إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. مَن يهده الله، فلا مضل له. ومَن يُضلل، فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا نظير له، ولا مثال له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وعظيمنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، ونجيبه من عباده. صلى الله تعالى عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المباركين الميامين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أحذركم وأحذر نفسي من عصيانه سبحانه ومخالفة أمره، لقوله جل من قائل مَّنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ *.
ثم أما بعد/
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات/
يقول الله جل مجده في كتابه العزيز، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ * إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ * أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاء بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ *
صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلكم من الشاهدين. اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين، اللهم آمين.
أحبتي؛ إخوتي وأخواتي/
سأعمد إلى مغزى هذه الخُطبة وغايتها من أقصر طريق، فأقول بغير تردد وبغير تحرج لا شك أن جيلنا، أعني جيل الآباء والأمهات، لا أقول في هذه الديار، وإنما في هذا العصر، سواء كان المعنيون في ديار الغرب أم في ديار الإسلام، يلحظون بألم وحزن ورثاء فجوة مُقلقة في مسالك وأخلاق وقيم الجيل الجديد. لا بُد أن نكون واضحين مع هذه الحقيقة! هذا الجيل الذي تضاعفت نسب الطلاق في زيجاته بشكل مُذهل، هذا الجيل الذي لا يكاد تقريبا يعرف معنى توقير الكبير، معنى الوفاء للأب، للأم، حتى للصديق! علاقاتهم ضعيفة، علاقاتهم شبه وقتية. ولست أعجب، لا أُريد طبعا أن أُمعن في وصف هذا الجيل؛ حتى لا أجرح أبناءنا. هم أبناؤنا في نهاية المطاف وبناتنا. وكما قلت نحن نتكلم محزونون، نحن نتكلم ونحن محزونون، في حالة رثاء وفي حالة قلق. ينبغي ألا نعجب لهذه الحالة؛ لأن هذا الجيل في عصر العولمة وفي عصر الفضاءات المفتوحة، يستمد قيمه ومُثله وقُداه وأسوته، من هذا الفتاح المفتوح، مِمَن يُسمون بالمشاهير أو بالنجوم، في المجالات المُختلفة التي تعرفونها ولا تخفى عليكم.
ولذلك، أيها الإخوة والأخوات، يأتي في صدارة وفي رأس قائمة أسباب العلاج والتوجيه والتنبيه والإيقاظ والترميم، أن نُقدم لهم بطريقة مُعجبة، تبلغ منهم مقنعا وتلمس من قلوبهم الشغاف، أن نُقدم لهم الأسوة الأكمل، والمثل الأعظم، سيد الكمال وملك الجمال – عليه الصلاة وأفضل السلام -! ليس بالطريقة التي اعتاد كثير منا؛ كثير من الوعاظ والمؤدبين والمُعلمين والدُعاة، على تقديمها. لا بُد – أيها الإخوة – أن نُعيد النظر وأن نُغلغله مُجددا في جُملة وتفاصيل الآثار التي تُخبر عن هذه الشخصية الأعظم، عن النبي الخاتم – عليه الصلاة وأفضل السلام -! عمَن أقسم الله تبارك وتعالى بعظمته خُلقه؛ وَإِنَّكَ *، الواو واو القسم، وَإِنَّكَ لَعَلى *، اللام موطئة للقسم، وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ *. شهادة من رجل فاضل، يعتز بها الإنسان ويُطرزها – أيها الإخوة – بماء الذهب، فكيف حين تأتي الشهادة من رب العالمين، لا إله إلا هو؟ من رب العالمين! ويُقسم بجلاله – لا إله إلا هو – أن نبيه وحبيبه وخليله وخاتم أنبيائه ورُسله لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ *، عَظِيمٍ *! كان يُمكن أن يقول كريم. قال عَظِيمٍ *. هناك عظمة، هناك جلال، في هذه الشخصية العظيمة!
لكن لماذا لا تنعكس، بالله، هذه العظمة وذاكم الجلال في مسالك المسلمين اليوم، في مناهج المُربين، في أخلاق أولادنا وبناتنا؟ إذن ثمة تقصير، لا أُريد أن أقول مُجرم، لكن تقصير – أيها الإخوة – غير مُغتفر، غير مغفور، في استلهام هذه الشخصية الأعظم – صلوات ربي وتسليماته عليه -. مرة أُخرى سيد الكمال وملك الجمال! إن جاز وصفه بهذا، وهو أعلى من هذا بكثير. روحي وأرواح العالمين له الفداء، صلوات ربي وتسليماته عليه، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه، في كل لمحة وحين، إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين.
قبل يومين تقريبا، بعد سماع نبأ مُعين، خطر لي أن كثيرا منا يُغادر هذه الحياة، وقد لا يذكره بالرحمة والفقدان، إلا الأقل الأقل، من قراباته ومن خلصانه! لماذا؟ وما معنى هذا؟ معنى هذا أنه أقبل إلى الحياة، ثم أدبر عنها، أو أُخذ منها – أيها الإخوة -، دون أن يترك أثرا حقيقيا! الناس يذكرون بالرحمة والمغفرة وحُسن الأحدوثة مَن ترك أثرا غائرا طيبا حسنا في حياتهم. وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ *، ترك آثارا حقيقية! وهنا يُمكن أن يُشار إلى هذا كمعيار للسعة البشرية. هناك سعة في علم الطاقة، هنا سعة في علم المعنويات، في ميدان الأخلاق.
ثم مُباشرة طفر ذهني إلى رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله -، قلت يا هنيئا له! ليهنأه ما قيضه الله له من كمالات! لهينأه ما ثقّل الله به موازينه من أجور لا يعلمها إلا الذي أعطاه الكمال، لا إله إلا هو! هذه الأمة فيها ملايين العلماء عبر عصورها وطلاب العلم، فيها عشرات ألوف الصلحاء والعرفاء وكملة الرجال – أيها الإخوة -، فيها من أهل الخير قولا وفعلا مَن لا يُحصيهم إلا الله تبارك وتعالى، وكل أولئكم في ميزانه – عليه الصلاة وأفضل السلام -! ما من نجم من نجوم هذه الأمة، إلا وهو كويكب صغير يدور في فلك النجم الأعظم – صلوات ربي وتسليماته عليه -، كلهم، كلهم! حكماء، وعرفاء، وأولياء، وعلماء، وسلّاك، ومُرشدون، ومُربون، وأصفياء أتقياء أطهار أنقياء! كلهم كويكبات صغيرة تدور في فلك النجم الأعظم – عليه الصلاة وأفضل السلام -!
ولذلك في سيرة ابن إسحاق، في حديث شق صدره، حين كان في ديار حليمة مُرضعته – رضيَ الله عنها وأرضاها -، قال ثم أتى ملكان، فقال أحدهما لصاحبه زنه، زنه بعشرة من أمته. قال فوزنني، فوزنتهم. رجحتهم! قال زنه بمئة. قال فوزنتهم. قال زنه بألف. قال فوزنتهم. قال دعه، فلو وزنته بأمته جميعا، لوزنهم. وواضح طبعا؛ لأنه لولاه – صلوات ربي وتسليماته عليه -، ما كنا أصلا، ما كنا من هذه الأمة، ولا عرفنا الله ولا دُللنا عليه، ولا عرفنا للعرفان معنى ولا للكمال مسلكا ومهيعا، مُستحيل! كل هذا من فضائله – صلوات ربي وتسليماته عليه -! فلا يجزيه عنا إلا الذي أرسله.
ونحن نضرع إلى الله تبارك وتعالى أن يجزيه عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وخير ما جزى رسولا في رسالته – صلوات ربي وتسليماته عليه -، وأن يُكرمنا بالتالي بأن نعيش على سُنته وأن نموت على ملته. وهنا على ذكر سُنته، مُباشرة بمُجرد أن نسمع بمثل هذا التعبير، يطفر إلى ذهننا للأسف، الذي يحتاج إلى مُراجعة ومُساءلة، ظاهريات السُنة! اللباس، اللحية، السواك! مرة أُخرى؛ أشبه…ماذا أقول؟ تقصير كبير، تقصير كبير في استيعاب جُزء من هذا البحر الأوقيانوس، من هذا المُحيط الهادر! اختزال معيب، واختزال مشين، لهذه الشخصية.
يطيب لي أحيانا، أحبتي في الله؛ إخوتي وأخواتي، أن أتصوره – عليه الصلاة وأفضل السلام -، لا من منظوري كمسلم، يدين له بالولاء والعرفان، في باب الدين والتوحيد، وفي باب الأخلاق والمسلك الحميد الطهور، إنما – هكذا من باب التوهم والتخيل – من منظور غير مسلم! لو نظر غير مسلم إلى رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، كيف سيراه؟ كيف سيجده؟ الجواب طبعا هنا لا يُمكن أن يكون على وجه واحد، الجواب مُقيّد حتما وبالضرورة بالصورة التي تُقدم لرسول الله، كيف يُقدمه الدُعاة والعلماء والمُربون؟ لذلك نحن نذكره في هذا المقام، في هذا اليوم المُبارك من هذا الشهر الكريم. ونحن الآن – بفضل الله تبارك وتعالى – تقريبا نصفنا الشهر، بلغنا مُنتصفه، نحن في وسْط أو في وسَط ثُلث المغفرة.
وعلى ذكر الشهر والثلاثة الأثلاث الكريمة هذه، من رحمة الله أنه بدأه أو جعل مبدأه ثُلثا للرحمة؛ لأن من مُقتضيات الرحمة – أيها الإخوة – ومُستلزماتها ترك المعاصي، وهذا ما يفعله الصوّام – بفضل الله تبارك وتعالى -، وكان من جُملة دعائه وارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني. فبفضل الله أوله ترك العصيان والخطأ والذنوب، ولذلك هو ثُلث الرحمة! على أننا لسنا ملائكة، ولسنا أنبياء ورُسلا معصومين، لا بُد أن يتطرق إلينا الزلل، لا بُد أن يأتي منا الخلل، أليس كذلك؟ فناسب جدا أن يكون الثُلث الثاني ثُلث المغفرة، لا إله إلا الله! حتى لا تيأس، لا يتخونك يأس! أنني حتى في رمضان، زل لساني بكلمة، أخطأت في حق فلان، قصّرت في شيء. مُتوقع، لا تيأس. وهذا جُزء أيضا من خُطبة اليوم.
ثم بعد ذلك يأتي العتق من النار. ولا يُعتق من النار إلا طاهر مُطهر طيب مُطيب، وكيف لا يكون كذلك وقد غفر الله له؟ نسأل الله أن نكون من المرحومين بترك الذنوب، ومن المغفور لهم بالعفو عن أخطائهم والسماح، ثم بعد ذلك أن يجعلنا من عُتقائه في هذا الشهر الكريم. اللهم آمين.
إخوتي وأخواتي/
الحياة ليست من الطول بحيث تتسع لتجريب كل شيء. الحياة الإنسانية بإزاء الأهداف والغايات والإمكانات المُتاحة للفرد فيها أقصر من قصيرة. ولو عاش الإنسان يستلهم تجاربه أو يستلهم الأُسى والقدوات الخاطئة، لاقتضى الأمر أن يعيش الحياة ألف مرة – لا أُريد أن أقول عشرة آلاف مرة، ألف مرة -، وسيظل يتورط في الأخطاء، ويُتابع على الغلط. ومن هنا – أيها الإخوة – لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ *، هذا يختصر عليك كل شيء! وبالله، دعني يا أخي، يا حبيبي في الله، يا أختي، دعونا من مقاييسنا، دعونا من حكمتنا المنقوصة المُدعاة! أن الحياة علمتني، والتجارب أقنعتني! قس كل شيء على سيدك – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -. أقصر طريق، وأنت منه وبه ومعه على يقين، أنت به – عليه الصلاة وأفضل السلام – ومعه على يقين! قس نفسك!
قد تكون شخصا كثير المعتبة، تعتب على أحبابك وعلى أقربائك وعلى أصدقائك في الكبير والصغير، كما نقول بالعامية لا تفوت، لا تعدي، لا تسمح، لا تُغضي عن شيء! كأن الحياة لديك محكومة بفلسفة القضاء، بفلسفة التحاكم والمحكمة! قس نفسك على رسول الله، ستجد نفسك مغبونا. النبي كان كثير الإغضاء، لم يكن يُحب كثير العتاب – عليه الصلاة وأفضل السلام – أبدا، كان كثير الإغضاء – عليه الصلاة وأفضل السلام -.
وورد أيضا أنه لم يكن يُفند. وفُسر التفنيد هنا بغير ما فُسرت به آية يوسف، في حق يعقوب – عليه السلام -، فُسرت في الحديث بأنه لم يكن يُكثر العتاب، هذا معنى التفنيد! لذلك – انظر – نصيحة بسيطة مثل هذه، تُنقذ بها نفسك، وتُنقذ بها ابنتك، ابنك! قل له لم يكن هذا من خُلق رسول الله. انتهينا! انتهى. من غير فلسفات والحياة علمتني والتجارب ومن رأيي وكذا وجربت! غير صحيح. هو المعيار، أنت تحتاج إلى Standard. أهم شيء في الأخلاق المعيار، Standard! هو رسول الله، عظمة! شيء عظيم، خُطة من أجمل ما يكون، والله العظيم! لا يُوجد داع للتهوك، للضياع، تضييع الوقت! لم يكن كذلك.
وعلى فكرة – سوف ترون – كل هذه الجوانب الإنسانية، علائقية بالذات وغير علائقية، في شخص أو في شخصية المُصطفى – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله -، حين تُعرض بحيدة كاملة، بحيدة! سوف تحظى وتنال وتُصيب إعجاب أي فرد بشري، من أي دين كان، لأي ثقافة ينتمي، إلى أي ثقافة ينتمي، سوف يُعجب! يقول هذا شيء مُعجب جدا جدا! لكن هل هذا مُمكن؟ نعم مُمكن، مُمكن! وما لا يُدرك كله، لا يُترك جُله. حاول، قارب. بقدر ما تقترب من هذه الشخصية المُعجبة – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فأنت تقترب من الكمال. بقدر ما تنأى عنها وتجفو وتبتعد، فأنت بعيد من الكمال، قريب من النُقصان، بل مُتورط في النُقصان.
قد تلحظون أن من السلوكات الشائعة المشينة والمؤذية، في عالمنا العربي بالذات – لا أدري العالم الإسلامي، لا أُريد أن أُعمم، لكن على الأقل بين العرب -، أننا لم نعتد على أن نُنزل الناس منازلهم، لم نعتد أن نُكرم كرام الناس، بالعكس! لدينا نزوع غير طبيعي إلى تنقص الآخرين، ونرى عزاءً في أخطاء الكبار! إذا ذهبت تُحدثهم عن عالم كبير مُجاهد، قضّى حياته في العلم والتربية والجهاد والدفاع عن الدين والأمة، يقول أحدهم لك ولكن أليس هو الذي فعل كذا كذا كذا؟
هل أُحدثك عن إله؟ هل أُحدثك عن نبي معصوم؟ أنا حدثتك عن عالم، هذه حسناته الكثيرة المُتكاثرة، التي شهد بها القاصي والداني، عميت عنها! ولم تقع إلا على غلط – ولنُسلم أنه غلط؛ لأنه ليس معصوما -؟ هذا طبع الذباب كما قال أحد العلماء، قال بعض الناس طبعهم من طبع الذباب، لا يقعون إلا على العقر. الذباب لمَن يلبس ثوبا أبيض نظيفا مُطيبا، لا يقع إلا على العقر. إذا وجد جراثيم، آثار جُرح، وهو العقر، يقع عليه! بعض الناس كذلك! خُلق رديء جدا جدا. رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه – لم يكن كذلك.
بعض الناس يفعل الآتي، باسم بعض القيم، التي لا تُفهم جيدا، ولم تُستوعب! مثلا قيمة الأخوة، هل أجل وأعظم من الأخوة؟ لكن قيمة الأخوة وأنني أخوك في الله وأنت أخي في الله، بعيدا عن العناوين، لا تُسقط المثابات والاعتبارات! قوموا لسيدكم. ولم يكن يدعو بالقيام لكل قادم ولكل أحد، لكن هذا سعد بن مُعاذ، سيد قومه! قوموا لسيدكم. انتبه! نحن باسم الأخوة وهذا أخي، نُسقط كل الاعتبارات! غير صحيح. يبقى الكبير في سنه، الكبير في علمه، الكبير في صلاحه، الكبير في سُلطته، في تنفذه، له مكانته ومثابته، يبقى صاحب الفضل بفضله، صاحب الميزة بميزته، ويُقر له بها، ذكرا واضحا مُحددا مُعينا. هذا كان من أخلاقه – عليه الصلاة وأفضل السلام -.
قد أكون ذكرت لكم مرة عن الفيلسوف والكاتب، وكان يُرى حكيما في قومه، رالف والدو إمرسون Ralph Waldo Emerson، في القرن التاسع عشر، صاحب المقالات! أنه كان يقول علامة العظيم أن الصغار يكبرون، يعظمون، في جواره. يُعطيهم فُرصة أن يعظموا! وعلامة الحقير، أنه يُصغّر العظمة! لأنه حقير، حقير – أيها الإخوة – تعتاص عليه، وتُحركه، تبعثه، عُقدة نقص، لا يرتاح في وجود مَن هم خير منه، ولو في زاوية! شيء غريب يا أخي! بعض الناس لا يُريد حتى أن يُقر بتفوق غيره، ولو في زاوية! لماذا؟ هل أنت مجمع الكمالات؟ هل أنت مجمع الفضائل؟ شيء لا يكاد يُصدق!
لكن انظروا إلى نبيكم – صلوات ربي وتسليماته عليه -، فيما رواه الترمذي، وغير أبي عيسى الترمذي، يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – أرحم أمتي بأمتي أبو بكر. يُوزع النياشين، هذه النياشين! هذه النياشين الحقيقية! هذا…ماذا أقول لكم؟ هذا تلخيص الشخصيات، التلخيص المُكافئ لعظمة الشخصية، التلخيص المُثيب أيضا المُجزي لاجتهاد الشخصية. أرحم أمتي بأمتي أبو بكر. وأشد أمتي في أمر الله عمر. الفاروق شديد في الحق، ما شاء الله! وأشدهم حياء عثمان بن عفان. وأقضاهم علي بن أبي طالب. وأعلمهم بالحلال والحرام مُعاذ بن جبل. وفي رواية أفرضهم زيد بن ثابت. وأقرأهم – أي لكتاب الله تبارك وتعالى – أُبي بن كعب. وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر. شيء غريب! أمة وحده. قالوا يا رسول الله، أفنعرف له ذلك؟ قال نعم، اعرفوا له ذلك. هذا رجل لا يتلجلج في الحق أبدا، ولا تلتبس عنده ولا تشتبه الأمور، الحق حق والباطل باطل. ولكل أمين – في الحقيقة ذكرها قبل أبي ذر -، وأمين هذه الأمة أبو عُبيدة بن الجراح.
نحن باسم التجافي عن المدح – لا تمدح أخاك، لتقسم ظهره – نفعل العكس! وأين أنت من هذا الحديث؟ لا بُد أن أمدحه على الأقل مرة، أو مرارا؛ لكي أُقيم منه قدوة، لكي أُعلي من شأنه في بابه، لكي أدل على فضله في بابه. ائتوا الفضل من بابه، ائتوا الفضل! هذا هو المُربي، الذي همه الأمة. يا الله، يا الله، يا الله! أعان الله أمة، أعان الله معشرا من الناس، يقودهم ويتصدرهم رجل همه نفسه، أن ينتصر لنفسه، أن يُعبّد الناس لنفسه، أن يُقنع الناس بنفسه! مُصيبة أُقسم بالله العظيم، بالله العظيم مُصيبة المصائب! حين تُقاد العشائر والقبائل والأمم والدول بأمثال هذه الشخصيات المُهتزة، التي تُعاني عُقد النقص. حياته كلها هكذا! مصائر الأمة تكون فقط لكي تُعالج عُقد النقص! هذه مُصيبة كبيرة! لكن أين رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -؟
قد أكون ذكرت لكم مرة أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – لقي من قومه، وبُليَ وابتُليَ بصنوف المحن والفقدان والأسى والأحزان، ما لم يُبتلى أحد من أصحابه بمثله! لكن بالله هل سألنا أنفسنا؛ هل أورثه هذا مرارة؟ بعض الناس على إثر تجارب صعبة يمر بها، تستحيل شخصيته إلى شخصية مُرة، فيها مرارة! في السلوك، في النظرة، في الكلام، في الأفعال، في ردود الأفعال. وهذا شيء طبيعي، هذا الوضع طبيعي، بشري، حيوي! لكن هل رسول الله استحالت شخصيته إلى هذه الشخصية؟ ليس لأنه نبيي، اقرأوا سيرته! بل والله، وأنا على منبره – عليه الصلاة وأفضل السلام -، ازدادت جمالا ورقة ولطفا وحُسن معشر، شيء عجيب! أدبني ربي، فأحسن تأديبي. لم يكن يُعاني من مشاعر اضطهادية! أنا الذي جئتكم بالخير، ودللتكم على الله، وأمرتكم بالفضائل، فكافأتموني بكذا وكذا وكذا وكذا وكذا! أبدا، أبدا، أبدا.
من عظمة شخصيته أيضا واعترافه للآخرين كما قلت لكم بأفضالهم ومزاياهم ومثاباتهم والسماح لهم بأن ينموا وأن يعظموا وأن يُحققوا مُنتهى كمالاتهم المقدورة لهم، أنه – عليه الصلاة وأفضل والسلام – أمر بالآتي، وأنا هنا لست في معرض الحديث عن تعاليمه، أنا في معرض الحديث عن مسالكه، عن سلوكه. هذه الخُطبة تُجيب عن سؤال، جُزء بسيط جدا، قطرة في بحر من جواب عن سؤال؛ كيف وإلى أي حد جسد – عليه الصلاة وأفضل السلام – بسلوكه تعاليمه؟ بالعكس! المُعجب جدا من تعاليمه، مأخوذ من مسالكه، ليس فقط من مُجرد أقواله، وهذه ميزة غير طبيعية على فكرة! غير طبيعية!
متى تعرفون أنها غير طبيعية؟ حين تُقارنون هذه الشخصية العظيمة، التي لا تُقارن، تُقارنون بها، الشخصيات الأُخرى، التي أُعطيت أنواط الإصلاح وأنواط العظمة وأنواط القدوة وأنواط التعليم وأنواط…وأنواط…في الشرق والغرب. كثير جدا من تلكم الشخصيات تنطوي على جوانب حقيرة، بالغة الحقارة! ليس على مُستوى التعليم، في التعليم جيدة مُعجبة، إنما على مُستوى المسالك. وأعتقد للعبد الفقير خُطبة قديمة نوعا ما، من بضع سنين، عنونتها؛ النبي أو الرسول أو محمد..والأنبياء الكذبة. تحدثت فيها عن هذه الجوانب الحقيرة، في الشخصيات التي زُعم فيها أنهم مُعلمو البشرية، أساتيذ الدنيا! مثل جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau وأمثاله. المُهم، جوانب حقيرة، كارثة، كارثة حقيقية!
لكن انظر إلى محمد – صلى الله على محمد وآل محمد -، هذا بحد ذاته أكبر دلائل النبوة. من الصعب جدا أن تنعدم المسافة بين التعاليم العالية المُعجبة وبين المسالك، لماذا؟ لأن القول رخيص، الكلام رخيص. يستطيع – أعزكم الله – أسفل الناس، أن يتحفظ عشرات الآي ومئات الأحاديث وعشرات الحكايا والقصص، ثم يعتلي منبرا؛ منبرا حقيقيا أو منبرا افتراضيا، لكي يتلو على الناس تعاليم الأخلاق، كأنه مُتحدث باسم الأخلاق! فتشه في خويصته، فتشه على مُستوى عائلته ومعارفه، يقل لك أخس الناس، أكثرهم انتهازية، أحقر الناس. ما أغنى الكلام الكثير وشقشقة الألفاظ! رسول الله نسيج وحده في هذا الباب.
الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – علم أمته وحذرهم من أن يكتموا فضل مَن تفضل عليهم، أن يكتموا فضل مَن تفضل عليهم في كل الأبواب، ممنوع أن تكتم. قال مَن أوليَ – في حديث طلحة بن عُبيد الله الشهيد، عند الطبراني – معروفا، فذكره، فقد شكره، ومَن كتمه، فقد كفره. إياك! مَن له عليك معروف، قلها بكل افتخار، بكل سلامة وصحة نفسية؛ فلان له علي معروف، مادي! فلان أقرضني، فلاني أهداني، فلان أعطاني، فلان أرشدني، فلان نهاني عن زلة مُعينة زللتها، فلان علمني وهذبني. كُن سويا، كُن إنسانا طبيعيا. النبي يُعلمك أن تكون إنسانا طبيعيا. لا تكن جاحدا، لا تكن كافرا للنعمة، لا تكن مُتشرنقا حول ذاتك.
العجيب جدا في حديث حُنين، وتعلمونه تقريبا جميعكم، حين قسم – عليه الصلاة وأفضل السلام – غنائم حُنين في المُهاجرين والمؤلفة، ولم يُعط الأنصار شيئا. الأنصار كانوا هم أصحاب الديار في المدينة، وعندهم كل شيء! له نظرة النبي. فشباب، بضعة شباب، حُدثاء الأسنان، من أبناء الأنصار، تكلموا! أي قالوا تنكبنا، وأعطنا هؤلاء، أي الذين – بمعنى الكلام – لم تجف سيوفنا من دمائهم. هؤلاء حاربوا الإسلام إلى الساعة الرابعة والعشرين، كما أقول دائما، الآن يُعطون، ويتنكبنا؟ فبلغت مقالتهم الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فدعا بالناس، وكان له قُبة من أديم، ثم خرج عليهم وقال ما مقالة سمعتها بلغتني عنكم أيها الأنصار، قلتم كذا وكذا وكذا؟ إلى أن بلغ الآتي! فذكرهم طبعا بفضل الله عليهم به؛ ألم آتكم ضلالا، فهداكم الله بي، مُتفرقين، فجمعكم الله بي، عالة، فأغناكم الله بي؟ وشيوخ الأنصار وحُلماؤهم وذوو عقولهم مُطرقون برؤوسهم، خجالى، في استحياء! لم يتكلموا هم، شباب! يقولون الله ورسوله أمن. المن لله ورسوله. المن لله ورسوله. يخشون من غضب رسول الله، وفي غضبه غضب ربه، لا إله إلا هو!
ثم قال لهم بلى. لِمَ لا تُجيبونني؟ وهم لا يتكلمون! قالوا المن لله ورسوله. الله ورسوله أمن. قال بلى، لو شئتم، لقلتم أتيتنا طريدا، فآويناك. يا الله! الله أكبر! شيء مؤثر جدا، لا يكاد يُصدق! أي هو من عليهم بما هو الحق، هو رسولهم! لكن هم مُحال – رضوان الله عليهم، الأنصار – أن يمنوا عليه. هو قال لا، لكم المن. لكم علي أنا المن. لو شئتم، لقلتم، ولصدقتم، قد أتيتنا طريدا، فآويناك. وأتيتنا شريدا، فنصرناك. وكذا وكذا! فبكى الأنصار. ثم قال والذي نفسي بيده، لو سلك الناس فجا وشِعبا، وسلك الأنصار فجا وشِعبا آخر، لأخذت في فج الأنصار وشِعبهم. الناس دثار، والأنصار شعار. ثم دعا لهم ولذرياتهم وذريات ذرياتهم. شيء لا يكاد يُصدق!
حين حدثهم في أُخريات حياته – صلوات ربي وتسليماته عليه – عن عبد خيّره الله بين ما عند الله وبين زهرة الحياة الدنيا، فاختار ما عند الله، والناس ظنوا أنه يتحدث عن عبد ما. فبكى أبو بكر، وفدّاه بأبيه وأمه ونفسه. فقال الناس ما لأبي بكر؟ هو يتحدث عن عبد! لا، ولم يفهمه إلا أبو بكر – رضوان الله تعالى عليه -. ثم قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إن أمن، وفي روايات إن من أمن، الناس علي، في نفسه وماله، أبا بكر. مؤخر؛ بسبب شبه الجُملة، أي إن أبا بكر أمن، أبا بكر! يقول لهم من، له فضل كبير علي هذا الرجل. كل خوخة تُسد، إلا خوخة أبي بكر. أي كل باب يُسد في المسجد، إلا باب أبي بكر. مَن الذي حثه وحفزه على أن يذكر فضل الناس عليه؟ إنسانيته الفياضة الغامرة. أي رحمة! أي إنسانية! أي سوائية بشرية مُدهشة! لا أقول مُعجبة، مُدهشة! سوائية غير طبيعية! عليه الصلاة وأفضل السلام.
لذلك أتخيل، ولو من منظور غير مسلم، أنني كما اتفق لعبد الله بن سلام – رضوان الله عليه -، الصحابي الذي انتقل من اليهودية إلى الإسلام، الحبر العظيم! من منظور غير مسلم، لو رأيته بداهة، لأول مرة! سينعقد عندي اليقين أنه نبي. تعرفون لماذا؟ لأن باطن الإنسان ينعكس لا محالة على صفحات وجهه. هذا باطن – أيها الإخوة – لا يفيض إلا بالجمال، بالخير، بالصدق الساطع، بالإخلاص للحقائق. لذلك لا بُد من هذا! ولذلك لو لم تكن فيه آيات مُبينة، إلا هذا الجمال، لكان مظهره يُنبيك عن الخبر. مُجرد أن تراه – عليه الصلاة وأفضل السلام -! ومن هنا آمن هؤلاء الأوائل به إيمانا لا يتزعزع، من خُلصان أصحابه – رضوان الله عليهم أجمعين -.
ولذلك كان يُكرم كما قلت لكم مرة أُخرى، يُكرم كُرماء الناس، يعترف بأفضالهم. عجيب! عجيب أنه كان يُحب أن يُكرم مَن له علاقة بحاتم الطائي! حاتم الطائي مات في الجاهلية! ولكنه كان رجلا كريما، كان رجلا من أصحاب الأخلاق العالية السامقة، فأنا أُكرم مَن يمت إليه. لا إله إلا الله! معروفة قصة إكرام ابنته، أعتقد اسمها سفانة! قال إن أباها كان يُكرم الناس. عجيب! حتى عدي بن حاتم، عدي الذي كان ديانة الركوسية، وجاء النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فأعطاه النبي وسادة؛ لكي يجلس عليها. استغرب الرجل! والرجل له طبعا نظرة، بحُكم كونه كان نصرانيا، وأكيد كان في بلاد الشام هناك، ورأى ملوك غسان، ويعرف كيف يعيش الملوك والأمراء!
الملوك لهم طريقة في الحياة! على الأقل، على الأقل من لوازمها اتخاذ الحجاب، اتخاذ الجُند والمسالحة، اتخاذ الخيول والبراذين، أليس كذلك؟ التميز في المجلس، توطين المجالس، وهي دائما الصدور، وتكون أعلى! امتثال لهم الناس قياما، هم يجلسون، والحرس يقفون، كالخُشب المُسندة! هذه حياة الملوك. النبي لم يكن فيه شيء من ذلك، شيء عجيب! شيء عجيب! وهو ليس مُجرد عظيم أو ملك، ملك مَن؟ هو الأعظم بالإطلاق، من جميع الزوايا. وهو الذي دنت الملوك والممالك، لرجالا رباهم على يديه الكريمتين، في أقل من قرن من الزمان! دكوا وثلوا العروش، وحكموا العالم، أليس كذلك؟ وأقاموا، أقاموا أروع، وضربوا أروع الأمثلة، في المعدلة، وفي الإنصاف، وهذا موضوع آخر! هؤلاء تلاميذه، خريجو مدرسته، بعضهم! النبي لم يكن كذلك. أعطاه وسادة؛ لكي يجلس عليها. قال أشهد أنك مِمَن لا يبغي عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا *. مُستحيلة! هذا ليس تصرف ملك، هذا ليس تصرف إنسان مُتعظم في نفسه. التصرف هذا أدهش عدي بن حاتم!
جاءته مرة أمه في الرضاع؛ حليمة السعدية – عليها السلام، ورضوان الله عليها -، فأعطاها طرف ردائه، أجلسها إلى جانبه. طرف ردائه! ثم جاء أبوه؛ زوجها، من الرضاعة، فأعطاه الطرف الآخر من ردائه. يُكرمهم! ثم جاء أخوه من الرضاعة؛ ابن حليمة، فقام له، وأجلسه بين يديه. تواضع جم! شيء عجيب! لا يكاد يُصدق! تواضع جم!
يقول جرير بن عبد الله البجلي – من بُجيلة، رضيَ الله عنه وأرضاه، وكان من أحسن الصحابة وجها وخُلقا، جرير بن عبد الله! – إن النبي دخل مرة في بيت من بيوت أزواجه، فجاءه الضيفان والناس، حتى غص المكان، لم يعد فيه مُتسع، غص بالجُلساء! فجاء جرير بن عبد الله – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، فلم يجد له مجلسا، فجلس عند النعال. أينما خلع الناس نعالهم، جلس هناك. فجاء النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فرآه، رمقه! وجرير! هذا من شرفاء وكرماء قومه. فخلع لباسه، وألقاه إليه؛ لكي يجلس عليه. فأخذه، وجعل يُقبله. وضعه على وجهه وعينيه، يُقبله، ويبكي. وقال لا والله ما كنت لأجلس على ثوبك يا رسول الله. أكرمك الله كما أكرمتني. ما الإكرام هذا؟ ليس أنا النبي، أنا الزعيم، أنا القائد العسكري، القائد السياسي، هؤلاء ضيفاني!
انتبهوا، شيء عجيب على فكرة! هذا حاول أن تُقارنه، لا أقول مرة أُخرى، لا أقول لك بالعظماء وكذا، قارنه بنفسك. قد لا يكون أحدنا لديه مثل هذا التواضع، ونحن…مَن نحن؟ نحن لا شيء، أصفار على الشمال! نحن أصفار على شمال النبي، بصراحة! أي ليس على يمينه. ومع ذلك قد لا نمتاز بمثل هذا التوطيء؛ توطيء الأكناف، هذا الليان، هذا اللُطف، هذا الخُلق العظيم، أليس كذلك؟ واحد مغرور بشهادته، واحد مغرور بفلوسه، واحد مغرور بجسمه، واحد مغرور بجماله! نوع من الحُمق، الذي يعتري البشر! حماقات كلها، كل هذه حماقات، وضاعات، هذه وضاعة الإنسان! الذي يغتر بأي شيء من هذا؛ لكي يستكبر على عباد الله، أحمق.
انتبهوا، خُطبة اليوم أيضا هذا في جوهرها، هذا في لُبها وقلبها! صدقوني، المعيار الأول، والمعيار الأصدق، في تقييم عظمة العظيم، ليس أنه جاء بشرع عالمي، ليس أنه فتح البلاد، ليس أنه بلغ شأوا بعيدا لا يُبلغ في الإدارة والسياسة والعسكرية مثلا، ولا في العلم والنبوغ والفلسفة والحكمة، صدقوني، المعيار الحقيقي، الذي يقيم به العظيم؛ المعيار العلائقي! كيف هو مع مَن يمت إليه؟ كيف هو مع الناس؟ مع زوجه، مع أولاده، مع أصهاره، مع أرحامه، مع أقربائه، مع أصدقائه ومعارفه، مع أساتيذه، مع تلاميذه، مع جيرانه، مع معارفه عموما! مع كل مَن يمت إليه، كيف هو؟ اختبروا رسولكم من هذه الزاوية، انظروا كيف كان من هذه الزوايا، مع كل مَن ذكرت، وستجدوا العجب! ستقعوا على العجب! عليه الصلاة وأفضل السلام.
هذه العظمة الحقيقية، غير المُزيفة، غير المُدعاة، غير المُفتعلة، غير المُمثل بها. عظمة استعراضية! يتعلمون استعراض العظمة الكاذبة، اليوم الناس يتعلمون هذا، علم هذا، فن! للأسف الشديد! لكن هذه العظمة الحقيقية؛ العظمة العلائقية، العظمة التي تجعل العيون تذرف الدموع السخية المدرارة إذا تولى العظيم من حياتهم! لأنه على مُستوى العلاقة كان عظيما، على مُستوى العلاقة! نبيكم كان كذلك.
انظر الترحيب، كيف كان يُرحب بالناس؟ يدخل عمار بن ياسر، يستأذن عليه، يقول ائذنوا له. مرحبا – يقول -، أهلا! بالطيب المُطيب. قال لك تقسم ظهر أخيك، لا تمدح! هذا الذي نعرفه، فقط نُغذي عُقد النقص كما قلت لكم. خطير جدا فهم الدين بطريقة مُعتلة. فهم الدين بطريقة مُعتلة، يُغذي أشياء حقيرة جدا في حياتنا. وطبعا هذا الفهم المُعتل فهم انتقائي اختزالي، أليس كذلك؟ انتقائي اختزالي! مرحبا بالطيب المُطيب.
يأتيه وفد عبد القيس! مرحبا بالوفد غير خزايا ولا ندامى. يأتيه عكرمة! ابن مَن؟ ابن أبي جهل. والذي كان على شركه يوم فتح مكة، وهرب – وتعرفون قصته – في البحر مُشركا، إلى أن كان ما كان، ثم عاد. يقول مرحبا بالراكب المُهاجر. انظر، يُعطيه حتى شرف الهجرة. عودتك إلي نوع من الهجرة! على أنه لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية. انظر! انظر أنت، انظر التألف.
يقول سعد بن أبي وقاص – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – كان – عليه الصلاة وأفضل السلام – يُقبل بوجهه وحديثه على شر القوم. حين يكون في مجلسه رجل مُنافق، رجل مُتألف القلب، رجل ضعيف العُقدة كما يُقال؛ عُقدة الإيمان، يُقبل بوجهه عليه وبحديثه! علي أنه كان من دأبه وعادته أن يُقبل بوجهه على جُلسائه، لكن حين يكون مثل هذا، هو يخصه بمزيد إقبال. لماذا؟ يقول سعد – رضوان الله عليه – يتألفه بذلك. يُريد له الخير!
حدثني أحد الفنانين العرب حديثا شخصيا، قال لي يا فلان، أنا بعد تلكم الواقعة لم أعد أستطيع أن أدخل المسجد. وحلف أبي الكبير – قال – الذي طيلة حياته يُصلي في المساجد، ألا يدخل المسجد بعد تلك الواقعة. لماذا؟ فنان! رجل فنان، وعنده مُسلسلات، نقد اجتماعي! وأنا أعرف هذا المُسلسل، نقد اجتماعي في الصميم! قال كنت مع والدي في الصف الأول، وجاء الإمام. قال والناس فقط يرموننا ساخرين مُزدرين بأبصارهم؛ نعم هو هذا، هو يتحدث عن هذا. الكلام كله كما نقول بالعامية تلقيح كلام، أرأيت؟ تعريض، باللُغة الفُصحى اسمه التعريض، تعريض بالجالس وأبيه! ما هذا؟ ما هذا؟ أين تعلمتم هذا الجفاء، هذه الغلظة، هذه القسوة، قلة الأدب هذه؟ هذه قلة أدب، تنفير للناس من دين الله تبارك وتعالى، تنفير للناس من دين الله. والله هذا، هذا الفنان، فنان كبير قدير، قال لي تقريبا أوشكنا على الخروج من الإسلام! أنا وزوجتي وأولادي أبغضنا الدين، إلى أن أنقذنا الله بكذا وكذا. من أمثال هؤلاء!
تقول عائشة – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها – النبي لم يكن يُواجه أحدا بما يكره، أبدا! أبدا! وكان إذا رأى أو سمع شيئا يكرهه من أحد، لا يقول ما بال فلان قال كذا وكذا أو صنع كذا؟ بل يقول ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ويصنعون كذا وكذا؟ انتهى. وكل واحد يفهم، إياك أعني وافهمي يا جارة. لا يُوجد داع لأن نُجرّح الناس! وهذا التعريض الوقح بهذه الطريقة كالتصريح، معروف! ولذلك الناس رمقوه وابتدروه بأبصارهم مُزدرين غاضبين. شيء غريب! شيء غريب! النبي لم يكن كذلك إطلاقا، إطلاقا! وهذا ربما يجعلنا نتكلم كلمة الآن عجلى في موضوع موقفي من الخطاة والعصاة المُذنبين.
وقبل أن أتكلم، لا بُد أن نلفت إلى حقيقة نعيشها يا إخواني، نعيشها! الخاطئ أكثر تعاطفا مع ورحمة بالخاطئين، أليس كذلك؟ لأنه جرب. قال لك أنا عملت هكذا، كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ *. ولكن المُمعن في العبادة، السائر على الاستقامة، للأسف الشديد الموقف الطبيعي، الموقف الطبيعي منه وله، ما هو؟ أن يزدري الخُطاة، وأن يحقر، بل يقذر! أن يقذر العُصاة والشاردين! لكن هذا الموقف – انتبهوا – ليس موقفا دينيا، هذا موقف حيواني – أعزكم الله -؛ لأنه موقف طبيعي. هذا الموقف حيواني على فكرة! أي موقف عند تحليله علميا نفسيا، يكون موقفا طبيعيا مُتوقعا، وحتى ربما يكون قابلا للتنبؤ به، فهذا موقف حيواني، أو حيوي. الموقف الديني ليس موقفا طبيعيا، بالعكس! التدين يا إخواني جاء؛ لكي يُخرجنا من ماذا؟ من غلاظة ووحشة وقسوة الطبيعة! إلى تهذيب ملائكي صمداني علوي، هو هذا!
لذلك تجد المُتدين الحقيقي أبدا أبدا أبدا يرحم العُصاة، ويُشفق عليهم، ويرجو لهم الخير، والأعجب من هذا؛ كلما كان مُتدينا حقا، قريبا من العرفان، عارفا بالله تبارك وتعالى، وليا صالحا، لا يرى لنفسه فضلا، أدنى فضل، على هؤلاء العُصاة! بل يُرجح دائما في نفسه أنهم أفضل منه! يعلم أن زوايا الفضل، وزوايا التقييم عند رب العزة، مُختلفة كثيرا، عنها لدى البشر، واضح؟ هذا العارف. أما ذاك، فهو الموقف الطبيعي، وهو موقف كما قلت طبيعي، أي حيواني، عادي. هذا الدين الزائف، انتبهوا! وهذا الدين الزائف كثير نسبيا في حياتنا اليوم، كثير نسبيا!
رحمة الله على الشيخ الإمام ابن قيم الجوزية، تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله عليهم جميعا -، عنده كلام في مُنتهى الروعة والإبداع، في كتابه طريق الهجرتين. وهذا من كُتبه التي فيها نفس عرفاني جميل بصراحة، وكتاب مؤثر! أنا تأثرت به أكثر حتى من مدارج السالكين. طريق الهجرتين يتحدث عن مشاهد الناس في المعصية، مشاهد الناس – أي مواقف الناس – في المعصية! ويذكر ثمانية مشاهد – رحمة الله عليه -. المشهد السابع منها؛ مشهد الحكمة.
مشهد الحكمة بمعنى لماذا يختار الله تبارك وتعالى أن يُخلي أحيانا بين العبد وبين المعصية؟ لا يعصمه من المعصية! حتى هذا في رمضان يحصل، كما قلت لكم بعض الناس تزل في كلماتها، أحدهم ربما يتكلم بكلمة، يذكر إنسانا بسوء، ثم يستغفر الله. إذن لماذا؟ لماذا لم يعصمه الله؟ بعض الناس يفعل ما هو أكبر من هذا – والعياذ بالله، والعياذ بالله! أقول في رمضان طبعا، والعياذ بالله في رمضان -، يفعل! لماذا لم يعصمه الله، ورفع عنه يد التوفيق، خذله؟ يقول لحكم – ابن القيم – لا يعلمها إلا الله. لحكم كثيرة! وذكر منها:
أولا لكي يرحم العُصاة مثله. أرأيت؟ أنت الآن عاص، أخوك حين عصى، كان في موقف خذلان كذلك، ارحمه وأشفق عليه. ولذلك كما أقول أكثر من مرة من بلاغات الإمام مالك في الموطأ، أنه بلغه – وهذا مُنقطع طبعا – عن عيسى – عليه الصلاة وأفضل السلام – أنه قال لا تُكثروا الكلام بغير ذلك الله فتقسو قلوبكم – فاء السببية، فتقسو قلوبكم -، وإن القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب. أنت رب؟ رب أنت كامل معصوم؟ ها أنت مثله مُذنب، وربما عندك ذنوب أكبر منه، ولكن أحسن الله بك وإليك، فستر عليك، فهلا سترت على أخيك أيها الشامت المُعير؟ تدعي أنك رب الآن أو ملك كريم؟ لا إله إلا الله! هذا كذب، هذا من الكذب أيضا. والدين صدق وإخلاص يا إخواني، الدين الحقيقي صدق وإخلاص، ليس كذبا، الدين بارئ تماما من الكذب والافتعال والادعاء والاستعراض.
ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، ولكن انظروا في ذنوبكم. وهذا المُعجب أيضا في الحديث! لم يقل في ذنوبهم. خلك من ذنوب الناس، ما علاقتك بذنوب الناس أنت؟ أنت تُفتش على الناس؟ هل من حسابهم إليك شيء؟ ولا من حسابك عليهم شيء أيضا! اترك، دعك من الناس، اشتغل بنفسك، انظر في عيوبك. في عيوبك الغناء والكفاء أن تنظر في عيوب غيرك من الناس! ولكن انظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد. فإنما الناس اثنان؛ مُبتلى ومُعافى، فارحموا أهل البلاء. ابتُليَ بذنب، بفاحشة، بصغيرة، بكبيرة! ارحمه، ادع له، ابك عليه، سل الله أن يُقيل عثرته وأن يغفر زلته وأن يستر عورته. هذا الموقف الإيماني الحقيقي، هذا الدين، هذا الدين! إلا إن كنت تأبى إلا أن تتلقى دينك من التويتر Twitter والفيسبوك Facebook والاشتغال أربع وعشرين على أربع وعشرين بالناس! بفلان وعلان وفلانة وعلانة! وتقييم البشرية كلها! ما شاء الله علينا! هذا ليس له علاقة بالإسلام، انتبهوا! هذا ليس له علاقة بالإسلام.
فلذلك أنا أقول لأبنائي، ولأحبابي، ولإخواني أيضا، وآبائي الذين هم أكبر وأفضل مني وأسن مني؛ إذا دخلت هذه العوالم، فقل خيرا أو اصمت، فقط! ألق كلمة خير، ثم امض. إياك أن تُشارك في هذه الأشياء السيئة الرديئة! إياك! ليس هذا من الدين.
فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية. يُعجبني جدا حديث أبي اليسر! حديث أبي اليسر؛ كعب بن عمرو، الدحداحة، الرجل القصير، والصحابي الجليل، من أصحاب بيعة العقبة السبعين، وشهد بدرا، وهو الذي أسر العباس عم النبي. هذا الرجل الدحداحة القصير؛ أبو اليسر، هو الذي أسر – في رواية مشهورة – العباس في بدر. الحديث في الصحيحين، وعند الترمذي، وعند غيرهم. أنا سأُجمل ما ورد في الروايات؛ حتى لا نُطوّل.
يأتي أبا بكر في البداية، يقول له يا أبا بكر، هلكت. ما الذي حصل؟ يقول له أنا كما تعرف لدي محل، أبيع فيه التمر، جاءتني امرأة؛ لتشتري مني. سُبحان الله الشيطان حرّك شيئا في نفسه! صحابي! قال فقلت لها عندي أطيب منه في البيت. في الداخل! فدخلت المسكينة! استغفلها، دخلت! قال فنلت منها – في رواية – كل شيء، دون أن أمسها. أي دون الفاحشة. هنا المسيس بمعنى ماذا؟ الزنا – والعياذ بالله -! لكن ضم وتقبيل، كل الأشياء! كل شيء – قال -، دون أن أمسها. استيقظ المسكين! فماذا قال له أبو بكر؟ انتبهوا! لو كان أبو بكر مُتدينا كبعض المُتدينين العصريين، لقال تبا لك! تفعل هذا وأنت صاحب رسول الله؟ وأنت بدري؟ لعله حبط عملك! يا رجل أنت كذا وكذا، أعوذ بالله، اذهب إلى الرسول. وسيبدأ بالشماتة والتعيير، وربما يبدأ في تظهير أشياء حول الرجل. أبو بكر قال له اسكت، صه، ما هذا؟ ما هذا الكلام؟ استر على نفسك – قال له -، وتُب إلى الله. صه، لا تحك، انتهى! ولو فعل، أبو بكر لن يُخبر بها أحدا في العالمين. هذا الدين! يرحمون العُصاة، يرحمون الناس إذا زلت بهم القدم. مَن منا لا تزل به القدم مرة ومرة؟ نسأل الله حُسن توفيقه وحُسن معونته دائما في كل أحوالنا، في الخلاء والملاء، في السر والإعلان.
استر! استر على نفسك، وتُب إلى الله. لم يقتنع الرجل، ضميره أثقله، أبهظه! قال فأتيت عمر – رضوان الله عليه -. وإخوة، بعضهم من بعض، تلاميذ محمد هؤلاء، ليسوا تلاميذ الدُعاة المُحدثين، والدين الجديد هذا؛ دين الفضائح والتعيير والشماتة والكذب والافتراء على الناس، أبدا أبدا! فقال له نفس الشيء! قال له استر على نفسك، صه، وتُب إلى الله. عمر كاد يسطو برجل، جاءه مرة في خلافته بابنته، ارتكبت الفاحشة، قال له لولا كذا كذا، لسطوت بك. خُذها – قال له -، واستر عليها، ولا تُحدث بهذا أحدا. قال له اذهب. هكذا قال له! ولا أقام عليها الحد ولا فعلا شيئا؛ لأنه إلى الآن لا تُوجد لا بينة ولا إقرار، بخبر والدها! صه – قال له -، خُذ ابنتك، واذهب، استر عليها. قال له لولا كذا كذا، لسطوت بك. قال له أنت تحتاج إلى الضرب، أي تدعي أنك كذا وكذا! انتهى! انظر هذا! اليوم لا، الناس تشتهي هذا الشيء، ويريدون أدلة وبينات وإقامة حدود وكذا! ما هذا؟ نفوس مريضة، تُريد أن ترى زلات الآخرين، تشتفي! الحمد لله أنا لست كذلك، أنا لم أفعلها، فعلها غيري! يا رجل، يا رجل كُن طيبا، كُن طيبا.
فالمُهم، جاء إلى الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وحكى له، أمام الصحابة! الرسول سكت. فسكت عنه النبي، فلم يرد عليه شيئا. ثم ذهب الرجل المسكين حزينا، فأتبعه رجل آخر، الرسول! قال له ليعد، فعاد. فتلا عليه قول الله وقد نزل، نزل فيه! وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ *، من هود، من أواخر هود. عند الترمذي – وليس في الصحيحين هذا، الذي قال مُعاذ، وعُين في الترمذي – فقال مُعاذ بن جبل – عالم الصحابة الكبير في الدين – يا رسول الله، أهذا له خاصة؟ قال بل للمسلمين عامة. في روايات فكبر المسلمون.
انظر، بقدر حرصه – عليه الصلاة وأفضل السلام – ألا يتقذر أحدنا بالمعاصي، وخاصة بالفواحش، خاصة الفواحش! أما الصغائر، فقد علم وعلمنا، أنه لا منجاة منها، لكن مُكفراتها كثيرة – بحمد الله تبارك وتعالى -، بقدر حرصه على ذلك، أظن أنه كان أحرص على رحمة مَن زلت به القدم، وعلى عدم تيئيسه من رحمة الله تبارك وتعالى. ولا أُريد أن أُطوّل عليكم بالأحاديث التي فتحت أبوابا للرحمة – أيها الإخوة -، تكاد لا تُحصى! حتى أن أبا ذر مرة سأله يا رسول الله مَن أتى بهذه الخصال كلها التي ذكرت، يدخل الجنة؟ قال له كلا يا أبا ذر، بل مَن أصاب منها خصلة واحدة، أخذت بيده حتى تُدخله الجنة. الحمد لله! بعض الناس مُقصر في أبواب مُعينة، لكن ما أدراك أن هذا المُقصر في أبواب كثيرة، قد يكون مُحسنا إلى الغاية في باب مُعين، يعلمه الله تبارك وتعالى؟ أليس كذلك؟ وقد يُسارع به إلى الجنة، قبل أن يُسارع عملك بك إلى الجنة، ما أدراك؟ لا تحكم على غيب الناس، لا تقطع على غيب الناس. لا يقطع على غيبهم، إلا ربهم، لا إله إلا هو! لا يقطع على غيبهم، إلا الذي خلقهم وابتلاهم بهذه الأشياء، سُبحانه وتعالى!
فالنبي كان حريصا جدا على هذا. ولذلك في الصحيح، حين أوتيَ بصحابي، وكان يُكثر من الشرب، وكل مرة طبعا يُبكت، والنبي يقول بكتوه، أي ذكّروه؛ أما تخشى الله؟ أما تتقي؟ أما تستحي وفينا رسول الله؟ هذا اسمه التبكيت. فبكتوه بكلمات مثل هذه؛ اتق الله، اخش الله، رسول الله كذا كذا، ألا تستحي؟ أحدهم – سُبحان الله – يبدو أنه انفعل مزيد انفعال، قال لعنه الله. وفي رواية ما أكثر ما يؤتى به إلى رسول الله! فالنبي قال لا تلعنه. لا تُعينوا الشيطان على أخيكم. هذا لفظ في البخاري! وفي رواية تكونوا للشيطان عونا على أخيكم. هكذا تُعينون الشيطان عليه! طبعا! لما يخزى! هذا الشيطان ماذا يُريد؟ يُريد أن نخزى، بالذنب والبُعد عن الله. وأنت تدعو عليه بالخزى، فحققت ماذا؟ أمل الشيطان. حققت غاية الشيطان! قال لا، لا تُعينوا الشيطان على أخيكم. رحمة! نحن نُريد التذكير فقط، نُذكّره؛ لكي يستيقظ الضمير، ويستحي مما فعل، وينكسر. وهو الذي جاء مُعترفا أو كذا، هو هذا!
أُكمل فقط بعض كلمات ابن القيم، ثم نمضي – إن شاء الله – إلى الخُطبة الثانية؛ حتى لا أُطيل عليكم، ونحن في رمضان! إذن ابن القيم قال الحكمة الأولى أن ترحم أهل الذنوب. الحكمة الثانية أن تُقيم معاذيرهم! لأن الذنب الذي قارفته أنت واجترمته، عُذره قائم عندك؛ والله أنا كنت مُضطرا وكذا، كنت محروما من كذا وكذا، واضطررت أن أمد يدي، وأخذت ما ليس لي، وما إلى ذلك! تبدأ تعتذر! إذن الخلق أيضا لهم أسباب ومعاذير، أقم معاذير الخلق.
يقول الحكمة الثالثة أن تُقبل على الله، تضرع وتبتهل وتدعو لهم، بمثل ما تدعو لنفسك به، من الستر والعفو والمغفرة. ولذلك – يقول ابن القيم – يصير هجيرا المؤمن الصالح، الذي يشهد هذا المشهد العجيب؛ مشهد الحكمة في الذنب، مشهد الحكمة في التخلية بين المسلم والذنب، يصير هجيراه – أي ديدنه، ديدنه! عادته -؛ رب اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات! المؤمنين والمؤمنات! الأحياء منهم والأموات! هذه زدتها من عندي! الأحياء منهم والأموات. يصير هكذا ديدنك! هل صدقت الله وأنت تقول للمسلمين والمسلمات، وأنت تشمت بمَن أذنب منهم؟ لا والله ما صدقت. والله لو صدقت في دعائك، ولباك الله في دعائك، ما شمت بمسلم، بل لرثيت له، ولحزنت، ولجددت له الدعاء، أليس كذلك؟
لكن نحن عجيبون! نحن عجيبون على فكرة! في حالة فُصام نحن، بين ما نقول، وما نُعلِّم، وما نتعلَّم، وما نسلك! في حالة فُصام! اغفر للمسلمين والمسلمات! إذن ما دام يغفر، وتشمت لماذا؟ وتُعير لماذا؟ وتفضح لماذا؟ تفضح في الناس وأنت قاعد! عجيب! عجيبة حالة الفُصام هذه! حتى لو كانت بغيا، حتى لو كان مُجرما كبيرا، أيا كان! سل الله المغفرة، لعموم المسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات. ما الذي يضيرك يا رجل؟
يقول ابن القيم الحكمة الرابعة ذهاب صولة الطاعة. نعم! هذا الذي بدأت به كلامي، كإطار لهذه المسألة! صولة الطاعة! لأن الذي يُطيع، ويُتابع على الطاعة مُدة طويلة مُتمادية، يصير له نوع من الصولة، يصول على غيره؛ أنا أفضل من غيري، أنا أقرب إلى الله، أي مَن كان عنده شيء، فليأت يطلب الدعاء مني! بطريقة أو بأُخرى! ائتوني بأولادكم، أُحنكهم لكم؛ لأن البركة – ما شاء الله – تغمرني. نوع من الحُمق الديني مرة أُخرى، يصير عنده صولة، يرى نفسه. لا! حين يُذنب، ينكسر، فتذهب عنه شِرة الصولة. يقول لك ها أذنبت هنا، أدعي أنني كذا! جيد، حكمة!
وأخيرا أيضا ذهاب العُجب بالعمل. لا تُعجب بعملك! لا تُعجب! وكيف تُعجب بعمل ليس لديك ضمانة أن الله قد قبله منك؟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ *. جعلني الله وإياكم والمسلمين والمسلمات أجمعين وجمعاوات من عباده المُتقين، ومن أوليائه الصالحين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، فيا فوز المُستغفرين!
الحمد لله، الحمد لله الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ *. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
إخوتي وأخواتي/
من الجوانب العجيبة في شخصية رسولنا – عليه الصلاة وأفضل السلام – أنه لا أقول كان مُتواضعا، هذا معروف، هو سيد المُتواضعين! كان مُتواضعا، موطيء الأكناف، قريبا، هينا، رفيقا، مُلاينا، مُتسامحا! أكثر من ذلك؛ النبي كان شخصا طبيعيا. يسأل عن الناس وفيما الناس، وربما شاركهم في بعض أحاديثهم الدنيوية، من شؤون الجاهلية والإسلام، كما في حديث زيد بن ثابت – على ما أذكر – أو البراء بن عازب؛ لعلي وهمت! كان كذلك.
أكثر من هذا؛ كان يضحك، ويتبسم، ويُمازح، ويقبل المزاح منهم. فعوف بن مالك يستأذن عليه، وهو في قُبة من أدم، أعتقد بالجعرانة أو كذا، المُهم فيقول له ادخل. فقال فقلت يا رسول الله كُلي؟ أي أدخل جُزئي ولا كُلي؟ يُمازح! قال كُلك. قال فدخلت عليه. يقبل حتى مُمازحتهم. أنت اليوم هل تستطيع أن تُمازح مثلا ملكا أو رئيسا أو قائدا عسكريا أو عالما كبيرا جليلا يُظهر طبعا التزمت والتوقر والرصانة والترزن؟ لا، لا تستطيع، لا تستطيع أبدا!
أحد أحبابنا معروف من أيام الهداية، وكان دكتورا في الزراعة – رحمة الله عليه -، ومن فضلاء الناس – إلى رحمة الله، إن شاء الله -، جاء مرة عالم، وجلس هكذا في المحراب ينتظر، قال فهكذا ربت على كتفه؛ لكي أسأله. قال ماذا تفعل؟ خل عني، إياك! وغضب غضبا شديدا – قال -! أي كيف تجترئ علي وتربت على كتفي؟ ما فيها يا أخي؟ ما المُشكلة؟ يقول أنس جاءت أمة – يقول أنس في عقلها شيء -، فأخذت بيد رسول الله! قالت له يا رسول الله، أُريدك أن تقضي حاجة. عندي مسألة! تقضي لي حاجتي هذه، تفتيني فيها وكذا. قال لها انظري في أي سكك المدينة تُريدين أذهب معك؛ لكي أقضي حاجتك. والحديث أصله في البخاري، شيء غير طبيعي!
أنس نفسه يقول إن كان الرجل ليلتقم أذن رسول الله – يعني ماذا؟ يُناجيه، يُساره -، فلا يُخلي الرسول، أو فلا يُبعد رأسه، ينأى برأسه عنه، حتى ينأى الرجل. يقول له ها خُذ أذني، تكلم، هيا. لدقيقتين، أو ثلاث، أو أربع، عادي! وإن كان الرجل ليأخذ بيد رسول الله، فلا ينزع – وفي حديث آخر لأبي هُريرة فلا ينتزع. نفس المعنى! فلا ينزع، فلا ينتزع – يده، حتى يكون الرجل هو الذي يُرسل يده. يترك يد الرسول. انظر، موطيء! ويُمازحهم كما قلت، ويقبل مزاحهم. لن نحكي الأحاديث التي تعرفونها، أحاديث كثيرة، في مزاحه، معروفة تقريبا للجميع! لا نُريد أن نُطوّل بذكرها، لكن ربما أذكر حديثا ذكرته مرة؛ لأنه جميل ولطيف. النبي ضحك من أجل هذا الحديث سنة! سنة كاملة! هو والصحابة، كلما ذكروه، يضحكون! طبيعي! كيف لا أُعجب؟
لماذا أذكر هذا؟ لأنني ذكرت لكم في خُطبة قديمة أن رالف والدو إمرسون Ralph Waldo Emerson – ذكرته اليوم، وهذه ثاني مرة اليوم أستدعيه -، قال مرة ماذا؟ المسيح ليس قدوة لي! لماذا؟ قال لأنه بحسب الأناجيل كلها، المسيح لم يكن يضحك ولا يُمازح. وهذا لا يكون قدوة لي! أي بحسب هذه الصورة، هذه ليست شخصية كاملة. في نظره! نفس الكلام حكاه برتراند راسل Bertrand Russell، وآخر مَن حكاه أومبرتو إكو Umberto Eco، صاحب اسم الوردة، في اسم الوردة، الرواية الأشهر لأومبرتو إكو Umberto Eco الإيطالي! أن المسيح فيه جانب نقص إنساني.
طبعا – أعوذ بالله، أستغفر الله، اللهم غفرا – نحن لا نعتقد هذا. نحن نعتقد النقص في التدوين، وإلا المسيح قطعا هو نموذج للإنسان الكامل – صلوات ربي وتسليماته عليه أيضا -، مثل كل الأنبياء، وكيف وهو من الخمسة أولي العزم؟ لكن هؤلاء هم هكذا! أما رسولنا، فبفضل الله الله وفر حظنا من التوفيق والسعادة، أن أحاديث مُلاطفاته ومُمازحته ومُشاركته في هذه المِزح البريئة اللطيفة – وكان يمزح ولا يقول إلا حقا – مُدونة حاضرة بأسانيدها ومتونها عتيدة – بفضل الله تبارك وتعالى -.
فأذكر هذا، ثم نُنهي – إن شاء الله -، وهو خبر نُعيمان، مع أبي بكر، وسويبط بن حرملة. أعتقد الحديث عن أم سلمة، أم المؤمنين، تقول ذهب أبو بكر مع النُعيمان – وكان معروفا، كان مزّاحا! النُعيمان هذا كان مزّاحا، يُحب المزح الكثير – وسويبط بن حرملة، إلى بُصرى! أي بُصرى الشام، يبدو في تجارة أو في شيء كهذا. المُهم، في الطريق ذهب أبو بكر لحاجة له، فرأى النُعيمان المزّاح هذا جماعة من العرب، من الناس، فأتى إليهم. قال لهم أتشترون مني عبدا عربيا فارها؟ من أحسن ما يكون، ما شاء الله عليه، فتى مُمتاز! قالوا نعم، بكم؟ بعشر قلوص – أو قلائص، وهي النوق الفتية -. قال على بركة الله، لكن انتبهوا، لا تُفسدوه علي، هو رجل ذو لسان، ولعله يقول أنا حر، فلا تُصدقوه. فإن أخذتموه بهذا الشرط، وإلا فلا تُفسدوه علي. قالوا على بركة الله، أخذناه بهذا الشرط. نحن مُحتاطون منه!
جاءوا وأعطوه العشر قلائص، وجاءوا إلى هذا الرجل. قال لا، هو يكذب، أنا حر. قالوا قد سمعنا بهذا. ووضعوا الحبل في عُنقه، واقتادوه، المسكين! أخذوه! سويبط هذا ابن حرملة! فجاء أبو بكر، وعلم بالقصة، فذهب ورد إليهم قلائصهم العشر، واسترجع سويبط بن حرملة. ثم ذكروا ذلك لرسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، تقول أم سلمة فمكث الرسول وأصحابه حولا يضحكون عليها. طبيعي! كان طبيعيا – عليه الصلاة وأفضل السلام -. نحتاج إلى هذه الطبيعية.
بعض الناس قد ينتقدني وأمثالي، أنني أستخدم لُغة جسدي على المنبر! وهل تُريدني كسهل بن هارون؟ نعرفه حين كنا غلمانا، خبر سهل بن هارون في كُتب الجاحظ، البيان والتبيين! العرب هكذا كانوا في الجاهلية، وحتى في الإسلام، في جاهلية الإسلام! إذا خطب الخطيب، كأنه جذع، لا يتحرك، ممنوع أن يُحرك شيئا أبدا! النبي لم يكن كذلك؛ لأن النبي كان طبيعيا. وكما يتأثر الإنسان إذا سمع شيئا يُزعجه، فرحا أو حُزنا، فيُحرك أعضاءه، ويستجيب بدنه، النبي كان يستجيب لهذه الطبيعة السوية. يقول جابر بن عبد الله كان – عليه الصلاة وأفضل السلام – إذا أوحي إليه، أو وعظ – خاطب الناس بموعظة -، كأنه نذير قوم أتاهم العذاب. في أحاديث أُخرى كان إذا كان على المنبر، نقول سقط به؟ سقط به؟ قد يسقط المنبر! يتحرك ويُحرك يديه ويهتز وكذا؛ لأنه مُتأثر بما يقول، رجل صدق – عليه الصلاة وأفضل السلام -! لأنه كان طبيعيا. النبي كان طبيعيا، لا يُحاول أن يخرج عن حد الطبيعة السوية طبعا، وليس الطبيعة التي تحتاج إلى تهذيب، والتي الحضارة تكمن في ضبطها.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يُعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا. اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت. اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم، في هذه الساعة الكريمة المُباركة، ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا كربا إلا نفسته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا غائبا إلا رددته، ولا أسيرا إلا أطلقته، ولا مدينا إلا قضيت عنه دينه وأذهبت همه وغمه وحُزنه، بفضلك ومنك، إلهنا ومولانا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغارا، اجزهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات مغفرة ورضوانا، واغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياد منهم والأموات، بفضلك ورحمتك إنك سميع قريب مُجيب الدعوات.
اللهم ارحمنا في شهر رمضان، واغفر لنا ذنبنا كله في شهر رمضان، دقه وجله، قديمه وحديثه، سره وعلانيته. اللهم وأعتق في شهر رمضان بفضلك ومنك رقابك من نار جهنم ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا وإخواننا وأخواتنا وقراباتنا وأزواجهم وذرياتهم وأصحابنا وأحبابنا فيك والمسلمين أجمعين، بفضلك ومنك، إلهنا ومولانا رب العالمين. لا إله إلا أنت سُبحانك إنا كنا من الظالمين. رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم. رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *، وَتُبْ عَلَيْنَآ *، يا مولانا، إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *.
عباد الله/
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *، وأقم الصلاة.
(15/4/2022)
أضف تعليق