماعية من حيث تقبل الأفكار الجديدة ورفضها أو التطرف ضد الآخر، وقد كان أخطر ما جاء من مخرجاتها التي شهدناها ولا يستطيع حتى أتباعها إنكار وجوده؛ خطر «الوقوع في التكفير» الذي جنت بعض المجتمعات العربية ويلاته ولا زالت تعاني منه حتى الآن، فيما أن التعافي من عواقبها ليس سهلا، ولن يحدث إلا بعد عقود من التحرر الفكري والنفسي.
نجد أن أصحاب الاعتدال المؤقت يحبون أن تدور الدوائر حولهم لا عليهم، يتقاطعون مع أدبيات التطرف في النواحي التي لا تضرهم ولكنه لا يؤسفهم إذا ضرت غيرهم، يواكبون كل موجة تسجل شعاراتها بما يهم مصلحة المجتمع، ويضعون أنفسهم فيها كمعنيين، ثم يتجاهلون ولا يعترفون أن بعض أصناف الإرهاب الذي يمارس اليوم كان أحد الأطباق المحضرة في مطابخهم لسنوات، ونجد أن التعصب والانحياز المتمثل في الفكر الفردي اليوم لا يقوم إلا على ضد الآخر وكراهيته ورفضه، يتجاهلون أنهم وجدوا من عاطفة الناس ودينهم منفذا سهلا إلى قيادة العقل الاجتماعي وتنظيم سلوكه، فهم من ربى المجتمع، هذا ليس اتهاما بقدر ما هو تعريف بحجم المسؤولية.
نطرح الكثير من الأسئلة ثم يعجزون عن إقناعنا بالإجابة عنها، حاصروا المجتمع بالتحريم والخوف الذي أنتج لنا أفرادا غير مسؤولين عن تصرفاتهم، أنتجوا أجيالا تقدسهم كأوثان، تستميت في الدفاع عنهم ولا تتبعهم في الوقت ذاته، أرادوا للناس البقاء تحت مظلتهم حتى ولو خسر المجتمع حريته في دينه وطريقة فهمه، رفضوا بتطرفهم كل من يختلف عنهم، خالفوا بذلك دين الله الذي يمتطونه.
حينما ارتبط مفهوم التدين بالخوف والرعب، كان العنف منفذا لترجمته ومواجهته في حاجات السلوك الإنساني، فكان لا بد لنا من صحوة حقيقية كالتي يقدمها الثنائي أحمد العرفج وعدنان إبراهيم، تخاطب العقل وتحترمه وتحرره وتعطيه حق الاختيار، لا تسجن الإنسان في عاطفته وتطوقه بالمخاوف والهلع لتسلبه طاقته وقدراته.
صحيح أن زمن الصحوة في نهاياته، ولكن الناس في حاجة للبدائل وليس الاجترار والتكرار، والصحوة من «ظلامية الصحوة» وأساليبها الوصولية تقتضي إيقاظ المجتمعات، وألا نتعامل بمعطيات عاطفية هزيلة وعديمة الجدوى لنعالج مخرجاتها اليوم بنفس عقلية الاتجاه الواحد التي أنتجتها بالأمس، بل إن المسؤولية الحقيقية في التنازل عن ذلك الموقف إقرارا واعترافا بحجم أخطائه، وفتح أبواب الحوار بدلا من الاتهام بالضلال، لأن المرحلة حرجة وتتطلب التصحيح لقبول رأي متعدد يساعد المجتمعات على أن تنسج الأصلح لها من نفسها، ذلك أفضل من التمسك بالمواقف والمكابرة.
أضف تعليق