طرح الدكتور أحمد العرفج عدة أسئلة استهل بها حلقته التي تحمل عنوان سماحة الإسلام وتشدد الفقهاء.
تحدَّث الدكتور عدنان إبراهيم عن سماحة الإسلام وذكر عدة أقول للنبي مثل بُعِثت بحنيفية سمحة، ثم أوضح أن السمحة تعني اليسيرة السهلة، فالمُسامَحة هي الجود والمُساهَلة حتى لو في الطعان والمُبارَزة، والحنيفية في العقائد والأصول أما السمحة ففي الفقه والفروع كما قال ابن القيم.
أكَّد على أن الشريعة سهلة يسيرة ولا تُكلِّف أحداً بما ليس في وسعه مُشيراً إلى وجود أدلة كثيرة من مُجمَل هيئة الشريعة مثل يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ۩، ومثل يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۩.
أشار إلى وجود أحايث كثيرة تحث على فهم وسطية وتيسير الشريعة وألا نقلب هذا اليسر إلى عسر وهذا الوضوح إلى غموض، واستدل بعدة أقوال للنبي مثل هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، فإن المُنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
تابع أن المُتطنعين المُتشدِّدين يُقطَع بهم، لأن التشدد دائماً عمره قصير ولا يستمر، والنبي كان يعرف هذا لذا قال اكلفوا من الأعمال ما تُطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا.
أوضح أن النبي كان يغضب إذا علم أن بعض أحبابه من الصحابة يُصلي بالناس – مثلاً – ويُطيل عليهم، وكان يقول إن منكم مُنفِّرين، إذا صلى أحدكم وحده فليُصل نشاطه لكن إذا أم بالناس فليُخفِّف فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة والمريض.
استدل ببعض الأحاديث لتأكيد فكرته مثل قول النبي إني لأدخل في الصلاة أُريد أن أُطيلها فأسمع بكاء الصبي فأوجِز – أي أختصر – رحمةً بأمه.
ذكر قول عمر بن الخطاب أيها الناس لا تُبغِّضوا الله إلى عباده، وقال إن بعض الناس يُصلي بالناس في المطار ويُطيل جداً، وهذا ليس من يسر الدين.
أكَّد على أن الدين يسر حتى في عقائده وهذا ما أدركه كبار المُستشرِقين، لذا هربرت ويلز Herbert Wells عبَّر عن غبطته لعقيدة المُسلِمين السهلة، ومع ذلك تُوجَد كُتب بالألوف للمُتكلِّمين الذين عقَّدوا الناس وأدخلوا أشياء ما أنزل الله بها من سُلطان، لكن العقائد واضحة في كتاب الله وميسورة ومُحدَّدة.
تحدَّث عن وجود أدلة كثيرة على يسير الشريعة، وذكر مبدأ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۩ الذي يتفرَّع منه الترخص، فهناك أشياء مُحرَّمة لكن إذا اضطر الإنسان إليها تحل بمقدار ما يدفع الضرورة.
تابع أن من يسر الشريعة أنها درَّجت أوامرها ونواهيها درجات ولم تجعلها في رُتبة واحدة، وهذا أمر يجعل الإنسان في فُسحة.
ذكر أمثلة كثيرة على تدرج أوامر ونواهي الشريعة، وأثناء حديثه عن الكبائر قال إنها لا تُكفَّر إلا بالتوبة النصوح وأثناء حديثه عن الصغائر قال إنها تُكفَّر بأمور كثيرة مثل الاستغفار، الوضوء، الجُمعة إلى الجُمعة، رمضان إلى رمضان، اجتناب الكبائر، البلاء ولو بشوكة أو صداع، وهكذا.
استدل بأقوال لرسول الله مثل لا يهلك على الله إلا هالك للتأكيد على رحمة الله، ثم ذكر إن الصغائر تدخل في عموم قول الله وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ۩.
أضاف أن الأصل في الأشياء كلها الإباحة، خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۩، وهذا من أكبر أبواب التيسير، وذكر أن الشريعة نهت أن نبحث فيما لم يُنَص عن تحريمه، لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ۩.
أوضح أن باب التوبة مفتوح دائماً وهذا من تيسير الشريعة، ثم قال إن أبواب التيسير كثيرة جداً.
تحدَّث عن التشدد وقال إنه بدأ مُتأخِّراً عن عهد أسلافنا الصالحين بالمعنى الاصطلاحي للتشدد، وإلا الصحابة أنفسهم لم يكونوا بمزاج واحد، وهنا مزاج الفقيه مُهِم فبعضهم يميل إلى التيسير كابن عباس وبعضهم يميل إلى الالتزام الحرفي فيتطرَّق إلى شيئ من التشديد كابن عمر.
أكَّد على أننا كلما عُدنا القهقرى إلى الوراء واقتربنا من النبع الصافي والعهد السعيد نجد أن فتواهم كان يغلب عليها التيسير، وكلما اقتربنا من عصورنا هذه – عصور الانحطاط والتخلف – يظهر التشدد، فهذه قاعدة عامة لاحظها الكثير من العلماء وتُؤكِّد أن أصل الدين هو التيسير وليس التعسير.
عرض الدكتور أحمد العرفج مُداخَلة الحلقة الدكتورة شريفة الصبياني التي أكَّدت على سماحة الدين الإسلامي الذي أسقط من أركانه وهو ركن الحج عن غير المُستطيع والذي سمح لأتباعه بالقصر والجمع في ركن من أركانه وهي الصلاة أثناء السفر.
أشارت إلى أن بعض الفقهاء أصر على التشدد والتزمت في بعض القضايا ثم انتقل من التحريم إلى التحليل بعد إضاعة الكثير من الوقت، مثل قضية أطفال الأنابيب والخلايا الجذعية.
تساءلت ألا يرى الدكتور عدنان إبراهيم إضاعة لكثير من الوقت في هذه المواضيع؟ ولو حان الوقت لتصحيح هذه المفاهيم ألا يرى أن هذا التشدد في الأمور الحياتية خلق ذهنيات تتشدَّد ولا تقبل الطرف الآخر خاصة ما أدى إلى وجود الإرهاب الذي أصبح يُحاصِر الإسلام من جميع الجهات؟
أشاد الدكتور عدنان إبراهيم بالمُداخَلة مُؤكِّداً على أنه يتفق مع الدكتور شريفة في كل ما قالت، فكل ما ذكرت أضاع علينا جهوداً وساهم في تشويش العقل المُسلِم، وهذا طرَّق طريقاً لتسرب الإرهابين لوجود نوع من الفوضى الفقهية التي يُساهِم فيها الكل.
أكَّد على أن المجامع الفقهية ينقصها مُشارَكة المُتخصِّصين البارعين في حقولهم، لكي يكون لهم دور في إيضاح المسائل لأن الحُكم على الشيئ فرع تصوره، وينبغي أن يُؤتى بأكثر من مُتخصِّص في نفس المجال لأن بعض المُتخصِّصين قد يخضعوا لوجهات فقهية مُعيَّنة أو يغلب عليهم مِزاج ما، خاصة أن الفقيه قد لا يستوعب المسألة علمياً بشكل سريع، وهذا يجب أن يكون شغلاً مُؤسَّساً ومجمعياً للتقليص من حجم الفوضى الفقهية.
ذكر أن قبل عشرات السنين حُرِّم الكثير من الأشياء مثل التلفزيون Television، تعليم النساء طباعة المُصحَف، ترجمة معاني القرآن، والتلغراف Telegraph، فضلاً عن الكثير من الأشياء.
اهتبل الفرصة لكي يقول لم يكن من هدي أسلافنا الصالحين أن يقولوا حلال وحرام هكذا بسهولة فيما لم يُنَص عليه نصاً واضحاً أنه حلال أو حرام، ولذا الإمام الشافعي روى عن أبي يوسف – تَلميذ أبي حنيفة – أنه قال لم يكن مَن أدركنا مِن العلماء والمشايخ يقولون في شيئ حرام إلا ما كان مذكوراً في كتاب الله بيّناً بغير تفسير.
نوَّر كلمة الإمام أبي يوسف بقول الله يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ۩، فحين نزلت هذه الآية لم يكف الصحابة عن شرب الخمر مثل سيد الشهداء حمزة إلى أن نزل التحريم بشكل واضح.
ذكر أن الإمام مالك قال لم يكن من شأن الناس ولا مَن أدركنا مِن السلف الماضين أن يقولوا في شيئ هذا حلال وهذا حرام، بل كانوا يقولون هذا يُعجِبنا وهذا لا يُعجِبنا أو هذا نتقيه وهذا يُمكِن أن نأتيه، ثم تلا قول الله قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ۩.
ألمع إلى أن ابن تيمية كان يُؤكِّد نفس المعنى، ثم قال فما بال العلماء المُتأخِّرين اندلعوا جداً في إطلاق التحريم حتى ضيَّقوا على الناس كل شيئ؟
أشار إلى خطورة الجمود الذي يُؤدي إلى المُسارَعة إلى التحريم، ثم تحدَّث عن هيبة الجمهور أو هيبة المُؤسَّسة العلمائية التي قد تدفع الفقيه إلى القول بالتحريم، لكن الفقيه ينبغي أن يجعل وجهته الله وأن يقول ما يعتقده فهو مسؤول أمام الله.
ضرب مثالاً لأمر أحرج حياتنا، وقال حين تم طرد المُسلِمين من الأندلس ذهب مُعظَمهم إلى المغرب العربي وبقيَ أقلهم، فتنصَّر بعضهم وذُبِح بعضهم واستخفى بعضهم بدينه بسبب الفظائع التي حدثت لهم، ثم أتى أبو العباس الونشريسي وزبر فتوى بعنوان أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على وطنه النصارى ولم يُهاجِر وما يترتب عليه من العقوبات والزواجر، وهذه الفتوى خطيرة لأنها جعلت الذين يعيشون تحت حُكم النصارى ويتكتمون بدينهم ويذوقون الأمرين كفّاراً إذا لم يُهاجِروا رُغم أن الهجرة لم تكن سهلة لأنها تتقاضى أموالاً طائلة وكان الطريق خطيراً فضلاً عن وجود الكثير من الأخطار الأُخرى.
أضاف أن هذه الفتوى من أسوأ ما يكون، لأنها كانت لزاً واضطراراً لهؤلاء المُضطهَدين لترك دينهم، فهم كفروا وقالوا لِمَ نجمع علينا عذاب الدنيا وعذاب الآخرة؟ هيا نتنصَّر!
ذكر أن التشدد الفقهي أعاق التنمية كثيراً بشكل نسبي، وأوضح أن المملكة السعودية تخضع إلى حد كبير لفتاوى العلماء، لكن الدول الإسلامية الثانية لا تُدار بالفتوى.
تحدَّث عن موضوع لا يرث المُسلِم الكافر، فهناك حديث صحيح في هذه المسألة لكن هناك تأويلات وأقوال كثيرة لهذا الحديث.
أوضح أن الشاب في الغرب قد لا يُسلِم خشية من ألا يرث أبيه الكافر الغني، لأنه سيُحرَم من هذا الميراث إذا دخل الإسلام بحسب مذهب الجماهير، لكن في المُقابِل يُوجَد مذهب لمجموعة من العلماء مثل مُعاذ بن جبل وعمر الخطاب ومسروق والإمام الباقر وغيرهم قالوا المُسلِم يرث الكافر وليس العكس، لأن النبي قال الإسلام يزيد ولا ينقص، لذا التشدد يعوق حركة الدعوة لأنه يُزهِّد الناس في الإسلام بالطريقة هذه.
عرض الدكتور أحمد العرفج فيديو الحلقة الذي ضم نموذجين من نماذج التشدد السُني والشيعي، فالسُني أنكر على البعض قولهم “الله يخليك” مُستدِلاً بقول ابن العثيمين إذا الله خلاني فمَن يتولاني؟ حين قال له أحدهم الله يخليك يا شيخ، وأما الشيعي فأنكر الاستحمام دون مُبرِّر.
قال الدكتور عدنان إبراهيم مُعلِّقاً على الفيديو إن الشيخ ابن العثيمين أوعى من أن يُفتي فتوى تُؤخَذ على ظاهرها بهذا الشكل، ومن هنا يغلب على ظنه أنه كان يُخاطِب طلبة العلم الذين يعرفون اللُغة، فلا يُمكِن أن يكون مُراده العامة، لأن في لسان العامة “الله يخليك” لا تعني الله يخليك من نظره ورعايته، فالعامة تُريد “الله يخليك” بمعنى أبقاك الله في قيد الحياة، وهذا أيضاً يمنعونه لكننا نقوله على سبيل المجاز لأن البقاء لله في النهاية.
تساءل هل الله لا يعرف نية العامي الذي نطق بعبارة على معنى يُريده واللُغة لا تسمح به؟ ثم قال الفقهاء مأمورون عُرف الناس في ألفاظهم حتى في باب الطلاق.
قال إن الشيخ الشيعي كلامه كان مفهوماً في البداية لكنه أتى بمثال غير مُعبِّر، فهو أراد في البداية الحديث عن غُسل القُربة – أي العبادة – الذي لابد أن يكون له سبب، لكنه حين ذهب يضرب مثالاً زل، فالإنسان الذي يعود من عمله – مثلاً – مُتعَباً يُمكِن أن يغتسل، هذا اسمه غُسل عادة ولو سُئل عنه الشيخ بشكل واضح لقال ليس فيه شيئ.
دعا بحماس وإيمان إلى تقنين الأحكام كما قال سابقاً، مُشيراً إلى أن التقنين سيأتي على مُعظَم أبواب الفقه باستثناء العبادات والأخلاقيات.
نبَّه على ضرورة ضبط التعليم الديني من خلال الدول والحكومات العربية، فهو غير مُرتاح وقلق جداً من التعليم الديني، خاصة أن الألوف يتخرَّجون كل سنة من الكليات الدينية ولا يُدرى ماذا يُفعل بهم، فلو تعلَّموا حرفاً لنفعوا أنفسهم وأمتهم.
اقترح ألا يدخل كُليات الشريعة إلا العباقرة الذين يحصلون على مجموع عالٍ في الثانوية يتجاوز الخمس والتسعين في المائة، فلا ينبغي أن يدخلها إلا مَن يُنتَقون بدقة شديدة وبتشدد، ومن ثم لن يدخلها إلا قلة ستكون لها وظائف مضمونة بمُرتَبات مُجزية جداً.
أكَّد على ضرورة إحداث ثورة في الديني وأقسم على أن سيأتي يوم تُدرِّس فيه كل الجامعات العلوم الشرعية واللُغوية وإلى جانبها أشطاراً من العلوم الكونية والإنسانية، فالعالم لابد أن يكون عقله مُركَّباً لأن حياة الناس مُركَّبة يشتبك فيها الديني مع الكثير من الأمور.
تابع أن علماء الدين الآن مع ثورة الاتصالات يتراجع دورهم، فحضورهم قوي جداً فقط في المنطقة الطائفية وليس في تشكيل مخيال الناس العلمي والأدبي والذوقي اعتماداً على الدين، فضلاً عن أن علماء الدين لا يُرجَع إليهم الآن في قضايا الحياة والمُجتمَع الحقيقية، ومن هنا حربهم الشديدة على مَن يرفع أي مشعل للتنوير وإشعال العقل النقدي، لأنهم ينزعجون ويرون أن هؤلاء يقطعون عليهم الطريق ويُحارِبونهم في أرزاقهم مادياً وفي حيثياتهم معنوياً، لكن هذا حاصل وآت آت، ومن هنا يجب أن نتواضع مع الحقائق.
ألمع إلى أن بعض الناس يميل إلى الفقه المُتشدِّد في الفتوى فكلما تشدَّد الفقيه ظنوه أكثر ذمة، لكن هذا يحدث فقط حين لا يتعلَّق الأمر بواحدهم، فالواحد منهم حين يُريد أن يُظهِر مزيته على غيره يأخذ بالتشدد ومن ثم يعكس منطق المُتشدِّدين الذي يجعلهم يدمغون المُجتمَع والناس لأن الأمر لا يتعلَّق به، فإن تعلَّق الأمر به جعل يعتل ويطلب المخارج ويُصبِح مُتساهِلاً جداً، فبعض العلماء يُشدِّد إذا تعلَّق الأمر بالناس، لكن إن عاد الأمر إليه يُيسِّر.
اقتبس حديثاً نبوياً صحيحاً عن رسول الله للتغريد به، فقال: إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك مَن كان قبلكم بالغلو في الدين.
أوضح أن الهلاك المقصود في الحديث ليس الهلاك الأُخروي فقط، فهناك هلاك دُنيوي يسبق الهلاك الأُخروي، وهذا يُؤكِّد خطورة التشدد.
أضف تعليق