أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، طبعاً أيها الإخوة بودي أن أُشير في بداية هذا الرد إلى أنني أرد طبعاً بعد أن ألح علىّ إخواني المُقرَّبون والمُشفِقون وقالوا لابد يا شيخنا أن ترد تأنيساً للقلوب التي أوحشها هذا الكلام في حقك وأيضاً تطمنيناً للعقول التي شوَّشها هذه الكلمات – لا أقول الآن الشُبهات أو التشغيبات، سيظهر هل هي شُبهات وتشغيبات أم حُجج وبيّنات – أيضاً في حق ما أدليت، وألحوا علىّ أيها الإخوة إلحاحاً شديداً حتى أنهم اضطروا إلى زيارتي في بيتي مرتين في زُهاء يومين أو ثلاثة، فشرح الله صدري – سُبحان الله – إلى الرد، قلت سُبحان الله أنا حاميت نفسي عن الرد حتى لا يكون انتصاراً لنفسي فأبى الله إلا أن أرد – إن شاء الله – ليس انتصاراً لنفسي، فالحمد لله وفرحت بهذا جداً وصار عندي انشراح غير عادي أن أرد، هذا أحببت أن أُدلي به في البداية.
أخي الشيخ محمد الداهوم ادّعى في البداية أيها الإخوة حتى يُطرِّق ويُؤكِّد فرية أنني لست سُنياً وأنني رافضي – ليس شيعياً وإنما رافضياً أيضاً، ما معنى رافضي؟ أسب أبا بكر وعمر وعائشة طبعاً وطلحة والزُبير وخالداً وعثمان وأمثال هؤلاء رضوان الله تعالى عليهم، فماذا قال؟ – قال يسوق مقالات الرافضة أمثال ابن عقيل، رافضي كما قال الزَرَاكلي، الزَرَاكلي أولاً ليس اسمه الزَرَكلي، اسمه الزِرِكلي، وطبعاً يا شيخ داهوم هذا كتابه الأعلام، موسوعة الأعلام ألَّفها في أربعين سنة، مكتوب عليها الزِرِكلي، لأنه كردي، العلّامة خير الدين الزِرِكلي هو علّامة كردي شامي، علّامة كبير من قبيلة كردية اسمها الزِرِكلية، فاسمه الزِرِكلي وليس الزَرَكلي، فالزِرِكلي – رحمة الله عليه – في موسوعة الأعلام، المُجلَّد السادس، ترجم لمحمد بن عقيل العلوي الحضرمي، العلّامة الكبير الذي عنده كتاب نحن تبرَّعنا بإنزاله مع جُملة كُتب أُخرى أيام فتحنا ملف مُعاوية، اسمه النصائح الكافية لمَن يتولى مُعاوية، زُهاء خمسمائة صفحة، أتى فيه بالعجب العُجاب الرجل، ورجَّح فيه وسوَّغ فيه لعن مُعاوية، بالأدلة التي يراها يلعن، الرجل يلعن مُعاوية، فطبعاً العلّامة الزِرِكلي شامي، وأهل الشام طبعاً في الجُملة هواهم أُموي، لا يُحِبون النقيصة في مُعاوية وبني أُمية عموماً، عموماً يُزعِجهم هذا جداً، لكنه لم يذكر يا شيخ داهوم أنه رافضي، هذا غلطٌ ولا أقول أكثر من هذا، هذا غلطٌ على الزِرِكلي، انتبهوا إلى هذا، في النقاش العلمي وفي الكلام العلمي في أي شيئ حين تخطب وحين تُدرِّس لابد أن تكون دقيقاً جداً، أنا أُرمى بالكذب، أليس كذلك؟ أتمنى من أحد هؤلاء أن يقول أين كذبت؟ في خُطبة أو في مُحاضَرة أو في درس قل لي أين كذبت؟ أنا أقول لكم غلطتم وأقول لكم كيف غلطتم، أليس كذلك؟ قولوا لي أين كذبت؟ وإلا سهل رمي الناس بالعظائم والقبائح، سهل أن يُقال يكذب ويفتري، الكلام ليس عليه حساب في الدنيا، لكن الحساب شديد في الآخرة، يقول العلّامة الزِركلي: (ابن عقيل) – مُتوفى سنة ألف وتسعمائة وواحد وثلاثين – محمد بن عقيل بن عبد الله بن عمر، من آل يحيى، العلوي الحسيني الحضرمي: رحالة، من بيت علم بحضرموت….. وبدأ يتكلَّم عنه إلى أن قال: وتوفي فيها، وكان شديد التشيع. لأن الرجل سُني أشعري صوفي حضرمي علوي حُسيني شافعي، لم يكن شيعياً أصلاً ولكن فيه تشيع، أي مُغالاة في حُب أهل البيت كما يقولون، أنا لم أجده غالياً أبداً، لم أجده غالياً، يقولون فيها انحراف شديد عن مُعاوية، وجهة نظري أنه ليس مُنحرِفاً عن مُعاوية بل مُنحازاً إلى الحق مُقسِطاً على الأقل في مُعظَم ما قال في مُعاوية، الله يُحِب القسط، ما علاقتي بهذا؟ مُعاوية ليس عندي هو الإسلام، مُعاوية ليس هو عمود الإسلام ومَن انحرف فكأنما كفر، غير صحيح، مُعاوية هو الذي انحرف عن الحق، فلابد أن ننحاز إلى الحق حين نُقوِّم مُعاوية وأمثال مُعاوية، عبارات عجيبة! قيل شديد الانحراف عن مُعاوية! غير صحيح، قال وكان شديد التشيع، فيا أخي الكريم – الشيخ داهوم – الزِرِكلي الذي نسبت إليه ترفض محمد بن عقيل العلوي لم يقل أنه رافضي.
العلّامة محمد رشيد رضا عصري العلّامة محمد بن عقيل، كان مُعاصِراً له، والشيخ رشيد رضا في الجُملة معدود من السلفية، من التيار السلفي، في مجلة المنار، المُجلَّد الرابع عشر – المجلة وليس التفسير -، صحيفة ثلاثمائة وأربع عشرة، يقول: (كتاب النصائح الكافية والردود عليه والانتصار له)، يقول: للسيد محمد بن عقيل المُقيم في سنغافورة.
أما السيد محمد بن عقيل فهو رجل سُنيٌ – رشيد رضا يا شيخ داهوم، رشيد رضا المُعاصِر لمَن؟ لابن عقيل، وبينهما معرفة ومُراسَلات وصداقة، كيف تقول لي أنه رافضي؟ لا تغلط على العلماء، هذا اسمه الغلط، تنسب إليهم أشياء غير صحيحة، يقول فهو رجل سُني – من حزب المُصلِحين – أي Reformer، الإصلاح الديني! فهو مُجدِّد، علّامة كبير ابن عقيل هذا، ليس كما يُقال عنه، علّامة كبير من حزب المُصلِحين، أي Reformer، من المُصلِحين، الآن نقول ماذا؟ من المُجدِّدين، أي من مُجدِّدي الإسلام – حسن النية – أرأيتم؟ لم يُشكِّك في نيته مع أنه يلعن مُعاوية، ووضع زُهاء خمسمائة صحيفة في مُعاوية وذم مُعاوية، أجلب عليها فيها بكل ما انتهت إليه يد مُطالَعته – وقد كان كتب……. إلى آخره.
ثم قرأت عليكم أنا في الحلقات الأولى في طليعة التبيان كيف أنصف العلّامة رشيد رضا محمد بن عقيل من الشيخ الذي رد عليه وهو أيضاً علوي، قال وأين هذا من هذا؟ قال ابن عقيل علّامة كبير، أما هذا الذي رد عليه – قال – خفيف الوزن في العلم، هناك ما هو أكثر من هذا، علّامة الشام – إذا قيل علّامة الشام أو شيخ الشام ينصرف إلى مَن؟ الجمال القاسمي، إلى محمد جمال الدين القاسمي رحمة الله عليه وسقى الله ضريحه بشآبيب رحمته، وهو أيضاً حُسيني، من نسل زين العابدين ابن الحُسين عليهم السلام أجمعين، وهو علّامة سلفي على مشرب ابن تيمية وأتباعه، يظهر هذا في كل كُتبه، هذا معروف، هو علّامة السلفيين في وقته في الديار الشامية – كتب كتاباً في نقد النصائح الكافية، وهذا درس بليغ أرجو أن تُصيخوا جيداً إلى أدب الحوار وإلى الإنصاف والتُقى والتورع ومعرفة مقامات الناس، ماذا يقول؟ يقول – والكتاب مُتاح على الشبكة العنكبوتية بي دي إف PDF، يُمكِن أن تُنزِّله، في زُهاء تسعين صحيفة تقريباً – العالم النحرير والجهبذ الكبير السيد محمد بن يحيى بن عقيل نفعنا الله المولى بمحبته – وابن عقيل من لاعني مُعاوية، وهذا العلّامة القاسمي، الجمال القاسمي الذي مات وهو دون الخمسين تاركاً زُهاء مائة وخمسين مُصنَّفاً منها تفسيره محاسن التأويل في بضعة عشر مُجلَّداً، حتى تعرف مَن هو القاسمي، إمام لا يُشَق له غُبار رحمة الله عليه، ولا يستطيع أحد أن يقول القاسمي ليس لديه غيرة على الدين ومشربه ليس سلفياً، سلفي كما قلنا على طريقة ابن تيمية وهو القاسمي صاحب مائة وخمسين مُصنَّفاً في أقل من خمسين سنة، ماذا يقول عن ابن عقيل لاعن مُعاوية وصاحب النصائح الكافية؟ مُجلَّد بهذا الحجم الذي في أمامكم في نقد مُعاوية وسب مُعاوية ولعن مُعاوية، يقول العالم النحرير، انظروا إلى أدب العلماء، يقول العالم النحرير وليس مُعسكَر إبليس وآدم، كفراً وإيماناً صارت المسألة، ما هذا؟ اللهم عونك على زماننا ولُطفك بنا، إي والله العظيم، لكي تعرفوا الفرق، يقول العالم النحرير والجهبذ الكبير السيد محمد بن يحيى بن عقيل نفعنا الله المولى بمحبته وبارك لنا في إفادته، ثم قال أنه أرسل إليه كتاباً سماه النصائح الكافية لمَن يتولى مُعاوية أيَّد فيه حفظه الله مذهب مَن جرَّح مُعاوية ورهطه، ورأى أن تعديلهم زلةً وغلطةً، وبنى عليه جواز لعن مُعاوية وسبه زعماً بأنه – ما المُراد بأنه؟ مُعاوية – مِمَن لم يخش في أعماله مقام ربه، وقد نوَّع في كتابه الفصول والأبواب، وأتى في تأييد مشربه بالعجيب العُجاب مما أبان عن فضلٍ وطول باع وقوة استحضار وسعة اطلاع ويدٍ في حرية الفكر طولى – لم يقل أنه زنديق أو مُنافِق، قريب أن يكون غير مُسلِم، خلع الربقة، حل العقدة، قال بالعكس هو رجل حر التفكير، نسأل الله أن يُحرِّر أغلال عقولنا، ابن عقيل يبدو أنه مُستقِل، عنده حرية فكر، غير مُتعبَّد للصحائف وقال فلان وعلان، تعبَّد لما اهتدى إليه عقله بالدليل، انظر إلى إنصاف القاسمي على أنه يختلف معه في مُعاوية وينقده، لكن لابد من الإنصاف، الله يُحِب الإنصاف، هذه طريقة العلماء، لماذا رفضنا أن نلعن ياسر الحبيب وهو مُسلِم حي؟ لم يمت الرجل، قد يموت بعد أن يُغيِّر رأيه في عائشة وغير عائشة، جُنَّ جنونهم، لا لن ألعنه، لماذا ألعنه؟ على أنني ساخطٌ جداً على رأيه في عائشة وأنها ارتكبت كذا، وأنا أقول لكم إن مات على ذلك حاقت به اللعنة، لكن بما أنه مُسلِم ومُعيَّن ولم يمت فنرجو له الخير إن شاء الله وندعو له بالخير، ما المُشكِلة؟ ها هو العلّامة القاسمي يدعو بأن يحفظ الله ابن عقيل ويدعو له بأشياء كبيرة ويتقرَّب إلى الله بمحبته على أنه يلعن مُعاوية، الصحابي الجليل، أبو الإسلام، أبا الإسلام تقريباً، أبا الإسلام مُعاوية أصبح – وصدعٍ بالاجتهاد من الدرجة الأولى – هذا اجتهاد قال – مما يُدهِش الواقف عليه – ما هذا العالم؟ هذا عالم كبير قال – ويجذبه بكُليته إليه….. إلى أن قال القاسم – عليه الرحمة – وأرجو إلا يكون نقدي هذا مما يحل عُرى الخُلة ولا ينقض أواصر المودة فإن التباين في الآراء والأذهان كالاختلاف في الأشكال والألوان لا يُوجِب للقلوب تنافرا ولا للمعارف تناكرا سيما على رأيي أن كل مُجتهِد مُصيب – أي المُصوِّبة، يُسمونه رأي المُصوِّبة -، فالخطب في الباب قريب – الخطب قريب؟ رجل يسب مُعاوية ويلعنه ويتبرأ منه والخلاف معه يسير؟ قال يسير، ما المُشكِلة؟ ليس من معاقد الدين الإيمان بمُعاوية والترضي عن مُعاوية وحُب مُعاوية، هذا طليق ابن طليقة وابن طليقة، أمه طليقة وأبوه طليق، عدة طُلقاء، ما المُشكِلة؟ ما معنى أننا سبناه وتبرأنا منه؟ القاسمي قال الخطب قريب، قال مسألة يسيرة جداً، مسألة صغيرة هذه، ما المُشكِلة في هذا؟ يقول نبقى إخوة وأحباب مع ابن عقيل ونتراحم – وهذا ما أتحقَّقه من كمال السيد نفعنا الله بمحبته. ولك أن تتخيَّل هذا، يتحدَّث عن ابن عقيل، قال أنه يتقرَّب إلى الله بمحبته ويسأل الله أن ينفعه بمحبته لابن عقيل، لم يلعنه يا مشايخنا، كيف يلعن مُعاوية؟ قال يقول صحابي حقير فكيف أقول له أُناقِشك؟ بالعكس أنا أُريد أن أسبه، لماذا؟ أنا لم أقل أن أبا بكر حقير، حاشاه وقدَّس الله سره، ولم أقل هذا عن عمر أو عثمان أو عليّ أبداً، أنا قلت عن الحقير حقير، ومُعاوية صعلوك، أنا عندي ثلاث ساعات أقول فيها أنه صعلوك، رد علىّ وقل أنه ليس صعلوكاً، قل لي يا أبا محمد مُعاوية ليس صعلوكاً، صعلوك مُعاوية هذا، مُعاويتك صعلوك، ماذا أفعل له؟ هو صعلوك، انتهى!
الشيخ الداهوم أيضاً زعم أنني في سوقي لمقالات الروافض كابن عقيل وابن أبي الحديد قلت الآتي وما عشت أراك الدهر عجباً، ابن أبي الحديد من الروافض؟ كيف يكون هبة الله عز الدين بن أبي الحديد رحمة الله عليه – شارح نهج البلاغة طبعاً، من أحباب أهل البيت، يتشيَّع لهم لكنه لم يكن رافضياً البتة – شيعياً إمامياً أو رافضياً كما تُريدون أن يُسمى وهو في غيرما موضع من شرح النهج يقول من شُنع الإمامية ومن شنائع الإمامية؟ تعرفون ما معنى الشُنع؟ أقوال شنيعة للشيعة الإمامية الاثني عشرية، أيكون هذا إمامياً اثنا عشرياً ورافضياً كما تقولون؟ كيف؟ هذا أولاً.
ثانياً ابن أبي الحديد يرى جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل أو الأفضل، طبعاً هذا يقوله مَن قرأ ابن أبي الحديد ومَن يعرفه، مَن لا يقرأ ولا يقرأ حتى ربما عناوين الكُتب من أين – أنى له وكيف – له أن يعرف؟ مَن قرأ ابن أبي الحديد يرى أن ابن أبي الحديد – رحمة الله تعالى عليه رحمة واسعة – وهو مُعتزِلي شافعي – في الفروع شافعي وفي الأصول مُعتزِلي مثل العلّامة جار الله الزمخشري، محمود الزمخشري صاحب الكشّاف، في الفروع حنفي وفي الأصول مُعتزِلي، مثل العلّامة الكبير أبي بكر الرازي الجصاص، حنفي في الفروع وفي الأصول قريب جداً من المُعتزِلة في غيرما مسألة، ومثله أيضاً أقضى القضاة الماوردي، في الأصول في أكثر المسائل مُعتزِلي وفي الفروع شافعي، هؤلاء علماء وهذه طريقة العلماء، ما المُشكِلة؟ علماء الأمة هؤلاء، مَن يعرفهم يعرفهم، مَن يجهلهم دعه وجهله – يرى جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل أو الأفضل، هذا مذهب الزيدية وليس مذهب الإمامية الاثنا عشرية، أليس كذلك؟ وهو ليس زيدياً أيضاً لكن هذا رأيه، هذا رأيه!
ابن أبي الحديد يدفع ويُدافِع عن أبي بكر وعمر بلهجة قوية وحُجج بيّنة في عشرات المواضع، هل هذا رافضي؟ ابن أبي الحديد – رحمة الله تعالى عليه – يا شيخ داهوم – علَّمك الله ما لم تكن تعلم وأنا إن شاء الله وجميع المُستمِعين والمُشاهِدين – مُتوقِّف في إيمان أبي طالب، قال لا أدري هل هو مُسلِم كما يقول الإمامية الاثنا عشرية كلهم أم لا، لا تجد إمامياً إلا يقول بإسلام أبي طالب، وهو القول الذي جنح إليه بعض أئمة أهل السُنة كالتقي السُبكي وهو من المُتوسِّطين في التاريخ ومن المُتأخِّرين أحمد زيني دحلان – رحمة الله عليه – صاحب أسنى المطالب وغير هذين، وألمَّح إليه القرطبي قليلاً، لكن على كل حال لا تجد إمامياً إلا وهو قائلٌ بإسلام وإيمان وولاية أبي طالب، فلو كان ابن أبي الحديد رافضياً أو إمامياً لقال بإسلام أبي طالب، إلا أنه مُتوقِّف، قال أنا مُتوقِّف فيه، لا أعلم، هل هو مُسلِم أم بقيَ مُشرِكاً؟ لا أدري، الأدلة عندي مُتكافئة، هناك أدلة قوية تشهد بإسلام أبي طالب، قوية جداً جداً يا إخواني، سوف يُقال الآن أرأيتم؟ رافضي خبيث عدنان، لكن أنا أحكي العلم، لا نُريد أن نفتح في هذا الموضوع لكننا سنفتح فيما بعد، سنُضطَر إلى هذا وسنعقد مُحاضَرة عن إيمان أبي طالب ونقول ما الرأي فيها، سوف نأتي بآراء العلماء وننظر، علم! هذا علم يا جماعة وليس ديناً وكفراً، أي ليس كفراً وإيمان، هذا علم، مسائل نُناقِشها، ما المُشكِلة؟
ابن أبي الحديد مُتوقِّف إذن في أبي طالب، ابن أبي الحديد شارح النهج – رحمة الله تعالى عليه – يرى جواز وقوع الشرك من آباء الأنبياء أخذاً بظاهر آيات آزر، هل هذا واضح؟ على أن الإمامية من عند آخرهم يمنعون وقوع الشرك من آباء وأمهات الأنبياء، هل فهمتم؟ فكيف يكون رافضياً؟ يا جماعة إرسال الكلام مسألة سهلة والتحقيق في القول مسألة صعبة.
إذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شيئًا فدَعْهُ وجاوِزْهُ إلى مَا تَستَطِيعُ.
إذا لم تقتل الشيئ بحثاً لا تتكلَّم فيه، لا تتكلَّم هكذا!
ذات مرة ناقشت أيام بلية يزيد بن مُعاوية الخبيث المهتوك الستر رجلاً أزهرياً، جاء يُناقِشني رجل أزهري، ورجل أزهري مُحكِّم، قال التفتازاني شيعي، قلت ما شاء الله، ما شاء الله عليك وعلى شيخك، التفتازاني شيعي؟ تفضَّل، هذا هو! يأتونك بما لم يأت به أحد من الأوائل، يُصدِّق لأنه لاث عمامة على رأسه وأطلق لحية أن عنده الحق أن يُؤلِّف تاريخاً ويفتجر تراجم جديدة ما أنزل بها من سُلطان، ما هذا يا أخي؟ لا تتكلَّم بغير علم، تكلَّم فيما تفهم، لا تغلط وتُؤلِّف أشياء من لدنك، هل هذا واضح؟
تركنا هذه المسألة وهي مسألة يسيرة طبعاً، ليست مسألة علمية، لكن أنا هكذا، أنا أخذت على نفسي بعد أن استمعت إلى إخواني المشايخ الثلاثة – أصلح الله أحوالهم وأحوالي – أن أرد على كل ما أوردوه، والآن سأفعل هذا وعليكم أن تتحمَّلوا عشر ساعات أو خمس عشرة ساعة أو عشرين ساعة، الله أعلم، سوف نرى، نحن ماضون إن شاء الله تعالى، وإن شاء الله لا أُضطَر بعد ذلك أن أرد على أشياء أُخرى مثل هذه الأشياء، على الأقل هذه نماذج طبعاً وإذا امتد إلى عشر ساعات وما إلى ذلك تُبيِّن فعلاً أين الشُبهات والتشغيبات وأين الأدلة والبيّنات – أليس كذلك؟ – وكيف يكون النقاش العلمي بالأدلة، استعظم الشيخ عثمان – حفظه الله – أمراً وطبعاً عرض لي مقطعاً من خُطبة حاربت أو أسهمت فيها أو رميت فيها بسهم دُعاة التكفير، كنت أُحارِب دُعاة التكفير وشق الأمة وتمزيقها وتكلَّمت عن العُذر بالجهل وأتيت بأدلة، السياق مُهِم جداً، السياق Context! أنت ما مُشكِلتك مع عائشة يا عدنان إبراهيم؟ هل أنا عندي مُشكِلة مع أم المُؤمِنين؟ حاشا لله، ولكن خُطبتي في التكفير وإقامة المعاذير وأن الجهل في الجُملة عذرٌ، في كتاب الله إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنـَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۩، أنُكفِّر الحواريين؟ يتساءلون هل يقدر الله على هذا؟ يا هل تُرى – كما نقول بالعامية – الله يقدر على فعل الله؟ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۩، نوع من عدم الوضوح هنا، الله قادر على كل مُمكِن وعلى كل مُحال لغيره، أما المُحال لذاته فلا معنى له حتى تتعلَّق به القدرة باختصار، وأوردت حديثاً يتعلَّق بالموضوع، المُشكِلة ليست معي، ليست جريمتي، إذا كانت جريمة أن عائشة تجهل صفة من صفات الرب الجليل – لا إله إلا هو – فهذه ليست جريمة عدنان، ستكون جريمتي لو اخترقت هذا وائتفكته، أي أفيكة من أفائكي، وإن شاء الله لا أفائك لي، لكن هذا حديث في صحيح مُسلِم، ماذا أفعل يا أخي إذن؟ ماذا أفعل؟ هل أحرق صحيح مُسلِم وأُخرِّقه على طريقتهم “حرِّق وخرِّق”؟ هل أكذب؟ موجود في الصحيح، عائشة تسأل النبي: مهما يكتم الناس الله يعلم؟ هل أي شيئ نُخفيه في الليل وما إلى ذلك الله يعرفه؟ قال نعم، ما المُشكِلة؟ وقلت عائشة كانت تجهل هذا الشيئ، يُوجَد فرق بين أن أقول عائشة كانت تجهل هذا وأن أقول عائشة جاهلة، لو قلت هكذا – حاشاها – ماذا سيكون المعنى؟ أنني أرميها هكذا بالجهل، أنها إنسانة جاهلة، لم أقل هذا أبداً، لا يقول حتى هذا الشيعي مِمَن يُبغِضون عائشة، لأنه يعلم أنها كانت عالمة، عندها علم واتساع في الرواية، امرأة ذكية وتعرف الطب والنجوم والشعر والأدب، امرأة كما وصفتها ضرس، كانت ضرساً قاطعاً، وامرأة عالمة وأديبة، لم تكن عائشة كأي أحد، لكن صحيح مُسلِم يقول لنا أنها ما كانت تعرف هذه الصفة والنبي علَّمها، ظنت أنها تستخفي في الليل وتتبع النبي دون أن يعلم الله، والآن سأتلو عليكم الحديث تماماً وتعليق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، فإذا كان هناك ملام وعتب يا مشايخي لا يكون على عدنان إبراهيم، يكون على صحيح على مُسلِم وعلى ابن تيمية، لماذا؟ سنرى الآن ماذا قال ابن تيمية.
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، دار عالم الكتب، الرياض، المُجلَّد الحادي عشر: التصوف، صحيفة أربعمائة وإحدى عشرة، قال شيخ الإسلام: ومَن تتبع الأحاديث الصحيحة وجد فيها من هذا الجنس ما يُوافِقه كما روى مُسلِم في صحيحه عن عائشة – رضيَ الله عنها – قالت: ألا أُحدِّثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: بلى، قالت: لما كانت ليلتي التي النبي – صلى الله عليه وسلم – فيها عندي انقلب فوضع رداءه – أي على عاتقه – وخلع نعليه – حتى لا يصدر صوتٌ – فوضعها عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه واضطجع فلم يلبت إلا ريثما ظن أني رقدت فأخذ رداءه رويداً وانتقل رويداً وفتح الباب رويدا فخرج ثم أجافه – أغلقه أو صكه كما نقول، لكن لم يصكه صكاً وإنما أجافه – رويداً فجعلت درعي – أي مِدرعتي كما يُسمونها – في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع – هي ظنت أنه يذهب إلى إحدى زوجاته، ظنت أنه يحيف عليها، يظلمها في ليلتها وحاشاه، ظنت هكذا .- فقام – كان يُحِب النبي كثيراً شهداء أُحد ويدعو لهم كثيراً – فأطال القيام – انظر إلى الوفاء الذي عنده، وفاء عجيب، هو كان يحن إليهم ويقول هؤلاء أشهد عليهم، هؤلاء أشهد عليهم! مضوا ولم يأكلوا شيئاً من أجورهم، أما أنتم فقد أكلتم بعض أجركم ولا أدري ماذا تُحدِثون بعدي، وفاء وعدل، ويقول هذا لمَن؟ لقومٍ فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، يقول لهم هذا – ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت وأسرع – أي عائداً – فأسرعت فهرول وهرولت وأحضر – أزيد من الهرولة – وأحضرت – كإحضار الفرس – فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت فقال: ما لكِ يا عائشة حشيا رابية؟ – ما معنى حشيا؟ من الأحشاء، الأحشاء مُرتفِعة، رابية لأن الصدر يرتفع، من ربا، أي ازداد – قالت: لا شيء. قال: لتُخبِريني أو ليُخبِرني اللطيف الخبير. قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته – حصل كذا وكذا -. قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت: نعم فلهزني في صدري لهزة أوجعتني. ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ – هل ظننت أنني أظلمك في ليتك؟ – قالت: قلت مهما يكتم الناس يعلمه الله؟ قال: نعم – هكذا، قالت: قلت مهما يكتم الناس يعلمه الله؟ قال: نعم -، قال: فإن جبريل – عليه السلام – أتاني حين رأيت فناداني – فأخفاه منكِ فأجبته وأخفيته منكِ ولم يكن يدخل عليك وقد وضعتِ ثيابك – شيئ عجيب، جبريل يستحي – وظننت أنك رقدتِ وكرهت أن أوقظكِ وخشيت أن تستوحشي – فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم. قلت: كيف أقول يا رسول الله؟ – أي عائشة، كأنها تقول له وأنا إذا أردت أن أذهب كيف أقول؟ – قال: قولي: السلام على أهل الديار من المُؤمِنين والمُسلِمين ويرحم الله المُستقدِمين منا والمُستأخِرين وإنا إن شاء الله للاحقون.
اسمعوا تعليق شيخ الإسلام الآن، على كل حال هذا قرأته قبل ربع قرن ولم أعد إليه إلا اليوم الآن، الآن والله، لم أقرأه في البيت، وضعت هذا الورق وأتيت، من رع قرن! وأعلم أن ابن تيمية علَّق عليه وأثبت ما أثبته، أي أننا لم نأت ببدع، هذه حقيقة، يقول: فهذه عائشة أم المؤمنين: سألت النبي – صلى الله عليه وسلم – هل يعلم الله كل ما يكتم الناس؟ فقال لها النبي نعم، وهذا يدل على أنها لم تكن تعلم ذلك – ترجموا لم تكن تعلم ذلك، ماذا يُساوي بكلمة واحدة؟ كانت تجهل هذا، لأن الجهل في اللُغة وفي الاصطلاح هو عدم العلم مِمَن شأنه العلم، لا يُقال الحائط يجهل وأكرمكم الله مثلاً السنور يجهل أو الحية تجهل، لا يُقال هذا، الإنسان يجهل، احفظوا هذا التعريف: الجهل هو عدم العلم مِمَن شأنه العلم، يُقال يجهل، ما معنى يجهل؟ لا يعلم، ما المُشكِلة؟ وأبو بكر وعمر وغيرهما يجهلون أشياء كثيرة، وسوف ترون الآن بعد قليل هذا، بالتصريح يجهل! ماذا جهل أبو بكر؟ ماذا جهل عمر؟ الأمر لا يقتصر على عائشة فقط، أرادوا أن يُفهِموا الجمهور غير هذا، انظروا إلى هذا الزنديق، هذا السخيف يقول عائشة تجهل، وتجهل ماذا؟ صفة من صفات الله، أنا قلت هذا بالله عليكم أم قاله مُسلِم في صحيحه؟ وبالحري قالته عائشة عن نفسها، لماذا لا تُظهِرون للناس الحقائق؟ ماذا تُريدون؟ ثم أن ما معنى أن عائشة تجهل أو لا تجهل؟ أليست عائشة خلقاً من الخلق؟ أليست بشراً يتعلَّم؟ لن أتحدَّث عن عائشة يا سيدي، رسول الله هل علم كل ما انتهى إليه علمه في آخر لحظة من حياته في أول لحظة من نبوته؟ أبداً، قال تعالى وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ۩، وقال أيضاً وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ۩، هناك أشياء لا تعلمها، استزد حتى نُعطيك ما لا تعلم، أي ما تجهل، قال وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ۩، أن يجهل المرء شيئاً ليس سُبة يا إخواني، السُبة أن يكون جاهلاً، يُقال إنسانٌ جاهلٌ، ما معنى أنه جاهلٌ؟ ما تعلَّم ولا يتعلَّم، هذه سُبة طبعاً، جاهل! لماذا أنت جاهل؟ لكن إنسان عالم أو علّامة أو صحابي جليل أو مُتعلِّم يعلم أشياء كثيرة ويجهل أشياء، طبيعي جداً جداً جداً، والآن سأقرأ عليكم أشياء كثيرة تُؤكِّد جهل كبار الصحابة، البخاري أكَّد هذا، أن كبار الصحابة يجهلون أشياء في الدين، ما المُشكِلة يا أخي؟ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ ۩، عندهم طريقة غريبة هؤلاء الناس، كأنهم يُحِبون أن يُفهِموا الأمة أن الصحابة فعلاً معصومون – ليست حتى عصمة – بل كأنهم أرباب، عائشة هذه خرجت من رحم أمها وهي تعلم كل شيئ، ممنوع أن تنسب إليها في أي محطة من محطات حياتها أنها جهلت شيئاً، أي فكر هذا؟ أي علم وأي فقه هذا؟ ماذا تفعلون بنا؟ اتقوا الله في عقلية المُسلِمين، ويُشنِّعون علىّ كأنني أتيت شيئاً إداً أو ارتكبت أمراً نُكراً، غير معقول، ماذا يقول ابن تيمية؟ – ولم تكن قبل معرفتها بأن الله عالمٌ بكل شيء يكتمه الناس كافرة – قال نحن لا نُكفِّرها، هي لم تكن تعرف هذا، لم تعرف! تظن كما قلت في خُطبتي قبل سنين أن الله تبارك وتعالى يرى الأشياء الظاهرة بذاتها في النهار وفي الضوء، أما الأشياء التي في الليل والتي نستخفي بها لا يعرفها، لم تكن تعرف! هل نُكفِّرها؟ يقول شيخ الإسلام لا نُكفِّرها، لأنها كانت جاهلة، تجهل هذا الشيئ – وإن كان الإقرار بذلك – بأن الله لا يعلم ما نستخفي به في فحمة الليل – بعد قيام الحجة من أصول الإيمان – فيُصبِح جحده كفراً بعد قيام الحُجة الرسالية كما يُسمونها – وإنكار علمه بكل شيء كإنكار قدرته على كل شيء……… إلى آخره.
إذن هل هذا واضح؟ نحن لم نرتكب جريمة حين قلنا عائشة كانت تجهل هذه الصفة أو تجهل هذا المعنى، تجهل أن علم الله لا يتعلَّق فقط بالنهار وبالشيئ المُبين الواضح، يتعلَّق حتى بما نستخفي، يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ۩، يعلم ما هو دون السر لا إله إلا هو، يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ۩، وحُولت دون القلوب، هل هذا واضح؟ فهذه هي مسألة عائشة جاهلة، أنا لم أقل جاهلة، وطبعاً هم لم يقولوا حتى قال هذا، قالوا جاهلة بهذا الشيئ، ودوا لو يكتمون “هذا الشيئ”، نعم وما زلت أقول: عائشة كانت تجهل هذه الصفة أو هذا المعنى من هذه الصفة بنص حديث مُسلِم في صحيحه وكلام شيخ الإسلام.
بعد ذلك دعونا نرى حديث ذات أنواط، وإخواننا الحنابلة بالذات يُحِبون هذا الحديث كثيراً، الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمة الله عليه – وكل أتباعه يُحِبون حديث ذات أنواط، لأنهم يتحرَّجون جداً في موضوع الوسائل الشركية وذرائع الشرك، يسدون كل ذريعة، جيد!
تعرفون حديث ذات أنواط، حديث أبي واقدي الليثي الذي أخرجه الإمام الحُميدي والإمام أحمد بن حنبل والترمذي والنسائي في الكُبرى وأبو يعلى الموصلي في مُسنَده، عن أبي واقدي الليثي أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً – خرج إلى حُنين – مُهِمة جداً كلمة حُنين، أي هوازن، لماذا؟ متى كانت حُنين يا إخواني واخواتي؟ بعد فتح مكة بزُهاء أسبوعين، واضح إذن أن الذين ارتكبوا هذه المُخالَفة وطلبوا هذا الطلب العجيب الغريب المرفوض المنكور كانوا من الطُلقاء وحديثي العهد بالإسلام، يستحيل أن مُسلِماً مُهاجِرياً أو أنصارياً يطلب هذا الطلب، هل هذا واضح؟ حتى تفهموا كلمة حُنين، بعد الفتح بأسبوعين فقط، تمام! وبالمُناسَبة مِمَن ذهبوا إلى حُنين مع النبي يُقاتِلون جماعة لم يُسلِموا بعد، تعرفون هذا؟ ومنهم صفوان بن أُمية، قال انظر كيف يتكلَّم عن صفوان؟ يقول آمن على خرفان! طبعاً على خرفان آمن، آمن على خرفان وما زلت مُصِراً وسأُثبِت هذا بالدليل لأنه كان كافراً، صفوان ذهب إلى حُنين مُشرِكاً بإجماع كتّاب السيرة، كونوا صادقين في الأدلة بالله عليكم يا إخواني، على كل حال خرج إلى حُنين النبي – فمر بشجرة يُقال لها ذات أنواط – واضح من روايات الحديث ومن كل كتب الشروح على هذا الحديث أنها كانت شجرة يُقدِّسها المُشرِكون والعياذ بالله، شجرة مُقدَّسة، تُعبَد والعياذ بالله – يُعلِّقون أسلحتهم عليها – يُعلِّقون سيوفهم ومتاعهم عليها -، فقالوا – مَن؟ الصحابة لكن ليس كلهم، أنا مُتأكِّد أن هؤلاء الطُلقاء والذين أسلموا حديثاً – يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط – ذات أنواط؟ شجرة تُعبَد من دون الله شركية، أتُريدون ذات أنواط؟ -، فقال النبي الله أكبر، هذا كما قال بنو إسرائيل اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ۩، الله أكبر، سَنن مَن كان قبلكم.
ما المُراد بسَنن؟ الطريق، تسيرون في نفس الطريق، مَن الذين طلبوا هذا الشيئ؟ بتعريفكم صحابة، ليسوا مُسلِمين عاديين مثلنا وإنما صحابة، طُلقاء وغير طُلقاء طبعاً، مُستحيل! لا هم أنصار ولا هم مُهاجِرون، طُلقاء صحابة، بتعريفكم صحابة، سؤال واحد للمشايخ الفضلاء: يجهلون أو لا يجهلون أن هذا الشرك مُحرَّم؟ أجبوني، يجهلون! لو قلت يعلمون أنت حكمت عليهم بالكفر، يجهلون! صحابة وجهلة، ما المُشكِلة؟ علَّمهم النبي، قال الله أكبر، تطلبون هذا؟ سَنن بني إسرائيل، لكنكم استعظتم قولنا أن عائشة تجهل، قضية خطيرة أصبحت، فلنتركها الآن، الصحابة لما قالوا ما شاء الله وشاء محمد – قالوا هكذا ما شاء الله (و) شاء محمد بالتشريك – ماذا قال النبي؟ لا تقولوا هكذا، قولوا ما شاء الله وحده، لأن مشيئة العباد بمَن فيهم رسول الله – صلى الله عليها وسلم – كلها تبعٌ لمشيئة الله، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۩، فلا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، الصحابة حين قالوا هذا كانوا يجهلون أو لا يجهلون حُرمة هذا الشيئ؟ يجهلون، وعلَّمهم ورفع جهالتهم، ما المُشكِلة؟!
الإمام أحمد – رحمة الله تعالى عليه – في مُسنَده وأبو عبد الله بن ماجه في سُننه والإمام الألباني في إرواء الغليل حسَّن هذا الحديث: عن عبد الله بن أبي أوفى، يقول لما قدم مُعاذ من الشام سجد للنبي، قدم مَن؟ مُعاذ بن جبل، عالم من كبار علماء الصحابة، تعرفون مُعاذ بن جبل مَن هو وماذا ورد في حقه وفي حق علمه، ورد من الشام، كان في الشام، أول ما جاء ورأى النبي سجد للنبي، خر ساجداً، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – ما هذا يا مُعاذ؟ ما هذا الذي تفعل؟ ما هذا يا مُعاذ؟ قال يا رسول الله أتيت الشام – الشام فيها نصرانية كما تعرف وهناك روم وما إلى ذلك – فوجدتهم أو وافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم – أي البطريرك، يُسمونه البطريق – فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، أي أحببت هذا لك، أنت أجدر وأحرى وأحق بأن يُسجَد لك، ليس للأساقفة وللبطارقة، فقال – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – فلا تفعلوا، إني لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها….. الحديث، السؤال – والحديث حسن – الآن: مُعاذ يجهل أن السجود لغير الله في هذه الساعة مُحرَّم أو لا يجهل؟ كان يجهل، لو فعله وهو يعلمه للزم منه أمر عظيم لا أفوه به وحاشاه، يجهل أو لا يجهل؟ فما الذي هالكم أن تجهل عائشة أن الله لا يعلم أشياء نستخفي بها في فحمة الليل؟ ما المُشكِلة؟ ما المُصيبة؟ هل المسألة تقتصر فقط على عائشة؟ هناك المزيد، ولذلك ارجعوا إلى أواخر صحيح البخاري، في صحيح البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسُنة باب – على الإضافة دائماً، باب كذا مجروراً، باب كذا على الإضافة، يقول لك باب الحُجة على مَن قال، هذا يعني أن الذي قال هذا الكلام كلامه صحيح أم غلط؟ غلط، فهو يقول كلامك غلط، غير صحيح كلامك – الحُجة على مَن قال إن أحكام النبي – صلى الله عليه وسلم – كانت ظاهرة – قال غير صحيح، ليست كلها ظاهرة، هناك أشياء ظاهرة وهناك أشياء غير ظاهرة وهناك أشياء معلومة للصحابة وهناك أشياء مجهولة لكم وبعضهم يعرف أشياء ويجهل أشياء، قال له غير صحيح كلامك – وما كان يغيب بعضهم عن مشاهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وأمور الإسلام، بماذا علَّق الحافظ ابن حجر على هذه الترجمة المعقودة؟ لماذا عقد البخاري هذه الترجمة؟ يقول الحافظ ابن حجر: وهذه الترجمة معقودةٌ لبيان أن كثيراً من الأكابر من الصحابة – أعيدها؟ لابد أن أعيدها، وهذه الترجمة معقودةٌ لبيان أن كثيراً من الأكابر من الصحابة – كان يغيب عن بعض ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم أو يفعله من الأعمال التكليفية.
أي يجهلونه، صحابة كبار يجهلون أشياء النبي كان يقولها ويفعلها، عادي قال، ما المُشكِلة؟ إذن مُشكِلتكم ليست مع عدنان إبراهيم، مع الإمام أبي عبد الله البخاري – رضوان الله عليه – أيضاً ومع الحافظ ابن حجر، يصف صحابة كبار – كما قال – بأنهم لا يعرفون أشياء يقولها أو يفعلها، أمور دينية تكليفية وليست أموراً عادية دنيوية.
بعد ذلك تعرفون جميعاً الحديث المُخرَّج في الصحيح، حديث استئذان أبي موسى الأشعري – رضوان الله عليه – على سيدنا عمر قدَّس الله سره، استأذن ثلاث مرات وعمر يبدو أنه كان مشغولاً، بعد ذلك ولى، خرج عمر فرآه، إلى أين يا أبا موسى؟ إلى أين أنت ذاهب، قال يا أمير المُؤمِنين استأذنت عليك ثلاثاً فلم يُؤذَن لي وأنا سمعت النبي يقول إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يُؤذَن له فليرجع، قال لتأتين عليه ببيّنة أو لأجعلنك نكالاً، أتُؤلِّفون أحاديث عن النبي؟ من أين هذا الكلام؟ أول مرة أسمع حكاية الثلاثة هذه، فأبو موسى قال هذه ورطة ومُصيبة، عمر قال له ائت بدليل وإلا سوف تُبهدَل اليوم، قال له لن أتركك، لن أعتقك كما يُقال بالمصرية، فذهب سيدنا أبو موسى الأشعري وجاء إلى جماعة من الأنصار وفيهم أبو سعيد الخدري، كان أصغرهم سناً، شاب صغير أو غُلام صغير، فوجدوه انتُقِعَ لونه، وجهه أصفر، نُزِف دمه، قالوا له ما الذي حصل يا أبا موسى؟ قال كذا وكذا حصل مع عمر وقال لأجعلنك نكالاً، سوف يُكسِّرني هذا الرجل، سيدنا عمر ليس عنده لعب، لا تلعب بالدين، قالوا كلنا يعلم هذا، كلنا نعرف هذه السُنة وقد سمعناها من النبي، النبي كان يُكرِّر هذا دائماً على ما يبدو، قالوا والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم أو قالوا أصغرنا، فقام مَن؟ أبو سعيد الخدري، غُلام صغير ذهب مع أبي موسى، أبو موسى الآن تعزَّز به، قال له كلهم يعرفون وهذا الصغير سوف يُخبِرك، فسيدنا عمر لما رأى هذا قال عجيب، قال هذا أمرٌ غاب عني من أمر رسول الله؟ كل الناس تعرفه وأنا عمر وأجهله، لقد ألهاني الصفق بالأسواق، قال طلب التجارة والمعاش – مرمة المعاش – وعقد الصفقات يومياً ألهاني، لو كنت آتي إلى النبي كل يوم وجلست معه لتعلَّمت أكثر من هذا، انظر إلى الصدق الذي عند سيدنا عمر، قال هذا ذنبي، أنا مُهتَم قليلاً بتجاراتي وبالصفقات التي تُعقَد في الأسواق فجهلت هذا الأمر الذي لم يغب عن أحد من هؤلاء الأفاضل، هل هذا واضح؟ أخفيَ علىّ هذا – قال – من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألهانا الصفق بالأسواق والحديث في البخاري وغيره، مُخرَّج في الصحيح.
عمر جهل هذه السُنة أو لم يجهل؟ – (ملحوظة) بعض الحضور قالوا جهل) – ولو كان ضرب أبا موسى لضربه ظالماً له أو بعدلٍ وقسطٍ؟ ظالماً له، لكن ربنا عصمه من أن يظلمه، قال له أُريد بيّنة، أعطيتك فرصة فاذهب وائت بها، إذن عمر جهل هذا الشيئ أو لم يجهله؟ جهله، ليس عندنا أي مُشكِلة أبداً.
في الحديث المُخرَّج في الصحيح في البخاري وغيره – مشهور جداً جداً – حديث الصحابي عدي بن حاتم الطائي – رحمه الله – قال لما نزل قول الله تعالى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۩ عمدت إلى عقالين – خيطان كبيران ثخينان -، عقال أبيض وعقال أسود، فجعلتهما تحت وسادتي، وجلعت في الليل أستيقظ وأقوم وأنظر فيهما، لن ترى فرقاً، الأبيض مثل الأسود، قال فذكرت ذلك للنبي، في رواية تعرفون ماذا قال له النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – مُمازِحاً له؟ إنك لعريض الوساد، قال إنما ذاك بياض النهار وسواد الليل، ليس بياض العقال وسواد العقال – قال له – يا عدي، فالآن عدي خفيَ عنه معنى الآية أو لم يخف؟ جهل تأويلها أو لم يجهل؟ والنبي رفع جهالته بتعليمه، ما المُشكِلة؟ والحديث في الصحيح.
في صحيح البخاري عن عبد الرحمن بن أبزى – هذا تابعي جليل له علاقة خاصة بسيدنا عمر، وذات مرة استنابه والي عمر على مكة، قال له عمر مَن هذا؟ أي مَن أبزى؟ قال له هو واحد من موالينا، عبد وأُعتِق، قال لماذا جعلت هذا المولى على مكة؟ قال له قارئ للقرآن، هذا رجل عنده قرآن، حافظ للكتاب وعنده فقه، قال إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواماً ويخفض به آخرين، استحسن عمر فعله، أي فعل الوالي، قال له أحسنت، ول الناس الأكفاء، أهل كتاب الله عز وجل، هذا ابن أبزى – أن رجلاً أتى عمر فقال إني أجنبت فلم أجد ماءً، ماذا أفعل يا أمير المُؤمِنين؟ فقال عمر لا تُصلي، جنابة ولا تُوجَد ماء إذن لا صلاة إلى أن تجد الماء، عمّار بن ياسر كان جالساً – أبو اليقظان – فقال يا أمير المُؤمِنين أما تذكر إذ أنا وأنت في سرية – غزاة صغيرة لم يكن فيها النبي – فأجنبنا؟ أنت أجنبت، أي أصبحت جنباً، وأنا كذلك أجنبت، نمنا وأصبحنا جُنباً، علماً بأنه يجوز أن نقول أصبحنا جُنباً، لماذا؟ كلمة جُنب يستوي فيها المُذكَّر والمُؤنَّث والمُفرَد والمُثنى والجمع، هما جُنب، هو جُنب، هي جنب، هم جُنب، هن جُنب، قال فأصبحنا جُنباً، فأما أنا فتمعكت ، تمعَّك بدنه في التراب، كل البدن! في رواية كما يتمعك البعير، قال فأما أنا فتمعكت وصليت، وأما أنت فلم تُصل، فقال لي النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يكفيك أن تضرب يديك بالأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك، قال له ألا تذكر هذا؟ قصة أنت كنت فيها طرفاً – سُبحان الله – والنبي أفتاني أمامك بالكلام هذا فيما بعد، فقال عمر اتق الله يا عمّار، عمر كان ناسياً، وهذا للذين يقولون كان السلف الصالح – ما شاء الله – كمبيوتر Computer، لا يُسقِطون حرف الباء ولا كذا وكذا، هذا كله كذب، غير صحيح، نعم كان عندهم ذاكرة حديدية – ما شاء الله – لكن الإنسان ما سُميَ إنساناً إلا لنسيه، فهو ينسى، عمر ينسى وأبو بكر ينسى، كل إنسان ينسى يا أخي، عمر نسيَ القصة كلها، لم يذكر قضية جُنب ولا قضية فتوى النبي ولا على باله كل هذا، هذه نسيها، ذهبت عنه، قال له اتق الله يا عمّار، قال إن شئت يا أمير المُؤمِنين لم أُحدِّث به، إن أردت أن أسكت لأنك أمير المُؤمِنين سأسكت، قال أوليك ما توليت، أي لا، أنت أدرى، انظر إلى ورع سيدنا عمر رضوان الله عليه، ورع! رغم أنه أمير المُؤمِنين خاف أن يمنع عمّاراً من التحديث بحديث ثبت عنده عن رسول الله، لأنه سيكون كتم علماً، قال له لا، أوليك ما توليت، تحمَّلها أنت أمام الله، لكن أنا بصراحة لا أتذكر هذا.
جهل عمر هذا الشيئ أو لم يجهله؟ هنا قد يقول لي أحدكم هذا عجيب، أهذا في البخاري؟ في صحيح البخاري هذا، وبالمُناسَبة مذهب سيدنا عمر وهو عينه أو ذاته مذهب سيدنا أبي عبد الله بن مسعود وجماعة من أصحابه كالنخغي وأبي عطية وغيرهما أن الجُنب إذا لم يجد الماء لا يتيمم ويدع الصلاة، ما رأيكم؟ وهذا المذهب ترون أنه راجح أو مرجوح؟ مرجوح، مرجوح جداً، لذلك ذات مرة جاء رجل وسأل ابن مسعود في نفس القضية، قال له لا يُوجَد ماء فإذن يدع الصلاة، فقال له أبو موسى الأشعري فما تفعل بالآية؟ قال له هناك آية قرآنية تتكلَّم عن هذا، أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوْا مَاءً فَتَيَمَّمُوْا صَعِيْدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوْا بِوُجُوْهِكُمْ وَأَيْدِيْكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُوْرًا ۩، يقول الراوي فما درى عبد الله ماذا يقول، لم يعرف ماذا يقول، أفحمه مَن؟ أبو موسى، قال له هناك آية قرآنية، فما درى إلا أنه قال لو رخصنا للناس في مثل هذا لخشينا إذا وجد أحدهم البرد أن يتيمم، هذا كلام غير صحيح وغير دقيق، ولذلك يقول العلّامة الحافظ ابن رجب الحنبلي في فتح الباري – ليس فتح ابن حجر، بالمُناسَبة لدينا فتحان وكلا الفتحين شرح لصحيح البخاري، لكن فتح ابن رجب إلى مُدة قريبة لم يكن معروفاً، والآن طُبِعَت منه مُجلَّدات وهو كتابٌ عجب، فعلاً فيه فوائد وأشياء جميلة جداً جداً جداً لكنه غير كامل للأسف الشديد، اسمه فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن رجب الحنبلي، مثل كتاب الحافظ ابن الحجر، فتح الباري أيضاً – وقد ورد – أو لعله قال صح – أنا نسيت الآن – عن عمر وابن مسعود أنهما رجعا عن هذا المذهب، أي رجعا إلى قول الجماهير، الله – تبارك وتعالى – أعلم، دعونا من الكلام هذا، انتهى الأمر، إذن عمر جهل هذا الحكم أو لم يجهله؟ جهل تأويل الآية أو لم يجهله؟ لم يكن هذا على باله، وابن مسعود كان مثله، وهما مَن هما!
نأتي الآن إلى حديث آخر في صحيح مُسلِم، حديث مُعاوية بن الحكم السُلمي، تلوته أكثر من مرة على المنبر ربما، سنتحدَّث باختصار لأنه حديث طويل وهو حديث الجارية الذي قال له فيها أين الله؟ وحوله خلاف كبير في العقائد على كل حال، أين الله؟ لكن نحن لا نُرجِّح هذا اللفظ، نُرجِّح أتشهدين أن لا إله إلا الله – إلى آخره – عند الإسماعيلي وغيره، لكن هذا حديث الجارية وهو حديث طويل، يقول فيه مُعاية بن الحكم السُلمي الآتي، يذكر أنه صلى خلف النبي في صلاة فعطس أحدهم فقال له يرحمكم الله، يجهل أن الكلام في الصلاة حرام، لم يعرف! صحابي ولم يعرف، ما المُشكِلة يا أخي؟ يجهل هذا الحكم، قال فرماني أصحاب رسول الله بأبصارهم، فقلت ما بالكم؟ وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ، كما نقول يا خراب بيتي، قال هذا وهو في الصلاة، تكلَّم في الصلاة وقال لهم وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ، هذا كان أعرابياً، وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ! ماذا فعلت أنا؟ فجعلوا يضربون على أفخادهم لكي يسكت، وهذا يصرخ ويتكلَّم دون أن يهمه شيئ، وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ، أي وَا ثُكْلَ أُمِّي، تعدمني أُمِّي قال لهم، ما الذي حدث؟ يا جماعة ما الذي حصل؟ ولك أن تتخيَّل هذا، صحابي ولا يعرف، صحابي مسكين طيب، ظلوا يضربون على أفخادهم لكي يسكت، قال فلما رأيت أنهم يُسكِّتونني صمت، أي سكت، قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم – والحديث أين؟ في صحيح مُسلِم، هذه ليست قصة أو حكاية أو خُرافة، موجودة في صحيح مُسلِم، قال فلما صلى رسول الله، ما معنى صلى؟ فرغ من صلاته، هو أصلاً يُصلي إماماً، أي النبي، يقول فلما صلى بمعنى فرغ – بأبي هو وأمي ما قهرني ولا نهرني، ما زاد على أن قال يا مُعاوية إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيئٌ من كلام الناس، إنما هي – أو قال هو – التسبيح والركوع والتعظيم وقراءة القرآن.
هذا الصحابي الكريم يجهل هذا الحكم أو لا يجهل؟ كيف رفع النبي جهالته؟ بتعليمه، انتهى الأمر، ما المُشكِلة يا أخي؟ قال لك تجهل؟ أجهل الشيئ، أعوذ بالله يا زنديق، تجهل؟ مسألة كبيرة! والناس العوام يُصدِّقون، أعوذ بالله من عدنان إبراهيم يا أخي، يرمي أم المُؤمِنين بأنها تجهل صفة من صفات الرب!
تعرفون الإمام الشوكاني – محمد بن عليّ الشوكاني – في نيل الأوطار ماذا كتب يقول في أبواب ما يُبطِل الصلاة وما يُكرَه فيها وما يُباح؟ يقول واحتجوا لعدم فساد صلاة الجاهل، لأن هذا الصحابي كان يجهل هذا الشيئ، ما المُشكِلة؟ يقول الشوكاني واحتجوا لعدم فساد صلاة الجاهل بحديث مُعاوية بن الحكم، واضح جداً كلام الشوكاني!
نأتي الآن إلى حديث أخرجه البخاري ومُسلِم، سُئل النبي – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – بالجعرانة – عُمرة الجعرانة التي تعرفونها، عُمرة الجعرانة تكلَّمنا عنها حديثاً طويلاً أيضاً في حلقات مُعاوية – عن رجلٍ من أصحابه كان معه مُعتمِراً، اعتمر في جُبة – هذا أول خطأ، هل يجوز لك أن تعتمر في جُبة؟ ممنوع، رداء وإزار، أليس كذلك؟ ممنوع المخيط والمحيط، هذا الرجل كان يرتدي جُبة، لابس ومتلبس كما يُقال وأتى لكي يُؤدي عُمرة – مُتضمِّخاً بطيب، وضع خلوقاً في كل مكان، وضع خلوقاً على رأسه وعلى جُبته وأتى مُعتمِراً ما شاء الله، مسكين لا يعرف، رجل على نيته، فسُئل النبي فقال انزع عنك ولم يقل لينزع عنه، بمعنى ماذا؟ جاء رجل وقال يا رسول الله هناك مَن فعل مُصيبة، قال أين هو؟ قال هناك، قال ائتوا به، هل فهمتم معنى الحديث؟ انظروا إلى السياق، فيلم تصويري، فالنبي الآن يُخاطِب مَن؟ لا يُخاطِب السائل عن شأنه وإنما الفاعل نفسه، قال له انزع عنك جُبتك واغسل عنك أثر الخلوق – الطيب – واصنع في عُمرتك ما كنت صانعاً في حجتك.
انظر إلى التعليم يا أخي، ما هذا الرسول العظيم؟ يا الله! لم يُقِم الدنيا عليه ويُقعِدها، لم يقل له أنت جاهل لا تعرف دينك ولا تتفقه به، ألهاك الإبل والشاء والغنم يا كذا وكذا، لم يقل هذا أبداً، ما أعظمه! ما أرحمه! يا ليت يُعطينا الله بعض رحمة رسول الله على الأقل بأمتنا، بأحبابنا، بالمُوحِّدين أمثالنا، اللهم افعل ذلك بنا يا رب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله عليه – في مجموع الفتاوى: وكذلك بلال – بلال بن رباح – لما باع الصاع بالصاعين – هل يجوز هذا البيع؟ هل يجوز ربا الفضل هذا؟ لا يجوز، ممنوع! الأعيان الربوية الستة: النقدان والأشياء الأربعة المعروفة – أمره النبي برده ولم يُرتِّب على ذلك حُكم آكل الربا من التفسيق واللعن والتغليظ لعدم علمه بالتحريم.
بلال كان جاهلاً بتحريم ربا الفضل، والنبي لم يقهره، لم ينهره، لم يحكم بفسقه أو بلعنه أو بكذا وكذا أبداً، لأنه كان جاهلاً بحُرمة هذا النوع من التبايع، أي ربا الفضل، هذا كلام مَن؟ ابن تيمية!
يقول ابن تيمية – رحمة الله عليه – وكذلك لم يُوجِب – صلى الله عليه وسلم – على أُسامة بن زيد قوداً ولا ديةً ولا كفارةً لما قتل الذي قال لا إله إلا الله في غزوة الحرقات – ألم يقتله أسامة؟ النبي غضب، قال له أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال يا رسول الله قالها تعوذاً، قال له هلا شققت عن قلبه؟ إلى آخر الحديث الصحيح المعروف، لكن النبي لم يُوجِب عليه لا قوداً ولا ديةً ولا كفارةً -، فإنه كان مُعتقِداً – أي أسامة بن زيد – جواز قتله بناءً على أن هذا الإسلام ليس بصحيح مع أن قتله حرام.
ما المُراد بقوله حرام؟ أي في نفس الأمر، في الواقع وفي نفس الأمر قتله حرام، أسامة لم يكن يعرف هذا، جهل أمراً تأدى به جهله إلى أن يُصيب دماً حراماً، دماً معصوماً، لا تثريب عليه لأنه كان جاهلاً، أليس كذلك؟ ومثل هذا يُجهَل؟ جهله أسامة بن زيد، ماذا نفعل؟ جهله!
لدينا قصة أبي موسى الأشعري المشهورة، ذكرتها في أكثر من درس من دروس الفقه والأصول، أتاه رجل كبير بلحية، يا أبا موسى – قال له – لقد رضعت من زوجي، يُلاعِب زوجته ورضع منها، شرب حليباً، قال له حرمت عليك، انتهى الأمر، إن رضعت تحرم، هذا المسكين طبعاً قال هذه مُصيبة، الله أكبر، أنا شيخ كبير وعندي أولاد وأحفاد، ضاعت المرأة مني، ماذا أفعل؟ فالمُهِم عظم عليه الأمر، هاله الأمر، ما هذه المُصيبة التي وقعت لي في آخر حياتي؟ أفي أعقاب عمري يحدث لي هذا؟ فقال له بعض الناس دعك منه، ماذا تُريد من أبي موسى الأشعري، عبد الله بن مسعود قالوا له، طبعاً مَن أعلم؟ معروف أن ابن مسعود أعلم بمراحل، كنَيْفٌ مُلِئ علماً كما قال سيدنا عمر، ابن مسعود هذا فقيه كبير جداً، كان علّامة، علّامة ابن مسعود! قالوا له اذهب إلى ابن مسعود، فذهب إليه وقال يا أبا عبد الرحمن اتفق لي كذا وكذا وأبو موسى أفتاني بكذا وكذا، قال إلىّ بأبي موسى، ائتوا بهذا العلّامة، فجاء أبو موسى إليه رضيَ الله عنهما، قال له يا أبا موسى أترى هذا الشيخ بهذه اللحية العظيمة صبياً صغيراً؟ الرضاع – قال له – للصبي الصغير، إنما الرضاعة من المجاعة، أليس كذلك؟ فالرضاع المُحرِّم ما أنبت اللحم وأنشذ العظم، قال له أترى هذا الشيخ بهذه اللحية العظيمة صبياً صغيراً؟ فرفع يديه أبو موسى وقال لا تسألوني وهذا الحبر بين أظهركم، هذه مُشكِلتكم، هل يُمكِن لأحد أن يترك ابن مسعود ويسأل أبا موسى؟ قال لهم، هذه مُشكِلتكم، تركتم العلّامة وأتيتم إلىّ، تركتم البحر وأتيتم إلى النهر، تركتم النهر وأتيتم إلى الشريعة، لماذا؟ قال لهم، هذه مُشكِلتكم، انظر إلى التواضع، لم يغضب، لم يقل له كسفتني وبهدلتني يا ابن مسعود أمام الناس، لم يقل هذا، هذا علم ودين يا حبيبي، دين! أهم شيئ الدين، نُريد أن نعرف الحقيقة فقط.
سوف نرى كلام ابن تيمية أيضاً في مجموع الفتاوى، ماذا قال؟ ومما يُقرِّر هذا في كلام الجاهل في الصلاة – يقول الجاهل في الصلاة – أحاديث – تُقرِّر هذا المعنى – منها حديث ابن مسعود، حديث التشهد المُستفيض: أنه قال كنا نقول – يقول ابن مسعود – في الصلاة: السلام على الله – أستغفر الله، قال السلام على الله، هل الله يطلب سلاماً من أحد؟ هل يُمكِن لأحد أن يُسلِّم الله؟ هل يُمكِن لأحد أن يمنح الله سلاماً ويُؤمِّنه؟ أعوذ بالله، معنى خطير جداً وفظيع جداً، يقول كنا نقول، أي جماعة كبيرة من الصحابة، يجهلون أن الله هو السلام، اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام، لكن يُسلَّم على الله ولا يُدعى لله بالسلام، أعوذ بالله، هو المدعو بالسلام، أليس كذلك؟ صحابة ويجهلون هذا المعنى، هذا عادي، كما قالوا ما شاء الله وشاء محمد، كانوا يجهلون هذا – من عباده السلام على جبريل وميكائيل السلام على فلان وفلان. فنهاهم – يقول ابن مسعود – النبي عن ذلك وقال: إن الله هو السلام – لا تقولوا السلام على الله، لا يجوز، وهذا الصحيح مُخرَّج في الصحيحين، في البخاري ومُسلِم، ومُستفيض هذا كما قال ابن تيمية، حديث مُستفيض، فابن تيمية قال هذا يُؤكِّد أن كلام الجاهل في الصلاة بأشياء يجهل أنها مُحرَّمة وغير جائزة لا يُبطِل صلاته، لأن النبي لم يأمرهم بالإعادة – ولم يأمرهم – يقول شيخ الإسلام – بإعادة الصلوات التي قالوا ذلك فيها مع أن هذا الكلام حرامٌ في نفسه، فإنه لا يجوز أن يدعى لله بالسلام بل هو المدعو، ولما كانوا جهالاً – قال ابن تيمية ولما كانوا جهالاً، نعيدها؟ نعيدها، قال ولما كانوا جهالاً، والضمير يعود على مَن؟ على الصحابة، قال ولما كانوا جهالاً – بتحريم ذلك لم يأمرهم بالإعادة.
فالعتب على عدنان إبراهيم أم على ابن تيمية الآن أيضاً صار؟ لم يرم عائشة بالجهل بصفة بل رمى جماعة كبيرة من الصحابة بأنهم كانوا جهالاً بأشياء في الصلاة مُحرَّمة، قال ولما كانوا جهالاً، هكذا قال! قال ولما كانوا جهالاً بتحريم ذلك لم يأمرهم بالإعادة!
نأتي إلى شيخ الإسلام الإمام الجليل ابن حزم، الإمام الجليل أبو محمد عليّ بن حزم في كتابه الماتع – هذا من الكُتب التي تمتعت بقراءتها وأنا شاب أيضاً قبل ربع قرن، كتاب جميل وعجيب – الإحكام في أصول الأحكام ماذا يقول؟ حين تذكَّرت هذا المبحث تذكَّرت ما قرأته فيه، عُدت إليه اليوم – والله – ولم أقرأ منه، فقط أعرف الصفحات الآن وسأقرأ عليكم لأول مرة الآن، قال عليّ – أي ابن حزم، ما اسم الكتاب مرة ثانية؟ الإحكام في أصول الأحكام، طبعة دار الآفاق الجديدة، هذا الجُزء الأول، معي مُجلَّد فيه أربعة أجزاء، هذا الجُزء الأول، في صفحة مائة وأربع وأربعين أو صحيفة مائة وأربع وأربعين قال عليّ الآتي، وهو محمد بن حزم – وأيضاً فقد يعلم الأقل عدالةً ما لا يعلمه مَن هو أتم منه عدالةً، وقد جهل أبو بكر وعمر ميراث الجدة – ماذا قال ابن حزم؟ قال جهل، لم يقل لم يعلما أو غاب عنهما علم، هذه ليست عبارة فظيعة، هذا ليس عيباً ولا قلة أدب، هذه عبارة علمية، غاب عنهما علم، ما المُشكِلة؟ لكن لابد أن يُزندَق عدنان إبراهيم، يرمي عائشة بالجهل بهذا الشيئ! ما المُشكِلة يا جماعة؟ عجيب يا أخي هذا، عجيب! على كل حال يقول وقد جهل أبو بكر وعمر ميراث الجدة – وعلمه المُغيرة بن شُعبة ومحمد بن مسلمة وبينهما وبين أبي بكر وعمر بون بعيد – في العدالة حتى – إلا أنهم كلهم عدول، وقد رجع أبو بكر إلى خبر المُغيرة في ذلك، ورجع عمر إلى خبر مُخبِر أخبره عن إملاص المرأة – ما المُراد بالإملاص؟ أن ترمي ولدها بغير تمام، قبل أن يتم له تسعة أشهر تُملِص مع الخوف أو مع رجة أو مع أي شيئ، لأن عمر تسبَّب في إملاص امرأة، سمع شيئاً مُعيَّناً وما إلى ذلك فبعث له، قال ائتوا بها، قالت ويلي! ما لي ولعمر؟ هل هو يُريدني؟ فنزَّلت الجنين، فصارت قضية وتحدَّثوا عن الإملاص وما الإملاص، هذه هي القضية باختصار على كل حال – ولم يكن ذلك عند عمر، وذلك المُخبر بينه وبين عمر في العدالة درج، وأيضاً فإن كل ما يتخوَّف……. إلى آخره.
الآن في الجُزء الثاني – الصحيفة الثانية عشرة أو الصفحة الثانية عشرة في الجُزء الثاني – قال أبو محمد: ووجدنا الصاحب من الصحابة رضيَ الله عنهم يبلغه الحديث فيتأوَّل فيه تأويلاً يُخرِجه به عن ظاهره، ووجدناهم رضيَ الله عنهم يُقرِون ويعترفون بأنهم لم يبلغهم كثيرٌ من السُنن – وسيأتي بأمثلة بعد ذلك، سيُطيل النفس، أشياء يجهلها الصحابة، لا يعرفونها -، وهكذا الحديث المشهور عن أبي هريرة إن إخواني من المُهاجِرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواني من الأنصار كان يشغلهم القيام على أموالهم. وهكذا قال البراء: حدَّثنا محمد بن سعيد بن نبات، ثنا أحمد بن عون، ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا محمد بن عبد السلام الخشني، ثنا محمد بن المثنى العنزي، ثنا أبو أحمد الزبيري وسفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب قال: ما كل ما نُحدِّثكموه سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم – أحاديث عن النبي لم نسمعها مُباشَرةً، لأننا كنا نحضر ونغيب، يقول البراء بمعنى الكلام فربما حدَّثناكم عن رسول الله بواسطة، ما هي الواسطة؟ صحابة، هذا اسمه مُرسَل الصحابي، مُرسَل الصحابي مقبول بشروطه – ولكن حدَّثنا أصحابنا وكانت تشغلنا رعية الإبل – يقول البراء بن عازب كنا نرعى الإبل فنسمع من أصحاب آخرين -. وهذا أبو بكر رضيَ الله عنه لم يعرف فرض ميراث الجدة – طبعاً هو السُدس، كما أخبر المُغيرة وابن مسلمة هو السُدس – وعرفه محمد بن مسلمة والمُغيرة بن شعبة، وقد سأل أبو بكر رضي الله عنه عائشة في كم كُفِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا عمر رضيَ الله عنه يقول في حديث الاستئذان: أخفيَ علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ – تلوناه عليكم اليوم هذا – ألهاني الصفق في الأسواق. وقد جهل أيضاً – رجعنا إلى عبارة ماذا؟ التجهيل، يقول وقد جهل أيضاً – أمر إملاص المرأة وعرفه غيره، وغضب على عُيينة بن حصن حتى ذكَّره الحر بن قيس بن حصن – هذا ابن أخيه، أي ابن أخي عُيينة – بقوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ۩ وخفيَ عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب إلى آخر خلافته – ولك أن تتخيَّل هذا، زُهاء عشر سنوات كان لا يعرف هذا الحُكم وبعد ذلك أجلاهم لما بلغه، عشر سنوات عمر مكث جاهلاً هذا الحُكم الشرعي عن رسول الله، ما المُشكِلة؟ -، وخفيَ على أبي بكر رضيَ الله عنه قبله أيضاً طول مدة خلافته، فلما بلغ ذلك عمر أمر بإجلائهم فلم يترك بها منهم أحداً. وخفيَ على عمر أيضاً أمره صلى الله عليه وسلم بترك الإقدام على الوباء، وعرف ذلك عبد الرحمن بن عوف. وسأل عمر أبا واقد الليثي عما كان يقرأ به رسول الله في صلاتي الفطر والأضحى – أي العيدين -. هذا وقد صلاهما رسول الله أعواماً كثيرة – عمر لم يعرف هذا، كأنه لم يتفق له أن صلاهما مع الرسول، لأن عمر بالمُناسَبة لم يكن جار النبي في المدينة، عمر كان يسكن بالعالية، زُهاء ستة كيلومترات من المدينة، لم يكن كل يوم عند النبي، هذه حياة واقعية، هل تظنون أن الصحابة كانوا يُلازِمون النبي على مدار الأربع والعشرين ساعة؟ لا، عندهم أعمالهم وأسواقهم وتجاراتهم ومعائشهم، هذا طبيعي، هذا هو طبعاً، يسأل ماذا كان النبي يقرأ في الفطر والأضحى؟ يقول ابن حزم والنبي صلى العيدين مرات عديدة، قال أعواماً كثيرة -، ولم يدر ما يصنع بالمجوس، حتى ذكَّره عبد الرحمن بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم – أي عبد الرحمن بن عوف طبعاً، قال له سنوا بهم سُنة أهل الكتاب، ابن حزم لم يذكرها هنا لكن هذه هي -، ونسيَ قبوله صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس البحرين، وهو أمرٌ مشهورٌ، ولعله رضيَ الله عنه قد أخذ من ذلك المال حظاً – من مال البحرين – كما أخذ غيره منه – لكنه نسيَ، نسيَ القضية كلها كما نسيَ قضية التيمم التي لها علاقة بعمّار، فهو نسيَ، الإنسان ينسى، هذا عمر -. ونسي أمره صلى الله عليه وسلم بأن يتيمم – هذه هي – الجُنب – هذه التي ذكرها ابن حزم – فقال: لا يتيمم أبداً – أي لو مكث حتى لأشهر أو لسنوات حتى يجد الماء كما قلنا لكم – ولا يصلي ما لم يجد الماء، وذكَّره بذلك عمّار – لكن هل قبل؟ لم يقبل، ولذلك لما أبو موسى الأشعري حاج ابن مسعود قال له لدينا حديث عمّار، ماذا قال ابن مسعود؟ قال له ألم تر أن عمر لم يقنع بقول عمّار، لم يرجع إليه، هذا يعني أنني سأفعل نفس الشيئ أيضاً، من حقي ألا أقنع، قال له عمر لم يقتنع لسبب أو لآخر -، وأراد – أي عمر – قسمة مال الكعبة حتى احتج عليه أُبيّ بن كعب بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك فأمسك، وكان يرد النساء اللواتي حضن ونفرن قبل أن يُودِّعن البيت، حتى أُخبِرَ بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في ذلك، فأمسك عن ردهن، وكان يُفاضِل – أنا أقول لكم والله لو فعلت هذا وتلوت هذا كما هو لقيل أرأيتم الزنديق الخبيث؟ ماذا يُريد من وراء هذا؟ أن يُثبِت أن عمر جاهل، يجهل مُعظَم أحكام الدين، فهل هذا صحيح؟ هذا ابن حزم والحمد لله، ليس عدنان إبراهيم، كل هذا في أشياء خفيت على عمر أو جهلها أو نسيها، هل تتهمون ابن حزم على عمر؟ أبداً، هذا لا يُمكِن، لكن هذه حقائق، ماذا نفعل؟ هذه حقائق، عمر جهل كل هذه الأشياء ونسيها، ما المُشكِلة؟ عادي، ما ضره؟ – بين ديات الأصابع، حتى بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالمُساواة بينها، فترك قوله وأخذ بالمساواة، وكان يرى الدية للعصبة فقط، حتى أخبره الضحّاك بن سفيان بأن النبي صلى الله عليه وسلم – ما المُراد بقوله للعصبة؟ ليس على العصبة وإنما للعصبة، حين يُودى أحدهم مَن الذين يستحقون أخذ ديته وقسمتها بينهم؟ فقط العصبات، أي أقاربه الذكور الذين أدلوا بذكور، هذا هو العصبة، ذكر أدلى بعصبة، أي عن طريق عصبة، لو كان ابن خالتك لا يكون عصبة، أرأيت؟ ابن عمتك ليس عصبة، ابن عمك عصبة، أرأيت؟ ابن أخيك عصبة، وإلى آخره، هذه هي العصبات، وكذلك الأخ عصبة، ذكر أدلى بذكر، الذكر الذي أدلى بأُنثى ليس عصبة، هل هذا واضح؟ فكان عمر يقول ماذا؟ الدية فقط للعصبات، النساء لا يأخذن أي شيئ، الضحّاك قال له لا، النبي ورَّث أعتقد امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، سنقرأ هذا الآن إن شاء الله – ورَّث المرأة من الدية – المرأة كما أذكرها إن شاء الله هي امرأة أشيم الضبابي، ورَّثها النبي من دية زوجها، لا أزل أذكر اسمها إن شاء الله – فانصرف عمر إلى ذلك – أي رجع إليه وأخذ به -، ونهى عن المغالاة في مهور النساء استدلالاً بمهور النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذكَّرته امرأة بقول الله عز وجل: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا ۩ فرجع عن نهيه، وأراد رجم مجنونة حتى أُعلِم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: رُفِعَ القَلَم عَن ثلاثةٍ فأمر ألا تُرجَم، وأمر برجم مولاة حاطب حتى ذكَّره عثمان بأن الجاهل لا حد عليه، فأمسك عن رجمها، وأنكر على حسان الإنشاد في المسجد، فأخبره هو وأبو هريرة أنه قد أنشد فيه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت عمر – كل هذه أشياء جهلها عمر، هذا كلام مَن؟ ابن حزم، ليس كلام عدنان إبراهيم في مسألة واحدة، العلم العلم والبحث البحث والقراءة القراءة، اقرأوا! أقول لإخواني المشايخ ولغيرهم اقرأوا، اسهروا على الكتب، اقرأوا يا إخواني حقيقةً، لكي تكون عالماً ومُنصِفاً ومُحقِّقاً اقرأ كثيراً، توسَّع، لا تأخذ أشياء وتطير بها. وقد خفيَ على الأنصار وعلى المُهاجِرين كعثمان وعلي وطلحة والزبير وحفصة أم المُؤمِنين وجوب الغسل من الإيلاج إلا أن يكون أنزل، وهذا مما تكثر فيه البلوى – مسألة الإكسال، اسمها مسألة الإكسال، خفيَ عليه هذا -، وخفيَ على عائشة – رجعنا إلى عائشة – وأم حبيبة أُمَّي المؤمنين وابن عمر وأبي هريرة وأبي موسى وزيد بن ثابت وسعيد بن المُسيب وسائر الجلة من فقهاء المدينة وغيرهم نسخ الوضوء مما مست النار – منسوخ هذا، النبي في البداية أمر بذلك، أمر بالوضوء مما مست النار، لكن في حديث جابر وغير جابر كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار، خفيَ على كل هؤلاء منسوخية هذا الأمر – وكل هذا تعظم البلوى به وتعم، وهذا كله وما بعد هذا يُبطِل ما قاله مَن لا يُبالي بكلامه من الحنفيين والمالكيين. إن الأمر إذا كان مما تعم البلوى به لم يقبل خبر الواحد.
عنده طريقة عجيبة في الاستدلال الرجل هذا، حفّاظة! حافظ كبير جداً جداً، عنده كتاب في أحاديث الأحكام اسمه الخصال في عشرين مُجلَّداً، ابن حزم رهيب، شيئ عجيب الرجل هذا، إلى اليوم إسبانيا هذه وهي نصرانية كل سنة تقريباً تحتفي بذكراه، لأنه عقلية عالمية، موسوعة رحمة الله عليه، إلى آخر ما قال، لن نقرأ كل شيئ، هذا يكفي إن شاء الله.
أعتقد أن هذا يكفي في الرد على هذه النُقطة، انتهت الحلقة؟ الحمد لله رب العالمين، إذن هذه الحلقة انتهت بانتهاء قراءتنا من العلّامة الإمام ابن حزم رحمة الله عليه وجزى الله علماءنا جميعاً خير الجزاء وعاد علينا من بركاتهم ونفحاتهم، والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق