نظرية التطور
السلسلة الأولى: الأدلة والمؤيدات
الحلقة الرابعة
ما هو التطور؟ ورحلة البيجل Beagle – الجزء الأول
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المُرسَلين سيدنا محمد بن عبد الله النبي الأمين وعلى آله الطيبين وصحابته الميامين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً.
أيها الإخوة الأحباب والأخوات الفاضلات: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، كما أسلفنا في التاسع عشر من شهر إبريل عام اثنين وثمانين وثمانمائة وألف توفيَ العالم الكبير تشارلز داروين Charles Darwin وشُيعَت جنازته إلى Westminster Abbey أو أبرشية ويستمنستر Westminster ولم يحضر الجنازة اثنان من الشخصيات النابهة العامة هما أسقف كانتربري Canterbury – رجل الدين المشهور – ورئيس الوزراء ويليام جلادستون William Gladstone، فالرجلان كانا بلا شك مُؤمِنين أو مُتدينين مُتحمِسين، أما تشارلز داروين Charles Darwin من جهته فقد وجه نقداً مُزرياً إلى قصة الخلق الكتابية كما يعرضها سفر التكوين – Genesis – من الكتاب المُقدَس، فصحيح أن أسقف كانتربري Canterbury اعتذر بوعكة صحية ألمت به وأن رئيس الوزراء جلادستون Gladstone اعتذر بارتباط مُهِمٍ له لكن على كل حال الرجل أثار عجاجةً وضجيجاً في معركةٍ شرسة حامية الوطيس يبدو أنها إلى اليوم لاتزال تتجدد حلقاتها، سلسلة مُتواصِلة من الجدال العنيف بين رجال العلم من جهة ورجال الدين من جهة إلى حد ما ولكن بقدر أقل بكثير بين رجال العلم أنفسهم أي بين بعضهم البعض وإن كان مُعظمهم على الإطلاق من المُشايعين والمُؤيِدين لهذه النظرية التطورية الجديدة.
قلنا أيضاً في الحلقة السابقة أو في حلقةٍ سابقة أن تمثالاً أو نُصباً تذكارياً قد وُضِعَ لتشارلز داروين Charles Darwin في واجهة المتحف الوطني أو الأهلي للعلوم الطبيعية في سنة خمس وثمانين وثمانمائة وألف، علماً بأن الذي أسَّس المتحف الوطني عالم المُتحجِرات أو عالم الإحاثة وعالم التشريح البريطاني الشهير ريتشارد أوين Richard Owen، فقد أسَّسه ووضع فيه عدداً لا بأس به من العينات، أما الآن فيضم هذا المتحف أكثر من سبعين مليون عينة، ولعله أضخم متحف حول العالم على وجه المعمورة، في صدارة أو مركز القاعة الرئيسة – Main Hall – يوجد أو كان يوجد بالأحرى إلى وقتٍ قريب جداً تمثالٌ ونُصبٌ تذكاري لريتشارد أوين Richard Owen، ريتشارد أوين Richard Owen الذي بدأ صديقاً لتشارلز داروين Charles Darwin ومُمجِداً له ولبعض اكتشافاته الإحاثية أو الأحفورية لكنه لم يلبث أن انقلب عدواً لدوداً بسبب نظرية التطور التي ابتدعها تشارلز داروين Charles Darwin، فريتشارد أوين Richard Owen كان أيضاً من جهته مُتديناً شديد التدين و يُؤمِن بالنظرية التكوينية – Creationism – أو النظرية الخلقوية، علماً بأن نظرية الخلق تُفيد بأن الله – تبارك وتعالى – خلق الأنواع خلقاً مُتسقِلاً كُلاً على حدا، لكن كيف يُمكِن لعالم إحاثة أو لعالم في التاريخ الطبيعي وفي تاريخ الحفريات أن يُؤمِن بنظرية الخلق؟ هذا لم يكن مُعجِزاً لريتشارد أوين Richard Owen الذي كان يُؤمِن إلى جانب إيمانه بالخلق المُستقِل للأنواع بأن هناك كوارث – Catastrophes – تعرض للأرض وتقضي على بعض الأنواع فتستبقي بعضاً ولا يلبث الخالق – تبارك وتعالى – أن يخلق أنواعاً جديدة خلقاً مُستقِلاً، ومن هنا ليس بعجيب أن نجد أحافير – Fossils – كثيرة لمخلوقات وكائنات مُنقرِضة – انقرضت بسبب هذه الكوارث الطبيعية – ثم تلتها كوائن أو كائنات أنواع أخرى بخلق الله المُستقِل، فكانت هذه نظرية ريتشارد أوين Richard Owen الذي أغضبته إلى الغاية نظرية تشارلز داروين Charles Darwin وكتب لها عرضاً أو مُراجَعةً – Review – كما يُقال شديد السوء وملآن بالحقد، فقد وصف النظرية الداروينية – Darwinism – بالفكرة الطائشة التي تحط من قيمة العلم قائلاً “الفكرة الطائشة التي أتى بها السيد داروين Darwin والتي تحط من قيمة العلم”، فهذا وصفه للنظرية، أما وصفه لصاحب النظرية فوصفه بأنه لا يعلم شيئاً في علم الحفريات وفي علم الإحاثة لأنه لو كان يعلم – طبعاً هذا فيه جورٌ كبيرٌ ظاهر – لما قال ما قال، لماذا؟ لأن هناك بعيداً في بعض طبقات العصر الجوراسي – Jurassic period – تتموضع وتقبع بعض الأحافير لبعض المخلوقات الضخمة المُنقرِضة ثم لا توجد بعد ذلك وليس لها سلفٌ سابق، فقد وُجِدَت فجأة واختفت فجأة، إذن لا تطور، وهذه هى الحُجة البسيطة التي كان يُجادَل بها ريتشارد أوين Richard Owen، لكن لماذا أذكر هذا؟ أذكر هذا لأنه بمُناسَبة مرور مائتي سنة على وفاة تشارلز داروين Charles Darwin وذلك في سنة ألفين وتسع – قبل زهاء خمس سنوات من الآن تقريباً – نقلت لنا الفضائيات وأجهزة الإعلام العالمية والمجلات أيضاً والجرائد والصحف اليومية خبراً مُثيراً “لقد تم نقل النُصب التذكاري أو التمثال للبروفيسور Professor أوين Owen من مكانه في القاعة الرئيسة – Main Hall – ووُضِعَ مكانه تمثال تشارلز داروين Charles Darwin بعد مائتي سنة من ميلاد داروين Darwin”، طبعاً هو أقل من ذلك من وفاة تشارلز داروين Charles Darwin في عام ألف وثمانمائة واثنين وثمانين، فلماذا؟ هناك دلالة أو إشارة لا تخفى على أحد وهى أن النصر صار حليفاً لداروين Darwin بعد أكثر من مائة سنة كُتِبَ النصر السافر والمُؤزَار لتشارلز داروين Charles Darwin وليس لريتشارد أوين Richard Owen مُؤسِس المتحف نفسه، لقد نُحِى تمثاله من صدارة القاعة الرئيسة ليُوضَع مكانه تمثال تشارلز داروين Charles Darwin، فهذا اعتراف صريح شاهده العالم عبر الفضائيات بعد هذه الفترة المُتوادية المُتمادية بانتصار إذن نظرية التطور.
هناك إحصائية تمت في سنة ألف وتسعمائة وخمس وتسعين تُفيد بأن زهاء 99,85 % – يعني تقريباً 100 % إلا قليلاً – من علماء الجيولوجيا Geology وعلماء الأحياء الأمريكان يُؤيِدون نظرية التطور، لكن لماذا أمريكا بالذات؟ لأن أمريكا هى الساحة التي لاتزال تحتدم فيها المعركة التي نشبت قبل أقل من عشرين سنة بين الخلقويين في نُسختهم المُجدَدة – أي نُسخة الـ ID أو ما يُعرَف بالتصميم الذكي Intelligent Design – وبين التطوريين، وللأسف الشديد يُقال بالذات في العالم الإسلامي أو في العالم الثالث عموماً خاصة بين المُسلمين “تقريباً نظرية التطور انتهت”، فكم سمعت من علماء وأطباء ومُتخصِصين حتى في الأحياء للأسف الشديد مِمَن لا يبالون بما يقولون ومِمَن ليس لديهم حس المسئولية في إلقاء الكلمات وفي تزييف قناعات الناس بأسلوب لا يليق بأي رجل تحصل على شهادة ربما حتى إعدادية وليس شهادة جامعية عُليا أنهم يقولون “قُضِيَ على نظرية التطور، فالنظرية لم تعد تقوم على ساقين، لقد انتهت”، وهذا كذبٌ وقاح وكذبٌ صراح.
أعظم علماء التصميم الذكي يُوجَدون في أمريكا – أكبر هؤلاء العلماء في أمريكا -وأشهر معاهد هؤلاء – Discovery Institute – في أمريكا، وكل هؤلاء لا يُشكِلون 00,15 %، ولكم أن تتخيَّلوا أن 99,85 % – كما قلنا – مع نظرية التطور في أمريكا وهى مركز هذه المعركة.
AAAS – اتحاد العلماء الأمريكان لتقدم العلوم The American Association for the Advancement of Science – هى أعظم مُنظَمة علمية حول العالم، وعدد أعضائها هذا العام في هذا العام – في ألفين وأربعة عشر – حوالي مائة وسبعة وعشرين ألف عالم في مُختلِف تخصصات العلم.
AAAS أصدرت بياناً في فبراير ألفين وستة عشر تقول فيه أن نظرية التطور لم يعد أحد تقريباً يُؤبَه به يُعارِضها، فنظرية التطور الآن هى أقوى مبدأ في علم البيولوجي Biology صار مُؤكَداً ومُتثبَتاً منه، فأقوى مبدأ على الإطلاق في البيولوجي Biology هو التطور.
فهذا هو AAAS مع مائة وسبعة وعشرين ألف عالم، وهو أقوى اتحاد أو رابطة حول العالم للعلماء، فلماذا يُقال وكيف يُمكِن أن يُقال النظرية انتهت أو قُضِيَ عليها أو لم تعد تمشي على ساقين؟ هذا كذب عجيب جداً ومُهاتَرة وأمنيات فارغة حتى في الأحلام لا تسنح لرجل عاقل، لكن يقول – كما قلت لكم هم أطباء وأساتذة جامعيون -بأن النظرية انتهت، وطبعاً لا أتحدث عن مشائخ وعن علماء الدين فهؤلاء لا يعنونا لأنهم لا علاقة لهم بالعلم ولا علاقة لهم بتحقيق الأقوال والنقول ولا شيئ للأسف الشديد في هذه الأبواب بالذات.
إذن المسألة جد والمسألة حساسة وخطيرة جداً، وهذه النظرية – نظرية التطور – وصفها أحد كبار داعيمها وكبار الداعين إليها وهو العالم دوبجانسكي Dobzhansky -ثيودوسيوس دوبجانسكي Theodosius Dobzhansky – الذي يبدو أن له أصولاً شرقية قائلاً “ليس شيئٌ في علم الأحياء يُمكِن أن يُلحَظ له منطق – أي أن يكون منطقياً أو مفهوماً أو معقولاً – بغير نظرية التطور”، كأن دوبجانسكي Dobzhansky يقول نظرية التطور الآن تُساوي علم الأحياء، وإذا قلنا لا تطور فإذن لا علم أحياء، فلن نجد شيئاً مفهوماً وسوف يُصبِح كل شيئ بلا معنى وبلا منطق بغيرها، وهذا شيئ غريب، إلى هذه الدرجة كما يُصوِرها هؤلاء!
في المُقابِل يعلم هؤلاء المُؤيِدون كما يعلم المُعارِضون أن هذه النظرية وجهت ضربةً لا نقول قاسمة لكنها ضربة مُوجِعة جداً ومُهينة للاعتقادات الكتابية وللاعتقادات الدينية المُتعلِّقة بقصة الخلق، ومن هنا حساسية المُتدينين بالذات في الأديان الكتابية – اليهودية، المسيحية، والإسلام – لكن المفروض أن تكون حساسية المسلمين أقل بكثير من حساسية أهل الكتاب لأن أهل الكتاب لهم كتابٌ يذكر بتفصيل يتعارض كما يبدو على طول الخط مع النظرية التطورية قصة الخلق وكيف تم هذا الخلق، وتسمح سلاسل أنساب الأنبياء ومَن يمتون إليهم بإجراء حسابات بسيطة كالتي قام بها الأسقف الأيرلندي الشهير جيمس أشر James Ussher بإعادة حساب عمر الأرض، فإذا به – كما قلت لكم في حلقة سابقة – تقريباً ستة آلاف سنة لا يزيد، لأن الله تبارك وتعالى خلق الأرض في شهر أكتوبر – تقريباً في الثالث والعشرين من أكتوبر في الساعة التاسعة صباحاً – في أربعة آلاف وأربعة قبل الميلاد BC، يعني عمر الأرض تقريباً ستة آلاف سنة، فهناك حسابات تُجرى على معلومات مأخوذة من الكتاب المُقدَس ولذلك هم يتحسسون جداً.
كوين Coyne – جيري كوين Jerry Coyne – صاحب كتاب لماذا التطور الحقيقة؟ Why Evolution Is True – هذا أحسن كتاب لمَن أحب أن يتوسع، فهو كتاب يُناقِش مسألة التوزيع الجغرافي للأنواع، وسنعرض لهذا بالتفصيل حين نأتي إلى أدلة النظرية، فمن أدلتها المُهِمة التوزيع الجغرافي، وهذا أحسن كتاب من سنوات طويلة وإلى الآن لم يُؤلَف مثله – في أول كتابه يقول “من هنا حساسية المُتدينين إزاء هذه النظرية”، لماذا؟ لأنه لا توجد نظرية خلق بلا دين، فإذا ذُكِرَت نظرية الخلق إذن في أديان مُباشرةً مثل اليهودية والمسيحية والإسلام، لكن توجد أديان بلا نظريات خلق وأصحابها لا يتحسسون من نظرية التطور، مثل الكونفوشيوسية التي ليس فيها نظرية خلق ومثل البوذية ومثل الطاوية – Taoism – والجينية، قهذه أديان شرق أقصوية وليس فيها نظرية خلق، لكن ما مِن نظرية خلق إلا تستدعي الدين، فإذا وُجِد نظرية الخلق فلابد وأنها تستند إلى دين، مثلما هو الحال في اليهودية والمسيحية والإسلام، لكن هناك أديان من غير نظريات خلق، فهذه هى العلاقة، ومن هنا الحساسية الشديدة.
هل هذه النظرية الآن تحوذ على هذا الرضا الساحق من المُؤسَسة العلمية حول العالم رغم أنها سددت ضربة على هذا النحو إلى الدين وإلى الرواية الكتابية؟ نعم هذا ما حصل، وهذا ما هو حاصل، بل أكثر من هذا كما سجل سيجموند فرويد Sigmund Freud أبو التحليل النفسي قائلاً “تلقت الإنسانية ضربتين قاسيتين في العصر الحديث – من مطلعه إلى عهد داروين Darwin تقريباً”، ثم قال “حيث أتت الضربة الأولى – طبعاً هذا المعنى ستجدون مئات من المُفكِرين وُمؤرِخي الأفكار والفلاسفة عبَّروا عنه كُلٌ بعباراته لكن المعنى ذاته، وفرويد Freud على كل حال مسبوق إليه – التي وجهها البولندي نيكولاس كوبرنيكوس Nicolaus Copernicus إلى الإنسانية حين زحزحها عن مركز الكون، لأنه كان يُعتقَد قبل ذلك لمُدة ألف عام وتزيد وفقاً للنظام البطلمي المنسوب إلى بطليموس Ptolemy الأسكندراني وهو النظام الذي يستند إلى نظرية أو نموذج – Model – نموذج الأرض Geocentric model أن الأرض مركز الكون وأن الإنسان مركز الأرض، فالإنسان مركز الكون ومركز العالم وهو الخليقة الأهم على الإطلاق، وهذا بلا شك يُغذي نرجسية الإنسان وحُب الإنسان لنفسه وثقة الإنسان بموقعه وبحيثيته الكونية، لكن كوبرنيكوس Copernicus سدد ضربة مُوجِعة لهذا الاعتقاد، وطبعاً بعد ذلك جاليليو Galileo وعلم الفلك الحديث عموماً”، يقول سيجموند فرويد Sigmund Freud مُستتلياً “تبين بعد ذلك أن الأرض ليست سوى كوكب بسيط في مجموعة شمسية في طرف مجرة لا يُدرَى موقعها من الكون، فهذه المجرة هى بحد ذاتها حبة رمل في هذا الكون الذي به مئات مليارات المجرات، وكل مجرة بها مئات مليارات النجوم”، وهذا شيئ عجيب، لكن فعلاً هذه صورة الكون الآن في الكوزمولوجيا – Cosmology – الحديثة.
إذن هذه ضربة مُوجِعة جداً للإنسان، فلست إذن مركز الكون، لكن هذا لا يهمنا لأننا الآن لا نتحدث عن كوبرنيكوس Copernicus وأشياعه، المُهِم هو أن فرويد Freud قال “والضربة الثانية – هو لم يذكر داروين Darwin بالإسم لكن من الواضح جداً أنه يقصده – حين سددت الأبحاث البيولوجية الضربة ربما الأكثر وجعاً للإنسان حين أخبرته أو أوقفته على حقيقة أنه لا يزيد عن كونه حيواناً في سلسلة تطور حيوانية، فهو يختلف فقط بالدرجة لا بالنوع، أي أنك أرقى من الحيوانات درجة وليس نوعاً، فمن حيث النوع يُوجَد نفس الشيئ، آباؤك الأولون حيوانات وهم آباء مُشترَكون لك ولحيوانات أخرى منها القرود والقرود العُليا المُسماه الآن بالقرود الأفريقية، وهذه ضربة مُوجِعة جداً لنرجسية الإنسان”، لكن هذا ما فعله تشارلز داروين Charles Darwin، وهذه هى نظرية التطور أفهمتنا أننا سُلالة حيوانات، فنحن مُستَلون من حيوانات وليس أكثر من هذا، نحن والشمبانزي Chimpanzee والبونوبو Bonobo وبعدين الغوريلا Gorilla والأورانجوتان Orangutan، وهذه القردة الأفريقية – أربعتها هى القردة الأفريقية – ونحن أولاد عمومة Cousins، فلسنا إخوة أكيد بلا شك ولكننا أولاد عمومة، لأن جدنا جدٌ واحد مُشترَك ولنا أصل مُشترَك Common Origin وسلف مُشترَك Common Ancestor، وهذا الجد تفرع منه فرع – Branch – وتفرع فرعٌ أخر، هذا الفرع مثلاً انتهى بالشمبانزي Chimpanzee – Chimp – وهذا الفرع انتهى بالإنسان، فنحن أولاد عمومة، فالشمبانزي Chimpanzee ابن عمنا ويُشابِهنا شبهاً غريباً جداً ولافتاً في جهازه الهيكلي وجهازه العضلي وجهازه العصبي وفي كيمياء الدم عنده وحتى في التصرف وفي أشياء كثيرة جداً، وطبعاً على مُستوى الجينوم Genome زهاء 99% من جينوم Genome الشمبانزي Chimpanzee يُطابِق جينوم Genome الإنسان، وبسبب هذه النسبة – 99 % – هو الأقرب إلينا على الإطلاق، وهذا شيئ عجيب ، ولذا هذا بلا شك آلم الإنسان ألماً كبيراً.
هذا هو شأن هذه النظرية ومع ذلك هذا هو مكانها أو هذه هى مكانتها لدى العلماء ولدى المُؤسَسة العلمية حول العالم، فلا أحياء بلا تطور، وهى نظرية علمية مُحترَمة جداً، وعشرات ألوف العلماء بل مُعظم علماء الأحياء حول العالم على الإطلاق يُؤيِدنوها تأييداً ساحقاً، وكما قلت لكم تأكدوا من هذا، فلا تسمحوا لأنفسكم أن تسمعوا إلى الكذّابين وإلى رجال الدين من الذين يهرفون بما لا يعرفون وبإسم العلم أحياناً، فيقولون لك “النظرية انتهت والنظرية سقطت”، فهذا كلام فارغ، وهذا كلام يُضحَك عليه في الأوساط العلمية، نعم هناك بعض العلماء النابهين المُحترَمين في شؤون علمية مُختلِفة يُعارِضون التطور وألفوا كُتباً لكن كم تبلغ نسبتهم؟ فهذا شيئ مُهِم، كم هى نسبتهم؟ كم نسبة الذين يُؤيِدون التصميم الذكي بالقياس إلى مُؤيِدي التطور؟ تقريباً لا نسبة، وهذا ما يجب أن ننتبه إليه، فأنت تُحصي لي عشرة علماء أو عشرين أو ثلاثين أو خمسين بإزاء – مثلاً – مائتي ألف أو ثلاثمائة ألف عالم، وهذا شيئ مُخيف، فالقضية مُخيفة إذن، ولذلك لماذا قدمت بهذه المُقدَمة؟ حتى نأخذ الأمر ونحمله على محمل الجد، فلا يصلح أن تأتي إلى كتب لهارون يحيي Harun Yahya كما يفعل كل علمائنا للأسف حتى المُتخصِصون منهم في العلم وتقول لي أن التطور نظرية باطلة وساقطة وأن الحُجة كذا كذا، فهذا كلام غير علمي وغير دقيق بالمرة، وفيه تدليس وفيه كذب في العلم نفسه، وسوف تقفون على الحقائق والبيّنات في إبانها – إن شاء الله – شيئاً فشيئاً، فهم قالوا هذا ولكننا سوف نرى الأكاذيب مع الحقائق، فنحن نُريد أن نستجلي وجه الحقيقة ونُريد أن نفهم تماماً، لا نُريد أن نخدع أنفسنا عن الحقيقة ولا نُريد أن نستر وجه الحقيقة، فهذا من المُمكِن أن يُرضينا وأن يُشكِّل لنا عزاءً داخلياً بين بعضنا البعض كمُوحِدين وكمُسلِمين وكيهود وكنصارى لكن في أي نقاش علمي مُحترَم هذا سيُخزينا، فعليك أن تنتبه إذن، هذا سيُخزيك حين تأتي تُناقِش عالماً مُتخصِصاً يعرف تماماً ما وصلت إليه هذه النظرية من بيّنات ومُؤيِدات هذه النظرية، في حين أنك تأتيه بمنطق هارون يحيي Harun Yahya وأمثاله، وبالتالي أنت ستخزى وسيثبت أنك جاهل مُركَب لا تعرف شيئاً وتظن أنك تُسدِد ضربات قاسمة للنظرية، لذلك خُذ الأمر بجد، وأول هذا الجد أن تفهم النظرية كما هى، فنحن نُريد أن نفهمها بعمق كما يفهمها المُؤمِنون بها، نُريد أن نفهمها كما هى في الواقع، وبعد ذلك على ما وعدتكم نعود مرةً أخرى لنرى ما هى الضربات وما هى النقود التي تُسدَد إلى هذه النظرية، ونزن ونرى في الأخير الأرجحية لمَن، هل للنظرية أم للنظرية الضد أو للنظريات الضد إن كان ثمة نظريات لنعلم إذن ما الحكاية، ما حكاية هذه النظرية التي تعرفون أن صاحبها قضى أكثر من عشرين سنة من العمل المُضني المُتواصِل وهو يشتغل عليها حتى أخرجها في كتابه، لكن ستعلمون أيضاً بالتفصيل أن هذا الكتاب – أي أصل الأنواع – لم يبق منه إلا الأسس تقريباً، فالآن لدينا نظرية داروينية جديدة أو نظريات جديدة في التطور تمت بأسباب يسيرة إلى النظرية الأصل، فلقد راكم العلماء عشرات الأدلة وعشراتها مما لم يعرفه داروين Darwin ولا خطر حتى بباله، والأخطاء التي وقع فيها داروين Darwin تم تحاشيها تماماً وشُطِبَ عليها ولم يعد أحد يتبناها، فهناك إضافات جديدة كثيرة من بعد وفاة داروين Darwin إلى اللحظة التي نعيش فيها، وكلها في نهاية المطاف كانت تصب في صالح النظرية، وسنأتيكم أيضاً بهذه الخلفية التاريخية في وقته وفي محله إن شاء الله تعالى.
إذن سأُعطيكم إطاراً واضحاً وبسيطاً يُمكِّنكم من موضعة المعلومات التي ستسمعونها بعد ذلك أو تقرأونها أو تتعرضون لها بأي طريقة أو تصادفونها عن التطور، فأرجو أن تُركِزوا معي حتى تُموضعوا كل هذه المعلومات في مكانها، فكل معلومة ستسمعونها ستأخذ موضوعها تماماً، لكي تعلموا في ماذا تخدم هذه وفي أي مبدأ من المبادئ وفي أي نقطة في النظرية، لأنكم ستفهمون النظرية الآن، فأنا لن أُعطيكم إطاراً لنظرية داروين Darwin كما عرضها داروين Darwin في وقته لأن هذا ما عاد يُجدي، ولكن سنتحدَّث عن النظرية الآن لنعرف ما هو التطور وما هو تعريف التطور وما هى مبادئه وما هى أركانه وما هى أسسه وكيف يتم وما آلياته الخمسة المشهورة طبعاً عند كبار المُؤيِدين لهذه النظرية، سنشرح هذا بتبسيط شديد وبوضوح بإذن الله تعالى، وبعد ذلك – هذا سيظهر في حلقات اليوم – ستتموضع كل معلومة جديدة في مكانها وسنُؤسِّس لفهم عميق ومُبسَط إن شاء الله تعالى.
أبدأ بتسجيل مُلاحَظة مُهِمة لابد من ذكرها عن المُدافِعين عن التطور – أي عن التطوريين – حين يسردون تعريفات النظرية، فالنظرية لها تعريفات كثيرة، وكل واحد منهم يُعرِّف التطور – Evolution – نفسه على نحو ما، وفي النهاية التعريفات لا تتناقض، فهى ليست تعريفات تناقض وإنما تعريفات تنوع، فهى لا تتناقض ولكن يُلاحَظ في هذه التعريفات أن منهم من يميل إلى التركيز على ما يُعرَف بالتطور الصُغروي – أنا أسميه الصُغروي Micro الذي سنشرحه الآن -Microevolution – وبعضهم يُركِز أكثر على التطور الكُبروي Macroevolution، وطبعاً جوهر التطور كما أراده داروين Darwin وكما تصوره هو في الـ Macroevolution – أو الانتواع Speciations – من الأنواع Species – أو الاستنواع، وهو خروج نوع من نوع وتشكل نوع من نوع، يعني ظهور أنواع جديدة، فهل يُمكِن لنوع مُعين أن يتطور وأن تتراكم فيه تغيرات على زمانية طويلة وبعد ذلك يستحيل إلى أنواع أخرى – أكثر من نوع – أو نوع جديد؟ وقد تقول لي ما هو الـ Microevolution أو الـ Macro؟ ما هو النوع؟ ولكن قبل أن أتحدث عن هذا لابد أن أقول ما هو النوع – Espèce أو Species – أصلاً.
باختصار أن النوع هو مجموعة تنتمي أو تتشارك في صفات مُعينة لكن يُمكِنها بين بعضها البعض أن تتزاوج وتتكاثر، ومعنى أن تتكاثر أي أن تُنتِج ذُرية Offspring، تُنتِج ذُريةً، لكن علينا أن ننتبه إلى أن هذه الذُرية بدورها قادرة على أن تتكاثر وتُنتِج ذُرية، فهذا هو التعريف الدقيق للنوع، وبغير هذا لا يكون للنوع أن يكون نوعاً، فإذن ما معنى النوع مرة أخرى؟ سوف نشرح هذا، فلو أتينا بالحمار – أكرمكم الله – مثلاً – وقمنا بعملية الإنزاء، ماذا سيحدث؟ علماً بأنه قد فعل البشر هذا من قديم، وذلك من ألوف السنين، حيث أنزوا الحمار على الفرس – الفرس هى أُنثى الحصان – فنُتِجَ – بالبناء المجهول يُقال نُتِجَ ولا نقول نَتَجَ – لنا البغل – أكرمكم الله – وهذا ما يُعرَف بالإنزاء، لكن البغل عقور – أي البغل عاقر – لأنه لا يستطيع أن يتزاوج وأن يتكاثر، فلماذا إذن؟ وما معنى هذا؟ معنى هذا أن الحصان نوع وأن الحمار نوع – أي نوعان لكن التعريف لم ينطبق عليهما – وأن يُمكِن إنزاء الحمار على الفرس – وقد فعل ولايزال البشر يفعلون هذا – وتأتي ذُرية، لكن هذا ليس تمام التعريف، فتمام التعريف يقتضي بأن هذه الذُرية لابد أن تتكاثر أيضاً لكنها لا تتكاثر، والعرب كانت تقول في الأمثال العربية القديمة إذا أردوا أن يُبعِّدوا شيئاً ويُحيلوه ويحكموا باستحالته أنه لا يقع “حتى يُنقَر في الناقور وحتى يلد البغل العقور”، لأن البغل لا يلد، أي إلى أن ينفخ إسرافيل في الصور، فهذا هو معنى “حتى يُنقَر في النقور وحتى يلد البغل العقور”، فالبغل لا يلد طبعاً، إذن الحصان نوع ،والحمار نوع ويتكاثران لكن الذُرية لا تتكاثر، فلو كانت الذُرية تتكاثر لابد أن نحكم أن الحصان والحمار من نوعٍ واحد، لكن في الحقيقة هما نوعان مُتمايزان.
طبعاَ البشر ينزون أحياناً الحصان الذكر على الأتان – الأتانهى أُنثى الحمار – ويُنتَج لدينا النغل، فذاك السابق إسمه البغل وهذا إسمه النغل، وطبعاً البغل والنغل من الحيوانات القوية المُعمَرة والمُفضَلة جداً في أداء الأعمال لأنها تعمل بصبر عجيب جداً، فلماذا؟ لأنها أخذت من الحمار صبره وأخذت من الحصان قوته، فطبعاً الحمار يُضرَب به المثل في الصبر ولذا يُقال “أصبر من حمار”، ولما سُئل الإمام الشعبي كيف حصلت هذا العلم؟ قال “بصبر كصبر الحمار”، أي لأن عندي صبر كالحمار، فالحمار صبور جداً، ولذا قال “بصبرٍ كصبر الحمار وبكور كبكور الغراب”، أي مُبكِر كالغربان، وعلى كل حال هذا هو النوع إذن.
نعود مرة أخرى لنتساءل: إذا كان هذا هو النوع ، فما هو الـ Microevolution؟ وما هو الـ Macroevolution؟
الـ Macroevolution قلنا أنه الانتواع، أي ظهور نوع من نوع، علماً بأنه لا يُفهَم جيداً الـ Macroevolution إلا بعد فهم الـ Microevolution ، طبعاً ربما ستتفطنون إلى الحيلة يستخدمها بعض علماء التطورضمنياً دون أن يُصرِّحوا بأي طريقة بها وأنت قد تُخدَع وتقول “فعلاً أنا أرى التطور الآن يحدث – Evolution in Action – أمامي”وذلك حين تراه تحت الميكرسكوب Microscope، وفي ظرف أيام أو أشهر يحدث هذا فعلاً، وكذلك في ظروف سنوات وأجيال يحدث، فإذن التطور In Action فعلاً لأنه قيد الحدوث، وهذا غير صحيح، فهذا إسمه الـ Microevolution، ونقطة الخلاف ليست في الـMicroevolution ولكن الخلاف على الـ Macroevolution، لأن الـ Microevolution لا يُنكِره أحد، فما رأيكم؟ هذا لا يُنكِره لا خلقوي ولا تكويني ولا ديني ولا أي أحد، فالكل يُصادِق على الـ Microevolution لأنه فعلاً يحصل، وبالتالي لا أحد يُنكِر الـ Microevolution، وسأضرب لكم الليلة مثلاً واحداً الليلة، والأمثلة عليه بالمئات، وطبعاً هناك أمثلة نحن نعيشها ولا ندرسها كبشر عاديين، مثل بكتيريا مُعينة مثلاً تضرب الجسم ونُقاوِمها بالمُضادات التي تتغلب عيلها أحياناً وتسحقها، وأحياناً تعود تنتعش هذه البكتيريا ولا تعود تجدي فيها هذه المُضادات أو هذا النوع من المُضادات، فما الذي حصل؟ طرأ عليها تغييرات مُعينة، وهذه التغييرات ليس، وهذا على مُستوى المظهر الخارجي لها وإنما على المُستوى الداخلي الجيني، أيعلى مُستوى الجينات Genes وعلى مُستوى الـ DNA، فيُقال هذا تطور وهذا تغير لأنها أصبحت تُقاوِم.
الحشرات كنا نُبيدها بمُبيدات حشرية مُعينة، بعد ذلك يخرج لنا جيل جديد من هذه الحشرات لا تُجدي معها هذه المُبيدات، فحصل تطور إذن، لكن هذا Microevolution وليس Macroevolution.
فالبكتيريا هى البكتيريا، نعم نوع جديد من البكتيريا لكنها ظلت بكتيريا، ليست شيئاً آخراً هى الآن، فهى لم تُصبِح شيئاً آخراً غير البكتيريا، والصرصور هذا لم يحدث أن أصبح شيئاً أخر غير الصروصور أبداً، وكذلك الذبابة وما إلى ذلك، فالصرصور بقيَ صرصوراً والذبابة بقيت ذبابة، أياً كانت سواء فراشة أو بعوضة أو أي شيئ، فيبقى هو كما هو، وهذا هو الـ Micro أو الـ Microevolution، والكل يعترف به هذا – كما قلنا – ولا أحد يُنكرِه، لكن نقطة النزاع بين أعداء التطور وبين التطوريين في ماذا؟ في الـ Macroevolution، فمتى يحدث هذا الـ Macroevolution، وكيف يحدث؟ هذه هى القضية أصلاً وهذا موضوع هذه الحلقات وطبعاً سنتحدَّث معه أيضاً عن الـ Microevolution، من أشهر الأمثلة وأروعها على الإطلاق على Microevolution قصة الفراشة المُنقَطة Peppered Moth، ففي بريطانيا ما قبل العهد الصناعي وما قبل الثورة الصناعية كانت هذه الفراشة تقريباً تعم القارة وتعم المملكة المُتحِدة، وتعيش هذه الفراشة على الأشجار وخاصة على جذوع الأشجار حيث توجد هناك الأشينات – Lichens – خيوط فطرية وأنواع من الطحالب تعيش وفق صيغة تعايشية، ويُمكِن أن تكتب أنت على أي موقع كلمة Lichen وسوف ترى كيف تكون أشكالها تكون، فهى تُعطي جذوع الأشجار المظهر الأخضر – المُنقَطة والصغيرة، ولذا تعيش عليها هذه الفراشة المُنقَطة المعروفة بيستون بيتولاريا Biston betularia، وقد كانت بيضاء اللون، ثم جاءت الثورة الصناعية فصارت تُنفَث في الجو كميات هائلة من السخام – أي الكربون، فالسخام نتيجة من المواد الكربونية العضوية – في الجو، فبدأت هذه الأشجار تسود وتفقد مظهرها الأخضر أو الأبيض الفاتح قليلاً، فما الذي يحصل الآن؟ فرصة هذه الفراشات المُنقَطة في النجاة تتراجع سريعاً أو بوتيرة سريعة، فلماذا إذن؟ لأن المُفترِسين – Predators – يترصدون لها، وطبعاً مُفترِس الفراشات بدرجة أولى الطيور، فعصافير الطيور تفترس دائماً الفراشات، والآن فرصة الفراشات في الكاموفلاج Camouflage أو في التمويه ضعيفة، لأنها فراشات بيضاء، أي فراشات فاتحة اللون – Hill – لكن الأشجار أصبحت غامضة، فالعصفور سوف يراها مباشرةً ويذهب إليها – يذهب إلى الفراشات – ليفترسها، ثم حدث تغيير ما وجاءت فراشات غامقة داكنة، لكن قد يقول لي أحدكم كيف جاءت هذه؟ هل هى أرادت أن تجيء؟ لم تُرد ذلك ولكن حدث خطأ مُعين، وأنتم تعلمون ما يحدث حين يتم التزاوج أو التكاثر، والتكاثر عموماً هو نوعان “تكاثر جنسي Sexual Reproduction وتكاثر لا جنسي Asexual Reproduction”، التكاثر اللاجنسي يُوجَد – مثلاً – في الكائنات الأولية، فهل تعرفون كيف تستنسخ الأميبا Amoeba نفسها؟ أول شيئ تُضاعِف الـ DNA في النواة، ثم تنقسم النواة إذن إلى نواتين، وكل نواة فيها DNA، ثم ينقسم جسم الأميبا Amoeba ويُصبِح لدينا اثنان من هذه الأميبا Amoeba مُتطابِقان تماماً في مُعظم الحالات، في بعض الحالات كما يحدث في التكاثر الجنسي الذي يُساهِم فيه الذكر بنصف الحقيبة الجينية والأنثى بالنصف الأخر من الحقيبة الجينية يحدث الخلط الجيني Genetic Recombination، وعملية الخلط الجيني – طبعاً سنفهمها أكثر بعد قليل – تتم بأخذ نصفاً من هنا ونصفاً من هنا ثم يحدث الخلط بطريقة عشوائية Randomly، وسنفهم أيضاً ما معنى هذه العشوائية، وهذا مُهِم جداً الآن، فهذه أشياء أساسية لابد أن نعلمها حتى نستوعب النظرية بهدوء وبوضوح ونفهم كيف تشتغل.
أحياناً – كما قلنا – حين تُضاعِف هذه الأميبا Amoeba الـ DNA يحدث خطأ في النسخ، والنسخ هو التكرار Replication، وهذا التكرار أو النسخReplication يحدث أحياناً فيه خطأ، وأنتم تعلمون كيف يكون اللولب المُزدوَج Double Helix، فنحن لدينا الحروف الأربعة من القواعد النتيروجينية الأربعة الأزوتية Nitrogen bases، فلدينا الأدنين Adenine مع الثايمين Thymine والسيتوزين Cytosine مع الجوانين Guanine وهكذا، مثل:
– A T) (C G، (C G A T)
– C G) (A T، (A T (C G
فلابد أن نحصل على نُسخة مُطابِقة، لكن أحياناً يكون نفترض – مثلاً – أن هذه الدرجة الرابعة يكون فيها A T هنا لكنه سوف يُصبِح C G، وهذا خطأ، فيجب أن يكون هنا A T وليس C G، فإذن هناك مُشكِلة وهناك خطأ، وهذا الخطأ في النسخ يُسمى بالطفرة – Mutation – أو التطفر، فهل تسمعون بالطفرة؟ هذه هى الطفرة إذن، لكن لماذا يحدث هذا الخطأ في الاستنساخ أو في التكرار؟ لأسباب عديدة، من ضمنها السموم وتأثيرات السموم على الكائن، ومن بين السموم الدخان مثل السجائر، فهذا خطير جداً، لأن المرأة لما تتناول السجائر أو لما الرجل يتناول السجائر يُؤثِر هذا تأثيراً سلبياً، صح نسب بسيطة جداً جداً لكن له تأثير لأنه هذه سموم، فهذت نوع من السموم ، وكذلك الحال مع المواد الكيماوية عموماً والأشعة Rays، ولذلك مُهِم جداً لما تعمل تصوير بالأشعة السينية أو الـ X-ray كما يُقال أن تكون المنطقة التناسلية مستورة بالرصاص، فهذا مُهِم جداً لأن هذه المنطقة حساسة جداً ورهيفة، وإلا تتأثر ميزداد ربما مُعدَل التطفر.
إذن هذه هى الـ Mutation، وقد يحدث هذا الخطأ، فإن حدث هذا الخطأ فإنه يحدث الآن في الـ DNA، يعني فيما يُعرَف بالمُستوى الجيني وبالنمط الوراثي والنمط الجيني، أي الجينوتايب Genotype، فهذا الجينوتايب Genotype فيه خطأ هنا، والنمط الجيني – كما تعلمون – هو المسؤول عن إعطاء كل كائن يحمله النمط الظاهري، فهو يُعطيك طولك وعرضك ولون عيونك وطبيعة شعرك وشحمة الأذن واللسان وكل شيئ فيك، فكل هذا يُعتبَر ترجمة لأوامر من النواة التي فيها الكروموسوم Chromosome الذي يحمل الجينات Genes وله علاقة بالحامض النووي DNA، فأي خطأ هنا في النمط الجيني يُترجَم بشيئ غير طبيعي، فتحدث شذوذات – Anomalies – في النمط الظاهري، فسوف نرى أن هذه الأميبا Amoeba – مثلاً – خرج لها ربما شيئ زائد، فهى ليست مثل أمها، كأن يخرج لها – مثلاً – يد زائدة طويلة – Long Arm وذلك بسبب الخطأ في الـ Replication.
الآن هذه الأميبا Amoeba الجديدة التي تكاثرت لا جنسياً – Asexualy – حين تتكاثر وتنسخ نفسها هل الآن هى تنسخ هذا الخطأ؟ طبعاً لأنها أصبحت تحمل هذا الخطأ، فهذا ثبات عندها ومن ثم نحن حين نقرأ نمطها الجيني نجد فيه بدل C G عند أمها A T مثلاً، فتخرج ذراع طويلة وهكذا، إلى أن يحدث خطأ آخر.
فهذه هى الطفرة إذن، وهذا يحدث أيضاً في التكاثر الجنسي، ففي التكاثر الجنسي يحدث نفس الشيئ – علماً بأننا سوف نشرح هذا فيما بعد – فتأتي لنا هذه الطفرة، لكن هل تعرفون أن الناس الذين لديهم عيون زرق يكون ذلك بسبب خطأ طفروي؟ فالعين الزرقاء هى خطأ في الطفرة، فاللون الأزرق – أي في لون العيون – هو خطأ طفرة – مثلاً – من الطفرات.
نعود إلى موضوعنا، فالذي حصل إذن أن عندنا هذه الفراشة المُنقَطة، وحدث ربما خطأ فظهر عندنا فراشة بلون داكن أو بلون غامق، ولكن هل هذا اللون الجميل أو غير الجميل في هذه الظروف جيد أو غير جيد؟ هو مُمتاز لأن هذا هو المطلوب، فهذه الفراشة فرصتها في البقاء عالية جداً وقوية جداً، لأنها سوف تحط على الأشجار دون أن يراها المُفترِسات Predators، فهم لا يرونها بخلاف صواحبها من الفراشات الفاتحة أو البيضاء – Hill – التي تُؤكَل دائماً، لكن هذه الداكنة ستعيش وستتكاثر مع غيرها، وبعد أجيال ستعم هذه الفراشات الداكنة، وفعلاً لم نبلغ سنة ألف وتسعمائة وخمسين في بريطانيا حتى كانت هذه الفراشات الغامقة الداكنة قد عمت جميع أنحاء بريطانيا، فالفراشات الغامقة في كل مكان، ولم نعد نرى الفراشة المُنقَطة البيضاء، لقد اختفت هذه المسكينة، وهذا شيئ عجيب، وهذا من الواضح أنه تطور، لكن هل هذا التطور Micro أم Macro؟ هذا تطور Micro، فهذه كلها فراشات Moths، هذه فراشة وهذه فراشة ولكن الاختلاف فقط في اللون، وكذلك أنت أسمر وهو أسود وهذا أحمر وهذا أبيض، لكن نحن كلنا بشر وإخوة، ونفس الشيئ مع الألوان في الفراشات، فهذه فراشة بيضاء وهذه فراشة سوداء وهذه فراشة بنية لكن في النهاية كله فراش، فهذا ليس نوعاً أخراً، وهذا إسمه الـ Microevolution، ومن المُهِم أن ننتبه إليه إلى الـMicroevolution، لكن قد يقول لي أحدكم ما علاقة الـ Microevolution بالـ Macroevolution؟ سوف نشرح هذا، لكن طبعاً القصة لها بقية، ففي ألف وتسعمائة وست وخمسين المُشترِع البريطاني بدأ في إصدار قوانين تحد وتُقيد – قوانين تقيدية – من نفث الكربون – Carbon – في الجو، وفعلاً بعد سنين بدأ لون الأشجار يتراجع إلى اللون الفاتح قليلاً قليلاً واختفى اللون الداكن، فماذا سيحصل الآن مع الفراش؟ نعكست القضية، فالفراش الداكن سيُؤكَل، وهذا ما حدث مع هذا المسكين الذي أصبح يُؤكَل، فلابد الآن من مُنعرَج تطوري عكوس مُعاكِس، أي لابد من مُنعرَج تطوري مُعاكِس وهذا ما حصل، فأخذ التطور الإتجاه المُعاكِس وبدأ الفراش الداكن يتفانى ويتلاشى ويضمحل شيئاً فشيئاً، ويزداد الفراش الفاتح في بريطانيا، فكله الآن من الفراش الفاتح.
إذن عن ماذا تحدثت؟ تحدَّثت عن الفراش المُنقَط بيستون بيتولاريا Biston betularia، وكله هذا الآن أصبح فاتحاً بفضل قوانين حماية البيئة، وهذا مثل جميل جداً وطبعاً يُعجَب به علماء التطور وحتى العلماء العاديون ونحن نُعجَب به، سبحان الله فعلاً، تقول الآية الكريمة الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ۩، لكن نحن لا نُريد تضمينات دينية الآن، فلابد أن ننتبه تماماً إلى أن هذا المثل عن الـ Microevolution وليس عن الـ Macroevolution، فعلماء التطور يقولون أن هذه قفزة كبيرة وقفزة عظيمة جداً، لأن هذا اللون نتج ضمن أجيال، نعم ليس في زمانية طويلة جداً ولكن في زمانية معقولة، فكيف بنا بتراكم تغيرات صغيرة – صغيرة على صغيرة على صغيرة وهكذا – في مئات ألوف وفي ملايين وفي عشرات ملايين -أحياناً – السنين بل وفي مئات ملايين السنين؟ قالوا هذا يُنتِج لنا الـ Macroevolution ، وسنرى في النهاية أنواعاً جديدة وسنرى هذا الانتواع Speciation، فهل لاحظ أحد هذا ؟ هذا لم يُلاحَظه أحد، هل هذا قابل للملاحَظة؟ هل يُمكِن أن نُلاحِظ هذا؟ هذا مُستحيل، لكن كل الذي نُلاحِظه نحن هو الـ Micro، أما الـ Macro هذا فلم يُلاحَظ، لكن قد يقول أحدهم “أنا رأيت هذا” لكن هذا غير صحيح، فأين رأيته؟ هل رأيته من عشرة مليون سنة أو من مائة مليون سنة؟ فإذن الانتقال من هذا إلى هذا يُوجَد فيه نوع من القفز – هذا من الناحية منهجياً – طبعاً، ولكن سوف نرى كيف يُجيب التطوريون عن هذه المسألة أيضاً.
الآن نعود إلى صلب الموضوع بعد أن فهمنا ما هو النوع وما هو Microevolution وما هو Macroevolution وما هو الانتواع، فهذه المُقدِمات مُهِمة، ونأتي الآن إلى التعريف، فطبعا يُوجَد – كما قلت لكم – عشرات التعريفات للتطور، وهى مُتقارِبة جداً وبعضها يُركِّز على هذا وبعضها يُركِّز على هذا، ونحن فهمنا هذا على كل حال، فالآن إذا سمعنا تعريفاً سنعرف هل هذا التعريف يدور على الـ Micro أو الـ Macro، فمُهِم جداً أن نفهم هذا لكي نعرف على ماذا نُقبِل، والآن سنأخذ تعريفاً من هذه التعريفات، حيث أنهم يقولون أن التطور هو تغير في المُستودَع الجيني Gene Pool – Pool تعني المسبح لكن نحن سنُسميه المُستودَع، وسوف نعرف ما هو المُستودَع الجيني Gene Pool – لعشيرة Population – والـ Population هى مجموعة من السكان، فنفترض وجود أي نوع مثل بشر أو دُب أو أسود أو ببر أو نمور أو فراشات أو ذباب أو أي شيئ، ثم ننظر إلى مجموعة منهم، مثل مليون من البشر أو مائة ألف من البشر أو ألف من البشر، وكذلك الحال مع الفراشة، فننظر إلى ألف فراشة أو عشرين فراشة، وكذلك الحال مع العصافير، مثل أن نرى عشرين عصفوراً – تعيش في مكان مُعين مُنعزِل ويطرأ عليها تغير، هذا التغير ليس على الأشكال وليس على الأجسام وليس على الأفراد أبداً، وإنما على المُستوى الجيني لهذه العشيرة – Population – في المُستودَع الجيني، لكن ما هو المُستودَع الجيني؟!
المُستودَع الجيني مُهِم جداً ولذا سوف نُبسِطه الآن بمثال سهل جداً، وطبعاً من المُمكِن أن نُعرِّفه الآن لكنه لن يُفهَم، أما بالمثال سوف يضح تماماً الأمر، فلو افترضنا أن لدينا جماعة الآن، إن شئتم من البشر وإن شئتم جماعة من الحيوانات، ولتكن الدُببة – Bears – مثلاً، وهذه الجماعة من الدُببة عُزِلَت في جزيرةٍ ما -جزيرة في البحر وبالتالي لا أحد يصل إليها ولا تستطيع هى أن تُغادِر هذا البحر أو هذا المُحيط لأنه مُحيط واسع، ومن ثم هي معزولة في هذه الجزيرة – في البحر،ولنفترض أن عدد هذه الدُببة يصل إلى عشرين دُباً، ولتسهيل التفكير الإحصائي فقد سنقول أن عشرة منها تمتلك فرواً فاتحاً، أي أنها بيضاء اللون، مثل الدُب القطبي Ice Bear، وعشرة منها ذات فرو غامق داكن، كأن يكون فرواً بنياً مثلاً مثل الدب البني، ونحن سوف نقول أن اللون الفاتح صفة مُتنحية وأن اللون الغامق صفة سائدة، علماً بأن هذه الصفات معروفة لمَن درسها، وأكيد كلكم تقريباً درستم في الثانوية مبادئ علم الوراثة، ولكن باختصار لمَن لم يدرس أو لمَن نسى من بعد درس سوف نقول أن الصفة المُتنحية هى الصفة التي حين تجتمع مع السائدة لا يظهر أثرها، فهى إسم على مُسمى، ولذا هذه إسمها سائدة وهذه إسمها مُتنحية، فالسائدة هى التي تسود وتُسيطر وتُهيمن، وائماً يُرمَز للسائد بحرف Capital ويُرمَز للمُتنحي بحرف Small، والآن سوف نُعطي رمز – مثلاً – الـ (D) الـ Capital Letter للون البني، وسوف نُعطي الـ (d) الـ Small Letter للون الفاتح، سوف نفترض – مثلاً – كل هذا دون أدنى مُشكِلة، لكن الآن لدينا عشرة هكذا وعشرة هكذا، أي خمسون في المائة بني وخمسون في المائة أبيض، وبعبارة أُخرى خمسون في المائة مُتنحي وخمسون في المائة سائد، والآن مجموع هذه الأشياء يُوجَد في هذه الجزيرة المعزولة Isolated – من العزل أو الانعزال Isolation – التي لا يذهب إليها حد ولا يخرج منها أحد، والآن هذه الصفات كلها – خمسون في المائة وخمسون في المائة – يُقال عنها هى المُستودَع الجيني الجماعة – Population – من الدُببة، فهذه صفات مُعينة ثابتة والمفروض أنها الآن لا تزيد ولا تنقص، فإن حدث نقصان أو زيادة أو تغير – Change – في هذا المُستودَع الجيني قالوا لك أن هذا هو التطور، فهذا هو ببساطة فقط وذلك إن حدث أي نقصان أو أو زيادة في النسبة، فالنسبة الآن عندنا هى خمسون في المائة وخمسون في المائة – أي أن النسبة Fifty-Fifty – وبالتالي إن حدث أي تغير سوف يُقال أن هذا هو التطور، لكنك قد تقول لي متى يحدث هذا التغير؟ هناك خمسة عوامل يُمكِن أن تُحدِث هذا التغير، وسنشرحها ومن ثم نكون قد فرغنا من شرح ما هو التطور ونكون قد فهمناه بطريقة مُبسَطة وسهلة، وعلى كل حال حين يحدث هذا التغير ويطرأ هذا التغير على هذه النسبة سوف يُقال حدث تطور، فهذا هو التطور -Evolution – إذن، لكن سؤالي لكم الآن هل تتوقعون أن هذا التطور Evolution من نوع الـ Micro أم الـ Macro؟ طبعاً Micro لأن الدُببة سوف تبقى دُببة، ربما يحدث اختلاف فتُصبِح مثلاً نسبة نسبة الفاتح – Hill – سبعين في المائة وتُصبِح نسبة الغامق ثلاثين في المائة لكنها تظل دُببة، فهل تغير تردد المُستودَع الجيني أم لم يتغير؟ تغير من خمسين إلى سبعين في المائة، أي وصت النسبة إلى ثلاثين في المائة وبالتاي هذا تطور ولكنه Micro ومن ثم ليس عندنا مُشكِلة هنا إذا قلت لي أن هذا تطور Micro، فحين تُقنعني به وتأتي لي عليه بالأدلة وبمئات الأمثلة سوف يكون أمراً جميلاً جداً جداً، فأنا أُؤمِن بهذا وليس لدي أي مُشكِلة معه بل ليس لأحد مُشكِلة معاه ولو كان من رجال الدين اليهودي أو النصراني أو الإسلامي، فكل الناس توافق عليه لأن هذا علم، وهو علم قابل للفحص Testable، فهو قابل لأن تفحصه وتراه، فهذا يحصل طبعاً، لكن هذا Micro وليس Macro، وهذا شيئ عجيب، علماً بأن هناك كتب مدرسية – Textbooks يعني – تتكلم عن التطور وتُقدِم هذا التعريف، لكن هذا التعريف للـ Micro في حين أننا نُريد دائماً الـ Macro، ولكن نحن لن نفهم الـ Macro إلا إذا فهمنا – كما قلت لكم – ال Micro، ومن ثم سوف نفهمه بشكل جيد وواضح وسلس بإذن الله تبارك وتعالى.
إذن أي تغير في تردد المُستودَع الجيني – أي في نسب توزيع الجينات Genes – يعتبر هو التطور، وألآن سنأتي إلى النقطة الأخيرة في شرح ما هو التطور: ما هى العوامل الخمسة التي يُمكِن أن تُؤثِر على تردد المُستودَع الجيني، أيعلى نسبة توزيع الجينات Genes؟
العامل الأول أن يحدث تقلص في عدد أفراد العشيرة Population، ونحن قلنا أن عددهم هو عشرون – مثلاً – ثم أتى وباء – Epidemic أو Epidemie – مُعيَّن ودهم الجزيرة، فمات بطريقة وبائية عشرة من الدُببة ونجا عشرة، والآن لا ندري مبدئياً الذين نجوا مَن هم، فربما من العشرة مات ستة من ذوي الألوان الفاتحة وأربعة من ذوي الألوان الغامقة، فإذن أصبحت النسبة 60 % إلى 40 %، وبالتالي هذا تطور- Evolution – إذن لوقوع تغير في المُستودَع الجيني، فهم يقولون لك أنتردد المُستودَع الجيني ناله تغير وبالتالي هذا هو التطور Evolution، هذا هو التطور، فإذن أول سبب هو أن عدد أفراد هذه العشيرة -العشيرة هى المجموعة طبعاً التي تنتمي إلى نوع مُعين، فهذا هو معنى العشيرة Population، مع العلم أن كلمة Population تُستخدَم طبعاً في أشياء كثيرة طبعاً مثل السكان ونسبة السكان وعدد السكان والانفجار السكاني Population Explosion وغير ذلك، وعلى كل حال هذا شيئ ثانٍ، فنحن نتحدث بلغة علم الأحياء الآن، فمعنى Population هنا عشيرة، أي مجموعة تنتمي أفرادها إلى نوع ما ومن ثم تُسمى Population، فأي قطاع من مجموعة أفراد من نوع مُعين يُسمى بالعشيرة Population – تقلص، فتقلص عدد السكان يُحدِث لنا هذا الشيئ.
إذن السبب الأول هو تقلص عدد السكان، أما السبب الثاني فهو التزاوج Mating، فعندما يحدث تزاوج يحدث عندنا تطور، فلماذا إذن؟ نحن شرحنا نصف هذه المسألة حين تحدثنا عن موضوع تكاثر الأميبا Amoeba وهو تكاثر لا جنسي لأن لا يحتاج فيه الفرد إلى فرد آخر، فلا يُوجَد في الأميبا Amoeba ذكر وأنثى، فالأميبا Amoeba هى كائن كائن بدائي وحيد الخلية مثل البكتيريا وحيدة الخلية وحقيقية النواة، فالأميبا Amoeba حقيقية النواة طبعاً، لكن نحن الآن نُريد في التكاثر الجنسي – مثل تكاثرنا نحن وتكاثر الحيوانات عموماً – ذكراً وأنثى، ونحن لدينا في الجاميتات – Gamets – كما يُقال طبعاً، لكن ما هى الجاميتا Gamet أولاً؟ هى الخلية الجنسية، أي الحيوان المنوي من الرجل أو البوييضة – Egg cell أو Ovum – من المرأة، فهذا يُسمى الجاميتا Gamet، ونحن عندنا جاميتا Gamet الرجل وجاميتا Gamet المرأة، ويحتوي كلُ منهما على نصف الحقيبة الوراثية، وأنتم تعرفون كيف هذا لأنه أمر معروف ومن ثم لن نشرحه، فالآن طبعاً في علم الأحياء وعلم الأجنة حتى يحدث شيئ ما دائماً للجينات الإنسانية التي هى موجودة على التمام في كل الخلايا باستثناء طبعاً كُريات الدم الحمراء لأن هى لا نواة فيها، علماً بأن الـ DNA دائماً في النواة، لكن المُهِم هو أن في الخلايا البنائية والخلايا البدنية – Somatic Cells – عموماً لدينا ستة وأربعون كروموسوماً Chromosome، أي ثلاثة وعشرون زوج من الكروموسومات Chromosomes، لكن قد يقول لي أحدكم الآن ولكن أنت ذكرت قبل قليل أننا نتشابه مع القرود بنبسة 99 %، فماذا عن القرد إذن الآن؟ فكم عدد الكروموسومات Chromosomes عند القرد؟ يُوجَد أربع وعشرون زوج كروموسوم Chromosome، أي ثمانية وأربعون كروموسوم Chromosome، فإذن كيف نتشابه معهم، أي مع القردة؟
هذا كان تحدي كبير لعلماء التطور، لكن هناك واحد في المائة، فهو يزيد عنك بزوج من الكروموسومات Chromosomes، فهو عنده ثمانية وأربعون كروموسوم Chromosome لكن أنت عند ستة وأربعون كروموسوم Chromosome، ومن ثم علماء التطور بذكاء رهيب قالوا لابد من وجود حل – علماً بأننا سوف نعود إلى هذا عندما نتحدث عن نظرية التطور من جهة المُؤيِدات في الحلقات المُقبِلة بإذن الله، أي في الأسابيع المُقبِلة – وفعلاً وجدوا الحل وكان حلاً مُذهِلاً بشكل حقيقي، حيث قالوا لابد من وجود كروموسوم Chromosome آخر عند الإنسان التحم بأحد الكروموسومات Chromosomes، أي لابد من أن هناك التحام ما حدث، ومن ثم سوف نجد أكثر من طرف وسوف نجد مركزين، الآن سوف نرى صحة هذا من عدمه، فإن وجدنا هذا سوف تكون النظرية صحيحة بنسبة 100 %، والإنسان في الأصل عنده أربعة وعشرين زوج من الكروموسومات Chromosomes، لكن حدث التحام فقط، وقد وجدوا هذا، وهذا مُصوَّر وبالتالي يُمكِنك أن ترى مركزين وليس مركزاً واحد ، وذلك في الكروموسوم Chromosome الثاني – Chromosome number two(2) – وهذا – سبحان الله – شيئ عجيب، فنحن في الأصل مثل الشامبنزي Chimpanzee عندنا أربعة وعشرون زوج من الكروموسومات Chromosomes وليس ثلاثة وعشرين، فهذا هو العلم إذن، وهو علم عجيب وجميل، فسبحان الله الذي قال قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ۩، فكل شيئ عنده قانون وعنده شيئ يدل عليه وعنده مفتاح، فلا يُوجَد شيئ ضائع أبداً ولكن المسألة تحتاج إلى صبر وبحث، فلابد من مواصلة البحث لأن هذا هو جمال البحث العلمي وجمال العقل الإنساني المُرتّب، لكن لا علاقة لنا بهذا الآن ومن ثم نرجع الآن إلى موضوعنا، فالعلماء يقولون أن إعادة الخلط -Recombination – يحدث مرتين في الإنسان و في الحيوان عندما يتكاثر جنسياً وليس مرة واحدة، و طبعاً الخلط هذا يكون Genetic Recombination، فالمرة الأولى تكون عندما تنصّف الجينوم Genome ثم تأخذ الجاميتا Gamete نصف هذا الجينوم Genome، فهذا هو أول تخليط، والمرة الثانية وهى الأهم عندما تأتي جاميتا Gamete الرجل أو الحيوان المنوي من الرجل – أي الحيمن – مع البوييضة ويتلاقحان، فهذا يدخل في هذا ومن ثم الحيوان المنوي يُخصِّب البوييضة، وبالتالي تحدث عندنا الخلطة الثانية.
طبعاً من المعروف أن من المُهِم جداً في موضوع التطور أن يكون لدينا ذُرية كثيرة، فكلما وُجِدَ إنجاب أكثر وذرية أكثر كلما كان هناك إمكانية للتنوع أكثر ومن ثم تُصبِح التنوعات أكثر، لأن مع كل خلطة جديدة يخرج لنا أشكال جديدة.
نرجع إلى فكرة مُستودَع الجينات Gene Pool الآن، فنحن قلنا أننا سنفترض أن هناك – مثلاً – عشر جينات للون الفاتح وعشر جينات للون الغامق، والآن سنفترض وجود أوراق مُلوَّنة، عشرة منها باللون – مثلاً – الأصفر والعشرة الأُخرى باللون البُني، علماً بأن هذه الأوراق العشرة الصفراء والأوراق العشراء البنية تم عزلهم، فهذه معزولة وهذه معزولة، والآن سوف نخلط الأوراق جيداً، فحين نفتح هذه الأوراق سوف نجد عدداً من التشكيلات المُختلِفة، فقد نجد في المرة الأولى لوناً أصفراً ولوناً أصفراً ولوناً بُنياً، وفي المرة الثانية قد نجد لوناً أصفراً ولوناً أصفراً ولوناً أصفراً، وفي المرة الثالثة قد نجد لوناً أصفراً ولوناً بُنياً ولوناً بُنياً وهكذا، ففي كل مرة تشكيلات جديد ة لكن في نهاية المطاف النسبة ثابتة، فالنسبة هى خمسون إلى خمسين، فهذا الـ Recombination يُعطي أشكالاً جديدة لكن النسبة ثابتة، ومع كل تزاوج يحدث عندنا Recombination وينتج لدينا أشكال جديدة، وأحياناً يحدث لدينا أشياء جديدة أُخرى، وعلى كل حال هذا هو العامل الثالث، ولذلك هم يسمونه بالتحدر مع التعديل Descent With Modification، ففي كل مرة يُوجَد شكل جديد طبعاً، وسوف نرى فيما بعد ما فائدة هذا كله وفيما يُفيد تحديداً وكيف يُمكِن أن يصب هذا في صالح التطور، لأن حتى الآن هذا غير مفهوم، لكن هذا يُصبِح مفهوماً بالعنصر الخامس، فسوف نرى ما هو العنصر الخامس الذي يستغل كل هذه الأشياء لكي يعمل لصالح التطور، وسوف ونلاحِظ أنه أصبح لدينا هذا التطور.
العامل الأول تقليل عدد السكان وتقلص عدد السكان،
العامل الثاني هو التزاوج Mating،
والعامل الثالت هو الطفرة – Mutation – أو عامل الطفرة، وقد شرحناها من خلال مثال الأميبا Amoeba، وهذا الشيئ نفسه يحدث في الإنسان عندما تحدث هذه الانقسامات المتوالية فيحدث دائماً عندنا الاستنساخ أو النسخ Replication، ويكون كما هو ويكون الـ DNA بنفس الطريقة لكن أحياناً يحدث خطأ مُعيَّن في الحرفين القاعديين وبالتالي تحدث طفرة، ولكن في مُعظَم الحالات هل هذه الطفرات مُؤذية أم مُفيدة خاصة في علم الحيوان وليس في عالم النبات؟ مُعظم الطفرات على الإطلاق مُضِرة ومُميتة – Fatal – وقاتلة، وتُسبِّب السرطانات – Cancers – وتُسبِّب الزوائد، فقد تجد أحدهم – مثلاً – بستة أصابع أو بثمانية أصابع أو برأسين أو بأربعة آذان أو بعين زائدة، وهذا شيئ عجيب، لكن كل أنواع هذه الشذوذات – Anomalies – ناتجة عن الطرفات، وطبعاً أحياناً تكون هذه الطفرات مُفيد ة مثلما قلنا في حالة العيون الزرق، فهناك مَن يُحِبون هذا اللون ويعتبرونه مزية، لكن مُعظم الطفرات بشكل عام مُضِرة، وإذا حصلت طفرة مُعينة كما في الأميبا Amoeba سوف ثبتت، لأنها ستنسخ نفسها أيضاً، ثم سيحدث نسخ بعد ذلك وهكذا، ومن ثم سوف تبقى موجودة دائماً، كأنها نُسخة أصلية، وقد تحدث طفرة أخرى بعد ذلك، وطبعاً علماء التطور يزعمون أن من الطفرات المُفيدة ما يتراكم عبر ملايين السنين – أي تحدث طفرة اليوم ثم تحدث طفرة ثانية بعد عشرة آلاف سنة ثم تحدث طفرة ثالثة بعد مليون سنة وهكذا – وقالوا من المُمكِن بعد مائتين مليون سنة أو ثلاثمائة مليون سنة أن نجد نوعاً جديداً، ولكن هذا طبعاً ضمن عوامل أخرى، فلا يُمكِن أن يحدث هذا بعامل الطفرة فقط، فهناك عوامل أُخرى تعمل معاً، وطبعاً داروين Darwin لم يُعوِّل على الطفرة ولم يهتم بالطفرة أصلاً، فداروين Darwin كانت معلوماته عن علم الخلية أصلاً بدائية، لأن علم الخلية كله أصلاً أيام داروين Darwin كان علمياً بدائياً تماماً، فكان يُنظَر إلى الخلية – كما قلت مرة في خطبة – على أنها تقريباً كيس من الهلام، أي كيس فيه مادة سيتوبلازمية – نسبة إلى Cytoplasm – وينتهي كل شيئ، فهى شيئ بسيط جداً وبالتالي كانت هذه النظرة بسيطة جداً وسطحية، لذلك نظريات الوراثة أيام داروين Darwin بما فيها نظرية ذاتها داروين Darwin التى هى نظرية شمولية التكوين Pangenesis Theory كانت نظريات بسيطة جداً وساذجة، وهى طبعاً الآن مرفوضة بالكلية في عالم الوراثة وليس لها أي مصداقية، علماً بأننا سنشرح نظرية داروين Darwin بالذات – أي نظرية شمولية التكوين أو شمولية التخليق في الوراثة – في وقتها إن شاء الله، لكن على كل حال هذه النظريات ليس لها أي قيمة علمية، فهم لم يكن لديهم أي فكرة بالمرة عن موضوع الجينات Genes ولا يعرفون فيه شيئاً، فحتى كلمة جين Gene – أي مُورِّثة – استُخدِمَت لأول مرة في سنة ألف وتسعمائة وتسعة، فلم يكن عندهم أي فكرة في السابق عن موضوع الـ DNA الذي اهتُدِيَ إليه في أواسط الخمسينيات، ومن ثم علمنا هذا الشكل المعروف الخاص به وعلمنا واتسون Watson وكريك Crick وهؤلاء الجماعة.
نكتفي إذن بهذا القدر في هذه الحلقة على أن نُكمِل – إن شاء الله – في حلقةٍ جائية أو قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
(تمت المُحاضَرة بحمد الله)
السلام عليكم ي د.عدنان ابراهيم هناك سؤال لربما يتعلق بنظرية التطور واريد جواب منك كيف اخذ موسى عليه السلام من كل نوع زوج ونا اقصد المخلوقات بصفه عامه كيف كيف هناك الملايين من المخلوقات المختلفة وايضا زوج يعني ضعف عدد المخلوقات في سفينه واحده هذا ما افكر فيه وانا لا اشك في ديني ابدا ولاكن قلت لنفسي لعله اخذ من كل فصيله زوج وليس من كل مخلوق وبعد ذلك تطورت حتى وصلة على ماهيا عليه الان