بداية .. أكتب وأنا أعتصر ألما وقد قاربنا على الشهر منذ انتقل الصديق حسن الحارثي لجوار ربه -رحمه الله- أحد معدي برنامج صحوة ، حين رحل واقفا كالنخل وهو يقدم ثمار اﻷمل ﻷمة كان يأمل أن يرى صحوتها تعانق السماء كما سطعت في يقينه وهو يناضل ليخرج هذا اﻷمل إلى النور .
لقد تأخرت في كتابة هذا التأبين ، ولكني لم أرد أن يكون مقالا تأبينيا .. فتأبين اﻷصدقاء لا يكون بالحبر ، بل بالدموع والشعر والذكرى المؤججة . ولكن في الحقيقة تأخرت في الكتابة عن ( صحوة ) حتى أرصد ردود أفعال الجمهور على البرنامج الديني اﻷكثر جدلا من بين جميع البرامج الرمضانية الشهية هذا العام .
لقد قدم الدكتور عدنان إبراهيم وكذلك مقدم البرنامج الدكتور أحمد العرفج ما يشعل الجدل ﻷشهر قادمة بإثارتهما للكثير من القضايا التي بات العقل الاجتماعي يتطلع إلى سماع لغة وتصورات أخرى تواكب الانقلابات الحادة التي حصلت في واقع المجتمعات المعاصرة . جزء كبير من هذا الجدل هو تعطش جماهيري للتجديد ، للتصحيح ، ﻹحداث مؤاءمة حقيقية بين ثوابت إيمانية وبين واقع زمني جديد ، لم تكن الخطابات الدينية التقليدية تلقي بالا لهذا الواقع ولا حتى الاعتراف به .
لقد كان البرنامج بمثابة الفاتحة التي أوقدت مساءلة حقبة الرأي الواحد والمرجعية الواحدة . فعليا حصل البرنامج على صخب جماهيري تمثل فيما حصل من نقاشات ساخنة للكثير من القضايا التي ألفت الجماهير بشأنها صيغة فقهية أو وعظية واحدة ، فجاء البرنامج بما يشبه الفعل اﻹيقاظي للكثير من الناس ، ومن هنا صدق حدس المرحوم حسن الحارثي رحمه الله في إحداث تلك الصحوة وذلك اﻹيقاظ حين اقترح تسمية البرنامج ، لكن القدر لا يمهل دائما لتحقيق اﻵمال .
الصحوة الحقيقية هي تلك التي تساعد اﻹنسان في فهم ذاته وفهم واقعه والتصالح مع الذات ومع الواقع ، وتجعل الذهن مهيأ تماما لتقبل تلك الذات وذلك الواقع كما هما دون ازدواجية أو نفاق أو مواربات لفظية تستثمر في مزايدات الهوية والدين للتغطية على دمار نفسي وأخلاقي مضمر .
اﻹيقاظ الحقيقي والصحوة الحقيقية تتمثل في اكتشاف المجتمع لعيوبه والاعتراف بها ، ومن ثم العمل على تصحيحها ومقاومة تبدياتها . تلك العيوب التي تخلصت منها الكثير من المجتمعات التي فهمت سر البقاء والنهضة فوثبت . وهذا ما كانت تضرب عليه استراتيجية البرنامج الذي اعتمد على ركنين متألقين : الضيف والمقدم ، إلى جوار عدة عناصر أخرى تتعلق بالموضوعات والضيوف المتداخلين .
ولابد من أن البرنامج لن يعجب الكثيرين ، وهذا حق متاح لهم ، ولكن يجب أن يكون عدم اﻹعجاب وفق مبررات علمية ومعرفية ، كما هي مادة البرنامج علمية ومعرفية ، لكن ما شاهدناه من خصومة هبطت عن مستوى العلمية والموضوعية إلى مستويات تشغيبية ستفتح الباب واسعا ﻷسئلة الوسطية المزعومة ، وأين هذه الوسطية التي تثار كشعار براق كلما حصل عمل إرهابي في مكان ما ؟ وما محددات تلك الوسطية ؟ وهل هي مشروطة ؟
إن ما أحدثه البرنامج سيكون مثمرا للذهنية الاجتماعية التي بدأت مؤخرا تتطلع لخطاب جديد يتصالح مع ما حوله من أشياء ، ويحاول أن يجد ما يجيب عن أسئلته الجادة ، والتي من أهمها : كيف يمكن أن نقنع العالم بهذا الدين ؟؟
أضف تعليق