إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِوَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، و أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ :
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ۩ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ۩ ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ۩ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ ۩ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ۩ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ۩ نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ۩ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۩ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ۩ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
ما الذي ينتظره الناس من المُتدين؟!
هل ينتظرون منه أن يكون مسعر حرب يُورِث نيران الأحقاد ويُشعِل الحروب هنا وهناك؟!
بديهٌ أن لا، لأن لهذه المُهِمة رجالها والذين هم في مُعظم الأحوال بُعداء أو بعيدون من الإنسانية والرحمة والشفقة وأصحاب مصالح ومطامح ومطامع صغيرة تخدمهم هم أنفسهم وربما نطاقاً آخر يُحيط بهم، لا يُمكِن أن ينتظر الناس من عالم الدين أو من المُتدين أن يكون قائد حرب، فهو لا يصلح أن يكون قائد حرب، والحرب لها مَن يقودها.
هل ينتظرون منه أن يكون هجّاءً، سلّباً للأعراض، أكّلاً للحوم الناس؟!
الهجو يُحسِنه الشعراء، الشعراء يبلغون في هذا ما لا يبلغه عالم دين أياً كان هذا العالم، وهؤلاء الشعراء مذمومون في كتاب الله وعلى لسان رسول الله – صلى الله عليه وآله ولم تسليماً كثيراً -، فهذا غرضٌ خسيس لا يليق بالمُتدين.
هل ينتظرون منه أن يكون ساعياً بالقطيعة – بقطع مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ۩ – بين عباد الله في الشعب الواحد، في الوطن الواحد، في الأمة الواحدة، في الجماعة، في القبيل من الناس؟!
مُحال، هذا عملُ الشياطين، هذا عملُ شياطين الأنس والجن.
بديهٌ أن الناس إذا ذُكِرَ المُتدين لاسيما إذا كان عالماً في الدين أنهم لا ينتظرون ولا يتوقعون إلا اللطف والرقة واللين والرحمة والوصلة، لا ينتظرون إلا كل معنىً نبيلاً وهدفاً سامياً وغايةً محمودة، هذا الذي يُناط بالدين وهذا الذي يُناط بأهل الدين، لكن ما بالنا – بالله عليكم وعليكن – صرنا نرى في هذه الأيام أنفاراً – ونرجو ونُؤمِّل أن يكونوا أنفاراً، مُجرَّد أنفار – مِمَن يتصدرون للعمل الدعوي وللعمل العام يتلبَّسون بتلكم الأدوار المذمومة بالضبط وبالذات، صيَّروا من أنفسهم دعاة حروب ودعاة فتن طائفية تتذابح فيها الأمة، تحترب فيها الأمة المحروبة والمُتآمَر عليها؟!
أيها الإخوة نحن لا نحتاج مزيداً من هذا لأن لدينا ما يكفي وزيادة، هذه الأمة لديها ما يكفي وزيادة من هذا، وهى من الواضح لكل ذي بصر أنها موعودة الآن مع مزيد من الاحتراب والتقسم والتشرذم والتجزئة والتقطيع، وهذا واضح جداً لكل مَن له بصر، فما بال هؤلاء الدعاة والمُسمَين بالعلماء والشيوخ يخبون ويخضعون في هذه السبيل؟!
هل يحتاجهم الدين؟!
هل تحتاجهم الأمة في هذا أو في هذه السبيل؟!
كلا والله، لقد صاروا لعنةً وشؤماً على دينهم أولاً وعلى أمتهم ثانياً، يُوشِك أن يخرج – وإنه ليخرج للأسف الشديد، من أسفٍ وجيعٍ شديد – الآن أناسٌ من دين الله بتأثير أمثال هاته السلوكات وهم يقولون: ما حاجتنا إلى هذا الدين؟!
أصبح هذا الدين لعنة علينا، فالدين الذي يلعب هذا الدور لا نُريده، ما حاجتنا به؟!
أي أنهم أصبحوا فتنة، لا نقول فتنة للذين كفروا بل للذين آمنوا، أصبحوا فتنة للمُؤمِنين، يُخرِجونهم رغماً عنهم بمسالكهم المقبوحة المرذولة والمظنونة المطعونة من دين الله تبارك وتعالى.
ربنا لا تجعلنا فتنة لا لمُؤمِنٍ ولا لكافر، واغفر لنا ربنا. اللهم آمين.
نرى أنفاراً من هؤلاء بإسم الدعوة وبإسم الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر يسلبون أعراض الناس، يسبون الناس سباً وقاحاً، يتنزه رجل الشارع الإنسان العادي العامي عن أن يُجري مثل هاتكم الألفاظ على لسانه لأنها من الفحش والبذاء الوقاح، ” لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا بِلَعَّانٍ، وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ ” كما في حديث عبد الله بن مسعود المرفوع والمشهور، وهو حديث تعرفه العامة كالخاصة، فالمُؤمِن لا يكون طعّاناً ولا لعّاناً ولا فاحشاً ولا بذيئاً، فما بال الفحش تحالف مع هؤلاء؟!
كلامٌ فحش في الشبكة العنكبوتية، في التلفزيون Television، في الجرائد، في المجالس الخاصة والعامة، ومن هنا المرء يجد نفسه ملزوزاً أن يتساءل: إذا كان هذا مبلغ هؤلاء من الفحش وهم يتكلَّمون في وسائل الإعلام العمومية التي يُتابِعها الملايين من البشر بهذه الطريقة فما هو – بالله عليكم – مُستواهم إذا خلوا بأحبابهم وتلاميذهم وأعضاء دوائرهم الضيقة؟!
كيف تكون ألسنتهم؟!
كيف تكون تعبيراتهم إذا خلوا بمعارفهم إذا كان على التلفزيون Television هذا منطقهم، فيقعون في أعراض النساء والرجال، حيث يُوجَد سب وسلب وفحش وبذاء وقح جداً ومُخيف؟!
نحن المسلمين نُرعَّب حين نستمع إلى أمثال هؤلاء، فما بال غير المسلمين؟!
ما بال غير المُلتزمين؟!
ما بال الذين لا دراية لهم بكتاب الله وسُنة رسوله وهدي الصالحين في هذه الأمة المرحومة؟!
ما بال هؤلاء؟!
نحن نُرعَب وتقشعر أبداننا من هذا المُستوى الهابط المُنحَط جداً الذي لا يليق بعامي فضلاً عن داعية وعالم وشيخ، تماماً كما تساءلنا واضطررنا أن نتساءل بمُناسَبة قتل أحد الدُعاة لابنته الصغيرة – بُنيته الصغيرة – بنت الخمس سنوات: وكيف قتلها؟!
لم يقتلها بضربة خاطئة، بل قتلها تشفياً وتعذيباً بالنار، بالكهرباء، بالضرب، بتمعيط الشعر، عذابات مارسها ضد بُنيته بنت الخمس سنوات والتي هى من صلبه، وماتت في المشفى المسكينة بعد أن كانت تتلقى العلاج ولكن حال القدر دون علاجها فماتت ولقيت ربها، إلى رضوان الله – إن شاء الله – ورحماته، ونسأل أن يُحسِن عزاء أمها المسكينة فيها.
ولما سُئل الداعية، والذي لا نعلم مَن هو ولا يعنينا أن نعلم مَن هو، ولكن الذي يعنينا أن نُعالِج أمثال هذا الفريق من الناس في العموم وفي الجُملة، فلا يعنينا الأشخاص أبداً ولا نتمنى لكل أحد إلا كل خير، علماً بأنه صرَّح قائلاً أنه فعل هذه التوحشات تأديباً لها ما شاء الله، يدّعي أنه يُؤدِّبها بالآداب الشرعية، آداب شرعية تتوسل الوسائل التي سمعتم، ما أدى إلى إحداث كسر في الجمجمة، وأعتقد أن في مواضع أخرى كسر في العظام، فالضرب أدى إلى التكسير وهى ابنة خمس سنوات، ومن هنا تساءلت مذعوراً ومرعوباً وأنا لا أدري ماذا أقول: بالله ما عسى هذا البشر، هذا الكائن، هذا الموجود، هذا المخلوق، أن يفعل بمَن يراهم أعداءً له؟!
عليكم أن تنتبهوا لأن الأعداء ليسوا فقط مَن ليسوا على دينه، بل أن الأعداء أيضاً من أمثالنا من أهل الدين والملة، مِمَن يُخالِفونه اجتهاداته الصغيرة والتي قد تكون في مُعظمها خاطئة وزائغة أصلاً وحائدة، فما عساه يفعل بأمثالنا، بأعدائه لو وقعوا تحت يده وفي يده سُلطان كأن يكون جلّاداً أو قاضياً في محكمة أو سجّان أو أياً كان؟!
ولعنة الله على الحروب الأهلية، الحرب الأهلية ليس فيها لا حسيب ولا رقيب ولا مُعاتِب ولا مُجازٍ، فكل شيئ فيها مٌباح ومن هنا تبرز حقيقة الإنسان، فحقيقة الإنسان تظهر في الحرب الأهلية، ويتساءل العلماء في الشرق وفي الغرب طبعاً فهم يتساءلون الآن وتساءلوا قبلنا – علماً بأن لديهم دراسات وكتابات كثيرة في هذا الصدد – مُستغرِبين مُتعجِّبين مُندهِشين كيف يُمكِن لإنسان – وفي أحايين أيضاً يكون مُتعلِّماً وحائز على شهادات أكاديمية عالية – في لحظة مُعينة أن ينفلت عقاله ويستحيل إلى وحش كاسر لا يعرف أو لا تعرف الرحمة إلى قلبه من سبيل فيقتل أخص جيرانه والكثيرين من معارفه لاختلافات في العِرق أو في الدين أو في الطائفة أو في المذهب أو في أشياء أخرى لا أدري ما هى، يقتلهم على أنهم كانوا معارفاً له وأصدقاءً وجيراناً، ومع ذلك يقتلهم بلا رحمة؟!
ولكن علينا أن ننتبه ونتساءل: هل نحن – هل أنا أو أنتَ أو أنتِ – مُحصَّنون ضد هذه اللعنة، ضد هذا الميكروب أو الفيرس Virus؟!
لا أظن، لكن الذي نحن نُوقِن به أو به مُوقِنون أن على كلٍ منا أن يقف وقفةً طويلة مع نفسه ليتساءل ما هى السُبل التي علىّ والوسائل التي علىّ أن أصطنعها لكي لا أنحدر يوماً إذا واتت الفرصة إلى مثل هذه اللعنة؟!
فقد أجدني هكذا في ظرف من الظروف – ولنقل في ظرف حرب أهلية – فكيف سأتصرف؟!
أين سأوجِّهه سلاحي إن وجَّهته أصلاً؟!
والنبي في الحرب الأهلية وجَّهنا ألا نُوجِّه سلاحنا، في الحروب الأهلية النبي أعطانا درساً عجيباً جداً – والله – يشهد بنبوته ورسالته – ولا نقول بذكائه وعبقريته وهو أذكى الأذكياء وعبقري العباقرة ولكن نقول يشهد له بالنبوة والرسالة – ففي زمانه كما المُستحيل أن يهتدي إلى مثل هذه الوصفة، النبي قال في الحرب الأهلية تكسر سيفك، تلزم بيتك، تكون حِلساً – أي مثل هذه السجادة، فتكون وكأنك سجاداً قديماً لاصقاً بأرض البيت – من أحلاس بيتك، فقيل له: يا رسول الله، إن دُخِلَ علىّ بيتي؟!
أي يسأل الرسول ماذا عساه أن يفعل إذا جاء هؤلاء المُحارِبون وهم من أهل البلد والوطن والدين ودخلوا عليه بيته، فقال النبي “تُلقي عليك رداءك إن خشيت أن يبهرك شعاع سيفه”، فلا تُقاوِم أيضاً، ولكن كيف يقول هذا والنبي هو الذي علَّم الناس العزة وأن مَن قُتِل دون ماله، دون نفسه، دون عِرضه، دون دينه فهو شهيد؟!
نعم، يقول هذا وفي أحاديث مُستفيضة، فهذا ليس حديثاً واحداً، بل هناك أحاديث مُستفيضة كلها تدور على تقرير هذا المعنى ذاته، ممنوع أن تحمل السلاح في نزاع وطني، في حرب أهلية، ولكن هل تعرفون لماذا؟!
لأن في نهاية المطاف هذه هى الطريقة الوحيدة لإنهاء كل حرب أهلية، فلن تنتهي يوماً حرب أهلية إلا بهذه الطريقة، وهى أن يُلقي فريق – على الأقل – السلاح، ويكون حتى هذا الإلقاء إلقاءً غير مشروط، ومن هنا يعجز الآخر، فماذا يفعل؟!
إذا وجد الآخرين مُستسلِمين بعد أن ظل يقتل ويقتل سينهار نفسياً وعقلياً، فحتى عدو البلد وعدو الجنس والعِرق والدين ليس عنده قدرة لا نهائية على القتل – وبالذات ابن البلد -، فلن يستطيع أن يُكمِل في هذا وسيفشل، ومن هنا النبي أعطانا هذه الوصفة وقال ممنوع أن يُرفَع السلاح وإلا تستمر الحرب وهو ما حدث في لبنان حيث استمرت الحروب ربع قرن، فأحرقت الأخضر واليابس ودمَّرت كل شيئ، لكن – للأسف – الأمة في هذه الساعات الحالكة والحرجة من حياتها لا تجد إلا مَن يُسعِّر النيران بكل الأساليب وبأشياء غريبة عجيبة جداً.
ونعود إلى موضوعنا العتيد لأن الموضوع هكذا سنُسميه شرعنة الفحش، فكيف يُشرعَّن الفحش؟!
الآن بخُطوة أخرى لو سألنا أي مسلم عادي من الناس أو مسلمة عادية بخصوص الأدب، وخاصة أدب القول فقلنا له ما هى خطة الإسلام وما هى وجهته في هذا ؟!
سيقول أن الجواب معروفاً حتى للصغار، فالإسلام دين الأدب ومن هنا ينهى عن الفحش، ينهى عن القِحة، ينهى عن البذاء، وهذا شيئ معروف، فكتاب الله ريّان وملآن وغاص بالآيات التي لا تزال تُبديء وتُعيد في تقرير هذا المعنى، فالله يقول وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ ۩ – ليس ليقل بعضكم لبعض ولا لبني إسرائيل وإنما وَقُولُوا لِلنَّاسِ ۩ سواء كانوا إسرائيلين أوغير إسرائيلين – حُسْنًا ۩، أي خاطب كل الناس، واجِه كل الناس بأحسن ما لديك من القول والتعبير، فهذه الآية معروفة في البقرة، أما في الإسراء يقول الله وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩،
فالله لم يقل الحُسنى وإنما قال الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، فهناك لفظة حسنة وهناك لفظة أحسن، ومن ثم علينا أن نصطنع الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، أي اللفظة الأحسن، ولكن لماذا قال الله يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩؟!
إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً ۩، لأن مُعظم النار من مُستصغَر الشررِ، فمن أجل لُفيظة صغيرة مُمكِن أن تنقطع وصلة صديقين أو جارين، مُمكِن أن تثور حرب بين قبيلتين أو عشيرتين من أجل لُفيظة في غير مكانها استغلها الشيطان فيُوهِم الطرف الآخر بأن فلا ما أراد بهذه اللُفيظة إلا كذا كذا كذا وما قصد إلا إلى كذا وكذا، وهذا كله من أجل لُفيظة، ومن هنا الله قال وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، ولما ذكر – سبحانه وتعالى من ذاكرٍ – في القصص النفر الذين أسلموا من أهل الكتاب وعدهم بقوله أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ۩، أي يدفعون السيئة بالحسنة، السيئة من الأفعال والسيئة من الأقوال، فكل شيئ يُواجِهونه بالشيئ الحسن، فما أجمل هذا الدين؟!
ولكن علينا أن ننتبه، فما معنى الحُسن؟!
الله قال أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۩ أي جمَّله، ويُقال لك “وجهٌ حسن، تعبيرٌ حسن، شعرٌ حسن” أي جميل، فالقول الحسن هو القول الجميل، والله أمر بالقول الجميل، أمر بالهجر الجميل، أمر بالصفح الجميل، أليس كذلك؟!
فهذا دين جمال، وفي الصحيح أن الله جميلٌ يُحِبُ الجمال، ومن هنا الحسن هو القول الجميل، فيتجمَّل به الإنسان لأن القول صفة قائله والكلام صفة المُتكلِّم.
قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – مرةً لعمه العباس “يا عمُ يا عباس يُعجِبني جمالك” أي حُسنك، والعباس لم يكن جميلاً، أولاده كانوا فعلاً على صباحة وحُسن – كل أولاد العباس – لكن العباس نفسه على أنه كان عملاقاً فارع الطول لم يكن جميلاً، وهذا شيئ معروف فهو لم يكن ذا جمال، ومن هنا قال: يا رسول الله، وأين جمالي؟!
قال “حُسن بيانك”، أي أن كلامك جميل، فكان كلامه رقيقاً لطيفاً فقال له “هذا يُعطيك جمالاً، وأنا هذا الجمال يُعجِبني”، الله أكبر!
أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۩، ولم يكتف الكتاب الأجل بهذا بل زاد مُستتلياً وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ۩، الله أكبر!
وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ – أي الكلام الذي لا طائل من ورائه ولا جدوى منه، والسفه والكلام القبيح والبذئ – أَعْرَضُوا عَنْهُ ۩، فهم يقولون نحن لا نُحِب أن نسمعه، ومن ثم عليك أن تُنزِّه سمعنا عن الخنا كما تُنزِّه لسانك عن النطق به، فهكذا الحكماء أوصوا وأرشدوا، ولذا يقول هؤلاء المُؤمِنون سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ۩، لأن هذا من الجهل، فالبذاء والوقاح من الجهل ، وقال الله أيضاً في آخر الفرقان وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ۩،
أما عن جدال أهل الكتاب فقال الله وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩
فإذا أردت أن تُجادِل فلتُجادِل ولكن بشرط وهو أن تُخاطِبهم بأحسن مَا لديك مِن تعبير، فقد يقول أحدهم “أهل الكتاب هم أعداؤنا في العقيدة وأعداؤنا في التوحيد”، ولكن هذا دينهم، هذا مُعتقَدهم، وهم أحرار، لهم دينهم ولنا ديننا، ولكن إن أردنا أن نتجادل فيجب أن يكون بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩ فضلاً عن أن الله قال ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم – الكل وليس أهل الكتاب فقط، فهذا ينطبق على الكتابيين والمُشرِكين وحتى على الوثنيين – بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ ۩، ولكن هؤلاء الوثنيون يا رب العزة يقدحون في ديننا، يسبونك ويسبون نبيك ويشنأون كتابك ويتنقصونه، أنسبهم فهذا سبٌ بسب؟!
قال تعالى وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ – أي أن قال هذا لا يجوز، لأن هذا الدين ليس للسب، فلا تسبوا هؤلاء المُشرِكين الوثنيين ولا تسبوا آلهتهم – فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ – وهنا مربط الفرس كما يُقال – عَمَلَهُمْ ۩، فمربط الفرس هو أن كل أحد عمله مُزينٌ في نظره ووهمه، لذلك إذا انتقصت أنت دينه أو ما يعتز به ربما ثاب إلى السفه، ثاب إلى الجهل، ثاب إلى السب والشتم، فتقع في شر ما أتيت، وهذا لا ينبغي بل عليم أن تحاسِن الناس وأن تُلاينهم، وكما قلت لكم القرآن غصّان وريّان وملآن بهذه الآيات الدالة على هذا، أما الأحاديث فأنتم بها أدرى، فهى كثيرة جداً جداً وتحفظناها ونحن صغار، ومنها ما أخرجه أحمد والترمذي وحسَّنه وابن ماجه عن أنس بن مالك – رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين – حيث قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً – ما كان الفحش في شيئٍ قط – هنا قال الفحش، وفي أحاديث أُخرى عن غير أنس أيضاً قال العنف – إلا شانه، أي أن الفحش شين – والعياذ بالله – ولذا النبي يقول “الحياءُ من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار”
البذاء ، الوقاح .
يقول لك عن إنسان أنه بذيء – بَذُأ وبَذّأ مثل فَعَل وفَعُلَ، فيُقال بَذّأ الرجلُ وبَذُأَ الرجل، يبذأ بذاءةً وبذاءً وكلهما مصدر أيضاً – إذا تكلم بالكلام القبيح، كما يقول لك يبذَأُ ويشتم، فالشتم بنفس المعنى، ومن عبقرية اللغة العربية أن الشتم مُشتَق من ماذا؟!
الشتم مُشتَق من الشتامة، ولكن ما هى الشتامة؟!
الشتامة هى قبح الوجه، كأن الإنسان الذي يشتم يراه الناس قبيحاً وإن كان جميل الخلقة الحسية، فاشتقوا من قبح الوجه كلمة الشتم، ومنه الشتيم أي الأسد، فالأسد يُسمى الشتيم لأنه قبيح المنظر فسُمى في لغة العرب الشتيم، إذن الشتامة هى قبح المنظر وقبح الوجه بالذات، ومن هنا اشتُقَ منها الشتم، فالشخص القبيح الكلام قبيح المنظر، حين تسمعه تستقبحه كما تستقبح خِلقة أي إنسان شتيم قبيح. والعياذ بالله.
إذن اللغة العربية تُؤكِّد أن الحُسن كامنٌ في القول، فالقول فيه قبح وفيه حُسن وجمال، كالخِلقة أيضاً فيها حُسن وفيها القبح، لكن قد يُعوِّض المرء من قبح خِلقته حُسن ملفظه ومنطقه – كما رأينا في قصة العباس – فيبدو جميلاً للناس، والعكس صحيح، والأحاديث الدالة على هذا كثيرة.
في حديث عيَاض بن حِمَار المجاشعي في صحيح مسلم أنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – قال في خُطبةٍ له يوماً “إن الله – تبارك وتعالى – أمرني أن أُعلِّمكم مما جهلتم من أمر دينكم مما علَّمني يومي هذا”، علماً بأن الحديث طويل وجميل وبليغ فواضح أنه من مشكاة النبوة، ولكن في آخره قال: وأهل جنتي ثلاثة، رجلٌ سلطانٌ مُقسِطٌ مُتصدِّقٌ مُوفَّق، وهذا أولهم بحسب ما رتَّب النبي ، فأي صاحب سُلطان – وزير، رئيس، ملك، أياً كان هذا الشخص الذي له سُلطة كما يُقال تنفيذية – مُقسِط عادل وليس ظالماً بل هو مُتصدِّق مُوفَّق من أهل الجنة، وإلى آخره حتى قال “وأهل النار خمسة” وسنذكر منهم خامسهم، فقال “والشنظير الفحّاش”، علماً بأني النبي فسَّر كلمة شنظير التي قد يستغربها البعض، فالشنظير الفحّاش خامس أهل النار. والعياذ بالله.
وهذا الحديث فيه بدائع وعجائب وفوائد، ففي أول هؤلاء الخمسة الذين هم من أهل النار قال “وأهل النار خمسة، الضعيف الذي لا زبر له”، أي لا شيئ يزبره، وقيل الزبر هو المال وهذا قول ضعيف، وقيل هو الذي يمنعه، أي لا مانع له، فكما نقول لا خِطام، لا زمام، لا رابط له، فهو إنسان أهوج يُمكِن أن تُعبِّئه بأي شيئ فينطلق يسب هذا ويذبح هذا ويفتح النار على هذا، ولذا قال النبي عنه أنه أول شخص من أهل النار، إذن قال ” الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبعاً – هكذا بالنصب وهذا شيئ عجيب – لا يتبعون مالاً ولا أهلا”، ألي أنهم مُجرَّد أدوات، فالنبي يتحدث هنا عن ما تحدث عنه ربما بصيغة أُخرى فلسفية الفيلسوف الوجود الألماني مارتن هايدغر Martin Heidegger حين تحدَّث عن العقل الأداتي والإنسان الأداتي، أي أن الإنسان يستحيل كأداة، ولكم أن تتخيَّلوا إنساناً شرَّفه الله وكرَّمه واستخلفه في أرضه ومع ذلك يُصبِح سكيناً يُقتَل بها البرءاء، يُصبِح مدفعاً يُدمِّر العمائر، فكيف الإنسان يُصبِح هكذا فيكون أداة، يُصبحِ سكيناً أو مدفعاً أو ساطوراً ومن هنا يكون لعنة؟!
فهو أداة ومن ثم لا عقل له، لا زبر له، لا قراراً مُستقِلاً له، مُجرَّد أداة يستخدمها ما شاء الله ولي نعمته، يستخدمها الظلمة والطواغيت والرؤساء والمُدراء وقادة الأمة وقادة الناس وقادة المُجتمَع، فيأخذونه أداة ولا يتأبى أن يكون أداة – أعوذ بالله -، ومن هنا النبي عنه أن سيكون أول أهل جهنم، ثم قال “والخائن الذي لا يخفى له – هنا لا يخفى تعني لا يظهر فهو خوّان أثيم والعياذ بالله، ومن ثم لا يُؤتمَن لا على مال ولا على عرض ولا على سر – طمعٌ وإن دق إلا خانه”، أي أنه يخون كل شيئ وإن صغر وإن دق، ومن هنا قال النبي أن هذا من أهل جهنم، ولكن واحد يقول مُتسائلاً: يا رسول الله، يا خيرة الله، يا مُعلِّم الناس الخير: وإن صلى وصام؟!
قال لك”وإن صلى وصام”، فما دخل هذا في هذا؟!
فبماذا تنفع الصلاة والصوم وهذه أخلاقه؟!
فهو يُصلي ويصوم ويتمشيخ وهو ليس إنساناً، لكن لابد أن تكون إنساناً، إنساناً جيداً، إنساناً صالحاً كما يُقال، لابد أن تكون مُواطِناً صالحاً وليس مُواطِناً فاسداً يُصلي ويصوم ولديه لحية فقط ولا أخلاق له، هذا لن ينفع أبداً، فلن يُفيد أحدهم كونه يُصلي ويصوم وهو خائن أو كونه يُصلي ويصوم وهو أداة للقتل وللذبح واللعن وتفريق الأمة، هذا سيكون في جهنم، وهذا هو الصنف الثاني، ثم قال النبي “ورجل لا يُصبِح ولا يُمسي إلا وهو يُخادِعك عن أهلك ومالك”، أي يطمع في أهلك ويطمع في مالك، يُريد أن يتغوّل شيئاً من ذلكم – والعياذ بالله – بالمُخادَعة، فينصب الفخاخ والمصائد ويحيك المكائد ويُخطِّط ويُهندِّس، هذا لا يُمكِن أن يكون شاطراً أو بارعاً بل هو في جهنم كما قال النبي ولن ينفعه ذكاؤه عند الله.
قال” وذكر – عياض أو الراوي عن عياض – البخل أو الكذب”، ثم ذكر الخامس فقال “الشنظير الفحّاش”، فالإنسان الفحّاش من أهل النار، ولكن – للأسف الشديد – على الرغم من أن المسألة واضحة مُستبينة ولائحة إلا أن هؤلاء أحالوا هذا إلى لغط وغلط وإلى شغب وعجب، فيقولون لك” نحن إن سببنا أو شتمنا أو فعلنا كذا – أستغفر الله العظيم، أعوذ بالله من زلات اللسان وزلقات الجنان – فالله هو الذي فعل هذا – أستغفر الله -، لأن الله يسب ويشتم ونحن نفعل مثل الله – الله أكبر – فضلاً عن أن النبي فعل هذا، فالنبي كان يسب ويشتم ويلعن”، الله أكبر، يقولون هذا عن النبي وهو قدوتنا، ولكن نقول لهم مُتسائلين: أين أنتم من هذه الأحاديث؟!
هل نسيتم هذه الأحاديث؟!
هل نسيتم هذه الآيات الكثيرات المُبارَكات النيرات؟!
ولكن هم يُبرِّرون هذا قائلين “الله قال يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ ۩، فنحن نغلظ على أعداء الأمة وعلى أعداء الدين، نحن نستهدي بأضواء كتاب الله”
ما شاء الله على العلم الوسيع، على العلم الراسخ، على هذه القدم الراسخة في العلم، ما هذا؟!
هل هذه الآية تُشرّعِن الفحش والبذاء؟!
أول شيئ لابد أن نعلم أن هذه الآية في سورة التوبة طبعاً، ومثلها تماماً في سورة التحريم، فقال الله يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ ۩،
ومن هنا قالوا “الله أمر بالغِلظة حين قال وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۩”، وهذا شيئ عجيب، ألم تُفكِّروا ؟!
هذه الآية عجيبة ومُوحية جداً، فالله – تبارك وتعالى – قال فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ – اللين عكس الغِلظة، فيُقال ليّن وغليظ، ومعروف أصل وضع الكلمة، ومن هنا يُوجَد الغِلظة واللين، الغليظ والليّن – وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۩،
فهذه الآية مُوحية جداً، وأجمل ما فيها أنها لا تُعطي النبي ضمانة وهو الرسول القوّام القوّال بالحق وللحق وفي الحق إن غلُظ – أي قسى فأصبح قاسي القلب لأن فيه عنف وشدة، فهو بعيد عن المُلاينة والمُسامَحة والتساهل، بل هو شديد القول وفظ، فالفظ هو الجافي الخشن في الأقوال وفي الأفعال – أن يُحَب ولا أن يُتبَع ولا أن يُستمَع إليه، لا تُعطيه هذه الضمانة أبداً فقالت لاَنفَضُّواْ ۩، أي أن خيرة هذه الأمة ستنفض عن نبيها بهذه الطريقة، فنحن لا نُريد هذه الطريقة فالبشر بشر، فإذا كنت تُريد أن تهديني إلى الحق عليك أن ترفق بي يا أخي.
القطب أحمد الرفاعي – رضوان الله تعالى عليه، علماً بأنه كان فقهياً شافعياً كبيراً، وليس قطباً صوفياً حتى لا تعتقدون أنه درويش أو ما إلى هنالك، فهو عالم كبير وله كتب في الفقه الشافعي ولكن صعبة العبارة لأنه عالم مُتمكِّن فرحمة الله على القطب أحمد الرفاعي ورضوان الله عليه – كان إذا لقى – أكرمكم الله وأكرمكن – خنزيراً أو كلباً في الشارع يقول له في الصباح “أَنْعِم صباحاً” أي صباح الخير، يا صباح الورد، فقيل له: يا إمام، أتقول هذا لخنزير أو لكلب؟!
فيقول ” أُحِب أن أُعوِّد نفسي طيب القول – حتى يكون كل كلامي طيباً وجميلاً وليّناً –
وقد بلغني أن هذا كان خُلق روح الله عيسى عليه السلام”،ثم حكى لهم القطب الرفاعي حكاية عيسى قائلاً: مر عيسى ومعه الحواريون بجيفة كلب – أكرمكم الله وأكرمكن – فقال بعضهم ما أسوأ نتن ريحها أو نتنها؟!
يقصدون نتن هذه الجيفة لأنها ناتنة، فالتفت عيسى وقال: ما أحسن بياض أسنانه؟!
يقصد أن يقول ولكن أسنانه بيضاء جميلة، فقيل: يا روح الله، تقول هذا لجيفة كلب؟!
فقال “أُحِب أن أُعوِّد لساني الكلام الحسن”، أي الكلام الطيب، فأنا أتكلم الكلام الجميل حتى مع الجيفة!
لذلك أبو حامد الغزالي – رحمة الله تعالى عليه – في آفات اللسان من إحياء علوم الدين – وانظر إلى الذكاء والتحليل – قال الإنسان الفاحش والبذّاء البذئ الذي يبعثه على هذا إما وإما، أي واحد من باعثين، الباعث الأول هو التعوّد، فهو لم يُعوِّد نفسه أن يتكلَّم الكلام الجميل، لأن وهو صغير تعوَّد الكلام القبيح فظل كلامه قبيحاً، وظلت ألفاظه معيبة وعارية غير مكسوة، ومن هنا قال العلماء لك “اكس ألفاظك”، فمن المُمكِن أن تُعبِّر عن المعنى الذي تُريد ولكن بلفظ جميل جداً، قال عبد الله بن عباس – رضى الله تعالى عنهما – “يا عباد الله استحيوا فإن الله حييٌ كريمٌ عفوٌ يكنو أو يكني، كَنَى – من الكناية، وليس كَنَّ وإنما كَنّى، يُقال عن الكُنية فلان يُكنى بأبي فلان، فلا تقل كَنَّ وإنما كَنَى – عن الجماع باللمس والمس”، فالله قال أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ۩ لأن الله يستحي، لم يُحِب أن يقول تلك الكلمة التي تعرفونها، لذلك الشتم والبذاء كيف عرَّفه العلماء مثل الكفوي والمُناوي ومن قبلهم أبو حامد – وهذا ما يُفهَم حتى من كلام ابن فارس في مُعجَم مقاييس اللغة -وغير هؤلاء؟!
بماذا عرَّفوا البذاء والبذاءة؟!
قالوا لك “البذاءة هى التعبير عن المعنى الصحيح – يُوجَد معنى صحيح – بلفظٍ قبيح”، فقد يكون معروفاً أنه عمل هذا العمل، لكن تستطيع أن تُعبِّر أنت عن هذه الواقعة بلفظ مكسو، بلفظ جميل، فتقول – مثلاً – عن بعض المشاهد السيئة “هذه المشاهد وهذه الأشياء تجرح الذوق العام وتُسيء إلى مشاعرنا” بدل أن تقول أنها كذا وكذا بطريقة بذيئة، فالله وهو الله رب العباد – لا إله إلا هو – كنى عن الجماع باللمس والمس، فقال أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ۩، وقال عن تلكم الحاجة الغليظة في الآية ذاتها أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ۩، ولكن ما هو الغائط ؟!
المكان المُنخفِض المُمهَّد من الأرض، فأي مكان مُنخفِض ومُمهَّد إسمه الغائط، وأنتم تعرفون الآن أصبحت هذه الكلمة تُستعَار لماذا.
لنعد إلى الآيات والاستدلالات على موضوعنا، فقال الله وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ ۩، فالله – تبارك وتعالى – هو الذي علَّمنا هذا المعنى، فكيف علَّمكم هو – تبارك وتعالى – الفحش؟!
فعلينا أن ننظر إلى كيفية عمل آلية التبرير فالمسألة خطيرة وأنا ما جئت لأعظ بالأدب فهذا الكل يعرفه، ولكن الخطير في المسألة أن هؤلاء دون ربما أن يدروا – على الأقل حتى بعضهم ربما بحسن نية، فلا أدري – ينطلقون من النظر إلى الدين على أنه للتبرير لا للتدبير، وهذا غير صحيح لأن الدين للتدبير، الدين جاء يسوسنا ويُدبِّر حياتنا، وهذا الأمر علينا أن ننتبه إليه لأنهم جعلوه تبريراً، ويقعون في أشياء خاطئة وغالطة لابد أن الدين يُبرِّرها فليُبرِّرها الدين وليُنسَب الفحش والبذاء والشتم إلى الله ورسوله، وهذا – أستغفر الله العظيم – تلاعب بالدين، ولذلك مثل هذه الطريقة ومثل هذا الأسلوب والخُطة والمنهج في التعامل مع الدين هى التي تُبرِّر ذبح الناس وقتل الناس وتكفير الناس وتقبيح كل حسن وتحسين كل قبيح – إلا ما شاء ربي – بإسم الدين، فهى طريقة خطيرة جداً جداً، ولكن ما ينبغي أن يكون هذا لأن هذه ليست طريقة العلماء الراسخين في العلم، وإنما طريقة المُبرِّرين بالدين لا المُدبَّرين به، ولذلك هو يترك مائة نص تأمر بحفظ اللسان وبالأدب والمُلاينة، ويأتي إلى آية مُشتبِهة عليه – على الأقل – وعلى أمثاله فيضعها في غير موضعها ويفهمها على غير وجهها، فالآية – مثلاً – التي قال فيها الله جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ۩ كانت تحريضاً وإلهاباً للهمم لمُلاقاة الروم بالشام، ومَن يقرأ سبب نزول الآية في سورة التوبة سيعلم هذا، ولكن على كل حال الله قال جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۩، والغِلظة هى القسوة الحسية، فيُقال جلدٌ غليظ وأرضٌ غليظة أي قاسية وشديدة، ثم استُعيرَت بعد ذلك لمعانٍ آخر كغِلظة القلب، فقال الله غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۩، وهناك أيضاً الغِلظة في القول فيكون القول قولاً قاسياً، لكن هنا المُراد بالغِلظة – وهى استعارة أيضاً ليست على أصلها وإنما استعارة مجاز – الغِلظة في الحرب.
وطبعاً قال العلماء – وما أحسن ما قالوا مما جهل هؤلاء – علمنا الله وإياهم – من فنون العلم ؟! – أن النبي ما خُطِبَ بهذا إلا لما علم الله من غلبة الرحمة واللين عليه، ومن هنا قال له في الحرب لابد أن تكون قاسياً إلى حدٍ ما، اقس عليهم أنت ومَن معك، لأن النبي كان دائماً رحيماً ولطيفاً، ومن هنا قال له الله أن هذا لا ينبغي في الجهاد لأن الجهاد له منطق آخر، فقال الله جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۩، قال جار الله محمود الزمخشري – رحمة الله تعالى عليه – في كشافه “وهذا اللفظ يجمع الجرأة والشجاعة والشدة عليهم في القتل والأسر”، لأن الآية تتحدَّث عن جهاد وعن قتال، فلا يُوجَد مَن يُقاتِل عدوه وهو يُعطيه الأوراد والأزاهير وهو يقول له صباح الخير – مثلاً – لأن هذا مُستحيل، فكيف جُعِلت الآية سبباً في شرعنة الفحش في حق الأمة؟!
فلا يُمكِن أن تسب هذا وتسب هذه وتسب الناس أجمعين ثم تقول لي “الله قال وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۩“، الله أكبر يا أخي، هذا شيئ عجب وهذه طريقة عجيبة في الفهم، طريقة عجيبة في عرض الدين للناس، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، وللأسف لابد أن أذكر شيئاً في قلبي أيضاً لأنك قد تجد أحدهم يقول لك أن النبي علَّمهم الفحش – أستغفر الله – بالطريقة هذه حسب معنى كلامهم ولكن حين تسألهم من أين لكم هذا يقولون هناك حديث صحيح لا يُمكِن الطعن فيه، فأنا مبدئياً أي حديث يُسيء إلى نبيي أطعن فيه مائة مرة ولا يهمني شيئاً – والله – بل ألقى الله بهذا فأنا أطلب الأجر به، فأنا لا يهمني – وقلت لكم قبل ذلك – شيئاً من هذا مع احترامي لأئمتي وعلمائي وهم تيجان رؤوسنا، ولكن أي شيئ هو قدحٌ بيّن في شخص نبيي أرفضه ولا أقيم اعتباراً لمَن رواه أو لمَن نُسبِت إليه روايته، لا يعنيني هذا ففي عندنا منازل يا أخي في هذا، ولكنهم يقولون: النبي قال – وهذا في صحيح البخاري – من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا.
فهل النبي قال هذا؟!
أنا لا أُصدِّق ولا واحد في المليون أن النبي يقول هذا، النبي هو أعظم البشر أدباً وأشد الناس حياءً، كان أشد حياءً من العذراء في خضرها، النبي في موضع التعليم كان أحياناً يستحي ويقول لها – سبحان الله – تطهري بها، والمرأة التي تُريد أن تعلم وتعرف كيفية التطهر من الحيض تقول:
كيف أتطهر؟!
أين أضعها؟!
حتى أخذتها عائشة وشرحت لها لأن النبي لا يستطيع أن يُصرِّح بهذا، فالنبي حيي ومن ثم كان يستحي أن يتلفظ بهذا فلم يقل “لا حياء في العلم ولا حياء في الدين” وأخذ يصف لها، مُستحيل أن يفعل هذا فهو لا يستطيع، لأن النبي حييٌ كريم يا أخي – صلى الله عليه وسلم – ومع ذلك يقولون لك أن النبي علَّمهم أي واحد يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه، أي قولوا له عض على هن أبيك، علماً بأن علينا أن نتنبه إلى أنهم يقولون أن هذا حديث صحيح وفي البخاري، ولكن عدنان إبراهيم وهو من صعاليك مسلمي القرن الخامس عشر الهجري يستحيي أن يُفسِّره للناس، فأنا – والله – أستحي – أقسم – أن أُفسِّره، وأنت تستحي أن تُفسِّره لزوجتك أو بنتك، فنحن عندنا بنات وأزواج يا أخي ونستحي أن نفعل هذا، ومع ذلك يقولون أن النبي قال فأعضوه، أي قولوا له عض على هن أبيك، فما هو هن أبيك؟!
أنتم تفهمون المعنى، فهو شيئ يُستحيَ ويُستقبَح جداً التصريح به، وهذا الأمر معروف، فالهنُ من الأسماء الخمسة، هنوه وهناه وهنيه، ومع ذلك قالوا أنه قال
أعضوه، أي قولوا له عَضَّ – الفعل الأمر ليس عُض وإنما عَضَّ – على هن أبيك، فهل النبي يقول هذا؟!
مُستحيل، مُستحيل أن يكون النبي قال هذا، وعلى كل حال أنتم تُصِّرون وتقولون أنه في البخاري، كأن البخاري مُنزَل، فالنبي لم يقل هذا، وإن قلنا لك من باب التنزل في الحوار يا سيدي قال هذا لكن في المُقابِل عندك مائة حديث يأمرك فيها بالأدب وينهاك فيها عن الفحش والبذاء، فماذا فعلت بها؟!
أخبرني ماذا فعلت بمائة حديث وربما أكثر أو أقل أمرك فيها بالأدب ونهاك عن الفحش والبذاء؟!
أنت أتيت إلى حديث واحد فقط – الله أعلم بحاله – على أنه في البخاري”أعضوه بهن أبيه”.
إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩ اللهم إنا نسألك أن تُعلِّمنا ما ينفعنا وأن تنفعنا بما علمتنا.
أقول قولي هذاوأستغفر الله لي ولكم.
الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
في الصحيحين أتى نفرٌ من يهود فدخلوا على رسول الله فقالوا “السام عليك يا أبا القاسم”، علماً بأن السام هو الموت، فقال “وعليكم”، فقالت عائشة “بل عليكم السام والذام يا كذا وكذا”، فقال “يا عائشة لا تكوني فاحشة” لأن السام والذام فُحش، فالسام هو الموت، والذام هو الذم، أي الموت لكم وعليكم الذم، ولكن النبي قال “يا عائشةُ لا تكوني فاحشة”، قالت: أما سمعتَ ما قالوا؟!
فقال: أما سمعتِ ما رددت عليهم؟!
أي أنني قد رددت عليهم وقلت “وعليكم”، أرأيت كيف كان محمداً؟!
شيئ عجيب، هذا هو محمد، هذا أنا أؤمِن به وليس أعضوه بهن أبيه، هذا هو أدب النبي صلى الله عليه وسلم .
واستمعوا إلى قصة الإمام الجليل والمُجتهِد الكبير تاج الدين عبد الوهاب السبكي ابن شيخ الإسلام تقي الدين أبي الحسن على بن عبد الكافي السبكي مُجتهِد الشافعية بإطلاق في عصره – رضى الله تعالى عنهما – حيث قال: كنت جالساً في دهليز دارنا فمر كلب – أعزكم الله وأعزكن – فقلت “اخسأ كلبٌ ابن كلب”، فجاءني صوت الوالد من داخل البيت ينتهرني ويقول لي “كُف”، فقلت: يا عجباً، يا سبحان الله، أليس هو كلباً ابن كلب؟!
يُريد أن يقول أنا وصَّفت الكلب، مثلما يقولون الآن “نحن وصَّفنا ولم نأت بشيئ جديد من لدنا، فنحن فقط وصفنا وقلنا إنها البعيدة كذا وكذا وإنه البعيد كذا كذا كذا، فقط وصَّفنا”، وهذا هو الفحش بالظبط، هذا هو البذاء، لأن البذاء هو أن تذكر المعنى الصحيح والشيئ الواقعي بعبارة مُستقبَحة، فهذا البذاء أصبح لديهم عُذراً يعتذرون به ويقولون نحن لم نأت بشيئ من لدنا لأنهم لا يعلمون الفرق بين البهت والافتراء والقذف وبين البذاء، فإذت افترضنا أن مَن يقول هذا لم يقذف ولم يبهت ولم يفتر فهو سيُعَد شخصاً بذيئاً لأنه بذأ على شخص آخر ذكراً كان أم أنثى، فهو يعتقد أنه إذا لم يفتري الكذب فالمجال عنده سيكون براحاً وسداحاً مداحاً كما يُقال وهذا غير صحيح، فالبذاء منهيٌ عنه والفحش منهيٌ عنه تماماً كالنهي عن القذف والافتراء على الناس، ومن عليكم أن تنتبهوا فهذا ليس عذراً أن تقول لي “وصفت”، ومن هنا تاج الدين السبكي – شيخ الإسلام – يتعلَّم من أبيه العلّامة الكبير – رحمة الله تعالى عليهما – حيث قال: يا سبحان الله، أليس هو كلباً ابن كلب؟!
قال “بلى، ولكن شرط الجواز عدم قصد التحقير”، فإذا أردت أن تصف شيئاً أو أحداً من المخلوقات حتى بما هو فيه ممنوع شرعاً – انظروا إلى الأدب الإسلامي – أن يكون قصدك أن تُحقِّره، هذا ممنوع فالمسلم ليس عنده هذا الحقد وهذه الضغينة السوداء أبداً، المسلم كائن مُؤدَّب يُحِب الخير.
بالمُناسَبة نسيت أن أذكر لكم أن شيخ الإسلام المُعمَّر الذي ألحق الأصاغر بالأكابر والأحفاد بالأجداد زكريا الأنصاري – رحمة الله تعالى عليه – في شرحه على رسالة القشيري حين ذكر قصة القطب الرفاعي مع الكلب – أَنْعِمْ صباحاً – قال “وهذا في غاية السياسة وفي غاية اللطافة”، وجاء بعد ذلك تلميذ الشيخ الأنصاري عبد الوهاب الشعراني فقال ” أنا كنت أُكاتِب اليهود والنصارى والظلمة – الذين يأخذون الضرائب والمكوس من المسلمين – لأتشفَّع في المسلمين لديهم وأقول لهم – أي لليهود والنصارى في مصر – وأسأل الله للمُعلِّم – يُسمونه المُعلِّم، أي الـ Boss، الـ Chef – أن يُعلي الله مقامه في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين”، ثم استتلى قائلاً “وأُضمِرُ دعوة التوبة بأن يتوب الله عليه وأن يُسلِم فيُدخِله الجنة ويُعلي مقامه”، ثم قال “هذا من حُسن السياسة التي لا يفهمها مَن يقفون مع حروف القول”، أرأيت كيف كان حال الأئمة والعلماء الكبار؟!
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (4/1/2013)
أضف تعليق